بسم الله الرحمن الرحيم
[ مسألة : في اشتراط إذن الإمام لتملك الأرض الموات ]
فهذا ملخص موجز فيه بيان مذاهب الفقهاء في اشتراط إذن الإمام لإحياء الأرض الموات ، وبيان الراجح في هذه المسألة . و الأرض الموات : هي الأرض الخَرِبَة التي لا مالك لها [1] .
و صورة المسألة التي نحن بصددها : إن جاء رجل و أحيا هذه الأرض الموات ؛ فهل يملكها بمجرد إحيائه لهذه الأرض ، أو لابد من إذن الإمام بذلك ؟
فأولاً : قول من أوجب إذن الإمام في تملك الأرض الموات ؛ فإن أذن ملكها ، و إلا فلا :
قال الإمام أبو حنيفة أنه لابد من إذن الإمام في كل حال لتملك الأرض الموات ، قال في نصب الراية [6/ 199] : [ من أحياه بإذن الإمام ملكه ، و إن أحياه بغير إذنه لم يملكه ؛ عند أبي حنيفة رحمه الله ] و يستدل له بأدلة ؛ منها [2] :
*/ الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ ليس للمرء إلا ما طابت نفس إمامه به ] .
*/ و لأنه مغنوم لوصوله إلى يد المسلمين بإيجاف الخيل و الركاب ، فليس لأحد أن يختص به دون إذن الإمام ، كما في سائر الغنائم.
*/ و حتى لا يحصل تنازع بين الناس ومخاصمة ، فيوكل الأمر لولي الأمر ، فلا يكون تملك إلا بإذنه [3] . ثانياً : قول من لم ير أن إذن الإمام شرط في تملك الأرض الموات :
- هو مذهب صاحبي أبي حنيفة ، إذ خالفاه ( وقالا : لا يشترط ) [4] إذن الإمام لذلك .
- وهو مذهب الشافعية ، قال النووي ( تملُّكها بالإحياء ، سواء أذن فيه الإمام أم لا ، و يكفي فيه إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة ) [5] .
- وهو مذهب الحنابلة ، فقالوا من أحيا مواتاً ولو ( بلا إذن الإمام ملكه ) [6]
- وهو مذهب الظاهرية : فقال ابن حزم ( كل أرض لا مالك لها ولا يُعرف أنها عمرت في الإسلام ؛ فهي لمن سبق إليها و أحياها ، سواء بإذن الإمام فعل ذلك أو بغير إذنه ) [7]
ويستدل لهم بأدلة ؛ منها :
*/ عموم الأحاديث التي فيها الإذن بتملك الأرض الموات بالإحياء :
- كقول النبي صلى الله عليه وسلم { من أعمر أرضاً ليست لأحد ؛ فهو أحق بها } رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها [2167] .
- و كقوله صلى الله عليه وسلم : { من أحيا أرضاً ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق } أخرجه أبو داود عن سعيد بن زيد ، انظر صحيح سنن أبي داود [3073] و الترمذي [1378] وحسنه ، و انظر الإرواء [1550]
- وكقوله صلى الله عليه وسلم : { من أحاط حائطاً على أرض فهي له } صححه الألباني في الإرواء [1554] ، وفي صحيح الجامع . فقالوا : أن هذه الأحاديث عامة في تمليك الأرض الميتة بالإحياء ، و ليس فيها اشتراط إذن الإمام .
*/ و لأن هذه الأرض الميتة كالمباح ، فهي لمن يسبق إليها ، كالحطب و الصيد .
- و للمالكية تفصيل في هذه المسألة فيقولون :
( حكم إحياء الموات يختلف باختلاف مواضعه وهي على ثلاثة أوجه :
- بعيد من العمران ،
- وقريب منه لا ضرر على أحد في إحيائه ،
- وقريب منه في إحيائه ضرر على من يختص بالانتفاع به . * فأما البعيد من العمران : فلا يحتاج في إحيائه إلى استئذان الإمام ، إلا على طريق الاستحباب ، على ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون .
* وأما القريب منه الذي لا ضرر في إحيائه على أحد : فلا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام على المشهور في المذهب ، وقيل إن استئذان الإمام في ذلك مستحب وليس بواجب .
واختلف إن وقع بإذنه على القول بأنه لا يجوز إلا بإذنه ؛ قيل يمضي مراعاة للخلاف ، وهو قول المغيرة وأصبغ وأشهب . وقيل إنه يخرج منه ، ويكون له قيمة بنيانه منقوضا وهو القياس ، ولو قيل إنه يكون له قيمته قائما للشبهة في ذلك لكان له وجه .
* وأما القريب منه الذي في إحيائه ضرر : كالأفنية التي يكون أخذ شيء منها ضررا بالطريق وشبه ذلك ؛ فلا يجوز إحياؤه بحال ولا يبيحه الإمام ) [8]
فشابهوا مذهب أبي حنيفة في وجه ، ومذهب الجمهور في وجه آخر .
