بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسله ، صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الأبرار وعلى من تبعهم إلى دار القرار .
أما بعد :
إن يوم عاشوراء يوم صالح، عظيم كما ورد في الأحاديث، من الله فيه على نوح وموسى فنجاهما من الغرق، فصامه موسى شكرا لله ، وبقيت اليهود تصومه حتى بعد إندراس الدين وتحريفه وتبديله ، فقد كان أهل الجاهلية يصومونه،وقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش قبل مجيء الإسلام روى البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت :{كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية ..}واللفظ للبخاري [ح2002].
ولمّا هاجر النبي إلى المدينة وجد اليهود يصومونه، فسألهم: ما هذا اليوم؟ قالوا يوم صالح أو يوم عظيم نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل ، وأهلك فرعون وآله بالغرق ، فقال: << أنا أولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه، وحث المسلمين على صيامه، حتى بعد نسخ وجوبه بافتراض صيام رمضان عليه، بل أكد استحبابه بحرصه عليه، فقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء[ح 2006].وزاد تأكيد صيامه بقوله في آخر عمره :<< لأن بقيت إلى قابل لأصوم التاسع >>رواه مسلم .
يريد بهذا مخالفة أهل الكتاب بذلك بعد أن كان يعجبه موافقتهم لما عندهم من الكتاب، ومخالفة المشركين، ولما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام وأقام دولته أحب مخالفة أهل الكتاب وأمر أتباعه بمخالفتهم في أشياء كثيرة منها هذه المسألة صيام يوم عاشوراء .
فبقي المسلمون يصومونه محققين أمنية نبيهم في مخالفة أهل الكتاب بصيام التاسع والعاشر، أو بصيام التاسع والعاشر والحادي عشر.
وقدر الله سبحانه وتعالى لحكمة أرادها أن يقتل الحسين بن علي بن أبي طالب حب رسول الله وريحانته من الجنة أحد سادة شباب أهل الجنة في اليوم العاشر من شهر محرم سنة 61 هجرية، فافترقت الأمة في ذلك اليوم بسبب هذا الحدث العظيم على ثلاث طوائف، طائفة اتخذته يوم مأتم وحزن ونواح، وابتدعت فيه أشياء كثيرة منكرة لا تمت إلى الدين بصلة بل بعض ذلك شرك وكفر، والعياذ بالله، وهم الشيعة، وطائفة اتخذته يوم فرح وسرور وهم النواصب الذين يقيمون العداء لعلي وأهل بيته رضي الله عنهم، والذين قتلوا أباه من قبل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه يُحدِثُ للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء، من اللطم والصراخ، والبكاء والعطش ، وإنشاء المراثي ، وما يفضي إلى ذلك من سب السلف ولعنهم ، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب ، حتى يسب السابقون الأولون ، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منه كذب ، وكان قصد من سن ذلك ، فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة فإن هذا ليس واجبا ولا مستحبا باتفاق المسلمين ، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله.أ-هـ كلامه مناهج السنة النبوية[2/322-323].
والبدعة الثانية :بدعة الفرح والسرور في يوم عاشوراء .
وهم الذين عارضوا الرافضة، فجعلوا يوم عاشوراء موسم فرح وهم النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته النبي صلى الله عليه وسلم ومن الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشر بالشر، والبدعة بالبدعة فوضعوا الآثار في شعار الفرح والسرور يوم عاشوراء، كالاكتحال، والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح.مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية [ج25/309-310].
قلت: ويقصد بالنواصب، الخوارج الذين ظهروا في عهد النبوة، والذين قاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد وافق كل الطائفتين جهلة من أتباع أهل السنة والجماعة في بدعهم،وهو موجود إلى الآن ،فمازال في بلادنا من يتخ\ه إلى اليوم موسما ، وما يحدث في بلاد الرفض وأخرى دخلها التشيع ليس بخاف على أحد ، والسبب في ذلك هو الجهل بحقيقة طريقة السلف، وتغلب الأهواء والعواطف عليهم.
ولا شك في أن النواصب، وكذلك الرافضة، مبتدعون في فعهلم هذا مخطئون، وخارج عن السنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.واره أحمد [ج4/126-127] ومسلم.
ولم يسن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه ،شيئا في يوم عاشوراء ، فلا يصح في ذلك شيئا.
