الاعتكاف
* مشروعيته :
1- والاعتكاف سنة في رمضان وغيره من أيام السنة ، والأصل في ذلك قوله تعالى : ]وأنتم عاكفون في المساجد[ ، مع توارد الأحاديث الصحيحة في اعتكافه صلى الله عليه وسلم، وتواتر الآثار عن السلف بذلك ، وهي مذكورة في "المصنف" لابن أبي شيبة وعبد الرزاق ( 43 ).
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف آخر العشر من شوال ( 44 ) ، وأن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ؟ قال : فأوف بنذرك ، ( فاعتكف ليلةً ) ( 45 ) .
2- وآكَدُه في رمضان لحديث أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوماً( 46 .
3- وأفضله آخر رمضان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ( 47 ).
3- وأفضله آخر رمضان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ( 47 ).
* شروطه :
1- ولا يشرع إلا في المساجد لقوله تعالى : ]ولا تباشروهن ( 48 ) وأنتم عاكفون في المساجد[( 49 )
وقالت السيدة عائشة :
( السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لا بد له منها ، ولا يعود مريضاً ، ولا يمس أمراته ،
ولا يباشرها ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم ) ( 50 ) .
وقالت السيدة عائشة :
( السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لا بد له منها ، ولا يعود مريضاً ، ولا يمس أمراته ،
ولا يباشرها ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم ) ( 50 ) .
2- وينبغي أن يكون مسجداً جامعاً لكي لا يضطر للخروج منه لصلاة الجمعة ، فإن الخروج لها واجب عليه ، لقول عائشة في رواية عنها في حديثها : (...ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع )( 51 ).
ثم وقفت على حديث صحيح صريح يُخصص ( المساجد ) المذكورة في الآية بالمساجد الثلاثة : المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثةi( 52 ) .
وقد قال به من السلف فيما اطلعت حذيفة بن اليمان ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، إلا أنه لم يذكر المسجد الأقصى ، وقال غيرهم بالمسجد الجامع مطلقاً ، وخالف آخرون فقالوا : ولو في مسجد بيته .
ولا يخفى أن الأخذ بما وافق الحديث منها هو الذي ينبغي المصير إليه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
3- والسنة فيمن اعتكف أن يصوم كما تقدم عن عائشة رضي الله عنها ( 53 ) .
* ما يجوز للمعتكف :
1- ويجوز له الخروج منه لقضاء الحاجة ، وأن يخرج رأسه من المسجد لِيُـغْسَلَ ويُسَرَّح ، قالت عائشة رضي الله عنها :
( وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علَيَّ رأسَه وهو ( معتكف ) في المسجد ، ( وأنا في حجرتي ) فأُرَجلُــهُ ، ( وفي رواية : فأغسله وإن بيني وبينه لعتبة الباب وأنا حائض ) ، وكان لا يدخل البيت
إلا لحاجة ( الإنسان ) ، إذا كان معتكفاً ) ( 54 ) .
( وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علَيَّ رأسَه وهو ( معتكف ) في المسجد ، ( وأنا في حجرتي ) فأُرَجلُــهُ ، ( وفي رواية : فأغسله وإن بيني وبينه لعتبة الباب وأنا حائض ) ، وكان لا يدخل البيت
إلا لحاجة ( الإنسان ) ، إذا كان معتكفاً ) ( 54 ) .
2- ويجوز للمعتكف وغيره أن يتوضأ في المسجد لقول رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وضوءاً خفيفاً ( 55 ).
3- وله أن يتخذ خيمة صغيرة في مؤخرة المسجد يعتكف فيها ، لأن عائشة رضي الله عنها كانت تضرب للنبي صلى الله عليه وسلم خِـبَاءً ( 56 ) إذا اعتكف ، وكان ذلك بأمره صلى الله عليه وسلم( 57 ).
* إباحة اعتكاف المرأة وزيارتها زوجها في المسجد :
4- ويجوز للمرأة أن تزور زوجها وهو في معتكفه ، وأن يودعها إلى باب المسجد لقول صفية رضي الله عنها : " كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً (في المسجد في العشر الأواخر من رمضان) فأتيته أزوره ليلاً ، (وعنده أزواجه ، فَرُحْنَ) ، فحدثتُـهُ (ساعة) ، ثم قمت لأنقلبَ ، (فقال : لا تعجلي حتى أنصرف معك) ، فقام معي ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد (حتى إذا كان عند باب المسجد الذي عند باب أم سلمة) ، فمر رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسْـلِكُما ؛ إنها صفية بنت حيي ، فقالا : سبحان الله ! يا رسول الله ! قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شراً ، أو قال : شيئاً ( 60 ).
بل يجوز لها أن تعتكف مع زوجها ، أو لوحدها لقول عائشة رضي الله عنها :
(اعتكفتْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة (وفي رواية أنها أم سلمة) من أزواجه ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، فربما وضعنا الطَّسْت تحتها وهي تصلي) ( 61 ).
(اعتكفتْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة (وفي رواية أنها أم سلمة) من أزواجه ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، فربما وضعنا الطَّسْت تحتها وهي تصلي) ( 61 ).
وقال أيضاً :
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله،ثم اعتكف أزواجه من بعده) ( 62 ).
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله،ثم اعتكف أزواجه من بعده) ( 62 ).
