[ بحث للأخ / عبدالله الخليفي
من شبكة سحاب ]
من شبكة سحاب ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فمما اشتهر في هذه الأعصار التفريق بين صلاة التراويح وصلاة القيام في رمضان في الإسم والحقيقة !
فتجد أن الناس يصلون في أول عشرين ليلة صلاة التراويح ، ثم في العشر الأواخر يصلون صلاة القيام حتى إذا قلت أنا ذاهب أصلي التراويح في العشر ربما سخر منه بعض الناس وقالوا :
" هذه أيام قيام وليست أيام تراويح " !
وصلاة التراويح على النسق الموجود الآن تختلف عن صلاة القيام من ثلاثة أوجه :
الأول : الإسم
الثاني : وقت الصلاة فالتراويح تصلى أول الليل والقيام يصلى آخر الليل
الثالث : صفة القراءة فالقراءة في القيام أطول منها في التراويح
والسؤال هنا :
هل ثبت هذا التفريق بأوجهه الثلاثة عند السلف ؟
أما التفريق في التسمية فلا أصل له عند السلف ، فالصلاة التي يجتمع لها عند السلف هي التراويح وهي القيام
وإنما تسمى صلاة القيام إذا كان المصلي منفرداً ، ولا تسمى التراويح إلا عند الإجتماع وكذلك تسمى القيام
سئل الإمام ابن باز ما هو الفرق بين صلاة التراويح والقيام والتهجد ؟ أفتونا مأجورين ...
ج :الصلاة في الليل تسمى تهجدا وتسمى قيام الليل ، كما قال الله تعالى : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } وقال سبحانه :{ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلًا } وقال سبحانه في سورة الذاريات عن عباده المتقين : { آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ }
أما التراويح فهي تطلق عند العلماء على قيام الليل في رمضان أول الليل مع مراعاة التخفيف وعدم الإطالة ويجوز أن تسمى تهجداً وأن تسمى قياماً لليل ولا مشاحة في ذلك والله الموفق . اهـ
المصدر :من الأسئلة الموجهة من [ المجلة العربية ] .
وأما التفريق من جهة الوقت ، فهذا أكثر إشكالاً ، ولكي يتبين محل الإشكال نسأل عدة أسئلة :
السؤال الأول : متى قام النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى بالناس ومتى قام أصحابه ؟
أما النبي صلى الله عليه وسلم
فعن أبي ذر ، قال :[ صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى إذا كانت ليلة أربع وعشرين السابع مما يبقى صلى بنا حتى كاد أن يذهب ثلث الليل ، فلما كانت ليلة خمس وعشرين لم يصل بنا ، فلما كانت ليلة ست وعشرين الخامسة ، مما يبقى صلى بنا حتى كاد أن يذهب شطر الليل ، فقلت : يا رسول الله ، لو نفلتنا بقية ليلتنا ؟ فقال : لا ، إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة فلما كانت ليلة سبع وعشرين لم يصل بنا ، فلما كانت ليلة ثمان وعشرين ، أظنه ، قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهله واجتمع له الناس فصلى بنا حتى كاد أن يفوتنا الفلاح ، ثم يا ابن أخي لم يصل بنا شيئا من الشهر ، قال : والفلاح السحور ]
رواه أبو داود [ 1375 ] والترمذي [ 803 ] وابن خزيمة بنحوه [ 2206 ] بسندٍ صحيح.
أقول : هذا نص صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قام أول الليل فقوله :[ صلى بنا حتى كاد يذهب شطر الليل ] واضح في أنه صلى قبل شطر الليل وهو ثلث الليل الأول ، وهذه الرواية صريحة في أنه قام في العشر الأواخر أول الليل ، على خلاف صنيع الناس اليوم ، ومن أراد تحري سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلينوع في طول القيام في هذه الليال ، ومن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل كله استدلالاً بحديث شد المئزر فقد غلط ، أو يكون ذلك ما إذا كان منفرداً ، وأما الصلاة فلها شأنٌ آخر .
