عبادة القيام
أما بعد:
أولاً: قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً )[1]، وقد كان قيام الليل دأب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قالت عائشة رضي الله عنها: "لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً".
ثانياً: وعن ابي هريرة " رضي الله عنه" أيضاً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"[2].
ثالثاً: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، ثم يقول: لهم الصلاة الصلاة، ويتلو:( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )[3]، وكان ابن عمر يقرأ هذه الآية: ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ )[4].
قال: ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال ابن أبي حاتم: وإنما قال: ابن عمر ذلك، لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته، حتى أنه ربما قرأ القرآن في ركعة.
رابعاً: وعن علقمة بن قيس قال: ( بت مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليلة، فقام أول الليل ثم قام يصلي، فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيه، يرتل ولا يراجع، يسمع من حوله، ولا يرجع صوته، حتى لم يبق من الغلس إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف منها، ثم أوتر).
خامساً: وفي حديث السائب بن زيد قال: ( كان القارئ يقرأ بالمئين - يعني بمئات الآيات -، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام؛ قال: وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر )[5].
وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الامين ، وعلى اله وصحبه أجمعين .
أقوال العلماء في عبادة القيام
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله, وصلى الله وسلم على رسول اللهوعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فالتهجد يبدأ من بعد صلاة العشاء إلىآخر الليل كله تهجد, والأفضل آخر الليل لمن تيسر له ذلك، لقول النبي -صلى الله عليهوسلم-: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليلفليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل"، رواه مسلم في الصحيح،ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة داوود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينامسدسه"، قال: "وهي أفضل الصلاة"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ينزل ربنا إلى السماءالدنيا كل حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألنيفأعطيه، من يستغفرني فأغفر له, حتى يضيء الفجر"، متفق على صحته. هذا يدل على شرعيةالقيام آخر الليل وأنه أفضل، وأنه مظنة الاستجابة يقول: "من يدعوني فأستجيب له"، وهكذا جوف الليل صلاة داوود والسدس الرابع والخامس كلها مظنة الإجابة، وكلها محلفضل للصلاة, والتهجد وذلك أفضل من أول الليل، لكن من كان يخشى أن لا يقوم من آخرالليل فإنه يشرع له الإيتار في أول الليل بعد صلاة العشاء قبل أن ينام، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة"، هذا نزول يليق بالله،لا يكيف, لا يعلم كيفيته إلا هو-سبحانه وتعالى- يوصف -جل وعلا- بالنزول وبالاستواءعلى العرش والكلام والإرادة والمشيئة والسمع والبصر وغير هذا من الصفات الواردة فيالقرآن العظيم والسنة الصحيحة، يجب وصفه بها –سبحانه- على الوجه اللائق به -جلوعلا- من غير تشبيه له في خلقه كما قال سبحانه: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ البَصِيرُ ) ، [سورة الشورى]؛ وقال سبحانه: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد)، "سورة الإخلاص"؛ وقال سبحانه: ( فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ)،[سورةالنحل]؛ والله -جل وعلا- لا مثيل له ولا كفء له ولا شبيه له -سبحانه وتعالى- هوالكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو ينزل نزولاً يليق بجلاله لا يعلمكيفيته إلا هو -سبحانه وتعالى- إلى السماء الدنيا آخر الليل، في الثلث الأخير،يقول- جل وعلا-: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"،فنوصي باغتنام هذا الخير العظيم، ومن تيسر له القيام آخر الليل فهو أفضل ومن لميتيسر له ذلك فليوتر أو الليل، وأقل ذلك ركعةٌ واحدة يوتر بها أول الليل، أو فيآخره وكلما زاد فهو أفضل، يسلم من كل ثنتين لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صلاةالليل مثنى مثنى -يعني ثنتين ثنتين- فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة, توتر لهما قد صلى"، يعني المتهجد بالليل يصلي ثنتين ثنيتن، يسلم من كل ثنتين، ثم يوتربواحدة يقرأ فيها الحمد وقل هو الله أحد هذا هو السنة، وأفضل ذلك إحدى عشرة أوثلاثة عشرة؛ لأن هذا هو وتر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغالب, كان وتره فيالغالب إحدى عشرة أو ثلاثة عشرة -عليه الصلاة والسلام-، ومن زاد وأوتر بأكثر من هذافليس له حدٌ محدود، ولو أوتر بستين، أو خمسين، أو مائة ركعة يسلم من كل ثنتين فلا