الأحكام الخاصَّة بعيد الأضحَىٰ
للشَّيخ / عبد القادر بن محمد الجنيد - حفظه الله تعالىٰ-
و بعد: أيُّها المسلم - وفَّـقكالله للفقه في دينه - فإنَّ من التَّقصير الَّذي يقع فيه جمعٌ كثير من أهل الإسلام في أقطارٍشتَّىٰ: تركُ تعلُّم الأحكام الشَّرعيةالمتعلِّقة بالعيد عند حلُولِه.
وقد كتبتُ هٰذه الرِّسالة المختصرة عن الأحكام الخاصَّة بعيد الأضحىٰ- عيد المسلمينالثَّاني- وذلك تذكيراً لي ولك، وقد جعلتُها في مسائل ليسهُل بإذن الله - تعالىٰ- عليك فهمها،والإلمام بها، هٰذا وأسأل الله - تعالىٰ- أنينفع بها كاتبها، وقارءها، والسَّاعِي بين النَّاس في نشرها، أو تفقيههمبها.
ثمَّ أقولُ مستعينًا به عزَّوجلّ:
- المسألة الأولىٰ: وهي عنمشروعيَّة صلاة العيد.
قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - كما في (( مجموع الفتاوىٰ )) (23/161) عن صلاةالعيد:‘‘ إنَّها من أعظم شعائرالإسلام، والنَّاسُ يجتمعون لها أعظم من الجمعة ’’. اهـ .
و مشروعيَّـتها ثابتة بالسُّنَّـةالنَّبويَّـة المشتهرة المستفيضة، وإجماعِ أهل العلم، وقد كان النَّبيُّ rوالخلفاءُ بعده يداومُونعليها، ولم يأتِ عنهم تركها في عيدٍ منالأعياد.
و قد قال ابن عباس- رضي الله تعالىٰ عنهما -: ‘‘شهدتُ العيدَ مع رسول اللهrوأبي بكر وعمر وعثمانy فكلُّهم كانوا يصلُّون قبلالخطبة’’ رواه البخاري (962) واللَّفظ له، ومسلم (884).
وقال جابر بن سَمُرة t : ‘‘صلَّيتُمع رسول الله rالعيدَين غير مرَّة ولا مرَّتينبغير أذانٍ ولا إقامة ’’رواهمسلم (887).
بل حتَّىٰالنِّساء كُنَّ يَشهدْنها علىٰ عهد رسول الله r ؛ فقدقالت أمُّ عطيَّـة - رضي الله تعالى عنها -: ‘‘ كنَّا نؤمر أننَخْرُجَ يوم العيد، حتَّىٰ نُخْرِج البكر من خِدرها، حتَّىٰ نُخْرِج الحِيَّض، فكُنَّ خلفالنَّاس، فيكبِّرن بتكبيرهم ويدعُون بدعائهم، يرجُون بركةَ ذلك اليوم وطُهْرَته ’’رواه البخاري (971) واللفظ له، ومسلم (890).
وقال الإمام إسحاق بنراهويه - رحمه الله - كما في (( مسائل الإمام أحمد وإسحاقبن راهويه )) رواية إسحاق بن منصور الكَوْسَج (رقم: 2865) : ‘‘يُستحبُّ الخروج لهنَّ فيالعيدَين؛ لِـمَا مضت السُّنَّـة بذلك، ولكن لا يتزيَّـنَّ ولا يتَطيَّبن’’. اهـ .
فإذا خرجْنَ علىٰ هذه الصِّفةجمعن بين فِعل السُّنَّـة واجتنابِ الفتنة.
وهي من السُّنن المؤكَّدة عند جماهير أهل العلم، وقد نسَبه إليهم النَّووي - رحمهالله - في كتابه (( المجموع )) (5/6) ، وابن جُزَي - رحمه الله - في كتابه (( القوانينالفقهية )) (ص103).
وقال النَّووي - رحمه الله - في كتابه (( المجموع )) (5/24): ‘‘ تُسنُّ صلاة العيد جماعة،وهذا مجمعٌ عليه، للأحاديث الصَّحيحة المشهورة ’’. اهـ .
·المسألة الثـَّانية: وهي عنالاغتسال للعيد.
وتحت هذهالمسألة فرعان:
·الفرع الأوَّل: وهو عن استحباب الغُسل للعيد.
