حكم صلاة المسافر مع الجماعة
السـؤال:
ما حكمُ الصّلاةِ مع جماعةِ المقيمين للمسافرِ؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فحكم صلاة المسافر مع الجماعة: فإنَّ أكثر أهل العلم يرون أنَّ المسافر إذا كان نازلاً وقت إقامة الجمعة فلا جُمُعةَ عليه تلزمه، ولكنَّه يحرص على صلاة الجماعة في المسجد أو في غيره ولا يدعها؛ لأنَّ النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم كان يسافر فلا يصلي الجمعة، فصَلَّى الظهر والعصر جمع تقديم جماعة ولم يصل جمعة، وكذلك كان فعل الخلفاء وغيرهم من بعده، ولما رواه جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِمِنًى وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا، فَدَعَا بِهِمَا فَجِيءَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا ؟ قَالاَ: قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ : فَلَا تَفْعَلاَ، إِذَا صَلَّيْتُمْ فِي رِحَالِكُمْ ثُمَّ أَدْرَكْتُمُ الإِِمَامَ لَمْ يُصَلِّ، فَصَلِّيَا مَعَهُ، فَهِيَ لَكُمْ نَافِلَةٌ»(1)، وفي لفظ: «إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ»(2)، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمُّكُمَا أَكْبَرُكُمَا»(3)، ولأنَّ الله أمر بصلاة الجماعة في حال الخوف في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ﴾ الآية [النساء: 102]، ففي حال الأمن أولى، لذلك تناول الخطاب الإلهي الجماعة في جميع الأحوال بالتوجيه والإرشاد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77]، وقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43].
هذا وإذا اقتدى المسافر بمقيمٍ يُتِمُّ ولا يَقْصُرُ، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ»(4)، ولحديث قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال: كُنَّا مع ابن عباسٍ فقلت: إذا كُنَّا معكم صَلَّيْنَا أربعًا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: «تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم»(5). وعلى هذا جرى عمل السلف، وبه قال الأئمَّة الأربعة وغيرُهم من جماهير العلماء، وقد صحَّ عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّه أقام بمكة عشر ليالٍ يَقْصُر الصلاة إلاَّ أن يُصلِّيها مع الإمام فيصلِّيها بصلاته(6).
أمَّا إن أدرك معه أقلَّ من ركعةٍ فإنَّ عليه القصر؛ لأنَّ النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم جعل أقلَّ ما تُدرَكُ به الصلاة هو الركعة، وبهذا قال الزهري والنخعي ومالك رحمهم الله.
أمَّا إذا أدرك معه الركعتين الأخيرتين أو أدرك ركعة واحدةً فهو مخيَّرٌ بين الاقتصار على الركعتين أو يُتِمَّ صلاتَه على ما يشهد لذلك بعض الآثار عن التابعين، وبهذا قال ابن حزم، غير أنَّ التخيير لا يلزم منه التسوية لذلك كان الأحبُّ عندي إتمامها أربعًا موافقةً للجمهور، وبه قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
1- أخرجه أحمد في «مسنده» (4/160)، وأبو داود في «الصلاة» باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم (575)، من حديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/503)، وصحَّحه ابن السكن كما في «التلخيص الحبير» لابن حجر (2/64)، والألباني في «صحيح أبي داود» (3/119).
2- أخرجه أحمد في «مسنده» (4/160)، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة (219)، من حديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه. والحديث حسّنه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/503) وصحَّحه ابن السكن كما في «التلخيص الحبير» لابن حجر (2/64)، والألباني في «صحيح أبي داود» (3/119).
3- أخرجه البخاريّ في «الأذان» (630)، ومسلم في «المساجد» (674)، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
4- أخرجه البخاري في «الصلاة» (1/175) باب إقامة الصف من تمام الصلاة، ومسلم في «الصلاة» (1/195) رقم (414)، واللفظ له. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
5- أخرجه أحمد في «مسنده» (1/216). والأثر صحَّحه الألباني في «الإرواء» (3/21)، وانظر: «البدر المنير» لابن الملقن (4/554).
6- أخرجه مالك في «الموطأ» (1/164)، والطحاوي في «شرح المعاني» (1/244)، عن نافع. وانظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (6/38.