لمؤلفات الفقهية في نجد قبل نهاية القرن الثاني عشر الهجري
أولاً – المؤلفات الفقهية :
شغل الفقه الإسلامي عقول الأمة الإسلامية منذ أن هداها الله إلى الدين الحنيف الوافي الكافي الصالح لكل زمان ومكان ولكل عصر وأوان؛ فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يعرض لهم. وكان الوحي ينزل عليه من السماء بالقول الفصل, الحكم العدل غير القابل للتحريف والتأويل. وحين انقطع الوحي ولحق الرسول بالرفيق الأعلى كان صحابته قد فقهوا في دينهم. وكان بعضهم مرجعًا مهمًا في كثير من المعضلات التي تحدث في هذه الأمة, وهكذا كان العلماء يتسلم الراية بعضهم من بعض, وينظرون فيما يجد في حياتهم من مشاكل على هدي من سبقوهم. ثم يعملون فكرهم بالاستنباط من كتاب الله
وسنة رسوله. حتى بنوا هذا الصرح الشامخ الموطد الأركان القوي الدعائم من الدراسات الفقهية التي واكبت الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل حيث تم وضع الدراسات والأسس والأحكام
والضوابط والشروط لجميع المشاكل الواقعية... وقـد أدى اختـلاف وجهات النظر وتوسع رقعـة البلاد الإسلاميـة إلى نشـأة المذاهب الفقهيـة وتعدد مدارس الفقـه . وتبع كل مذهب
فريق من رجال الفكـر على مر العصور يمحصون قول صاحب المذهب ويستدلون له. وقد يخالفـون بعضًا في بعض المسائل. وأشهـر هـذه المذاهب هي المذاهب الأربعة : المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي, وهناك مذاهب فقهية أخرى. كالمذهب الظاهري وغيره. وقد أثرى هذا الجهد حصيلة الفقه الإسلامي, وملأ جوانبه نقاشًا ودراسة. الأمر الـذي أتاح للأمة علاج مشكلاتها والإفتاء في جميع النـوازل التي وقعـت. وإذا كانت كتب الفقـه في المذاهب المختلفة قد قامت بتسجيل ذلك كله وتشعبت مناهجها في تفصيل ذلك ابتداء من المختصرات الفقهية وانتهاء بالكتب المبسوطة. ومن الكتب التي تناقش مذهبًا واحدًا إلى الكتب التي تتطرق إلى مسائل الخلاف وتناقشها في جميع المذاهب الفقهية ولاسيما المذاهب الفقهية الأربعة السالفة الذكر.
تعريف الفقه :
يعرّف المؤلفون الفقه بأنه استنباط القواعد الأساسية والمسائل الفرعية من الأدلة الشرعية. من كتاب الله وسنة رسوله ثم الإجماع ثم القياس, واستحضار المعلومات الفقهية من مظانها من الأدلة والمراجع ومعرفة أحكام الحوادث نصًا واستنباطًا. وقد قسم الفقهاء مؤلفاتهم الفقهية إلى أبواب متعددة هي العبادات والمعاملات والأنكحة والجنايات والديات والقضاء والدعاوى. ومن بين المذاهب المتعددة الحنبلي. ومن المعروف أن الإمام أحمد بن حنبل لم يؤلف كتابًا في الفقه. وإنما أخذ مذهبه من أقواله وأفعاله وتقريراته, وقد نقل عنه ما يزيد عن 132 عالمًا ترجم لهم مؤلفو طبقات الحنابلة على حروف المعجم, وجمعت فتاواه وأجوبته وأقواله فصارت هي المذهب الحنبلي. ولعل صاحب الفضل في جمع مسائل الإمام أحمد بن حنبل وتتبعها حتى صارت مجلدات تبلغ عشرين سفرًا هو الشيخ الإمام أبوبكر أحمد بن محمد بن محمد بن هارون الخلال, علامة زمانه المتوفى سنة 311هـ. وقد سمي كتابه (جامع الروايات) ولا يزال مخطوطًا. فقد طوف الآفاق ورحل إلى أقصى البلاد في جمع مسائل الإمام أحمد بن حنبل وسماعها ممن سمعها من الإمام أحمد, أو ممن سمعها ممن سمعها من الإمام أحمد, فنال غرضه وحقق مراده وأربه, ووصل إلى ما لم يصل إليه سابق ولم يلحقه بعده لاحق. وقد كان شيوخ المذهب الحنبلي يعترفون له بالفضل والتقدم ويشهدون له بذلك. وقد كان مؤلفه عمدة وأصلاً لمن جاء بعده من الفقهاء الحنابلة. ثم تتابعت المؤلفات الفقهية في المذهب الحنبلي.
وكان فقهاء الديار النجدية يرجعون فيما يشكل عليهم إلى ما ألفه الحنابلة من مؤلفات فقهية في الشام ومصر. والتي كان من أشهرها مؤلفات الشيخ عبدالله بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي المتوفى سنة 618هـ والذي كانت مؤلفاته متسلسلة حسب مستوى الدارس. فطالب العلم المبتدئ يدرس كتاب "العمدة" فإذا أتمه انتقل إلى الدراسة في كتاب "الكافي". فإذا أكمله ورغب في التوسع ومعرفة آراء الفقهاء وأدلة كل رأي في الكتاب والسنة فإنه يدرس كتاب "المغني" ولم يستكف ابن قدامة بهذه المؤلفات الفقهية الأربعة. بل ألف في أصول الفقه كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر" وبذلك جمعت كتب ابن قدامة المقدسي الفقه وأصوله وتدرجت فيها حسب مستوى الطالب. وقد طبعت مؤلفات ابن قدامة المقدسي (العمدة – الكافي – المقنع – المغني – روضة الناظر) عدة طبعات. ولعل أقـدم الطبعـات لهـذه الكتب كانـت على نفقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حيث ضم المغني إلى الشرح الكبير في 12 مجلدًا كبيرًا وتولت طباعته دار المنار بالقاهرة في العقد الرابع من القرن الرابع عشر. كما تولى الشيخ علي آل ثاني حاكم قطر طباعة قسم من هذه المؤلفات على نفقته. ووزعت هذه الطبعات على طلبة العلم الشريف مجانًا. ولم يكتف العلماء بما ألفه ابن قدامة بل جاء من بعده أناس ألفوا مؤلفات فقهية أخرى منها مختصر وآخر متوسط وثالث أميل إلى التوسع والاستيعاب, فهناك مختصر الخرقي, وزاد المستنفع في اختصار المقنع, وأخصر المختصرات ودليل الطالب إلى أهم المطالب بالنسبة للكتب المختصرة, وهناك المنتهى وغاية المنتهى والإقناع وغيرها بالنسبة للكتب المتوسطة, وهناك الإنصاف في مسائل الخلاف الفروع وغيرها بالنسبة للكتب الموسعة.
وقد طبعت هذه الكتب الفقهية عدة طبعات على نفقـة الملك عبد العزيـز بن عبد الرحمن آل سعود وعلى نفقة آل ثاني حكام قطر وغيرهم. وقد استفاد منها طلبة العلم وهذه الكتب المختصرة والمتوسطة والموسعة وضع عليها شروح وحواشٍ وتعليقات. وقد ألف الشيخ عبدالله بن علي بن محمد بن عبد الله بن حميد المتوفى عام 1346هـ كتابًا عدد فيه أسماء الكتب التي ألفها فقهاء الحنابلة طبع أخيرًا بعد تحقيقه. ويوجد منه نسخة مخطوطة في المكتبة السعودية بالرياض واسمه (الدار المنضد في أسماء كتب الإمام أحمد).
