بسم الله الرحمن الرحيم
إرشادُ العابدِ السَّاجِد إلى بعضِ أحكامِ وآدابِ المساجِد
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه:
أما بعد:
فلا يخفى على كلِّ عاقلٍ لبيب، ما لبيوتِ الله من الفضلِ والمزية، التي خصَّها بها ربُّ البريَّة، و لا يجهل كل مسلم أمين ما ينبغي لها من التعظيم والتشريف والتكريم.
فتعظيم المساجد من تعظيم الله، ومن تعظيم شعائره، وقد رغَّب الله-سبحانه- وحث على تعظيم شعائره فقال: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، وقد ذمّ الله-عزّ وجلّ- ولام من لم يُعظّمه حقّ تعظيمه فقال: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح: 13]، أي: لا تخافون لله عظمةً، أو لا تعظِّمون الله حقَّ عظمته 1.
هذه المساجدُ التي أهملت-في الأزمنة المتأخرة- ماديا ومعنويا إلا قليلا، بيوتُ الله أصبحت-في الغالب- خاليةً من عُمَّارها، في حين أنَّ لها دورا كبيرا في إخراج الأمة الإسلامية مما تعانيه، ولا أدلَّ على هذا من أنَّ أوَّل عمل قام به نبيُّنا-صلى الله عليه وسلم- حين وصوله المدينة هو بناء المسجد، لتكونَ الانطلاقةُ منه، ويكونَ الخروجُ من الغربة بوساطته، ونحن اليوم في زمن الغربة الثانية التي أخبرنا عنها الصادق المصدوق-صلى الله عليه وسلم-، فقد روى مسلم(145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلَّى الله عليه وسلَّم-: (( بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ))، فإذا أردنا الخلاص والنجاة مما حلَّ بنا، علينا أن نعيد للمساجد هيبتها، وأن نرجع لبيوت الله أدوارها.
وقد اختصت بيوت الله بأحكامٍ كثيرةٍ تميِّزُها عن سائر البيوت، وبآدابٍ عديدةٍ تخصُّها عن غيرها من الأماكن، فلا بدّ حينها أن يعلم العابدُ السّاجدُ آدابَ وأحكامَ الْمساجد، فهي مواطن العبادة، ومواضع الذّكر، لأنَّ معرفة هذه الأحكام والآداب، تزيدُ المؤمنَ تعظيماً لحرمتها، ومعرفةً بمكانتها، ولعلَّ الأحكام كلّها يمكن أن تدرج تحت حكم عظيم ألا وهو: ( وجوبُ عمارتِها ورفعِها )
يقول العلامة السعدي-رحمه الله- في تفسيره(63): (فلا أعظم إيمانا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[التوبة:18]. بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها، فقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[النور: 36] وللمساجد أحكام كثيرة، يرجع حاصلها إلى مضمون هذه الآيات الكريمة).
قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن(4/27): (عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ تَكُونُ بِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: زِيَارَتُهُ، وَالْكَوْنُ فِيهِ.
وَالْآخَرُ: بِبِنَائِهِ وَتَجْدِيدِ مَا اسْتَرَمَّ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَالُ: اعْتَمَرَ إذَا زَارَ، وَمِنْهُ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَفُلَانٌ مِنْ عَمَّارِ الْمَسَاجِدِ إذَا كَانَ كَثِيرَ الْمُضِيِّ إلَيْهَا وَالسُّكُونِ فِيهَا، وَفُلَانٌ يَعْمُرُ مَجْلِسَ فُلَانٍ إذَا أَكْثَرَ غَشَيَانَهُ لَهُ، فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ مَنْعَ الْكُفَّارِ مِنْ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ، وَمِنْ بِنَائِهَا وَتُوَلِّي مَصَالِحِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا لِانْتِظَامِ اللَّفْظِ لِلْأَمْرَيْنِ).
وكما أن عمارة المسجد نوعان-كما مر-، فقد ذكر أهل العلم أن رفعها كذلك على نوعين:
قال العلامة السّعدي-رحمه الله- في تفسيره(569) عند قوله تعالى: {أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}: (هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها، بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله.
{وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} يدخل في ذلك الصلاة كلها، فرضها، ونفلها، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، وغيره من أنواع الذكر، وتعلم العلم وتعليمه، والمذاكرة فيها، والاعتكاف، وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد، ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين:
- عمارة بنيان، وصيانة لها.
- وعمارة بذكر اسم الله، من الصلاة وغيرها، وهذا أشرف القسمين).
فمن هذا المنطلق أردت أن أشرع ابتداءً في بيان أهمِّ أحكام المساجد المتعلقة بالنَّوع الأول سواء ما يتعلق:
أولا: ببنائها وترميمها.
ثانيا: بتنظيفها وتنزيهها.
ففي الأول أتكلم عن ما ورد في السنة الصحيحة من فضائل عظيمة لمن بنى المساجد، أو شارك في ذلك، وكذا عن المخالفات التي تفعل أثناء بناء المساجد، كبنائها على القبور، أو زخرفتها، وغير ذلك.
وفي الثاني أتكلم عن ما ثبت في السنة من الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها، وكذا عن المنهيات التي يرتكبها مرتادوا وزوار بيوت الله فيها، كدخولها برائحة البصل أو الثوم، أو نشد الضالة فيها، وغير ذلك.
ولكن قبل الشروع في المذكور يحسن أن أقدم بمقدمتين مهمتين وهما:
- المقدمة الأولَى: تعريف المسجد لغة وشرعا.
- المقدمة الثانية: مكانة المسجد في الإسلام ووجوه تعظيمه عند ربّ الأنام.
مع العلم أن الكلام عن هذه الأمور يطول لذا سيكون عرضنا لهذا المباحث عبر حلقات -يسر الله تمامها- وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول مستعينا بالله العظيم.
