محظورات الإحرام- لمعالي الشيخ أحمد المباركي عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء،
محظورات الإحرام*
معالي الشيخ الدكتور أحمد بن علي سير المباركي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأخوة الكرام مرة ثانية سلام الله عليكم ورحمته وبركاته في بداية هذا الدرس أتوجه بالشكر أولا لله عز وجل الذي جمعني في هذا المسجد المبارك مع هذه الوجوه المباركة راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يتحقق فينا الحديث ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله إلى آخره إن اجتماعنا هذا لم يكن لعرض دنيوي ولا لأمر ترفيهي وإنما هو لنتدارس أحكام شعيرة من شعائر الإسلام بل ركن من أركان الإسلام ذلكم هو الحج والحج كما تعرفون واجب بالكتاب والسنة والإجماع ولم يخالف في ذلك أحد إلى يومنا هذا والآية الشهيرة في ذلك "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا " ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله فرض عليكم الحج فحجوا) وحج عليه الصلاة والسلام وحج صحابته رضوان الله عليهم وأجمع العلماء على وجوب حج بيت الله الحرام وكنت قد أجمعت أن أجعل كلمة تقديمية في فضل هذا الركن العظيم ركن الحج ولكنني تهيبت قليلا لأن سماحة الوالد سيخلفني على هذه المنصة وسيتحدث عن ذلك وحديثي في الثرى وحديثه في الثريا ولكننا نتشبه بالكرام إن لم نكن مثلهم أيها الأخوة المحظورات في الشريعة الإسلامية على قسمين محظورات على الذكر والأنثى في كل زمان ومكان وهذه تعرف بالمحرمات ومنها الكبائر التي تعرفونها وأعظمها الشرك بالله عز وجل وهناك محظورات خصت بزمان ومكان هذه المحظورات خصت بالبيت الحرام وخصت بالمشاعر المقدسة وخصت أيضا بالوسائل المؤدية إليها فكانت محظورات في زمان وكانت محظورات في مكان نحن نتحدث عن هذه المحظورات ونقسمها أيضا إلى قسمين محظورات لها زواجر وجوابر بمعنى أن الحاج إذا جاء أو ارتكب هذا المحظور فإن الشارع قد جعل له مخرجا في ذلك وهو ما شرعه بالزواجر والجوابر وسنأتي عليها إن شاء الله والثاني لم يشرع فيها الله ولا رسوله شيئا من الجوابر وإنما هي يشرع فيها التوبة إلى الله سبحانه وتعالى والاستغفار فإن هذه المشاعر وهذه الشعائر يجب على الإنسان أن يتأدب فيها بأدب الإسلام وإذا كان الأدب الإسلامي شاملا بجميع نواحي الحياة في كل شؤون الإنسان فإنه في هذه المشاعر يتأكد بصفة أكثر وبصفة أعلى وأغلى من ذلك أن الإنسان إذا نكح امرأة بمعنى عقد عليها أو عقد لإنسان عليها فإن هذا لم يكن فيه جابر من الشارع وإنما اكتفى الشارع بفساد هذا العقد وبطلانه والإثم أيضا يلحق هذا الذي ارتكب ما نهى الله عنه ونحن نقول أن النكاح هنا فاسد لأن النهي يبطل الفساد ونوصيه بأن يستغفر الله سبحانه وتعالى وأن يتوب إليه وليس في ذلك غير هذا تعرفون أن هذا في الدنيا أما في الآخرة فإن الله سبحانه وتعالى يثيب على القليل كثيرا ويتجاوز عن عباده كثيرا وهو الحق جل وعلا إن شاء عذب بعدله وإن شاء عفا بكرمه هذه المحظورات أيضا على قسمين إذا كان الحاج محتاجا لأن يرتكب هذا المحظور بأن كان لديه قمل أو ما يعبر عنه بهوام الرأس فهذا عذر قد جعل الله سبحانه وتعالى فيه الفدية ولذلك لما رأى نبيكم صلى الله عليه وسلم صحابي وهو يحك رأسه فقال ( أيؤذيك هوام رأسك؟) قال: نعم، قال : ( احلق رأسك) وأمره عليه الصلاة والسلام أن ينسك شاة أو يصوم ثلاثة أيام أو يتصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين حديث صحيح هذا اكتفى الشارع منه بالفدية وليس عليه ذنب في ذلك أما الآخر الذي ليس له عذر وارتكب هذا المحظور فإن عليه الفدية ويلحقه الإثم كذلك إلا إن عفا الله سبحانه وتعالى عنه ومن هنا ينبغي لهذا المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى فلا يقدم على هذه المحظورات إلا إذا كان