سبك الدرر في الرد على من جوز إخراج النقود في زكاة الفطر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا بحث لطيف في الرد على من جوز إخراج زكاة الفطر نقودا لخصته من الشبكة راجيا من الله أن يغفر لي ما تقدم وما تأخر من ذنبي وأن يدخلني برحمته في عباده الصالحين خاصة ونحن في العشر الأواخر من رمضان.
أبو أسامة سمير الجزائري
إخراج الفطرة قيمةً (نقداً) لا يجوز ، وهو مذهب جمهور أهل العلم : مالك ، والشافعيّ، وأحمد، وابن حزم الظاهري، والشوكاني ،ومن المعاصرين: الألباني في آخر ما استقر عليه، وابن عثيمين ، وابن باز، وغيرهم كثير..
واستدل الجمهور لمذهبهم بالآتــــــــــي :
1- من الكتاب : قوله تعالى ( وآتوا الزكاة ) ، وهذه الآية من مجمل القرآن؛ لأنّ الإيتاء منصوص عليه والمؤتى غير مذكور، لكن جاءت السنّة مبينة لمجمل النص القرآني فنصّ – صلى الله عليه وسلم - على إخراج الطعام كما في حديث أبي سعيد، فصار كأنّ الله قال : وآتوا زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاع من شعير ...الخ، وعليه فلا يجوز الاشتغال بالتعليل لإبطال حق المسكين في العين.
2 – من السنــــة :
1- أنّ إخراج القيمة خلاف ما أمر به رسول الله
وبيان ذلك أنه – صلى الله عليه وسلّم – قال لمعاذ حين ابتعثه إلى اليمن : ( خذ الحبّ من الحبّ، والشاة من الغنّم،والبعير من الإبل، والبقر من البقر) . رواه أبو داود( 1599) ، وابن ماجة( 1814) ، والحاكم (1/38
2- قوله صلى الله عليه وسلّم ( طعمة للمساكين) فهذه الكلمة تدل بحروفها على الإطعام، ومن أخرجها قيمة لا يصدق عليه أنّه أطعم.
3- قول الجمهور من أهل العلم
- جاء في المغني لابن قدامة ( 3 /66 ) ( وشرط المجزئ من زكاة الفطر أن يكون حباً فلا يجزي القيمة بلا خلافٍ )
- قال النووي في شرح مسلم(7/59): (ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة ).
4- عمــــل السلــــــف :
روى البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: ( كنا نعطيها في زمان رسول الله صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير..) ، وإضافة العمل إلى زمن النبوة فيه إشعار باطلاعه- صلى الله- على ذلك وإقراره له، ولا سيما أنها كانت تُجمع عنده ، وهو الأمر بقبضها وتفريقها ، فكان منهم إجماعًا ولم ينقل عن واحد من الصحابة أنه كان يُخرجها قيمةً ، مع عمق فهمهم، واتساع مداركهم، فليس من الصواب في شيءٍ أن نقدم على ما أحجموا عليه، وكما قال مالك ( الخير في إتباع من سلف)
5- من المعقـــــــول :
1- قياسا على الأضحية لما علّقها على الأنعام لم يجزْ نقلها إلى غيرها إجماعاً ، كذلك الفطرة لما علّقها على ما نص عليه لم يجز نقلها إلى غير ذلك .
2- وبالقياس أيضا على السجود: فكما لا يجوز في الصلاة إقامة السجود على الخد مقام السجود على الجبهة والأنف، والتعليل فيه بمعنى الخضوع؛ لأنّ ذلك مخالفة للنص وخروج عن معنى التعبد، كذلك لا يجوز في الزكاة إخراج القيمة.
3- ذكر- صلى الله عليه وسلّم- في حديث أبي سعيد أشياء قيمتها مختلفة، وأوجب في كل نوع منها صاعاً، فدل على أنّ المعتبر هو الصّاع، ولا نظرة إلى القيمة. قاله النووي في شرحه على مسلم( 7 / 60) .
4- أنّ زكاة الفطر قربة ، وما كان كذلك فسبيله أنْ يُتبع فيه أمر الله تعالى، ولو قال إنسان لوكيله : اشتر ثوباً وعلم الوكيل أن غرضه التجارة ووجد سلعةً هي أنفع لموّكله لم يكن له مخالفته، وإن رآه أنفع فما يجب لله تعالى بأمره أولى بالإتباع ، فالأغنياء وكلاء الله في ماله، والوكيل لا يجوز له مخالفة أمر موّكله.
5- لو كان إخراج القيمة جائزاً لكان هو الأصل، ولكان هو الفرع، فعدول الشارع من فرض القيمة إلى فرض الطعام دال على غاية معيّنة ومقصد ما، والتعليل بدفع الحاجة يرفع وجوب الطعام.