و الراجح من هذه الأقوال :
قول الجمهور القائلين بعدم اشتراط إذن الإمام في تملك الأرض الموات و الله أعلم ، لقوة أدلتهم ، كما هو بيّن .
أما الحديث الذي استدل به للإمام أبي حنيفة ؛ فقد قال فيه ابن حزم : [ هذا خبر سوء مكذوب بلا شك ، لأنه من رواية عمرو بن واقد ] [9] .
أما كون الأرض في سلطان الإمام كالغنائم ، فهذا قياس مع الفارق ، ذلك أن الغنائم تعلقت بعموم المسلمين و المجاهدين ، أما الأرض الميتة فلم يتعلق بها حق لأحد ، فهي كالمباحات مثل الحطب و غيره .
و هذه الأراضي الميتة ملك محيها بنص النبي صلى الله عليه وسلم و تشريعه .
وقولهم أنه هكذا يتنازع الناس و يتشاحون ، فيقال هذا زعم مظنون ! لا يصلح دليلاً لمعارضة الأدلة النبوية الواضحة .
بل يقال : إن الأصل أن الأرض الميتة يمكلها من سبق إليها بالإحياء ، ولو ظهر هنالك ثمة نزاع و خصام ! فإن الأمر يحال إلى القضاء لفض هذا الخلاف و قطع النزاع .
هذا و الله تعالى أعلى و أعلم .
محمد جميل حمامي
القدس
ـــــــــــــــــــــــ
[1] : و انظر طلبة الطلبة [281] ، و القاموس المحيط [1 / 366 ] ، و للعلماء تعاريف أخرى فيها بعض اختلاف ، و شروط غير الشرط الذي نحن بصدد الكلام عليه ، و ليس هذا محل بسط هذا ، و إنما مقصدنا أن نذكر الخلاف في اشتراطهم إذن الإمام ، و الراجح منه .
[2] : نصب الراية [9 / 202 ] .
[3] : انظر الخراج ، لأبي يوسف [69] .
[4] : الاختيار لتعليل المختار [3 / 83 ] .
[5] : روضة الطالبين [ 4 / 344 ] .
[6] : منار السبيل [1 / 397] ، و انظر الفروع لابن مفلح [4 / 552] .
[7] : المحلى [8 / 233 ] .
[8] : مواهب الجليل [7 / 614] .
[9] : المحلى [ 7 / 339] .
[ مسألة : في اشتراط إذن الإمام لتملك الأرض الموات ]
فهذا ملخص موجز فيه بيان مذاهب الفقهاء في اشتراط إذن الإمام لإحياء الأرض الموات ، وبيان الراجح في هذه المسألة . و الأرض الموات : هي الأرض الخَرِبَة التي لا مالك لها [1] .
و صورة المسألة التي نحن بصددها : إن جاء رجل و أحيا هذه الأرض الموات ؛ فهل يملكها بمجرد إحيائه لهذه الأرض ، أو لابد من إذن الإمام بذلك ؟
فأولاً : قول من أوجب إذن الإمام في تملك الأرض الموات ؛ فإن أذن ملكها ، و إلا فلا :
قال الإمام أبو حنيفة أنه لابد من إذن الإمام في كل حال لتملك الأرض الموات ، قال في نصب الراية [6/ 199] : [ من أحياه بإذن الإمام ملكه ، و إن أحياه بغير إذنه لم يملكه ؛ عند أبي حنيفة رحمه الله ] و يستدل له بأدلة ؛ منها [2] :
*/ الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ ليس للمرء إلا ما طابت نفس إمامه به ] .
*/ و لأنه مغنوم لوصوله إلى يد المسلمين بإيجاف الخيل و الركاب ، فليس لأحد أن يختص به دون إذن الإمام ، كما في سائر الغنائم.
*/ و حتى لا يحصل تنازع بين الناس ومخاصمة ، فيوكل الأمر لولي الأمر ، فلا يكون تملك إلا بإذنه [3] . ثانياً : قول من لم ير أن إذن الإمام شرط في تملك الأرض الموات :
- هو مذهب صاحبي أبي حنيفة ، إذ خالفاه ( وقالا : لا يشترط ) [4] إذن الإمام لذلك .
- وهو مذهب الشافعية ، قال النووي ( تملُّكها بالإحياء ، سواء أذن فيه الإمام أم لا ، و يكفي فيه إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة ) [5] .
- وهو مذهب الحنابلة ، فقالوا من أحيا مواتاً ولو ( بلا إذن الإمام ملكه ) [6]
- وهو مذهب الظاهرية : فقال ابن حزم ( كل أرض لا مالك لها ولا يُعرف أنها عمرت في الإسلام ؛ فهي لمن سبق إليها و أحياها ، سواء بإذن الإمام فعل ذلك أو بغير إذنه ) [7]
ويستدل لهم بأدلة ؛ منها :
*/ عموم الأحاديث التي فيها الإذن بتملك الأرض الموات بالإحياء :
- كقول النبي صلى الله عليه وسلم { من أعمر أرضاً ليست لأحد ؛ فهو أحق بها } رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها [2167] .
