شرح كتاب أصل السنة وإعتقاد الدين للإمامين الرازيين أبي زرعة الرازي وأبي حاتم الرازي للشيخ عبيد بن
شرح كتاب أصل السنة وإعتقاد الدين للإمامين الرازيين أبي زرعة الرازي وأبي حاتم الرازي-رحمهما الله-
الشرح للشيخ العلامة: عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري –حفظه الله ورعاه-
تنبيه : الأشرطة موجودة في تسجيلات ابن رجب - المدينة و تسجيلات نداء الإسلام -الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
قال عبد الرحمن ابن أبي حاتم :"سألت أبي وأبا زرعة –رضي الله عنهما – عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا:"أدركنا العلماء في جميع الأمصار- حجازاًوعراقاًومصراًوشاماًويمناً-فكان من مذهبهم :أن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص"
الشرح:الحمد لله والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن سؤال الإمام عبدالرحمن بن محمد بن أبي حاتم والده محمد بن أبي حاتم بن إدريس الرازي وكذلك سؤاله الإمام أبا زرعة واسمه عبيد الله بن عبد الكريم –رحمة الله على الجميع –يدل دلالةً قوية على أن السلف الصالح-رحمهم الله- حريصون على فهم العقيدة الصحيحة التي جاء بها الكتاب والسنة،كما أنهم حريصون على أخذها عن الأئمة المتقدمين الذين سبقوهم في الإمامة وجلالة القدر والفضل والإمامة في الدين ،وهذا تطبيق عملي لما جاء عن ابن مسعودوابن عمر –رضي الله عنهما-"من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة" وفي ذلك مارواه الأئمة- أئمة السلف-عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال:" لايزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم عن أصحاب محمد-صلى الله عليه وسلم _وأكابرهم ،فإذا أتاهم العلم عن أصاغرهم هلكوا" وقد بدأ الإمامان سائلهما عبدالرحمن بن محمد بن أبي حاتم الرازي جوابه بما أدركا عليه الأئمة قبلهما من صحة المعتقد والسنة الخالية من شوب البدعة ،فبدئا أولاً بالإيمان لأن الإيمان بالله سبحانه وتعالى وما جاء عنه والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره هو أصل الأصول ولهذا بدئا به فذكرا أن الأئمة –أئمة السنة-يقولون:الإيمان هكذا قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويعنون بالقول:قول القلب وقول اللسان وبالعمل عمل الجوارح ،فقول القلب هو :حركته وعزمه على فعل الخيرات وجميع الطاعات من واجبات ومستحبات،كما أنه يتضمن حركته النافرة من ما يغضب الله سبحانه وتعالى وأعظم ذلك الشرك به ثم سائرالمعاصي والبدع ،واعتقاد القلب:هو تصديقه جميع ما يكون عن الله من أوامر ونواهي ومحبته الأوامر بالفعل ومحبته الأوامر بالترك ،وقول اللسان :النطق ومن أمثلة ذلك:قراءة القرآن وقول لاإله إلاالله والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والدعاء،وعمل الجوارح: الأعمال التعبدية مثل: الصلاة والزكاة والصيام.
فالإيمان يزيد عند أهل السنة بالطاعات وينقص عندهم بالمعاصي ،فالمعاصي تنقص الإيمان وتكدر صفوه، وفي هذا التعريف رد على المرجئة بطائفتيها:سواء الغلاةوهم الذين يرون أن الإيمان هو التصديق أو القول والتصديق وقاعدتهم في ذلك:لا يضر مع الإيمان ذنب ولا ينفع مع الكفر طاعة،كذلك الرد على المرجئة المتوسطة فالأولى مرجئة الجهمية والثانية المتوسطة ،فالإيمان عندهم هو:القول والإعتقاد ، والعمل ليس من مسمى الإيمان، وقول أهل السنة :هو ما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه أئمة السنة ،فمن الكتاب الكريم قول الحق -جل ثنائه- "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون" فالشاهد من هذه الآية:ذكر الجهاد ضمن خصال الإيمان وهو عمل ،ومن السنة :حديث أبي هريرة وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال :"الإيمان بضع وستون شعبة أوقال بضع وسبعون شعبة أعلاها وفي رواية: أفضلها قول لاإله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"ووجه الدلالة:فيما تضمنه من شعب الإيمان، فالقول شاهده:قول لاإله إلا الله،والعمل شاهده :إماطة الأذى عن الطريق،والقلب أوالإعتقاد في القلب شاهده:"والحياء شعبةمن الإيمان "فالحياء أمر قلبي يحمل المرء على البعد عن كل ما هو قبيح من أقوال وأفعال وكذلك خوارم المروئة من أقوال وأفعال لكن تظهر آثار ذلك على الجوارح فهو أمر قلبي .
قالا –رحمهما الله -:"والقرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته"
الشرح:كان السلف يكتفون في أول الأمر في عهد الصحابة وأئمة التابعين بقولهم:القرآن كلام الله ،فلما جاءت الجهمية –وريثة الفلسفة اليهودية –من طريق الجعد بن درهم ثم ورثتهم من بعد المعتزلة أصحاب واصل بن عطاء الغزال و الذين إنتهى بهم الأمر إلى أن القرآن مخلوق وشاركهم في هذا طوائف من المبتدعة فمنهم من قال القرآن كله ،القرآن مخلوق يعني :كله الحروف والمعاني ،ومنهم من يقول: القرآن كلام الله لكن خلقه الله في غيره فهو يضاف إلى الله إضافة مجازية فالله لم يتكلم عندهم ومنهم من يقول :الحروف مخلوقة ومعنى القرآن هو كلام الله فالقرآن عبارة عن كلام الله أو حكاية عن كلام الله فالأول قول الأشاعرة والثاني قول الكلابية،وهذه الطوائف كلها ضالة مضلة فاضطر السلف بعد هذه الفلسفات الكلامية المفسدة للعقيدة لمن تتلمذ عليها ،اضطر السلف أن يقولوا :القرآن كلام الله منزل غير مخلوق،سواءكتب في المصاحف أوحفظ في الصدور أو تلي في الألسن كيفما تصرف فيه فهوكلام الله ولا يخرج بشيء منها عن كونه كلام الله ولهذا يقولون:الصوت صوت القاري والكلام كلام الباري ،وقول الإمامين –رحمهما الله-الذي نقله عنهما ابن أبي حاتم –عبد الرحمن-"بجميع جهاته " أظنه يقصد :الحروف والمعاني وحميع التصرفات التي يتصرف بها المسلمون من تلاوته بالألسن وحفظه بالصدور وكتابته في المصاحف هو في هذه الجهات كلها كلام الله سبحانه وتعالى حروفه ومعانيه والله أعلم.
قالا-رحمهما الله-:"والقدر خيره وشره من الله –عز وجل-"
الشرح: القدر هو أحد أركان الإيمان الستة ،دل عليه القرآن والسنة وإجماع الأئمة،قال الله تعالى "إنا كل شيئ خلقناه بقدر" وقال جل ثنائه "وخلق كل شيئ فقدره تقديرا" ومن السنة :حديث عمر الذي أخرجه مسلم في صحيحه وهو معروف ومشهور عند علماء الإسلام بحديث جبريل لأن السائل عما تضمنه ذلك الحديث من الأسئلة هو جبريل –صلى الله عليه وسلم – يسأل محمداً –صلى الله عليه وسلم-فمن تلك الأسئلة قال :"أخبرني ما الإيمان" قال "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، واعلم أن الإيمان بالقدر لا يتحقق إلا بأربعة أمور هي مراتبه :
الأول : الإيمان بأن الله عز وجل علم ما كان وما سوف يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، علم الله الواسع المحيط بالكون كله وما يجري فيه وما جرى فيه مما هو ماض وحاضر ومستقبل ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وضمن هذا العلم : العلم بما الخلق عاملون والعلم بأحوالهم وآجالهم وأرزاقهم .
الثاني : الكتابة ، وذلك أن الله عز وجل كتب مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة –هكذا رويت -،وتضمنت هذه الكتابة جميع ما علمه الله سبحانه وتعالى من أحوال الكون وما يجري فيه ،فإنه -سبحانه وتعالى – لما خلق القلم قال له: أكتب قال وما أكتب قال : أكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة .
