إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

تفريغ كتاب أحكام الأضحية والذكاة للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تفريغ] تفريغ كتاب أحكام الأضحية والذكاة للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    منقول من موقع الشيخ رحمه الله
    الفصل الأول
    في تعريف الأضحية وحكمها
    الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد؛ تقرباً إلى الله عز وجل.
    وهي من العبادات المشروعة في كتاب الله وسنة رسوله النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم وإجماع المسلمين.
    فأما كتاب الله : فقد الله تعالي: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) وقال تعالي:(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162،163) .
    وقال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا )(الحج: 34).
    وهذه الآية تدل على أن الذبح تقرباً إلى الله تعالي مشروع في كل ملة لكل أمة، وهو برهان بين على أنه عباده ومصلحة في كل زمان ومكان وأمَة.
    وأما سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم : فقد ثبت مشروعية الأضحية فيها بقول النبي صلي الله عليه وسلم وفعله وإقراره، فاجتمعت فيها أنواع السنة الثلاثة: القول، والفعل، والتقرير.
    ففي : ((الصحيحين)) عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين))(1). وفيهما أيضاً عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا، فصارت لعقبة جذعة، فقال: يا رسول الله؛ صارت لي جذعة. فقال ((ضح بها))(2).
    وفي (( الصحيحين)) أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلي الله عليه وسلم بكبشين أملحين ذبحهما بيده، وسمي وكبر ووضع رجله على صفاحهما(3). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي . رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن(4).
    وفي ((الصحيحين)) أيضاً عن جندب سفيان .البجلي قال: شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضي صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: (( من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله)) هذا لفظ مسلم(5).
    وعن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟فقال : كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ( الحديث ) . رواه ابن ماجه والترمذي وصححه(6).
    وأما إجماع المسلمين على مشروعية الأضحية فقد نقله غير واحد من أهل العلم .
    قال في (( في المغني )) : أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية . وجاء في (( فتح الباري شرح صحيح البخاري )) : ولا خلاف في كونها من شرائع الدين .
    وبعد إجماعهم على مشروعية الأضحية اختلفوا : أواجبة هي أم سنة مؤكدة ؟ على قولين :
    القول الأول : أنها واجبة ، وهو قول الأوزاعي ، والليث ، ومذهب أبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، قال شيخ الإسلام : وهو أحد القولين في مذهب مالك ، أو ظاهر مذهب مالك .
    القول الثاني : أنها سنة مؤكدة ، وهو قول الجمهور ، ومذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد في المشهور عنهما ، لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها يكره للقادر ، ذكره أصحابنا ، نص الإمام أحمد وقطع به في الإقناع ، وذكر في (( جواهر الإكليل شرح مختصر خليل )) . أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها ؛ لأنها من شعائر الإسلام .
    أدلة القائلين بالوجوب : الدليل الأول : قوله ـ تعالى ـ : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) فأمر بالنحر ، والأصل في الأمر الوجوب .
    الدليل الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : (( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا )) رواه أحمد وابن ماجه ، وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة .(7)
    قال في (( فتح الباري )) ورجاله ثقات .
    الدليل الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة : (( يا أيها الناس ، إن على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة )) .
    قال في (( الفتح )) : أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي( .
    الدليل الرابع : قوله صلى الله عليه وسلم (( من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله )) متفق عليه(9) .
    هذه أدلة القائلين بالوجوب ، وقد أجاب عنها القائلون بعدم الوجوب واحداً واحداً .
    فأجابوا عن الدليل الأول : بأنه لا يتعين أن يكون المراد بها نحر القربان ، فقد قيل : إن المراد بها وضع اليدين تحت النحر عند القيام في الصلاة ، وهذا القول وإن كان ضعيفا لكن مع الاحتمال قد يمتنع الاستدلال .
    وإذا قلنا : إن المراد بها نحر القربان كما هو ظاهر القرآن ، فإنه لا يتعين أن يكون المراد بها فعل النحر ، فقد قيل : إن المراد بها تخصيص النحر لله تعالى وإخلاصه له ، وهذا واجب بلا شك ولا نزاع .
    وإذا قلنا : المراد بها فعل النحر كما هو ظاهر الآية ؛ فهو أمر مطلق يحصل امتثاله بفعل ما ينحر تقربا إلى الله تعالى من أضحية ، أو هدي ، أو عقيقة ولو مرة واحدة ، فلا يتعين أن يكون المراد به الأضحية كل عام .
    وهذا تقرير جوابهم عن الآية ، وعندي أنه إذا صح الدليل الثالث ؛ صار مبينا للآية ، وصارت حجة على الوجوب . والله أعلم .
    وقد يقال : إن وجوب النحر الذي تدل عليه هذه الآية خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم شكرا منه لربه على ما أعطاه من الخير الكثير الذي لم يعطه أحد غيره ؛ بدليل ترتيبه عليه بالفاء ، وبدليل ما يأتي في الدليل الأول للقائلين بعدم الوجوب .
    وأجابوا عن الدليل الثاني : بأن الراجح أنه موقوف ، ولعل أبا هريرة قاله حين كان والياً على المدينة ، قال في (( بلوغ المرام )) : رجح الأئمة وقفه ، اه . لكن قال في (( الدراية )) : إن الذي رفعه ثقة .
    قلت : وإذا كان الذي رفعه ثقة ؛ فالمشهور عند المحدثين أنه إذا تعارض الوقف والرفع ، وكان الرافع ثقة فالحكم للرفع ؛ لأنه زيادة من ثقة مقبولة ، لكن قال في ((الفتح )) : إنه ليس صريحا في الإيجاب .
    قلت : هو ليس بصريح في الإيجاب ، إذ يحتمل أن منعه من المسجد ، وحرمانه من حضور الصلاة ودعوة المسلمين عقوبة له على ترك هذه الشعيرة ، وإن لم تكن واجبة ، لكن من أجل تأكدها ، لكن هو ظاهر في الإيجاب ، ولا يلزم في إثبات الحكم أن يكون الدليل صريحا في الدلالة عليه ، بل يكفي الظاهر إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه .
    وأجابوا عن الدليل الثالث : بأن أحد رواته أبو رملة ( عامر ) قال في ((التقريب )) : لا يعرف . وقال الخطابي : مجهول والحديث ضعيف المخرج . وقال المعافري : هذا الحديث ضعيف لا يحتج به .
    قلت : وقد سبق أن صاحب (( الفتح )) وصف سنده بالقوة ؛ لكنه قال : لا حجة فيه ؛ لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق ، وقد ذكر معها العتيرة ، وليست بواجبة عند من قال بوجوب الأضحية . اهـ .
    وقد سبق الجواب بأنه لا يلزم في إثبات الحكم أن يكون الدليل صريحا في الدلالة عليه بل يكفي الظاهر إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه ، وأما ذكر العتيرة معها وهي غير واجبة ؛ فقد ورد ما يخرجها عن الوجوب بل عن المشروعية عند كثير من أهل العلم ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة : (( لا فرع ولا عتيرة ))(10) . متفق عليه . لكن العلة في الدليل جهالة أبي رملة . والله أعلم .
    أجابوا عن الدليل الرابع : بأن الأمر إنما هو بذبح بدلها وهو ظاهر ؛ لأنهم لما أوجبوها تعينت ، وذبحهم إياها قبل الوقت لا يجزئ ، فوجب عليهم ضمانها بأن يذبحوا بدلها ، ونحن نقول بمقتضى هذا الحديث ، وأنه لو أوجب أضحية لوجب عليه ذبح بدلها .
    وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (( ومن لم يذبح فليذبح باسم الله )) فهو أمر بكون الذبح على اسم الله لا بمطلق الذبح ، فلا يكون فيه دليل على وجوب الأضحية .
    أدلة القائلين بعدم وجوب :
    الدليل الأول : حديث : (( هن على فرائض ولكم تطوع : النحر ، والوتر ، وركعتا الضحى )) . أخرجه الحاكم والبزاز وابن عدي ، وروى نحوه أحمد ، وأبو يعلى ، والحاكم (11)، وذكر في التخليص له طرقا كلها ضعيفة ، وقال : أطلق الأئمة على هذا الحديث الضعف كأحمد ، والبيهقي ، وابن الصلاح ، وابن الجوزي ، والنووي وغيرهم .
    قلت : والضعيف لا يحتج به في إثبات الأحكام .
    الدليل الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن أمته ، فعن على بن الحسين عن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا ضحى ؛ اشترى كبشين أقرنين سمينين أملحين ، فإذا صلى وخطب ؛ أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ، ثم يقول : (( اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ )) ، ثم يؤتي بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول : (( هذا عن محمد ، وآل محمد )) . فيطعمها جميعا المساكين ، ويأكل هو وأهله منهما ، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم . أخرجه أحمد والبزاز (12)، قال في مجمع الزوائد (13): وإسناده حسن ، سكت عنه في التلخيص ، وله شواهد عند أحمد ، والطبراني ، وأبن ماجه ، والبيهقي ، والحاكم(14) .
    ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بالواجب عن أمته فيكون الباقي تطوعا ، ولذلك مكث بنو هاشم سنين لا يضحون على مقتضى هذا الحديث .
    الدليل الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي ؛ فليمسك عن شعره وأظفاره )) رواه الجماعة إلا البخاري(15) ، وفي رواية لمسلم : (( فلا يمس من شعره وبشره شيئا )) (16)
    ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم فوض الأضحية إلى الإرادة ، وتفويضها إلى الإرادة ينافي وجوبها ، إذ الوجوب لزوم لا يفوض إلى الإرادة ، هكذا قالوا .
    وعندي أن التفويض إلى الإرادة لا ينافي الوجوب إذا قام عليه الدليل ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت : (( هن لهن ولمن أتي عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة ))(17) . ولم يمنع ذلك من وجوب الحج والعمرة بدليل آخر مرة في العمر ، فالتعليق على الإرادة ليس معناه أن الإنسان مخير في المراد على الإطلاق ، فقد يجب أن يريد إذا قام مقتضى الوجوب ، وقد لا يجب أن يريد إذا لم يكن دليل على الوجوب ، كما لو قلت : يجب الوضوء على من أراد الصلاة . والصلاة منها ما تجب إرادته كالفريضة ، ومنها ما لا تجب كالتطوع . وأيضا فالأضحية لا تجب على المعسر فهو غير مريد لها ، فصح تقسيم الناس فيها إلى مريد وغير مريد باعتبار اليسار والإعسار .
    الدليل الرابع : أنه صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما لا يضحيان مخافة أن يظن أن الأضحية واجبة (1. وعن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال : أني لأدع الأضحية ، وأنا من أيسركم، كراهة أن يعتقد الناس أنها حتم واجب . أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح ، وذكره البيهقي عن ابن عباس وابن عمر وبلال رضي الله عنهم(19) .
    قلت : وإذا صح الوجوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قول غيره حجة عليه .
    الدليل الخامس : التمسك بالأصل ، فإن الأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل الوجوب السالم من المعارضة .
    قلت : وهذا دليل قوي جدا لكن القائلين بالوجوب يقولون : إنه قد قام دليل الوجوب السالم من المعارضة فثبت الحكم .
    الدليل السادس : أن رجلا قال : يا رسول الله ، أرايت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها ؟ قال : (( لا ، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك ، وتحلق عانتك ، فتلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل )) . رواه أبو داود والنسائي ، ورواته ثقات(20) . والمنيحة: شاة اللبن تعطى للفقير يحلبها ويشرب لبنها ثم يردها ، وهذا سنة ، ولو كانت الأضحية واجبة لم تترك من أجل فعل السنة ، إذ المسنون لا يعارض الواجب . وهذا تقرير جيد وفيه تأمل.
    قال شيخ الإسلام ابن تيميه : والأظهر وجوبها ( يعني الأضحية ) فإنها من أعظم شعائر الإسلام ، وهي النسك العام في جميع الأمصار ، والنسك مقرون بالصلاة ، وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته ، وقد جاءت الأحاديث بالأمر بها ، ونفاه الوجوب ليس معهم نص ، فإن عمدتهم قوله صلى الله عليه وسلم : (( من أراد أن يضحي ودخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ))(21) . قالوا : والواجب لا يعلق بالإرادة ، وهذا كلام مجمل ، فإن الواجب لا يوكل إلى إرادة العبد ، فيقال : إن شئت فافعله ، بل يعلق الواجب بالشرط لبيان حكم من الأحكام .
    قلت : مثل أن تقول : إذا أردت أن تصلي الظهر فتوضأ ، فصلاة الظهر واجبة لكن تعليقها بالإرادة لبيان حكم الوضوء لها .
    قال شيخ الإسلام في بقية كلامه على الأضحية : ووجوبها مشروط بأن يقدر عليها فاضلا عن حوائجه الأصلية كصدقة الفطر . اهـ . ملخصاً من (( مجموع الفتاوى )) لابن قاسم ( من ص162 ـ 164 ـ مجلد 32 ) .
    هذه آراء العلماء وأدلتهم سقناها ليبين شأن الأضحية وأهميتها في الدين ، والأدلة فيها تكاد تكون متكافئة ، وسلوك سبيل الاحتياط أن لا يدعها مع القدرة عليها ، لما فيها من تعظيم الله وذكره وبراءة الذمة بيقين .

