السلام عليكم و رحمة الله
بسم الله .
من السنن المهجورة التي لا تكاد تراها بين أوساط المسلمين هي الشروع في غسل العضد و الساق أثناء الوضوء مع أنها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم لأن أبا هريرة رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه و سلم .
روى مسلم من حديث عبد الله بن محمد قال : رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجليه اليمنى حتى أشرع في الساق ثم اليسرى كذلك ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وقال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنتم ..إلخ [فيض القدير ج3/ص65]
وفي رواية الدارقطني رحمه تعالى من حديث عثمان رضي الله عنه أنه غسل وجهه ويديه حتى مس أطراف العضدين. [قال الحافظ: وإسناده حسن], وأخرج البزار والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا: ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه
العضد : هو ساعد الإنسان ما بين المرفق إلى الكتف .
إلا أنه صلى الله عليه و سلم لم يداوم عليها بدليل أنه ثبت في روايات أخرى أنه لم يتجاوز المرفق في الغسل .
حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس قال دخل علي علي يعني ابن أبي طالب وقد أهراق الماء فدعا بوضوء فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعناه بين يديه فقال يا ابن عباس ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قال فأصغى الإناء على يده فغسلها ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى ثم غسل كفيه ثم تمضمض واستنثر ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه ثم الثانية ثم الثالثة مثل ذلك ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا ثم مسح رأسه وظهور أذنيه ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل ففتلها بها ثم الأخرى مثل ذلك قال قلت وفي النعلين قال وفي النعلين قال قلت وفي النعلين قال وفي النعلين قال قلت وفي النعلين قال وفي النعلين قال أبو داود وحديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث علي لأنه قال فيه حجاج بن محمد بن جريج ومسح برأسه مرة واحدة وق ال ابن وهب فيه عن ابن جريج ومسح برأسه ثلاثا .[قال العلامة الألباني : حديث حسن ]
وحديث حمران مولى عثمان بن عفان : أنه رأى عثمان رضي الله عنه دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا وقال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه . [ متفق عليه]
و ليعلم أن الأصل في أفعال و أقوال النبي عليه الصلاة و السلام إذا وردت على عدت صفات و عدد من الكيفيات أن السنة فيها أن تفعل مرة على وجه و مرة على وجه آخر حفظا للسنة و أيضا من السنة لأن النبي عليه الصلاة و السلام لم يداوم على كيفية معينة .
لأن إختلاف أفعاله صلى الله عليه و سلم ليس من باب إختلاف التضاد بل من باب التنوع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
العبادات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم على أنواع يشرع فعلها على جميع تلك الأنواع لا يكره منها شيء ، وذلك مثل أنواع التشهدات ، وأنواع الاستفتاح ، ومثل الوتر أول الليل وآخره ، ومثل الجهر بالقراءة في قيام الليل والمخافتة ، وأنواع القراءات التي أنزل القرآن عليها ، والتكبير في العيد ، ومثل الترجيع في الأذان وتركه ، ومثل إفراد الإقامة وتثنيتها . " مجموع الفتاوى " ( 22 / 335 ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"والعلماءُ رحمهم الله اختلفوا في العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة ، هل الأفضل الاقتصار على واحدة منها ، أو الأفضل فِعْلُ جميعها في أوقات شتَّى ، أو الأفضل أنْ يجمعَ بين ما يمكن جَمْعُه ؟ والصَّحيح : القول الثاني الوسط ، وهو أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ ، ومرَّة على الوجه الآخر ، فهنا الرَّفْعُ وَرَدَ إلى حَذوِ منكبيه ، ووَرَدَ إلى فُرُوع أُذنيه ، وكُلٌّ سُنَّة ، والأفضل : أن تَفعلَ هذا مرَّة ، وهذا مرَّة ؛ ليتحقَّقَ فِعْلُ السُّنَّةِ على الوجهين ، ولبقاء السُّنَّةِ حيَّة ؛ لأنك لو أخذت بوجهٍ وتركت الآخر : مات الوجهُ الآخر ، فلا يُمكن أن تبقى السُّنَّةُ حيَّة إلا إذا كُنَّا نعمل بهذا مرَّة ، وبهذا مرَّة ، ولأن الإِنسان إذا عَمِلَ بهذا مرَّة وبهذا مرَّة : صار قلبُه حاضراً عند أداء السُّنَّة ، بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائماً فإنه يكون فاعلاً له كفعل الآلة - عادة - ، وهذا شيء مشاهد ، ولهذا مَن لزم الاستفتاح بقوله : " سبحانك اللهمَّ وبحمدك " دائماً : تجده مِن أول ما يُكبِّر يشرع بـ " سبحانك اللهم وبحمدك " مِن غير شعور ؛ لأنه اعتاد ذلك ، لكن لو كان يقول هذا مرَّة والثاني مرَّة : صار منتبهاً .
ففي فِعْلِ العباداتِ الواردة على وجوهٍ متنوِّعة فوائد :
1. اتِّباعُ السُّنَّة .
2. إحياءُ السُّنَّة .
3. حضورُ القلب .
وربما يكون هناك فائدة رابعة :
إذا كانت إحدى الصِّفات أقصرَ مِن الأخرى ، كما في الذِّكرِ بعد الصَّلاةِ : فإن الإِنسان أحياناً يحبُّ أن يُسرع في الانصراف ، فيقتصر على "سبحان الله" عشر مرات ، و "الحمد لله" عشر مرات ، و "الله أكبر" عشر مرات ، فيكون هنا فاعلاً للسُّنَّة قاضياً لحاجته ، ولا حَرَجَ على الإِنسان أن يفعل ذلك مع قصد الحاجة ، كما قال تعالى في الحُجَّاج : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) البقرة/198" انتهى . "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (3/29 - 31) .
تنبيه : قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على سنن أبي داود : ومما ينبغي أن يعلم أن غسل اليدين يكون من أطراف الأنامل مع المرفقين، يعني: لا يكتفي فيهما بالغسل الأول الذي كان قبل غسل الوجه، بمعنى أن غسلهما في الأول أمر مستحب، ولو لم يوجد لم يكن هناك محذور ويكون الأفضل أن يوجد، أما في الوضوء فعلى على الإنسان أن يغسل اليدين من أطراف الأصابع ولا يكتفي بالغسل الأول الذي حصل؛ لأن ذلك خارج عن فروض الوضوء ولا يدخل فيه، وإنما الذي يدخل في فروض الوضوء هو ما يكون بدءاً من المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه، ثم يأتي غسل اليدين بكاملهما؛ لأن غسل اليدين يأتي عقب غسل الوجه، والغسل لليدين يكون من أطراف الأصابع إلى نهاية المرفق بحيث تدخل المرافق مع الذراعين في الغسل.[ ج1/ص394] .
تعليق