بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فقد وضَّح الشيخ سليمان الرحيلي -حفظه الله- المقصود في هذا الحديث، وذلك في شرحه لكتاب آداب المشي إلى الصلاة. وأتبع توضيحة بنصيحة جليلة نحن في أمس الحاجة لها اليوم خاصة. فإليكم نص كلامه -حفظه الله-، سائلة الله أن يبارك في مشايخنا وينفعنا بعلمهم..آمين.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب "آداب المشي إلى الصلاة": (ويضع ركبتيه ثم يديه ثم وجهه)
الشرح:
يعني ينزل إلى السجود بركبتَيه ثم يضع يديه ثم يضع وجهه، وهذه الصفة قال بها جمهور أهل العلم، جمهور العلماء على أنّ الساجد يَنزل على ركبتيه ثم يضع يديه ثم يضع وجهه، وهذه الصفة أخذوها من حديث وائل –رضي الله عنه- قال: ((رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه)) وهذا الحديث رواه الأربعة؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وغيرهم، وصححه ابن القيم في الزاد، وقال الشيخ ابن باز في فتاواه إنه ثابت، وضعّفه جمع من أهل العلم منهم الشيخ الألباني، رحم الله الجميع، فجمهور أهل العلم يرَون هذه الصفة.
ومن أهل العلم من يقول: إنه يبدأ بيديه، ثم يضع ركبتَيه ثم يضع وجهه، وهذا هو الأقرب عندي –والله أعلم-؛ أنّ المصلي يبدأ بيديه عند سجوده فتسبق يداه ركبتَيه؛ وذلك لحديث: ((إذا سجد أحدكم فلا يَبرُك كما يَبرُك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتَيه)) هذا الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وقال النووي: إسناده جيد وصححه الألباني، وجاء ((أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه قبل ركبتيه)) رواه النسائي والدار قطني وصححه الدار قطني.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتَيه)) قال بعض أهل العلم –ومنهم الإمام ابن القيم- : "إنّ الراوي قد وَهِم؛ لأنّ آخر الحديث ليس متَّفِقًا مع أوّله ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) قالوا: مقتضى هذه الجملة أن تكون الجملة الثانية: "وليضع ركبتَيه قبل يديه"؛ لأنّ البعير إذا بَرَكَ يضع يديه قبل ركبتَيه، فتكون الجملة الثانية على ظاهرها رافعة للجملة الأولى ((فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتَيه))، طيب البعير يضع يديه قبل ركبتَيه! إذن تكون الجملة الثانية رافعة للأولى، كذا قال ابن القيم، ولذا قال إنّ الراوي وهم، والصواب أنه لا وهم في الحديث، وهو الأصل في رواية الحديث، ولفظ الحديث متَّفِق أوّله مع آخره.
ومعنى ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني لا ينزل على يديه أولًا ثم ينزل بآخر جسده فإنّ هذا هو فعل البعير، فإنّ البعير إذا بَرَك ينزل اولًا بيديه إلى نصفه ثم ينزل بجسمه كله إلى خلفه ثم يُكمِل أمامه، يعني يبدأ أولًا بالأمام فيسقط على يدَيه ثم ينزل بآخر جسمه ثم يعود فيُكمِل نزوله بالأمام، هذه الصفة التي نُهِيَ عنها المصلي؛ أن يخرّ على يديه أولًا ثم ينزل بجسمه ثم يُكمِل، إذن ماذا يصنع حتى يتحقق له امتثال النهي وترك المنهي عنه؟
ينزل بجسمه أولّا، ثم يضع يدَيه قبل ركبتيه، فإذا نزل بجسمه أولًا خالَف بروك البعير، لأنّ البعير يبرك مباشرة على يديه.
ولسنا نقول مثل ما يقوله بعض طلاب العلم ينزل حتى يجلس جلسة المتحفِّز ثم يضع يديه، لا، نقول: ينزل بجسمه ثم يضع يديه، ما ينزل حتى يجلس، وهذا هو الأصل في قول بعض أهل العلم أنه ينزل على يديه، لم يقل أحد من أهل العلم أنه يخرّ على يدَيه من قيامه، بل ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتيه، وإذا فعل هذا امتثل الحديث بجملتَيه، فترك البروك كما يبرك البعير؛ لأنه لم ينزل على يديه أولًا ووضع يديه قبل ركبتَيه، وهذا الذي يظهر لي –والله أعلم- أنه الصواب، وأنه الأَوفق للسنة؛ أن ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتَيه.