وفي عصرنا، وفي بلدنا ظهر اعتقاد آخر في مثل هذا اليوم علاوة على جعله موسما ، ولست أدرى أهو عام في جميع بلاد المسلمين أم في بعضها أم خاص ببلادنا - الجزائر – وهو أن الكثير منهم يعتقد أن عاشوراء من العشر أي الجزء الذي يُخرج من نصاب الزكاة، فجعلوه يوما محددا لإخراج جميع الأغنياء زكاة أمولهم، بل أصبح ذلك شيئا رسميا تبنته الدولة، وذلك خطأ في فهم معنى يوم عاشوراء، ولم يرد في الشرع ما يثبت هذا المعنى، ولأن الناس تختلف عندهم أيام وشهور اكتمال النصاب وحولان الحول وملكه . وفيه إخلال بنظام جمع الزكاة وتوزيعها على مدار العام، ونتج عن ذلك منكرات كثيرة لا تخفى.
والطائفة الثالثة: هم أهل العلم والعدل الذين اتخذوه يوم عبادة إقتداء بنبيهم فإنهم يصومونه، فلم يحدثوا بدعا بموالاتهم لآل البيت، ولا نصبوا العداء لهم، واعتبروا مقتل الحسين شهادة له، وأنه بلاء من الله، وأن عليهم الصبر والترحم والترضي عليه، وأن الذين جاءوا من بعدهم من أتباعهم لم يحدثوا الجزع والنياحة للمصائب القديمة لأن ذلك من أعظم ما حرمه الإسلام.
تعريف عاشوراء: عاشوراء بالمد على المشهور، وحكي فيه القصر، واختلف أهل الشرع في تعيينه فقال الأكثر هو اليوم العاشر، قال القرطبي: عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها.فإذا قيل عاشوراء ، فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة ، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علما على اليوم العاشر .وقال الزين بن المنير: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم.
وقيل هو اليوم التاسع ورجح الأول ابن حجر الفتح [ج4/ 288]. إذا فهو اسم لليوم العاشر من شهر الله المحرم، وليس هو للعُشُر الجزء الواحد من العشرة التي يخرج في الزكاة.
الأسباب التي من أجلها شرع صوم هذا اليوم :
والسبب أن الله نجى فيه موسى وبني اسرائيل من عدوهم ، وأغرق فرعون وجنوده ، وقيل هو نفس اليوم الذي أرست فيه سفينة نوح على الجودي ، فقد روى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا عاشوراء ، فقال: ما هذا من الصوم ؟قالوا هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني اسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى شكرا لله تعالى.فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بموسى ، وأحق بالصوم ، فصامه وأمر أصحابه بالصوم . المسند[ح 8702] قال أحمد شاكر في تحقيقه له[ج15/292]:رواه البخاري ومسلم.
قلت: هذه الزيادة التي فيها:<< وهذا يوم استوت فيه سفينة نوح على الجودي فصامه نوح.. >> غير موجودة في الصحيحين ولم يخرجاها.وهي من أخبار بني اسرائيل التي لم يأتي تكذيبها ولا تصديقها ، فجاز حكايتها كما جاء في الحديث المتفق عليه .
والذي في البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا.قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني اسرائيل من عدوهم فصامه موسى.قال : أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه . واللفظ للبخاري [ح2004].
والسبب أيضا أن عاشوراء يوم من أيام الله ، ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: << .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن يوم عاشوراء يوم من أيام الله ..>> له المكانة العظيمة والحرمة القديمة فقد كان أهل الجاهلية يعظمونه ويصومنه أيضا ،وصامه رسول الله مع قريش كما روى ذلك البخاري ومسلم واللفظ للبخاري:فعن عائشة رضي الله عنها : قالت : << كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية ..>> ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند مسلم أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في يوم عاشوراء: <<إن هذا يوم كان يصومه أهل الجاهلية...>>[ج2/ 792/ح1126 ] باب صوم يوم عاشوراء بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. وفي رواية أنه هو رضي الله عنه القائل:<< أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء... >> مسلم [ح1126]. وهو يوم عظيم ويوم صالح، فقد روى البخاري[ح2004] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ووجد اليهود يصومونه قال ما هذا اليوم: قالوا هذا يوم صالح. ..>> وفي رواية مسلم[ح128]<<هذا يوم عظيم >>.
