السلام عليكم ورحمة الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه... وبعدُ:
[الأدلة الشرعية على جواز الرقية غير المأثورة مما لا تخالف ما في المأثور،
وأنها لا تتوقف معرفتها من النبي -صلى الله عليه وسلم-]
ذكر فضيلةُ الشيخ [أبي عبد المعز محمد علي فركوس]
في كتابه: [المُنية في توضيح ما أُشكل من الرقية] [ص: 13] :
أما الرقية غير المأثورة ولا واردة الكيفية شرعًا والخالية من المحاذير الشرعية؛ فحكمُ ممارستها مختلف فيه، ويرجع سبب الخلاف إلى أن ممارسة الرقية هل هي من جنس التداوي بالأدوية والأعشاب الطبية أم تتوقف معرفتها على الشرع؟
والأشبه في الرقية غير المنصوص عليها وإن كانت من الطب الروحاني إلا أنها لصيقة بالطب الجسماني من جهة اعتمادها على الاجتهاد والتجربة العملية، والاستعانة بالله في تحقيق نفعها، والأخذ بالتجربة البشرية يجوز إذا أظهرت نجوعًا وفائدة وخلت من أي محذور شرعي؛ لأن ثمرتها حفظُ الصحة للأصحاء ودفع المرض عن المرضى بالمداواة حتى يحصل لهم البُرء من أمراضهم.
قال ابن خلدون: "كان عند العرب من هذا الطب كثيرًا، وكان فيهم أطباء معروفون، كالحارث بن كلدة وغيره، والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عاديًا للعرب"([1]).
ويدل عليه ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه- قال: "نهى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرُّقى، فجاء آلُ عمرو بن حزم الأنصاريِّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول الله! إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأسًا، مَن استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"([2]).
والحديث يدل على أن الطب أو الرقية لا تتوقف معرفتُها على التلقي من النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي: ليست طريقها الوحي باللزوم، وأن أي اجتهاد في دفع الضرر ورفع البلاء معرًّى من أي محذور شرعيٍّ مقبولٌ نفعه، وجملة: "مَن استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه". وإن وقعت على سبب خاص وهو الرقية من العقرب؛ فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، على ما هو مقرر أصوليًا.
وفي معرض شرح حديث ابن عباس، وأبي سعيد -رضي الله عنهما- في قصة اللديغ ([3]) قال الشوكاني:
"وفي الحديثين دليل على جواز الرقية بكتاب الله تعالى، ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور وكذا غير المأثور مما لا يُخالف ما في المأثور"([4]).
ويُصحح هذا القول حديثُ عوف بن مالك الأشجعيِّ -رضي الله عنه- قال: "كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك"([5]).
ففيه دليل على جواز الرقي والتطبب بما لا ضرر فيه، ولا منع من جهة الشرع"([6]).
وهذه الرقى المعروضة التي كانت تُستعمل في الجاهلية ليست توقيفية كما لا يخفى، فلو كان الجواز محصورًا على الثابت بالوحي؛ للزم منه إنكارُ النبي -صلى الله عليه وسلم- لها لكونه في معرض البيان، وتأخيره عن وقت الحاجة لا يجوز، ويؤكد هذا المعنى -بلا ريب- إقراره -صلى الله عليه وسلم- لرقية الشفاء بنت عبد الله ([7]) المتلقاة من غير طريقه -صلى الله عليه وسلم-، ولما كانت رقيتُها خالية من محذور شركيٍّ أذِن لها النبي -صلى الله عليه وسلم- في ممارستها، فقد روى الحاكم بالسند الصحيح: "أن رجلاً من الأنصار خرجت به نَملة ([8])، فَدُلَّ على أن الشفاءَ بنت عبد الله ترقي من النملة، فجاءها فسألها أن ترقيه، فقالت: والله ما رقيتُ منذُ أسلمتُ، فذهب الأنصاريُّ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره بالذي قالت الشفاء، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشفاء، فقال: اعرضي عليَّ. فعرضتها عليه، فقال: ارقيه، وعلِّميها حفصة كما علَّمتيِها الكتاب"([9]).
وفي رواية: "الكتابة".اهـ
قلتُ -أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد-:
"لا بأسَ بالرقية من غير المأثور ما لم يكن فيها شركٌ أو محذور".
الحاشية:
[1] - مقدمة ابن خلدون (493).
[2] - أخرجه مسلم (14/186) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-.
[3] - انظر: (ص 34، 50).
[4] - نيل الأوطار، للشوكاني (10/185).
[5] - أخرجه مسلم (14/187)، وأبو داود (4/314) من حديث عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه-.
[6] - نيل الأوطار، للشوكاني (10/185).
[7] - هي الصحابية: الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية، كانت ذات فضل وعقل وجودة رأي، تُوفيت سنة 20هـ. انظر: الإصابة، لابن حجر (4/341-342)، أعلام النساء، لكحالة (2/300-301).
[8] - "النملة": قروحٌ تخرج في الجنب، وقد تخرج في غير الجنب. النهاية، لابن الأثير (5/120)، جامع الأصول، لابن الأثير (7/556).
[9] - المستدرك، للحاكم (5/56-57)، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (1/129).