في حاجة إليها أما إذا لم يكن في حاجة إليها فإن الذنب كما قلت لكم يلحقه ونسأل الله لنا وللجميع السلامة. نقسمها أيضا إلى ثلاثة أقسام محظورات على الذكر والأنثى وهي بالاستقراء من الأدلة من كتاب الله سبحانه وتعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثمانية والاستقراء عند العلماء دليل ثابت فإذا أراد إنسان أن يجادل في ذلك فعليه أن يأتي بمحظور غير ما ذكر لما نظر العلماء إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية وإلى ما أثر عن صحابته الكرام وجدوا أن هذه الثمانية هي محظورات الإحرام وهي تشمل الذكر والأنثى أول هذه المحظورات حلق الشعر من جميع البدن سواء أكان من الرأس أم كان من أي جزء من أجزاء البدن يقول ربي وربكم " وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" هذه الآية تدل بالأصالة على أمرين تدل أولا على تحريم الحلق على هذا المحرم وأنه لا يجوز له ذلك الأمر الثاني أنه إذا كان مريضا أو به أذى فإنه يفعل هذا المحظور ويفدي كما في الآية الكريمة وهذا فيه إشارة إلى ما قلته لكم قبل قليل بأن من فعل المحظور بعذر فلا إثم عليه ويكتفي بالفدية ومن فعله وهو ليس في حاجة فعليه بفدية وعليه الإثم إلا أن يعفو الله عنه وقص الشعر أيها الأخوة في حكم الحلق بدلالة النص يعني أن القص يدخل في النص دلالة وليس ذلك من باب الإلحاق القياسي كما سيأتي في بقية المحظورات وقد عبر في الآية الكريمة في الحلق لأنه الغالب وليس ذلك بدليل على أن ما عداه ليس بداخل وهذا ما يعبر عنه الأصوليون في كتبهم بأنه لا مفهوم له لأنه خرج مخرجا الغالب والإنسان يلحظ في مستهل هذه المحظورات أنها حرمت لأن الشأن في هذا الحاج أن يكون أشعثا تفلا بعيدا عن الترفه أخرج أبو داوود رحمه الله والترمذي رحمه الله أيضا أن رجلا قال من الحاج يا رسول الله قال: " الشعث التفل" فالترفه بقص الشعر أو بحلقه هو نوع مما يجعل الإنسان خارجا عن هذه الصفة التي ذكرها نبينا عليه الصلاة والسلام لكن إذا كان الإنسان في حاجة فإن الحاجة تقدر بقدرها ولذلك أباح الشارع له أن يرتكب هذا المحظور وعليه أن يفدي كما سمعتم هذا أيضا إضافة إلى الكتاب والسنة أجمع العلماء على هذا فلم يخالف أحدا في أن هذا محرم على المحرم من ذكر أو أنثى وإن كان هناك اختلاف في بعض التفاصيل لكن الأصل مجمع عليه وإذا جاء الإجماع بعد هذه الأدلة فإنه يعد دليلا قطعيا على أنه لا يوجد خلاف في هذه المسألة وإلا فالقرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ثابتة وواضحة الدلالة تقليم الأظافر أو قصها من يد أو رجل هذا أمر مجمع على تحريمه كما ذكر ابن المنذر وكما ذكر ابن قدامة في كتابه المغني حيث ذكر أن هناك إجماعا على تحريم هذا الأمر على المحرم والمعنى الذي لوحظ في حظر إزالة الشعر موجود في تقليم الأظافر فكل منهما يحصل به الترفه فكما الإنسان يترفه بالحلق يترفه أيضا بقص الأظافر ويستثنى من ذلك أيها الأخوة إذا انكسر الظفر ظفر الإنسان انكسر فإن له أن يقطعه ولا فدية عليه ويستثنى أيضا من الشعر إذا كان الشعر مؤذيا إما في جرح وإما في العين أو أنه امتد من الحاجب على العين فإنه في هذه الحالة يجوز له أن يقصه ولا فدية عليه في هذا الأمر ، الطيب ومما يأتي في هذا السياق سياق ما عليه هذا الحاج من الشعاثة أنه لا يتطيب لأن التطيب ينافي ذلك ولأنه من أهم وسائل الترفه كما هو معلوم عند الجميع لكن الإنسان عند إحرامه يسن له أن يتطيب كما طيبت عائشة رضي الله عنها وأرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الإحرام حتى أن بعض العلماء قالوا يتطيب في بدنه ولا يطيب ثيابه حتى لا يكون الطيب دائما في ثيابه لكن ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما سمعتم دليل ذلك حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في المحرم لا يلبس ثوبا مسه