الوقفة الأولَى: تعريف المسجِد
لغة: المسجِد بالكسر اسم مكان من (سجد، يسجُد) والمصدر منه (سجود)، وكان القياس أن يقال فيه (مسجَد) بالفتح، لأنَّ القاعدة أن اسم المكان من الثلاثي المجرد المضموم العين في المضارع يكون على وزن (مفعَل) بفتح العين، نحو: (مكتَب، ومعبَر) 2، إلاَّ أنه شذ عن القاعدة فقيل فيه (مسجِد) بالكسر 3، أما (مسجَد) بالفتح فيقصدون به-في الغالب -4 اسم لآلة السُّجود، وهي الأعضاء السَّبعة، وقد يقصدون به موضع سجود الأعضاء.
قال الخليل في كتاب العين(6/49): (و"المسجِدُ" اسمٌ جامِعٌ يجمَعُ المسجِدَ[أي: حيث يُسجَد]5 وحيث لا يُسْجَدُ بعدَ أن يكونَ اتُّخذَ لذلكَ، فأمّا "المَسْجَدُ" من الأرض فموضِعُ السُّجود نفسُه).
وقال الجوهري في الصحاح(2/47): (والمسجد بالفتح: جبهة الرجل حيث يصيبه أَثر السجود. والآراب السبعة مساجد).
وقد قيل في تفسير قوله تعالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ}[الجن: 18] أنها تحتمل الأمرين6 ، وذلك إذا علمنا أن لفظ (مساجد) يجوز أن تكون جمعا لـ(مسجِد) بالكسر، كما يجوز أن تكون جمعا لـ(مسجَد) بالفتح.
هذا والسُّجود في اللُّغة المقصود به الانحناء والخضوع 7، ولا شيءَ أدل على الخضوع من وضع الجبهة على الأرض ولذلك أطلق عليه.
ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة، لقرب العبد من ربه، اشتق منه اسم المكان للموضع الذي بني للصلاة فيه، فقيل: (مسجد)، ولم يقولوا: (مركع) مثلا أو غيره مما يشتق من أفعال الصلاة 8.
شرعاً: الأصل فيه كل موضع من الأرض يمكن أن يعبد الله فيه ويسجد له 9، لقوله-صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ))[ البخاري(427)، ومسلم(522)].
وهذا من خصائص هذه الأمة، فقد روى البخاري(32، ومسلم(521)عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنه-أَنَّ النَّبِيَّ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- قَالَ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)).
وخالف في القول بهذه الخصوصية الداودي، وابن التين، حيث قالا: إن الْمُرَاد جُعِلَتْ لِي الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَجُعِلَتْ لِغَيْرِي مَسْجِدًا، وَلَمْ تُجْعَل لَهُ طَهُورًا.[فتح الباري (1/437)].
وفسِّرت هذه الخصوصية بتفسيرين متقاربين:
التفسير الأول: قالوا: إِنَّمَا أُبِيحَتْ الصلاة لغير هذه الأمة فِي مَوْضِع يَتَيَقَّنُونَ طَهَارَته، بِخِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّة فَأُبِيحَ لَهَا فِي جَمِيع الْأَرْض إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا نَجَاسَته.
قال القاضي عياض في إكمال المعلم(2/437): (إن من كان قبله من الأنبياء كانوا لا يصلون إلا فيما أيقنوا طهارته من الأرض، وخص نبينا وأمته بجواز الصلاة على الأرض إلا ما تيقنت نجاسته منها).
التفسير الثانِي: قالوا: إنَّ مَنْ قَبْله إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُمْ الصَّلَوَات فِي أَمَاكِن مَخْصُوصَة كَالْبِيَعِ وَالصَّوَامِع، إلا عند الخوف فيصلون في بيوتهم، بخلاف هذه الأمة.
قال البغوي في شرح السنة (13/197): (أراد أن أهل الكتاب ما أبيحت لهم الصلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، وأباح الله -عز وجل- لهذه الأمة الصلاة حيث كانوا، تخفيفا عليهم وتيسيرا).
قال القرطبي: (وهذا مما خص به دون الأنبياء، فنحن بحمد الله نصلي في المساجد والبيوت، وحيث أدركتنا الصلاة، وكان من دينهم أنهم لا يصلون إلا في البيع والكنائس ما داموا على أمن، فإذا خافوا فقد أذن لهم أن يصلوا في بيوتهم)
[ تفسير القرطبي(8/372). بتصرف].
قال الحافظ ابن حجر في الفتح(1/437)-بعد ذكره للخلاف-: (وَالْأَظْهَر مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَبْله إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُمْ الصَّلَوَات فِي أَمَاكِن مَخْصُوصَة كَالْبِيَعِ وَالصَّوَامِع، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة عَمْرو بْن شُعَيْب بِلَفْظِ: ((وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسهمْ))، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِع النِّزَاع فَثَبَتَتْ الْخُصُوصِيَّة، وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار(2366) مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس نَحْو حَدِيث الْبَاب وَفِيهِ: ((وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَنْبِيَاء أَحَدٌ يُصَلِّي حَتَّى يَبْلُغ مِحْرَابه)) .
قلت: أما رواية عمرو بن شعيب فقد أخرجها أحمد(706). بسند حسن. انظر الإرواء(1/317)، و صحيح الترغيب والترهيب(3634).
وأما ما أخرجه البزار فقد أخرجه أيضا البيهقي في الكبرى(4064)، ودلائل النبوة له(2217)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد(8/463): (رواه البزار وفيه من لم أعرفهم).
