بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فقد سُئل الشيخ سليمان الرحيلي -حفظه الله- في درس من دروسه في شرح كتاب آداب المشي إلى الصلاة سؤالًا يتعلق بشبهة يوردها بعضهم بخضوص أصول الفقه، فأجاب وأفاد -بارك الله فيه-، فأنقل إليكم إجابته سائلة الله أن ينفعني وإياكم.
سـ: بعض طلبة العلم يقولون: لا ندرُس أصول الفقه لأنّ أكثر كتبه دخلتها الفلسفة وعلم الكلام، فما رأيكم في هذا؟ وما هي الكتب التي خلت من الفلسفة في أصول الفقه؟
أنا أرى أنّ هذا الكلام ليس من منهج أهل العلم، ومجانبة الكتب لأنه دخل فيها بعض ما دخل من الكتب التي اعتبرها أهل العلم ليست من منهجية العلماء ولا نعرفها لمشايخنا الذين أدركناهم.
وقد خرج لنا من خرج في فترة من الفترات وقال إنّ فتح الباري لا يُقرأ فيه لأنّ فيه شيئًا من تقريرات الأشاعرة، وإنّ شرح النووي على صحيح مسلم لا يُقرأ فيه لأنّ فيه أشعرية بيِّنه، حتى سمعتُ أحدهم يقول: "إنّ هذه الكتب كما لو كان مسند الإمام أحمد فيه -وهو يقول هذا ولا أقوله- يقول: لو كان فيه صورة امرأة عارية فإنه لا يجوز أن يُقتنى مسند الإمام أحمد، فكيف إذا كان فيه شبهات وعقائد فاسدة؟" وهذا ما قال به أحد من أهل العلم، وإنما أهل العلم يقولون: إنّ الإنسان ينبغي أن يقرأ وهو على بصيرة، ما لم يكن الكتاب كتاب بدعة.
أحيانًا يغلب على الكتاب البدعة فلا خير فيه، وأحيانًا يكون كله بدعة فلا خير فيه، لكن إذا كان الكتاب من الكتب التي تُعنى بالعلم ومن الكتب المعتبَرة عند أهل العلم وفيه أخطاء فإنّ الإنسان يقرأ وهو على بصيرة.
كتب أصول الفقه لابد منها، ولا يمكن لإنسان أن يفهم كلامًا إلا بأصول فقهٍ، ولا أقول لا يفهم الكتاب والسنة، بل أقول لا يمكن أن يُفهَم كلامٌ إلا بأصول الفقه، فإنّ الإنسان يعرف المطلَق والمقيَّد والمجمَل والمبيَّن والعام والخاص، حتى العوام يعرفون هذا وإن كانوا لا يعرفون القواعد أحيانًا، فلا يمكن فهم الكلام إلا بأصول الفقه.
وأصول الفقه علمٌ أصيل جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجاء في كتاب الله، وفَهِمه الصحابة وعملوا به، وفَهِمه التابعون وعملوا به.
وألَّف فيه الإمام المطَّلِبي محمد بن إدريس كتابه العظيم (الرسالة)، إلا أنه من أسف بعد كتاب الرسالة تلقَّف المعتزلة أصول الفقه، فألَّفوا فيه، فأدخَلوا فيه اعتزالهم، فجاء الأشاعرة - والأشاعرة في أغلب تقريراتِهم تقريراتُهم ردود أفعالٍ لعقائد المعتزلة وأصول المعتزلة، ففي غالب الحال إذا وجدتَ المعتزلة في اليمين، تجد أنّ الأشاعرة مباشرة يفرِّون إلى الشمال، لا بتقريرٍ علميٍّ صحيح وإنما هو فرارٌ مما يقرِّره المعتزلة- فألَّفوا في أصول الفقه وأَدخلوا في ذلك عقيدة الأشاعرة وردوا على المعتزلة بما يخالفون فيه المعتزلة، فكثُر هذا، ثم جاء المقلِّدة المتعصِّبة فأدخلوا في أصول الفقه بعض ما ليس فيه، ولذلك أصبحتْ كثيرٌ من الكتب صعبة العبارة بعيدة الإشارة فيها شيء من الدَخَن، وهذا كثير في كتب أصول الفقه، ولكنها هي كتبٌ معتبَرة عند أهل العلم.
ولذلك أنا قلتُ مرارًا وتكرارًا: إنّ من يقرأ في أصول الفقه ينبغي أن يكون على بصيرة من عقيدة السلف، وينبغي أن يقرأ لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كثيرًا، فإنّ في كلامهما التنبيهات الكثيرة على بعض المزالِق الأصولية.