والشيخ عبدالله بن علي بن محمد بن عبدالله ابن علي بن عثمان بن علي بن حميد بن غانم من آل ابن غانم. ولد في بلدة عنيزة سنة 1293هـ. ثم انتقل بصحبة والده إلى مكة. حيث تولى إفتاء الحنابلة بعد وفاة جده الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد, نشأ في مكة وقرأ على علمائها حتى أدرك لاسيما في الفقه, وقام بعدد من الرحلات أثناء دراسته العلمية إلى المدينة وعنيزة. ثم تولى إفتاء الحنابلة وإمامة المقام الحنبلي بعد الشيخ أبي بكر خوقير. ودام فيها إلى أن قام الشريف حسين بالثورة على الدولة التركية, فجعل مكانه الشيخ عمر باجنيد الشافعي فعاد إلى عنيزة. وبعد مدة عاد إلى مكة ومكث بها إلى أن توفي وكانت وفاته في الطائف في اليوم الواحد والعشرين من شهر ذي الحجة عام 1346هـ. ولـه أيضًا كتاب (النعت الأكمل في تراجم أصحاب الأمام أحمد بن حنبل) وهو ذيل على "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" تأليف جده الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد.
ثانيًا - المؤلفات الفقهية لعلماء نجد :
نجد هي بلاد فسيحة الأرجاء كانت خالية من الطرق المرصوفة والمعبدة, وكانت مياه الآبار غير متوفرة في الطرق. والمواصلات الوحيدة كانت سفن الصحراء, الجمال, ولم يكن هناك إذاعة أو تلفاز أو صحافة, وكانت تتركز فيها القبائل المتناثرة التي لا يربطها رابط. حتى إن كل قبيلة أشبه بدولة مستقلة عن جارتها إلى درجة كبيرة. وكانت الصحراء تحيط بها من كل جانب, ويكفينا وصف من قاموا باجتيازها من الشمال أو من الشرق أو الغرب من عرب أو مستشرقين, فقد وصف ناصر خسرو علي نجدًا في كتابه (سفرنامه)؛ تعريب يحيى الخشاب ثم تعريب البدلي من جامعة الرياض. وهو من علماء القرن الخامس الهجري توجه من الطائف إلى نجد في 23 من ذي الحجة سنة 442هـ زارها بعده ابن جبير. ثم ابن بطوطة. ثم عدد من المستشرقين ووصفوا ما يعانيه هذا الجزء الكبير من جزيرة العرب من حوادث السلب والنهب والفقر المدقع. ومع كل ذلك فقد كان علماء نجد يُقومون برحلات بين شتى أنحاء الجزيرة العربية ويقومون بأعمال التدريس والتعليم والتأليف. ومن هؤلاء الذين قاسوا شدة ومحنة الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب العمروي التميمي (1070-1160هـ) , والذي وصل إلى بلدة عنيزة سنة 1110هـ. فأوقف لـه بعض الراغبين في العلم والخير منزله ليدرس فيه. فنشر العلم وحث الناس على التعليم ورغبهم فيه. وأعان الطلبة فيما يقدر عليه من مال وكتب وورق. وصار يشير على كل واحد من تلاميذه بكتابة كتاب في الفقه أو التفسير أو غيرهما ويبدؤه له, ثم يساعده عليه, حتى صار للفقه على يد هذا العالم الجليل سوق رائجة , وتواجد منه غريبه, واستحصل بسببه على مكتبة كبيرة. فقد كان كثير المداومة على النسخ والكتابة. حتى إنه كتب بخطه الحسن الفائق في الضبط ما لا يحصى من كتب التفسير والحديث والفقه كبيرها وصغيرها, بحيث لم يعلم ولم يسمع منذ عصور من ضاهاه, أو قاربه في كثرة الكتابة. ونفع الله به أهل عنيزة نفعًا ظاهرًا وكان مواظبًا على التدريس والتعليم, رغم الحوادث والقلاقل والفقر المدقع الذي وصل فيه إلى غايته, فإنه في سنة 1110هـ حفر بئرًا في بلدة المذنب تسمى حاليًّا (القفيفة) وكان لحفره لتلك البئر قصة يحسن إيرادها, فإنه كان يحفر البئر بنفسه. وكان يشارط الصبيان لكي يرفعوا له التراب كل زنبيل بتمرة, وكان يضع التمر عنده في أسفل البئر, ويملأ الزنبيل ترابًا, ثم يضع عليه تمرة, ثم يأمر الصبيان برفع الزنبيل فيرفعوه فيأخذوا ما عليه من تمر وهكذا. واتفق ذات مرة أن سقطت من أعلى الزنبيل تمرة وهو لا يعلم, ولما جذب الصبية الزنبيل وجدوا أن ليس عليه تمر فكبوا عليه التراب وهربوا وتركوه. هذه هو أقل دليل على ما عاناه هذا العالم الجليل من فقر مدقع. ومع ذلك فقد كان شديد الحرص على جمع الكتب, كثير الشراء لها, والنسخ لمحتوياتها. وكان يرسل في طلبها إلى البلدان الأخرى. وإذا كان الطريق مخوفًا أرسل فارسًا من فرسان الأمير يأتي إليه بالكتاب المطلوب فينسخ الكتاب هو أو أحد تلاميذه. ثم يعيد الكتاب إلى صاحبه, هكذا كانت همته ورغبته, وكان لا يصرفه عن هذه الرغبة صارف. وكان يبذل في جمع الكتب الأثمان الكثيرة رغم فقره, وكان المسافرون من أهل نجد إلى الشام أو بغداد وغيرها يتقصدون شراء الكتب ثم يهدونها إليه, فلا يوجد تحفة أعظم منها. حتى إنه جمع من هذه الكتب الجليلة شيئًا عظيمًا. وكان كل كتاب يحصل عليه يجري عليه تعليقات وهوامش لا تخلو من فائدة. ولكن مع الأسف تفرقت كتبه على كثرتها بعد وفاته وتشتتت؛ هذا مثال من أمثلة كثيرة لحال العلماء في نجد وفقرهم مع إصرارهم الشديد على الدرس والتدريس.
وقد اطلع الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد صاحب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة على بعض الكتب التي خطها الشيخ عبدالله بن أحمد ابن عضيب بخط يده, وذكر أن منها تفسير البغوي والإتقان والقاموس المحيط وقواعد ابن رجب وغاية المنتهى وشرح الإقناع ومتنه وشرح المنتهى ومتنه وحاشية الإقناع وحاشية المنتهى.
ولم يقتصر العلماء على الدرس والتدريس في ديارهم بل بادروا إلى الرحلات وجلب المؤلفات. ولما رأى بعض العلماء الذين لهم جدارة ومعرفة أن العلم قد بدأ في الانتشار في شتى الأنحاء النجدية. إضافة إلى بعدها عن المصدر الفقهي في كل من الشام والعراق ومصر على الرغم من الرحلات المتوالية لهذه البلاد ابتداء من القرن التاسع حتى انتشرت الدعوة الإصلاحية في نجد بفضل رائدها الشيخ محمد بن عبدالوهاب 1115-1206هـ.
وقد أخذوا على عاتقهم القيام بتأليف كتب فقهية إضافة إلى قيامهم بأعمال التدريس والقضاء والإمامة والحسبة وغيرها من الوظائف مع صعوبة الحال في البلاد, رغم الفقر المدقع والحروب المتوالية وقد زاد ما نعرفه من هذه المؤلفات على خمسة وعشرين كتابًا. وفيما يلي بيان تفصيلي لها حسب الحروف الأبجدية :
1 – إبداء المجهود في جواب سؤال ابن داوود. تأليـف الشيخ عبـد الوهاب بن محمد بن
عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب بن عبد الله بن فيروز بن بسام بن عقبة بن ريس بن زاخر بن محمد ابن علوي بن وهيب. وذلك أن تلميذه عبد الله بن داوود الزبيري المتوفى سنة 1225هـ والذي كان في الأصل من أهل بلدة حرمة حيث ولد بها وتوفي في الزبير قد سأله شيخه ابن فيروز "عن القول المرجوح, وعن المقلد المذهبي وعن الناقل المجرد", ولا يزال مخطوطًا, جاء في بعض نسخ (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة) نقلاً عن عبدالله بن غملاس (كذلك أخبرني أنها موجودة عنده).