- و كقوله صلى الله عليه وسلم : { من أحيا أرضاً ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق } أخرجه أبو داود عن سعيد بن زيد ، انظر صحيح سنن أبي داود [3073] و الترمذي [1378] وحسنه ، و انظر الإرواء [1550]
- وكقوله صلى الله عليه وسلم : { من أحاط حائطاً على أرض فهي له } صححه الألباني في الإرواء [1554] ، وفي صحيح الجامع . فقالوا : أن هذه الأحاديث عامة في تمليك الأرض الميتة بالإحياء ، و ليس فيها اشتراط إذن الإمام .
*/ و لأن هذه الأرض الميتة كالمباح ، فهي لمن يسبق إليها ، كالحطب و الصيد .
- و للمالكية تفصيل في هذه المسألة فيقولون :
( حكم إحياء الموات يختلف باختلاف مواضعه وهي على ثلاثة أوجه :
- بعيد من العمران ،
- وقريب منه لا ضرر على أحد في إحيائه ،
- وقريب منه في إحيائه ضرر على من يختص بالانتفاع به . * فأما البعيد من العمران : فلا يحتاج في إحيائه إلى استئذان الإمام ، إلا على طريق الاستحباب ، على ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون .
* وأما القريب منه الذي لا ضرر في إحيائه على أحد : فلا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام على المشهور في المذهب ، وقيل إن استئذان الإمام في ذلك مستحب وليس بواجب .
واختلف إن وقع بإذنه على القول بأنه لا يجوز إلا بإذنه ؛ قيل يمضي مراعاة للخلاف ، وهو قول المغيرة وأصبغ وأشهب . وقيل إنه يخرج منه ، ويكون له قيمة بنيانه منقوضا وهو القياس ، ولو قيل إنه يكون له قيمته قائما للشبهة في ذلك لكان له وجه .
* وأما القريب منه الذي في إحيائه ضرر : كالأفنية التي يكون أخذ شيء منها ضررا بالطريق وشبه ذلك ؛ فلا يجوز إحياؤه بحال ولا يبيحه الإمام ) [8]
فشابهوا مذهب أبي حنيفة في وجه ، ومذهب الجمهور في وجه آخر .
و الراجح من هذه الأقوال :
قول الجمهور القائلين بعدم اشتراط إذن الإمام في تملك الأرض الموات و الله أعلم ، لقوة أدلتهم ، كما هو بيّن .
أما الحديث الذي استدل به للإمام أبي حنيفة ؛ فقد قال فيه ابن حزم : [ هذا خبر سوء مكذوب بلا شك ، لأنه من رواية عمرو بن واقد ] [9] .
أما كون الأرض في سلطان الإمام كالغنائم ، فهذا قياس مع الفارق ، ذلك أن الغنائم تعلقت بعموم المسلمين و المجاهدين ، أما الأرض الميتة فلم يتعلق بها حق لأحد ، فهي كالمباحات مثل الحطب و غيره .
و هذه الأراضي الميتة ملك محيها بنص النبي صلى الله عليه وسلم و تشريعه .
وقولهم أنه هكذا يتنازع الناس و يتشاحون ، فيقال هذا زعم مظنون ! لا يصلح دليلاً لمعارضة الأدلة النبوية الواضحة .
بل يقال : إن الأصل أن الأرض الميتة يمكلها من سبق إليها بالإحياء ، ولو ظهر هنالك ثمة نزاع و خصام ! فإن الأمر يحال إلى القضاء لفض هذا الخلاف و قطع النزاع .
هذا و الله تعالى أعلى و أعلم .
محمد جميل حمامي
القدس
ـــــــــــــــــــــــ
[1] : و انظر طلبة الطلبة [281] ، و القاموس المحيط [1 / 366 ] ، و للعلماء تعاريف أخرى فيها بعض اختلاف ، و شروط غير الشرط الذي نحن بصدد الكلام عليه ، و ليس هذا محل بسط هذا ، و إنما مقصدنا أن نذكر الخلاف في اشتراطهم إذن الإمام ، و الراجح منه .
[2] : نصب الراية [9 / 202 ] .
[3] : انظر الخراج ، لأبي يوسف [69] .
[4] : الاختيار لتعليل المختار [3 / 83 ] .
[5] : روضة الطالبين [ 4 / 344 ] .
[6] : منار السبيل [1 / 397] ، و انظر الفروع لابن مفلح [4 / 552] .
[7] : المحلى [8 / 233 ] .
[8] : مواهب الجليل [7 / 614] .
[9] : المحلى [ 7 / 339] .