    فصل
    وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله ، قال ابن القيم ـ وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه البارزين ـ : (( الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ، ولو زاد ( يعني ولو زاد في ثمنه فتصدق بأكثر منه ) كالهدايا والضحايا ، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) ، وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) ، ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما ، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران أضعاف القيمة ؛ لم يقم مقامه ، وكذلك الأضحية . اهـ .
    ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أنه هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، فإنهم كانوا يضحون ، ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل ؛ لعدلوا إليها وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعمل عملا مفضولا يستمر عليه منذ أن كان في المدينة إلى أن توفاه الله مع وجود الأفضل وتيسره ثم لا يفعله مرة واحدة ، ولا يبين ذلك لأمته بقوله ، بل استمرار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه على الأضحية يدل على أن الصدقة بثمن الأضحية لا تساوي ذبح الأضحية فضلا عن أن تكون أفضل منه ، إذ لو كانت تساويه لعملوا بها أحيانا ؛ لأنها أيسر وأسهل ، أو تصدق بعضهم وضحى بعضهم كما في كثير من العبادات المتساوية ، فلما لم يكن ذلك ؛ علم أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها .
    ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن الناس أصابهم ذات سنة مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الأضحية ، ولم يأمرهم بصرف ثمنها إلى المحتاجين ، بل أقرهم على ذبحها ، وأمرهم بتفريق لحمها كما في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء )) فلما كان العام المقبل قالوا : يا رسول الله ، نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (( كلوا وأطعموا وادخروا ، فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها )) (22).
    وفي صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنه سئلت : أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الأضاحي أن تؤكل فوق ثلاث ؟ فقالت : ما فعله إلا عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير (23).
    ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن العلماء اختلفوا في وجوبها ، وأن القائلين بأنها سنة صرح أكثرهم أو كثير منهم بأنه يكره تركها للقادر ، وبعضهم صرح بأنه يقاتل أهل بلد تركوها ، ولم نعلم أن مثل ذلك حصل في مجرد الصدقة المسنونة .
    ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن الناس لو عدلوا عنه إلى الصدقة ؛ لتعطلت شعيرة عظيمة نوه الله عليها في كتابه في عدة آيات ، وفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها المسلمون ، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة المسلمين.
    قال شيخ الإسلام ابن تيميه : فكيف يجوز أن المسلمين كلهم يتركون هذا لا يفعله أحد منهم ، وترك المسلمين كلهم هذا أعظم من ترك الحج في بعض السنين ، كذا قال .
    قال : وقد قالوا إن الحج كل عام فرض على الكفاية ؛ لأنه من شعائر الإسلام ، والضحايا في عيد النحر كذلك ، بل هذه تفعل في كل بلد هي والصلاة ، فيظهر بها من عبادة الله وذكره والذبح له والنسك له ما لا يظهر بالحج كما يظهر ذكر الله بالتكبير في الأعياد . اهـ. .
    والأصل في الأضحية أنها للحي كما كان النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خلافا لما يظنه بعض العامة أنها للأموات فقط .
    وأما الأضحية عن الأموات ؛ فهي ثلاثة أقسام :
    القسم الأول : أن تكون تبعا للأحياء ، كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات ، فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يضحي ويقول : (( اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد )) (24) وفيهم من مات سابقا .
    القسم الثاني : أن يضحي عن الميت استقلالا تبرعا ، مثل : أن يتبرع لشخص ميت مسلم بأضحية ، فقد نص فقهاء الحنابلة على أن ذلك من الخير ، وأن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به ؛ قياسا على الصدقة عنه ، ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي به . لكن من الخطأ ما يفعله بعض الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعا أو بمقتضى وصاياهم ، ثم لا يضحون عن أنفسهم وأهليهم الأحياء، فيتركون ما جاءت به السنة ، ويحرمون أنفسهم فضيلة الأضحية ، وهذا من الجهل ، وإلا فلو علموا بان السنة أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته فيشمل الأحياء والأموات ، وفضل الله واسع .
    القسم الثالث : أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته ، فتنفذ كما أوصى بدون زيادة ولا نقص ، والأصل في ذلك قوله تعالى في الوصية : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:181) . وروي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه ضحى بكبشين وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه . رواه أبو داود ، ورواه بنحوه الترمذي وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك(25) . اهـ . قلت : وفي إسناده مقال .
    وإذا كانت الوصية بأضاحي متعددة ولم يكف المغل لتنفيذها مثل أن يوصي شخص بأربع ضحايا : واحدة لأمه ، وواحدة لأبيه وواحدة لأولاده ، وواحد لأجداده وجداته ، ولم يكف المغل إلا لواحدة فإن تبرع الوصي بتكميل الضحايا الأربع من عنده فنرجو أن يكون حسنا ، وإن لم يتبرع جمع الجميع في أضحية واحدة كما لو ضحى عنهم في حياته .
    وإن كانت الوصية في أضحية واحدة ولم يكف المغل لها فإن تبرع الوصي بتكميلها من عنده فنرجو أن يكون حسنا ، وإن لم يتبرع أبقى المغل إلى السنة الثانية والثالثة حتى يكفي الأضحية فيضحي به ، فإن كان المغل ضئيلا لا يكفي لأضحية إلا بعد سنوات يخشى من ضياعه في إبقائه إليها ، أو من أن تزايد قيم الأضاحي فإن الوصي يتصدق بالمغل في عشر ذي الحجة ولا يبقيه ؛ لأنه عرضة لتلفه ، وربما تتزايد قيم الأضاحي كل عام ، فلا يبلغ قيمة الأضحية مهما جمعه ، فالصدقة به خير .
    واخترنا أن يتصدق به في عشر ذي الحجة ؛ لأنه الزمن الذي عين الموصي تنفيذ وصيته فيه ، ولأن العشر أيام فاضلة ، والعمل الصالح فيها محبوب إلى الله عز وجل ، قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( ما من أيام العمل الصالح فيها محبوب إلى الله من هذه الأيام العشر )) وقالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : (( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء )) (26).
    (تنبيه عام ) : يذكر بعض الموصين في وصيته قدراً معيناً للموصي به مثل أن يقول : يضحي عني ولو بلغت الأضحية ريالا . يقصد المغالاة في ثمنها ؛ لأنها في وقت وصيته بربع ريال أو نحوه ، فيقوم بعض من لا يخشى الله من الأوصياء فيعطل الوصية بحجة أن الريال لا يمكن أن يبلغ ثمن الأضحية الآن ، وهذا حرام عليه ، وهو آثم بذلك ، ويجب تنفيذ الوصية بالأضحية ، وإن بلغت آلاف الريالات مادام المغل يكفي لذلك ؛ لأن مقصود الموصي معلوم ، وهو المبالغة في قيمة الأضحية مهما زادت ، وذكره الريال على سبيل التمثيل ، لا على سبيل التحديد .

