حكم ما يسمى بالوصية الواجبة
المسألة : ما يسمى بـ ” الوصية الواجبة “
صورتها : هي مسألة معاصرة من مسائل المواريث و الفرائض ، لم يتكلم فيها علماء الإسلام على مر القرون و الأزمان ، و إنما رجال القانون الجديد أمثال أبو زهرة ، و الزرقا ، و القرضاوي و غيرهم ..
و يُعمل بها في بعض الدول العربية مثل سوريا و الأردن و مصر ..
وسأقربها بالمثال :
رجل اسمه عمر له من الأولاد زيد و أحمد و سمير
مات ( زيد ) حال حياة أبيه تاركاً من الأولاد محمود و خليل
ثم بعد ذلك مات ( عمر ) مخلفاً أحمد و سمير ، و أحفاده : محمود و خليل
فالحكم الشرعي عند تقسيم تركة ( عمر ) أن التركة من نصيب أبنائه الصلبيين : أحمد و سمير ، أما الأحفاد فيحجبون بالأبناء الصلبيين .
هذا هو حكم المسألة في الشرع ؛ ولكن ظهر في هذا العصر من يقول : من " الظلم !! " أن يحرم الأحفاد في هذه المسألة ، خاصة و أنه ربما يكون قد شارك أبوهم في تكوين ثروة جدهم ، ثم مات قبل أن يأخذ نصيبه منها ، فيقتطعون جزءاً من هذا المال لهؤلاء الأحفاد – المحجوبين شرعاً ! بالأبناء الصلبيين – و يعطوهم نصيب أبيهم ما لم يربو على الثلث ، فإن زاد ميراث أبيهم المتوفى في حياة جدهم عن ثلث تركة أبيه أعطوا الثلث فقط ..
وهذه ما يسمونها بالوصية الواجبة ، يأخذونها جبراً ، أوصى بها الجد أم لم يوص بشروط هي :
- أن لا يأخذ ابن الابن جزءاً من الميراث بغير هذه الطريق .
- أن لا يكون الجد قد أعطاهم حال حياته مالاً بغير عوض بقدر حصة أبيهم .
و بعض القوانين يخصها في أبناء الأولاد ، وبعضهم يزيد عليها الطبقة الأولى فقط من أبناء البنات ، على خلاف بينهم .
حكمها :
فتوى الإمام الألباني :
السائل : طيب الوصية الواجبة ما رأيكم يا شيخ بها ؟
الشيخ : الوصية الواجبة ! ما رأيي في ماذا ؟
السائل : … الآن يعمل فيها ببعض بلاد المسلمين ، هي إذا توفي رجل وله أبناء و أحد الأبناء قد توفي قبل الأب هذا ، فله أبناء كذلك ، فطبعاً في الميراث أنهم لا يرثون لأن أبوهم قد توفي [ كلام مختلط غير مفهوم ] لكن في النظام الآن فالأزهر أفتوا ، يعمل في دار المسلمين أنها …
الشيخ : لكن أنت ذكرت – بارك الله فيك – الوصية ! أين الوصية هنا ؟
السائل : الوصية أنه إذا المبلغ مثلاً مليون ريال يؤخذ ثلث المال هي الوصية فتكون واجبة ..
الشيخ : من الذي أوصى يا أخي ؟
[ ثم حصل كلام مختلط غير واضح كأنه : ( القانون ) أو ( عندنا يا شيخ في النظام ) ]
ثم تابع الشيخ : أنا أعرف ، القانون يفرض هذا ، وكما قال : النظام الإرثي لا ، لكن هو يأتي بلفظة ( الوصية ) هذا الميت لم يوص ! لكن القانون يفرض على هذا الميت ، فشتان بين الأمرين ، يعني أنت تتكلم عن الجد و الحفيد ، الجد إن أوصى فيجب أن تنفذ وصيته – طبعاً بالشروط المعروفة وهو لا وصية إلا في الثلث ، و الثلث كثير كما تعلمون – فالسؤال في ظني معروف ، لكن لا يرد هنا ذكر لفظة ( الوصية ) لأنه هنا لا وصية ، لكن القانون يجعل الأمر كأنه أوصى ، وهو ما أوصى ! .
المصدر : سلسلة الهدى و النور الشريط : [ 835 ] ( 00:39:15 )
فتوى الشيخ عبد المحسن العباد :
السائل : عندنا في البد إذا مات الرجل قبل أبيه ، فإنهم يورثون ابن الرجل هذا من الجد بحكم “الوصية الواجبة” ؛ فما الحكم؟
الشيخ : إذا كان الميت أوصى بأن يكون لابن الابن أو أبناء الابن وهم غير وارثين ، شيء من الثلث ، فيُنَفّذ ذلك ويصح ؛ لأنه غير وارث والوصية له .
وأما كون الوصية واجبة وأنه يجب على الإنسان [ كلمة غير واضحة ] ، فلا يوجد ما يدل عليه، ولا يوجد هناك شيء يدل على إيجاب الوصية لأحد ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ إن الله أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث ] .
كانت الوصية مشروعة وقد جاء القرآن بها ولكنه بعدما نزلت آيات المواريث نسخت الوصية، فليس هناك وصية واجبة .
ولكن كون الإنسان يوصي بثلث ماله أو بشيء من ثلث ماله لمن لا يرث من أقاربه فلا بأس بذلك، أما كونه لازم ، فليس بلازم وليس بواجب .