الاغتسال للعيد هو فِعل أصحاب النَّبي r ؛ فقد ثبتعن نافع أنـَّه قال: ‘‘ كان ابن عمر يغتسل للعيدَين ’’رواه الفريابي في كتابه ((أحكام العيدين )) (رقم: 15).
وثبت عن الجعد بن عبد الرَّحمٰن أنـَّه قال: ‘‘ رأيتُ السَّائب بن يزيد tيغتسل قبل أن يخرج إلىالمصلَّىٰ’’رواه الفريابي في كتابه ((أحكام العيدين )) (رقم: 16).
وقال ابن رشد - رحمه الله - في كتابه (( بدايةالمجتهد )) (1/505):‘‘ أجمع العلماء علىٰ استحسان الغُسل لصلاة العيدَين’’. اهـ .
·الفرع الثَّاني:وهو عن وقت الاغتسال للعيد وصفته.
الأفضلُ أن يكون الاغتسال للعيد بعد صلاة فجرِه وقبل الذَّهاب إلىالمصلَّىٰ، وأن تكون صفتهكصفة غسل الجنابة، وعليه يدلُّ ظاهر الآثار الواردة عن الصَّحابة yومنهم ابن عمر- رضي الله عنهما -فقد قال محمَّد بن إسحاق: ‘‘ قلتُ لنافعٍ: كيف كان ابن عمر يصلِّي يوم العيد؟فقال: كان يشهد صلاةَ الفجر مع الإمام، ثمَّ يرجع إلىبيته فيغتسل كغُسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيَّب بأحسنَ ما عنده, ثمَّ يخرج حتَّىيأتيَ المصلَّىٰ’’رواه الحارث بن أبي أسامة في (( مسنده )) كما في (( المطالبالعالية )) (رقم: 2753) بسندٍ حسن.
وثبت عن الجعد بن عبد الرَّحمن أنـَّه قال: ‘‘ رأيتُ السَّائب بن يزيد tيغتسل قبل أن يخرج إلىالمصلَّىٰ ’’رواه الفريابي في (( أحكام العيدين )) (رقم: 16).
وإنِ اغتسل للعيد قبل صلاة الفجر لضيقِ الوقت، وحتَّىٰ يتمكَّن مِن التَّبكير إلىالمصلَّىٰ فحسنٌ؛ وقد فعله جمعٌ من السَّلف الصَّالح، واستحسنه كثير.
· المسألة الثـَّالثة: وهي عنالتَّجمل للعيد بأحسن الثـِّياب و الطِّيب.
عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما - أنـَّه قال: ‘‘ وجد عمر بن الخطاب t حُلَّة من إستبرق تُباع في السُّوق، فأخذها فأتـَىٰ بهارسولَ الله r ، فقال: يا رسول الله ابتَعهذه فتجمَّل بها للعيد والوفود ’’رواهالبخاري (94 ، ومسلم (206.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في كتابه (( فتح الباري )) (6/67و72( :‘‘ وقد دلَّ هٰذا الحديثُ علىٰالتجمُّل للعيد، وأنـَّه كان معتادًا بينهم، ... وهٰذا التَّزيُّن في العيد يستوِي فيه الخارجإلىٰ الصَّلاة، والجالس في بيته حتَّىٰ النِّساء و الأطفال’’. اهـ .
ولكن المرأة إذا خرجت إلىٰصلاة العيد تخرج غير متجمِّلة ولا متطيِّبة, ولا متبرِّجة ولا سافرة عن حجابها؛ لأنـَّهامنهيَّـةٌ عن ذٰلك في جميع أحوال خروجها، والخروجُ للعبادة أشدّ.
وقال الإمام الشافعي-رحمه الله - في كتابه (( الأمّ )) (1/38 :‘‘ ويلبس الصِّبيان أحسن ما يقدرون عليه ذكورًا وإناثـًا ’’. اهـ .
وثبت عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما -: ‘‘ أنـَّه إذا كان يوم العيديلبس أحسن ثيابه، ويتطيَّب بأحسن ما عنده’’ رواه الحارث في ((مسنده )) كما في (( المطالبالعالية )) (رقم:2753) , و البيهقي (3/38.