بأسويوتر بواحدة، لكن كونه يوتر بإحدى عشرة أو ثلاثة عشرة هذا هو الأفضل وإن أوتربثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع, كله طيب، لكن السنة أن يسلم من كل ثنتين فإن سردثلاثاً وأوتر بها أو خمساً وأوتر بها سرداً لم يجلس فيها إلا في الآخر فلا بأس، قدثبت هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحيان -عليه الصلاة والسلام-، وهكذالو سرد سبعاً ولم يجلس إلا في آخرها، فلا بأس وإن جلس في السادسة وأتى بالتشهدالأول، ثم قام وأتى بالسابعة كذلك، هذا ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت هذاوهذا عنه -عليه الصلاة والسلام- سرد السبع في بعض الأحيان وفي بعض الأحيان جلس فيالسادسة وتشهد ثم قام قبل أن يسلم وأتى بالسابعة، وهكذا سرد تسعاً جلس في الثامنةفي التشهد الأول، تشهد التشهد الأول ثم قام وأتى بالتاسعة، ولكن الأفضل هو ما كانيغلب عليه -عليه الصلاة والسلام وهو أنه يسلم من كل ثنتين هذا هو الأفضل، وهو موافقلقوله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الليل مثنى مثنى"، يعني ثنتين, ثنتين يسلم من كلثنتين، وفق الله الجميع. جزاكم الله خيراً.
( موقع سماحة الشيخ العلامة ابن باز – رحمه الله- )
صلاة الليل أفضل ما تكون بعد نصف الليل في الثلث الذي يلي النصف، بمعنى أن الإنسان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام ثلثه، فإن هذا أفضل القيام، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن هذا قيام داود عليه السلام، لكن الإنسان متى تيسر له أن يقوم في آخر الليل فليقم، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الصحيح المشهور (ينزل ربنا للسماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني، فأعطيه من يستغفرني، فأغفر له)، أما عدد الركعات فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشرة ركعة، هذا هو أفضل العدد مع طول القيام والركوع والسجود والقعود، وإذا زاد الإنسان على ذلك، فلا حرج، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن صلاة الليل فقال صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوتر، كما صلى، ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم عددا معيناً، وهذا يدل على أن الأمر واسع.
ثالثاً: سماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ :
عبادَ الله، إنّ قيامَ الليل عبادة عظيمةٌ وعمَل جليل، ولقد مدَح الله به عبادَه المؤمنين، فذكر من أخلاقهم الحميدةِ التي نالوا بها بفضل الله جنّاتِ النعيم قيامَهم الليلَ فقال: ( إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ ءاخِذِينَ مَا ءاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). فوصَفَهم بأنّهم قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون، فهم يُحيون جزءًا من الليل، ويختِمون ذلك بالاستغفار عمّا قدّموا وأساءوا؛ وقال جلّ جلاله: ( تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )، أخفَوا قيامَهم في الليل، وصار قيامُهم سِرًّا بينهم وبين ربِّهم، فأنالهم الله ذلك الثوابَ العظيم، ما لا رأت عينٌ ولا سمِعت أذنٌ ولا خطَر على قلبِ بشر، فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ؛ وقال الله لنبيّه: ( وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا). وأخبر تعالى عن فضل قيام الليل وأنّ في قيام الليل تواطؤَ القلب مع اللسان: ( إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطًْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً)، وقال: ( وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً).
أيّها المسلمون، وخلُق نبيِّكم أنّه كان يقوم الليلَ ويحافظ على قيام الليل، ويخبر أنّ قيامَه بالليل شكرٌ لربّه على نعمِه العظيمة عليه، تقول عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنهما: " كان رسول الله يقول الليلَ حتى تفطّرت قدماه، فسألَته قائلةً له: أتفعل هذا وقد غفَر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! تشير إلى قوله: " لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ"، قال: "ألا أكون عبدًا شكورًا؟!". فإنّ شكرَ الله على نعمِه التقرّبُ إليه بالفرائض وبالنوافل بعد الفرائض، وكلّما تصوّر العبد نعَمَ الله عليه دعاه ذلك إلى أن ينافِس في صالح الأعمال. وأخبر أنّ قيامَ الليل سببٌ لدخول الجنّة والفوز بها بفضل الله ورحمته، قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: لمّا قدم النبيّ المدينةَ جفل الناس إليه، فكنتُ فيمن جَفل إليه، فاستبنتُ وجهَه فلم أرَ وجهَ كذّاب، فسمعتُ أوّلَ ما قال: "أيّها الناس، أطعِموا الطعام، وأفشوا السلام، وصِلوا الأرحام، [وصلّوا بالليل والناس نيام]، تدخلوا الجنّةَ بسلام". وأخبرَ ما لقائمِ الليل في الجنّة من النعيم المقيم، فقال: "إنّ في الجنة غرفًا، يُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلامَ، وأطعَم الطعام، وصلّى بالليل والناس نيام".