قال ابن رجب-رحمه الله- في الفتح(2/17-1): (وقد تبين بهذا أن معنى اختصاصه عن الأنبياء بأن الأرض كلها جعلت مسجدا له ولأمته: أن صلاتهم لا تختص بمساجدهم المعدة لصلاتهم، كما كان من قبلهم، بل يصلون حيث أدركتهم الصلاة من الأرض، وهذا لا ينافي أن ينهى عن الصلاة في مواضع مخصوصة من الأرض لمعنى يختص بها، كما نهى عن الصلاة في أعطان الإبل، وفي المقبرة والحمام).
قال الزركشي في إعلام الساجد (2): (ثم إن العُرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس، حتى يخرج المصلَّى الْمُجتمَع فيه للأعياد ونحوِها، فلا يعطى حكمَه)اهـ.
ويدل على هذا قوله-صلَّى الله عليه وسلَّم- للأعرابي الذي بال في المسجد: ((إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ))[مسلم(429)].
فمن خلال هذا التعريف النبوي يتضح أن المسجد هو:
(مكان مخصوص، له أحكام مخصوصة، بني لأداء عبادة الصلاة، وقراءة القرآن، وذكر الله)10 .
ومما يعضد هذا التعريف قول الله تعالى في كتابه الكريم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور: 36-37].
الوقفة الثانية : مكانة المسجد في الإسلام ووجوه تعظيمه عند ربّ الأنام
إن للمساجد في دين الله منزلةً رفيعةً، ومكانةً ساميةً، يدل على ذلك عدَّة أدلة في الشرع فمن ذلك:
يقول العلامة السعدي-رحمه الله-عند تفسيره هذه الآية(539): (فدل هذا، أن الجهاد مشروع، لأجل دفع الصائل والمؤذي، ومقصود لغيره، ودل ذلك على أن البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله، وعمرت مساجدها، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها، من فضائل المجاهدين وببركتهم، دفع الله عنها الكافرين).
3.أن الله سمّاه بأشرف الهيئات والحالات التي يكون عليها العبد وهو السجود.
4.أنّ الله قد جعله خير البقاع، روى مسلم(671) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلَّى الله عليه وسلَّم- قَالَ: (( أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا)).
5.أنّ الله قد جعلها مقام أعظم شعائره، وأفضل العبادات إليه، وهي الصلاة، فقال سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور: 36-37]، وروى مسلم(285) عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ-صلَّى الله عليه وسلَّم- قال عن المساجد: (( إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ)).
6.رغب سبحانه في بنائها وجعل عمارتها علامة أهل الإيمان قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[ التوبة:18].
9.أنّ الله قد جعلها ركيزة من ركائز المجتمع المسلم، وخاصّة في مثل هذه الأيّام، أيّام غربة الإسلام. 10.من أعظم ما يبيّن مكانة المسجد في الإسلام، هو ما أولاه الله تعالى إيّاه من الرّسالة، فهو الذي تقام فيه أعظم العبادات، وأفضل الطّاعات: صلاة وتسبيح وتهليل وتحميد وعلم ودعوة وإصلاح بين الخصوم والقضاء بينهم، وغير ذلك من جلائل الأعمال وفضائلها. 7.أخبر سبحانه بأن منع الناس من ذكر الله فيه ظلم، وتوعد فاعلي ذلك، فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114]. 8.جعل القرآن الكريم الدفاع عن المساجد وحمايتها مطلبا من مطالب هذا الدين يشرع لأجله القتال في سبيله، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40]. 1.أن بناء المسجد هو أول عمل قام به النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- عند قدومه المدينة. 2.أنّ الله نسبه إلى نفسه فقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجـن: 18]، وأضافه إليه فقال: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، وقال:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]،كما سمّاه النبيّ –صلَّى الله عليه وسلَّم- بذلك فقال: ((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ))[مسلم(2699)].
أحكام عمارة المسجد المادية:
يقول أهل العلم: إن عمارة المسجد المادية تكون إما:
الأول/ بناؤها وإحكامها:
قد صح في هذا المعنى عدة أحاديث ترغب في هذا العمل الجليل وممَّا دلت عليه:
أَنَّ الْمُشَارِكَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ يَبْنِي اللهُ لَهُ بَيْتاً عَظِيماً فِي الْجَنَّةِ:
وقبل ذكر الأحاديث الدالة على هذا لا بد من التنبه لأمرين:
الأول: عن ابن عباس-رضي الله عنه- أنه قال: (ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء)[أبو نعيم في صفة الجنة(2/21)، والطبري في تفسيره(534-535) وغيرهما، وهو في الصحيحة(218].
الثاني: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا))[البخاري(3250)].
[1] عن عثمان بن عفان-رضي الله عنه- أَنَّه قال عند قول الناس فيه حين بنى مسجد رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- يَقُولُ:
((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)) [البخاري(450)، ومسلم(533)].
[2] وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- يَقُولُ:
((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)) [صحيح ابن ماجه(601)].
[3] وعن عائشة-رضي الله عنها- عن النَّبِي-صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:
((مَنْ بَنَى مَسْجِداً لاَ يُريدُ بِهِ رِيَاءً وَلاَ سُمْعَةَ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)) [الطبراني في الأوسط(7005) وهو في الصحيحة(3399)].
[4] وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم-:
((مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِداً بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً أَوْسَعَ مِنْهُ)) [أحمد(27612)، وهو في صحيح الترغيب(273)].
2. بتنظيفها وتطهيرها، وتطييبها، ويدخل في هذا من باب أولى: عدم تقذيرها وتنجيسها.1. ببنائها وإحكامها.
فوائد من هذه الأحاديث:
الأولى: جاء في رواية لمسلم(533): ((أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ فَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ)).
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: (لَعَلَّ الَّذِي كَرِهَ الصَّحَابَةُ مِنْ عُثْمَان بِنَاؤُهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ لَا مُجَرَّدُ تَوْسِيعِهِ)اهـ. قلت: حديث بناء عثمان للمسجد بالحجارة المنقوشة في البخاري(435) عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أنه قال: ((أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ)).