وقال الإمام مالك بن أنس- رحمه الله - كما في كتاب (( الأوسط )) (4/265) لابن المنذر: ‘‘ سمعتُ أهل العلم يستحبُّونالزِّينة والتَّطيُّب في كلِّ عيد ’’. اهـ .
·المسألة الرَّابعة: وهي عنترك الأكل في يوم العيد حتَّىٰ يرجع من المصلَّىٰ.
قال الإمام ابن قُدامة - رحمه الله - في كتابه (( الـمُغني )) ( 3/258-259) :‘‘السُّنة أن يأكل في الفِطر قبل الصَّلاة، ولا يأكل في الأضحَىٰ حتَّىٰ يُصلِّي، وهٰذا قولأكثر أهل العلم, لا نعلم فيه خلافـًا’’. اهـ .
وقال ابن رشد - رحمه الله - في كتابه (( بداية المجتهد )) (1/514) : ‘‘وأجمعوا على أنـَّه يُستحبُّ أن يفطِر في عيد الفطر قبل الغُدوِّ إلىٰالمصلَّىٰ، وأن لايفطِر يوم الأضحَىٰ إلَّا بعد الانصراف منالصَّلاة ’’. اهـ .
وثبت عن سعيد بن المسيّب - رحمه الله - أنـَّه قال:‘‘ كان المسلمون يأكلون في يومالفطر قبل الصَّلاة، ولا يفعلون ذلك يوم النَّحر’’رواهالشافعي - رحمه الله - في كتابه (( الأمّ )) (1/387) .
وثبت عن الشَّعبي- رحمه الله - أنـَّه قال: ‘‘ إنَّ من السُّنَّة أن يَطعم يوم الفطر قبل أن يغدُو، ويؤخِّر الطَّعام يوم النَّحرحتَّىٰ يرجع’’رواه ابن أبي شيبة (5590).
·المسألة الخامسة: وهي عن الخروج إلىٰ مصلَّىٰ العيد و العَودة منه.
وتحت هذهالمسألة فرعان:
·الفرع الأوَّل:وهو عن استحباب المشي علىٰ القدمَين عند الذّهاب إلىٰ مصلَّىٰ العيد.
قال زِرُّ بن حُبَيشt:‘‘ خرج عمر بن الخطَّاب t في يوم فطرٍ أوفي يوم أضحَىٰ، خرج في ثوب قُطن مُتلبِّـبـًا به يمشي’’رواه ابن أبي شيبة بسندٍ حسن (5606).
وثبت عن جعفر بن برقان -رحمه الله - أنـَّه قال:‘‘ كتب عمر بن عبد العزيز t يرغِّبهمفي العيدَين: من استطاع أن يأتيَهما ماشيًا فليفعل’’رواه عبد الرزاق (5664) واللَّفظ له، وابن أبي شيبة (5604).
وقال الإمام التِّرمذي - رحمه الله - في (( سُننه )) (2/410): ‘‘ أكثرُ أهل العلم يستحبُّون أن يخرج الرَّجل إلىٰ العيد ماشيـًا’’. اهـ .
وقال الإمام ابن المنذر - رحمه الله -في كتابه (( الأوسط )) ( 4/264): ‘‘ المشي إلىٰ العيد أحسن وأقرب إلىٰ التَّواضع، ولا شيء علىٰ من ركب ’’. اهـ .
·الفرع الثَّاني: و هو عن استحباب أن يكون الذّهاب إلىٰ مصلَّىٰ العيد من طريق، و الرُّجوع من طريقٍآخر.
قال جابر بن عبد الله t:( كانالنبَّيُّ r إذا كان يوم عيد خَالفَ الطَّريق ) رواه البخاري (986).
وقال الحافظ ابن رجبالحنبلي- رحمه الله - في كتابه (( فتح الباري )) (6/166):
‘‘ وقد استَحبَّ كثيرٌ من أهلالعلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريقٍ إلىٰ العيد أن يرجعوا في غيره’’. اهـ .
بل قال ابن رشد - رحمهالله - في كتابه (( بداية المجتهد )) (1/514-515):‘‘وأجمعوا على أنـَّه يُستحبُّ أن يرجع من غير الطَّريق التَّي مشَىٰ عليها لثبوتِ ذلك منفِعله عليه الصَّلاة والسَّلام’’. اهـ .
تعليق