وهنالك بحوثٌ أصوليَّة الآن تُعنى بهذا الأمر والتنبيهات التي يحتاجها طالب العلم، وقد كتبتُ في هذا (مباحث الأمر أصوليَّة التي انتقدها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله)، وكتبتُ أيضًا (مباحث الكتاب والسنة ودلالات الألفاظ التي أخطأ فيها الرازي في المحصول والمعالِم) وفيها تنبيهات إلى الأخطاء التي وقع فيها الرازي في هذه الأبواب.
وكَتَبَ الشيخ العروسي كتابه (المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين)، وكتب الشيخ خالد عبداللطيف كتابه الطيب الجيد ( مسائل أصول الدين المبحوثة في أصول الفقه)، فهذه يحسن بطالب العلم أن يقرأها إذا أراد أن يقرأ في كتب الأصول.
وهناك كتاب طيب يُنصَح به وهو ( شرح الكوكب المنير ) لابن النجار الحنبلي، فإنه من أصلح الكتب وأحسنها في أصول الفقه من ناحية العقيدة وغيرها، وإن كان هناك شيء من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها لكن هو في الجملة هو من أحسن الكتب التي قرأتها في أصول الفقه ومن أوضحها ومن أسلمها، وهو موسوعة في أصول الفقه، فلو اقتناه طالب العلم وقرأ فيه فإنّ فيه تقريرات طيبة أصولية، ولا يمنع هذا أيضًا من أن يقرأ طالب العلم في (المحصول) وأن يقرأ في (المستصفى)، بل حتى أن يقرأ في شرح العُمَد وغيرها من الكتب الأصولية، لكن على أن يكون على بصيرة بيِّنه بما عليه سلف الأمة من العقائد والأمور الواضحات البيّنات؛ حتى لا يقع في المزالِق التي قد يكون سطرها بعض الأصوليين.
إذن أنا أقول: إنّ القراءة في كتب الأصول نافعة؛ لكن ينبغي للإنسان أن يتسلَّح بمعرفة عقيدة السلف وما عليه السلف حتى يكون على بيِّنه من المزالِق ويتنبّه لهذا الأمر. والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فقد سُئل الشيخ سليمان الرحيلي -حفظه الله- في درس من دروسه في شرح كتاب آداب المشي إلى الصلاة سؤالًا يتعلق بشبهة يوردها بعضهم بخضوص أصول الفقه، فأجاب وأفاد -بارك الله فيه-، فأنقل إليكم إجابته سائلة الله أن ينفعني وإياكم.
سـ: بعض طلبة العلم يقولون: لا ندرُس أصول الفقه لأنّ أكثر كتبه دخلتها الفلسفة وعلم الكلام، فما رأيكم في هذا؟ وما هي الكتب التي خلت من الفلسفة في أصول الفقه؟
أنا أرى أنّ هذا الكلام ليس من منهج أهل العلم، ومجانبة الكتب لأنه دخل فيها بعض ما دخل من الكتب التي اعتبرها أهل العلم ليست من منهجية العلماء ولا نعرفها لمشايخنا الذين أدركناهم.
وقد خرج لنا من خرج في فترة من الفترات وقال إنّ فتح الباري لا يُقرأ فيه لأنّ فيه شيئًا من تقريرات الأشاعرة، وإنّ شرح النووي على صحيح مسلم لا يُقرأ فيه لأنّ فيه أشعرية بيِّنه، حتى سمعتُ أحدهم يقول: "إنّ هذه الكتب كما لو كان مسند الإمام أحمد فيه -وهو يقول هذا ولا أقوله- يقول: لو كان فيه صورة امرأة عارية فإنه لا يجوز أن يُقتنى مسند الإمام أحمد، فكيف إذا كان فيه شبهات وعقائد فاسدة؟" وهذا ما قال به أحد من أهل العلم، وإنما أهل العلم يقولون: إنّ الإنسان ينبغي أن يقرأ وهو على بصيرة، ما لم يكن الكتاب كتاب بدعة.
أحيانًا يغلب على الكتاب البدعة فلا خير فيه، وأحيانًا يكون كله بدعة فلا خير فيه، لكن إذا كان الكتاب من الكتب التي تُعنى بالعلم ومن الكتب المعتبَرة عند أهل العلم وفيه أخطاء فإنّ الإنسان يقرأ وهو على بصيرة.