والشيخ عبدالوهاب ولد يوم الثلاثاء بين الظهر والعصر في شهر جمادى الآخرة سنة 1172هـ في الأحساء, وقرأ بها الحديث وأصوله والنحو والبلاغة والفقه والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهيئة وغير ذلك, وجد واجتهد حتى صار من علماء زمانه, وله من المؤلفات :
أ – شرح الجوهر المكنون للأخضري في البلاغة (المعاني والبيان والبديع) حيث قال: عنه والده الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز : (وله شرح على منظومة الأخضري في العلوم الثلاثة وقد تابعت الشرح حتى بلغت فيه إلى الإسناد. ثم حصل لي ظروف صرفتني عن تتميمه بحيث مهر في هذا الفن). وجاء في هامش بعض نسخ السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة: (أخبرني ملا عبدالله الغملاس. أنه موجود عند بعض الفضلا).
ب – زوال اللبس عمن أراد بيان ما يمكن أن يطلع الله أحدًا من خلقه من المغيبات الخمس.
جـ - تعليقات على التصريح شرح التوضيح في النحو.
د – تعليق على شرح عقود الجمان للمرشدي.
هـ - تعليق على شرح جمع الجوامع للسبكي في أصول الفقه.
و – قصائد ومقطوعات بليغة.
ومات قبل أن ينهي بعض مؤلفاته وكانت وفاته في الزبارة من إمارة قطر في اليوم السابع من شهر رمضان سنة 1205هـ. وله من العمر 33 سنة. كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد في كتابه السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة وذكر الشيخ عثمان بن عبدالله بن بشر في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد أن وفاته سنة 1203هـ كما ذكر الشيخ عثمان بن سعد في كتابه سبائك العسجد أن وفاته سنة 1200هـ أما صاحب النعت الأكمل فقد ذكر أن وفاته كانت سنة 1204هـ.
2 – الأجوبة الفقهية. تأليف الشيخ سليمان ابن علي بن محمد بن مشرف الوهيبي التميمي المتوفى سنة 1079هـ/1668م أحد علماء نجد المشهورين، كان واسع العلم والفقه, حيث أكثر الشيخ أحمد بن محمد المنقور من النقل عنه في كتابه الفواكه العديدة والمسائل المفيدة حتى بلغت هذه النقول 64 نقلاً منها 42 نقلاً في الجزء الأول منه, والبقية في الجزء الثاني, ويقع ترتيبه في المرتبة الرابعة بالنسبة للعلماء الذين نقل عنهم الشيخ أحمد بن محمد المنقور بعد شيخه عبد الله ابن محمد بن ذهلان المتوفى سنة 1099هـ , ثم الشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة المتوفى سنة 948هـ, ثم الشيخ أحمد بن محمد بن إسماعيل الأشيقري قاضي أشيقر المتوفى سنة 1059هـ, الأمر الذي يدل على سعة اطلاع الشيخ سليمان ابن علي وكثرة علمه فإن آثاره تدل على سعة علمه وفقهه، وقد صار رحمه الله هو المرجع في زمنه في الفتوى وذكر الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد في السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة أن فتاواه تبلغ مجلدًا.
على كل فإن هذا الكتاب قد ذكره عمر رضا كحالة في كتاب "معجم المؤلفين" وليس هذا الكلام صحيحًا إلا إذا كان المقصود به الفتاوى التي أفتى بها الشيخ سليمان بن علي بن مشرف, فإن الشيخ سليمان كان سديد الفتاوى والتحريرات. قال عنه كل من :
أ – الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام في كتابه "علماء نجد خلال ثمانية قرون" : [وقد اطلعت على كراسة تحتوي على واحد وثلاثين سؤالاً والجواب عليها, فالسؤال من تلميذه الشيخ محمد بن عبدالله بن إسماعيل والجواب من المترجم له. وقد طبعت ضمن الرسائل والمسائل النجدية. وكان تلميذه الشيخ محمد بن عبدالله بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة 1109هـ, حفيدًا لشيخه العلامة الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المتوفى سنة 1059هـ ، فكان الشيخ سليمان يذكره بفتاوى جده. فقد جاء بالجزء الأول من مجموعة الرسائل والمسائل النجدية صفحة 517 قول الشيخ سليمان لتلميذه المذكور : (وجدك – رحمه الله – يقول إمام ونحوه يملك الثمرة بالظهور) يعني بذلك إمام المسجد الموقوف عليه ثمرة النخل].
ب – وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام أيضًا وهو يتحدث عن تلميذه الشيخ محمد ابن عبدالله بن إسماعيل في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون : (يعد من كبار علماء بلده. ومن حرصه على الاستفادة من شيخه العلامة سليمان بن علي بن مشرف رحمه الله تعالى أنني اطلعت على كراسة تحوي ثلاثين مسألة من مسائل الفقه , السؤال مكتوب بقلم المترجم لـه والجواب عليه بقلم شيخ الشيخ سليمان بن على ابن مشرف – رحمهما الله تعالى – كما اطلعت على إجابات سديدة لـه على أسئلة عديدة منها كراسة في آخرها : (وسئل الشيخ محمد بن عبدالله بن محمد بن إسماعيل عفا الله عنه عن مسائل فأجاب عنها بما تيسر من خط صالح بن شبل). وكان شيخه الشيخ سليمان بن علي تلميذًا لجده الشيخ محمد بن إسماعيل. فكان إذا أشكل على التلميذ المترجم لـه شيء من مسائل العلم وسأل شيخه عنه قال له في بعضها هذه أفتى بها جدك. وله رسالة جوابية فقهية طبعت مع فتاوى علماء نجد في مطابع المنار في الجزء الأول منها، وهذه الرسالة تقع في 12 صفحة، توجد في القسم الثالث من الجزء الأول ابتداء من صفحة 510 وحتى 522 حيث توجد فتويان من فتاوى الشيخ سليمان بن علي بن مشرف.
جـ - اطلع الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن ابن بسام صاحب كتاب علماء نجد خلال ثمانية قرون على كراسة تحتوي على أربعين سؤالاً موجهة من الشيخ أحمد بن محمد القصير الأشيقري المتوفى سنة 1121هـ إلى شيخه الشيخ العلامة الفقيه سليمان بن علي بن مشرف. وهو جد الشيخ محمد بن عبدالوهاب, فقد كان الشيخ أحمد بن محمد القصير من أشهر تلاميذه والإجابة عليها في الفقه منتهية بهذه العبارة : (قال ذلك سليمان بن علي – مجيبًا – غفر الله لهما – وكثيرًا ما يذكر في أجوبته على المسائل إن هذا اختيار شيخه الشيخ سليمان بن علي).
د – وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام : [وسئل عن مسائل عديدة فأجاب عنها بأجوبة محررة مفيدة : فقد بلغ المحفوظ منها الآن أكثر من سبعمائة جواب مفرقة من بعض المطبوعات وأكثرها لا يزال مخطوطًا... إلخ].
هـ - قام الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بجمع مسائل الشيخ سليمان بن علي بن مشرف وفتاواه ورتبها وعلق عليها وقامت مكتبة المعارف بالرياض بطبع هذا الكتاب بـ 88 صفحة تحت اسم (مسائل الشيخ سليمان بن علي ابن مشرف جد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله) وقدم لها بقولـه : (الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على إمام المتقين. سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد فهذه مسائل وأجوبة للشيخ الفقيه الثقة سليمان بن علي ابن مشرف جد الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعًا, جمعها بعد أن كانت مفرقة في كتاب "الفواكه العديدة في المسائل المفيدة". ومن ملخص الفواكه العديدة ومن كتاب "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية". ومن "حاشية الشيخ الفقيه عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين على الروض المربع". ومن حاشية الشيخ الفقيه "عبدالله ابن عبدالعزيز العنقري على الروض المربع") وقد طبع هذا الكتاب في عام 1406هـ/1985م وقد رتبت هذه المسائل حسب أبواب الفقه ابتداءً بالطهارة ثم الصلاة ثم الجنازة والزكاة والحج والأضاحي والبيع والوقف والوصايا والهبة والعطية والعتق والنكاح والخلع والطلاق والعدة والجنايات والحدود والأطعمة والقضاء والقسمة والدعاوى والبيانات والشهادات والإقرار ثم ختم الكتاب بالفهرس.
3 – أرجوزة في الفقه الحنبلي. تأليف الشيخ حميدان بن تركي بن علي بن مانع بن نغامش من أسرة آل تركي المقيمين في عنيزة (1130ـ1203هـ).
قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون : (وهذه الأسرة يرجع نسبها إلى قبيلة بني خالد التي هي متفرعة من بني عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان. فهي قبيلة عامرية هوازنية قيسية مضرية عدنانية. وأول من قدم عنيزة من آل تركي هو جدهم نغامش. قدمها من قرية الهلالية بالقصيم ولا تزال بقاياهم في هذه القرية, ويوجد في عنيزة بئر تسمى النغيمشية دخلت منذ مدة طويلة في بستان أحمد الحمد البسام).
وقد ولد الشيخ حميدان في وطنه ووطن عشيرته عنيزة إحدى مدن القصيم عام 1130هـ ونشأ فيها وأخذ مبادئ الكتابة والقراءة وقراءة القرآن الكريم تلاوة وحفظًا وكانت القصيم في ذلك الوقت خالية من العلماء, وأعلم من كان فيها من كان يحسن القراءة والكتابة ويتلو القرآن ويؤم الناس ويعقد الأنكحة, واستمر هذا الوضع حتى قدم العلامة الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب إلى القصيم سنة 1110هـ. فلازمه الشيخ حميدان ملازمة تامة وقرأ عليه الكثير من كتب العلم وانتفع بعلمه انتفاعًا كبيرًا، قال الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد في كتابه السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة : (ومهر في الفقه حتى صار عين تلاميذ شيخه. وحصل كتبًا نفيسة أكثرها شراءً من تركة شيخه المذكور, ومن تركة أخيه منصور بن تركي فقد كان حسن الخط كتب كتبًا جليلة مع ما اشتراه, ثم تصدى للتدريس والإفتاء. ثم سافر إلى المدينة المنورة بأهله وعياله فأحبه أهلها خاصهم وعامهم وعظموه لما هو عليه من الديانة والصيانة والورع والصلاح وقرأ عليه حنابلتها وانتفعوا به وله أجوبة في الفقه عديدة ومباحث فيه سديدة وقد وقف كتبه جميعها, وهي كتب كثيرة مشتملة على غرائب ونفائس من المخطوطات) وقد كاتبه الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – فيمن كاتب من علماء نجد لدعوته للعقيدة السلفية المحضة فلم يرتح لها. فلما استولى الإمام عبدالعزيز بن محمد على القصيم غادر عنيزة إلى المدينة. ونقل معه مكتبته الكبيرة وأقام فيها حتى توفي على أننا لم نسمع أنه عارض الدعوة برسائل أو مؤلفات, كما جرى من بعض معاصريه. وله تلاميذ كثيرون أكثرهم من تلاميذ شيخه الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب. كما أنه كان عمدة الحنابلة في المدينة المنورة, وقد اشتهر ابنه محمد الذي قال عنه الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد في كتابه "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" عنه : (محمد بن الشيخ حميدان رجل صالح متعبد متورع إلا أنه في الفهم قاصر) وقال عنه ابنه الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن حميدان في تاريخه المخطوط : (وفي سنة 1222هـ توفي الشيخ محمد بن حميدان في عنيزة). وقد خلف محمد ابنين هما الشيخ عبدالوهاب والشيخ عبدالعزيز. فأما الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن حميدان فعالم كبير له بعض المؤلفات منها :
أ – شرح على شواهد قطر الندى لابن هشام. ويقع في نحو 80 صفحة اطلع عليه الشيخ البسام.
ب – نبذة تاريخية عن بعض حوادث نجد في زمنه, وقد أثنى الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد في كتابه "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" ثناءً عاطرًا عليه, وتوفي سنة 1237هـ.
أما الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن حميدان ابن تركي, فلا يعلم شيء من أخباره سوى أنه يوجد له رسالة خطية في علم الحساب. وحميدان له عقب في خبوب بريدة يقيمون فيه حتى الآن. قال حفيده الشيخ عبدالوهاب بن تركي في تاريخه: (في سنة 1203هـ. توفي الشيخ الجليل ذو القدر الجليل الشيخ حميدان بن تركي بن حميدان في المدينة المنورة). وقد دفن في البقيع بجانب السور وبكاه الناس وأسفوا لفقده لصلاحه وعلمه – رحمه الله تعالى آمين – وعفا عنا وعنه).
4 – الإسعاف في إجازة الأوقاف. وهي رسالة صغيرة مخطوطة من تأليف الشيخ عثمان بن أحمد ابن سعيد بن عثمان بن قائد النجدي المولود في العيينة إحدى الديار النجدية في سنة 1022هـ والمتوفى في اليوم الرابع عشر من شهر جمادى الأولى بالقاهرة 1097هـ. وله مؤلفات في غير علوم التوحيد والفقه ومن أهمها :
أ – رسالة في أي المشددة وذكر أقوال علماء النحو فيها رتبها على ثلاثة فصول وخاتمة. وقد جعل الفصل الأول في أقسام أي المشددة, والفصل الثاني فيما يلزمها من الأوصاف. والفصل الثالث في أي الموصولة. والخاتمة فيما يتعلق بأي الموصولة. ويوجد من هذه الرسالة عدة نسخ في برلين ودمشق والقاهرة وتطوان بالمغرب وفي تركيا, وقد طبعت الرسالة عن ثلاث نسخ خطية. منها نسختان في دار الكتب المصرية.
أولاهما نسخة تقع في خمس ورقات منقولة عن خط المؤلف سنة 1154هـ حيث كتبها حسن ابن نصار بن منصور الحنبلي التباوي في الجامع الأزهر بالقاهرة وهي تحت الرقم 70م وهي موجودة في الخزانة التيمورية في دار الكتب المصرية، والأخرى في تسع ورقات في المجموع رقم 105 منقولة عن الأولى الموجودة في الدار المذكورة ضمن مجموعة في النحو من كتب مصطفى باب برقم 70، ويوجد نسخة ثالثة في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم 204 نحو وقد طبعت بتحقيق عبدالفتاح الحمور سنة 1406هـ/1986م ونشرت بدار الفيحاء ودار عمان بعمان بـ 72 صفحة.
ب – رسالة في (لو) حرف الشرط أسماها (كشف الضوء عن معنى لو) توجد منها نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم 209 نحو, ويوجد في مركز الملك فيصل ضمن مجموع نسخة أخرى فيها وقد طبعت هذه الرسالة أخيرًا.
ج – شرح البسملة.
د – اختصر "درة الغواص في أوهام الخواص" في اللغة العربية, وكان الأصل للحريري العالم اللغوي المعروف صاحب المقامات المشهورة مع تعقيبات يسيرة عليها وتوجد في مكتبة برلين قال عنها عبدالرحمن بن سليمان العثيمين وكتبها بخطه.
هـ - رسالة في قهوة البن. وهذه الكتب في النحو والفقه والأدب.
و – يوجد مجموعة من الرسائل الفقهية المخطوطة في مكتب أوقاف بغداد, وذكر عبدالرحمن بن سليمان العثيمين أنه يوجد ضمن مجموع في مكتبة برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان خطه حسنًا مضبوطًا إلى الغاية.
5 – الأفعى.. وهي رسالة في تحريم الدخان. ألفها الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب الناصري التميمي المولود سنة 1070هـ المتوفى في شعبان عام 1160هـ وقيل في عام 1161هـ. وكان رحمه الله عالمًا فقيهًا, حيث أثنى عليه الكثير من العلماء أشهرهم الشيخ محمد بن عبدالله ابن حميد صاحب كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة حيث قال: (كان ذا همة في العلم وقوة فيه تزداد رغبته في العلم كلما طعن في السن لا يضجر من كثرة الدروس والمباحثة والمذاكرة والمراجعة, كثير الإدمان على النسخ, فكتب بخطه المتوسط في الحسن الفائق في الضبط ما لا يحصى كثرة من كتب التفسير والحديث, وكتب الفقه الكبار وغيرهـا بحيث لم أر ولم أسمع منذ أعصار من يضاهيه أو يقارنـه في كثرة ما كتب... ألخ). وكان له رحمه الله عدد من الرسائل من أهمها :
أ – اختصاره القاموس المحيط للفيروزأبادي.