زعفران ولا ورس ولقوله أيضا في المحرم الذي وقصته ناقته في عرفات قال "ولا تخمروا رأسه - أي لا تغطوه- واغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه" فهذا دليل أيضا على أن المحرم يقتصر في تغسيله على الماء والسدر وتعرفون رعاكم الله أن رسولنا صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا وعليه طيب أمره أن يغسله متفقا عليه ومن هذا نأخذ أن طلاب العلم إذا وجدوا إنسان قد أخطئ في حجه وارتكب محظورا من المحظورات فعلى هذا الطالب أن يعلمه ويقول له أن هذا أمر لا يجوز وهو محرم وهذا من إنكار المنكر وتعرفون أيضا أن أعمال الحج أكثر ما تعرف بالممارسة أكثر من معرفتنا لها في الكتب بعض الناس قد حج أكثر من مرة ويعرف الحج شعيرة شعيرة فإذا وجد هذا الإنسان فعليه أن ينكر عليه بأدب وحكمة ولطف فإن استجاب فلله الحمد والمنة وإن لم يستجب فلله الحمد والمنة وقد أديت ما عليك أعود وأقول يجب أن يكون ذلك من رأفة وحكمة دون غلظة ودون عنف. الرابع عقد النكاح في هذا السياق وهو عدم الترفه في هذا الشخص أو لهذه المرأة نهاه أن يتزوج امرأة أو أن يعقد عليها أو أن يعقد النكاح لشخص آخر يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان رضي الله عنه " لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" رواه الإمام مسلم فهذا إن وقع هذا العقد فإنه غير صحيح وهو فاسد أو باطل على الخلاف عند العلماء فلا يكون معتبرا والحالة هذه وإن كان الإنسان عالم بتحريم ذلك فإنه يأثم وأما إن لم يكن عالما فإنه ربما يعفى عنه ويستغفر الله ويتوب إليه وليس فيه فدية. الجماع الخامس الجماع وليس هناك من محظور في الحج كله يفسد الحج إلا الجماع فإن المحظورات على أقسام قسم يفسد الحج كله وقسم لا يفسد الحج وفيه فدية وقسم لا يفسد الحج وليس فيه إلا التوبة والاستغفار فهذا هو المحظور الأعظم في الحج وهذا هو قمة الترفه لأن الإنسان كما تعرفون يرغب في هذا النوع من الممارسة فإذا كان لا يستطيع أن يلجم نفسه وهو في هذه الحالة فإنه سيفسد حجه في بعض الحالات وسيؤمر بالقضاء وسيؤمر بالفدية والجماع منهي عنه كما في قول الله عز وجل" فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ" فالرفث هو الجماع وكونه هو الجماع هذا متفق عليه لأن ربي وربكم يقول "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ" والرفث هو الجماع وقد ضم إليه بعض العلماء المباشرة كما ستأتي إذا جامع زوجته قبل الوقوف بعرفة فإن حجه يفسد حجه فاسد وعليه إثم وعليه أن يمضي فيه وعليه أن يقضيه من العام القادم وعليه هدي كما قلت والهدي هنا بدنة وكذلك على المرأة عليها بدنة وحجهما فاسد وعليهما من الإثم ما عليهما ويجب عليهما أن يمضي في فاسده وأن يقضياه من العام القادم وأن يفدي كل واحد منهما بدنة هذا إذا كان قبل الوقوف بعرفة أما إذا كان بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول فإذا جامع زوجته في هذه الحالة فاختلف علماء الملة فبعضهم قال بفساد حجه والحكم فيه كالحكم بالصورة الأولى والرأي الثاني أن حجه لا يفسد وأن عليه بدنة أو عليه شاة وهذا لعله هو الأقرب بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول أعيد بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول أما الصورة الثالثة وهي إذا جامع زوجته بعد التحلل الأول فإن حجه لا يفسد قولا واحد وعليه شاة هذه صور الجماع في الحج إما يكون قبل الوقوف أو يكون بعد الوقوف وقبل التحلل الأول أو بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني لأنكم تعرفون أن التحلل الأول يحل له كل شيء إلا النساء هناك أيها الأخوة بعض التفصيلات في هذا وفيما مر وفيما سيأتي هناك صورا يأتي بها بعض الحجاج ويسألون عنها لا أستطيع أن آتي عليها كلها ولكن إذا وقع الإنسان في شيء من ذلك فلا يجتهد عليه أن يسأل طلاب