بَابُ التيمّم
التيمم في اللغة: القصد، قال تعالى : { وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ }.
ثم نقل -في عرف الفقهاء- إلى مسح الوجه واليدين، بشيء من الصعيد، لأن الماسح. قصد إلى الصعيد. وقد عرفه بعض العلماء بقوله : طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله .
وهو من خصائص هذه الأمة المحمدية التي يسر الله أمورها، وسهَّل عليها شريعتها، وجعل لها من الحرج فرجا، ومن الضيق مخرجا، وطهر باطنها وظاهرها، بركة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
فإن من عدم الماء -الذي هو أحد أصلي الحياة- تعوض عنه بالأصل الثاني الذي هو التراب، لئلا يفقد الطهارة إطلاقا، فإن طهارة الماء تطهر الظاهر والباطن.
فإذا عدمت هذه الأداة الكاملة، رجعنا إلى صورة الطهارة بأداة التراب، لتحصل الطهارة الباطنة.
فلا شك في حكمته، ولا ريب في فائدته، لمن رُزق السعادة في الفهم.
وهو ثابت في الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وإجماع الأمة المحمدية المهدِيَّةِ ويقتضيه القياس الصحيح.
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَين رَضيَ الله عَنْهُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلا مُعْتَزِلا لَمْ يُصَلِّ في القَوْم فقالَ: "يَافُلان مَا مَنَعَك أنْ تُصَلِّىَ في الْقَوْم؟" فقال يَا رَسُولَ الله أصابتني جَنَابة وَلا مَاءَ، فقال: عَلَيْكَ بالصعِيِدِ فًإنَّهُ يَكْفِيكَ " رواه البخاري.
غريب الحديث:
1- "معتزلا" : منفرداً عن القوم، متنحيا عنهم، وهو خلاد بن رافع رضى الله عنه، وكان ممن شهد بدراً.
2- "الصعيد" : وجه الأرض وما علا منها.
المعنى الإجمالي :
صلّى النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة صلاة الصبح، فلما فرغ من صلاته رأى رجلا لم يصل معهم.
فكان من كمال لطف النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن دعوته إلى الله، أنه لم يعنفْهُ على تخلفِه عن الجماعة، حتى يعلم السبب في ذلك.
فقال: يافلان، ما منعك أن تصلى مع القوم؟.
فشرح عذره- في ظنه- للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه قد أصابته جنابة ولا ماء عنده، فأخر الصلاة حتى يجد الماء ويتطهر.
فقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قد جعل لك- من لطفه- ما يقوم مقام الماء في التطهر، وهو الصعيد، فعليك به، فإنه يكفيك عن الماء.
ما يؤخذ من الحديث:
1- التيمم ينوب مناب الغسل في التطهير من الجنابة.
2- أن التيمم لا يكون إلا لعادم الماء أو المتضرر باستعماله وقد بسط الرجل عذره وهو عدم الماء، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
3- لا ينبغي لمن رأى مقصرا في عمل، أن يبادره بالتعنيف أو اللوم، حتى يستوضح عن السبب في ذلك، فلعل له عذراً، وأنت تلوم.
4- جواز الاجتهاد في مسائل العلم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ظن الصحابي أن من أصابته الجنابة لا يصلى حتى يجد الماء، وانصرف ذهنه إلى أن آية التيمم خاصة بالحدث الأصغر.
كيفية التيمم
عَنْ عمار بن يَاسِر رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَال: بَعَثنِي رَسُولُ اللَه صلى الله عليه وسلم في حَاجَةٍ فَأجْنَبْتُ فَلَمْ أجدِ الْمَاءَ فَتَمَرغْتُ في الصعِيدِ كمَا تَمَرَغُ الدَّابة ثمً أتيْتُ النًبيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ: " إنَّما كان يَكْفِيكَ أن تَقولَ بِيَدَيْكَ هكَذَا " ثمَّ ضَرَبَ بيَدَيْهِ الأرْض ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُم مَسَح الشِّمَالَ عَلى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَيهِ ووَجهَهُ.