ب – مقطوعة في نظم الظآت في القرآن الكريم.
أولاً – المؤلفات الفقهية :
شغل الفقه الإسلامي عقول الأمة الإسلامية منذ أن هداها الله إلى الدين الحنيف الوافي الكافي الصالح لكل زمان ومكان ولكل عصر وأوان؛ فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يعرض لهم. وكان الوحي ينزل عليه من السماء بالقول الفصل, الحكم العدل غير القابل للتحريف والتأويل. وحين انقطع الوحي ولحق الرسول بالرفيق الأعلى كان صحابته قد فقهوا في دينهم. وكان بعضهم مرجعًا مهمًا في كثير من المعضلات التي تحدث في هذه الأمة, وهكذا كان العلماء يتسلم الراية بعضهم من بعض, وينظرون فيما يجد في حياتهم من مشاكل على هدي من سبقوهم. ثم يعملون فكرهم بالاستنباط من كتاب الله
وسنة رسوله. حتى بنوا هذا الصرح الشامخ الموطد الأركان القوي الدعائم من الدراسات الفقهية التي واكبت الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل حيث تم وضع الدراسات والأسس والأحكام
والضوابط والشروط لجميع المشاكل الواقعية... وقـد أدى اختـلاف وجهات النظر وتوسع رقعـة البلاد الإسلاميـة إلى نشـأة المذاهب الفقهيـة وتعدد مدارس الفقـه . وتبع كل مذهب
فريق من رجال الفكـر على مر العصور يمحصون قول صاحب المذهب ويستدلون له. وقد يخالفـون بعضًا في بعض المسائل. وأشهـر هـذه المذاهب هي المذاهب الأربعة : المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي, وهناك مذاهب فقهية أخرى. كالمذهب الظاهري وغيره. وقد أثرى هذا الجهد حصيلة الفقه الإسلامي, وملأ جوانبه نقاشًا ودراسة. الأمر الـذي أتاح للأمة علاج مشكلاتها والإفتاء في جميع النـوازل التي وقعـت. وإذا كانت كتب الفقـه في المذاهب المختلفة قد قامت بتسجيل ذلك كله وتشعبت مناهجها في تفصيل ذلك ابتداء من المختصرات الفقهية وانتهاء بالكتب المبسوطة. ومن الكتب التي تناقش مذهبًا واحدًا إلى الكتب التي تتطرق إلى مسائل الخلاف وتناقشها في جميع المذاهب الفقهية ولاسيما المذاهب الفقهية الأربعة السالفة الذكر.
تعريف الفقه :
يعرّف المؤلفون الفقه بأنه استنباط القواعد الأساسية والمسائل الفرعية من الأدلة الشرعية. من كتاب الله وسنة رسوله ثم الإجماع ثم القياس, واستحضار المعلومات الفقهية من مظانها من الأدلة والمراجع ومعرفة أحكام الحوادث نصًا واستنباطًا. وقد قسم الفقهاء مؤلفاتهم الفقهية إلى أبواب متعددة هي العبادات والمعاملات والأنكحة والجنايات والديات والقضاء والدعاوى. ومن بين المذاهب المتعددة الحنبلي. ومن المعروف أن الإمام أحمد بن حنبل لم يؤلف كتابًا في الفقه. وإنما أخذ مذهبه من أقواله وأفعاله وتقريراته, وقد نقل عنه ما يزيد عن 132 عالمًا ترجم لهم مؤلفو طبقات الحنابلة على حروف المعجم, وجمعت فتاواه وأجوبته وأقواله فصارت هي المذهب الحنبلي. ولعل صاحب الفضل في جمع مسائل الإمام أحمد بن حنبل وتتبعها حتى صارت مجلدات تبلغ عشرين سفرًا هو الشيخ الإمام أبوبكر أحمد بن محمد بن محمد بن هارون الخلال, علامة زمانه المتوفى سنة 311هـ. وقد سمي كتابه (جامع الروايات) ولا يزال مخطوطًا. فقد طوف الآفاق ورحل إلى أقصى البلاد في جمع مسائل الإمام أحمد بن حنبل وسماعها ممن سمعها من الإمام أحمد, أو ممن سمعها ممن سمعها من الإمام أحمد, فنال غرضه وحقق مراده وأربه, ووصل إلى ما لم يصل إليه سابق ولم يلحقه بعده لاحق. وقد كان شيوخ المذهب الحنبلي يعترفون له بالفضل والتقدم ويشهدون له بذلك. وقد كان مؤلفه عمدة وأصلاً لمن جاء بعده من الفقهاء الحنابلة. ثم تتابعت المؤلفات الفقهية في المذهب الحنبلي.
وكان فقهاء الديار النجدية يرجعون فيما يشكل عليهم إلى ما ألفه الحنابلة من مؤلفات فقهية في الشام ومصر. والتي كان من أشهرها مؤلفات الشيخ عبدالله بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي المتوفى سنة 618هـ والذي كانت مؤلفاته متسلسلة حسب مستوى الدارس. فطالب العلم المبتدئ يدرس كتاب "العمدة" فإذا أتمه انتقل إلى الدراسة في كتاب "الكافي". فإذا أكمله ورغب في التوسع ومعرفة آراء الفقهاء وأدلة كل رأي في الكتاب والسنة فإنه يدرس كتاب "المغني" ولم يستكف ابن قدامة بهذه المؤلفات الفقهية الأربعة. بل ألف في أصول الفقه كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر" وبذلك جمعت كتب ابن قدامة المقدسي الفقه وأصوله وتدرجت فيها حسب مستوى الطالب. وقد طبعت مؤلفات ابن قدامة المقدسي (العمدة – الكافي – المقنع – المغني – روضة الناظر) عدة طبعات. ولعل أقـدم الطبعـات لهـذه الكتب كانـت على نفقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حيث ضم المغني إلى الشرح الكبير في 12 مجلدًا كبيرًا وتولت طباعته دار المنار بالقاهرة في العقد الرابع من القرن الرابع عشر. كما تولى الشيخ علي آل ثاني حاكم قطر طباعة قسم من هذه المؤلفات على نفقته. ووزعت هذه الطبعات على طلبة العلم الشريف مجانًا. ولم يكتف العلماء بما ألفه ابن قدامة بل جاء من بعده أناس ألفوا مؤلفات فقهية أخرى منها مختصر وآخر متوسط وثالث أميل إلى التوسع والاستيعاب, فهناك مختصر الخرقي, وزاد المستنفع في اختصار المقنع, وأخصر المختصرات ودليل الطالب إلى أهم المطالب بالنسبة للكتب المختصرة, وهناك المنتهى وغاية المنتهى والإقناع وغيرها بالنسبة للكتب المتوسطة, وهناك الإنصاف في مسائل الخلاف الفروع وغيرها بالنسبة للكتب الموسعة.
وقد طبعت هذه الكتب الفقهية عدة طبعات على نفقـة الملك عبد العزيـز بن عبد الرحمن آل سعود وعلى نفقة آل ثاني حكام قطر وغيرهم. وقد استفاد منها طلبة العلم وهذه الكتب المختصرة والمتوسطة والموسعة وضع عليها شروح وحواشٍ وتعليقات. وقد ألف الشيخ عبدالله بن علي بن محمد بن عبد الله بن حميد المتوفى عام 1346هـ كتابًا عدد فيه أسماء الكتب التي ألفها فقهاء الحنابلة طبع أخيرًا بعد تحقيقه. ويوجد منه نسخة مخطوطة في المكتبة السعودية بالرياض واسمه (الدار المنضد في أسماء كتب الإمام أحمد).
والشيخ عبدالله بن علي بن محمد بن عبدالله ابن علي بن عثمان بن علي بن حميد بن غانم من آل ابن غانم. ولد في بلدة عنيزة سنة 1293هـ. ثم انتقل بصحبة والده إلى مكة. حيث تولى إفتاء الحنابلة بعد وفاة جده الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد, نشأ في مكة وقرأ على علمائها حتى أدرك لاسيما في الفقه, وقام بعدد من الرحلات أثناء دراسته العلمية إلى المدينة وعنيزة. ثم تولى إفتاء الحنابلة وإمامة المقام الحنبلي بعد الشيخ أبي بكر خوقير. ودام فيها إلى أن قام الشريف حسين بالثورة على الدولة التركية, فجعل مكانه الشيخ عمر باجنيد الشافعي فعاد إلى عنيزة. وبعد مدة عاد إلى مكة ومكث بها إلى أن توفي وكانت وفاته في الطائف في اليوم الواحد والعشرين من شهر ذي الحجة عام 1346هـ. ولـه أيضًا كتاب (النعت الأكمل في تراجم أصحاب الأمام أحمد بن حنبل) وهو ذيل على "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" تأليف جده الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد.
