.:: في القرض الحسن المستتبع بحرية التغيير فيه ::.
للشّيخ الفَاضِل أبي عَبدِ المعِزّ مُحمَّد عَلي فَركُوس - حفظه الله -
السؤال: قرّرتِ الدّولةُ اللّيبيّةُ صرْفَ قروضٍ بدونِ زيادةٍ على رأس المالِ، وقد سمعتُ من بعضِهم أنّ هناك وثيقةً لاحقةً تتضمّن بندًا ينصّ على أنّه يحقّ للبنكِ تغييرُ الشّروطِ، فما حكمُ هذا القرضِ؟ وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد: فإذا أُعطِيَتِ القروضُ بدونِ شرطٍ مسبقٍ في العقدِ يتضمّن زيادةً على ثمنِ القرضِ؛ فإنّ هذه القروضَ في ذاتِها حسنةٌ معدودةٌ من عقودِ الإرفاقِ، أمّا إذا زِيدَ فيها أيُّ شرطٍ لاحقًا يتضمّن زيادةً على القرضِ أو تأمينًا تجاريًّا أو ضمانًا بنكيًّا عليه؛ فإنّ العقدَ الثّانِيَ اللاّحقَ إذا كان مرتبطًا بالعقدِ الأوّلِ فإنّه يُبطله ويجعله لاغيًا ويردّ القرضَ إن تسلّمه، ذلك لأنّ المقصودَ من ضمانِ القرضِ مساعدةُ المحتاجِ ومعاونتُه، فهو -أيضًا- من عقودِ الإرفاقِ كالقرضِ، لا يُقصد منه الاستثمارُ الدُّنيويُّ، لذلك لا يجوز للضّامنِ أن يأخذَ شيئًا على ضمانِه، فإن خلا من ذلك كلّيّةً فالقرضُ حسنٌ، وله أن ينتفعَ به ويردَّه في الآجالِ المحدَّدةِ إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، وإلاّ فنَظِرَةٌ إلى ميسرةٍ. وجديرٌ بالملاحظةِ والتّنبيهِ أنّ الجانبَ المقرِضَ لا يَسَعُه أن يشترطَ أن تكونَ له الحريّةُ في المزيدِ من الاشتراطِ أو في الرّجوعِ عن العقدِ اللاّزمِ؛ لأنّ مِثْلَ هذا يتنافى مع صفةِ العقودِ جملةً من حيث لزوميّتُها، عملاً بقولِه تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة:1]، والوفاءُ بالعقدِ يكون بعد لزومِه، فلا حريّةَ للمقرِضِ في التّصرّفِ في العقدِ بعد لزومِه، فإنْ ورد هذا الشّرطُ بعد لزومِ العقدِ، ولم يكنْ بين الوثيقتَيْن ارتباطٌ؛ فإنّ العقدَ يلزم والشّرطَ يَبْطُلُ، وليس له أن يردَّ إلاَّ ما أخذه؛ لقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»(١)، ولقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ»(٢).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما. الجزائر في : 07 ربيع الثاني 1432ﻫ
الموافـق ﻟ: 12 مـارس 2011م
ــــــــــــــ
١- أخرجه التّرمذيّ في «الأحكام»، باب ما ذُكر عن رسول الله في الصّلح بين النّاس (1352)، والدّارقطنيّ في «سننه» (3/ 27)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (6/ 79)، من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه، وأخرجه أبو داود بنحوه في «الأقضية» بابٌ في الصّلح (3594). قال ابن تيميّة في [«مجموع الفتاوى» (29/ 147)]: «وهذه الأسانيد -وإن كان الواحد منها ضعيفًا- فاجتماعها من طرق يشدّ بعضُها بعضًا»، والحديث صحّحه بمجموع طرقه الألبانيّ في «الإرواء» (1303)، وقال: «وقد روي من حديث أبي هريرة، وعائشة، وأنس بن مالك، وعمرو بن عوف، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر».
٢- أخرجه البخاري في «البيوع»، باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل: (216، ومسلم في «صحيحه» كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق: (1504)، بلفظ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ...»، وابن ماجه واللّفظ له في «العتق» باب المكاتب (2521)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
.. من موقع الشيخ حفظه الله ..