وليس المقصود بالنقش هنا الزخرفة، بل يقصدون أنها نقشت على أشكال للبناء، كالمربع والمستطيل، وإلا فإن أول من زَخْرَفَ الْمَسَاجِد الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان، وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر عَصْر الصَّحَابَة. [انظر فتح الباري(1/540)].
الثانية: لَمْ يَبْنِ عُثْمَان الْمَسْجِدَ إِنْشَاءً وَإِنَّمَا وَسَّعَهُ وَشَيَّدَهُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِطْلَاق الْبِنَاءِ فِي حَقِّ مَنْ جَدَّدَ كَمَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ، أَوْ الْمُرَاد بِالْمَسْجِدِ هُنَا بَعْض الْمَسْجِدِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْـجُزْء. [انظر فتح الباري(1/544)].
الثالثة: قال ابن حجر في فتح الباري(1/544): (كَانَ بِنَاءَ عُثْمَان لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ سَنَة ثَلَاثِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ فِي آخِر سَنَةٍ مِنْ خِلَافَتِهِ، فَفِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِين عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ كَعْب الْأَحْبَار كَانَ يَقُولُ عِنْدَ بُنْيَان عُثْمَان الْمَسْجِد: لَوَدِدْت أَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يُنْجَزُ فَإِنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ قُتِلَ عُثْمَان، قَالَ مَالِك: فَكَانَ كَذَلِكَ،: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّل كَانَ تَارِيخ اِبْتِدَائِهِ وَالثَّانِي تَارِيخ اِنْتِهَائِهِ).
الرابعة: زاد أحد رواة الحديث الأول وهو بكير بن عبد الله بن الأشج القرشي: (حَسِبْتُ أَنَّهُ: [أي: شيخه في السند المذكور وهو عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ] قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ).
قال ابن حجر في فتح الباري(1/544): (وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَجْزِمْ بِهَا بُكَيْرٌ فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَرَهَا إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ هَكَذَا، وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِهَا، فَإِنَّ كُلّ مَنْ رَوَى حَدِيثَ عُثْمَان مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ إِلَيْهِ لَفْظُهُمْ: ((مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا))، فَكَأَنَّ بُكَيْرًا نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا بِالْمَعْنَى مُتَرَدِّدًا فِي اللَّفْظِ الَّذِي ظَنَّهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: ((لِلَّهِ))، بِمَعْنَى قَوْلِهِ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ).
الخامسة: قال ابن رجب في الفتح له(2/503): (وهذا يرجع إلى قاعدة الجزاء من جنس العمل، كما أن من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منه عضوا منها من النار، ومن نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الآخرة، والرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ومثل هذا كثير، فمن بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله في الدنيا، بنى الله له في الجنة بيتا).
[5] عن أبي ذر-رضي الله عنه- قال قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم-:
((مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِداً قَدْرَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)) [البزار (4017)، وغيره، وهو في صحيح الترغيب(269)].
فائدتان من الحديث:
الأولى: الفَحْصُ: هو البحث عن الشيء. ومفحص القطاة: هو الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ الْقَطَاة عَنْهُ لِتَضَع فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُد عَلَيْهِ. [انظر لسان العرب(7/63)، وفتح الباري(1/544)].
الثانية: القطاة مفرد قطا، ويُجْمَع أيضاً على قَطَوَات، وربما قالوا قَطَيَات، وهو ضرب من الطير قريب الشبه من الحمام، وقيل: هو ضَرْبٌ مِنْ الْحَمَامِ، سمي بذلك لثِقَل مَشيْه، لأن القطو هو ثقل المشي، وقيل يسمى قطاً لحكاية صوته، لأنه يصيح قطا قطا، ولذلك تصفها العرب بالصدق قال النَّابغة الذبياني:
تَدْعُوا القَطَا وَبِهِ تُدْعَى إِذَا نُسِبَتْ ... يَا صِدْقَهَا حِينَ تَدْعُوهَا فَتَنْتَسِبُ
وتصفها العرب بالهداية كذلك، يقال: أهدى من قطاة، وذلك أنها تبيض في القفر، وتستقي لأولادها من البعد في الليل والنهار، فتجيء في الظلماء، وفي حواصلها الماء، فإذا صارت حيال أولادها صاحت: "قطا" فلم تخطئ بلا علم، ولا شجرة، ولا علامة، ولا دليل .
وخص القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شجرة ولا على رأس جبل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطير، فلذلك شبه به المسجد، وقيل: لأنها توصف بالصدق، ففيه إشارة إلى اعتبار إخلاص النية وصدقها فِي البناء.
[انظر العرف الشدي(1/375)، ولسان العرب(15/189) والمصباح المنير(7/441)، وصبح الأعشى(1/222)].
أن بناء المساجد من الصدقات الجارية:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم-:
((إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ)) [ابن ماجه(242)، وابن خزيمة(2490)، وغيرهما، وهو في صحيح الترغيب(77)].