ثانيًا - المؤلفات الفقهية لعلماء نجد :
نجد هي بلاد فسيحة الأرجاء كانت خالية من الطرق المرصوفة والمعبدة, وكانت مياه الآبار غير متوفرة في الطرق. والمواصلات الوحيدة كانت سفن الصحراء, الجمال, ولم يكن هناك إذاعة أو تلفاز أو صحافة, وكانت تتركز فيها القبائل المتناثرة التي لا يربطها رابط. حتى إن كل قبيلة أشبه بدولة مستقلة عن جارتها إلى درجة كبيرة. وكانت الصحراء تحيط بها من كل جانب, ويكفينا وصف من قاموا باجتيازها من الشمال أو من الشرق أو الغرب من عرب أو مستشرقين, فقد وصف ناصر خسرو علي نجدًا في كتابه (سفرنامه)؛ تعريب يحيى الخشاب ثم تعريب البدلي من جامعة الرياض. وهو من علماء القرن الخامس الهجري توجه من الطائف إلى نجد في 23 من ذي الحجة سنة 442هـ زارها بعده ابن جبير. ثم ابن بطوطة. ثم عدد من المستشرقين ووصفوا ما يعانيه هذا الجزء الكبير من جزيرة العرب من حوادث السلب والنهب والفقر المدقع. ومع كل ذلك فقد كان علماء نجد يُقومون برحلات بين شتى أنحاء الجزيرة العربية ويقومون بأعمال التدريس والتعليم والتأليف. ومن هؤلاء الذين قاسوا شدة ومحنة الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب العمروي التميمي (1070-1160هـ) , والذي وصل إلى بلدة عنيزة سنة 1110هـ. فأوقف لـه بعض الراغبين في العلم والخير منزله ليدرس فيه. فنشر العلم وحث الناس على التعليم ورغبهم فيه. وأعان الطلبة فيما يقدر عليه من مال وكتب وورق. وصار يشير على كل واحد من تلاميذه بكتابة كتاب في الفقه أو التفسير أو غيرهما ويبدؤه له, ثم يساعده عليه, حتى صار للفقه على يد هذا العالم الجليل سوق رائجة , وتواجد منه غريبه, واستحصل بسببه على مكتبة كبيرة. فقد كان كثير المداومة على النسخ والكتابة. حتى إنه كتب بخطه الحسن الفائق في الضبط ما لا يحصى من كتب التفسير والحديث والفقه كبيرها وصغيرها, بحيث لم يعلم ولم يسمع منذ عصور من ضاهاه, أو قاربه في كثرة الكتابة. ونفع الله به أهل عنيزة نفعًا ظاهرًا وكان مواظبًا على التدريس والتعليم, رغم الحوادث والقلاقل والفقر المدقع الذي وصل فيه إلى غايته, فإنه في سنة 1110هـ حفر بئرًا في بلدة المذنب تسمى حاليًّا (القفيفة) وكان لحفره لتلك البئر قصة يحسن إيرادها, فإنه كان يحفر البئر بنفسه. وكان يشارط الصبيان لكي يرفعوا له التراب كل زنبيل بتمرة, وكان يضع التمر عنده في أسفل البئر, ويملأ الزنبيل ترابًا, ثم يضع عليه تمرة, ثم يأمر الصبيان برفع الزنبيل فيرفعوه فيأخذوا ما عليه من تمر وهكذا. واتفق ذات مرة أن سقطت من أعلى الزنبيل تمرة وهو لا يعلم, ولما جذب الصبية الزنبيل وجدوا أن ليس عليه تمر فكبوا عليه التراب وهربوا وتركوه. هذه هو أقل دليل على ما عاناه هذا العالم الجليل من فقر مدقع. ومع ذلك فقد كان شديد الحرص على جمع الكتب, كثير الشراء لها, والنسخ لمحتوياتها. وكان يرسل في طلبها إلى البلدان الأخرى. وإذا كان الطريق مخوفًا أرسل فارسًا من فرسان الأمير يأتي إليه بالكتاب المطلوب فينسخ الكتاب هو أو أحد تلاميذه. ثم يعيد الكتاب إلى صاحبه, هكذا كانت همته ورغبته, وكان لا يصرفه عن هذه الرغبة صارف. وكان يبذل في جمع الكتب الأثمان الكثيرة رغم فقره, وكان المسافرون من أهل نجد إلى الشام أو بغداد وغيرها يتقصدون شراء الكتب ثم يهدونها إليه, فلا يوجد تحفة أعظم منها. حتى إنه جمع من هذه الكتب الجليلة شيئًا عظيمًا. وكان كل كتاب يحصل عليه يجري عليه تعليقات وهوامش لا تخلو من فائدة. ولكن مع الأسف تفرقت كتبه على كثرتها بعد وفاته وتشتتت؛ هذا مثال من أمثلة كثيرة لحال العلماء في نجد وفقرهم مع إصرارهم الشديد على الدرس والتدريس.
وقد اطلع الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد صاحب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة على بعض الكتب التي خطها الشيخ عبدالله بن أحمد ابن عضيب بخط يده, وذكر أن منها تفسير البغوي والإتقان والقاموس المحيط وقواعد ابن رجب وغاية المنتهى وشرح الإقناع ومتنه وشرح المنتهى ومتنه وحاشية الإقناع وحاشية المنتهى.
ولم يقتصر العلماء على الدرس والتدريس في ديارهم بل بادروا إلى الرحلات وجلب المؤلفات. ولما رأى بعض العلماء الذين لهم جدارة ومعرفة أن العلم قد بدأ في الانتشار في شتى الأنحاء النجدية. إضافة إلى بعدها عن المصدر الفقهي في كل من الشام والعراق ومصر على الرغم من الرحلات المتوالية لهذه البلاد ابتداء من القرن التاسع حتى انتشرت الدعوة الإصلاحية في نجد بفضل رائدها الشيخ محمد بن عبدالوهاب 1115-1206هـ.
وقد أخذوا على عاتقهم القيام بتأليف كتب فقهية إضافة إلى قيامهم بأعمال التدريس والقضاء والإمامة والحسبة وغيرها من الوظائف مع صعوبة الحال في البلاد, رغم الفقر المدقع والحروب المتوالية وقد زاد ما نعرفه من هذه المؤلفات على خمسة وعشرين كتابًا. وفيما يلي بيان تفصيلي لها حسب الحروف الأبجدية :
1 – إبداء المجهود في جواب سؤال ابن داوود. تأليـف الشيخ عبـد الوهاب بن محمد بن
عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب بن عبد الله بن فيروز بن بسام بن عقبة بن ريس بن زاخر بن محمد ابن علوي بن وهيب. وذلك أن تلميذه عبد الله بن داوود الزبيري المتوفى سنة 1225هـ والذي كان في الأصل من أهل بلدة حرمة حيث ولد بها وتوفي في الزبير قد سأله شيخه ابن فيروز "عن القول المرجوح, وعن المقلد المذهبي وعن الناقل المجرد", ولا يزال مخطوطًا, جاء في بعض نسخ (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة) نقلاً عن عبدالله بن غملاس (كذلك أخبرني أنها موجودة عنده).
والشيخ عبدالوهاب ولد يوم الثلاثاء بين الظهر والعصر في شهر جمادى الآخرة سنة 1172هـ في الأحساء, وقرأ بها الحديث وأصوله والنحو والبلاغة والفقه والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهيئة وغير ذلك, وجد واجتهد حتى صار من علماء زمانه, وله من المؤلفات :
أ – شرح الجوهر المكنون للأخضري في البلاغة (المعاني والبيان والبديع) حيث قال: عنه والده الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز : (وله شرح على منظومة الأخضري في العلوم الثلاثة وقد تابعت الشرح حتى بلغت فيه إلى الإسناد. ثم حصل لي ظروف صرفتني عن تتميمه بحيث مهر في هذا الفن). وجاء في هامش بعض نسخ السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة: (أخبرني ملا عبدالله الغملاس. أنه موجود عند بعض الفضلا).
