إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأ شهد أ ن محمداً عبدُه و رسولُه .
يَاأَيها الذين آ مَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَا ته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون. سورة آل عمران آية رقم 102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً . سورة النساء آية رقم 01 يَا أ يها الذين آ منوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيما. سورة الأحزاب آية رقم 70/71أ ما بعد
تناول هذا البحث أمرًا مهمًّا أخلَّ به جماهير النَّاس , وهو متعلِّق بعمود الدِّين
- الصَّلاة- ولا شكَّ ولا ريب أنَّ إتمام الصُّفوف من تمام الصَّلاة وإقامتها ,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سوُّوا صفوفكم فإنَّ تسوية الصُّفوف من إقامة الصَّلاة "(رواه البخاري رقم ).
فلا تَتمُّ إقامةُ الصَّلاة إلاَّ بإقامة الصُّفوف ؛ ولذلك جاءت الأحاديث تترى في تقرير هذا , تارةً بالتَّرغيب في إقامة الصُّفوف وإحسانها, وتارةً بالتَّرهيب من التَّفريط فيها
فلما كانت هذه منزلة الصلاة وفضلها كان ولابد من آدائها على الوجه الأكمل وعلى النهج النبوي السوي .
ومن وسائل المحافظة على الصلاة : تسوية الصفوف.
هذه السنة التي أصبحت مهجورة بين المسلمين , إلا من رحم ربي .
ويكفي من آثار عدم تسوية الصفوف , هذا الوعيد النبوي « لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ » أخرجاه الشيخان .
ذكر السيوطي في رسالته بسط الكف في اتمام الصف وهي ضمن مجموع الحاوي للفتاوي ص51 فقد سُئلتُ عن عدم إتمام الصُّفوف , والشُّروع في صفٍّ قبل إتمام صفٍّ , فأجبتُ بأنَّه مكروه , لا تحصل به فضيلة الجماعة ثمَّ ورَدَت إليَّ فتوى في ذلك فكتبت عليها ما نصُّه : لا تحصلُ الفضيلة , وبيان ذلك بتقرير أمرين : أحدهما : أنَّ هذا الفعل مكروه .
والثَّاني : أنَّ المكروه في الجماعة يسقط فضيلتها .
أمَّا الأوَّل : فقد صرَّحوا بذلك حيث قالوا في الكلام على التَّخطيِّ : يُكره إلاَّ إذا كان بين يديه فرجة , لا يصل إليها إلاَّ بالتخطي , فإنَّهم مقصرون بتركها , إذ يكره إنشاء صفٍّ قبل إتمام ما قبله, ويشهد له من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : "أتمُّوا الصُّفوف ما كان من نقصٍ ففي المُؤخَّر" رواه أبو داود (671) أه.
وجاء في" فتح الباري شرح صحيح البخاري"ص 209-210أبواب صلاة الجماعة والإمامة باب إثم من لم يتم الصفوف(لخطورة المسألة وعظمها)
724- حدثنا معاذ بن أسد قال أخبرنا الفضل بن موسى قال أخبرنا سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك أنه قدم المدينة فقيل له ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف وقال عقبة بن عبيد عن بشير بن يسار قدم علينا أنس بن مالك المدينة بهذا.
قوله : ( باب إثم من لم يتم الصفوف (قال ابن رشيد أورد فيه حديث أنس " ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف " وتعقب بأن الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل ذلك على حصول الإثم ، وأجيب بأنه لعله حمل الأمر في قوله تعالى : فليحذر الذين يخالفون عن أمره على أن المراد بالأمر الشأن والحال لا مجرد الصيغة ، فيلزم منه أن من خالف شيئا من الحال التي كان عليها - صلى الله عليه وسلم - أن يأثم لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية ، وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إقامة الصفوف ، فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم . انتهى كلام ابن رشيد ملخصا . وهو ضعيف ؛ لأنه يفضي إلى أن لا يبقى شيء مسنون ؛ لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب . وأما قول ابن بطال : إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم ، فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون آثما . سلمنا ، لكن يرد عليه التعقب الذي قبله . ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا صفوفكم ومن عموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلي ومن ورود الوعيد على تركه ، فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن ، ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين ، ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة . وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان ، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف ، وبما صح عن سويد بن غفلة قال " كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة " فقال : ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب وفيه نظر ، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة.
