الحمد لله الكريم والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين ، وبعد
فهذا بحث حول مسألة " هل في بعض صلوات التطوع وجوب ؟ "
والسبب الذي دفعني إلى البحث عن هذه المسألة ، أن أحد الإخوة السلفيين دخل مرّة المسجد ولم يصلّ تحية المسجد ، لأنه ذكر لي فتوى لأحد كبار علمائنا أنها ليست بواجبة ، استدلالا بحديث الأعرابي " ..... والذي أكرمك بالحق ؛ لا أتطوع شيئاً ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً . فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : ' أفلح إن صدق (أو : دخل الجنة إن صدق)' ، وفي رواية : والله ؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :' أفلح إن صدق '."
وقال لي : الذي لا يزيد ولا ينقص على الصلوات الخمس عدّه النبي صلى الله عليه وسلم من المفلحين .
كثير ما نتحدّث حول هل صلاة تحية المسجد واجبة أم لا ؟
ولمعرفة هذا نتأمل كلام الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله ، فقد أجاد وأفاد في كتابه " بغية المتطوع في صلاة التطوّع "
قال في الباب الأول ، الفصل الأول : ( كل الكلام باللون الأسود من الكتاب وليس لي فيه ، أي تعليق ، فلنتنبه )
و( التطوع ) في اللغة : تكلّف الطاعة ، أو التبرع بما لا يلزم من الخير ، أو الزيادة التي ليست لازمة .
ولا يقال تطوع إلاّ في باب الخير والبرّ ( معجم مقاييس اللغة (3/300) ، مفردات الراغب ص 285 )
وفي الشرع : الزيادة على ما وجب بحقّ الإسلام ، سواء كانت الزيادة واجبة أم لا .
وبما أنّ الصلوات الواجبة بحقّ الإسلام هي : الصلوات الخمس في اليوم والليلة : صلاة الفجر، وصلاة الظهر ، وصلاة العصر ،وصلاة المغرب ، وصلاة العشاء .
وبما أنّ التطوع هو ما زاد على الفرض ، سواء كان واجباً أم لم يكن .فإنّ صلوات التطوع ، هي الصلوات الزائدة على الفروض الخمسة سواء كانت هذه الصلوات واجبة أم لا .
فكل صلاة مشروعة في الإسلام زيادة على الفروض الخمسة الواجبة في اليوم والليلة يشملها اسم ( صلوات التطوع ) .
ولا يخفى عليك إن شاء الله أنه لا يعارض هذا كون بعض الصلوات غير الفروض الخمسة لها حكم الوجوب ، مع كونها داخلة في ( صلوات التطوع ) ، على التقرير السابق ، لأنّ وجوبها ليس بذاتها ، إنّما لأمر حفّ بها ، ولا يترتب لها من الأحكام ما يترتب للفروض الخمسة ، من استقرار وجوبها العيني على كل مسلم ومسلمة ، حضراً و سفراً ، لأنّ وجوب هذه الصلوات الخمسة إنما هو بحقّ الإسلام ، أما غيرها من الصلوات ـ إذا وجبت ـ فإنّ وجوبها بأسباب مختلفة ، كدخول المسجد وإرادة الجلوس فيه ، فإنّه سبب لوجوب تحية المسجد ، ووجوب الوفاء بالنذر سبب لوجوب الصلاة المنذورة ، وهكذا .
.................................................. ...........................................
ثم قال في الحاشية :
وبهذا التقرير تعلم أنّ من يستدل بحديث طلحة بن عبيد الله ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس ، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول ، حتى دنا ، فإذا هو يسأل عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خمس صلوات في اليوم والليلة " فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال " لا إلاّ أن تطّوع " ...الحديث .أخرجه البخاري في ( كتاب الإيمان ، باب الزكاة من الإسلام ، حديث رقم 46 ) وأطرافه من البخاري تحت الأرقام التالية ( 1891 ، 2678 ، 6956 )
أقول : بالتقرير المذكور تعلم أنّ من استدل بهذا الحديث على عدم وجوب شيء من الصلوات غير الصلوات الخمس لم يصب ، وذلك لأنّ حديث الأعرابي إنّما هو في تقرير الواجب بحق الإسلام ، فلا ينفي الواجب بغيره ، لأنّ وجوب غير الصلوات الخمس إنّما هو بأسباب خاصة .