المصدر : شرح سنن أبي داود الشريط رقم [ 216 ]
من المآخذ على هذه الوصية الواجبة :
أولاً : فيها اتهام لنظام التوريث الشرعي بالنقص ، وفيها استدراك على حكم الله ، فإن الله تبارك و تعالى بيّن الأنصبة و المقادير تشريعاً من عنده ، وعلى مر القرون بما فيها أزمنة الصحابة و التابعين لم يتكلم أساطين العلم و الفقه بهذا الكلام و لم يخطر ببالهم . ثم يأتي في هذا العصر من يقول أن هذا من الظلم ! و يشرّع لهم ما يسمى بالوصية الواجبة .
فهل كان ربك نسيا ؟
ثانياً : نسبوا إلى بعض أهل العلم كابن حزم ما لم يقله ، فمن ذهب بمثل رأي ابن حزم رحمه الله يرى أنه يجب على الميت أن يوصي للأقربين عاملاً بقوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } [ البقرة- 180 ]
و بعيداً عن الخلاف و الترجيح لرأي ابن حزم ! فإن رأي الإمام ابن حزم و من معه ليس له ثمة علاقة بما قرره المعاصرون اليوم !
- فهم : أخذوه عنوة و إن لم يوص ، و أسموها وصية ! و إن لم يوص الميت ! فكيف هذا ؟
و ابن حزم يقول الواجب على الميت أن يوص قبل موته .
- و هم خصوها في ابن الابن المتوفى في حياة أبيه !
وابن حزم لم يقل بهذا التخصيص .
- و هم يعطون ابن الابن بقدر حصة أبيهم من تركة جدهم ! ما لم تزد عن الثلث ، فإن زادت أعطوهم الثلث فقط .
و ابن حزم لم يقل بهذا التفصيل ، بل على رأيه يجب عليه أن يوص بأي شيء ولم يحدها بالثلث ولا بغيره .
و إن هذا التفصيل الذي أتوا به لم يقل به أحد قط من علماء الإسلام على مر القرون الماضية و الأصل أن الله أجار الأمة أن تجتمع على ضلالة ، و أن كل قول لم نسبق إليه فهو مظنة الخطأ .
و حقيقة الأمر أن ابن حزم ومن بمثل رأيه يتكلمون عن الوصية ، وهؤلاء يتحدثون عن ميراث ! فشتان شتان .
ثالثاً : قالوا أن سبب هذا التشريع هو رفع الفقر عن الأحفاد ! إلا أنهم في تقنينهم لم يشترطوا فقرهم لإيجاب مثل هذه الوصية ، بل أعطوهم مطلقاً ولو كانوا أغنياء ، و يدخل على هذا أنه ربما يكون الأحفاد أكثر مالاً من أعمامهم ! ومع ذلك يأخذون هذه الوصية الواجبة ، مع أن أعمامهم أقرب لجدهم منهم ، و ربما أشد حاجة وفقراً منهم .
رابعاً : لو فتح هذا الباب سيقال في كثير من الأقرباء كذلك ، فيقال مثلاً : لماذا نوجب للأحفاد ميراثاً – لم يعطيهم الشرع إياه – ولا نوجب مثله للإخوة الأشقاء المحجوبين بالابن مثلاً ! أو للجد المحجوب بالأب ! وربما تكون الحاجة من الفقر و عوز المال لمرض ونحوه متحققة عند هؤلاء كما عند الأحفاد أو أشد ! ؟
فإن أي استدراك بشري ! على حكم الرب جل وعز ، سيدخله التناقض و الإضراب و النقص لا شك ..
خامساً : بهذا القانون مخالفات عدة لقواعد و أصول التوريث ، منها :
أ ) قاعدة : [ من أدلى بوارث وقام مقامه في استحقاق إرثه سقط به ] و ابن الابن أدلى للجد بالابن ، و هو في مقام الابن في الإرث ، وعلى هذه القاعدة ينبغي أن يحجب و يسقط ، وهم مع ذلك يوجبون له ميراثاً لم يوجبه الشرع .
ب ) بنت الابن الأصل أنها وارثة – بشروط – ، وبنت البنت لا فرض لها ، ومع ذلك ربما تأخذ بنت البنت أكثر مما تأخذ بنت الابن التي هي أحق منها بهذا المال ، بالقرابة و الحكم الرباني ، في حكمهم هذا ، فإذا مات ميت عن بنت بنت ، وبنت صلبية ، وبنت ابن :
فللصلبية النصف ، و لبنت الابن السدس ، و الشرع أن بنت البنت رحمية في هذه المسألة فلا نصيب لها في التركة ، إلا أنهم يعطونها الثلث وصية واجبة ! وهكذا أعطوا من لم يعطها الشارع أكثر ممن أعطاها الشارع .
ج ) بل ربما زاد ميراث بنت الابن عن البنت الصلبية مثل ” إذا مات شخص عنبنتين، وبنت ابن، وأخت شقيقة، وترك 18 فداناً
فإن مقدار الوصية لبنت الابن ثلث التركة وهو 6 أفدنة، أما الباقي فيقسم بين البنتين والأخت الشقيقة، فتأخذ البنتان الثلثين 8 أفدنة، لكل منهما 4 أفدنة، وتأخذ الأخت الشقيقة الباقي وهي 4أفدنة “.
وهذا الشذوذ في التوريث و المخالفة لقواعد الفروض ، و الاضطراب في الأحكام ناتج عن تدخل البشر في أحكام الله عز وجل .
فهذا هو الظلم حقاً :
- ظلم لمن أعطاهم الله بإدخال النقص على أنصبتهم التي فرضها الله لهم .
- و ظلم في مخالفة أمر الله في تقدير المواريث .
و خلاصة القول : أن هذا الأمر فيه اعتراض على حكم الله و تغير له ، فهي ابتداع في دين الله ، و تشريع لما لم يأذن به .
ملاحظة : استفدت من بعض المواقع في بعض الأمور .
محمد جميل حمامي
فلسطين / القدس
تعليق