ذِكْرُ الأمْرِ بِإِتْمَامِ الصُّفُوفِ الأولَىاقْتِدَاءً بِفِعْلِ الْمَلائِكَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ
روى مسلم بسنده , فقال :
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ رَافِعِى أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ اسْكُنُوا فِى الصَّلاَةِ » . قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقاً فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ عِزِينَ » . قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ « أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا » . فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ « يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِى الصَّفِّ » ( حديث رقم 430) .
قال الكسائي كما في غريب الحديث (1/161) : التراص أن يلصق بعضهم ببعض حتى لا يكون بينهم خلل, ومنه قوله تعالى ) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ( الصف/4. انتهى
قال ابن رجب - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى ) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ( الصافات/165 : " واعلمْ أنَّ الصفوفَ في الصلاةِ ممَّا خصَّ اللَّهُ به هذه الأمةَ وشرَّفها به.
فإنهم أشَبْهوا بذلك صُفوفَ الملائكةِ في السَّماءِ، كما أخبر اللَهُ عنهم أنَّه قالوا: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُونَ) ، وأقْسَمَ بالصافّاتِ صفًّا، وهُم الملائكة.
وفي "صحيح مسلم" عنِ حذيفةَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فُضلنا على الناسِ بثلاثٍ: جُعلت صُفوفُنا كصفوفِ الملائكة" الحديث.
وفيه - أيضًا - عن جابرِ بنِ سَمُرةَ، قال: خرَجَ علينا رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"ألا تصفون كما تصفُّ الملائكةُ عِندَ ربِّها؟ فقلنا: يا رسول اللَّه، وكيف تصفُّ الملائكةُ عِندَ ربِّها؟ قال: "يُتمُّون الصفوفَ الأولَى، ويتراصُّون في الصفِّ".
وروى ابنُ أبي حاتم من روايةِ أبي نضرةَ، قال: كان ابنُ عمرَ إذا أُقيمتِ الصلاةُ استقبلَ الناسُ بِوَجْههِ، ثم قالَ: أقيموا صُفُوفكم، استَوُوا قِيَامًا، يريدُ اللَّهُ بِكُمْ هدْيَ الملائكةِ.
ثم يقول: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) ، تأخَّرْ فُلانٌ، تقدَّمْ فلانٌ، ثم يتقدَّمُ فيُكَبِّرُ.
وروى ابنُ جُريجٍ، عن الوليدِ بنِ عبدِ اللَّهِ بن أبي مغيثٍ، قال: كانوا لا يَصُفُّون في الصلاةِ، حتَّى نزلتْ: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) .
وقد رُوي أن مِنْ صِفَةِ هذه الأُمَّةِ في الكتبِ السالفةِ: صفَّهم في الصلاةِ.كصفِّهم في القتالِ.[ روائع التفسير - ط دار العاصمة 2/147 ].
فالواجب على المصلين أن يتموا الصفوف الأول فالأول، سواء أكان داخل المسجد أم خارجه، ومن قصر في إتمام الصف الذي أمامه فإنه يأثم ويتحمل وزره في عدم إتمام الصف الذي يجب عليه إتمامه، سواء أكان ذلك داخل المساجد أم خارجها، وعلى طلاب العلم أن ينصحوا الناس، وأن يعلموهم، وأن يوجهوهم، وأن يعذروا إلى الله ببيان هذه السنة لهم.
وروى أبو داود بسنده , فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِى يَلِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِى الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ . (حديث رقم 671)
فَيكْرَه الشُّرُوع فِي صف قبل إتْمَام مَا قبله. فالذي كان من الصف من نقصِ فليكن ذلك النقص في الصف الأخير، والقصدُ من ذلك: أن لا يخلى موضع من الصف الأول مهما أمكن، وكذلك من الثاني والثالث وهلم جرّا إلى أن ينتهي وتكتمل الصفوف.