ويرشح هذا المعنى أمور منها :
ـ قوله في الحديث : " خمس صلوات في اليوم والليلة " إذ معناه : " المفروض على المسلم في كل يوم وليلة خمس صلوات ، لا زائد عليها ، وهذا لا ينافي وجوب صلوات أخرى ، كصلاة تحية المسجد مثلا ، لأنها ليست من صلوات اليوم والليلة ، بل هي ذات سبب خاص ، وليست عينية أيضاً ، وكذلك الصلوات المنذورة ، فليست مما كتبه الله ، بل هي داخلة في التطوع الذي قد يكتبه المرء على نفسه ، فليزمه الله ما التزم " ( المختار من كنوز السنة ص 326 ) .
ـ ويؤكد هذا قوله في تمام الحديث : " وصيام رمضان " قال : هل عليّ غيره ؟ قال : " لا إلاّ أن تطّوع " وذكر له الزكاة ، فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال " لا إلاّ أن تطّوع " .
ومعلوم اتفاق أهل العلم على وجوب الصوم في الكفّارات إذ تعيّن على المسلم ، ومن بدل نسك الحج : ﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ ، وصوم النّـذر ، وصوم أولياء الميّت : " من مات وعليه صوم صام عنه وليّه ... " متفق عليه ( أنظر جامع الأصول 6/ 417 ) .
وكذا اتفاقهم علو الواجب في مال المسلم لا ينحصر في الزكاة ، فالنفقة على من تجب نفقته واجبة ، وما يجب على العبد بسبب الكفّارات ، وبسبب الجنايات ، وبسبب النذر ....إلخ ، وقول من قال من الفقهاء : " ليس في المال حق سوى الزكاة " ، إنما يعني به : ليس في المال حقّ واجب بسبب المال سوى الزكاة ، وإلاّ ، ففيه واجبات بغير سبب المال ، كما تقدّم ، وكوجوب أداء الدّيون ، وحمل العاقلة ، ووجوب الإعطاء في النائبة ، وغير ذلك ( الإيمان لابن تيمية ص 298 ـ 299 )
-ويزيد هذا المعنى وضوحاً قول الأعرابي في آخر الحديث عند البخاري (1891) : والذي أكرمك بالحق ؛ لا أتطوع شيئاً ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً . فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : ' أفلح إن صدق (أو : دخل الجنة إن صدق)' ، وفي رواية : والله ؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :' أفلح إن صدق '.
إذ ظاهره أنه يريد : لا أزيد على ما فرض علي بحق الإسلام ، ولا أنقص شيئاً مما فرض علي بحق الإسلام ؛ فلا أزيد صلاة في اليوم والليلة على الصلوات الخمس ، ولا أصوم شهراً زيادة على رمضان ... وهكذا.
ويدلّ على أنّ المراد ذلك ؛ أنه علّق فلاحه على صدقه في عدم الزيادة وعدم النقص ؛ فكيف يصح أن يشهد له الرسول صلى الله عليه و سلم بالفلاح على عدم الزيادة على الخمس إذا كان المراد بالزيادة التي ليست بواجبة ؟ ولا يقال: إنه أثبت له فلاحه إذا أتى بما عليه ، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحاً. أقول: لا يقال هذا ؛ لأنه خلاف ظاهر النص ، خاصة مع قوله صلى الله عليه و سلم :' إن صدق' ، ومع وجود المعنى الذي ذكرته ؛ فلا تكون حاجة إلى هذا التّكلف .
ثم كيف يقرّه الرسول صلى الله عليه و سلم على الحلف أن لا يستكثر من الخير. فيقول :' والله لا أزيد...'؟!
ولينظر :' نيل الأوطار' (3/83-84)، و 'كتاب الإيمان' لابن تيمية (ص 297-300).