فائدة من الحديث:
قال السيوطي في الديباج(4/227): (وقد تحصل من هذه الأحاديث[وقد ذكر روايات أخرى] أحد عشر أمرا وقد نظمتها:
إِذَا مَــــاتَ ابــنُ آدَمَ لَيْـــسَ يَـجْــــرِي *** عَلَيْهِ مِنْ فِعَالٍ غَيْرَ عَشْرِ
عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلِ *** وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَـجْرِي
وِرَاثَـــةُ مُصْــحَـفٍ وَرِبَــــاطُ ثَغْـــــــــرِ *** وَحَــــفْــــــرُ البِـــئْـرِ أَوْ إِجْــرَاءُ نـَـهْـــــرِ
وَبَــيْـتٌ لِلـــغَـــــــرِيـــبِ بَنَــاهُ يـَـأْوِي *** إِلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحَلِ ذِكْرِ
وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَـرِيمٍ *** فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيثٍ بـــِحَصْرِ)
ثبوته من فعل النبي-صلى الله عليه وسلم- كما ثبت من قوله:
فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه- يَحْكِي لَنَا يَوْمَ بَنَوا الْمَسْجِدَ قَالَ: وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ-صلَّى الله عليه وسلَّم- مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
((اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ))
فائدتان من الحديث:
الأولى: قال ابن حجر في الفتح(7/394) بتصرف يسير: (فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ: ((فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ))، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَوْزُونٍ وَلَعَلَّهُ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- تَعَمَّدَ ذَلِكَ، وَقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ: هُوَ قَوْلُ اِبْنِ رَوَاحَةَ، يَعْنِي تَمَثَّلَ بِهِ النَّبِيُّ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- وَلَوْ كان من لفظ النبي-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- شَاعِرًا، قَالَ وَإِنَّمَا يُسَمَّى شَاعِرًا مَنْ قَصَدَهُ وَعَلِمَ السَّبَبَ وَالْوَتَدَ وَجَمِيعَ مَعَانِيهِ مِنْ الزِّحَافِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ كَذَا قَالَ، وَعِلْمُ السَّبَبِ وَالْوَتَدِ إِلَى آخِرِهِ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنْ الْعُرُوضِ الَّتِي اِخْتَرَعَ تَرْتِيبُهَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَقَدْ كَانَ شِعْرُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُخَضْرَمِينَ وَالطَّبَقَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ شُعَرَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُصَنِّفَهُ الْخَلِيلُ، كَمَا قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: أَنَا أَقْدَمُ مِنْ الْعُرُوضِ، يَعْنِي أَنَّهُ نَظَمَ الشِّعْرَ قَبْلَ وَضْعِهِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْكَاتِبُ: قَدْ كَانَ شِعْرُ الْوَرَى قَدِيمًا مِنْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ الْخَلِيلُ).
الثانية: قال ابن رجب الحنبلي: (وفي هذا الارتجاز عند بناء المسجد فائدتان:
إحداهما: ما في هذا الكلام من الموعظة الحسنة، والحث على العمل، فيوجب ذلك للسامعين النشاط في العمل، وزوال ما يعرض للنفس من الفتور والكسل عند سماع ثواب العمل وفضله، أو الدعاء لعامله بالمغفرة).
والثانية: أن المتعاونين على معالجة الأعمال الشاقة كالحمل والبناء ونحوها قد جرت عادتهم بالاسترواح إلى استماع بعضهم إلى ما ينشده بعضهم، ويجيبه الأخر عنه، فإن كل واحد منهم يتعلق فكره بما يقول صاحبه، ويطرب بذلك، ويجيل فكره في الجواب عنه بمثله، فيخف بذلك على النفوس معالجة تلك الأثقال، وربما نسي ثقل المحمول بالاشتغال بسماع الارتجاز، والمجاوبة عنه، ويؤخذ من هذا أنواع من الاعتبار:
- منها: حاجة النفس إلى التلطف بها في حمل أثقال التكليف، حتى تنشط للقيام بها، ويهون بذلك عليها الأعمال الشاقة على النفس، من الطاعات.
- ومنها : احتياج الإنسان في حمل ثقل التكليف إلى من يعونه على طاعة الله، وينشط لها بالمواعظ وغيرها كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:2]، وقال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:3]).
تنبيه ضروري:
لا يَنَالُ هذَا الفضلَ، وهذَا البيتَ في الجنَّة أحدٌ إلاّ بشرطين اثنين:
-الأوّل: الإخلاص..لقوله-صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث السّابق: ((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ)) لا لغيره.
-الثّاني: متابعة الرّسول-صلَّى الله عليه وسلَّم- في بنائها،كما في الصّحيحين عَنْ عَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ)) أي: مردود.
وهذا ممّا يُحتّم على المسلمين أن يُحسنوا اختيار القائمين والمشرفين على بناء المساجد، وأن يشترطوا فيهم العلم النّافع المثمر للعمل الصّالح، وليس المقصود بالعلم أن يكونوا علماء، ولكن على الأقلّ أن يكونوا رجّاعين إلى أهل العلم، وإلاّ كان ما يفسدونه أكثر ممّا يصلحونه.
ولكي يكون المسجد مبنيّا على سنّة رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- ينبغي مراعاة أحكام كثيرة، سنتكلم عنها شيئا فشيئا في هذا المنتدى بإذن الله.
الهامش :
قلت-م-: ويظهر ذلك من لفظة القنوت فإنه يقصد بها القيام-أي: الانتصاب- كما في قوله-صلى الله عليه وسلم-: ((أَفْضَلُ الصَّلاَةِ طُولُ القُنُوتِ))[م: 765]، ويتحقق بها الخضوع أيضا كما في قوله تعالَى: {وَقُومُوا لله قَانِتِينَ}[البقرة: 238]، أي: خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه، والله أعلم. انظر لسان العرب(3/204)، وتاج العروس(1/2022)، وتفسير القرطبي(2/86)(3/214)، وتفسير ابن كثير(1/654).
، والمشروع والممنوع في المسجد(7).