غريب الحديث:
1- "فتمرغت في الصعيد" : تقلب في الأرض حتى عمَّ بدنه التراب.
2- "أن تقول بيديك" : يراد بالقول الفعل، وهو كثير في لسان الشرع ولغة العرب.
المعنى الإجمالي:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم "عمار بن ياسر" في سفر لبعض حاجاته، فأصابته جنابة، فلم يجد الماء ليغتسل منه، وكان لا يعلم حكم التيمم للجنابة، وإنما يعلم حكمه للحدث الأصغر. فاجتهد وظن أنه كما مسح بالصعيد بعض أعضاء الوضوء عن الحدث الأصغر، فلابد أن يكون التيمم من الجنابة بتعميم البدن بالصعيد، قياسا على الماء، فتقلَّب في الصعيد حتى عمه البدن وصلَّى.
فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في نفسه مما عمله شيء ، لأنه عن اجتهاد منه، ذكر له ذلك، ليرى، هل هو على صواب أو لا؟.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يكفيك عن تعميم بدنك كله بالتراب أن تضرب بيديك الأرض، ضربة واحدة، ثم تمسح شمالك على يمينك، وظاهر كفيك ووجهك.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء: هل يجزئ في التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين أو لابد من ضربتين؟ وهل لابد من المسح على اليدين إلى المرفقين.
فذهب بعضهم ومنهم الشافعي - إلى أنه لابد من ضربتين.، واحدة للوجه والأخرى لليدين إلى المرفقين، محتجين بأحاديث.
منها ما رواه الدارقطني عن ابن عمر "التيمم مرتان ، ضَرْبَة للوجه وَضَربة لليَدَيْن إِلَى المِرفَقَيْنِ".
وذهب الجمهور، ومنهم الإمام أحمد، والأوزاعى، وإسحاق ، وأهل الحديث : إلى أن التيمم ضربة واحدة، وأنه لا يمسح بها إلا الوجه والكفان مستدلين بأحاديث صحيحة، منها حديث. عمار هذا. قال ابن حجر: وكان عمار يفتي به بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم والراوي للحديث أعرف بمراده.
وأجابوا عن أحاديث الضربتين والمرفقين، بما فيها من المقال المشهور.
ولا نجعل تلك الأحاديث في صف الأحاديث الصحاح الواضحة. قال ابن عبد البر: أكثر الآثار المرفوعة عن عمار ضربة واحدة. وما روي من ضربتين فكلها مضطربة. وقال ابن دقيق العيد: ورد في حديث التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين، إلا أنه لا يقاوم هذا الحديث في الصحة، ولا يعارض مثله بمثله.
وقال الخطابي: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وهذا المذهب أصح في الرواية.
... ما يؤخذ من الحديث:
1- التيمم للغسل من الجنابة.
2- أنه لابد من طلب الماء قبل التيمم.
3- صفة التيمم، وهو ضرب الأرض مرة واحدة، ثم مسح الوجه واليدين وتعميمها بالمسح. قال ابن رشد: إطلاق اسم اليد على الكف أظهر من إطلاقه على الكف والساعد.
4- ذكر الصنعانى أن العطف في روايات هذا الحديث قد جاء بالواو وتفيد العطف مطلق وجاء بالفاء وثم وتفيدان الترتيب- والترتيب زيادة، والزيادة من العدل مقبولة فيحمل مجموع ما في الصحيحين على الترتيب. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تقديم اليدين على الوجه لا قولا ولا فعلا.
5- أن التيمم للحدث الأكبر، كالتيمم للحدث الأصغر، في الصفة والأحكام.
6- الاجتهاد في مسائل العبادات.
7- أن المجتهد إذا أدَّاه اجتهاده إلى غير الصواب، وفعل العبادة، ثم تبين له الصواب بعد ذلك فإنه لا يعيد تلك العبادة.
بيان الأمور الخمسة التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم
مصدر كتاب تيسير العلام شرح عمدة الأحكام باب التيمم
التيمم في اللغة: القصد، قال تعالى : { وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ }.