فإن قيل: إنّ عبادة بن الصامت لما قيل له : إنّ فلاناً يقول : الوتر واجب ؛ أجاب : بأنّ الله فرض خمس صلوات. وهو جواب يلتقي فيه مع من يستدلّ بحديث الأعرابي على عدم وجوب شيء من الصلوات غير الخمس.
فالجواب : إنّ استدلال عبادة لا يخالف التقرير الذي ذكرته ؛ لأنّ عبادة إنما أورده في حق صلاة الوتر ، فكأنه قال: الواجب على المسلم في اليوم والليلة بحق الإسلام خمس صلوات ، ولو قيل بوجوب الوتر؛ لكان الواجب ست صلوات ، وهذا خلاف ما أوجبه الله على العباد من الصلاة في اليوم والليلة . وبالله التوفيق.
فائدة: يستفاد من هذا الحديث أنّ كلمة (تطوع) استعملت فيه بمعنى الزيادة ، سواء كانت واجبة أم مستحبة، ألا تراه قال :' والذي أكرمك بالحقّ ؛ لا أتطوع شيئاً ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً ، فقابل بين التطوع والنقص، ويفسره مؤكداً لهذا المعنى الرواية الأخرى :' والله ؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص'.
وقد استعملت في هذه الرسالة كلمة تطوع بهذا المعنى ؛ أعني: الزيادة مطلقاً ، سواء كانت واجبة أم لم تكن واجبة .
ومما تقدّم تعلم السّر في أنّ المصنفين في أحاديث الأحكام وغيرهم يبوبون (باب صلاة التطوع)، ثم يقرّرون وجوب بعض هذه الصلوات ، وذلك يدلّّ على أنهم رحمهم الله فهموا التطوع بمعنى الزيادة ، سواء كانت واجبة أم غير واجبة ، ولم يفهموا بمعنى الزيادة التي ليست بلازمة ؛ كما هو أصل المعنى اللغوي.
وعليه ؛ فإنّ كلمة (التطوع) في الشّرع جاءت بأوسع من معناها في اللغة ؛ خلافاً لغيرها ؛ ككلمة (الحج) و (الصلاة) ، والله أعلم .
والله أعلم .
فهذا بحث حول مسألة " هل في بعض صلوات التطوع وجوب ؟ "
والسبب الذي دفعني إلى البحث عن هذه المسألة ، أن أحد الإخوة السلفيين دخل مرّة المسجد ولم يصلّ تحية المسجد ، لأنه ذكر لي فتوى لأحد كبار علمائنا أنها ليست بواجبة ، استدلالا بحديث الأعرابي " ..... والذي أكرمك بالحق ؛ لا أتطوع شيئاً ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً . فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : ' أفلح إن صدق (أو : دخل الجنة إن صدق)' ، وفي رواية : والله ؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :' أفلح إن صدق '."
وقال لي : الذي لا يزيد ولا ينقص على الصلوات الخمس عدّه النبي صلى الله عليه وسلم من المفلحين .
كثير ما نتحدّث حول هل صلاة تحية المسجد واجبة أم لا ؟
ولمعرفة هذا نتأمل كلام الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله ، فقد أجاد وأفاد في كتابه " بغية المتطوع في صلاة التطوّع "
قال في الباب الأول ، الفصل الأول : ( كل الكلام باللون الأسود من الكتاب وليس لي فيه ، أي تعليق ، فلنتنبه )
و( التطوع ) في اللغة : تكلّف الطاعة ، أو التبرع بما لا يلزم من الخير ، أو الزيادة التي ليست لازمة .
ولا يقال تطوع إلاّ في باب الخير والبرّ ( معجم مقاييس اللغة (3/300) ، مفردات الراغب ص 285 )
وفي الشرع : الزيادة على ما وجب بحقّ الإسلام ، سواء كانت الزيادة واجبة أم لا .
وبما أنّ الصلوات الواجبة بحقّ الإسلام هي : الصلوات الخمس في اليوم والليلة : صلاة الفجر، وصلاة الظهر ، وصلاة العصر ،وصلاة المغرب ، وصلاة العشاء .