2- انظر لسان العرب(3/204)، وتاج العروس(1/2022)، وجامع الدروس العربية(1/202). 3- ونحوه ألفاظ أخرى نحو: مطلع ومغرب ومشرق ومنسِك و مجزر ومنبت ومسقط ومفرق ومرفق ومسكن. انظر جامع الدروس العربية(1/202). 6- انظر جمهرة اللغة لابن دريد(1/217)، والمخصص لابن سيده(4/66)، وتفسير القرطبي(19/20)، وتفسير ابن كثير(8/244). 7- هذا خلافا لقبيلة طيء الذين قالوا بأنه الانتصاب، قال الزبيدي في تاج العروس(8/172): (قال شيخنا: وقد يقال لا ضِدِّيَّة بين الخُضوع والانتصاب كما لا يَخْفَى)اهـ. 9- انظر تفسير القرطبي(2/7 10- أحكام حضور المسجد لعبد الله بن محمد العسكر(7). 1- انظر أقوال العلماء في تفسير هذه الآية في تفسير الطبري(23/635). 4- لأنهم قالوا عن هذه الألفاظ الشاذة تكسر سماعا، ويجوز فتحها قياسا. انظر لسان العرب(3/204)، وتاج العروس(1/2023)، وجامع الدروس العربية(1/202). 5- زيادة للإيضاح. 8- انظر تاج العروس(1/2023)، والمشروع والممنوع في المسجد لمحمد بن علي العرفج(7).
4.أنّ الله قد جعله خير البقاع، روى مسلم(671) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلَّى الله عليه وسلَّم- قَالَ: (( أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا)).
5.أنّ الله قد جعلها مقام أعظم شعائره، وأفضل العبادات إليه، وهي الصلاة، فقال سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور: 36-37]، وروى مسلم(285) عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ-صلَّى الله عليه وسلَّم- قال عن المساجد: (( إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ)).
6.رغب سبحانه في بنائها وجعل عمارتها علامة أهل الإيمان قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[ التوبة:18].
9.أنّ الله قد جعلها ركيزة من ركائز المجتمع المسلم، وخاصّة في مثل هذه الأيّام، أيّام غربة الإسلام. 10.من أعظم ما يبيّن مكانة المسجد في الإسلام، هو ما أولاه الله تعالى إيّاه من الرّسالة، فهو الذي تقام فيه أعظم العبادات، وأفضل الطّاعات: صلاة وتسبيح وتهليل وتحميد وعلم ودعوة وإصلاح بين الخصوم والقضاء بينهم، وغير ذلك من جلائل الأعمال وفضائلها. 7.أخبر سبحانه بأن منع الناس من ذكر الله فيه ظلم، وتوعد فاعلي ذلك، فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114]. 8.جعل القرآن الكريم الدفاع عن المساجد وحمايتها مطلبا من مطالب هذا الدين يشرع لأجله القتال في سبيله، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40]. 1.أن بناء المسجد هو أول عمل قام به النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- عند قدومه المدينة. 2.أنّ الله نسبه إلى نفسه فقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجـن: 18]، وأضافه إليه فقال: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، وقال:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]،كما سمّاه النبيّ –صلَّى الله عليه وسلَّم- بذلك فقال: ((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ))[مسلم(2699)].
أحكام عمارة المسجد المادية:
يقول أهل العلم: إن عمارة المسجد المادية تكون إما:
الأول/ بناؤها وإحكامها:
قد صح في هذا المعنى عدة أحاديث ترغب في هذا العمل الجليل وممَّا دلت عليه:
أَنَّ الْمُشَارِكَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ يَبْنِي اللهُ لَهُ بَيْتاً عَظِيماً فِي الْجَنَّةِ:
وقبل ذكر الأحاديث الدالة على هذا لا بد من التنبه لأمرين:
الأول: عن ابن عباس-رضي الله عنه- أنه قال: (ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء)[أبو نعيم في صفة الجنة(2/21)، والطبري في تفسيره(534-535) وغيرهما، وهو في الصحيحة(218].
الثاني: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا))[البخاري(3250)].
[1] عن عثمان بن عفان-رضي الله عنه- أَنَّه قال عند قول الناس فيه حين بنى مسجد رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- يَقُولُ:
((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)) [البخاري(450)، ومسلم(533)].
[2] وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- يَقُولُ:
((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)) [صحيح ابن ماجه(601)].
[3] وعن عائشة-رضي الله عنها- عن النَّبِي-صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:
((مَنْ بَنَى مَسْجِداً لاَ يُريدُ بِهِ رِيَاءً وَلاَ سُمْعَةَ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)) [الطبراني في الأوسط(7005) وهو في الصحيحة(3399)].
[4] وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم-:
((مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِداً بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً أَوْسَعَ مِنْهُ)) [أحمد(27612)، وهو في صحيح الترغيب(273)].
2. بتنظيفها وتطهيرها، وتطييبها، ويدخل في هذا من باب أولى: عدم تقذيرها وتنجيسها.1. ببنائها وإحكامها.
فوائد من هذه الأحاديث:
الأولى: جاء في رواية لمسلم(533): ((أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ فَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ)).
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: (لَعَلَّ الَّذِي كَرِهَ الصَّحَابَةُ مِنْ عُثْمَان بِنَاؤُهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ لَا مُجَرَّدُ تَوْسِيعِهِ)اهـ. قلت: حديث بناء عثمان للمسجد بالحجارة المنقوشة في البخاري(435) عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أنه قال: ((أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ)).
وليس المقصود بالنقش هنا الزخرفة، بل يقصدون أنها نقشت على أشكال للبناء، كالمربع والمستطيل، وإلا فإن أول من زَخْرَفَ الْمَسَاجِد الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان، وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر عَصْر الصَّحَابَة. [انظر فتح الباري(1/540)].
الثانية: لَمْ يَبْنِ عُثْمَان الْمَسْجِدَ إِنْشَاءً وَإِنَّمَا وَسَّعَهُ وَشَيَّدَهُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِطْلَاق الْبِنَاءِ فِي حَقِّ مَنْ جَدَّدَ كَمَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ، أَوْ الْمُرَاد بِالْمَسْجِدِ هُنَا بَعْض الْمَسْجِدِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْـجُزْء. [انظر فتح الباري(1/544)].