والخلاصة : أنه يوم من أيام الله ، وأنه يوم صالح ، ويوم عظيم كانت اليهود تعظمه و تصومه شكرا لله وتتخذه عيدا ،ففي صحيح مسلم [ح1131]من حديث أبي موسى الأشعري قال :كان يوم عاشوراء يوما تعظمه اليهود وتتخذه عيدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< صوموا أنتم >>. وكان أهل الجاهلية يعظمونه ويصومونه ، وصامه رسول الله مع قريش تعظيما له كما مر ، ولما قدم المدينة صامه شكرا لله وقال: << أنا أحق بموسى منكم>>.
قلت : لأنه لو كان موسى حيا ما وسعه إلا إتباعه كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم لما رأى صحيفة من التوراة في يدي عمر فقال:<< أمتهوكون أنتم يا ابن الخطاب ، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا إتباعي >> رواه البخاري. ولأنه كان يتحرى صومه لما فيه من فضل صيامه فقد جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: << قال ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء >>وفي رواية مسلم:<< ما علمت أن رسول الله صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم...>> فلذلك نحن معشر المسلمين أهل السنة والجماعة نصومه شكرا لله تعالى إقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم.
فضائل يوم عاشوراء:
أما فضائله فهو يوم من أيام الله، التي ينبغي للمؤمن أن يتعرض لها ، وهو يوم من شهر الله المحرم فقد أضاف الرسول هذا الشهر إلى الله كما يقال بيت الله وهذا فيه تشريف لهذا الشهر ، لأن الله لا يضيف إليه إلا ما كان شريفا مفضلا ،كما أضاف الصيام إليه في قوله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به فناسب إضافة الشهر إليه وإضافة الصوم إليه ،فاجتمع فيه شرف الشهر مع شرف الصوم فكان مفضلا حقا لذلك ناسب أن يستحب فيه الصوم .
ومن فضائله أيضا أنه يكفر سنة ماضية من الذنوب.جاء في صحيح مسلم وغيره عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم عاشوراء ؟فقال:<<يكفر السنة الماضية>>وفي رواية لابن ماجة قال:<< صيام يوم عاشوراء إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله >> أنظر له صحيح الترغيب والترهيب [ج1:424/ح1007].
ومن فاضائله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومه ويطلب فضله ، والنبي صلى الله عليه وسلم ، لا يتحرى ويطلب شيئا مفضولا . وفي ذلك الحديث المتقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: << ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء..>>البخاري [ح2006]ومسلم بلفظ << يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم..>>.
وهذه الفضائل كافية شافية؛ فيها غنية لمن أراد الاستغناء بالإتباع والإقتداء وإصابة سنة إمام الأنبياء وسيد الأتقياء.وليس وراء هذه الفضائل من فضائل ومزايا إلا الابتداع وإتباع الأهواء، فلا مزية في الحزن والمأتم، والنواح، والعويل والبكاء، ولا مزية في إظهار الفرح والسرور والتوسعة على العيال بالطعام والكساء، ولا مزية لإخراج الزكاة فيه إلا من كان حولا له من الأغنياء.
حكم صوم يوم عاشوراء.
أمّا عن حكم صوم هذا اليوم فقد كان واجبا، فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ؛ أنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم يوم عاشوراء ، فأمره أن يؤذن في الناس << من كان لم يصم فليصم ، ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل >>رواه البخاري [ح 2007] ومسلم [ح1135] ومعناه أن من كان نوى الصوم فليصم ، ومن كان لم ينوي الصوم ولم يأكل ، أو أكل فليمسك بقية يومه حرمة لليوم ، كما لو أصبح يوم الشك مفطرا ثم ثبت أنه من رمضان ، يجب إمساك بقية يومه حرمة لليوم ، والحرمة تكون في الواجب ،أما المتطوع فهو أمير نفسه ، وهذا يدل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالإمساك بقية يومه لمن أصبح وقد أكل على فرضية يوم عاشوراء ،ويؤكد هذا حديث الرُبيع بنت معوذ بن عفراء قالت :
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار ، التي حول المدينة << من كان أصبح صائما فليتم صومه ، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه >>رواه مسلم [ح1136] فلو كان شيئا مستحبا لما أمر بالنداء العام حتى في القرى .ولا ينادي إلا لمر في عاية الأهمية من الدين ، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:<< كان رسول الله صلى الله عليه سلم يأمرنا بصيام عاشوراء ، ويحثنا عليه ، ويتعاهدنا عنده ...>>وهذا يدل على فرضيته ، وإلاّ لما حثهم عليه ولا تعاهدهم عنده ، زيادة على الأمر به .