الثالث : الخلق ، فإن الله سبحانه وتعالى هو خالق وليس بمخلوق ومن ذلك صفاته ليست بمخلوقة لأن صفاته قائمة به –جل وعلى- متصف بها فهي ليست خارجة عنه وما سوى الله –عز وجل – بذاته وصفاته ما سواه من الكون سمائه وأرضه وملائكته و إنسه وجنه وحيواناته وحشراته ودوابه وسهوله وجباله ، كلها مخلوقه له-سبحانه وتعالى-خلقها على ما تقتضيه حكمته ، فما من مخلوق فيه خير أو شر إلا ولله-سبحانه وتعالى– فيه حكمة.
الرابع :المشيئة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ،وفي هذا رد على القدرية الأولى الغلاة في نفي القدر والذين يقولون: لا قدر والأمر أنف ،وقد ظهرت هذه المقولة في آخر عصر الصحابة وأول من تكلم بها معبد بن خالد الجهني فاستنكرها أهل الإعتقاد الصحيح من المسلمين علماء وغير علماء لأنهم رأوها محدثة وأحبوا أن يسمعوا فيما يؤيد قولهم واعتقادهم أنها محدثة شيئا من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- فأتى منهم رجلان إلى الحج قالا :لعلنا نلقى رجلاً من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- فكان من فضل الله عليهما وعلى جميع المسلمين بعدهما أنهما إلتقيا بعبدالله بن عمر –رضي الله عنهما- ،وليس هذا مني حطُُ من شأن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- بل وما أظنهما لو لقيا رجلا آخر من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – إلا ويجدان فيه ما يشفي العليل ويروي الغليل ، ونحن إعتقادنا في أن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم متفاضلون في العلم وفي السابقة وابن عمر –رضي الله عنه- ممن عرف فضله وعلمه وسابقته ، فقالا :يا أبا عبد الرحمن إن قبلنا قوماً يقولون لا قدر والأمر أنف ، فقال :أخبروهم أني بريئ منهم وأنهم برآء مني والله لو كان عند أحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ما تقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ".
كما أن في هذا الكلام الذي نقله عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة الآخر رد على القدرية الثانية وهم الجبرية يسمون قدرية لأنهم غلو في إثبات القدر حتى سلبوا العبد إختياره وحريته في العمل ، ففاعل الخير والشر عندهم من العباد مجبور ولا اختيار له هو مجبر على ما يفعل من خير أو شر ،فالرد عليهم بما تقدم وكذلك بالقرآن ومنها قوله–جل وعلى -:"وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " وقوله" لمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " وغير ذلك من الآيات التي تدل قطعاً وصراحةً على أن العبد له مشيئة والله له مشيئة ولكن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل ، وأجمع أئمة السنة على أن العبد هو المصلي والصائم والبر والفاجر والمطيع والعاصي والمسلم والكافر ،هكذا يوصف العبد فلو كان مجبراً لم يستحق ثوابا على ما عمل من الطاعات كما أنه لم يستحق عقابا على ما فعله من المعاصي ، لأن الله بزعمهم أجبره ، أقول: والمجبر –وهو من الرد عليهم -لا ينسب إليه فعل، كما اجمع أهل السنة على أن من فعل المعصية باختياره وعلمه أنها معصية وجب عليه التوبة وإلا لقي الله عاصياً مع إعتقادهم أنه تحت مشيئة الله إن مات على التوحيد ، كما أنهم مجمعون على أن من ركب حداً من حدود الله أقيم عليه الحد إذا ثبت ، وكذلك من إقترف إثما يوجب العقوبة التعزيرية عزر ، فعلى قول المجبرة الذين هم الجبرية لايكون ثمة شيئ من هذا فالزاني البكر لا يجلد ولا يغرب والمحصن لا يرجم والقاتل عمدا لايقتص منه لأن الله أجبره بزعمهم، فعلم بهذا أن عقيدة الطائفتين باطلة وأن كلتا الطائفتين ضالة مضلة لمخالفتهما النص والإجماع .
قالا –رحمهما الله-:"وخير هذه الأمة بعد نبيها –عليه السلام – أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب –رضي الله عنهم- "
الشرح: هذا إنتقال من الإمامين –رحمهما الله- إلى أمر آخر أرادا به أولاً بيان العقيدة الصحيحة في أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم – عامة وفي الخلفاء خاصة، فما ذكراه هو عقيدة أهل السنة في أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وأن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم –هم جميعهم أفضل الأمة بعد نبيها وأنهم عدول وأنهم أمناء على شرع نبيهم –صلى الله عليه وسلم- وأنهم بلغوه الأمة كما تلقوه عن نبيهم –صلى الله عليه وسلم- فلم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه ولهذا أجمع أئمة السنة على ضلال من خالف إجماع الصحابة وأنه مبتدع ،وأعني من خالف عناداً واستكباراً بعد معرفته الحق فاستنكف عنه وطلب غيره من غير ما اجتمع عليه أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ، وأراد الإمامين ثانياً : التحذير ممن يخالف هذا المعتقد من المبتدعة والرد عليهم ، وقدخالف في هذا طوائف : فمنهم الروافض –عليهم لعائن الله – فإنهم كفروا جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – إلا عشرة في رواية و سبعة في رواية وثلاثة في رواية ، ولا أدري أيتها الراجحة عندهم!؟ لكن عندي كلها باطلة ، ويقررون بأن الجميع قد إرتدوا أو فسقوا وضمن من يكفرونه الشيخان أبا بكر وعمر وأضن بأن بعضهم يلحق عثمان –رضي الله عنه ، ويغلوا الرافضة في علي –رضي الله عنه- وآل البيت –رضي الله عنهم- .
الطائفة الثانية : الخوارج : كفروا علياً –رضي الله عنه – ومن معه من أئمة التابعين وعلماء التابعين مع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ،كما أنهم يكفرون بالكبيرة إلى اليوم .
الطائفة الثالثة : النواصب : وهم الذين ناصبوا علياً –رضي الله عنه وآل البيت العداوة وإن لم يكفروهم لكن يناصبونهم العداوة ويبغضونهم فهم على طرفي نقيض مع الرافضة فإذا تقرر هذا فاعلموا أن لازم عقيدة الرافضه بل هو صريح عقيدتهم القول بأن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان غير صحيحة مطعون فيها وإنما الخلافة لعلي وغير ذلك من الترهات والضلالات وأن عقيدة الخوارج القول بأن خلافة علي –رضي الله عنه – غير صحيحة وخلافة الثلاثة صحيحه ، وأهل السنة- ولله الحمد – يقرون خلافة الجميع وفضل الجميع ولكنهم يتفاوتون في الرتبة على ما قال الإمامان ، فأفضل الصحابة هو الصديق إمام الأمة بعد نبيها –صلى الله عليه وسلم – أعني : أبا بكر-رضي الله عنه- ثم عمر –رضي الله عنه – فأبو بكر أجمع على إمامته أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – ومن معهم من المسلمين لنصوص فهم المسلمون منها تفضيله وإمامته ولذلك إختاروه في الخلافة وأجمعوا على أن خلافته صحيحة وأما عمر –رضي الله عنه- فقد أجمع أهل السنة على أن خلافته صحيحه بدءاً من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم –وأئمة التابعين ومن بعدهم وذلك لما هو متقرر عندهم من فضله بنص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكتابة أبي بكر له موصياً له بالخلافه ، وعثمان –رضي الله عنه- أجمع المسلمون بما فيهم أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – على صحة خلافته لما علموه من فضله بنص النبي –صلى الله عليه وسلم- وباجتماع أهل الشورى عليه وهم الستة الذين مات عنهم رسول الله– صلى الله عليه وسلم - وهو را ضي ، وقد رضي النبي –صلى الله عليه وسلم- كما رضي ربه عن جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – وأما أبو السبطين الحسن والحسين أعني: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن سبطيه وعن جميع أصحاب النبي –صلى الله علي وسلم- فقد أجمع المسلمون على خلافته لما علموه من فضله ولقرابته من النبي –صلى الله عليه وسلم –ولإجماع أهل عصره عليه .