للشّيخ الفَاضِل أبي عَبدِ المعِزّ مُحمَّد عَلي فَركُوس - حفظه الله -
السؤال: قرّرتِ الدّولةُ اللّيبيّةُ صرْفَ قروضٍ بدونِ زيادةٍ على رأس المالِ، وقد سمعتُ من بعضِهم أنّ هناك وثيقةً لاحقةً تتضمّن بندًا ينصّ على أنّه يحقّ للبنكِ تغييرُ الشّروطِ، فما حكمُ هذا القرضِ؟ وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد: فإذا أُعطِيَتِ القروضُ بدونِ شرطٍ مسبقٍ في العقدِ يتضمّن زيادةً على ثمنِ القرضِ؛ فإنّ هذه القروضَ في ذاتِها حسنةٌ معدودةٌ من عقودِ الإرفاقِ، أمّا إذا زِيدَ فيها أيُّ شرطٍ لاحقًا يتضمّن زيادةً على القرضِ أو تأمينًا تجاريًّا أو ضمانًا بنكيًّا عليه؛ فإنّ العقدَ الثّانِيَ اللاّحقَ إذا كان مرتبطًا بالعقدِ الأوّلِ فإنّه يُبطله ويجعله لاغيًا ويردّ القرضَ إن تسلّمه، ذلك لأنّ المقصودَ من ضمانِ القرضِ مساعدةُ المحتاجِ ومعاونتُه، فهو -أيضًا- من عقودِ الإرفاقِ كالقرضِ، لا يُقصد منه الاستثمارُ الدُّنيويُّ، لذلك لا يجوز للضّامنِ أن يأخذَ شيئًا على ضمانِه، فإن خلا من ذلك كلّيّةً فالقرضُ حسنٌ، وله أن ينتفعَ به ويردَّه في الآجالِ المحدَّدةِ إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، وإلاّ فنَظِرَةٌ إلى ميسرةٍ. وجديرٌ بالملاحظةِ والتّنبيهِ أنّ الجانبَ المقرِضَ لا يَسَعُه أن يشترطَ أن تكونَ له الحريّةُ في المزيدِ من الاشتراطِ أو في الرّجوعِ عن العقدِ اللاّزمِ؛ لأنّ مِثْلَ هذا يتنافى مع صفةِ العقودِ جملةً من حيث لزوميّتُها، عملاً بقولِه تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة:1]، والوفاءُ بالعقدِ يكون بعد لزومِه، فلا حريّةَ للمقرِضِ في التّصرّفِ في العقدِ بعد لزومِه، فإنْ ورد هذا الشّرطُ بعد لزومِ العقدِ، ولم يكنْ بين الوثيقتَيْن ارتباطٌ؛ فإنّ العقدَ يلزم والشّرطَ يَبْطُلُ، وليس له أن يردَّ إلاَّ ما أخذه؛ لقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»(١)، ولقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ»(٢).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما. الجزائر في : 07 ربيع الثاني 1432ﻫ
الموافـق ﻟ: 12 مـارس 2011م
ــــــــــــــ
١- أخرجه التّرمذيّ في «الأحكام»، باب ما ذُكر عن رسول الله في الصّلح بين النّاس (1352)، والدّارقطنيّ في «سننه» (3/ 27)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (6/ 79)، من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه، وأخرجه أبو داود بنحوه في «الأقضية» بابٌ في الصّلح (3594). قال ابن تيميّة في [«مجموع الفتاوى» (29/ 147)]: «وهذه الأسانيد -وإن كان الواحد منها ضعيفًا- فاجتماعها من طرق يشدّ بعضُها بعضًا»، والحديث صحّحه بمجموع طرقه الألبانيّ في «الإرواء» (1303)، وقال: «وقد روي من حديث أبي هريرة، وعائشة، وأنس بن مالك، وعمرو بن عوف، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر».
٢- أخرجه البخاري في «البيوع»، باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل: (216، ومسلم في «صحيحه» كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق: (1504)، بلفظ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ...»، وابن ماجه واللّفظ له في «العتق» باب المكاتب (2521)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
.. من موقع الشيخ حفظه الله ..