ثم نسخ هذا الحكم {{ وجوب صيامه }} بنزول فرضية صوم شهر رمضان ، وبقي صومه على الخيار استحبابا ،ففي البخاري[ح2001] ومسلم[1125] عن عائشة رضي الله عنها قالت : << كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصيام يوم عاشوراء ،فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر >>. ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه، والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<<...فمن شاء صامه ومن شاء تركه >>رواه مسلم [ح1126] وفي رواية :عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< فمن أحب أن يصومه فليصمه ، ومن أحب أن يتركه فليتركه >> وكان عبد الله رضي الله عنه لا يصومه إلا أن يوافق صيامه .وفي حديث جابر بن سمرة المتقدم قال: فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهانا ولم يتعاهدنا عنده. وقد أطال ابن القيم رحمه الله في سرد الأدلة على الوجوب ورد بما لا مزيد عليه على من خالف ذلك.أنظر جامع فقه ابن القيم [ج3/ص 227- 236].
قلت: ولكن فعله صلى الله عليه وسلم وتحريه له وطلبه فضله يدل على تأكد استحبابه يبين ذلك حديث ابن عباس عند مسلم [ح1132] وفيه :<< ما علمت أن رسول الله صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم >>وفي رواية عنه عند الطبراني:قال:<< لم يكن يتوخى فضل يوم على يوم بعد رمضان إلا عاشوراء >>وإسناده حسن أفاده الشيخ الألباني صحيح الترغيب والترهيب [ح1010] وفي رواية البخاري : يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء ..>> بتشديد الضاد، يؤكد هذا الاستحباب ترغيبه فيه ، واحتسابه على الله أن يكفر بصيامه الذنوب التي وقعت في السنة التي قبله ، روى مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ، أن رسول الله سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال : << يكفر السنة الماضية >>وفي رواية ابن ماجة قال:<< صيام عاشوراء إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله >> .فقول جابر بن سمرة المتقدم : فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهانا ولم يتعاهدنا عنده ، أي لم يأمرهم أمر إيجاب ، ولم يتعهدهم تعهده للواجب ، وإلا فها هو يرغب فيه ، ويتحرى فضله وهذا يدل على استحبابه وطلب ما يطلب فضله ، إقتداء به صلى الله عليه وسلم .
أي يوم يصام في عاشوراء :
ذكرنا في تعريف عاشوراء أنه اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وعليه يكون الصيام فيه ولكن استشكل العلماء ما ورد عن ابن عباس أنه اليوم التاسع ، روى مسلم فيه صحيحه عن الحكم بن الأعرج قال ؛انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنه وهو متوسد رداءه في زمزم [أي عندها ] فقلت له : : أخبرني عن صوم عاشوراء .فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائما.قلت: هكذا كان رسول الله صلىالله عليه وسلم يصومه ؟قال: نعم .
قال ابن حجر في الفتح [ج4/288]:وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع.لكن قال الزين ابن المنير: قوله إذا أصبحت من تاسعه، فأصبح يشعر بأنه أراد العاشر لأنه لا يصبح صائما أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهي الليلة العاشرة. قلت : [ أي ابن حجر ] ويقوي هذا الاحتمال ما روى مسلم أيضا من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :<< لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات قبل ذلك ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أن لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح .
قلت: قول ابن عباس:<< وأصبح يوم التاسع صائما لا يحتمل إلا إضافة اليوم التاسع إليه مخالفة لليهود والنصارى، وتحقيقا لأمنية النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة وهو راو حديث:<< لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع >> فأراد بقوله للسائل نعم، لما قال له: أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ تحقيقا لأمنيته صلى الله عليه وسلم، لأن ما عزم عليه رسول الله فهو كالذي فعله، لأنه لا يقول ولا يتمنى إلا الحق، فلا يترك ما تمنى، وعزم عليه وخاصة أن قصده كان من أعظم مقاصد الشرع المطلوب لذاته وهو مخالفة اليهود والنصارى.