العلم وهم ولله الحمد كثر . سبعة قتل صيد البر واصطياده يحرم على الحاج أن يتقل صيد البر أو أن يصطاده لقول الله عز وجل "وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا " أما صيد البحر فإنه لا يدخل في هذا والإنسان الحاج ولغير الحاج أن يصيده كما هو مفهوم الآية الكريمة وفي ذلك يقول الله عز وجل " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ" هذا عرف بالآية الأولى كذلك لكنه هنا يفرض الجزاء على من فعل ذلك "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ" عندما تجد هذه الآية بهذه العقوبة وبهذا الأسلوب تجد أن أوامر الله ونواهيه كلها حدود يجب على الإنسان أن يقف عندها فإذا لم يقف عندها فإن العقاب الدنيوي هو كما سمعتم وفي الآخرة أيضا كما سمعتم ولكنا لا ننسى أن نضيف إلى هذه الآيات آيات المغفرة من الله سبحانه وتعالى لعباده فهو في بعض الآيات تجد أن هناك وعيد شديدا وفي بعض الآيات هناك وعظا كريما فطالب العلم إذا أراد أن ينظر في المسألة فعليه أن يأتي بهذه النصوص وينظر فيها دفعة واحدة حتى يستطيع أن يميز أو أن يعادل أو أن يساوي بين النصوص هنا وبين النصوص هنا ثمانية لبس القفازين فيحرم على الذكر أو الأنثى لبس القفازين في حال الإحرام أما تحريم ذلك على الذكر فلأنه لباس مفصل على قدر البدن هذا القفاز حرم لأنه على قدر البدن وكل ما فصل على قدر البدن أو على قدر عضو منه فإنه يحرم لبسه سواء أكان قفازا أو لم يكن فهو من المخيط الذي نهى عنه الشارع وأما لبس القفازين للأنثى فلا يجوز كذلك لما رواه البخاري لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين المرأة لا تنتقب ولا تلبس القفازين كما سمعتم أما الرجل لا يلبس القفازين أما التنقيب فليس له إنما هو للمرأة وسأزيده إيضاحا وبيانا فيما يأتي القسم الثاني المحرم على الذكور دون الإناث وهما محظوران تغطية الرأس فيحرم على الرجل المحرم ستر رأسه بملاصق لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته ( غسلوه بماء وسد وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه فدل ذلك على أن المحرم في حال موته يبقى رأسه مكشوفا ليبعث يوم القيامة ملبيا كما قيل والإجماع أيضا عن العلماء على تحريم ذلك هذا إذا كان ملاصقا أما غير الملاصق مثل سقف الخيمة والبيت والشمسية وسقف السيارة وإن كان بعض الحجاج يعمدوا إلى السيارة فيكشفوا سقفها اعتقادا منهم أن هذا لا يجوز ويعرضوا نفسه لضربات الشمس فهذا ما أنزل الله به من سلطان واسمعوا ما يقول الصحابي الجليل عن نبينا على الصلاة والسلام ( انصرف النبي صلى الله عليه وسلم حين رمى جمرة العقبة انصرف على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود راحلته والآخر رافعا ثوبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم يضلله من الشمس ) رواه مسلم وقد جاء أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضربت له خيمة في عرفات لبس المخيط أيضا هذا مختص بالذكر فلا يجوز له أن يلبس المخيط لا في بدنه كله ولا في بعضه وقلت لكم أن المخيط هو ما فصل على قدر البدن أو على قدر العضو أما إذا استعمل الإنسان شيئا على ظهره أو توسد أو تلحف ببشت أو مشلح أو كذا من غي أن يلبسه فليس في ذلك شيء لكن الممنوع هو أن يلبسه كما سمعتم كالقميص والسراويل والفنايل إلى آخره يقول نبيكم صلى الله عليه وسلم لما سئل ما يلبس المحرم من الثياب قال : ( لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا الخفاف ولا ثوب مسه زعفران ) إلا الإنسان إذا لم يجد إزارا فله أن يلبس السراويل ولا يشرع في حقه أن يفتق السروال لأن بعض الحجاج يجتهد فيأتي إلى السروال فيفتقه هذا ليس بمشروع ومن ذلك أيضا أن بعض الناس ربما ينسى إحرامه في بيته أو في السيارة ثم يطلع في الطائرة وليس عنده إحرام ففي هذه الحالة يلبس السروال