وهذا أرفق من وضع الركبتين قبل اليدين، خلافًا لما يقوله الجمهور، الجمهور يقولون: الأَرفق بالمصلي أنّ يضع ركبتَيه يديه قبل، نقول: لا، الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه؛ بدليل أنّ الرجل إذا ضعف وعجز الأسهل عليه أن يضع يديه، حتى الجمهور قالوا: إذا كان في حال عجز أو ضعف يضع يديه قبل ركبتيه، إذن الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه.
فنحن نقول من جهة الأثر ومن جهة النظر: الذي يظهر –والله أعلم- أنّ الأوفق للسنة والأرفق بالمصلي أن يضع يديه قبل ركبتَيه؛ لكن لا يخرّ عليهما من علوّ وإنما ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتّيه، هذا الذي يظهر لي والله أعلم انه أوفق للسنة.
وإن كانت هذه المسألة –كما أقول دائمًا- من المسائل الواسعة التي تحتملها السنة، فليس فيها إلا التعلّم والتعليم، ليس فيها إنكار.
من رأيناه ينزل على ركبتَيه لا ننكر عليه، ومن رُئيَ ينزل على يديه لا ينبغي أن يُنكَر عليه، وإنما يكون بيني وبينك نقاش وتعليم؛ للإرشاد إلى الأفضل، أنت ترى أنّ النزول على الركبتَين وأنا أرى أنّ النزول على اليدين، وكله في السنة، ليس بواجب، في هذه الحال تعلِّمني وأعلمك؛ فإن اتفقنا على الفهم فذلك فضل الله، وإن لم نتّفق على الفهم فإنه لا اختلاف بيننا ولا مجافاة ولا هجر.
وهذه مسألة من الأهمية بمكان، فإن بعض الناس ينظر إلى إخوانه حتى يتخذهم إخوانًا بموافقته فيما يرى من السنن، فإن كان يرى أنّ السنة بعد الرفع من الركوع القبض؛ ينظر في إخوانه وهم يصلون، من رآه يقبض هذا الأخ والذي يحبه، وإن رآه لا يقبض نفر قلبه منه، أو العكس، أو ينظر إلى ساعته فإن رآها في اليسار فهو ليس من الصفوة، وإن رآها في اليمين، مثل هذه الأمور يكون فيها إرشاد فيها إلى الأفضل لكن لا يكون فيها بحال مهاجرة ولا يكون فيها مباعدة قلوب، ولا يجوز شرعًا أن تكون سببًا في بُعد قلب المسلم عن أخيه المسلم".
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فقد وضَّح الشيخ سليمان الرحيلي -حفظه الله- المقصود في هذا الحديث، وذلك في شرحه لكتاب آداب المشي إلى الصلاة. وأتبع توضيحة بنصيحة جليلة نحن في أمس الحاجة لها اليوم خاصة. فإليكم نص كلامه -حفظه الله-، سائلة الله أن يبارك في مشايخنا وينفعنا بعلمهم..آمين.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب "آداب المشي إلى الصلاة": (ويضع ركبتيه ثم يديه ثم وجهه)
الشرح:
يعني ينزل إلى السجود بركبتَيه ثم يضع يديه ثم يضع وجهه، وهذه الصفة قال بها جمهور أهل العلم، جمهور العلماء على أنّ الساجد يَنزل على ركبتيه ثم يضع يديه ثم يضع وجهه، وهذه الصفة أخذوها من حديث وائل –رضي الله عنه- قال: ((رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه)) وهذا الحديث رواه الأربعة؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وغيرهم، وصححه ابن القيم في الزاد، وقال الشيخ ابن باز في فتاواه إنه ثابت، وضعّفه جمع من أهل العلم منهم الشيخ الألباني، رحم الله الجميع، فجمهور أهل العلم يرَون هذه الصفة.
ومن أهل العلم من يقول: إنه يبدأ بيديه، ثم يضع ركبتَيه ثم يضع وجهه، وهذا هو الأقرب عندي –والله أعلم-؛ أنّ المصلي يبدأ بيديه عند سجوده فتسبق يداه ركبتَيه؛ وذلك لحديث: ((إذا سجد أحدكم فلا يَبرُك كما يَبرُك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتَيه)) هذا الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وقال النووي: إسناده جيد وصححه الألباني، وجاء ((أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه قبل ركبتيه)) رواه النسائي والدار قطني وصححه الدار قطني.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتَيه)) قال بعض أهل العلم –ومنهم الإمام ابن القيم- : "إنّ الراوي قد وَهِم؛ لأنّ آخر الحديث ليس متَّفِقًا مع أوّله ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) قالوا: مقتضى هذه الجملة أن تكون الجملة الثانية: "وليضع ركبتَيه قبل يديه"؛ لأنّ البعير إذا بَرَكَ يضع يديه قبل ركبتَيه، فتكون الجملة الثانية على ظاهرها رافعة للجملة الأولى ((فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتَيه))، طيب البعير يضع يديه قبل ركبتَيه! إذن تكون الجملة الثانية رافعة للأولى، كذا قال ابن القيم، ولذا قال إنّ الراوي وهم، والصواب أنه لا وهم في الحديث، وهو الأصل في رواية الحديث، ولفظ الحديث متَّفِق أوّله مع آخره.