قلت : وفيه دليل على جواز اعتكاف النساء أيضاً ، ولا شك أن ذلك مقيد بإذن أوليائهن بذلك ، وأمن الفتنة والخلوه مع الرجال ؛ للأدلة الكثيرة في ذلك ، والقاعدة الفقهية : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
5- ويبطله الجماع لقوله تعالى : ]ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد[.
ولا كفارة عليه لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
( 43 ) : كان هنا في الطبعة السابقة حديث في فضل " من اعتكف يوماً . . " فحذفته ؛ لأنه تبين لي ضعفه ، بعد أن خرجته وتكلمت عليه بتفصيل في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (5347) ، فكشفت فيه عن علته التي كانت خفيت علي ، وعلى الهيثمي قبلي ! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
( 44 ) : هو قطعة من حديث لعائشة ، رواه الشيخان وابن خزيمة في "صحاحهم" ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2127) .
( 45 ) : رواه الشيخان وابن خزيمة ، والزيادة للبخاري في رواية كما في "مختصره" (995) ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" أيضاً
(2136-2137) .
( 46 ) : رواه البخاري وابن خزيمة في "صحيحيهما" ، وهو مخرج في المصدر السابق (2126-2130) .
( 47 ) : رواه الشيخان وابن خزيمة (2223) ، وهو مخرج في "الإرواء" (966) و "صحيح أبي داود" (2125) .
( 48 ) : أي لا تجامعوهن . قال ابن عباس : المباشرة والملامسة والمس جماع كله ، ولكن الله عز وجل يكني ما شاء بما شاء . رواه البيهقي (4/321) بسند رجاله ثقات .
( 49 ) : ( البقرة : 187 ) ، قد استدل الإمام البخاري على ما ذكرناه بهذه الآية . قال الحافظ : ( ووجه الدلالة من الآية أنه لو صح في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة به ، لأن الجماع مناف للاعتكاف بالإجماع ، فعلم من ذكر المساجد أن المراد أن الاعتكاف لا يكون إلا في فيها ) .
( 50 ) : رواه البيهقي بسند صحيح ، وأبو داود بسند حسن ، والراوية الآتية عن عائشة له ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2135) و "الإرواء" (966) .
( 51 ) : روى البيهقي عن ابن عباس قال : إن أبغض الأمور إلى الله البدع ، وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور .
( 52 ) : أخرجه الطحاوي والإسماعيلي والبيهقي بإسناد صحيح عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه ، وهو مخرج في "الصحيحة" (رقم 2786) ، مع الآثار الموافقة له مما ذكرنا أعلاه ، وكلها صحيحة .
( 53 ) : رواه البيهقي بسند صحيح ، وأبو داود بسند حسن ، وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" : ( ولم ينقل عن النبي rأنه اعتكف مفطراً ، بل قد قالت عائشة : لا اعتكاف إلا بصوم ، ولم يذكر سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم ، ولا فعله rإلا مع الصوم ، فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية ) .
قلت : ويترتب عليه أنه لا يشرع لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرهما أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه ، وهو ما صرح به شيخ الإسلام في "الاختيارات" .
( 54 ) : رواه الشيخان ، وابن ابي شيبة ، وأحمد ، والزيادة الأولى لهما ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2131-2132) .
( 55 ) : رواه البيهقي بسند جيد ، وأحمد (5/364) مختصراً بسند صحيح .
( 56 ) : الخِـباء أحد بيوت العرب من وَبَرٍ أو صوف ولا يكون من شعَر ، ويكون على عمودين أو ثلاثة . "نهاية" .
( 57 ) : رواه الشيخان من حديث عائشة ، وفعلها للبخاري ، والأمر لمسلم ، وتقدم تخريجه (ص34) التعليق (2) .
( 58 ) : أي قبة صغيرة .
والسّدة كالظـلّة على الباب لتقي الباب من المطر ، والمراد أنه وضع قطعة حصير على سدتها لئلا يقع فيها نظرُ أحد كما قال السندي ، وأوْلى أن يقال : لكي لا ينشغل بالُ المعتكف بمن قد يمر أمامه تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحِه ، كما قال الإمام ابن القيم : ( عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المُـعْـتَـكَـفِ موضعَ عِشْرةٍ ومجلبة الزائرين وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم ، فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون ، والله الموفق ) .
( 59 ) : هو طرف من حديث لأبي سعيد الخدري ، رواه مسلم وابن خزيمة في "صحيحيهما" وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(1251).
( 60 ) : أخرجه الشيخان ، وأبو داود ، والزيادة الأخيرة له ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2133و2134) .
( 61 ) : رواه البخاري وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (213 ، والرواية الأخرى لسعيد بن منصور كما في "الفتح" (4/281) لكن سماها الدارمي (1/22) : ( زينب ) . والله أعلم .
( 62 ) : أخرجه الشيخان وغيرهما ، وسبق تخريجه (ص35) التعليق رقم (2) .
( 63 ) : رواه ابن أبي شيبة (3/92) وعبد الرزاق (4/363) بسند صحيح . والمراد من قوله : ( استأنف ) أي أعاد اعتكافه ) .
رسالة قيام رمضان فضله وكيفية أدائه ومشروعية الجماعة فيه
تأليف / الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ
تأليف / الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ
المصدر
شبكة سحاب السلفية
شبكة سحاب السلفية