ومعنى [ أحيا ليله كله ] إما أن يحمل على قيام معظم الليل ، أو الإحياء بالذكر مع الصلاة , ذكر هذين الوجهين شيخ الإسلام كما في [ مختصر الفتاوى المصرية ص84 ] .
وهذه الأوجه إنما وجدت لقوله صلى الله عليه وسلم عن نفسه [وأصلي وأرقد] رواه البخاري .
أو يحمل على حاله في الإنفراد
وأما الصحابة فعملهم على القيام أول الليل طوال الشهر دون تخصيص العشر بشيء من التأخير :
قال البخاري [1906 ] وعن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال :
[ خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله] .
أقول : هذا معلق وموصول بإسنادٍ صحيح في عدد من الكتب منها الموطأ لمالك وتأمل قوله : [ وكان الناس يقومون أوله ] ، فدل على أن فعل الصحابة الراتب هو القيام في أول سواءً في العشر الأخيرة أو غيرها ،
وما كان يقوم آخر الليل إلا المنفرد وما ثبت عنهم أنهم قاموا آخر الليل جماعة :
وجاء في مسائل أبي داود [ ص 90 ط مكتبة ابن تيمية ] :
قيل لأحمد وأنا أسمع : يؤخر القيام – يعني التراويح – إلى آخر الليل ؟
قال : لا , سنة المسلمين أحبُ إلي . أهــ
أقول : هذا تنصيص من الإمام أحمد على أن سنة المسلمين في القرون الفاضلة تقديم القيام أول الليل .
فأقل ما يقال في تأخير القيام أنه خلاف فعل الصحابة والتابعين ، وأما التأخير الراتب وتخصيصه بالعشر الأواخر أشد .
وقال ابن القيم في بدائع الفوائد [4/918 ]:" واختلف قوله - يعني أحمد - في تأخير التراويح إلى آخر الليل فعنه إن أخروا القيام إلى آخر الليل فلا بأس به كما قال عمر فإن الساعة التي تنامون عنا أفضل ولأنه يحصل قيام بعد رقدة وقال الله تعالى { إن ناشئة الليل ...} الآية
وروى عنه أبو داود لا يؤخر القيام إلى آخر الليل سنة المسلمين أحب إلى وجهه فعل الصحابة ويحمل قول عمر على الترغيب في الصلاة آخر الليل ليواصلوا قيامهم إلى آخر الليل لا أنهم يؤخرونها ولهذا أمر عمر من يصلي بهم أول الليل .
قال القاضي : قلت ولأن في التأخير تعريضا بأن يفوت كثيرا من الناس هذه الصلاة لغلبة النوم القيام "انتهى
أقول : هذا تنصيص من الإمام ابن القيم على أن الصحابة قاموا أول الليل ولا تفريق ، وأما كلمة عمر فتحمل على المنفرد ، ونص أحمد الآخر يحمل على مجرد الجواز على أن الفعل في نفسه فاضل .
علماً بأن أحمد لم يفرق بين العشر الأخيرة وغيرها .
أو أنه أراد المنفرد كما أراد عمر ، والعلة التي ذكرها ابن القيم في تفضيل التراويح أول الليل يشمل الشهر ، كما أن فتيا أحمد هنا باعتبار الأرفق بالناس لا باعتبار تخصيص العشر بشيء دون غيرها لذا لم يفرق .
ولا يقال أن بعض التابعين أجاز صلاة القيام في أي وقتٍ للرفق بالناس .
فهذا لا يدل على فعل الناس اليوم ، فهم لا يراعون الأرفق بل يخصصون ذلك بالعشر الأواخر بآخر الليل ولو كان أشق على الناس .
