أشرع بحمد الله و عونه بتفريغ أشرطة شرح مقدمة إبن أبي زيد القيرواني، شرح الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى:
قال الشيخ ،نفعنا بعلمه، بعد أن أثنى على الله تعالى:
أما بعد فنبدأ بهذه الدروس بالكلام على مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله في بيان عقيدة السلف، و قبل أن نبدأ بها نتكلم في هذا الدرس بكلام عام في العقيدة و في منهج أهل السنة في العقيدة و كذلك في وسطية أهل السنة و الجماعة بين المشبهة و المعطلةفي أسماء الله عزوجل و صفاته ، و قبل ذلك نقول : أن مؤلف الرسالة الذي هو إبن أبي زيد القيرواني ألف رسالته في فقه الإمام مالك رحمه الله و كانت هذه الرسالة مشتملة على الفروع و الأصول و مشتملة على الفقه الأكبر و الفقه الأصغر ، الفقه الأكبر الذي هو الأصول، أصول الدين، و الفقه الأصغر الذي هو فروع الدين ، فروع الشريعة الذي هو مسائل الفقه المتعلقة بالعبادات و المعاملات و ما إلى ذلك، و كان رحمه الله عز و جل ألف رسالته مشتملة على هذا و هذا، و بدأها بمقدمة ختصرة و لكنها مفيدة و قيمة و عظيمة في بيان مذهب أو منهج سلف هذه الأمة في العقيدة و كان كتابه الذي هو الرسالة مشتمل على الأصول و الفروع .
و الإمام ابن أبي زيد القيرواني من علماء القرن الرابع الهجري، كانت ولادته سنة عشر و ثلاث مائة ووفاته سنة ست وثمانين و ثلاث مائة و عمره ست وسبعون سنة، وكان رحمه الله الذين ترجموا له يثنون عليه كثيرا، و ما رأيت كلاما فيه أو نيلا منه، يعني فيمن وقفت له ممن ترجم له، و إنما كل ما عندهم إنما هو الثناء عليه و بيان يعني عظيم منزلته و علو قدره و تمكنه يعني في مذهب الإمام مالك و أنه عمدة فيه، و أنه على منهج السلف و على طريقة السلف في العقيدة، و لهذا لما ترجم له الذهبي في "سير أعلام النبلاء" قال: "وكان في الأصول على طريقة السلف، لم يجر الكلام ولم يتأول" يعني ليس له علاقة بعلم الكلام و لم يكن مشتغلا بعلم الكلام و لم يكن من المتأولين ، و إنما هو على طريقة السلف. و كان رحمه الله موضع ثناء العلماء عليه في عبادته و في علمه و في أمره بالمعروفو نهيه عن المنكر و نصحه و دعوته و توجيهه، و كل ما تشتمل عليه ترجمته هو الثناء و لم أر شيئا يتعلق بالنيل منه أو بالكلام فيه بما لا ينبغي بل كل ما ذكر في تر في ترجمته ته إنما هو ثناء و مدح و تعظيم لذلك الرجل رحمه الله.
و عقيدة السلف كما هو معلوم مبنية على اتباع الكنب و السنة ، مبنية على الدليل، مبنية على لوحي، مبنية على ما نزل من السماء من عند الله عز و جل، من الوحي الذي هو كتاب و سنة، فعقيدتهم جاءت من الله و لم تخرج من الأرض و ذلك بأخذها عن طريق أولئك الذين خرجوا من الأرض و الذين ظهروا من الأرض و الذين هم الناس، و إنما هي جاءت من عند الله عزوجل، فمبنية على اتباع الكتاب و السنة و على اتباع الدليل، و ليست مبنية على الرأي أو على الكلام المذموم ، و من المعلوم أن النبي الكريم عليه الصلاة و السلام بيّن طريق السلامة و النجاة و أن الفرقة الناجية هي التى ظفرت بالنجاة عند الإختلاف، هي فرقة واحدة من فرق ثلاث و سبعين، و هذه الفرق الثلاث و السبعين هم من المسلمين و لكن اثنان و سبعون انحرفوا عن الجادة و حادوا عن طريق الحق و الهدى و منهم من يكون بعيدا جدا و منهم من يكون قريبا و لم يسلم و لم ينج إلا فرقة واحدة من ثلاث وسبعين وصفها رسول الله صلى الله عليه و سلم و بيّن يعنى علامتها في قوله في الحديث " و ستفترق هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قيل من هم يا رسول الله؟ قال:" الجماعة. " و في لفظ قال: "ما أنا عليه و أصحابي"، فإذاً الذي كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة و السلام هو الحق و الهدى هو الذي فيه السلامة و النجاة و أهله هم الناجون لأنهم استمدوا عقائدهم من الوحي الذي فيه العصمة و الذي فيه السلامة و الذي الأخذ به فيه سعادة الدارين لأنه جاء من عند الله عزوجل فهو منهج مستقيم و عقيدة سليمة مبنية على اتباع الكتاب و السنة و لهذا النبي صلى الله عليه و سلم كما عرفنا في هذا الحديث بيّن أن الفرقة الناجية هي فرقة واحدة و هي التي تكون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه و من المعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة و السلام و أصحابه الكرام إنما كانوا على ما جاءت به النصوص في كتاب الله عزوجل و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام لم يشتغلوا بالتأويل و لا بالتحريف و لا بالتعطيل و لا بالتكييف و لا بالتمثيل و إنما أثبنوا ما أثبته الله لنفسه و أثبته له رسوله عليه الصلاة و السلام من الأسماء و الصفات على الوجه اللائق بكمال الله و جلاله دون أن يكونوا مع إثباتهم مشبهين ممثلين مكيّيفين و دون أن يكونوا غير مثبتين بأن يكونوا معطلين أو يكونوا محرفين أو يكونوا مؤولين و إنما هم مثبتون مع التنزيه كما قال الله عزوجل {ليس كمثله شيء و هو السميع البصير} فأثبت السمع و البصر بقوله {و هو السميع البصير} و نفى المشابهة في قوله {ليس كمثله شيء} و هذه الآية الكريمة أصل في هذا الباب، الذي يعول عليه في هذا الباب و هي أن يثبت لله ما أثبته لنفسه و أثبته له رسوله، فقوله {و هو السميع البصير } هذا إثبات، و قوله {ليس كمثله شيء} هذا تنزيه، فله سمع لا كالأسماع و بصر لا كالأبصار و كذلك ... (كلمة غير مفهومة، أظنه قال: نفي التشبيه في) جميع الصفات، كلها من باب واحد، و لذلك من القواعد التى يعول عليها أهل السنة في باب أسماء الله و صفاته أنهم يقولون أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنه يثبت لله ذات ليست كالذوات و كذلك صفاته تثبت و ليست كالصفات. و كذلك يقولون: "القول في الصفات كالقول في البعض الآخر" فرق بين صفة و صفة، كلها تثبت على وجه يليق بجلاله و كماله، دون تشبيه و تمثيل و دون تعطيل أو تأويل و تحريف بل على حد قول الله تعالى {ليس كمثله شيء و هو السميع البصير}، و النبي صلى الله عليه و سلم بيّن في حديث العرباض بن سارية أن الإختلاف سيوجد و أنه سيكون كثيرا مع وجوده و أرشد عليه الصلاة و السلام عند كثرة هذا الإختلاف و عند وجود هذا الإختلاف و كثرته، أرشد إلى طريق العصمة و السلامة و النجاة وذلك بالتمسك بسنة رسول الله عليه الصلاة و السلام و سنة الخلفاء الراشدين المهديين حيث قال عليه الصلاة و السلام :"فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا " يعنى أنه لابد أن يوجد الإختلاف و مع وجوده أيضا سيكون كثيرا، ما هو اختلاف قليل إذا وجد بل يكون اختلافا كثيرا، ثم إنه عليه الصلاة و السلام أرشد إلى طريق السلامة و النجاة عند هذا الإختلاف فقال : "عليكم بسنتي" عندما يوجد الإختلاف و عتدما يحصل الإختلاف الكثير، طريق النجاة وطريق السلامة هو اتباع الدليل و اتباع السنة "فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي تمسّكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إيّاكم و محدثات الأمور فإنّ كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة " فقد بيّن عليه الصلاة و السلام أن الإختلاف سيوجد و أن مع وجوده سيكون كثيرا و أنّ طريق السلامة و النجاة عند هذا الإختلاف إنما هي باتباع الدليل، إنما هي باتباع السنة، إنما هي بالتعويل على ما جاء عن الله و عن رسول الله صلوات الله سلامه عليه و لهذا قال :"فعليكم بسنتي " فكأنه قيل: يا رسول الله، ماذا تأمرنا به عند هذا الإختلاف؟ ما هي طريق السلامة و النجاة عند هذا الإختلاف؟ قال: "عليكم بسنتي و سنة الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور" فرغّب و رهّب، فرغّب في اتباع السنن و رهّب من البدع ...
يتبع إن شاء الله تعالى
تعليق