الثالثة: قال ابن حجر في فتح الباري(1/544): (كَانَ بِنَاءَ عُثْمَان لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ سَنَة ثَلَاثِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ فِي آخِر سَنَةٍ مِنْ خِلَافَتِهِ، فَفِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِين عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ كَعْب الْأَحْبَار كَانَ يَقُولُ عِنْدَ بُنْيَان عُثْمَان الْمَسْجِد: لَوَدِدْت أَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يُنْجَزُ فَإِنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ قُتِلَ عُثْمَان، قَالَ مَالِك: فَكَانَ كَذَلِكَ،: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّل كَانَ تَارِيخ اِبْتِدَائِهِ وَالثَّانِي تَارِيخ اِنْتِهَائِهِ).
الرابعة: زاد أحد رواة الحديث الأول وهو بكير بن عبد الله بن الأشج القرشي: (حَسِبْتُ أَنَّهُ: [أي: شيخه في السند المذكور وهو عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ] قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ).
قال ابن حجر في فتح الباري(1/544): (وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَجْزِمْ بِهَا بُكَيْرٌ فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَرَهَا إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ هَكَذَا، وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِهَا، فَإِنَّ كُلّ مَنْ رَوَى حَدِيثَ عُثْمَان مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ إِلَيْهِ لَفْظُهُمْ: ((مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا))، فَكَأَنَّ بُكَيْرًا نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا بِالْمَعْنَى مُتَرَدِّدًا فِي اللَّفْظِ الَّذِي ظَنَّهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: ((لِلَّهِ))، بِمَعْنَى قَوْلِهِ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ).
الخامسة: قال ابن رجب في الفتح له(2/503): (وهذا يرجع إلى قاعدة الجزاء من جنس العمل، كما أن من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منه عضوا منها من النار، ومن نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الآخرة، والرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ومثل هذا كثير، فمن بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله في الدنيا، بنى الله له في الجنة بيتا).
[5] عن أبي ذر-رضي الله عنه- قال قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم-:
((مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِداً قَدْرَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)) [البزار (4017)، وغيره، وهو في صحيح الترغيب(269)].
فائدتان من الحديث:
الأولى: الفَحْصُ: هو البحث عن الشيء. ومفحص القطاة: هو الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ الْقَطَاة عَنْهُ لِتَضَع فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُد عَلَيْهِ. [انظر لسان العرب(7/63)، وفتح الباري(1/544)].
الثانية: القطاة مفرد قطا، ويُجْمَع أيضاً على قَطَوَات، وربما قالوا قَطَيَات، وهو ضرب من الطير قريب الشبه من الحمام، وقيل: هو ضَرْبٌ مِنْ الْحَمَامِ، سمي بذلك لثِقَل مَشيْه، لأن القطو هو ثقل المشي، وقيل يسمى قطاً لحكاية صوته، لأنه يصيح قطا قطا، ولذلك تصفها العرب بالصدق قال النَّابغة الذبياني:
تَدْعُوا القَطَا وَبِهِ تُدْعَى إِذَا نُسِبَتْ ... يَا صِدْقَهَا حِينَ تَدْعُوهَا فَتَنْتَسِبُ
وتصفها العرب بالهداية كذلك، يقال: أهدى من قطاة، وذلك أنها تبيض في القفر، وتستقي لأولادها من البعد في الليل والنهار، فتجيء في الظلماء، وفي حواصلها الماء، فإذا صارت حيال أولادها صاحت: "قطا" فلم تخطئ بلا علم، ولا شجرة، ولا علامة، ولا دليل .
وخص القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شجرة ولا على رأس جبل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطير، فلذلك شبه به المسجد، وقيل: لأنها توصف بالصدق، ففيه إشارة إلى اعتبار إخلاص النية وصدقها فِي البناء.
[انظر العرف الشدي(1/375)، ولسان العرب(15/189) والمصباح المنير(7/441)، وصبح الأعشى(1/222)].
أن بناء المساجد من الصدقات الجارية:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم-:
((إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ)) [ابن ماجه(242)، وابن خزيمة(2490)، وغيرهما، وهو في صحيح الترغيب(77)].
فائدة من الحديث:
قال السيوطي في الديباج(4/227): (وقد تحصل من هذه الأحاديث[وقد ذكر روايات أخرى] أحد عشر أمرا وقد نظمتها:
إِذَا مَــــاتَ ابــنُ آدَمَ لَيْـــسَ يَـجْــــرِي *** عَلَيْهِ مِنْ فِعَالٍ غَيْرَ عَشْرِ
عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلِ *** وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَـجْرِي
وِرَاثَـــةُ مُصْــحَـفٍ وَرِبَــــاطُ ثَغْـــــــــرِ *** وَحَــــفْــــــرُ البِـــئْـرِ أَوْ إِجْــرَاءُ نـَـهْـــــرِ
وَبَــيْـتٌ لِلـــغَـــــــرِيـــبِ بَنَــاهُ يـَـأْوِي *** إِلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحَلِ ذِكْرِ
وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَـرِيمٍ *** فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيثٍ بـــِحَصْرِ)
ثبوته من فعل النبي-صلى الله عليه وسلم- كما ثبت من قوله:
فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه- يَحْكِي لَنَا يَوْمَ بَنَوا الْمَسْجِدَ قَالَ: وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ-صلَّى الله عليه وسلَّم- مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
((اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ))
فائدتان من الحديث:
الأولى: قال ابن حجر في الفتح(7/394) بتصرف يسير: (فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ: ((فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ))، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَوْزُونٍ وَلَعَلَّهُ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- تَعَمَّدَ ذَلِكَ، وَقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ: هُوَ قَوْلُ اِبْنِ رَوَاحَةَ، يَعْنِي تَمَثَّلَ بِهِ النَّبِيُّ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- وَلَوْ كان من لفظ النبي-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ-صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم- شَاعِرًا، قَالَ وَإِنَّمَا يُسَمَّى شَاعِرًا مَنْ قَصَدَهُ وَعَلِمَ السَّبَبَ وَالْوَتَدَ وَجَمِيعَ مَعَانِيهِ مِنْ الزِّحَافِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ كَذَا قَالَ، وَعِلْمُ السَّبَبِ وَالْوَتَدِ إِلَى آخِرِهِ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنْ الْعُرُوضِ الَّتِي اِخْتَرَعَ تَرْتِيبُهَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَقَدْ كَانَ شِعْرُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُخَضْرَمِينَ وَالطَّبَقَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ شُعَرَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُصَنِّفَهُ الْخَلِيلُ، كَمَا قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: أَنَا أَقْدَمُ مِنْ الْعُرُوضِ، يَعْنِي أَنَّهُ نَظَمَ الشِّعْرَ قَبْلَ وَضْعِهِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْكَاتِبُ: قَدْ كَانَ شِعْرُ الْوَرَى قَدِيمًا مِنْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ الْخَلِيلُ).