ثم نقل -في عرف الفقهاء- إلى مسح الوجه واليدين، بشيء من الصعيد، لأن الماسح. قصد إلى الصعيد. وقد عرفه بعض العلماء بقوله : طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله .
وهو من خصائص هذه الأمة المحمدية التي يسر الله أمورها، وسهَّل عليها شريعتها، وجعل لها من الحرج فرجا، ومن الضيق مخرجا، وطهر باطنها وظاهرها، بركة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
فإن من عدم الماء -الذي هو أحد أصلي الحياة- تعوض عنه بالأصل الثاني الذي هو التراب، لئلا يفقد الطهارة إطلاقا، فإن طهارة الماء تطهر الظاهر والباطن.
فإذا عدمت هذه الأداة الكاملة، رجعنا إلى صورة الطهارة بأداة التراب، لتحصل الطهارة الباطنة.
فلا شك في حكمته، ولا ريب في فائدته، لمن رُزق السعادة في الفهم.
وهو ثابت في الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وإجماع الأمة المحمدية المهدِيَّةِ ويقتضيه القياس الصحيح.
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَين رَضيَ الله عَنْهُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلا مُعْتَزِلا لَمْ يُصَلِّ في القَوْم فقالَ: "يَافُلان مَا مَنَعَك أنْ تُصَلِّىَ في الْقَوْم؟" فقال يَا رَسُولَ الله أصابتني جَنَابة وَلا مَاءَ، فقال: عَلَيْكَ بالصعِيِدِ فًإنَّهُ يَكْفِيكَ " رواه البخاري.
غريب الحديث:
1- "معتزلا" : منفرداً عن القوم، متنحيا عنهم، وهو خلاد بن رافع رضى الله عنه، وكان ممن شهد بدراً.
2- "الصعيد" : وجه الأرض وما علا منها.
المعنى الإجمالي :
صلّى النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة صلاة الصبح، فلما فرغ من صلاته رأى رجلا لم يصل معهم.
فكان من كمال لطف النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن دعوته إلى الله، أنه لم يعنفْهُ على تخلفِه عن الجماعة، حتى يعلم السبب في ذلك.
فقال: يافلان، ما منعك أن تصلى مع القوم؟.
فشرح عذره- في ظنه- للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه قد أصابته جنابة ولا ماء عنده، فأخر الصلاة حتى يجد الماء ويتطهر.
فقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قد جعل لك- من لطفه- ما يقوم مقام الماء في التطهر، وهو الصعيد، فعليك به، فإنه يكفيك عن الماء.
ما يؤخذ من الحديث:
1- التيمم ينوب مناب الغسل في التطهير من الجنابة.
2- أن التيمم لا يكون إلا لعادم الماء أو المتضرر باستعماله وقد بسط الرجل عذره وهو عدم الماء، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
3- لا ينبغي لمن رأى مقصرا في عمل، أن يبادره بالتعنيف أو اللوم، حتى يستوضح عن السبب في ذلك، فلعل له عذراً، وأنت تلوم.
4- جواز الاجتهاد في مسائل العلم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ظن الصحابي أن من أصابته الجنابة لا يصلى حتى يجد الماء، وانصرف ذهنه إلى أن آية التيمم خاصة بالحدث الأصغر.
كيفية التيمم
عَنْ عمار بن يَاسِر رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَال: بَعَثنِي رَسُولُ اللَه صلى الله عليه وسلم في حَاجَةٍ فَأجْنَبْتُ فَلَمْ أجدِ الْمَاءَ فَتَمَرغْتُ في الصعِيدِ كمَا تَمَرَغُ الدَّابة ثمً أتيْتُ النًبيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ: " إنَّما كان يَكْفِيكَ أن تَقولَ بِيَدَيْكَ هكَذَا " ثمَّ ضَرَبَ بيَدَيْهِ الأرْض ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُم مَسَح الشِّمَالَ عَلى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَيهِ ووَجهَهُ.