قالا –رحمهما الله – :"وهم الخلفاء الراشدون المهديون"
الشرح: وهذا هو نص النبي –صلى الله عليه وسلم – أولاً ، وذلكم فيما رواه أحمد وأهل السنن وغيرهم من حديث العرباض بن سارية –رضي الله عنه – قال :"وعظنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – موعظةًبليغه وجلت منها القلوب وذرفت لها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا -وفي رواية: فما تعهد إلينا-، قال–صلى الله عليه وسلم -: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله" .
والخلافة الراشده ثلاثون عاماً وزياده ، وآخر هذه الخلافه التي هي ثلاثون عاماً خلافة الحسن بن علي- رضي الله عنه- هذا هو التحقيق وإن كان بعضهم لم يعدها ضمن الخلافة الراشده وإن كان أهل السنة متفقين على أنه خليفه راشد لكن لم يعدوها مع الأربعه لأنه –رضي الله عنه- تنازل لمعاويه-رضي الله عنه- ، فمعاوية –رضي الله عنه- هو خليفة راشد وإن رغمت أنوف الرافضة والخوارج والنواصب ، هو خليفة راشد بإجماع أئمة أهل السنة، قال الذهبي فيه : هوخير ملوك الدنيا.
قالا –رحمهما الله- :" والترحم على جميع أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم –وعلى آله والكف عما شجر بينهم"
الشرح: هذه الجملة تتضمن ثلاثة أمور :
الأمر الأول :الترحم على أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- .
والأمر الثاني : الترحم على آل بيته. فأصحابه جمع صاحب ويقال : صحابي وهو كل من لقي النبي –صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على ذلك ،وآل بيته هم الذين تحرم عليهم الصدقه وهم :آل علي بن أبي طالب وآل العباس بن عبد المطلب وآل جعفر بن أبي طالب وآل عقيل بن أبي طالب وآل الحارث بن هشام بن عبد المطلب، هؤلاء هم بنو هاشم وعليهم تحرم الصدقة وذلك لأنهم لهم الخمس من الفيئ والغنيمة، والسؤال الآن : هل تحل لهم الصدقة؟ والجواب : نعم تحل لهم الصدقة لعدم وجود الخمس ، فهم يعطون من الصدقة الآن وهي تحل لهم إسوةً بغيرهم من المسلمين ، وآل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم –كذلك يدخل فيهم أزواجه لقوله تعالى :" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً "وهذه الآية لأزواج النبي –صلى الله عليه وسلم –فهم من آل بيته ، وحرمة هاتين الطائفتين أعني :أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – وآل بيته مجمع عليهما من أهل السنة، وقد قدمنا –أمس- ما يتعلق بأصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ومن خالف أهل السنة من الطوائف الضالة المبتدعه ،وأهل السنة في آل البيت وسط يحبونهم ويتولونهم ويترحمون عليهم يحبونهم لله ولقرابتهم من النبي –صلى الله عليه وسلم – ويمقتون من به فسوق وفجور منهم فأهل السنة وسط بين الرافضة والنواصب فالرافضة يغلون في آل البيت ويفرطون في محبتهم ويرفعونهم فوق مكانتهم ومنزلتهم إلى مرتبة الألوهية ولانواصب على النقيض من ذلك فإنهم لا يتولون آل البيت بل يبغضونهم ويمقتونهم ويلعنونهم ، وكلتا الطائفتين ضالة مضلة منحرفة عن المعتقد الصحيح والمنهج الصحيح ، وأهل السنة وسط ولله الحمد يكرمون آل البيت ويحترمونهم ويترحمون عليهم ويترضون عنهم ولا يرفعون أحداً فوق منزلته التي أنزله الله عليها .
قالا –رحمهما الله -:" وأن الله –عز وجل – بائنٌ من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بلا كيف أحاط بكل شيئ علما ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير"
الشرح:وفي هذه الجملة ثلاثة أمور :
الأمر الأول : أن الله بائن من خلقه وذلك لأنه فوق عرشه وعرشه فوق سماواته فالعرش سقف المخلوقات كلها في الدنيا والله فوق عرشه وهو سبحانه وتعالى ليس حالاً في شيئ من خلقه ولم يحل به شيئ من خلقه فهو بائن منهم مع قربه منهم ومعيته لهم فإنه مع جميع مخلوقاته –سبحانه وتعالى –وهو قريب منهم فهو مع جميع المخلوقات معية عامه مقتضاها العلم والتدبير وتصريف الأمور والإحاطة بأعمالهم وأحوالهم، وهو مع المؤمنين أهل الإيمان الموحدين معية خاصة تشمل على ماتقدم الحفظ والتأييد والتثبيت على الهدى والتمكين في الأرض،وفي هذا رد على المعتزلة والجهمية قبلهم والأشاعرة بعدهم فإنهم لا يثبتون هذا العلو الذي هو علوالذات وإنما يقولون بعلو القدر وعلو القهر ، فأهل السنة يثبتون هذه الأنواع الثلاثة كلها :يثبتون لله علو الذات ومعناه أن الله فوق جميع مخلوقاته لأنه فوق العرش والعرش فوق جميع المخلوقات ويثبتون لله علو القدر فهو سبحانه وتعالى عظيم متصف بحميع صفات الكمال والجمال والجلال لا يداني كماله كمال وهو سبحانه وتعالى علي القهر فكل شيئ مقهور لسلطانه مسخر له لا يشذ عن سلطانه شاذ ولا يفذ عنه فاذ والمبتدعة لا يثبتون علو الذات فهم متفقون مع أهل السنة في علو القدر وعلو القهر فضلوا وأضلوا وهدى الله –سبحانه وتعالى- أهل السنة إلى الإيمان بعلو الله –سبحانه وتعالى – ذاتاً وقدراً وقهراً لأن هذا هو مقتضى نصوص الكتاب والسنة ...(قطع في الشريط).
الأمر الثاني : أن علو الله عز وجل يثبت لا كيف لايسئل عن كيفيته كذلك جميع صفاته لا يخوض أهل السنة في كيفيتها فصفات الباري –جل وعلى – التي منها العلو والسمع والبصر والعلم والقدرة و الإرادة وجميع صفاته –سبحانه وتعالى – معلومة باعتبار مجهولة باعتبار آخر فهي معلومة باعتبار معناها وفيه يتكلم أهل السنة وفق لغتهم العربية وهي مجهولة باعتبار كيفيتها ، فأهل السنة يثبتون جميع صفات الرب –عزوجل- ويؤمنون بأن معانيها معلومة ويفوضون علم كيفيتها إلى الله –سبحانه وتعالى -فالصفات الإلهية لها كيفية ولكن هذه الكيفية من الغيب الذي إستأثر الله -سبحانه تعالى- بعلمه قال –جل وعلى-:" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا" .
الأمر الثالث :إحاطة علم الله –سبحانه وتعالى- بكل شيئ كما جاء بذلك الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل السليم ،كل هذه الخمسة متضافرة على أن علم الله –عزوجل- محيط بكل شيئ لا يعزب عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء والأدلة من الكتاب والسنة على ذلك أكثر من أن تحصر " وهو بكل شيئ عليم " "وكان الله بكل شيئ عليما" وغير ذلك .
وثمة أمر رابع في قوله "ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير " وفي هذه الجملة وهي ضمن آية في سورة الشورى فيها الرد على المعطلة وهم الذين عطلوا الله –سبحانه وتعالى- عن كماله من أسماءه وصفاته سواء كان تعطيلاً كلياً – وهذا هو تعطيل الجهمية عطلوا الأسماء والصفات نفوا الأسماء والصفات – أو تعطيلاً جزئياً-وهذا هو تعطيل المعتزلة والأشاعرةو الكلابية-، فالمعتزلة نفوا صفات الرب –سبحانه وتعالى – وأثبتوا أسماؤه لكن عندهم أنها ليست لها معاني فهي أشبه بالجوامد، والأشاعرة ومن لف لفهم نفوا عن الله- عز وجل- جميع صفاته إلا سبعا منها: العلم والإرادة ، كما أن في هذه القطعة رد على المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه ، فقوله :" ليس كمثله شيئ " رد على المشبهة وقوله " وهو السميع البصير" رد على المعطلة .