    ----------------------

    (1)رواه البخاري ، كتاب الأضاحي باب الذبح بعد الصلاة ، (5560) ومسلم، كتاب الأضاحي باب وقتها، رقم (1961).
    (2)رواه البخاري ، كتاب الأضاحي ، باب قسمة الإمام الأضاحي بين الناس، رقم (5547) ومسلم كتاب الأضاحي باب سن الأضحية، رقم (1965).
    (3)رواه البخاري ، كتاب الأضاحي ، باب التكبير عند الذبح ، رقم (5565) ومسلم، كتاب الأضاحي ،باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة (1966).
    (4)رواه أحمد (28/2) والترمذي ، كتاب الأضاحي ، باب الدليل على أن الأضحية سنة رقم (1507)
    (5)رواه البخاري، كتاب الأضاحي ، باب من ذبح قبل الصلاة أعاد، رقم (5562) ومسلم ، كتاب الأضاحي، باب وقتها، رقم (1960).
    (6)رواه الترمذي ، كتاب الأضاحي ، باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت، رقم (1505) وابن ماجه ، كتاب الأضاحي ، باب من ضحي بشاة عن أهله، رقم ( 3147).
    (7)رواه أحمد (2/321) وابن ماجه ، كتاب الأضاحي ، باب الأضاحي واجبة هي أم لا ؟رقم (3123) ،والحاكم (2/389).
    (رواه أحمد(4/215) وأبو داود ، كتاب الأضاحي، باب ما حاء في إيجاب الأضاحي، رقم (278 ، والترمذي ، كتاب الأضاحي، باب رقم (1 حديث الأضاحي، باب الأضاحي واجبة هي أم لا ؟ رقم (3125).
    (9)تقدم تخريجه.
    (10)رواه البخاري، كتاب العقيقة، باب الفرع، رقم (5473) ومسلم ، كتاب الأضاحي باب الفرع والعتيرة، رقم (1976)
    (11) أخرجه أحمد(1/231)، والحاكم (1/300) والبيهقي (9/264)
    (12)أخرجه أحمد(6/8391)، والبزار (9/319) وابن ماجه ، كتاب الأضاحي باب أضاحي رسول الله النبى صلي الله عليه وعلي آله وسلم ، رقم (3122).
    (13)((مجمع الزوائد)) (4/22).
    (14)راجع: أحمد (6/391) والطبراني في (( الكبير))( 1/311)ابن ماجه رقم (3122)، والبيهقي(9/259) والحاكم (2/425)
    (15)رواه مسلم، كتاب الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد..، رقم (1977)وأبو داود، كتاب الضحايا باب الرجل يأخذ من شعره في العشر، رقم (2971)، والترمذي ، كتاب الأضاحي، باب من ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي، رقم (1523)، والنسائي ، كتاب الضحايا باب رقم (1) حديث رقم (4361)، وابن ماجه ، كتاب الأضاحي، باب من أراد أن يضحي فلا يأخذ في العشر..، رقم 03149)
    (16)رواه مسلم، كتاب الأضاحي، رقم (1977)
    (17)رواه البخاري ، كتاب الحج، باب مهل أهل الشام، رقم (1526)، ومسلم، كتاب الحج باب مواقيت الحج والعمرة، رقم (1181)
    (1(( السنن الكبري) للبيهقي (9/264).
    (19)(( السنن الكبري)) البيهقي (9/265)
    (20)رواه أبو داود، كتاب الضحايا ، باب ما جاء في إيجاب الضاحي، رقم (2789) والنسائي ، كتاب الضحايا باب من لم يجد الأضحية، رقم (4365).
    (21)سبق تخريجه ص12
    (22)رواه البخاري، كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي ومايتزود منها، رقم (5569)، ومسلم ، كتاب الأضاحي باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، رقم (1974).
    (23)رواه البخاري، كتاب الأطعمة باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم واسفارهم..، رقم (5423).
    (24)سبق تخريجه
    (25)رواه أبو داود، كتاب الضحايا باب الأضحية عن الميت، رقم (2790)والترمذي ، كتاب الأضاحي باب ما جاء في الأضحية عن الميت، رقم (1495)
    (26)رواه البخاري، كتاب العيدين باب فضل العمل في أيام التشريق ، رقم (969) وأبو داود، كتاب الصوم ، باب في صوم العشر، رقم 0243 والترمذي، كتاب الصوم باب ما جاء في العمل في أيام العشر، رقم (757) وابن ماجه ، كتاب الصيام، باب صيام العشر، رقم (1727).

    يتبع إن شاء الله...
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو الهيثم شعيب العلمي; الساعة 26-Sep-2013, 07:31 PM.

  • #2
    الفصل الثاني
    في وقت الأضحية

    الأضحية عبادة موقتة لا تجزئ قبل وقتها على كل حال ، ولا تجزئ بعده إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر .
    وأول وقتها بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان ، أو بعد قدرها من يوم العيد لمن لا يصلون كالمسافرين وأهل البادية ، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم ، وليست بأضحية ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة ؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ، وليس من النسك في شيء ))(27) ، وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه ، وأصاب سنة المسلمين ))(2. وفيه أيضا عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ))(29) .
    والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان ؛ لأن ذلك فعل النبي صل الله عليه وسلم ، قال جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه : صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم خطب ثم ذبح . الحديث رواه البخاري (30).
    والأفضل أن لا يذبح حتى يذبح الإمام إن كان الإمام يذبح في المصلى اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى (31). يعنى يبرز أضحيته عند المصلى العيد فيذبحها هناك ؛ إظهاراً لشعائر الله ، وليعلم الناس بالفعل كيفية ذبح الأضحية ، وليسهل تناول الفقراء منها ، وليس المعنى أنه يذبحها في نفس المصلى ؛ لأنه مسجد ، والمسجد لا يلوث بالدم والفرث .
    وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب يوم عيد الأضحى قال : فانكفأ إلى كبشين ـ يعنى فذبحهما ـ ثم انكفأ الناس إلى غنيمة فذبحوها (32) .
    وعن جابر رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد ومسلم (33).
    وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق ، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فيكون الذبح في أربعة أيام : يوم العيد ، واليوم الحادي عشر ، واليوم الثاني عشر ، واليوم الثالث عشر . وثلاث ليال : ليلة الحادي عشر ، وليلة الثاني عشر ، وليلة الثالث عشر .
    هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم ، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -في إحدى الروايتين عنه ، قال ابن القيم : وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن البصري ، وإمام أهل الشام الأوزاعي ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي ، واختاره ابن المنذر .
    قلت : واختاره الشيخ تقي الدين بن تيميه وهو ظاهر ترجيح ابن القيم لقوله تعالى : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)(الحج: 28 ) (35). قال ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات : يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده (36). وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كل أيام التشريق ذبح )) رواه أحمد ، والبيهقي ، وابن حبان في صحيحه (37)، وأعل بالانقطاع لكن يؤيده قوله صلى الله عليه وسلمً : (( أيام التشريق أكل وشرب وذكر لله عز وجل )) . رواه مسلم(3 . فجعل النبي صلى الله عليه وسلم باب هذه الأيام واحدا في كونها أيام ذكر لله عز وجل ، وهذا يتناول الذكر المطلق والذكر المقيد على بهيمة الأنعام ، ولأن هذه الأيام مشتركة في جميع الأحكام ما عدا محل النزاع ، فكلها أيام منى ، وأيام رمي للجمار ، وأيام ذكر لله وصيامها حرام ، فما الذي يخرج الذبح عن ذلك حتى يختص منها باليومين الأولين ؟
    والذبح في النهار أفضل ، ويجوز في الليل ؛ لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي ، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له ، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار .
    ولا يكره الذبح في الليل ؛ لأنه لا دليل على الكراهة ، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل .
    وأما ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلا ، فقال في (( التلخيص )) : فيه سليمان بن سلمة الخبائري ، وهو متروك (39).
    وأما قول بعضهم : يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف ؛ فالتعليل ليس حجة شرعية ، قال شيخ الإسلام ابن تيمبة : تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر ، فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام ، فإنه وصف حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عارفا بالأدلة الشرعية في نفس الأمر لطلب الاحتياط . اهـ.
    وكثير من المسائل الخلافية لم يراع فيها جانب الخلاف ، ولم يؤثر الخلاف فيها شيئا ، وها هو الخلاف هنا ثابت في امتداد وقت ذبح الأضحية إلى ما بعد يوم النحر . ولم يقل القائلون بامتداده أنه يكره الذبح فيما بعد يوم العيد ، لكن إن قوي دليل المخالف بحيث يثير شبهة ؛ كانت مراعاته من باب : (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ))(40).