قال النووي – رحمه الله – في شرحه على مسلم(4/115) :
وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول والتراص في الصفوف، ومعنى إتمام الصفوف الأول أن يتم الأول ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثاني، ولا في الرابع حتى يتم الثالث، وهكذا إلى آخرها.انتهى
ولذلك قال الصنعاني– رحمه الله- في :سبل السلام باب صلاة الجماعة والامامة النهي عن التأخر عن الصفوف
8/377-عن أبي سعيد الخذري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا فقال :"تقدموا فأتموا بي,وليأتم بكم من بعدكم."رواه مسلم .
والحديث دليل على أنه يجوز اتباع من خلف الأمام ممن لا يراه ولا يسمعه كأهل الصف الثاني يقتدون بالأول واهل الصف الثالث بالثاني ونحوه أو بمن يبلغ عنه وفي الحديث حث على الصف الأول ،وكراهة البعد عنه،وتمام الحديث "لايزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله."
وذكر البهيقي في السنن الكبرى
كتاب الصلاة جماع أبواب موقف الإمام والمأموم 5074 باب كراهية التأخر عن الصفوف المقدمة
أخبرنا ) جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة ، أنبأ أبو جعفر بن دحيم ، ثنا حميد بن حازم ، أنبأ عبيد الله بن موسى وأبو نعيم ، عن أبي الأشهب ( ح وأخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو النضر الفقيه ، ثنا أحمد بن النضر بن عبد الوهاب ، ثنا شيبان بن فروخ ، ثنا أبو الأشهب ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم : " تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم . لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله . رواه مسلم في الصحيح ، عن شيبان بن فروخ.
وذكر ايضا في5066باب اتمام الصفوف المقدمة
( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قالا : ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب ، أنبأ جعفر بن عون ، أنبأ الأعمش عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصفوف فقال : " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم " . قالوا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال : " يتمون الصفوف المقدمة ، ويتراصون في الصف . أخرجه مسلم من حديث أبي معاوية عن الأعمش.
قلت والأحاديث الصحيحة الواردة في ائتمام الصفوف واحد تلو الآخر وعدم قطعها صريحة تدل على ذلك فكيف يتحججون بمخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم
هذا ما تيسر جمعه فمابال قومي لا يفقهون؟ والله المستعان
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأ شهد أ ن محمداً عبدُه و رسولُه .
يَاأَيها الذين آ مَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَا ته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون. سورة آل عمران آية رقم 102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً . سورة النساء آية رقم 01 يَا أ يها الذين آ منوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيما. سورة الأحزاب آية رقم 70/71أ ما بعد
تناول هذا البحث أمرًا مهمًّا أخلَّ به جماهير النَّاس , وهو متعلِّق بعمود الدِّين
- الصَّلاة- ولا شكَّ ولا ريب أنَّ إتمام الصُّفوف من تمام الصَّلاة وإقامتها ,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سوُّوا صفوفكم فإنَّ تسوية الصُّفوف من إقامة الصَّلاة "(رواه البخاري رقم ).
فلا تَتمُّ إقامةُ الصَّلاة إلاَّ بإقامة الصُّفوف ؛ ولذلك جاءت الأحاديث تترى في تقرير هذا , تارةً بالتَّرغيب في إقامة الصُّفوف وإحسانها, وتارةً بالتَّرهيب من التَّفريط فيها
فلما كانت هذه منزلة الصلاة وفضلها كان ولابد من آدائها على الوجه الأكمل وعلى النهج النبوي السوي .
ومن وسائل المحافظة على الصلاة : تسوية الصفوف.
هذه السنة التي أصبحت مهجورة بين المسلمين , إلا من رحم ربي .
ويكفي من آثار عدم تسوية الصفوف , هذا الوعيد النبوي « لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ » أخرجاه الشيخان .
ذكر السيوطي في رسالته بسط الكف في اتمام الصف وهي ضمن مجموع الحاوي للفتاوي ص51 فقد سُئلتُ عن عدم إتمام الصُّفوف , والشُّروع في صفٍّ قبل إتمام صفٍّ , فأجبتُ بأنَّه مكروه , لا تحصل به فضيلة الجماعة ثمَّ ورَدَت إليَّ فتوى في ذلك فكتبت عليها ما نصُّه : لا تحصلُ الفضيلة , وبيان ذلك بتقرير أمرين : أحدهما : أنَّ هذا الفعل مكروه .