ب – زوال اللبس عمن أراد بيان ما يمكن أن يطلع الله أحدًا من خلقه من المغيبات الخمس.
جـ - تعليقات على التصريح شرح التوضيح في النحو.
د – تعليق على شرح عقود الجمان للمرشدي.
هـ - تعليق على شرح جمع الجوامع للسبكي في أصول الفقه.
و – قصائد ومقطوعات بليغة.
ومات قبل أن ينهي بعض مؤلفاته وكانت وفاته في الزبارة من إمارة قطر في اليوم السابع من شهر رمضان سنة 1205هـ. وله من العمر 33 سنة. كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد في كتابه السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة وذكر الشيخ عثمان بن عبدالله بن بشر في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد أن وفاته سنة 1203هـ كما ذكر الشيخ عثمان بن سعد في كتابه سبائك العسجد أن وفاته سنة 1200هـ أما صاحب النعت الأكمل فقد ذكر أن وفاته كانت سنة 1204هـ.
2 – الأجوبة الفقهية. تأليف الشيخ سليمان ابن علي بن محمد بن مشرف الوهيبي التميمي المتوفى سنة 1079هـ/1668م أحد علماء نجد المشهورين، كان واسع العلم والفقه, حيث أكثر الشيخ أحمد بن محمد المنقور من النقل عنه في كتابه الفواكه العديدة والمسائل المفيدة حتى بلغت هذه النقول 64 نقلاً منها 42 نقلاً في الجزء الأول منه, والبقية في الجزء الثاني, ويقع ترتيبه في المرتبة الرابعة بالنسبة للعلماء الذين نقل عنهم الشيخ أحمد بن محمد المنقور بعد شيخه عبد الله ابن محمد بن ذهلان المتوفى سنة 1099هـ , ثم الشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة المتوفى سنة 948هـ, ثم الشيخ أحمد بن محمد بن إسماعيل الأشيقري قاضي أشيقر المتوفى سنة 1059هـ, الأمر الذي يدل على سعة اطلاع الشيخ سليمان ابن علي وكثرة علمه فإن آثاره تدل على سعة علمه وفقهه، وقد صار رحمه الله هو المرجع في زمنه في الفتوى وذكر الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد في السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة أن فتاواه تبلغ مجلدًا.
على كل فإن هذا الكتاب قد ذكره عمر رضا كحالة في كتاب "معجم المؤلفين" وليس هذا الكلام صحيحًا إلا إذا كان المقصود به الفتاوى التي أفتى بها الشيخ سليمان بن علي بن مشرف, فإن الشيخ سليمان كان سديد الفتاوى والتحريرات. قال عنه كل من :
أ – الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام في كتابه "علماء نجد خلال ثمانية قرون" : [وقد اطلعت على كراسة تحتوي على واحد وثلاثين سؤالاً والجواب عليها, فالسؤال من تلميذه الشيخ محمد بن عبدالله بن إسماعيل والجواب من المترجم له. وقد طبعت ضمن الرسائل والمسائل النجدية. وكان تلميذه الشيخ محمد بن عبدالله بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة 1109هـ, حفيدًا لشيخه العلامة الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المتوفى سنة 1059هـ ، فكان الشيخ سليمان يذكره بفتاوى جده. فقد جاء بالجزء الأول من مجموعة الرسائل والمسائل النجدية صفحة 517 قول الشيخ سليمان لتلميذه المذكور : (وجدك – رحمه الله – يقول إمام ونحوه يملك الثمرة بالظهور) يعني بذلك إمام المسجد الموقوف عليه ثمرة النخل].
ب – وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام أيضًا وهو يتحدث عن تلميذه الشيخ محمد ابن عبدالله بن إسماعيل في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون : (يعد من كبار علماء بلده. ومن حرصه على الاستفادة من شيخه العلامة سليمان بن علي بن مشرف رحمه الله تعالى أنني اطلعت على كراسة تحوي ثلاثين مسألة من مسائل الفقه , السؤال مكتوب بقلم المترجم لـه والجواب عليه بقلم شيخ الشيخ سليمان بن على ابن مشرف – رحمهما الله تعالى – كما اطلعت على إجابات سديدة لـه على أسئلة عديدة منها كراسة في آخرها : (وسئل الشيخ محمد بن عبدالله بن محمد بن إسماعيل عفا الله عنه عن مسائل فأجاب عنها بما تيسر من خط صالح بن شبل). وكان شيخه الشيخ سليمان بن علي تلميذًا لجده الشيخ محمد بن إسماعيل. فكان إذا أشكل على التلميذ المترجم لـه شيء من مسائل العلم وسأل شيخه عنه قال له في بعضها هذه أفتى بها جدك. وله رسالة جوابية فقهية طبعت مع فتاوى علماء نجد في مطابع المنار في الجزء الأول منها، وهذه الرسالة تقع في 12 صفحة، توجد في القسم الثالث من الجزء الأول ابتداء من صفحة 510 وحتى 522 حيث توجد فتويان من فتاوى الشيخ سليمان بن علي بن مشرف.
جـ - اطلع الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن ابن بسام صاحب كتاب علماء نجد خلال ثمانية قرون على كراسة تحتوي على أربعين سؤالاً موجهة من الشيخ أحمد بن محمد القصير الأشيقري المتوفى سنة 1121هـ إلى شيخه الشيخ العلامة الفقيه سليمان بن علي بن مشرف. وهو جد الشيخ محمد بن عبدالوهاب, فقد كان الشيخ أحمد بن محمد القصير من أشهر تلاميذه والإجابة عليها في الفقه منتهية بهذه العبارة : (قال ذلك سليمان بن علي – مجيبًا – غفر الله لهما – وكثيرًا ما يذكر في أجوبته على المسائل إن هذا اختيار شيخه الشيخ سليمان بن علي).
د – وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام : [وسئل عن مسائل عديدة فأجاب عنها بأجوبة محررة مفيدة : فقد بلغ المحفوظ منها الآن أكثر من سبعمائة جواب مفرقة من بعض المطبوعات وأكثرها لا يزال مخطوطًا... إلخ].
هـ - قام الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بجمع مسائل الشيخ سليمان بن علي بن مشرف وفتاواه ورتبها وعلق عليها وقامت مكتبة المعارف بالرياض بطبع هذا الكتاب بـ 88 صفحة تحت اسم (مسائل الشيخ سليمان بن علي ابن مشرف جد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله) وقدم لها بقولـه : (الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على إمام المتقين. سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد فهذه مسائل وأجوبة للشيخ الفقيه الثقة سليمان بن علي ابن مشرف جد الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعًا, جمعها بعد أن كانت مفرقة في كتاب "الفواكه العديدة في المسائل المفيدة". ومن ملخص الفواكه العديدة ومن كتاب "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية". ومن "حاشية الشيخ الفقيه عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين على الروض المربع". ومن حاشية الشيخ الفقيه "عبدالله ابن عبدالعزيز العنقري على الروض المربع") وقد طبع هذا الكتاب في عام 1406هـ/1985م وقد رتبت هذه المسائل حسب أبواب الفقه ابتداءً بالطهارة ثم الصلاة ثم الجنازة والزكاة والحج والأضاحي والبيع والوقف والوصايا والهبة والعطية والعتق والنكاح والخلع والطلاق والعدة والجنايات والحدود والأطعمة والقضاء والقسمة والدعاوى والبيانات والشهادات والإقرار ثم ختم الكتاب بالفهرس.
3 – أرجوزة في الفقه الحنبلي. تأليف الشيخ حميدان بن تركي بن علي بن مانع بن نغامش من أسرة آل تركي المقيمين في عنيزة (1130ـ1203هـ).
قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون : (وهذه الأسرة يرجع نسبها إلى قبيلة بني خالد التي هي متفرعة من بني عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان. فهي قبيلة عامرية هوازنية قيسية مضرية عدنانية. وأول من قدم عنيزة من آل تركي هو جدهم نغامش. قدمها من قرية الهلالية بالقصيم ولا تزال بقاياهم في هذه القرية, ويوجد في عنيزة بئر تسمى النغيمشية دخلت منذ مدة طويلة في بستان أحمد الحمد البسام).
وقد ولد الشيخ حميدان في وطنه ووطن عشيرته عنيزة إحدى مدن القصيم عام 1130هـ ونشأ فيها وأخذ مبادئ الكتابة والقراءة وقراءة القرآن الكريم تلاوة وحفظًا وكانت القصيم في ذلك الوقت خالية من العلماء, وأعلم من كان فيها من كان يحسن القراءة والكتابة ويتلو القرآن ويؤم الناس ويعقد الأنكحة, واستمر هذا الوضع حتى قدم العلامة الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب إلى القصيم سنة 1110هـ. فلازمه الشيخ حميدان ملازمة تامة وقرأ عليه الكثير من كتب العلم وانتفع بعلمه انتفاعًا كبيرًا، قال الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد في كتابه السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة : (ومهر في الفقه حتى صار عين تلاميذ شيخه. وحصل كتبًا نفيسة أكثرها شراءً من تركة شيخه المذكور, ومن تركة أخيه منصور بن تركي فقد كان حسن الخط كتب كتبًا جليلة مع ما اشتراه, ثم تصدى للتدريس والإفتاء. ثم سافر إلى المدينة المنورة بأهله وعياله فأحبه أهلها خاصهم وعامهم وعظموه لما هو عليه من الديانة والصيانة والورع والصلاح وقرأ عليه حنابلتها وانتفعوا به وله أجوبة في الفقه عديدة ومباحث فيه سديدة وقد وقف كتبه جميعها, وهي كتب كثيرة مشتملة على غرائب ونفائس من المخطوطات) وقد كاتبه الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – فيمن كاتب من علماء نجد لدعوته للعقيدة السلفية المحضة فلم يرتح لها. فلما استولى الإمام عبدالعزيز بن محمد على القصيم غادر عنيزة إلى المدينة. ونقل معه مكتبته الكبيرة وأقام فيها حتى توفي على أننا لم نسمع أنه عارض الدعوة برسائل أو مؤلفات, كما جرى من بعض معاصريه. وله تلاميذ كثيرون أكثرهم من تلاميذ شيخه الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب. كما أنه كان عمدة الحنابلة في المدينة المنورة, وقد اشتهر ابنه محمد الذي قال عنه الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد في كتابه "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" عنه : (محمد بن الشيخ حميدان رجل صالح متعبد متورع إلا أنه في الفهم قاصر) وقال عنه ابنه الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن حميدان في تاريخه المخطوط : (وفي سنة 1222هـ توفي الشيخ محمد بن حميدان في عنيزة). وقد خلف محمد ابنين هما الشيخ عبدالوهاب والشيخ عبدالعزيز. فأما الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن حميدان فعالم كبير له بعض المؤلفات منها :
أ – شرح على شواهد قطر الندى لابن هشام. ويقع في نحو 80 صفحة اطلع عليه الشيخ البسام.
ب – نبذة تاريخية عن بعض حوادث نجد في زمنه, وقد أثنى الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد في كتابه "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" ثناءً عاطرًا عليه, وتوفي سنة 1237هـ.
أما الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن حميدان ابن تركي, فلا يعلم شيء من أخباره سوى أنه يوجد له رسالة خطية في علم الحساب. وحميدان له عقب في خبوب بريدة يقيمون فيه حتى الآن. قال حفيده الشيخ عبدالوهاب بن تركي في تاريخه: (في سنة 1203هـ. توفي الشيخ الجليل ذو القدر الجليل الشيخ حميدان بن تركي بن حميدان في المدينة المنورة). وقد دفن في البقيع بجانب السور وبكاه الناس وأسفوا لفقده لصلاحه وعلمه – رحمه الله تعالى آمين – وعفا عنا وعنه).
4 – الإسعاف في إجازة الأوقاف. وهي رسالة صغيرة مخطوطة من تأليف الشيخ عثمان بن أحمد ابن سعيد بن عثمان بن قائد النجدي المولود في العيينة إحدى الديار النجدية في سنة 1022هـ والمتوفى في اليوم الرابع عشر من شهر جمادى الأولى بالقاهرة 1097هـ. وله مؤلفات في غير علوم التوحيد والفقه ومن أهمها :
أ – رسالة في أي المشددة وذكر أقوال علماء النحو فيها رتبها على ثلاثة فصول وخاتمة. وقد جعل الفصل الأول في أقسام أي المشددة, والفصل الثاني فيما يلزمها من الأوصاف. والفصل الثالث في أي الموصولة. والخاتمة فيما يتعلق بأي الموصولة. ويوجد من هذه الرسالة عدة نسخ في برلين ودمشق والقاهرة وتطوان بالمغرب وفي تركيا, وقد طبعت الرسالة عن ثلاث نسخ خطية. منها نسختان في دار الكتب المصرية.
أولاهما نسخة تقع في خمس ورقات منقولة عن خط المؤلف سنة 1154هـ حيث كتبها حسن ابن نصار بن منصور الحنبلي التباوي في الجامع الأزهر بالقاهرة وهي تحت الرقم 70م وهي موجودة في الخزانة التيمورية في دار الكتب المصرية، والأخرى في تسع ورقات في المجموع رقم 105 منقولة عن الأولى الموجودة في الدار المذكورة ضمن مجموعة في النحو من كتب مصطفى باب برقم 70، ويوجد نسخة ثالثة في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم 204 نحو وقد طبعت بتحقيق عبدالفتاح الحمور سنة 1406هـ/1986م ونشرت بدار الفيحاء ودار عمان بعمان بـ 72 صفحة.
ب – رسالة في (لو) حرف الشرط أسماها (كشف الضوء عن معنى لو) توجد منها نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم 209 نحو, ويوجد في مركز الملك فيصل ضمن مجموع نسخة أخرى فيها وقد طبعت هذه الرسالة أخيرًا.
ج – شرح البسملة.
د – اختصر "درة الغواص في أوهام الخواص" في اللغة العربية, وكان الأصل للحريري العالم اللغوي المعروف صاحب المقامات المشهورة مع تعقيبات يسيرة عليها وتوجد في مكتبة برلين قال عنها عبدالرحمن بن سليمان العثيمين وكتبها بخطه.
هـ - رسالة في قهوة البن. وهذه الكتب في النحو والفقه والأدب.
و – يوجد مجموعة من الرسائل الفقهية المخطوطة في مكتب أوقاف بغداد, وذكر عبدالرحمن بن سليمان العثيمين أنه يوجد ضمن مجموع في مكتبة برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان خطه حسنًا مضبوطًا إلى الغاية.
5 – الأفعى.. وهي رسالة في تحريم الدخان. ألفها الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب الناصري التميمي المولود سنة 1070هـ المتوفى في شعبان عام 1160هـ وقيل في عام 1161هـ. وكان رحمه الله عالمًا فقيهًا, حيث أثنى عليه الكثير من العلماء أشهرهم الشيخ محمد بن عبدالله ابن حميد صاحب كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة حيث قال: (كان ذا همة في العلم وقوة فيه تزداد رغبته في العلم كلما طعن في السن لا يضجر من كثرة الدروس والمباحثة والمذاكرة والمراجعة, كثير الإدمان على النسخ, فكتب بخطه المتوسط في الحسن الفائق في الضبط ما لا يحصى كثرة من كتب التفسير والحديث, وكتب الفقه الكبار وغيرهـا بحيث لم أر ولم أسمع منذ أعصار من يضاهيه أو يقارنـه في كثرة ما كتب... ألخ). وكان له رحمه الله عدد من الرسائل من أهمها :
أ – اختصاره القاموس المحيط للفيروزأبادي.
ب – مقطوعة في نظم الظآت في القرآن الكريم.
تعليق