    ---------------------

    (27)رواه البخاري، كتاب الأضاحي، باب سنة الأضحية ، برقم (5545)/ ومسلم، كتاب الأضاحي ، باب وقتها، رقم (1961)
    (2تقدم تخريجه
    (29)تقدم تخريجه
    (30)رواه البخاري، كتاب العيدين باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، رقم (985).
    (31)رواه البخاري، كتاب العيدين باب النحر والذبح بالمصلي يوم العيد. رقم (982)
    (32)رواه البخاري، كتاب الأضاحي، باب من ذبح قبل الصلاة أعاد، رقم (5561).
    (33)رواه مسلم، كتاب الأضاحي ، باب سن الأضحية ، (1964) وأحمد (3/294)
    (35)ذكر اسم الله على ذلك يتناول ذكر اسمه عند ذبحها وعند أكلها. (المؤلف)
    (36)رواه ابن حاتم في تفسيره (8/2489)
    (37)رواه أحمد (4/82) والبيهقي (9/256)، وابن حبان (9/166)
    (3رواه مسلم، كتاب الصيام/ باب تحريم صوم أيام التشريق، رقم (1141)
    (39)((تلخيص الحبير)) (4/142)
    (40)ذكره البخاري تعليقاً في كتاب البيوع، باب تفسير المشبهات، ورواه الترمذي من حديث حسن بن على مرفوعاً، كتاب صفة القيامة باب رقم (60) حديث رقم (215 وصححه (6/153).

    تعليق


    • #3
      الفصل الثالث
      في جنس ما يضحى به وعمن يجزئ ؟

      الجنس الذي يضحى به : بهيمة الأنعام فقط لقوله تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) (الحج: 34) . وبهيمة الأنعام هي : الإبل ، والبقر ، والغنم من ضأن ومعز ، جزم به ابن كثير وقال : قاله الحسن وقتادة وغير واحد ، قال ابن جرير : وكذلك هو عند العرب . اهـ . ولقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) . رواه مسلم(41) . والمسنة : الثنية فما فوقها من الإبل والبقر والغنم ، قاله أهل العلم رحمهم الله .
      ولأن الأضحية عبادة كالهدي ، فلا يشرع منها إلا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أهدى أو ضحى بغير الإبل والبقر والغنم . والأفضل منها : الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سبع البعير ثم سبع البقرة .
      والأفضل من كل جنس أسمنه ، وأكثره لحما ، وأكمله خلقة ، وأحسنه منظراً ، وفي (( صحيح البخاري )) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين(42) . والأملح ما خالط بياضه سواد .
      وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد . أخرجه الأربعة . وقال الترمذي : حسن صحيح (43).
      وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين ، وفي لفظ : موجوأين يعنى خصيين . رواه أحمد (44). فالفحل أفضل من الخصي من حيث كمال الخلقة ؛ لأن جميع أعضائه لم يفقد منها شيء ، والخصي أفضل من حيث أنه أطيب لحما في الغالب .

      فصل
      وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد ، ويجزئ سبع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم ؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال : نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة . رواه مسلم (45). وفي رواية قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر ، كل سبعة منا في بدنة (46) .
      ففي هذا دليل على أن سبع البعير أو البقرة قائم مقام الواحدة من الغنم ، ومجزئ عما تجزئ عنه ؛ لأن الواجب في الإحصار والتمتع هدي على كل واحد ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة فدل على أن سبعها يحل محل الواحدة من الغنم ويكون بدلا عنها والبدل له حكم المبدل .
      فأما اشترك عدد في واحدة من الغنم أو في سبع بعير أو بقرة ؛ فعلى وجهين :
      الوجه الأول : الاشتراك في الثواب ، بأن يكون مالك الأضحية واحد ويشرك معه غيره من المسلمين في ثوابها فهذا جائز مهما كثر الأشخاص فإن فضل الله واسع ، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها في قصة أضحيته بكبش قال لها : (( يا عائشة ، هلمي المدية )) ( يعني السكين ) ثم قال : (( اشحذيها بحجر )) ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال (( بسم الله ، اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد )) ثم ضحي به (47).
      وفي مسند الإمام أحمد من حديث عائشة وأبي رافع رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين : أحدهما عنه وعن آله ، والآخر عن أمته جميعا (4 . ومن حديث جابر وأبي سعيد رضي الله عنهما يضحي بكبش عنه وعمن لم يضح من أمته (49) .
      وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ، رواه ابن ماجه والترمذي وصححه (50).
      فإذا ضحى الرجل بالشاة عنه وعن أهل بيته أو من شاء من المسلمين صح ذلك ، وإذا ضحى بسبع البعير أو البقرة عنه وعن أهل بيته أو من شاء من المسلمين صح ذلك ، لما سبق من أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل السبع منهما قائما مقام الشاة في الهدي ، فكذلك في الأضحية ولا فرق .
      ومن تراجم صاحب (( المنتقى )) : باب أن البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس . وقال في كتابه المحرر : ويجزئ عن الشاة سبع من بدنة ، وعن البدنة بقرة ، وقال في (( الكافي )) في تعليل له : لأن كل سبع مقام شاة .
      الوجه الثاني : الاشتراك في الملك ، بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحية ويضحيا بها ، فهذا لا يجوز ، ولا يصح أضحية إلا في الإبل والبقر إلى سبعة فقط ، وذلك لأن الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى ، فلا يجوز إيقاعها ولا التعبد بها إلا على الوجه المشروع زمناً وعدداً وكيفية .
      فإن قيل : لماذا لا يصح وقد قال الله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة:7) . وكما لو اشتركا في شراء لحم فتصدقا به ولكل منهما من الأجر بحسبه ؟
      فالجواب : أنه ليس المقصود من الأضحية مجرد اللحم للانتفاع أو الصدقة به ، وإنما المقصود بالأضحية إقامة شعيرة من شعائر الله على الوجه الذي شرعه الله ورسوله ، فوجب تقييدها بحسب ما جاء به الشرع ، ولذلك فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين شاة اللحم وشاة النسك حيث قال : (( من ذبح قبل الصلاة فشاته شاة اللحم أو فهو لحم قدمه لأهله ، ومن ذبح بعد الصلاة ؛ فقد أصاب النسك ـ أو قال : فقد تم نسكه ، وأصاب سنة المسلمين ))(51)، كما فرق صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر بين ما دفع قبل الصلاة وما دفع بعدها ، فالأول زكاة مقبولة ، والثاني صدقة من الصدقات ، مع أن كلا منهما صاع من طعام ، لكن لما كان المدفوع قبل الصلاة على وفق الحدود الشرعية ؛ كان زكاة مقبولة ، ولما كان المدفوع بعدها على غير وفق الحدود الشرعية ؛ لم يكن زكاة مقبولة ، وهذه هي القاعدة العامة الشرعية . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ))(52) ، أي : مردود على صاحبه ، وإن كانت نيته حسنة ؛ لعموم الحديث .
      ولو كان التشريك في الملك جائزا في الأضحية بغير الإبل والبقر ؛ لفعله الصحابة رضي الله عنهم ؛ لقوة المقتضى لفعله فيهم ، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير ، وفيهم فقراء كثيرون قد لا يستطيعون ثمن الأضحية كاملة ، ولو فعلوه لنقل عنهم ؛ لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله لحاجة الأمة إليه .
      ولا أعلم في ذلك حديثا إلا ما رواه الإمام أحمد من حديث أبي الأشد عن أبيه عن جده قال : كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرنا نجمع لكل واحد منا درهماً فاشترينا أضحية بسبعة دراهم فقلنا : يا رسول الله ، لقد أغلينا بها فقال : (( إن أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها ))فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رجل برجل ، ورجل برجل ، ورجل بيد ، ورجل بيد، ورجل بقرن ، ورجل بقرن ، وذبحها السابع وكبرنا عليها جميعا (53).
      قال الهيثمي : أبو الأشد لم أجد من وثقه ولا من جرحه ، وكذلك أبوه . اه، . وقال في بلوغ الأماني شرح ترتيب المسند )) : والظاهر أن هذه الأضحية كانت من البقر ؛ لأن الكبش لا يجزئ عن سبعة ، والبعير لا قرون له ، والبقرة هي التي تجزئ عن سبعة ولها قرون ، فتعين أن تكون من البقر والله أعلم . وما استظهره ظاهر ، ويؤيده أن الكبش لا يحتاج أن يمسك به السبعة ، وفي إمساكهم به عسر وضيق ، ويكفي في إمساكه واحد ، اللهم إلا أن يقال : إن تكلف إمساكهم به ليس من أجل استعصائه ؛ بل من أجل أن يحصل اشتراك الجميع في ذبحه ، والله أعلم.
      ونزل ابن القيم هذا الحديث على معنى آخر وهو أن هؤلاء السبعة كانوا رفقة واحدة فنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة عنهم .
      قلت : وفيه شيء ؛ لأن أهل البيت لا يشتركون في الأضحية اشتراك ملك ، وإنما يضحي الرجل عنه ، وعن أهل بيته من ماله وحده فيتأدى به شعار الأضحية عن الجميع .
      وقد صرح الشافعية بمنع التشريك في الملك دون الثواب فقال النووي في (( المنهاج وشرحه )) : لو اشترك اثنان في شاة لم تجز ، والأحاديث كذلك كحديث : (( اللهم هذا عن محمد ، وآل محمد )) (54)، على أن المراد التشريك في الثواب لا الأضحية . اهـ .
      وفي (( شرح المهذب )) : لو اشترك اثنان في شاتين للتضحية لم تجزئهما في أصح الوجهين ، ولا يجزئ بعض شاة بلا خلاف بكل حال . اهـ . وحمل حديث : (( اللهم هذا عن محمد ، وآل محمد )) ، محمولة على أن المراد التشريك في الثواب متعين وظاهر ؛ فإن آل محمد صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يشاركونه في شرائها ، وقد سبق في حديث أبي رافع قوله : فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم .
      وعلى هذا فإذا وجد وصايا لجماعة ، كل واحد موص بأضحية ولم يكف المغل كل واحد منهم لأضحيته التي أوصى بها ؛ فإنه لا يجوز جمع هذه الوصايا في أضحية واحدة لما عرفت من أنه لا يجوز اشتراك اثنين فأكثر اشتراك ملك في الأضحية إلا في الإبل والبقر .
      لكن لو اشترك شخصان فاكثر في واحدة من الغنم أو في سبع من بعير أو بقرة ليضحيا به عن شخص واحد ؛ فالظاهر الجواز ، فلو اشترى اثنان شاة أو كانا يملكانها بإرث أو هبة أو نحوهما ثم ضحيا بها عن أمهما أو عن أبيهما جاز ، لأن الأضحية هنا لم تكن عن أكثر من واحد ، وكما دفعا ثمنها إلى أمهما أو أبيهما فاشترى به أضحية فضحى بها ؛ فهو جائز بلا ريب .
      وكذلك لو تعدد الموصون بالأضحية واتحد الموصى له بها ولم تكف غلة كل منهما لأضحيته ؛ فالظاهر جواز جمع وصيتيهما مثل أن يوصي أخوان كل واحد منهما بأضحية لوالدتهما ثم لا تكفي غلة كل واحد منهما لأضحية كاملة فتجمع الوصيتان في أضحية واحدة قياسا على ما لو اشتركا في أضحية لها حال الحياة ، وهذا ما ظهر لي في هذين الفرعين ، والعلم عند الله سبحانه وتعالى .