ومعنى ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني لا ينزل على يديه أولًا ثم ينزل بآخر جسده فإنّ هذا هو فعل البعير، فإنّ البعير إذا بَرَك ينزل اولًا بيديه إلى نصفه ثم ينزل بجسمه كله إلى خلفه ثم يُكمِل أمامه، يعني يبدأ أولًا بالأمام فيسقط على يدَيه ثم ينزل بآخر جسمه ثم يعود فيُكمِل نزوله بالأمام، هذه الصفة التي نُهِيَ عنها المصلي؛ أن يخرّ على يديه أولًا ثم ينزل بجسمه ثم يُكمِل، إذن ماذا يصنع حتى يتحقق له امتثال النهي وترك المنهي عنه؟
ينزل بجسمه أولّا، ثم يضع يدَيه قبل ركبتيه، فإذا نزل بجسمه أولًا خالَف بروك البعير، لأنّ البعير يبرك مباشرة على يديه.
ولسنا نقول مثل ما يقوله بعض طلاب العلم ينزل حتى يجلس جلسة المتحفِّز ثم يضع يديه، لا، نقول: ينزل بجسمه ثم يضع يديه، ما ينزل حتى يجلس، وهذا هو الأصل في قول بعض أهل العلم أنه ينزل على يديه، لم يقل أحد من أهل العلم أنه يخرّ على يدَيه من قيامه، بل ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتيه، وإذا فعل هذا امتثل الحديث بجملتَيه، فترك البروك كما يبرك البعير؛ لأنه لم ينزل على يديه أولًا ووضع يديه قبل ركبتَيه، وهذا الذي يظهر لي –والله أعلم- أنه الصواب، وأنه الأَوفق للسنة؛ أن ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتَيه.
وهذا أرفق من وضع الركبتين قبل اليدين، خلافًا لما يقوله الجمهور، الجمهور يقولون: الأَرفق بالمصلي أنّ يضع ركبتَيه يديه قبل، نقول: لا، الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه؛ بدليل أنّ الرجل إذا ضعف وعجز الأسهل عليه أن يضع يديه، حتى الجمهور قالوا: إذا كان في حال عجز أو ضعف يضع يديه قبل ركبتيه، إذن الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه.
فنحن نقول من جهة الأثر ومن جهة النظر: الذي يظهر –والله أعلم- أنّ الأوفق للسنة والأرفق بالمصلي أن يضع يديه قبل ركبتَيه؛ لكن لا يخرّ عليهما من علوّ وإنما ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتّيه، هذا الذي يظهر لي والله أعلم انه أوفق للسنة.
وإن كانت هذه المسألة –كما أقول دائمًا- من المسائل الواسعة التي تحتملها السنة، فليس فيها إلا التعلّم والتعليم، ليس فيها إنكار.
من رأيناه ينزل على ركبتَيه لا ننكر عليه، ومن رُئيَ ينزل على يديه لا ينبغي أن يُنكَر عليه، وإنما يكون بيني وبينك نقاش وتعليم؛ للإرشاد إلى الأفضل، أنت ترى أنّ النزول على الركبتَين وأنا أرى أنّ النزول على اليدين، وكله في السنة، ليس بواجب، في هذه الحال تعلِّمني وأعلمك؛ فإن اتفقنا على الفهم فذلك فضل الله، وإن لم نتّفق على الفهم فإنه لا اختلاف بيننا ولا مجافاة ولا هجر.
وهذه مسألة من الأهمية بمكان، فإن بعض الناس ينظر إلى إخوانه حتى يتخذهم إخوانًا بموافقته فيما يرى من السنن، فإن كان يرى أنّ السنة بعد الرفع من الركوع القبض؛ ينظر في إخوانه وهم يصلون، من رآه يقبض هذا الأخ والذي يحبه، وإن رآه لا يقبض نفر قلبه منه، أو العكس، أو ينظر إلى ساعته فإن رآها في اليسار فهو ليس من الصفوة، وإن رآها في اليمين، مثل هذه الأمور يكون فيها إرشاد فيها إلى الأفضل لكن لا يكون فيها بحال مهاجرة ولا يكون فيها مباعدة قلوب، ولا يجوز شرعًا أن تكون سببًا في بُعد قلب المسلم عن أخيه المسلم".