ثم يأخذ الشماغ أو كذا إلى أن يصل المطار لأن هذا الواجب في حقه وهنا تعرفون أن نبينا عليه الصلاة والسلام رخص في الخفين في المدينة الذي لا يجد نعلين أن يلبس خفين وليقطعهما هذا الحديث رأى بعض العلماء أنه منسوخ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في عرفات عندما رخص ولم يأمر بقطع الخف والحقيقة أنه ليس في ذلك نسخ لأن الخف إذا قطع أصبح كالنعل ليس هناك بينه وبين النعل شيء يفارقه في المحذورية فأصبح ما في المدينة كأنه نعل والرخصة إنما تمت بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في عرفات وهذا ما مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه المحرم على الإناث ستر الوجه بما فصل على قدره بعض الفقهاء يذكر أن إحرام المرأة في وجهها وأن عليها أن تكشف وجهها إلا إذا مرت برجال فعليها أن تسدل خمارها على وجهها والحقيقة من تتبع للنصوص وما ذهب إليه ابن القيم أن المرأة منهية أن تلبس على وجهها ما يفصل على قدره كالنقاب أو البرقع فإذا فصل على الوجه فإن هذا لا يجوز فإنه لا يجوز أن تلبس ما فصل على وجهها من برقع أو نقاب لما رواه البخاري في صحيحه لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين كلنا مجمعون على أن هذا محرم عليها لكن لماذا لأنه شيء مفصل على وجهها ولذلك نجد عائشة رضي الله عنها وأمهات النبي اللاتي حججن مع النبي صلى الله عليه وسلم تقول عائشة كن نكشف عن وجوهنا فإذا مر بنا الرجال سدلنا خمورنا على وجوهنا أو كما قالت في حديثها المشهور رضي الله عنها وأرضاها أيها الأخوة هذه هي جملة ما ذكره علماؤنا من المحظورات وقلت لكم أنها ثابتة بالاستقراء من كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما أثر عن صحابته الكرام بل وما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم لأن كثرا من الأحكام كثيرا ما تجد أن الدليل عليها ما أثر عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال بها علي قال به ابن عمر قال به ابن عباس وهذا كثر والذي أريد أن أنبه عليه أيضا أن هناك أناسا يفتون ويأخذون الأقوال السهلة ويفتون بها للناس تسهيلا منهم على حجاج بيت الله الحرام ولكن شريعتنا الغراء مبنية من أصلها على اليسر والسهولة فالله سبحانه وتعالى لم يجعل علينا حرج فيها وذكر في آيات كثيرة وذكر رسولنا صلى الله عليه وسلم أن هذه الشريعة سهلة وأن لا حرج فيها وأنها ميسرة فما من حكم فيها إلا هو مبني على التيسير والحكم أولا وآخر للدليل من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الحكم لمحمد بن عبدالله ولرب محمد بن عبدالله فإذا وجد الدليل وصح ثبوته وصحت دلالته بطل كل قول يخالف ذلك أيها الأخوة إن كثرا من الحجاج يذهبون إلى هذه الأماكن المقدسة فيسيئون إلى أنفسهم ويسيئون إلى الناس ذلك أنهم لا يرعون في الضعفة ولا في كبار السن لا يرحموهم ولا يرحموا ما فيهم شيئا مما يجب أن يعملوه لهؤلاء ويحسب الحاج أنه إذا دافع الحجاج وتقدم عليهم أنه بذلك قد جمع ما جمع من الأجر والمثوبة وربما أن المسكين لم يرجع من حجه هذا إلا بالتعب والنصب وربما اكتسب إثما كبيرا من هذه المدافعة ولذلك جاء في الحديث ( من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) والحج كما تعرفون الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة هكذا يقول ربكم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وسلام الله عليكم
________________________________________
* النص الكامل لمحاضرة معالي الشيخ الدكتور أحمد بن علي بن سير المباركي، عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء، ضمن ملتقى الدعوة (الحج "شعائر ومشاعر")، المقام بجامع الأمير فيصل بن فهد بحي الملقا شمال الرياض؛ عشاء يوم السبت 17/11/1429هـ.
جميع الحقوق محفوظة © لمؤسسة الدعوة الخيرية
تعليق