      ------------------

      (41) رواه مسلم كتاب الأضاحي باب سن الأضحية، رقم (1963)
      (42) تقدم تخريجه
      (43) رواه أبو داود، كتاب الضحايا باب ما يستحب من الضحايا ، رقم (2796)، والترمذي ، كتاب الأضاحي باب ما يستحب من الأضاحي رقم (1496)، والنسائي، كتاب الضحايا، باب الكبش رقم (4390) وابن ماجه كتاب الأضاحي باب ما يستحب من الأضاحي (312.
      (44) رواه أحمد 06/22) وابن ماجه كتاب الاضاحي باب أضاحي رسول الله اصلى الله عليه وسلم رقم (3122)
      (45) رواه مسلم، كتاب الحج باب الاشتراك في الهدي، رقم (131
      (46) انظر الحديث السابق.
      (47) رواه مسلم، كتاب الأضاحي ، باب استحباب الأضحية وذبحها مباشرة، رقم (1967).
      (4 رواه أحمد (6/
      (49) رواه الترمذي ، كتاب الاضاحي باب رقم (20) حديث رقم (1521) وأحمد (3/8،3/356).
      (50) تقدم تخريجه
      (51) سبق تخريجه
      (52) رواه مسلم، كتاب الأضحية، باب نقض الأحاكم الباطلة، رقم (171
      (53) رواه أحمد (3/424)
      (54) سبق تخريجه
      يتبع إن شاء الله...
      http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_17989.shtml

      تعليق


      • #4
        الفصل الرابع
        في شروط ما يضحى به ، وبيان العيوب المانعة من الإجزاء

        الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى فلا تصح إلا بما يرضاه سبحانه ، ولا يرضى الله من العبادات إلا ما جمع شرطين :
        أحدهما : الإخلاص لله تعالى ، بأن يخلص النية له ، فلا يقصد رياء ولا سمعة ولا رئاسة ولا جاهاً ، ولا عرضاً من أعراض الدنيا ، ولا تقربا إلى مخلوق .
        الثاني : المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)(البينة: 5) فإن لم تكن خالصة لله ؛ فهي غير مقبولة ، قال الله تعالى في الحديث القدسي : (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، ومن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )) (55) .
        وكذلك إن لم تكن على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) (56)وفي رواية : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))(57) ، أي مردود .
        ولا تكن الأضحية على أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا باجتماع شروطها وانتفاء موانعها .
        وشروطها أنواع : منها ما يعود للوقت ، ومنها ما يعود لعدد المضحين بها ، وسبق تفصيل القول فيهما ، ومنها ما يعود للمضحي به وهي أربعة :
        الأول : أن يكون ملكا للمضحي غير متعلق به حق غيره ، فلا تصح الأضحية بما لا يملكه ؛ كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه ؛ لأن الأضحية قربة إلى الله عز وجل ، وأكل مال الغير بغير حق معصية ، ولا يصح التقرب إلى الله بمعصية ، ولا تصح الأضحية أيضا بما تعلق به حق الغير كالمرهون إلا برضا من له الحق ، ونقل في (( المغني )) عن أبي حنيفة فيمن غصب شاة فذبحها عن الواجب عليه تجزئه إن رضي مالكها ، ووجهه أنه إنما منع منها لحق الغير ، فإذا علم رضاه بذلك زال المانع .
        الثاني : أن يكون من الجنس الذي عينه الشارع ، وهو الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها ، وسبق بيان ذلك .
        الثالث : بلوغ السن المعتبر شرعا ، بأن تكون ثنيا إن كان من الإبل أو البقر أو المعز ، وجذعا إن كان من الضأن ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) رواه مسلم (5 .
        وظاهره لا تجزئ الجذعة من الضأن إلا عند تعسر المسنة ، ولكن حمله الجمهور على أن هذا على سبيل الأفضلية وقالوا : تجزئ الجذعة من الضأن ولو مع وجود الثنية وتيسرها ، واستدلوا بحديث أم بلال ـ امرأة من أسلم ـ عن أبيها هلال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يجوز الجذع من الضأن ضحية )) ، رواه أحمد وابن ماجه(59)وله شواهد منها :
        حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجذع من الضأن ، رواه النسائي(60) ، قال في (( نيل الأوطار )) : إسناد رجاله ثقات .
        ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن )) ، رواه أحمد والترمذي (61). وفي (( الصحيحين )) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة ، فقال يا رسول الله ، صارت لي جذعة ، فقال : (( ضح بها )) (62).
        فالثني من الإبل : ما تم له خمس سنين ، والثني من البقر ما تم له سنتان ، والثني من الغنم ضأنها ومعزها ما تم له سنة ، والجذع من الضأن : ما تم له نصف سنة .
        الرابع : السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء ، وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أربع لا تجوز في الأضاحي ـ وفي رواية : لا تجزئ ـ : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والكسير التي لا تنقي )) . رواه الخمسة . وقال الترمذي : حسن صحيح(63) . والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ، وفي رواية للنسائي قلت : ـ يعني للبراء ـ فإني أكره أن يكون نقص في القرن ، وفي أخري أكره أن يكون في القرن نقص، أو أن يكون في السن نقص ، فقال ـ يعنى البراء ـ : ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد (64).
        وقد صحح النووي في (( شرح المهذب )) هذا الحديث وقال : قال أحمد بن حنبل : ما أحسنه من حديث ، ورواه مالك في الموطأ )) عن البراء بن عازب بلفظ : سئل النبي صلى الله عليه وسلم : ماذا يتقى من الضحايا ؟ فأشار بيده وقال : (( أربعا : العرجاء البين ظلعها ، والعوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي لا تنقي )) (65) وذكرت العجفاء في رواية الترمذي وفي رواية النسائي بدلا عن الكسير .
        فهذه أربع منصوص على منع الأضحية بها وعدم إجزائها .
        الأولى : العوراء البين عورها ، وهي التي انخسفت عينها أو برزت ، فإن كانت لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بين أجزأت ، والسليمة من ذلك أولى .
        الثانية : المريضة البين مرضها ، وهي التي ظهر عليه آثار المرض مثل الحمى التي تقعدها عن المرعى ، ومثل الجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحتها ، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضا بينا ، فإن كان فيها كسل أو فتور لا يمنعها من المرعى والأكل أجزأت لكن السلامة منه أولى .
        الثالثة : العرجاء البين ظلعها ، وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى ، فإن كان فيها عرج يسير لا يمنعها من معانقة السليمة أجزأت ، والسلامة منه أولى .
        الرابعة : الكسيرة أو العجفاء ( يعنى الهزيلة ) التي لا تنقي ، أي ليس فيها مخ ، فإن كانت هزيلة فيها مخ أو كسيرة فيها مخ أجزأت إلا أن يكون فيها عرج بين ، والسمينة السليمة أولى .
        هذه هي الأربع المنصوص عليها ، وعليها أهل العلم ، قال في (( المغني )) : لا نعلم خلافا في أنها تمنع الإجزاء . اهـ . ويلحق بهذه الأربع ما كان بمعناها أو أولى ، فيلحق بها :
        العمياء : التي لا تبصر بعينها ؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العوراء البين عورها .
        فأما العشواء التي تبصر في النهار ، ولا تبصر في الليل فصرح الشافعية بأنها تجزئ ؛ لأن في ذلك ليس عورا بينا ولا عمى دائما يؤثر في رعيها ونموها ، ولكن السلامة منه أولى .
        الثانية : المبشومة حتى تثلط ؛ لأن البشم عارض خطير كالمرض البين ، فإذا ثلطت زال خطرها وأجزأت إن لم يحدث لها بذلك مرض بين .
        الثالثة : ما أخذتها الولادة حتى تنجو ؛ لأن ذلك خطر قد يودي بحياتها ، فأشبه المرض البين ، ويحتمل أن تجزئ إذا كانت ولادتها على العادة ولم يمض عليها زمن يتغير به اللحم ويفسد .
        الرابعة : ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ؛ لأن هذه أولى بعدم الإجزاء من المريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها .
        الخامسة: الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة ؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها .
        فأما العاجزة عن المشي لسمن فصرح المالكية بأنها تجزئ ، لأنه لا عاهة فيها ولا نقص في لحمها .
        السادسة: مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين ؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها ، ولأنها ناقصة بعضو مقصود فأشبهت ما قطعت أليتها .
        هذه هي العيوب المانعة من الإجزاء وهي عشرة : أربعة منها بالنص وستة بالقياس ، فمتى وجد واحد منها في بهيمة لم تجز التضحية بها ؛ لفقد أحد الشروط وهو السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء .
        ---------------------