قالا –رحمهما الله- : " والله - تبارك وتعالى- يُرى في الآخرة ويراه أهل الجنة بأبصارهم ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء "
الشرح:في هذه القطعة :
أولاً:إثبات رؤية المؤمنين ربهم ، والمؤمنون يرون الله مرتين بأعيانهم إحداهما في عرصات القيامة بالمحشر حين يأتي –جل وعلى-لفصل القضاء بين الخلق والثانية بالجنة فالأولى اختلف أهل السنة هل هي خاصة بالمؤمنين أو يراه المؤمنون والمنافقون أو يراه المؤمنون والمنافقون والكفار ، ثلاثة أقوال والله أعلم ، ومن جعلها خاصةً بأهل الإيمان يحتج بقول الله تعالى :" كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " قالوا: فإذا حجب عن رؤيته الكفار رئاه المؤمنون فقالوا : يراه الكل ثم يحتجب عن الكفار والمنافقين و يبقى المؤمنون يتلذذون برؤية الباري –جل وعلى- .والثانية : هي رؤية المؤمنين ربهم في الجنة وهذه مجمع على أنها خاصة بأهل الإيمان ، وأظن أن الرازيين- رحمة الله عليهما – اقتصرا على هذه لأنها محل إجماع أعني : إختصاصها بالمؤمنين .
وهذه الرؤية دليلها من الكتاب قوله تعالى :" وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة" وقوله تعالى :"للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" فالحسنى هي المثوبة ومنها الجنة وتهوين هول الموقف والعبور على الصراط عبوراً تاماً وإن كان يعبر الصراط أقوام تلفحهم النار ثم ينجون بعد ذلك ومآلهم إلى الجنة ، وكذلك ينال هذه الرؤية-إن شاء الله - من أخرجه الله من النار وأدخله الجنة أقول : إن شاء الله تعالى ولست أجزم بذلك ويدل على إثبات رؤية المؤمنين ربهم أحاديث كثيرة منها ما أخرجه الشيخان عن جرير بن عبدالله البجلي –رضي الله عنه –قال :"كنا عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم –ذات ليلة فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال :إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته أي :لايلحقكم ضيم بحيث يراه البعض دون الآخر ،وفي رواية: لاتضامون في رؤيته –بالتشديد-والمعنى :لا تتزاحمون على رؤيته كل يراه وهو في مكانه،وهذا الحديث يتضمن رؤية المؤمنين ربهم،وقوله "كما ترون القمر ليلة البدر " هذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي لأن الله ليس كمثله شيئ ،وكذلك أخرج أحمد ومسلم عن صهيب بن سنان –رضي الله عنه – عن النبي –صلى الله عليه وسلم –قال :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة فيقولوا :لبيك وسعديك فيقول :إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولوا :وماذا ألم يدخلنا الجنة ؟ألم يبيض وجوهنا ؟ ألم يثقل موازيننا؟ قال:فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله عزوجل قال :فوالذي نفسي بيده ما أعطوا عطاءً أقر لأعينهم منه ،ثم يقول الله عزوجل يا أهل الجنة أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا " وهذا مجمع عليه –أعني الرؤية –بين أهل السنة وأنكرها طوائف من المبتدعة ،أنكرها الجهمية والمعتزلة ومن لف لفهم من أهل البدع واحتجوا بأدلة منها –أو ولهم شبه منها-:
1) قوله تعالى :"لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار "والجواب عن هذه الشبهة : أن النظر شيئ والإدراك شيئٌ آخر،فرؤية المؤمنين ربهم ثابتة يوم القيامة من غير إدراك أي :من غير إحاطة ،فالإدراك هو النظر مع الإحاطة وهذا هو المنفي في الآية " لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" فالمنفي هنا الإحاطة ويدل على أن الإبصار غير الإدراك –وإن شئت فقل : ويدل على أن الإدراك ليس مجرد الإبصار بل هو الإحاطة :ما قصه الله- سبحانه وتعالى- علينا من خبر موسى –عليه السلام- مع عدو الله فرعون -عليه لعنة الله- فإنه لما ترائى الفريقان ونظر بعضهما إلى بعض قال أصحاب موسى "إنا لمدركون " انظر كلٌ يرى الآخر فقال موسى –صلى الله عليه وسلم-"كلا إن معي ربي سيهدين" فما الذي نفاه موسى – صلى الله عليه وسلم- هل هو نفى رؤية الفريقين بعضهم بعضا؟ أو نفى إدراك آل فرعون لأصحاب موسى؟ نفى إدراكهم نفى الإحاطة ولهذا قال:كلا،أما الرؤية فإنه –صلى الله عليه وسلم –لم ينفها وذلك لأن كلاً من الفريقين يرى الآخر رأي العين رؤية محققة كلٌ ينظر للآخر بعينيه.
2) الشبهة الثانية: قالوا : إن إثبات الرؤيية يستلزم أن الله في جهة وهذا يستلزم أنه جسم والله منزه عن ذلك . والجواب:أن لفظ الجهة مجمل له ثلاثة معاني : جهة علو لا تحيط بالله وجهة علو تحيط بالله وجهة سفل ،فالأول: هو مقتضى النصوص من الكتاب والسنة فإن الله في العلو ولهذا يشار إليه في العلو والداعي من أهل الإسلام من عوام المسلمين فضلاً عن علمائهم حين يدعو ربه يرفع يديه إلى السماء لأنه متقرر عندهم أن الله في السماء يعني :العلو، فهو- سبحانه وتعالى – فوق عرشه وعرشه فوق سماواته ، وفي حديث الجارية ما يزيد هذا توضيحاً ،فإنه لما سألها النبي –صلى الله عليه وسلم- "أين الله " أشارت بيدها إلى السماء ولما قال لها " من أنا " أشارت إليه وأشارت إلى السماء يعني :أنت رسول الذي في السماء ،هذا في رواية وفي رواية :أنها أجابت كلاماً نطقاً قال" أين الله" قالت "في السماء " قال "من أنا " قالت" أنت رسول الله" ، وأما المعنى الثاني والثالث فباطلان لأن الله –عز وجل- منزه عن السفل كما هو منزه أن يحويه شيئ .
وقولهما –رحمهما الله –"ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء" يسمعون كلامه نعم هذا هو الأمر الثاني: يسمعون كلام الله في الآخرة، جميع أهل الموقف يسمعون كلام الله ينادي عباده بحرف وصوت وقد صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم – أن الله –عز وجل- يدني عبده المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه :أتذكر ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فإذا ظن أن قد هلك قال الله –عز وجل : سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته بيمينه ، كما أنه –سبحانه وتعالى- يسمع كلامه أهل الجنة خاصة وقد قدمت ذلك في حديث صهيب " ينادي منادٍ ....الخ" هذا عن الله ، ويقول في آخره"يا أهل الجنة أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ".
قالا –رحمهما الله -:"والجنة حق والنار حق وهما مخلوقتان لا يَفنيان أبداً فالجنة ثواب لأوليائه والنار عقاب لأهل معصيته إلا من رحم الله -عز وجل-"
الشرح: هذه القطعة تتضمن الإيمان بالجنة والنار وأن كلاً منهما حق، فالجنة أعدها الله لأوليائه والنار أعدها الله لأعدائه،ويدل على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن آيات وأحاديث ، آيات كثيرة صريحة وأحاديث صحيحة فمن القرآن الكريم قوله في الجنة " أعدت للمتقين " وقوله في النار " أعدت للكافرين"ومعنى أعدت: أي هيئت ووجدت ولا يقال ذلك إلا فيما هو موجود سابق قبل أهله ،ومن الأحاديث قوله –صلى الله عليه وسلم- :" إني اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا واطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها كذا " وفي الحديث الصحيح "إن في الجنة مئة درجة ما بين الدرجة والدرجة ما بين السماء والأرض.. إلى أن قال : فإذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس..الجديث " وفي الحديث الصحيح الآخر وهو عند الشيخين من حديث أبي هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه –عزوجل – قال : يقول الله تعالى " أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أظن سمعت ولا خطر على قلب بشر" وفي الحديث الصحيح الآخر "احتجت الجنة والنار فقالت الجنة مالها فيها الضعفاء وقالت النار مالها لايدخها إلا الجبارون فقال الله للجنة:أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما علي ملئها" وهذا الملئ الذي وعد الله به كلاً من الجنة والنار فإنه جاء مفسراً في أحاديث صحيحة فالنار صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم – أنه يوم القيامة يقال لها :" هل امتلئت وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار عليها قدمه" وفي رواية: رجله فتقول :قط قط، وينزوي بعضها إلى بعض" هذا هو ملئها ، وأما الجنة فإن الله سبحانه وتعالى ينشأ خلقاً جديداً يملئ بهم فضلها عن أهلها ، قيل: هم خدم أهل الجنة والله أعلم ،فوفى الله –سبحانه وتعالى- لكلٍ ما وعدها ملئ النار حين وضع عليها قدمه فانزوى بعضها إلى بعض فصارت محصورة على أهلها ليس فيها فضل، وملئ الجنة بإنشائه خلقاً جديداً أسكنهم فضلها ، وفي هذا :الرد على الجهمية والمعتزلة ومن لف لفهم فإنهم وإن آمنوا بالجنة والنار لكن يقولون :توجد بعد فهي عندهم ليست مخلوقة موجودة الآن وما تقدم من الأحاديث وقبلها من الآيات وفي معنى ما ذكر من النصوص رد عليهم، وكذلك يرد عليهم بإحماع أهل السنة .