غريب الحديث:
1- "فتمرغت في الصعيد" : تقلب في الأرض حتى عمَّ بدنه التراب.
2- "أن تقول بيديك" : يراد بالقول الفعل، وهو كثير في لسان الشرع ولغة العرب.
المعنى الإجمالي:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم "عمار بن ياسر" في سفر لبعض حاجاته، فأصابته جنابة، فلم يجد الماء ليغتسل منه، وكان لا يعلم حكم التيمم للجنابة، وإنما يعلم حكمه للحدث الأصغر. فاجتهد وظن أنه كما مسح بالصعيد بعض أعضاء الوضوء عن الحدث الأصغر، فلابد أن يكون التيمم من الجنابة بتعميم البدن بالصعيد، قياسا على الماء، فتقلَّب في الصعيد حتى عمه البدن وصلَّى.
فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في نفسه مما عمله شيء ، لأنه عن اجتهاد منه، ذكر له ذلك، ليرى، هل هو على صواب أو لا؟.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يكفيك عن تعميم بدنك كله بالتراب أن تضرب بيديك الأرض، ضربة واحدة، ثم تمسح شمالك على يمينك، وظاهر كفيك ووجهك.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء: هل يجزئ في التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين أو لابد من ضربتين؟ وهل لابد من المسح على اليدين إلى المرفقين.
فذهب بعضهم ومنهم الشافعي - إلى أنه لابد من ضربتين.، واحدة للوجه والأخرى لليدين إلى المرفقين، محتجين بأحاديث.
منها ما رواه الدارقطني عن ابن عمر "التيمم مرتان ، ضَرْبَة للوجه وَضَربة لليَدَيْن إِلَى المِرفَقَيْنِ".
وذهب الجمهور، ومنهم الإمام أحمد، والأوزاعى، وإسحاق ، وأهل الحديث : إلى أن التيمم ضربة واحدة، وأنه لا يمسح بها إلا الوجه والكفان مستدلين بأحاديث صحيحة، منها حديث. عمار هذا. قال ابن حجر: وكان عمار يفتي به بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم والراوي للحديث أعرف بمراده.
وأجابوا عن أحاديث الضربتين والمرفقين، بما فيها من المقال المشهور.
ولا نجعل تلك الأحاديث في صف الأحاديث الصحاح الواضحة. قال ابن عبد البر: أكثر الآثار المرفوعة عن عمار ضربة واحدة. وما روي من ضربتين فكلها مضطربة. وقال ابن دقيق العيد: ورد في حديث التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين، إلا أنه لا يقاوم هذا الحديث في الصحة، ولا يعارض مثله بمثله.
وقال الخطابي: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وهذا المذهب أصح في الرواية.
... ما يؤخذ من الحديث:
1- التيمم للغسل من الجنابة.
2- أنه لابد من طلب الماء قبل التيمم.
3- صفة التيمم، وهو ضرب الأرض مرة واحدة، ثم مسح الوجه واليدين وتعميمها بالمسح. قال ابن رشد: إطلاق اسم اليد على الكف أظهر من إطلاقه على الكف والساعد.
4- ذكر الصنعانى أن العطف في روايات هذا الحديث قد جاء بالواو وتفيد العطف مطلق وجاء بالفاء وثم وتفيدان الترتيب- والترتيب زيادة، والزيادة من العدل مقبولة فيحمل مجموع ما في الصحيحين على الترتيب. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تقديم اليدين على الوجه لا قولا ولا فعلا.
5- أن التيمم للحدث الأكبر، كالتيمم للحدث الأصغر، في الصفة والأحكام.
6- الاجتهاد في مسائل العبادات.
7- أن المجتهد إذا أدَّاه اجتهاده إلى غير الصواب، وفعل العبادة، ثم تبين له الصواب بعد ذلك فإنه لا يعيد تلك العبادة.
بيان الأمور الخمسة التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم
مصدر كتاب تيسير العلام شرح عمدة الأحكام باب التيمم
تعليق