        (55) رواه مسلم ، كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (2985)
        (56) سبق تخريجه
        (57) رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم (2697)، ومسلم ، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، رقم (171
        (5 سبق تخريجه
        (59) رواه أحمد (6/36 وابن ماجه كتاب الأضاحي باب ما تجزئ من الأضاحي، رقم (3139)
        (60) رواه النسائ كتاب الضحايا، باب المسنة والجذعة، رقم (4382)
        (61) رواه الترمذي ، كتاب الأضاحي ، باب ما جاء في الجذع من الضان في الأضاحي، رقم 01499)، وأحمد (2/445)
        (62) سبق تخريجه
        (63) رواه أبو داود، كتاب الضحايا ، باب ما يكره من الضحايا، رقم (2802)، والترمذي ، كتاب الأضاحي باب ما لا يجوز من الأضاحي، رقم (1497) والنسائي، كتاب الضحايا باب ما نهي من الاضاحي، رقم (4369)، وابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، رقم 03144) وأحمد (4/300).
        (64) رواه النسائي، كتاب الضحايا ، باب العرجاء رقم (4370)
        (65) رواه مالك في الموطأ، كتاب الضحايا (1)
        يتبع إن شاء الله...

        http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_17990.shtml

        تعليق


        • #5
          الفصل الخامس
          في العيوب المكروهة في الأضحية

          ذكرنا في الفصل السابق العيوب المانعة من الإجزاء المنصوص عليها والمقيسة ، وها نحن بعون الله نذكر العيوب المكروهة التي لا تمنع الإجزاء وهي :
          الأولي : العضباء ، وهي مقطوعة القرن أو الأذن ، لما روى قتادة عن جري بن كليب عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يضحي بأعضب الأذن والقرن . قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : العضب : النصف فأكثر من ذلك . رواه الخمسة . وقال الترمذي : حسن صحيح (66).
          قلت : جري بن كليب قال عنه في (( خلاصة التذهيب )) : روى عنه قتادة فقط . وقال أبو حاتم : لا يحتج به . اهـ . ولذلك قال في (( الفروع )) وفي صحة الخبر ـ يعنى خبر العضب ـ نظر .
          فأما مفقودة القرن والأذن بأصل الخلقة فلا تكره ، لكن غيرها أولى .
          الثانية : المقابلة ، وهي التي شقت أذنها من الأمام عرضاً .
          الثالثة : المدابرة ، وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً .
          الرابعة : الشرقاء ، وهي التي شقت أذنها طولا .
          الخامسة : الخرقاء ، وهي التي خرقت أذنها .
          لحديث على رضي الله عنه ، قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء . رواه الخمسة ،وقال الترمذي :حسن صحيح (67).
          وأخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي والبزار(6 ، وأعله الدارقطني ، ونقل في (( عون المعبود )) عن البخاري أن هذا الحديث لم يثبت رفعه ، والله أعلم .
          السادسة ، المصفرة ، وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، وهكذا في الخبر ، وفي (( التلخيص )) : أنها المهزولة ، وذكرها في النهاية بقيل كذا وقيل كذا .
          السابعة : المستأصلة ، وهي التي ذهب قرنها من أصله .
          الثامنة : البخقاء ، وهي التي بخقت عينها ، قال في (( النهاية )) : والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة . وفي (( القاموس )) : البخق أقبح العور وأكثره غمصا ، وعلى هذا فإذا كان البخق عورا بينا لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق .
          التاسعة : المشيعة ، وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفا ، تكون وراء الغنم كالمشيع للمسافر ، وقيل بفتح الياء لحاجتها إلى من يشيعها لتلحق بالغنم ، وهذه إن لم يكن فيها مخ فلا تجزئ لحديث البراء ، وإن كان فيها مخ ولا تستطيع معانقة الغنم لم تجز أيضا ؛ لأنها كالعرجاء البين ظلعها ، وإن كانت تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة ؛ لحديث يزيد ذي مصر قال : أتيت عتبة بن عبد السلمي فقلت : يا أبا الوليد ، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فما تقول ؟ . قال : ألا جئتني أضحي بها ؟ قلت : سبحان الله ، تجوز عنك ولا تجوز عني . قال نعم ، إنك تشك ولا أشك ، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة ، والكسراء ، فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها ، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفاء وضعفا ، والكسراء التي لا تنقي ، رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه(69) . وقوله : والكسراء التي لا تنفي سبق ذكرها في العيوب المانعة من الإجزاء .
          وإنما قلنا : هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي أو الأمر بعدم التضحية بما عاب بها ، ولم نقل : إنها مانعة من الإجزاء ؛ لأن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه خرج مخرج البيان والحصر ؛ لأنه جواب سؤال ، والظاهر أنه كان حال خطبة وإعلان ، ولو كان غير العيوب المذكورة فيه مانعاً من الإجزاء ؛ للزم ذكره لامتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فالجمع بينه وبين هذه الأحاديث لا يتأتى إلا على هذا الوجه بأن نقول :
          العيوب المذكورة في حديث البراء مانعة من الإجزاء ، والعيوب المذكورة في هذه الأحاديث موجبة للكراهة غير مانعة من الإجزاء لما يقتضيه سياق حديث البراء ؛ ولأنها دون العيوب المذكورة فيه ، وقد فهم الترمذي رحمه الله ذلك فترجم على حديث البراء : ( باب ما لا يجوز من الأضاحي ) وعلى حديث علي : ( باب ما يكره من الأضاحي ) .
          ويلحق بهذه العيوب المكروهة ما يأتي :
          الأولى : البتراء من الإبل والبقر والمعز ، وهي التي قطع ذنبها ، فتكره التضحية بها قياسا على العضباء ؛ لأن في الذنب مصلحة كبيرة للحيوان ودفاعا عما يؤذيه ، وجمالا لمؤخره ، وفي قطعه فوات هذه الأمور .
          فأما البتراء بأصل الخلقة فلا تكره لكن غيرها أولى .
          وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ ؛ لأن ذلك نقص بين في جزء مقصود منها .
          فأما إن قطع من أليتها النصف فأقل فإنها تجزئ مع الكراهة قياسا على العضباء ، قال الشافعية : إلا التطريف وهو قطع شي يسير من طرف الألية ، فإنه لا يضر ؛ لأن ذلك ينجبر بزيادة سمنها فأشبه الخصاء .
          وأما مفقودة الألية بأصل الخلقة فإن كانت من جنس لا ألية له في العادة أجزأت بدون كراهة ؛ لأنها لا نقص فيها عن جنسها ، وإن كانت من جنس له ألية في العادة لكن لم يخلق لها أجزأت ، وفي الكراهة تردد ؛ لأننا إذا نظرنا إليها باعتبار جنسها قلنا : إنها ناقصة بفقد جزء مقصود لكن لا يمنع الإجزاء لأنه بأصل الخلقة ، وإذا نظرنا إليها باعتبار الخلقة قلنا : إنها ناقصة فلم تكره كالجماء . وعلى كل حال فغيرها أولى منها .
          الثانية : ما قطع ذكره فتكره التضحية به قياسا على العضباء ، فأما ما قطعت خصيتاه فلا تكره التضحية به لما سبق من الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى به ، ولأن الخصاء يزيد في سمنه وطيب لحمه .
          الثالثة : الهتماء ، وهي التي سقط بعض أسنانها ، فتكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن ، فإن في الأسنان جمالا ومنفعة ، ففقد شيء منها يخل بذلك .
          فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره إلا أن يؤثر ذلك في اعتلافها .
          الرابعة : ما قطع شيء من حلمات ضرعها ، فتكره التضحية بها قياساً على العضباء.
          فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره قياسا على المخلوقة بلا أذن .
          وإن توقف ضرعها عن الدر فنشف لبنها أجزأت بلا كراهة ؛ لأنه لا نقص في لحمها ولا في خلقتها ، واللبن غير مقصود في الأضحية ، والأصل الإجزاء وعدم الكراهة حتى يقوم دليل على خلاف ذلك .
          هذه هي العيوب المكروهة التي يوجب وجودها في الأضحية كراهة التضحية بها ، ولا يمنع من إجزائها وهي ثلاثة عشر : تسعة منها ورد بها النص ، وأربعة منها رأيناها مقيسة على ما ورد به النص ، وأسأل الله تعالى أن نكون فيها موفقين للصواب هداة مهتدين .