6- أنّ الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكراً لله على نعمة المال، والحاجات متنوعة، ينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تدفع به حاجته ويحصل شكر النعمة من جنس ما أنعم الله عليه به.
7- وفي حديث انس رضي الله عنه :" ومن بلغت عنه صدقة الحقة، وليست عنده ابن لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها الشاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً ".
قال الشوكاني في النيل ( قوله والجبرانات- بضم الجيم جمع جبران، وهو ما يجبر به الشيء، وهذا الحديث يدل على أنّ الزكاة واجبة في العين، ولو كانت القيمة هي الواجبة لكان ذكر ذلك عبثاً؛ لأنها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فتقدير الجبران بمقدار معلوم لا يناسب تعلّق الوجوب بالقيمة ) .
8- عملية شراء الفطرة، وإعطائها لمستحقيها فيه إشعار ولإظهار لهذه العبادة، أما تقديمها نقداً فلا يميزها عن سائر الصدقات من حيث الإحساس بالواجب والشعور بالإطعام
فإخراج القيمة يخرج زكاة الفطر من كونها شعيرة ظاهرة إلى كونها صدقة خفيّة.
9- اختيار القيمة يوقع الإنسان في إضطراب في تحديد القيمة ولا مخرج من هذا المشكل إلا بالرجوع إلى النص النبوي والتقدير النبويّ .
10- ولأنَّه نصّ على قدر متفق في أجناس مختلفة، فسوى بين قدرها مع إختلاف أجناسها، وقيمتها فدل على أن الاعتبار بقدر المنصوص عليه دون قيمته.
11- ولأنَّه لو جاز اعتبار القيمة فيه ، لوجب إذا كان قيمة صاع من زبيب ضروع (كبير) آصعاً من حنطة فأخرج من الزبيب ثلث صاع قيمته من الحنطة صاع أن يجزيه، فلما أجمعوا على أنه لا يجزيه، وإن كان بقيمته المنصوص عليه، دلّ على أنه لا يجوز إخراج القيمة دون المنصوص عليه .
12- القول بإخراجها طعاماً أحوط، وأبرأ للذمة ، وهي مجزئة عند الجميع ، بخلاف ما إذا أخرجها نقداً فكثير من العلماء يبطلها، والواجب على المسلم أن يحتاط لأمر دينه ، وأن يعمل بقول النبي- صلى الله عليه وسلم- :( دع ما يريبك) و( ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) .
والحمد لله رب العالمين
وكتبه
أبو أسامة سمير الجزائري
بلعباس
26 رمضان 1432
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا بحث لطيف في الرد على من جوز إخراج زكاة الفطر نقودا لخصته من الشبكة راجيا من الله أن يغفر لي ما تقدم وما تأخر من ذنبي وأن يدخلني برحمته في عباده الصالحين خاصة ونحن في العشر الأواخر من رمضان.
أبو أسامة سمير الجزائري
إخراج الفطرة قيمةً (نقداً) لا يجوز ، وهو مذهب جمهور أهل العلم : مالك ، والشافعيّ، وأحمد، وابن حزم الظاهري، والشوكاني ،ومن المعاصرين: الألباني في آخر ما استقر عليه، وابن عثيمين ، وابن باز، وغيرهم كثير..
واستدل الجمهور لمذهبهم بالآتــــــــــي :
1- من الكتاب : قوله تعالى ( وآتوا الزكاة ) ، وهذه الآية من مجمل القرآن؛ لأنّ الإيتاء منصوص عليه والمؤتى غير مذكور، لكن جاءت السنّة مبينة لمجمل النص القرآني فنصّ – صلى الله عليه وسلم - على إخراج الطعام كما في حديث أبي سعيد، فصار كأنّ الله قال : وآتوا زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاع من شعير ...الخ، وعليه فلا يجوز الاشتغال بالتعليل لإبطال حق المسكين في العين.
2 – من السنــــة :
1- أنّ إخراج القيمة خلاف ما أمر به رسول الله
وبيان ذلك أنه – صلى الله عليه وسلّم – قال لمعاذ حين ابتعثه إلى اليمن : ( خذ الحبّ من الحبّ، والشاة من الغنّم،والبعير من الإبل، والبقر من البقر) . رواه أبو داود( 1599) ، وابن ماجة( 1814) ، والحاكم (1/38
2- قوله صلى الله عليه وسلّم ( طعمة للمساكين) فهذه الكلمة تدل بحروفها على الإطعام، ومن أخرجها قيمة لا يصدق عليه أنّه أطعم.
3- قول الجمهور من أهل العلم
- جاء في المغني لابن قدامة ( 3 /66 ) ( وشرط المجزئ من زكاة الفطر أن يكون حباً فلا يجزي القيمة بلا خلافٍ )
- قال النووي في شرح مسلم(7/59): (ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة ).