بل إن المشقة حاصلة على طلاب المدارس والموظفين في القيام آخر الليل ، وقد عالج بعضهم هذا بعمل محدث آخر وهو أنهم أصبحوا يصلون التراويح أول الليل ولا يوترون ثم في عين المسجد وفي الليلة مثلها يصلون القيام آخر الليل ، وهذا لم يكن من فعل السلف أيضاً ، بل كلام ابن القيم السابق يدل على أن تأخيرها على آخر الليل أشق لغلبة النوم على الناس ، بل كثيرٌ من الناس في هذه الأعصار يفوتون صلاة الظهر بسبب هذا القيام !!
وذكر المروزي في قيام الليل عن عمران بن حدير رحمه الله : أرسلت إلى الحسن رحمه الله فسألته عن صلاة العشاء في رمضان أنصلي ، ثم نرجع إلى بيوتنا فننام ، ثم نعود بعد ذلك ؟
فأبى ، قال : لا ، صلاة العشاء ثم القيام .
أقول : فنصص على أن القيام كان بعد العشاء وقبل النوم وهذا فعل السلف قاطبةً خلافاً للناس اليوم في العشر الأواخر .
وقال شيخ الإسلام كما في [ مختصر الفتاوى للبعلي ص81 ] :" والتراويح سنة بعد العشاء " ، كذا مطلقاً دون تفريق .
وقال كما في مجموع الفتاوى [ 23 /119]:"السنة في التراويح أن تصلى بعد العشاء الآخرة كما اتفق على ذلك السلف والأئمة "
وقد وجدت في كلام بعض الأئمة الحنابلة التنصيص على أن صلاتها في أول الليل أفضل ، بل يفهم من كلام بعضهم كراهية تأخيرها :
قال المرداوي في الإنصاف [ 3/116] :" وأفتى بعض المتأخرين من الأصحاب بجوازها قبل العشاء ، وقال الشيخ تقي الدين : من صلاها قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة .
ومنها : فعلها أول الليل أفضل : أطلقه في الفروع فقال فعلها أول الليل أحب إلى أحمد .
وقال ابن تميم : إلا بمكة فلا بأس بتأخيرها ، وقال في الرعاية : ولا يكره تأخيرها بمكة .
وليس ذلك منافيا لما في الفروع ، ومنها : فعلها في المسجد أفضل جزم به في المستوعب وغيره "اهــ
أقول : قوله في الرعاية :" ولا يكره تأخيرها بمكة " يفهم منه أنه يكره تأخيرها في غير مكة ، والتفريق بين مكة وغيرها لا أدري ما وجهه ؟ .
والكراهة اليوم تستفاد من مخالفة الإتباع ومن المشقة على الناس
وقال في [ كشاف القناع ] :" [ و ] فعلها [ أول الليل أفضل ] ؛ لأن الناس كانوا يقومون على عهد عمر أوله "اهــ
وفي [ فتح المعين للمليباري الشافعي] :" وينوي بها التراويح أو قيام رمضان، وفعلها أول الوقت أفضل من فعلها أثناءه بعد النوم، خلافا لما وهمه الحليمي "
قلت : وأما من ذهب إلى استحباب تأخيرها إلى ثلث الليل أو نصفه ، فلا يسعفه الدليل أولاً .
ولم يخصص ذلك بالعشر الأواخر ثانياً , بل عممه على جميع الشهر .
ومن استحب تأخيرها إلى نصف الليل جعلها تبعاً للعشاء لهذا كره صلاتها بعد النصف
[ وهو فعل الناس اليوم ] طرداً لقياسه .
وقال في [ مجمع الأنهر من كتب الحنفية ] :" والمستحب فعلها إلى ثلث الليل وقيل بعد العشاء قبل الوتر وهو قول عامة المشايخ .
لأنها إنما عرفت بفعل الصحابة فكان وقتها ما صلوها فيه وهو صلوها بعد العشاء قبل الوتر"اهــ
أقول : تأمل قوله :[ إنما عرفت بفعل الصحابة فكان وقتها ما صلوها فيه ] وما فيه من الفقه.
تعليق