والثَّاني : أنَّ المكروه في الجماعة يسقط فضيلتها .
أمَّا الأوَّل : فقد صرَّحوا بذلك حيث قالوا في الكلام على التَّخطيِّ : يُكره إلاَّ إذا كان بين يديه فرجة , لا يصل إليها إلاَّ بالتخطي , فإنَّهم مقصرون بتركها , إذ يكره إنشاء صفٍّ قبل إتمام ما قبله, ويشهد له من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : "أتمُّوا الصُّفوف ما كان من نقصٍ ففي المُؤخَّر" رواه أبو داود (671) أه.
وجاء في" فتح الباري شرح صحيح البخاري"ص 209-210أبواب صلاة الجماعة والإمامة باب إثم من لم يتم الصفوف(لخطورة المسألة وعظمها)
724- حدثنا معاذ بن أسد قال أخبرنا الفضل بن موسى قال أخبرنا سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك أنه قدم المدينة فقيل له ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف وقال عقبة بن عبيد عن بشير بن يسار قدم علينا أنس بن مالك المدينة بهذا.
قوله : ( باب إثم من لم يتم الصفوف (قال ابن رشيد أورد فيه حديث أنس " ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف " وتعقب بأن الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل ذلك على حصول الإثم ، وأجيب بأنه لعله حمل الأمر في قوله تعالى : فليحذر الذين يخالفون عن أمره على أن المراد بالأمر الشأن والحال لا مجرد الصيغة ، فيلزم منه أن من خالف شيئا من الحال التي كان عليها - صلى الله عليه وسلم - أن يأثم لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية ، وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إقامة الصفوف ، فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم . انتهى كلام ابن رشيد ملخصا . وهو ضعيف ؛ لأنه يفضي إلى أن لا يبقى شيء مسنون ؛ لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب . وأما قول ابن بطال : إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم ، فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون آثما . سلمنا ، لكن يرد عليه التعقب الذي قبله . ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا صفوفكم ومن عموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلي ومن ورود الوعيد على تركه ، فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن ، ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين ، ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة . وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان ، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف ، وبما صح عن سويد بن غفلة قال " كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة " فقال : ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب وفيه نظر ، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة.
ذِكْرُ الأمْرِ بِإِتْمَامِ الصُّفُوفِ الأولَىاقْتِدَاءً بِفِعْلِ الْمَلائِكَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ
روى مسلم بسنده , فقال :
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ رَافِعِى أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ اسْكُنُوا فِى الصَّلاَةِ » . قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقاً فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ عِزِينَ » . قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ « أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا » . فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ « يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِى الصَّفِّ » ( حديث رقم 430) .
قال الكسائي كما في غريب الحديث (1/161) : التراص أن يلصق بعضهم ببعض حتى لا يكون بينهم خلل, ومنه قوله تعالى ) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ( الصف/4. انتهى
قال ابن رجب - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى ) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ( الصافات/165 : " واعلمْ أنَّ الصفوفَ في الصلاةِ ممَّا خصَّ اللَّهُ به هذه الأمةَ وشرَّفها به.
فإنهم أشَبْهوا بذلك صُفوفَ الملائكةِ في السَّماءِ، كما أخبر اللَهُ عنهم أنَّه قالوا: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُونَ) ، وأقْسَمَ بالصافّاتِ صفًّا، وهُم الملائكة.
وفي "صحيح مسلم" عنِ حذيفةَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فُضلنا على الناسِ بثلاثٍ: جُعلت صُفوفُنا كصفوفِ الملائكة" الحديث.
وفيه - أيضًا - عن جابرِ بنِ سَمُرةَ، قال: خرَجَ علينا رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"ألا تصفون كما تصفُّ الملائكةُ عِندَ ربِّها؟ فقلنا: يا رسول اللَّه، وكيف تصفُّ الملائكةُ عِندَ ربِّها؟ قال: "يُتمُّون الصفوفَ الأولَى، ويتراصُّون في الصفِّ".