ويؤكد هذا رواية الإمام أحمد رحمه الله من حديث ابن عباس مرفوعا: << صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، صوموا يوما قبله أو يوما بعده >>وحسنه أحمد شاكر [ح2154][ج4/21] وهذا كان في آخر الأمر.
وقال بعض أهل العلم : قوله صلى الله عليه وسلم :<< لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع>> يحتمل أمرين ، أحدهما أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع ، وهذا معنى قول ابن عباس
اعدد وأصبح صائما اليوم التاسع والثاني أراد أن يضيفه إليه كالقول الأول .
وهذا ما رجحه ابن القيم رحمه الله حيث قال : والصحيح : أن المراد صوم التاسع مع العشر لا نقل اليوم . ثم ذكر رواية الإمام أحمد التي مرت قريبا .وقال عطاء عن ابن عباس: صوموا التاسع والعشر وخالفوا اليهود. ذكره البيهقي في السنن الكبرى [ج4/287]وهو المراد بقول ابن عباس:فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائما. انتهى كلام ابن القيم بتصرف يسير تهذيب السنن [ج3/323-325] وجامع فقه ابن القيم [ج3/225].
مراتب صوم يوم عاشوراء :
قال ابن القيم رحمه الله : فمراتب صومه ثلاثة : أكملها :1 - أن يصام قبله يوم وبعده يوم يلي ذلك .
2- أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث.
3- يلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم .أما إفراد التاسع ، فمن نقص فهم الآثار ، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها وهو بعيد من اللغة والشرع ، والله الموفق للصواب .
وسلك بعض أهل العلم مسكا آخر فقال : قد ظهر القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها ، وذلك يحصل بأحد أمرين ، إما بنقل العاشر إلى التاسع ، ويصام منفردا ، أو بصيامهما معا ، وقوله : << إن بقيت إلى قابل لأصمن التاسع >> يحتمل الأمرين فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبين لنا مراده ،فكان الاحتياط صيام اليومين معا والطريقة التي ذكرناها أصوب إن شاء الله . انتهى كلام ابن القيم رحمه الله .جامع فقه ابن القيم [ج3/235-236].
وعندي وجه آخر ، وهو أن تحصل المخالفة ، بصيام اليوم التاسع مع العاشر ، أو بصيام يوم العاشر مع الحادي عشر .كا في الحديث عند الإمام أحمدالآنف الذكر.
فائدة: قال ابن القيم: فإن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويم عرفة يكفر سنتين ؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما:أن يوم عرفة في شهر حرام ، وقبله شهر حرام، وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء . [ أي فهو في قبله شهر حرام وليس بعده كذلك ].
الوجه الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات نبينا صلى الله عليه وسلم. والله أعلى وأعلم .
حكم صومه إذا وافق يوم الجمعة أو السبت :
بقي أن نعرف حكم صيام يوم عاشوراء إذا وافق يوم الجمعة ، أو السبت وقد ورد النهي عن كل منهما ، والذي أعتقده ، وأدين الله به مع علمي بما في المسألة من خلاف هو جواز صيامه بشرط أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده ، أو يصوم أكمل مرتبة كما قاله ابن القيم وهي يوم قبله ، ويوم بعده ، وأما النهي عن صيام يوم السبت فالراجح فيه ما عليه الجمهور ،وهو أن النهي عن صيامه إنما هو عن إفراده ،هذا جمعا بين الأدلة ، والعمل بها جميعا أفضل من الترجيح الذي عليه كلا الطرفين ، من أجاز صومه مطلقا ، في الفرض أو مقرونا أو مفردا وأسقط الحديث،ومن قيد صومه بالفرض فقط ومنع من صومه بعد ذلك مطلقا ، والقول الوسط هو ما عليه الجمهور كما قلت .والبحث في المسألة يطول وهي مسألة فقهية محضة لاتفسد للود قضية ، و لا تلغي الأخوة الإيمانية السلفية .
وصلىاللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم إلى يوم الدين.
وكتب حامدا ومصليا
محب العلم والإنصاف على طريق صالح الأسلاف
أبو بكر يوسف لعويسي.
الدويرة الجزائر العاصمة . 5/ 1/ 1430هـ
تعليق