          ---------------------

          (66) رواه الترمذي، كتاب الأضاحي، باب في الضحية بعضباء القرن والأذن، رقم (1504)
          (67) رواه أحمد (1/149) والترمذي ، كتاب الأضاحي، باب ما يكره من الأضاحي، رقم (149، والنسائي في ( الكبري) رقم (4462) وابن ماجه ، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، رقم (3142،3143).
          (6 رواه البزار(2/321) والحاكم (4/249) والبيهقي (9/275).
          (69) رواه أحمد (4/185) وأبو داود، كتاب الضحايا باب ما يكره من الضحايا، رقم(2803)، والحاكم (4/250)
          يتبع إن شاء الله...

          http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_17991.shtml

          تعليق


          • #6
            الفصل السادس
            فيما تتعين به الأضحية وأحكامه

            تتعين الأضحية أضحية بواحد من أمرين :
            أحدهما : اللفظ بتعيينها أضحية بأن يقول : هذه أضحية قاصدا بذلك إنشاء تعيينها.
            فأما إن قصد الإخبار عما سيصرفها إليه في المستقبل ؛ فإنها لا تتعين بذلك ؛ لأن هذا إخبار عما في نيته أن يفعل ، وليس للتعيين .
            الثاني : ذبحها بنية الأضحية ، فمتى ذبحها بنية الأضحية ؛ ثبت لها حكم الأضحية ، وإن لم يتلفظ بذلك قبل الذبح ، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، وهو مذهب الشافعي ، أعني أن الأضحية تتعين بأحد هذين الأمرين ، وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية أمراً ثالثاً وهو : الشراء بنية الأضحية ، فإذا اشتراها بنية الأضحية تعينت ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة .
            والأول أرجح كما لو اشترى عبداً يريد عتقه فإنه لا يعتق ، وكما لو اشترى بيتا ليجعله وقفا ؛ فإنه لا يصير وقفا بمجرد النية ، وكما لو أخرج من جيبه دراهم ليتصدق بها ؛ فإنها لا تتعين الصدقة بها بل هو بالخيار إن شاء أنفذها وإن شاء منعها . ويستثني من ذلك ما إذا اشترى أضحية بدلاً عن معينة فإنها تتعين بمجرد الشراء مع النية .
            وإذا تعينت أضحية تعلق بذلك أحكام :
            أحدها : أنه لا يجوز نقل الملك فيها ببيع ولا هبة ولا غيرهما إلا أن يبدلها بخير منها ، أو يبيعها ليشتري خيراً منها فيضحي به .
            وإن مات من عينها لم يملك الورثة إبطال تعيينها ، ولزمهم ذبحها أضحية ، ويفرقون منها ويأكلون .
            الثاني : أنه لا يجوز أن يتصرف فيها تصرفا مطلقا ، فلا يستعملها في حرث ونحوه ، ولا يركبها بدون حاجة ولا مع ضرر ، ولا يحلب من لبنها ما فيه نقص عليها أو يحتاجه ولدها المتعين معها . ولا يجز شيئا من صوفها ونحوه إلا أن يكون أنفع لها ، وإذا جزه فليتصدق به أو ينتفع ، والصدقة أفضل .
            الثالث : أنها إذا تعيبت عيباً يمنع الإجزاء فله حالان :
            الحال الأولى : أن يكون ذلك بدون فعل منه ولا تفريط ؛ فيذبحها وتجزئه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين ؛ لأنها أمانة عنده ، فإذا تعيبت بدون فعل منه ولا تفريط فلا حرج عليه .
            مثال ذلك : أن يشتري شاةً فيعينها أضحية ، ثم تعثر وتنكسر بدون سبب منه فيذبحها وتجزئه أضحية .
            فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين كما لو نذر أن يضحي ثم عين عن نذره شاة فتعيبت بدون فعل من ولا تفريط وجب عليه إبدالها بسليمة تجزئ عما في ذمته ؛ لأن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها ، فلا يخرج من عهدة الواجب إلا بأضحية سليمة .
            الحال الثانية : أن يكون تعيبها بفعله أو تفريط ؛ فيلزمه إبدالها بمثلها على كل حال ، سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أم لا ، وسواء كانت بقدر ما يجزئ في الأضحية أو أعلى منه .
            مثال ذلك : أن يشتري شاة سمينة فيعينها أضحية ثم يربطها برباط ضيق كان سببا في كسرها فتنكسر ؛ فيلزمه إبدالها بشاة سمينة يضحي بها .
            وإذا ضحى بالبدل فهل يلزمه ذبح المتعيب أيضا ، أو يعود ملكا له ؟ على روايتين عن أحمد :
            إحداهما : يلزمه ذبح المتعيب ، وهو المذهب المشهور عند الأصحاب لتعلق حق الفقراء فيه يتعيينه .
            الثانية : لا يلزمه ذبحه لبراءة ذمته بذبح بدله ، فلم يضع حق الفقراء فيه ، وهذا هو القول الراجح ، اختاره الموفق والشارح وغيرهما ، وعلى هذا فيعود المتعيب ملكا له يصنع فيه ما شاء من أكل وبيع وهدية وصدقة وغير ذلك .
            الرابع : أنها ضلت ( ضاعت ) أو سرقت فثم حالان :
            الحال الأولى : أن يكون ذلك بدون تفريط منه فلا ضمان عليه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين ؛ لأنها أمانة عنده ، والأمين لا ضمان عليه إذا لم يفرط ، لكن متى وجدها أو استنقذها من السارق ؛ لزمه ذبحها ولو فات وقت الذبح ، وإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين وجب عليه ذبح بدلها على أقل ما تبرأ به الذمة كما سبق ، فإن وجدها أو استنقذها من السارق بعد ذبح بدلها لم يلزمه ذبحها لبراءة ذمته ، وسقوط حق الفقراء بذبح البدل ، لكن إن كان البدل الذي ذبحه أنقص لزمه الصدقة بأرش النقص ؛ لتعلق حق الفقراء به ، والله أعلم .
            الحال الثانية : أن يكون ذلك بتفريط منه فيلزمه إبدالها بمثلها على كل حال ، أي سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أو لا ، وسواء كانت بقدر ما يجزئ في الأضحية أم أعلى منه .
            مثال ذلك : اشترى شاة فعينها أضحية ، ثم وضعها في مكان غير محرز فسرقت أو خرجت فضاعت ؛ فيلزمه إبدالها بأضحية مثلها على صفتها ، وإن شاء أعلى منها .
            وإذا ضحى بالبدل ثم وجدها أو استنقذها من السارق ؛ عادت ملكا له يصنع بها ما شاء من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك ؛ لأنه برئت ذمته بذبح بدلها ، وسقط به حق الفقراء .
            الخامس : أنها إذا تلفت فلها ثلاث حالات :
            الحال الأولى : ان يكون تلفها بأمر لا صنع للآدمي فيه ؛ كمرض أو آفة سماوية أو سبب تفعله هي ، فلا يلزمه بدلها إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين ؛ لأنها أمانة عنده ، والأمين لا ضمان عليه في مثل ذلك ، فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين ؛ لزمه ذبح بدلها على أقل ما تبرأ به ذمته ، وإن شاء أعلى منه .
            الحال الثانية : أن يكون تلفها بفعل مالكها ، فيلزمه ذبح بدلها على صفتها بكل حال ، أي سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أم لا ، وسواء كانت بقدر ما يجزئ في الأضحية أم أعلى منه ؛ لقول النبى صلى الله عليه وسلم : (( من ذبح قبل أن يصلى فليعد مكانها أخرى ))(70) وكما لو تعيبت بفعله فيلزمه بدلها على صفتها كما سبق .
            الحال الثالثة : أن يكون تلفها بفعل آدمي غير مالكها ، فإن كان لا يمكن تضمينه كقطاع الطريق ؛ فحكمه حكم تلفها بأمر لا صنع للآدمي فيه على ما سبق في الحال الأولى . وإن كان يمكن تضمينه كشخص معين ذبحها فأكلها ، فإنه يلزمه ضمانها بمثلها يدفعه إلى مالكها ليضحي به ، وقيل : يلزمه ضمانها بالقيمة ، والأول أصح ، فإن الحيوان يضمن بمثله على القول الراجح ؛ لما روى البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيرا ـ وفي رواية فأغلظ له ـ فهم به أصحابه فقال : (( دعوه ، فإن لصاحب الحق مقالاً ، واشتروا له بعيرا فأعطوه إياه ، وقالوا : لا نجد إلا أفضل من سنه ، قال : اشتروا له وأعطوه إياه ، فإن خيركم أحسنكم قضاء )) (71).
            ولمسلم نحوه(72) ولو كان البدل الواجب في الحيوان قيمته لم يعدل النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، ولم يكلفهم الشراء له .
            السادس : أنها إذا ذبحت قبل وقت الذبح ولو بنية الأضحية ؛ فحكمه حكم إتلافها على ما سبق ، وإن ذبحت في وقت الذبح فإن كان الذابح صاحبها أو وكيله ؛ فقد وقعت موقعها . وإن كان الذبح غير صاحبها ولا وكيله ؛ فله ثلاث حالات :
            الحال الأولى : أن ينويها عن صاحبها ، فإن رضي صاحبها بذلك أجزأت بلا ريب ، وإن لم يرض أجزأت أيضا على المشهور من مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة ، ونقل في المغني عن مالك أنها لا تجزئ ، وعلى هذا فينبغي أن يلزم الذابح ضمانها بمثلها يدفعه إلى مالكها ليضحي به كالإتلاف ، ويكون اللحم للذابح إلا أن يرضى صاحبها بأخذه مع الأرش وهو فرق ما بين قيمتها حية ومذبوحة ، فيملكه ويذبح بدلها .
            الحال الثانية : أن ينويها عن نفسه لا عن صاحبها ، فإن كان يعلم أنها أضحية غيره لم تجز عنه ولا عن صاحبها ؛ لأنه غاضب معتد فلا يكون فعله قربة ، ويلزمه ضمانها بمثلها يدفعه إلى صاحبها ليضحي به وقيل : تجزئ عن صاحبها إلغاء لنية الذابح دون فعله ، وعلى هذا فلا يضمن إلا ما فرق من اللحم ، وإن كان لا يعلم أنها أضحية غيره ؛ أجزأت عن صاحبها بكل حال ، وقيل : إن فرق لحمها لم تجز عن واحد منهما ، والأول أظهر ؛ لأن تفرقه اللحم لا أثر لها في الإجزاء وعدمه ؛ بدليل ما لو ذبحها ثم سرقت قبل تفريقها فإنها تجزئ . نعم تفريق اللحم له أثر في الضمان وعدمه ، فإنه إذا فرق اللحم ؛ لزمه ضمانه لصاحبها ما لم يرض بتفريقه إياه .
            الحال الثالثة : أن يذبحها مع الإطلاق ؛ فلا ينويها عن صاحبها ولا عن نفسه ، فتجزئ عن صاحبها أيضا ؛ لأنها معينة من قبله ، وقيل : لا تجزئ عن واحد منهما .
            ( تنبيه ) : في حال إجزاء المذبوح عن صاحبه فيما سبق ، إن كان اللحم باقيا أخذه صاحبه وفرقه أضحية ، وإن كان الذابح قد فرقه تفريق أضحية ورضي به صاحبها ، فقد وقع الموقع ، وإن لم يرض ضمنه لصاحبه ليفرقه بنفسه .
            ( تنبيه ثان ) محل ما ذكر من التفصيل إن قلنا بحل ما ذكاه الغير بغير إذن مالكه ، وإلا فلا تجزئ بكل حال وعليه الضمان .
            ( تتمه ) : قال الأصحاب : وإن ضحى اثنان كل منهما بأضحية الآخر عن نفسه غلظاً كفتهما ولا ضمان ، فإن فرقاً اللحم ؛ فقد وقع موقعه وإلا تراداه ليفرق كل واحد منهما لحم أضحيته .
            ( فائدتان ) :
            ( الأولى ) : إذا تلفت بعد الذبح أو سرقت أو أخذها من لا تمكن مطالبته ، ولم يفرط صاحبها فلا ضمان عليه ، وإن فرط ضمن ما تجب به الصدقة منها قط .
            ( الثانية ) : إذا ولدت بعد التعيين فحكم ولدها حكمها في جميع ما تقدم سواء حملت به بعد التعيين أم قبله ، وأما ما ولدته قبل التعيين فهو مستقل في حكم نفسه فلا يتبع أمه.

