قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( من الذي سلم لكم أن العموم المجرد الذي لم يظهر له مخصص دليل ضعيف؟ أم من الذي سلم أن أكثر العمومات مخصوصة؟ أم من الذي يقول ما من عموم إلا قد خص إلا قوله: {بكل شيء عليم} ؟ ؛ فإن هذا الكلام وإن كان قد يطلقه بعض السادات من المتفقهة وقد يوجد في كلام بعض المتكلمين في أصول الفقه فإنه من أكذب الكلام وأفسده.
والظن بمن قاله " أولا " أنه إنما عنى أن العموم من لفظ " كل شيء " مخصوص إلا في مواضع قليلة كما في قوله: {تدمر كل شيء} {وأوتيت من كل شيء} {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} ، وإلا فأي عاقل يدعي هذا في جميع صيغ العموم في الكتاب والسنة وفي سائر كتب الله وكلام أنبيائه وسائر كلام الأمم عربهم وعجمهم.
وأنت إذا قرأت القرآن من أوله إلى آخره وجدت غالب عموماته محفوظة؛ لا مخصوصة. سواء عنيت عموم الجمع لأفراده أو عموم الكل لأجزائه أو عموم الكل لجزيئاته فإذا اعتبرت قوله: {الحمد لله رب العالمين} فهل تجد أحدا من العالمين ليس الله ربه؟ ، {مالك يوم الدين} فهل في يوم الدين شيء لا يملكه الله؟ ،{غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فهل في المغضوب عليهم والضالين أحد لا يجتنب حاله التي كان بها مغضوبا عليه أو ضالا؟ {هدى للمتقين} {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} الآية. فهل في هؤلاء المتقين أحد لم يهتد بهذا الكتاب؟ ، {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} . هل فيما أنزل الله ما لم يؤمن به المؤمنون لا عموما ولا خصوصا؟ ، {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} هل خرج أحد من هؤلاء المتقين عن الهدى في الدنيا وعن الفلاح في الآخرة؟ .
ثم قوله: {إن الذين كفروا} قيل: هو عام مخصوص وقيل: هو لتعريف العهد فلا تخصيص فيه؛ فإن التخصيص فرع على ثبوت عموم اللفظ؛ ومن هنا يغلط كثير من الغالطين يعتقدون أن اللفظ عام ثم يعتقدون أنه قد خص منه؛ ولو أمعنوا النظر لعلموا من أول الأمر أن الذي أخرجوه لم يكن اللفظ شاملا له ففرق بين شروط العموم وموانعه وبين شروط دخول المعنى في إرادة المتكلم وموانعه. ثم قوله: {لا يؤمنون} أليس هو عاما لمن عاد الضمير إليه عموما محفوظا؟ {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم} أليس هو عاما في القلوب وفي السمع وفي الأبصار وفي المضاف إليه هذه الصفة عموما لم يدخله تخصيص؟ وكذلك (ولهم) وكذلك في سائر الآيات إذا تأملته إلى قوله: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم} فمن الذين خرجوا من هذا العموم الثاني فلم يخلقهم الله له؟ وهذا باب واسع.
وإن مشيت على آيات القرآن كما تلقن الصبيان وجدت الأمر كذلك؛ فإنه سبحانه قال: {قل أعوذ برب الناس} {ملك الناس} {إله الناس} فأي ناس ليس الله ربهم؟ أم ليس ملكهم؟ أم ليس إلههم؟ ثم قوله: {من شر الوسواس الخناس} إن كان المسمى واحدا فلا عموم فيه وإن كان جنسا فهو عام فأي وسواس خناس لا يستعاذ بالله منه؟ . وكذلك قوله: {برب الفلق} أي جزء من " الفلق " أم أي (فلق ليس الله ربه؟ {من شر ما خلق} أي شر من المخلوق لا يستعاذ منه؟ {ومن شر النفاثات} أي نفاثة في العقد لا يستعاذ منها؟ وكذلك قوله: {ومن شر حاسد} مع أن عموم هذا فيه بحث دقيق ليس هذا موضعه. ثم " سورة الإخلاص " فيها أربع عمومات: {لم يلد} فإنه يعم جميع أنواع الولادة وكذلك {ولم يولد} وكذلك {ولم يكن له كفوا أحد} فإنها تعم كل أحد وكل ما يدخل في مسمى الكفؤ فهل في شيء من هذا خصوص؟ . ومن هذا الباب كلمة الإخلاص التي هي أشهر عند أهل الإسلام من كل كلام وهي كلمة " لا إله إلا الله " فهل دخل هذا العموم خصوص قط؟ فالذي يقول بعد هذا: ما من عام إلا وقد خص إلا كذا وكذا إما في غاية الجهل وإما في غاية التقصير في العبارة؛ فإن الذي أظنه أنه إنما عنى: " من الكلمات التي تعم كل شيء " مع أن هذا الكلام ليس بمستقيم؛ وإن فسر بهذا؛ لكنه أساء في التعبير أيضا؛ فإن الكلمة العامة ليس معناها أنها تعم كل شيء؛ وإنما المقصود أن تعم ما دلت عليه أي ما وضع اللفظ له وما من لفظ في الغالب إلا وهو أخص مما هو فوقه في العموم وأعم مما هو دونه في العموم والجميع يكون عاما. ) ا هـ
والظن بمن قاله " أولا " أنه إنما عنى أن العموم من لفظ " كل شيء " مخصوص إلا في مواضع قليلة كما في قوله: {تدمر كل شيء} {وأوتيت من كل شيء} {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} ، وإلا فأي عاقل يدعي هذا في جميع صيغ العموم في الكتاب والسنة وفي سائر كتب الله وكلام أنبيائه وسائر كلام الأمم عربهم وعجمهم.