كتب أصول الفقه لابد منها، ولا يمكن لإنسان أن يفهم كلامًا إلا بأصول فقهٍ، ولا أقول لا يفهم الكتاب والسنة، بل أقول لا يمكن أن يُفهَم كلامٌ إلا بأصول الفقه، فإنّ الإنسان يعرف المطلَق والمقيَّد والمجمَل والمبيَّن والعام والخاص، حتى العوام يعرفون هذا وإن كانوا لا يعرفون القواعد أحيانًا، فلا يمكن فهم الكلام إلا بأصول الفقه.
وأصول الفقه علمٌ أصيل جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجاء في كتاب الله، وفَهِمه الصحابة وعملوا به، وفَهِمه التابعون وعملوا به.
وألَّف فيه الإمام المطَّلِبي محمد بن إدريس كتابه العظيم (الرسالة)، إلا أنه من أسف بعد كتاب الرسالة تلقَّف المعتزلة أصول الفقه، فألَّفوا فيه، فأدخَلوا فيه اعتزالهم، فجاء الأشاعرة - والأشاعرة في أغلب تقريراتِهم تقريراتُهم ردود أفعالٍ لعقائد المعتزلة وأصول المعتزلة، ففي غالب الحال إذا وجدتَ المعتزلة في اليمين، تجد أنّ الأشاعرة مباشرة يفرِّون إلى الشمال، لا بتقريرٍ علميٍّ صحيح وإنما هو فرارٌ مما يقرِّره المعتزلة- فألَّفوا في أصول الفقه وأَدخلوا في ذلك عقيدة الأشاعرة وردوا على المعتزلة بما يخالفون فيه المعتزلة، فكثُر هذا، ثم جاء المقلِّدة المتعصِّبة فأدخلوا في أصول الفقه بعض ما ليس فيه، ولذلك أصبحتْ كثيرٌ من الكتب صعبة العبارة بعيدة الإشارة فيها شيء من الدَخَن، وهذا كثير في كتب أصول الفقه، ولكنها هي كتبٌ معتبَرة عند أهل العلم.
ولذلك أنا قلتُ مرارًا وتكرارًا: إنّ من يقرأ في أصول الفقه ينبغي أن يكون على بصيرة من عقيدة السلف، وينبغي أن يقرأ لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كثيرًا، فإنّ في كلامهما التنبيهات الكثيرة على بعض المزالِق الأصولية.
وهنالك بحوثٌ أصوليَّة الآن تُعنى بهذا الأمر والتنبيهات التي يحتاجها طالب العلم، وقد كتبتُ في هذا (مباحث الأمر أصوليَّة التي انتقدها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله)، وكتبتُ أيضًا (مباحث الكتاب والسنة ودلالات الألفاظ التي أخطأ فيها الرازي في المحصول والمعالِم) وفيها تنبيهات إلى الأخطاء التي وقع فيها الرازي في هذه الأبواب.
وكَتَبَ الشيخ العروسي كتابه (المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين)، وكتب الشيخ خالد عبداللطيف كتابه الطيب الجيد ( مسائل أصول الدين المبحوثة في أصول الفقه)، فهذه يحسن بطالب العلم أن يقرأها إذا أراد أن يقرأ في كتب الأصول.
وهناك كتاب طيب يُنصَح به وهو ( شرح الكوكب المنير ) لابن النجار الحنبلي، فإنه من أصلح الكتب وأحسنها في أصول الفقه من ناحية العقيدة وغيرها، وإن كان هناك شيء من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها لكن هو في الجملة هو من أحسن الكتب التي قرأتها في أصول الفقه ومن أوضحها ومن أسلمها، وهو موسوعة في أصول الفقه، فلو اقتناه طالب العلم وقرأ فيه فإنّ فيه تقريرات طيبة أصولية، ولا يمنع هذا أيضًا من أن يقرأ طالب العلم في (المحصول) وأن يقرأ في (المستصفى)، بل حتى أن يقرأ في شرح العُمَد وغيرها من الكتب الأصولية، لكن على أن يكون على بصيرة بيِّنه بما عليه سلف الأمة من العقائد والأمور الواضحات البيّنات؛ حتى لا يقع في المزالِق التي قد يكون سطرها بعض الأصوليين.
إذن أنا أقول: إنّ القراءة في كتب الأصول نافعة؛ لكن ينبغي للإنسان أن يتسلَّح بمعرفة عقيدة السلف وما عليه السلف حتى يكون على بيِّنه من المزالِق ويتنبّه لهذا الأمر. والله أعلم.