            -------------------

            (70) سبق تخريجه
            (71) رواه البخاري، كتاب الاستقراض، باب استقراض الإبل، رقم (2390)
            (72) رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب من استسلف شيئاً فقضى خيراً منه، رقم (1601)
            يتبع إن شاء الله...

            تعليق


            • #7
              الفصل السابع
              فيما يؤكل منها وما يفرق

              قال الله تعالى : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج:2 ، وقال تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ )(الحج: 34) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( كلوا وادخروا وتصدقوا )) . رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها(74). وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كلوا وأطعموا وادخروا )) . رواه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع(75) ، وهو أعم من الأول ؛ لأن الإطعام يشمل الصدقة على الفقراء والهدية للأغنياء ، وقال أبو بردة للنبي صلى الله عليه وسلم : إني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري ـ أي أهل محلتي (76).
              وليس في هذه الآية والأحاديث نص في مقدار ما يؤكل ويتصدق به ويهدى ، ولذلك اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في مقدار ذلك ، فقال الإمام أحمد : نحن نذهب إلى حديث عبد الله : يأكل هو الثلث ، ويطعم من أراد الثلث ، ويتصدق بالثلث على المساكين ، وقال الشافعي : أحب أن لا يتجاوز بالأكل والادخار الثلث ، وأن يهدي الثلث ، ويتصدق بالثلث ، ويعني الإمام أحمد بحديث عبد الله ما ذكره علقمة قال بعث معي عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ بهدية فأمرني أن آكل ثلثا ، وأن أرسل إلى أهل أخيه عتبة بثلث ، وأن أتصدق بثلث (77) ، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : الضحايا والهدايا : ثلث لك ، وثلث لأهلك ، وثلث للمساكين . ومراده بالأهل : الأقارب الذين لا تعولهم ، نقل هذين الأثرين في (( المغني )) ثم قال : ولنا ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال : ويطعم أهل بيته الثلث ، ويطعم فقراء جيرانه الثلث ، ويتصدق على السؤال بالثلث . رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال : حديث حسن ؛ ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر ، ولم نعرف لهما مخالفا في الصحابة فكان إجماع . اهـ .
              والقول القديم للشافعي يأكل النصف ، ويتصدق بالنصف ؛ لقوله تعالى : (ِفَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(الحج: من الآية2 فجعلها بين اثنين فدل على أنها بينهما نصفين قال في (( المغني)) : والأمر في ذلك واسع، فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز ، وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز . وقال أصحاب الشافعي :يجوز أكلها كلها . أه .
              وما ذكرناه من الأكل والإهداء ؛ فعلى سبيل الاستحباب لا الوجوب ، وذهب بعض العلماء إلى وجوب الأكل منها ، ومنع الصدقة بجميعها لظاهر الآية والأحاديث ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في حجة الوداع من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فطبخت ، فأكل من لحمها وشرب من مرقها . رواه مسلم من حديث جابر(7 .
              ويجوز ادخار ما يجوز أكله منها ؛ لأن النهي عن الادخار منها فوق ثلاث منسوخ على قول الجمهور ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : بل حكمه باق عند وجود سببه وهو المجاعة ؛ لحديث سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء )) ، فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله ، نفعل كما فعلنا في العام الماضي ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( كلوا وأطعموا وادخروا ، فإن ذلك العام كان الناس في جهد فأردت أن تعينوا فيها )) . متفق عليه(79) . فإذا كان في الناس مجاعة زمن الأضحى ؛ حرم الادخار فوق ثلاث وإلا فلا بأس به .
              ولا فرق فيما سبق من الأكل والصدقة والإهداء من لحوم الأضاحي بين الأضحية الواجبة والتطوع ، ولا بين الأضحية عن الميت أو الحي ، ولا بين الأضحية التي ذبحها من عنده أو التي ذبحها لغيره بوصية ،فإن الموصى إليه يقوم مقام الموصي في الأكل والإهداء والصدقة ، فأما الوكيل عن الحي فإن أذن له الموكل في ذلك أو دلت القرينة أو العرف عليه فعله ، وإلا سلمها للموكل كاملة وهو الذي يقوم بتوزيعها .
              ويحرم أن يبيع شيئا منها من لحم أو شحم أو دهن أو جلد أو غيره ؛ لأنها مال أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ، ولا يعطي الجازر شيئا منها في مقابلة أجرته أو بعضها ؛ لأن ذلك بمعنى البيع .
              فأما من أهدي له شيء منها أو تصدق به عليه فله أن يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره ؛ لأنه ملكه ملكا تاما فجاز له التصرف فيه ، وفي (( الصحيحين )) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ألم أر البرمة فيها لحم ؟ )) قالوا : بلى ، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة ، قال (( عليها صدقة ولنا هدية )) وفي لفظ البخاري : (( ولكنه لحم تصدق به على بريرة فأهدته لنا )) ولمسلم : (( هو عليها صدقة ، وهو منها لنا هدية )) (80).
              لكن لا يشتريه من أهداه أو تصدق به ؛ لأنه نوع من الرجوع في الهبة والصدقة ، وفي (( الصحيحين )) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص ، فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال (( لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم ، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه ))(81)
              فإن عاد إلى من أهداه أو تصدق به بإرث مثل أن يهدي إلى قريب له أو يتصدق عليه ثم يموت فيرثه من أهداه أو تصدق به ، فإنه يعود إليه ملكا تاما يتصرف فيه كما شاء على وجه مباح ؛ لما رواه مسلم عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، (1620) إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( وجب أجرك وردها عليك الميراث )) (82).

              --------------------

              (74)رواه مسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي، رقم (1971)
              (75)رواه البخاري، كتاب الأضاحي ، باب ما يؤكل من لحوم الاضاحي وما يتزود منها، رقم (5569)
              (76)رواه مسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، رقم (1961)
              (77)تفسير ابن أبي حاتم (8/2489)
              (7رواه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم 0121
              (79)سبق تخريجه
              (80)رواه البخاري، كتاب النكاح، باب الحرة تحت العبد، رقم (5097) ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، رقم (1504)
              (81)رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب هل يشتري صدقته؟ رقم (1490)، ومسلم كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به، رقم (1620).
              (82)رواه مسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، رقم (1149)
              يتبع إن شاء الله...
              http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_17993.shtml

              تعليق

              يعمل...
              X