ومن شبه القوم –أعني المبتدعة-:أن محمداً –صلى الله عليه وسلم – حين لقي إبراهيم –صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج قال له:" يامحمد أقرأ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله والله أكبر " قالوا :فهي قيعان أي غير موجودة ، قيعان فقط ويرد عليهم بثلاثة أمور:
الأمر الأول :ما تقدم من الآيات والأحاديث وما في معناها.
الأمر الثاني :إجماع أهل السنة .
الأمر الثالث: أن الحديث لا ينفي وجود الجنة بل يثبتها ويثبت أن الله يغرسها بالأعمال الصالحة وهذا مثل حديث " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة " فبناؤها لم يكتمل إلا في الآخرة فهي تبنى وتغرس فهي إذن موجودة ولكن بناؤها لم يكتمل إلا بالأعمال الصالحة حين تكتمل الأعمال الصالحة .
كذلك قالوا -وهي أكبر حجة عندهم-: أن وجودها عبث والله منزه عن ذلك ، فالجواب: أن هذا قياس معارض بالنصوص الصريحةفهو فاسد الإعتبار عند أهل العلم ويرد عليهم –ثانياً- :أن الله –سبحانه وتعالى –أخبر في كتابه وأخبر كذلك رسوله-صلى الله عليه وسلم-وهو لا يخبر إلا عن ربه بوجود الجنة والنار وهذا لحكمة بالغة ،وكذلك تضمنت هذه القطعة أن الجنة والنار لا تفنيان يعني : أنهما باقيتان على الدوام ما دامت السماوات والأرض وهذا هو القول الحق الذي هو مقتضى نصوص القرآن والسنةوعليه أجمع جمهور أهل السنة ، وقال بعض أهل العلم :تفنى نار الموحدين النار التي يدخلها عصاة الموحدين فتصيبهم بذنوبهم إذا خرجوا منها جميعهم فنيت والله أعلم .
قالا –رحمهما الله -: " والصراط حق"
الشرح : الصراط في اللغة معناه:الطريق البين المعتدل الواضح ومعناه في الشرع: جسر عظيم أحد من السيف وأرق من الشعر ينصب على متن جهنم يمر عليه المؤمنون على قدر أعمالهم ، وقد دل على ثبوت الصراط النص وإجماع أهل السنة ، وأنكره القاضي عبدالجبار من المعتزلة وفسر الصراط بأنه طريق الجنة وطريق النار يعني :صراط معنوي أو صراط حسي طريق الجنة وطريق النار ، واستدل على أن الصراط أو من معاني الصراط طريق الجنة بقوله تعالى " ويدخلهم الجنة عرفها لهم " واستدل على أن من معاني الصراط طريق النار بقوله" واهدوهم إلى صراط الجحيم" ؛ ويرد على هذا المبتدع الضال بالنصوص التي قدمنا الإشارة إليها وكذلك بإجماع أهل السنة وسيرى عدو الله أن ما أنكره حق على حقيقته حين يراه ويتبين له أنه مخطئ وأنه ضال منحرف سالك غير سبيل المؤمنين ولا ينفعه حين ذلك .
قالا –رحمهما الله -:" والميزان الذي له كفتان يوزن به أعمال العباد حسنها وسيئها حقٌ "
الشرح:الميزان في اللغة : ما تعرف به المقادير ثقلاً وخفةً ، وهو في الشرع ميزان ينصبه الله -سبحانه وتعالى – في عرصات القيامة لوزن أعمال العباد ،واعلموا أيها المسلمون والمسلمات أن الكتاب والسنة قد تضافرت كلها على أن الميزان يوم القيامة حق وهذا الميزان كما جاء في نصوص السنة له كفتان وذكر بعض أهل العلم الإجماع على أنه له لسان والأدلة عليه من الكتاب الكريم أكثر من أن تحصر ومنها قوله تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " وقال –جل في علاه –" فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون " وقال-جل ذكره- "فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما ادراك ماهي نار حامية" وقال –جل وعلى –" فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره "وأخرج البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه-عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " والناظر في نصوص السنة يجد أنها صريحة الدلالة على وزن العمل ووزن العامل وصحيفة العمل فمن الأدلة على وزن العمل حديث أبي هريرة المتقدم وما أخرجه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : " سبحان الله والحمد لله تملآن الميزان" ومن الأدلة على وزن العامل الحديث الصحيح " يأتى بالرجل السمين العظيم لا يزن عند الله جناح بعوضة" ويدل على وزن صحيفة العمل حديث صاحب البطاقة " يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر ،فيقول الله : أظلمتك كتبتي ؟أتنكر من هذا شيئاً ؟ فيقول :لا يا ربي ، فيقول له: هل لك من حسنة ؟ فيقول :لا،فيقول الله له: بلى إن لك عندنا لحسنة ، فتخرج بطاقة مكتوب فيها لاإله إلا الله ، فيقول : وماذا تصنع البطاقة بهذه السجلات ، فيقول الله-عز وجل -: لا ظلم عليك اليوم، فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فتطيش السجلات فيدخل الجنة" لأن لا إله إلا الله التي قالها خالصاً من قلبه دخل بها الجنة فضل الله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء وفي الكتاب الكريم " إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " .
وأنكر الميزان المعتزلة وفسروه بالعدل وحجتهم في إنكاره أن أحاديثه آحاد وهي عندهم لا تفيد إلا الظن ، ويرد عليهم بما يأتي :
أولاً:أن أدلة الميزان ليست مقصورة على ما زعمتم من السنة أنه آحاد بل أدلته من الكتاب الكريم فيما لا يحصى من الآيات وكذلك أجمع أهل السنة عليه .
وثانياً: العبرة في أحكام الله –سبحانه وتعالى- بالقرآن وبصحيح الخبر عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم –سواءً كان ذلكم الحديث متواتراً أوآحاداً .
وثالثاً :الأصل في النصوص هو إرادة الظاهر المتبادر إلى الذهن منها عند الإطلاق حتى يصرفه الشارع نفسه عن ذلك الظاهر ، فتفسيركم للميزان هو خلاف ظاهر النصوص وهذا بإتفاق العقلاء أعني المنصفين الذين يحسنون الإستنباط على الوجه السليم من النصوص سواءٌ كانت من آي التنزيل أو من صحيح سنة النبي- صلى الله عليه وسلم -.
قالا-رحمهما الله -:" والحوض المكرم به نبينا –صلى الله عليه وسلم –وعلى آله حقٌ "
الشرح:الحوض في اللغة :مجمع الماء وهو معروف عند عوام أهل الفصاحة والبلاغة،وهو في الإصطلاح: حوض عظيم من ما فضل الله به نبينا –صلى الله عليه وسلم- يصب فيه ميزابان من الجنة ، وهذا الحوض قد تواترت به الأحاديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- والأحاديث التي رويت في الحوض ثلاثون حديثاً أو أكثر منها قوله- صلى الله عليه وسلم – " ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة ومنبري على حوضي "ومما صحت به الأخبار عن النبي –صلى الله عليه وسلم – في أوصاف ذلكم الحوض أن طوله شهر وعرضه شهر وتيجانه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لايظمأ بعدها أبداًوهو أحلى من العسل وأشد بياضاً من الثلج وقد صح كذلك أن لكل نبيٍ حوضاً ولكن يمتاز حوض النبي –صلى الله عليه وسلم –أولاً:بأنه أكثر الأحواض وارده وثانياً :فيما يظهر أنه أكبر الأحواض والله أعلم .