وبما أنّ التطوع هو ما زاد على الفرض ، سواء كان واجباً أم لم يكن .فإنّ صلوات التطوع ، هي الصلوات الزائدة على الفروض الخمسة سواء كانت هذه الصلوات واجبة أم لا .
فكل صلاة مشروعة في الإسلام زيادة على الفروض الخمسة الواجبة في اليوم والليلة يشملها اسم ( صلوات التطوع ) .
ولا يخفى عليك إن شاء الله أنه لا يعارض هذا كون بعض الصلوات غير الفروض الخمسة لها حكم الوجوب ، مع كونها داخلة في ( صلوات التطوع ) ، على التقرير السابق ، لأنّ وجوبها ليس بذاتها ، إنّما لأمر حفّ بها ، ولا يترتب لها من الأحكام ما يترتب للفروض الخمسة ، من استقرار وجوبها العيني على كل مسلم ومسلمة ، حضراً و سفراً ، لأنّ وجوب هذه الصلوات الخمسة إنما هو بحقّ الإسلام ، أما غيرها من الصلوات ـ إذا وجبت ـ فإنّ وجوبها بأسباب مختلفة ، كدخول المسجد وإرادة الجلوس فيه ، فإنّه سبب لوجوب تحية المسجد ، ووجوب الوفاء بالنذر سبب لوجوب الصلاة المنذورة ، وهكذا .
.................................................. ...........................................
ثم قال في الحاشية :
وبهذا التقرير تعلم أنّ من يستدل بحديث طلحة بن عبيد الله ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس ، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول ، حتى دنا ، فإذا هو يسأل عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خمس صلوات في اليوم والليلة " فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال " لا إلاّ أن تطّوع " ...الحديث .أخرجه البخاري في ( كتاب الإيمان ، باب الزكاة من الإسلام ، حديث رقم 46 ) وأطرافه من البخاري تحت الأرقام التالية ( 1891 ، 2678 ، 6956 )
أقول : بالتقرير المذكور تعلم أنّ من استدل بهذا الحديث على عدم وجوب شيء من الصلوات غير الصلوات الخمس لم يصب ، وذلك لأنّ حديث الأعرابي إنّما هو في تقرير الواجب بحق الإسلام ، فلا ينفي الواجب بغيره ، لأنّ وجوب غير الصلوات الخمس إنّما هو بأسباب خاصة .
ويرشح هذا المعنى أمور منها :
ـ قوله في الحديث : " خمس صلوات في اليوم والليلة " إذ معناه : " المفروض على المسلم في كل يوم وليلة خمس صلوات ، لا زائد عليها ، وهذا لا ينافي وجوب صلوات أخرى ، كصلاة تحية المسجد مثلا ، لأنها ليست من صلوات اليوم والليلة ، بل هي ذات سبب خاص ، وليست عينية أيضاً ، وكذلك الصلوات المنذورة ، فليست مما كتبه الله ، بل هي داخلة في التطوع الذي قد يكتبه المرء على نفسه ، فليزمه الله ما التزم " ( المختار من كنوز السنة ص 326 ) .
ـ ويؤكد هذا قوله في تمام الحديث : " وصيام رمضان " قال : هل عليّ غيره ؟ قال : " لا إلاّ أن تطّوع " وذكر له الزكاة ، فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال " لا إلاّ أن تطّوع " .
ومعلوم اتفاق أهل العلم على وجوب الصوم في الكفّارات إذ تعيّن على المسلم ، ومن بدل نسك الحج : ﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ ، وصوم النّـذر ، وصوم أولياء الميّت : " من مات وعليه صوم صام عنه وليّه ... " متفق عليه ( أنظر جامع الأصول 6/ 417 ) .