وروى ابنُ أبي حاتم من روايةِ أبي نضرةَ، قال: كان ابنُ عمرَ إذا أُقيمتِ الصلاةُ استقبلَ الناسُ بِوَجْههِ، ثم قالَ: أقيموا صُفُوفكم، استَوُوا قِيَامًا، يريدُ اللَّهُ بِكُمْ هدْيَ الملائكةِ.
ثم يقول: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) ، تأخَّرْ فُلانٌ، تقدَّمْ فلانٌ، ثم يتقدَّمُ فيُكَبِّرُ.
وروى ابنُ جُريجٍ، عن الوليدِ بنِ عبدِ اللَّهِ بن أبي مغيثٍ، قال: كانوا لا يَصُفُّون في الصلاةِ، حتَّى نزلتْ: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) .
وقد رُوي أن مِنْ صِفَةِ هذه الأُمَّةِ في الكتبِ السالفةِ: صفَّهم في الصلاةِ.كصفِّهم في القتالِ.[ روائع التفسير - ط دار العاصمة 2/147 ].
فالواجب على المصلين أن يتموا الصفوف الأول فالأول، سواء أكان داخل المسجد أم خارجه، ومن قصر في إتمام الصف الذي أمامه فإنه يأثم ويتحمل وزره في عدم إتمام الصف الذي يجب عليه إتمامه، سواء أكان ذلك داخل المساجد أم خارجها، وعلى طلاب العلم أن ينصحوا الناس، وأن يعلموهم، وأن يوجهوهم، وأن يعذروا إلى الله ببيان هذه السنة لهم.
وروى أبو داود بسنده , فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِى يَلِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِى الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ . (حديث رقم 671)
فَيكْرَه الشُّرُوع فِي صف قبل إتْمَام مَا قبله. فالذي كان من الصف من نقصِ فليكن ذلك النقص في الصف الأخير، والقصدُ من ذلك: أن لا يخلى موضع من الصف الأول مهما أمكن، وكذلك من الثاني والثالث وهلم جرّا إلى أن ينتهي وتكتمل الصفوف.
قال النووي – رحمه الله – في شرحه على مسلم(4/115) :
وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول والتراص في الصفوف، ومعنى إتمام الصفوف الأول أن يتم الأول ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثاني، ولا في الرابع حتى يتم الثالث، وهكذا إلى آخرها.انتهى
ولذلك قال الصنعاني– رحمه الله- في :سبل السلام باب صلاة الجماعة والامامة النهي عن التأخر عن الصفوف
8/377-عن أبي سعيد الخذري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا فقال :"تقدموا فأتموا بي,وليأتم بكم من بعدكم."رواه مسلم .
والحديث دليل على أنه يجوز اتباع من خلف الأمام ممن لا يراه ولا يسمعه كأهل الصف الثاني يقتدون بالأول واهل الصف الثالث بالثاني ونحوه أو بمن يبلغ عنه وفي الحديث حث على الصف الأول ،وكراهة البعد عنه،وتمام الحديث "لايزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله."
وذكر البهيقي في السنن الكبرى
كتاب الصلاة جماع أبواب موقف الإمام والمأموم 5074 باب كراهية التأخر عن الصفوف المقدمة
أخبرنا ) جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة ، أنبأ أبو جعفر بن دحيم ، ثنا حميد بن حازم ، أنبأ عبيد الله بن موسى وأبو نعيم ، عن أبي الأشهب ( ح وأخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو النضر الفقيه ، ثنا أحمد بن النضر بن عبد الوهاب ، ثنا شيبان بن فروخ ، ثنا أبو الأشهب ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم : " تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم . لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله . رواه مسلم في الصحيح ، عن شيبان بن فروخ.
وذكر ايضا في5066باب اتمام الصفوف المقدمة
( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قالا : ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب ، أنبأ جعفر بن عون ، أنبأ الأعمش عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصفوف فقال : " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم " . قالوا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال : " يتمون الصفوف المقدمة ، ويتراصون في الصف . أخرجه مسلم من حديث أبي معاوية عن الأعمش.
قلت والأحاديث الصحيحة الواردة في ائتمام الصفوف واحد تلو الآخر وعدم قطعها صريحة تدل على ذلك فكيف يتحججون بمخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم
هذا ما تيسر جمعه فمابال قومي لا يفقهون؟ والله المستعان
تعليق