وقد أنكر المعتزلة ومن لف لفهم من أهل البدع هذا الحوض بحجة أن أحاديثه آحاد وهذه قاعدةٌ عندهم مطرده يردون بها أمثال هذا مما كان إعتقاده عند أهل السنة من أصول الديانة ،ويرد عليهم بما يأتي :
أولاً:ليست أحاديث الحوض آحاداً كما زعمتم بل هي متواترة تواتراً معنوياً عن النبي –صلى الله عليه وسلم- .
وثانياً : يرد عليهم بإجماع أهل السنة .
قالا –رحمهما الله –" والشفاعة حق"
الشرح : الشفاعة في اللغة :من الشفع ضد الوتر والفرد وكل زوج في اللغة يسمى…(قطع في الشريط)…فالشافع يطلب الرحمة بالمشفوع فيه عند المشفوع له ،فأقول :الشافع يطلب التكرمة والشرف عند المشفوع له كما يطلب رحمته في المشفوع فيه والمشفوع فيه يطلب عن طريق الشافع الرحمة عند المشفوع عنده، فأركان الشفاعة :شافع ومشفوع فيه ومشفوع عنده هذه أركان الشفاعة، والشفاعة في العرف: سؤال الخير للغير وهي في الشرع سؤال من رضي الله قوله ربه يوم القيامة مغفرة ذنوب بعض المجرمين، والشفاعة في أهل الكبائر ثابتة بالكتاب والسنةوإجماع أهل السنة، فمن الكتاب الكريم قوله- جل وعلى- :" من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" وقوله-جل ثنائه -:"وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" فهذه الآيات وما في معناها صريحة الدلالة على ثبوت الشفاعة عند الله –عز وجل- في أهل الكبائر من الموحدين، ووجه الدلالة: النص على أن الحق –جل وعلى – لايملكها غيره ولاتكون لأحدٍ إلا بإذنه وهذا يقتضي أنه يشفع عند الله –عزوجل- من يأذن له فيمن رضي قوله وعمله والله لا يرضى إلا عن اهل التوحيد فقد أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة –رضي الله عنه – قال: سألت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله" قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :"لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أول منك لما عرفته من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لاإله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه " ولهذا فإن أهل السنة يثبتون الشفاعة في أهل الكبائر بشريطين:
أحدهما: إذن الله للشافع . وثانيهما : رضاه عن المشفوع فيه، وقد عرفتم آنفاً من المشفوع فيه أو من الذي يرضى عنه الله –سبحانه وتعالى – وهم أهل التوحيد .
واعلم أن الناس في الشفاعة قد إنقسموا إلى ثلاثة مذاهب :
أحدها : المتصوفة وأهل الخرافة والنصارى الذين يثبتون الشفاعة فيمن زعموا فيه الولاية في الدنيا والآخرة قياساًللشفاعة عند الخالق على الشفاعة عند المخلوق،وهؤلاء هم الغلاة في إثبات الشفاعة ومذهبهم باطل ودليله قوله تعالى في المشركين " ويعبدون مالا يضرهم ولاينفعهم ويقولون هؤلاء شفعائنا عند الله قل أتنبئون الله بما لايعلم في السماوات والأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " فسمى هذا العمل شركاً، فسمى الله –سبحانه وتعالى – هذا العمل وهو طلب الشفاعة بغير إذن الله –عز وجل – أو إثبات الشفاعة بغير إذن الله –عز وجل- شركاً من جنس شرك قريش الذين يتخذون الآلهة وسائط عند الله يستشفعون بها عنده .
المذهب الثاني: مذهب الوعيدية من الخوارج والمعتزلة والجهمية فإنهم لقولهم بتخليد من مات على الكبيرة في النار أنكروا الشفاعة في أهل الكبائر من الموحدين ويستدلون بمثل قوله تعالى :" فما تنفعهم شفاعة الشافعين" وقوله" ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع "
والرد عليهم : أن هذه الآيات وأمثالها قد جاءت في معرض حال الكفار يوم القيامة وأنهم لا تنفعهم الشفاعة بل لا يشفع فيهم أحد من الأنبياء والمرسلين ولاالصالحين ولا الملائكة لأنهم كفار فباب الشفاعة فيهم مسدود وهؤلاء الملائكة الكرام والأنبياء والمرسلون المصطفون الأخيار والصالحون من عباد الله يعلمون ذلك .
الثالث: أهل السنة والجماعة وهم الذين يثبتون الشفاعة في أهل الكبائر كما تقدم ذلك بالأدلة وبالله التوفيق.
قالا- رحمهما الله-:" وأن ناساً من أهل التوحيد يخرجون من النار بالشفاعة حق"
الشرح:وهذا تأكيد على ما سبق وتفسير له فإن الشفاعة شفاعتان :شفاعة منفية: وهي التي تطلب من غير الله فيما لايقدر عليه إلا الله وفيها قول الحق –جل ثنائه-:" ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون " ، وشفاعة مثبتة : وهي التي أثبتها الله –سبحانه وتعالى- في تنزيله وتواترت يها الأحاديث عن النبي-صلى الله عليه وسلم- وهذه الشفاعة المثبتة تنقسم إلى قسمين :
أحدهما :ما اختص به النبي- صلى الله عليه وسلم- وهذا ثلاثة أنواع :
النوع الأول : الشفاعة في فصل القضاء بين أهل الموقف وذلك حين يشتد الكرب على الناس ويموجون في عرقهم ومنهم الذي يلجمه العرق إلجاماً فيقولون : إستشفعوا عند ربكم سلوه الشفاعة –يعني :في فصل القضاء والحكم بينكم –لأنه قد أصابهم من هول ذلك اليوم كرب لا يطيقونه فهم يريدون الخلاص منه إما إلى جنة وإما إلى نار وهي الشفاعة التي يتراجع عنها ويعتذر عنها آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى-صلى الله وسلم عليهم أحمعين –فينتهي أمر الناس إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-فيقول: أنا لها أنا لها، فيأتي فيسجد تحت العرش –ما شاء الله-فيلهمه الله محامد لم يكن يعرفها في الدنيا فيقال له : يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع، فيقول: يا رب فصل القضاء" وهذه الشفاعة يثبتها أهل السنة وأهل البدع –من جهمية ومعتزلة وخوارج وسائر الوعيدية- .
النوع الثاني :الشفاعة في أهل الجنة لدخول الجنة فقد صح عنه –عليه الصلاة والسلام – أنه يستفتح فيقول خازن الجنة: من أنت فيقول :محمد فيقول: أمرت بألا أفتح لأحد قبلك فيفتح له الباب فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوها ، فضل من الله يدخل بعده الأنبياء ثم يشفع في أهل الجنة غير الأنبياء .
الثالث –من خصائصه في الشفاعة-: شفاعته في عمه أبي طالب فقد صح عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه يجده في الدرك الأسفل من النار فيشفع فيه حتى يخرجه إلى ضحضاح يغطي قدميه أو كعبيه يغلي منه دماغه، وهذه شفاعة خاصة في خاص لأن أبا طالب كافر والكفار لا شفاعة فيهم فخص بهذه الشفاعة أبو طالب شفاعة لم تخرجه من النار بالكلية لكن خفف بها من عذابها عنه ،فأهل النار يرونه أسعدهم وأحسنهم وهو يرى أنه أشدهم عذاباً وهو أهون أهل النار عذاباً.
القسم الثاني من الشفاعة المثبتة : وهو أنواع:
أحدها :الشفاعة في أهل الكبائر من الموحدين ، وله صور :
منها :الشفاعة في قوم استحقوا دخول النار فيشفع فيهم ألا يدخلوها فلا يدخلوها .