أيّها المسلم، فالمسلم في ليلِه وفي تهجُّده يعبُد ربَّه، ويَشكو ذنبَه، ويناجي ربَّه، فيسأله جنّته ومغفرتَه، ويستعيذ به من عذابه، ويرجو رحمتَه وفضله وإحسانَه؛ إنّه يقوم من فراشه، ومِن لذيذ منامه، لماذا؟ ليقفَ بين يدَي ربِّه في تلك اللّحظاتِ المباركة ووقت التنزّل الإلهي، حينما ينزل ربّنا إلى سمائه الدنيا حينما يبقى ثلث الليل الآخر، فينادي: هل من سائل فيُعطَى سؤلَه، هل من مستغفرٍ فيغفَر له، هل من داعٍ فتجاب دعوته.
أيّها المسلم، إنّ في قيام الليل فرصةً لك لتسألَ ربَّك ما أحببتَ من خيرَي الدنيا والآخرة، ففي ذلك الوقت العظيم المبارَك فرصة لك لتشكوَ إلى الله حالك، وترجوه من فضله، وتتوب إليه من زللِك وخطئك، وتسأله ما أحببتَ من خيرَي الدنيا والآخرة، فإنّك تسأل كريمًا وقريبًا مُجيبًا وغنيًّا حميدًا، يحبّ من عباده أن يسألوه ويلتجِئوا إليه، يحبّ منهم أن يسألوه وقد وعَدَهم الإجابةَ فضلاً منه وكرَمًا: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )،قال جابر بن عبد الله: قال رسول الله : "إنّ في الليل ساعةً لا يوافقها رجل مسلمٌ يسأل الله خيرًا مِن أمر الدنيا والآخرة إلاّ أعطاه الله إياه، وذلك كلَّ ليلة". فهي فرصةٌ لك ـ أخي المسلم ـ لتقومَ بين يدَي ربّك، تناجيه وتسأله الثباتَ على الحقّ والاستقامة على الهدى، وأن يختمَ حياتَك بخاتمةِ خير.
أيّها المسلم، إنّ في قيام الليل فوائد، يقول: "عليكم بقيامِ الليل، فإنّه دأب الصالحين قبلكم، ومكفرة لذنوبكم، وقربَة تتقرّبون بها إلى ربّكم، وطردًا للدّاء عن الجسَد، ومنهاة عن الإثم". إذًا ففي قيام الليل تلكم الفوائد: الاقتداء بالصالحين، تكفيرُ الذنوب، قربةٌ نتقرّب بها إلى الله، يُبعد الداءَ عن أجسادنا، فيجعلنا نتمتّع بها على الطاعة، ويجنّبنا الآثام والعصيان. سئلت عائشة رضي الله عنها فقيل لها: إنّ الله لم يفترِض علينا سوى الصلواتِ الخمس، قالت: نعم، لعمري ما افترضَ الله عليكم إلاّ هذه الصلوات، ولن يطالبَكم إلا بما افترض عليكم، ولكنّكم قوم تخطئون وتذنِبون، وما أنتم إلاّ من نبيّكم، وما نبيّكم إلا منكم، ولقد كان يحافظ على قيام الليل. قال في حقّ عبد الله بن عمر: "نِعمَ الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل"، قال سراري عبد الله فما ترك عبد الله قيامَ الليل. وقال عبد الله بن عمرو: عن النبيّ قال في رجل كان يقوم الليل فترك قيامَ الليل، قاله منكرًا عليه، قال: "يا عبدَ الله بن عمرو، لا تكن مثلَ فلان، كان يقوم الليل فترك قيامَ الليل".
أيّها المسلم، قيامُ شيءٍ من الليل فيه صلاحٌ لدينك، واستقامة لحالك، وتقرّب إلى ربّك ورجاء الثواب، وستجد ذلك مدَّخرًا لك أحوجَ ما تكون إليه، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (تصدّقوا بصدقةِ السرِّ ليومٍ عسير، صلّوا في ظلمةِ الليل لظلمةِ القبور، صوموا يومًا شديدًا حرُّه ليوم النّشور).