وكذا اتفاقهم علو الواجب في مال المسلم لا ينحصر في الزكاة ، فالنفقة على من تجب نفقته واجبة ، وما يجب على العبد بسبب الكفّارات ، وبسبب الجنايات ، وبسبب النذر ....إلخ ، وقول من قال من الفقهاء : " ليس في المال حق سوى الزكاة " ، إنما يعني به : ليس في المال حقّ واجب بسبب المال سوى الزكاة ، وإلاّ ، ففيه واجبات بغير سبب المال ، كما تقدّم ، وكوجوب أداء الدّيون ، وحمل العاقلة ، ووجوب الإعطاء في النائبة ، وغير ذلك ( الإيمان لابن تيمية ص 298 ـ 299 )
-ويزيد هذا المعنى وضوحاً قول الأعرابي في آخر الحديث عند البخاري (1891) : والذي أكرمك بالحق ؛ لا أتطوع شيئاً ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً . فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : ' أفلح إن صدق (أو : دخل الجنة إن صدق)' ، وفي رواية : والله ؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :' أفلح إن صدق '.
إذ ظاهره أنه يريد : لا أزيد على ما فرض علي بحق الإسلام ، ولا أنقص شيئاً مما فرض علي بحق الإسلام ؛ فلا أزيد صلاة في اليوم والليلة على الصلوات الخمس ، ولا أصوم شهراً زيادة على رمضان ... وهكذا.
ويدلّ على أنّ المراد ذلك ؛ أنه علّق فلاحه على صدقه في عدم الزيادة وعدم النقص ؛ فكيف يصح أن يشهد له الرسول صلى الله عليه و سلم بالفلاح على عدم الزيادة على الخمس إذا كان المراد بالزيادة التي ليست بواجبة ؟ ولا يقال: إنه أثبت له فلاحه إذا أتى بما عليه ، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحاً. أقول: لا يقال هذا ؛ لأنه خلاف ظاهر النص ، خاصة مع قوله صلى الله عليه و سلم :' إن صدق' ، ومع وجود المعنى الذي ذكرته ؛ فلا تكون حاجة إلى هذا التّكلف .
ثم كيف يقرّه الرسول صلى الله عليه و سلم على الحلف أن لا يستكثر من الخير. فيقول :' والله لا أزيد...'؟!
ولينظر :' نيل الأوطار' (3/83-84)، و 'كتاب الإيمان' لابن تيمية (ص 297-300).
فإن قيل: إنّ عبادة بن الصامت لما قيل له : إنّ فلاناً يقول : الوتر واجب ؛ أجاب : بأنّ الله فرض خمس صلوات. وهو جواب يلتقي فيه مع من يستدلّ بحديث الأعرابي على عدم وجوب شيء من الصلوات غير الخمس.
فالجواب : إنّ استدلال عبادة لا يخالف التقرير الذي ذكرته ؛ لأنّ عبادة إنما أورده في حق صلاة الوتر ، فكأنه قال: الواجب على المسلم في اليوم والليلة بحق الإسلام خمس صلوات ، ولو قيل بوجوب الوتر؛ لكان الواجب ست صلوات ، وهذا خلاف ما أوجبه الله على العباد من الصلاة في اليوم والليلة . وبالله التوفيق.
فائدة: يستفاد من هذا الحديث أنّ كلمة (تطوع) استعملت فيه بمعنى الزيادة ، سواء كانت واجبة أم مستحبة، ألا تراه قال :' والذي أكرمك بالحقّ ؛ لا أتطوع شيئاً ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً ، فقابل بين التطوع والنقص، ويفسره مؤكداً لهذا المعنى الرواية الأخرى :' والله ؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص'.
وقد استعملت في هذه الرسالة كلمة تطوع بهذا المعنى ؛ أعني: الزيادة مطلقاً ، سواء كانت واجبة أم لم تكن واجبة .
ومما تقدّم تعلم السّر في أنّ المصنفين في أحاديث الأحكام وغيرهم يبوبون (باب صلاة التطوع)، ثم يقرّرون وجوب بعض هذه الصلوات ، وذلك يدلّّ على أنهم رحمهم الله فهموا التطوع بمعنى الزيادة ، سواء كانت واجبة أم غير واجبة ، ولم يفهموا بمعنى الزيادة التي ليست بلازمة ؛ كما هو أصل المعنى اللغوي.
وعليه ؛ فإنّ كلمة (التطوع) في الشّرع جاءت بأوسع من معناها في اللغة ؛ خلافاً لغيرها ؛ ككلمة (الحج) و (الصلاة) ، والله أعلم .
والله أعلم .