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه... وبعدُ:
[الأدلة الشرعية على جواز الرقية غير المأثورة مما لا تخالف ما في المأثور،
وأنها لا تتوقف معرفتها من النبي -صلى الله عليه وسلم-]
ذكر فضيلةُ الشيخ [أبي عبد المعز محمد علي فركوس]
في كتابه: [المُنية في توضيح ما أُشكل من الرقية] [ص: 13] :
أما الرقية غير المأثورة ولا واردة الكيفية شرعًا والخالية من المحاذير الشرعية؛ فحكمُ ممارستها مختلف فيه، ويرجع سبب الخلاف إلى أن ممارسة الرقية هل هي من جنس التداوي بالأدوية والأعشاب الطبية أم تتوقف معرفتها على الشرع؟
والأشبه في الرقية غير المنصوص عليها وإن كانت من الطب الروحاني إلا أنها لصيقة بالطب الجسماني من جهة اعتمادها على الاجتهاد والتجربة العملية، والاستعانة بالله في تحقيق نفعها، والأخذ بالتجربة البشرية يجوز إذا أظهرت نجوعًا وفائدة وخلت من أي محذور شرعي؛ لأن ثمرتها حفظُ الصحة للأصحاء ودفع المرض عن المرضى بالمداواة حتى يحصل لهم البُرء من أمراضهم.
قال ابن خلدون: "كان عند العرب من هذا الطب كثيرًا، وكان فيهم أطباء معروفون، كالحارث بن كلدة وغيره، والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عاديًا للعرب"([1]).
ويدل عليه ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه- قال: "نهى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرُّقى، فجاء آلُ عمرو بن حزم الأنصاريِّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول الله! إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأسًا، مَن استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"([2]).
والحديث يدل على أن الطب أو الرقية لا تتوقف معرفتُها على التلقي من النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي: ليست طريقها الوحي باللزوم، وأن أي اجتهاد في دفع الضرر ورفع البلاء معرًّى من أي محذور شرعيٍّ مقبولٌ نفعه، وجملة: "مَن استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه". وإن وقعت على سبب خاص وهو الرقية من العقرب؛ فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، على ما هو مقرر أصوليًا.
وفي معرض شرح حديث ابن عباس، وأبي سعيد -رضي الله عنهما- في قصة اللديغ ([3]) قال الشوكاني:
"وفي الحديثين دليل على جواز الرقية بكتاب الله تعالى، ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور وكذا غير المأثور مما لا يُخالف ما في المأثور"([4]).
ويُصحح هذا القول حديثُ عوف بن مالك الأشجعيِّ -رضي الله عنه- قال: "كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك"([5]).
ففيه دليل على جواز الرقي والتطبب بما لا ضرر فيه، ولا منع من جهة الشرع"([6]).
وهذه الرقى المعروضة التي كانت تُستعمل في الجاهلية ليست توقيفية كما لا يخفى، فلو كان الجواز محصورًا على الثابت بالوحي؛ للزم منه إنكارُ النبي -صلى الله عليه وسلم- لها لكونه في معرض البيان، وتأخيره عن وقت الحاجة لا يجوز، ويؤكد هذا المعنى -بلا ريب- إقراره -صلى الله عليه وسلم- لرقية الشفاء بنت عبد الله ([7]) المتلقاة من غير طريقه -صلى الله عليه وسلم-، ولما كانت رقيتُها خالية من محذور شركيٍّ أذِن لها النبي -صلى الله عليه وسلم- في ممارستها، فقد روى الحاكم بالسند الصحيح: "أن رجلاً من الأنصار خرجت به نَملة ([8])، فَدُلَّ على أن الشفاءَ بنت عبد الله ترقي من النملة، فجاءها فسألها أن ترقيه، فقالت: والله ما رقيتُ منذُ أسلمتُ، فذهب الأنصاريُّ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره بالذي قالت الشفاء، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشفاء، فقال: اعرضي عليَّ. فعرضتها عليه، فقال: ارقيه، وعلِّميها حفصة كما علَّمتيِها الكتاب"([9]).
وفي رواية: "الكتابة".اهـ
قلتُ -أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد-:
"لا بأسَ بالرقية من غير المأثور ما لم يكن فيها شركٌ أو محذور".
الحاشية:
[1] - مقدمة ابن خلدون (493).
[2] - أخرجه مسلم (14/186) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-.
[3] - انظر: (ص 34، 50).
[4] - نيل الأوطار، للشوكاني (10/185).
[5] - أخرجه مسلم (14/187)، وأبو داود (4/314) من حديث عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه-.
[6] - نيل الأوطار، للشوكاني (10/185).
[7] - هي الصحابية: الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية، كانت ذات فضل وعقل وجودة رأي، تُوفيت سنة 20هـ. انظر: الإصابة، لابن حجر (4/341-342)، أعلام النساء، لكحالة (2/300-301).
[8] - "النملة": قروحٌ تخرج في الجنب، وقد تخرج في غير الجنب. النهاية، لابن الأثير (5/120)، جامع الأصول، لابن الأثير (7/556).
[9] - المستدرك، للحاكم (5/56-57)، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (1/129).