ومنها: إخراج قوم من أهل الكبائر من النار بالشفاعة ،وهناك شفاعات شفاعة خاصة به –صلى الله عليه وسلم –وهي الشفاعة في عكاشة بن محصن –رضي الله عنه – فبعض أهل العلم يعدها شفاعة لأن عكاشة لما ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب وذكر أوصافهم قال عكاشة بن محصن :يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت منهم ، فهو-رضي الله عنه- يدخل الجنة بلا حساب ولاعذاب، وهل هذا إخبار منه –صلى الله عليه وسلم – أنه ضمنهم أو إخبار أنه سيكون منهم يوم القيامة ؟والله أعلم ولكن ظاهر الحديث الشهادة للنبي- صلى الله عليه وسلم- بأنه من اولئك القوم، وصح عنه –عليه الصلاة والسلام – أنه يشفع في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيوقفون فلا يذهب بهم إلى النار ولايدخلون الجنة فيشفع فيهم فيدخلون الجنة قيل :إن هؤلاء هم أهل الأعراف وهذه الشفاعات في أهل الكبائر يشترك فيها معه –صلى الله عليه وسلم –النبيون والملائكة والصالحون والأفراط –وهم من ماتوا قبل الحلم –،كما صح عنه –عليه الصلاة والسلام- أن الله –عز وجل – يقول :"شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع الصالحون وبقيت رحمة أرحم الراحمين فيقبض قبضةً بيده أو قبضتين فيخرج من النار أقواماً لم يعملوا خيراً قط بعدما صاروا فحما، فيوضعون على حافة نهر يقال له :الحياة-وفي رواية:الحيوان- فيقال :يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل "وهؤلاء كما صح في الحديث أنهم لم يعملوا خيرا قط ، قال أهل العلم : من عمل الجوارح ،فهم علىالتوحيد هم موحدون لكنهم لم يعملوا من عمل الجوارح خيرا،وبهذا الحديث استدل طائفة من أهل العلم على أن تارك الصلاة متهاوناً فاسق وليس بكافر،وهذا محل نزاع وخلاف بين أهل العلم ،والكفر راجح أعني: كفر من ترك الصلاة متهاوناً ، أقول :كفر من ترك الصلاة متهاوناً راجحٌ عندنا وعند محققين من أهل العلم منهم شيخ الإسلام الإمام الفقيه الأثري المجتهد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله – وشيخ الإسلام الإمام المجتهد المحقق الفقيه المدقق الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله – وغيرهما كثير من أئمة أهل السنة لأدلة كثيرة لا يتسع المقام لبسطها، ولكن المقصود بيان أمرين: ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر من الموحدين وثانياً:أن الله يخرج أقواماً منهم لم يعملوا خيرا من عمل الجوارح والله أعلم .
قالا-رحمهما الله-:" وعذاب القبر حق ومنكر ونكير حق والكرام الكاتبون حق"
الشرح: هذه ثلاث مسائل في هذا الأصل ،المسألة الأولى: عذاب القبر :فقد دل الدليل من الكتاب والسنة والإجماع على ثبوت نعيم القبر وعذابه وأن الناس في البرزخ ما بين منعم ومعذب ، فمن الكتاب الكريم قوله تعالى :"النار يعرضون عليها غدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب"،فإن قال قائل :لا نفهم من ظاهر هذه الآية إلا أنها في آل فرعون خاصة،فالجواب:أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس–رضي الله عنهما–أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم –مر على قبرين فسمع صوت إنسانين فقال :إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لايستتر من بوله وفي رواية:لايستنزه من بوله وفي رواية:لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة…الحديث" فزال هذا الإيراد فأصبح بنص التنزيل الكريم وصحيح السنة ثبوت عذاب القبر في من استحق العذاب سواء كان كافراً مثل :آل فرعون ومن مات على الكفر من يهود ونصارى أو ارتد من أهل الإسلام أومجوس أو غيرهم،عذاب القبر فيهم ثابت وحتى في عصاة الموحدين قد يصيبهم عذاب القبر بذنوبهم ثم ينقطع عنهم ذلك لسبب يقدره الله –سبحانه وتعالى – ويهيأه لهم من ذلك:الصدقة، والدعاء دعاء بعض المؤمنين وخاصة أولادهم الصالحون ، ومن أهل التوحيد من يستمر عذابه إلى يوم القيامة فيكون مطهراً له ومنهم من يستحق مع ذلك النار ،وهم قسمان :قسم يدخلها فيخرجه الله –عز وجل- بالشفاعة أو بفضله ورحمته ،وقسم لايدخلها يشفع الله فيهم من يأذن الله له بالشفاعة فيهم ، وأما الكفار فعذابهم دائم في البرزخ ويوم القيامة أبد الآباد .
المسألة الثانية :في منكر ونكير:أقول:هذه المسألة البحث فيها من جهتين إحداهما :في سؤال المقبورين وأن منهم من يثبته الله ويلهمه الحجة إذا قيل له:من ربك؟ من نبيك؟ مادينك؟ فيقول:ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد فيقال له :قد علمنا أنك لك ذلك على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعليه تبعث إن شاء الله ،فيفسح له في قبره وينور عليه ويفتح له باب إلى الجنة ويبقى منعماً وفي بعض الأحاديث يقول :أفلا أبشر أهلي فيقال له:اسكت فينام كما ينام العروس وهذا هو المؤمن الصادق ،وصنف آخر مرتاب أو منافق فحين يسأل من ربك؟ يقول :هاه هاه لاأدري ،من نبيك ؟لاأدري،ما دينك؟لاأدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته فيضرب بمرزبةٍ من حديد فيسمعها كل من يليه إلا الجن والأنس ولو سمعها أي أن انسان لصعق ،فيبقى معذباً ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه وهذا ما تواترت به الأحاديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم – ،فمحصل الأحاديث المتواترة في هذا شيئان أحدهما : فتنة القبر في السؤال وثانيهما :أن الناس بعد هذا السؤال مؤمن منعم في قبره ومرتاب منافق معذب فالمؤمن له النعيم والكافر له العذاب .
الجهة الثانية في هذه المسألة: في السائلين من هم ،أقول: هم من الملائكة وهذا مجمع عليه لكن تعيين أهل السؤال من الملائكة من هم ؟ في ذلك حديث حسن رواه الترمذي وأنهما منكر ونكير يقال لأحدهما منكر ويقال للآخر نكير –عليهما الصلاة والسلام- .
المسألة الثالثة:في الكرام في الملائكة ،وجود الملائكة وأنهم عباد مكرمون وأنهم بأمر الله يعملون ولايسبقونه بالقول وأنهم لهم وظائف ومنهم من سمى الله ومنهم من لم يسمه حق ثابت بالكتاب والسنة والإجماع فمن الكتاب الكريم قوله –جل ذكره- "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين " وقوله- جل وعلى-"آمن الرسل بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله " والآيات في هذا معلومات وهي أكثر من أن تحصى ومن السنة ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وهو الحديث المعروف عند أهل العلم بحديث جبريل وفيه أنه قال "يا محمد أخبرني ما الإيمان قال :الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقدر خيره وشره …الحديث" وأجمع أهل السنة على هذه المسائل كلها، وذكر الإمامين الرازين أبي زرعة وأبي حاتم –رحمة الله عليهما –هذه المسألة رداً على المعتزلة والجهمية الذين ينكرون عذاب القبر ونعيمه بحجة أن الأحاديث في ذلك آحاد وهي عندهم لا تفيد إلا الظن ويرد عليهم:
أولاً: بأن الأحاديث في ذلك ليست آحاداً بل هي متواترة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- تواتراً معنوياً يوجب العلم والعمل .
وثانياً: يرد عليهم بإجماع أهل السنة.
قالا-رحمهما الله- :" والبعث من بعد الموت حق"
الشرح:البعث في اللغة: التحرك بسرعة ،ومعناه في الشرع:هو قيام الخلق من قبورهم بعد النفخة الثانية في الصور للجزاء والحساب ،وقد ذكر الله –سبحانه وتعالى- البعث في كتابه وفي آيات لاتحصى منه، وأدلة البعث في الكتاب الكريم جلها في ثلاثة أمور :
أحدها :تقرير كمال قدرته ومنه قوله تعالى :"أولم يروا أن الله الذي خلق السماوت والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شيئ قدير " وهذا تقرير كمال القدرة ومنه قوله تعالى في سورة النبأ " ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً وخلقناكم أزواجاً" إلى أن قال" إن يوم الفصل كان ميقاتا " فقد ذكر قبل هذه الآية آيات متضمنه الأدلة القطعية على كمال قدرة الحق -جل وعلى- .