الثانية: قال ابن رجب الحنبلي: (وفي هذا الارتجاز عند بناء المسجد فائدتان:
إحداهما: ما في هذا الكلام من الموعظة الحسنة، والحث على العمل، فيوجب ذلك للسامعين النشاط في العمل، وزوال ما يعرض للنفس من الفتور والكسل عند سماع ثواب العمل وفضله، أو الدعاء لعامله بالمغفرة).
والثانية: أن المتعاونين على معالجة الأعمال الشاقة كالحمل والبناء ونحوها قد جرت عادتهم بالاسترواح إلى استماع بعضهم إلى ما ينشده بعضهم، ويجيبه الأخر عنه، فإن كل واحد منهم يتعلق فكره بما يقول صاحبه، ويطرب بذلك، ويجيل فكره في الجواب عنه بمثله، فيخف بذلك على النفوس معالجة تلك الأثقال، وربما نسي ثقل المحمول بالاشتغال بسماع الارتجاز، والمجاوبة عنه، ويؤخذ من هذا أنواع من الاعتبار:
- منها: حاجة النفس إلى التلطف بها في حمل أثقال التكليف، حتى تنشط للقيام بها، ويهون بذلك عليها الأعمال الشاقة على النفس، من الطاعات.
- ومنها : احتياج الإنسان في حمل ثقل التكليف إلى من يعونه على طاعة الله، وينشط لها بالمواعظ وغيرها كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:2]، وقال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:3]).
تنبيه ضروري:
لا يَنَالُ هذَا الفضلَ، وهذَا البيتَ في الجنَّة أحدٌ إلاّ بشرطين اثنين:
-الأوّل: الإخلاص..لقوله-صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث السّابق: ((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ)) لا لغيره.
-الثّاني: متابعة الرّسول-صلَّى الله عليه وسلَّم- في بنائها،كما في الصّحيحين عَنْ عَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ)) أي: مردود.
وهذا ممّا يُحتّم على المسلمين أن يُحسنوا اختيار القائمين والمشرفين على بناء المساجد، وأن يشترطوا فيهم العلم النّافع المثمر للعمل الصّالح، وليس المقصود بالعلم أن يكونوا علماء، ولكن على الأقلّ أن يكونوا رجّاعين إلى أهل العلم، وإلاّ كان ما يفسدونه أكثر ممّا يصلحونه.
ولكي يكون المسجد مبنيّا على سنّة رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- ينبغي مراعاة أحكام كثيرة، سنتكلم عنها شيئا فشيئا في هذا المنتدى بإذن الله.
والحمد لله رب العالمين
كتبه: أخوكم مصطفى قالية
----------------------------------------------كتبه: أخوكم مصطفى قالية
الهامش :
قلت-م-: ويظهر ذلك من لفظة القنوت فإنه يقصد بها القيام-أي: الانتصاب- كما في قوله-صلى الله عليه وسلم-: ((أَفْضَلُ الصَّلاَةِ طُولُ القُنُوتِ))[م: 765]، ويتحقق بها الخضوع أيضا كما في قوله تعالَى: {وَقُومُوا لله قَانِتِينَ}[البقرة: 238]، أي: خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه، والله أعلم. انظر لسان العرب(3/204)، وتاج العروس(1/2022)، وتفسير القرطبي(2/86)(3/214)، وتفسير ابن كثير(1/654).
، والمشروع والممنوع في المسجد(7).
2- انظر لسان العرب(3/204)، وتاج العروس(1/2022)، وجامع الدروس العربية(1/202). 3- ونحوه ألفاظ أخرى نحو: مطلع ومغرب ومشرق ومنسِك و مجزر ومنبت ومسقط ومفرق ومرفق ومسكن. انظر جامع الدروس العربية(1/202). 6- انظر جمهرة اللغة لابن دريد(1/217)، والمخصص لابن سيده(4/66)، وتفسير القرطبي(19/20)، وتفسير ابن كثير(8/244). 7- هذا خلافا لقبيلة طيء الذين قالوا بأنه الانتصاب، قال الزبيدي في تاج العروس(8/172): (قال شيخنا: وقد يقال لا ضِدِّيَّة بين الخُضوع والانتصاب كما لا يَخْفَى)اهـ. 9- انظر تفسير القرطبي(2/7 10- أحكام حضور المسجد لعبد الله بن محمد العسكر(7). 1- انظر أقوال العلماء في تفسير هذه الآية في تفسير الطبري(23/635). 4- لأنهم قالوا عن هذه الألفاظ الشاذة تكسر سماعا، ويجوز فتحها قياسا. انظر لسان العرب(3/204)، وتاج العروس(1/2023)، وجامع الدروس العربية(1/202). 5- زيادة للإيضاح. 8- انظر تاج العروس(1/2023)، والمشروع والممنوع في المسجد لمحمد بن علي العرفج(7).
تعليق