أيّها المسلم، إنّ نبيّنا كان يحافِظ على قيام الليل، وإذا حُجز عنه لوجعٍ أو غيره قضاه في النهار، فكان يواظِب على إحدى عشرَة ركعة، فإذا عجز عنها لمرضٍ أو غيره صلاّها في الضّحَى ثنتَي عشرَةَ ركعة. هكذا كان يحافِظ على قيام الليل، ويحافظ عليه صحابتُه الكرام والتابعون لهم بإحسان، فهو خلُق أهلِ الإيمان، يزدادون به خيرًا، ويزدادون به قربةً إلى الله، قال بعض السلف لما دخل عليه رجلٌ ورأى أثرَ الخير عليه قال: "من قامَ بالليل حسُن وجهه بالنهار"، يعني أنّ لقيام الليل آثارًا على القائم وعملاً صالحًا ونورَ الخير والتقى. قيل لعبد الله بن مسعود: ما نستطيع قيامَ الليل، قال: قيّدتكُم خطاياكم، لو صدقتُم الله لأعانكم، ألم تسمعوا الله يقول: (وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَـٰعِدِينَ)؟! . إنّ قيامَ الليل نعمة يمنّ الله بها على من يشاء من عبادِه، فيجِد ذلك القائمُ لهذا الوقت لذةً وسرورًا وانبساطًا وانشراحَ صدر وقرّةَ عين، وهو قائم يتلو كتابَ الله ويتدبّره، ويسبّح الله ويحمده ويثني عليه ويلجأ إليه، فما أعظمَها من نعمةٍ لمن وُفِّق لها، ولا يعرف قدرَها إلا من مُنِح تلك النعمة، قال بعض السلف: "إنّ أهلَ الليل في ليلهم وتهجُّدهم ألذّ من أهل اللهو في لهوهم"، نعم إنّهم ألذّ، فهؤلاء في سبيلِ صلاح قلوبهم واستقامةِ حالهم، وهؤلاء في سبيل فساد قلوبهم وذهاب دينهم، أعاذنا الله وإياكم من حالة السوء.
فعلى المسلم: الذي يرجو رحمةَ ربّه أن لا يفوّتَ هذه النعمةَ ولو جزءًا يسيرًا، فما يزال العبدُ يألَف تلك الطاعةَ ويحبّها حتى يوفّقه الله، فيجعله ممّن اعتادَ هذا العمل الصالح ورغِبه وأحبّه. جعلني الله وإيّاكم من المسارعين لفعل الخيرات، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل، لي، ولكم، ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم...
( من خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ بعنوان: " قيام الليل " )
لا شك أن ترك قيام الليل من الحرمان حرمان عظيم، وخسارة في صحيفة المسلم، قال صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصلاة قيام الليل إلا المكتوبة"؛ قيام الليل فيه فضل عظيم، لا ينبغي التفريط، التفريط به، والتكاسل عنه، لأن المسلم بحاجة له، فعلى المسلم أن يعود نفسه على قيام الليل، لأجل أن يعتاده وينشط إذا جاء وقته، لأن النفس حسب ما تعود، إن ترك فيها الكسل زاد عليه الفتور، وإن عودت في القيام تعودت هذا الشي وصار سهلا عليها ، مع الاستعانة بالله عز وجل، وصدق العزم عن القيام آخر الليل، وعمل الاحتياطات التي توقظه لقيام الليل، كأن يوصي أحداً ان يوقضه، كأن يجعل عنده ساعة ينبهه، كذلك من باب أولى أن ينام مبكرا حتى يأخذ قسطه من الراحة، ويقوم في آخر الليل، الحاصل أن قيام الليل -ولو بقدر قليل يداوم عليه- فيه فضل عظيم، لا يفرط فيه المسلم.
( موقع فضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان )
[2] أخرجه البخاري ومسلم.
[3] سورة طه:132.
[4] سورة الزمر:9.
[5] تنبيه: ينبغي لك أخي المسلم أن تكمل التراويح مع الإمام حتى تكتب في القائمين، فقد قال صلى الله عليه وسلم : { من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة }، رواه أهل السنن.
نقله :أخوكم أبوعبد الرحمن محمد المغربي
من موقع رمضان
من موقع رمضان
تعليق