4- عمــــل السلــــــف :
روى البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: ( كنا نعطيها في زمان رسول الله صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير..) ، وإضافة العمل إلى زمن النبوة فيه إشعار باطلاعه- صلى الله- على ذلك وإقراره له، ولا سيما أنها كانت تُجمع عنده ، وهو الأمر بقبضها وتفريقها ، فكان منهم إجماعًا ولم ينقل عن واحد من الصحابة أنه كان يُخرجها قيمةً ، مع عمق فهمهم، واتساع مداركهم، فليس من الصواب في شيءٍ أن نقدم على ما أحجموا عليه، وكما قال مالك ( الخير في إتباع من سلف)
5- من المعقـــــــول :
1- قياسا على الأضحية لما علّقها على الأنعام لم يجزْ نقلها إلى غيرها إجماعاً ، كذلك الفطرة لما علّقها على ما نص عليه لم يجز نقلها إلى غير ذلك .
2- وبالقياس أيضا على السجود: فكما لا يجوز في الصلاة إقامة السجود على الخد مقام السجود على الجبهة والأنف، والتعليل فيه بمعنى الخضوع؛ لأنّ ذلك مخالفة للنص وخروج عن معنى التعبد، كذلك لا يجوز في الزكاة إخراج القيمة.
3- ذكر- صلى الله عليه وسلّم- في حديث أبي سعيد أشياء قيمتها مختلفة، وأوجب في كل نوع منها صاعاً، فدل على أنّ المعتبر هو الصّاع، ولا نظرة إلى القيمة. قاله النووي في شرحه على مسلم( 7 / 60) .
4- أنّ زكاة الفطر قربة ، وما كان كذلك فسبيله أنْ يُتبع فيه أمر الله تعالى، ولو قال إنسان لوكيله : اشتر ثوباً وعلم الوكيل أن غرضه التجارة ووجد سلعةً هي أنفع لموّكله لم يكن له مخالفته، وإن رآه أنفع فما يجب لله تعالى بأمره أولى بالإتباع ، فالأغنياء وكلاء الله في ماله، والوكيل لا يجوز له مخالفة أمر موّكله.
5- لو كان إخراج القيمة جائزاً لكان هو الأصل، ولكان هو الفرع، فعدول الشارع من فرض القيمة إلى فرض الطعام دال على غاية معيّنة ومقصد ما، والتعليل بدفع الحاجة يرفع وجوب الطعام.
6- أنّ الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكراً لله على نعمة المال، والحاجات متنوعة، ينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تدفع به حاجته ويحصل شكر النعمة من جنس ما أنعم الله عليه به.
7- وفي حديث انس رضي الله عنه :" ومن بلغت عنه صدقة الحقة، وليست عنده ابن لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها الشاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً ".
قال الشوكاني في النيل ( قوله والجبرانات- بضم الجيم جمع جبران، وهو ما يجبر به الشيء، وهذا الحديث يدل على أنّ الزكاة واجبة في العين، ولو كانت القيمة هي الواجبة لكان ذكر ذلك عبثاً؛ لأنها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فتقدير الجبران بمقدار معلوم لا يناسب تعلّق الوجوب بالقيمة ) .
8- عملية شراء الفطرة، وإعطائها لمستحقيها فيه إشعار ولإظهار لهذه العبادة، أما تقديمها نقداً فلا يميزها عن سائر الصدقات من حيث الإحساس بالواجب والشعور بالإطعام
فإخراج القيمة يخرج زكاة الفطر من كونها شعيرة ظاهرة إلى كونها صدقة خفيّة.
9- اختيار القيمة يوقع الإنسان في إضطراب في تحديد القيمة ولا مخرج من هذا المشكل إلا بالرجوع إلى النص النبوي والتقدير النبويّ .
10- ولأنَّه نصّ على قدر متفق في أجناس مختلفة، فسوى بين قدرها مع إختلاف أجناسها، وقيمتها فدل على أن الاعتبار بقدر المنصوص عليه دون قيمته.
11- ولأنَّه لو جاز اعتبار القيمة فيه ، لوجب إذا كان قيمة صاع من زبيب ضروع (كبير) آصعاً من حنطة فأخرج من الزبيب ثلث صاع قيمته من الحنطة صاع أن يجزيه، فلما أجمعوا على أنه لا يجزيه، وإن كان بقيمته المنصوص عليه، دلّ على أنه لا يجوز إخراج القيمة دون المنصوص عليه .
12- القول بإخراجها طعاماً أحوط، وأبرأ للذمة ، وهي مجزئة عند الجميع ، بخلاف ما إذا أخرجها نقداً فكثير من العلماء يبطلها، والواجب على المسلم أن يحتاط لأمر دينه ، وأن يعمل بقول النبي- صلى الله عليه وسلم- :( دع ما يريبك) و( ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) .
والحمد لله رب العالمين
وكتبه
أبو أسامة سمير الجزائري
بلعباس
26 رمضان 1432
تعليق