وأنت إذا قرأت القرآن من أوله إلى آخره وجدت غالب عموماته محفوظة؛ لا مخصوصة. سواء عنيت عموم الجمع لأفراده أو عموم الكل لأجزائه أو عموم الكل لجزيئاته فإذا اعتبرت قوله: {الحمد لله رب العالمين} فهل تجد أحدا من العالمين ليس الله ربه؟ ، {مالك يوم الدين} فهل في يوم الدين شيء لا يملكه الله؟ ،{غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فهل في المغضوب عليهم والضالين أحد لا يجتنب حاله التي كان بها مغضوبا عليه أو ضالا؟ {هدى للمتقين} {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} الآية. فهل في هؤلاء المتقين أحد لم يهتد بهذا الكتاب؟ ، {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} . هل فيما أنزل الله ما لم يؤمن به المؤمنون لا عموما ولا خصوصا؟ ، {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} هل خرج أحد من هؤلاء المتقين عن الهدى في الدنيا وعن الفلاح في الآخرة؟ .
ثم قوله: {إن الذين كفروا} قيل: هو عام مخصوص وقيل: هو لتعريف العهد فلا تخصيص فيه؛ فإن التخصيص فرع على ثبوت عموم اللفظ؛ ومن هنا يغلط كثير من الغالطين يعتقدون أن اللفظ عام ثم يعتقدون أنه قد خص منه؛ ولو أمعنوا النظر لعلموا من أول الأمر أن الذي أخرجوه لم يكن اللفظ شاملا له ففرق بين شروط العموم وموانعه وبين شروط دخول المعنى في إرادة المتكلم وموانعه. ثم قوله: {لا يؤمنون} أليس هو عاما لمن عاد الضمير إليه عموما محفوظا؟ {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم} أليس هو عاما في القلوب وفي السمع وفي الأبصار وفي المضاف إليه هذه الصفة عموما لم يدخله تخصيص؟ وكذلك (ولهم) وكذلك في سائر الآيات إذا تأملته إلى قوله: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم} فمن الذين خرجوا من هذا العموم الثاني فلم يخلقهم الله له؟ وهذا باب واسع.
وإن مشيت على آيات القرآن كما تلقن الصبيان وجدت الأمر كذلك؛ فإنه سبحانه قال: {قل أعوذ برب الناس} {ملك الناس} {إله الناس} فأي ناس ليس الله ربهم؟ أم ليس ملكهم؟ أم ليس إلههم؟ ثم قوله: {من شر الوسواس الخناس} إن كان المسمى واحدا فلا عموم فيه وإن كان جنسا فهو عام فأي وسواس خناس لا يستعاذ بالله منه؟ . وكذلك قوله: {برب الفلق} أي جزء من " الفلق " أم أي (فلق ليس الله ربه؟ {من شر ما خلق} أي شر من المخلوق لا يستعاذ منه؟ {ومن شر النفاثات} أي نفاثة في العقد لا يستعاذ منها؟ وكذلك قوله: {ومن شر حاسد} مع أن عموم هذا فيه بحث دقيق ليس هذا موضعه. ثم " سورة الإخلاص " فيها أربع عمومات: {لم يلد} فإنه يعم جميع أنواع الولادة وكذلك {ولم يولد} وكذلك {ولم يكن له كفوا أحد} فإنها تعم كل أحد وكل ما يدخل في مسمى الكفؤ فهل في شيء من هذا خصوص؟ . ومن هذا الباب كلمة الإخلاص التي هي أشهر عند أهل الإسلام من كل كلام وهي كلمة " لا إله إلا الله " فهل دخل هذا العموم خصوص قط؟ فالذي يقول بعد هذا: ما من عام إلا وقد خص إلا كذا وكذا إما في غاية الجهل وإما في غاية التقصير في العبارة؛ فإن الذي أظنه أنه إنما عنى: " من الكلمات التي تعم كل شيء " مع أن هذا الكلام ليس بمستقيم؛ وإن فسر بهذا؛ لكنه أساء في التعبير أيضا؛ فإن الكلمة العامة ليس معناها أنها تعم كل شيء؛ وإنما المقصود أن تعم ما دلت عليه أي ما وضع اللفظ له وما من لفظ في الغالب إلا وهو أخص مما هو فوقه في العموم وأعم مما هو دونه في العموم والجميع يكون عاما. ) ا هـ
[مجموع الفتاوى 6 / 242 - 245 ]