ثانيها : تقرير كمال عدله وكمال حكمته ومنه قوله تعالى "أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون " ومنه قوله تعالى " وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا "
الثالث : تقرير كمال علمه ومنه قوله تعالى "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ" وغيرذلك من الآيات وقد رد الله –سبحانه وتعالى –على منكري البعث من الكفار في صور متعددة منها قوله تعالى "زعم الذين كفروا ألن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم وذلك على الله يسير " ومنها قوله تعالى فيما قصه علينا من خبر كفار قريش وإنكارهم ما أخبرهم به النبي-صلى الله عليه وسلم – من البعث بعد الموت والجزاء والحساب قالوا "أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون" فرد الله عليهم بقوله" قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " وكذلك جائت سنة النبي –صىالله عليه وسلم –متضمنة الإيمان بالبعث وأنه واقع لا محالة ومنها حديث جبريل المتقدم وفيه قال" وتؤمن بالله واليوم الآخر …" وأحاديث كثيرة تبلغ التواتر في هذا الأصل الذي هو من أصول الدين ولقد كان الناس في البعث على ثلاثة أقسام:
أحدها:منكرة البعث من الكفار والمشركين. وثانيها :الذين يثبتون البعث وينكرون بعض ما يجري في القيامة الكبرى مثل الحوض والصراط والميزان وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم من أهل البدع . القسم الثالث : أهل السنة والجماعة وهم الذين يؤمنون باليوم الآخر جملةً وتفصيلاً فيؤمنون بنعيم القبر وعذابه ويؤمنون بالنفخ في الصور ويؤمنون بالقيامة الكبرى وبكل ما يجري فيها وهؤلاء هم أهل الحق الخالي من شوب الباطل وأهل الإيمان الكامل ولله الحمد والمنة .
قالا-رحمهما الله-:" وأهل الكبائر بمشيئة الله –عز وجل – ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ونكل سرائرهم إلى الله –عزوجل- "
الشرح:في هذا الأصل مسألتان:
المسألة الأولى: في مآل أهل الكبائر –ويجب أن يقيد بالموحدين- يوم القيامة فيقال هكذا: مآل أهل الكبائر من الموحدين يوم القيامة كيف يكون حالهم، ذكر الإمامان هنا أنهم في مشيئة الله ودليل هذا من الكتاب الكريم فوله تعالى" إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وقوله –صلى الله عليه وسلم –" من لقي الله لايشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقي الله وهو يشرك به شيئاً دخل النار" أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما-، وأخرج البخاري من حديث عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال:" قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – كلمة وقلت أخرى قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار" وقلت أنا :ومن مات وهو لايدعو لله نداً دخل الجنة " وأحاديث كثيرة تدل دلالة صريحة على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا ، وقد بوب النووي –رحمه الله – حديث جابر المتقدم وما في معناه بهذه الجملة ،والمقصود أن الموحد إذا مات مصراً على كبيرة فإنه مقطوع له بالجنة فقد يدخلها بفضل الله ورحمته من غير شفاعة وقد يدخلها بشفاعة –أي النار- ثم يخرج منها وقد يشفع فيه قبل أن يدخلها ،وخالف في هذا الجهمية والمعتزلة والخوارج لأنهم مجمعون على أن من مات على كبيرة فهو خالدٌ مخلدٌ في النار والآية والأحاديث التي ذكرناها ردٌ عليهم وكذلك يرد عليهم بإجماع أهل السنة .
المسألة الثانية : في التكفير بالذنوب فأهل السنة لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب حتى يستحله فأهل الذنوب عند أهل السنة- من أهل القبلة – قسمان:
1) قسم يقارف الذنب ويصر عليه من غير إستحلال فهذا لا يكفرونه ،يقولون فيه :هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ،أو يقولون :مؤمن ناقص الإيمان .
2) القسم الثاني : من يقارف الذنوب من أهل القبلة مستحلاً لها ،فهذا كافر عندهم لأنه من نواقض الإيمان :إنكار ما علم وجوبه من الدين بالضرورة عن علم وعمد وكذلك إستحلال ما هو معلوم تحريمه من الدين بالضرورة عن علم وعمد ،ومن هنا نقول :إن أهل السنة ينظرون إلى المخالفة فيحكمون عليها بحكم الشرع فإذا حكم الشرع بأنها كفرية قالوا: هي كفرية وإذا حكم الشرع بأنها فسقية قالوا :هي فسقية وهكذا لا يجاوزون فيها حكم الشرع ،مثال ذلك:الذبح لغير الله والنذر لغير الله والإستغاثة بغير الله فيما لايقدر عليه إلا الله ودعاء الند من دون الله كفر وشرك بالله لأن الشارع حكم عليها بذلك، و مثال آخر: الزنا والسرقة وشرب المسكر والقذف مفسقات بحكم الشارع ……(قطع في الشريط) .
الجهة الأولى :دلالة الشرع على مخالفته كما تقدم ، والثاني: إنطباق الحكم أوالوصف على المعين أو المعينين ،فإنهم لا يحكمون على امرئ بأنه كافر بعينه أو فاسق بعينه حتى تجتمع فيه الشروط وتنتفي الموانع وبهذا يعلم أن أهل السنة هم أرحم الناس بالخلق كما أنهم أعرفهم بالحق، ومن الشروط التي إذا توفرت حكم بعدها على المعين بما توجبه مخالفته: التكليف وهو شامل للبلوغ والعقل فلا يحكم على الصغير بأنه كافر أو فاسق كذلك المجنون ،الثاني :العلم فلا يحكم على الجاهل ودليل ذلك قوله تعالى"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا " ووجه الدلالة من الآية: شدة الوعيد على من شاق الرسول –صلى الله عليه وسلم –واتبع غير سبيل المؤمنين بعد تبين الهدى له ومفهومه: أن من حصلت منه مشاقة من غير تبين الهدى فلا ينصب عليه هذا الوعيد .
والشروط كثيرة والمقصود أن أهل السنة حريصون على العدل في الحكم على عباد الله ولهذا قالوا : من ثبت إسلامه بيقين فإن إسلامه لايزول إلا بيقين وقالوا : من كان ظاهره الإسلام والعدالة فالأصل بقاءه على إسلامه وعدالته حتى يزول عنه ذلك بمقتضى الحكم الشرعي ،والمقصود من ذلك بهذه الذنوب التي لايحكم بكفر أهلها حتى يستحلوها هي الكبائر مثل :الزنا وشرب المسكر والقذف وغيرها مما هو كبائر ولم تصل إلىحد الكفر .
المسألة الثالثة :في قوله" ونكل سرائرهم إلى الله "وهو في الحقيقة شطر المسألة الثانيه ،هذا فيمن أظهر خيراً أظهر تقوى وصلاح واستقامة وسنة فإنا نحكم عليه بظاهر حاله ولانفتش عن سريرته نكلها إلى عالمها وهو الله –سبحانه وتعالى -، ومن هنا نقول :إن أهل السنة على هذا الظاهر فلا يجاوزونه إلى التنقيب عن السرائر لكن من أظهر منه خلاف ما كان معروفاً من ظاهره أظهر السنة وأظهر في مقابل ذلك بدعة فإن هذا مبتدع إذا قامت عليه الحجة وأبى وعاند فإنه مبتدع ولاكرامة.
قالا-رحمها الله -:"ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان ولا نرى الخروج على الأئمة ونسمع ونطيع لمن ولاه الله –عزوجل- أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة "
الشرح: هذا الأصل يتضمن شيئين :
أحدهما: فيما هو من خصائص ولي الأمر الذي ولاه الله المسلمين.
والثاني: في واجب المسلمين نحو إمامهم الذي هو منهم ،فالأول الذي هو من خصائص ولي الأمر وليس لأحدٍ أن يتأمر فيه ،فالحج والجهاد والجمعة والعيد هذه إليه فليس لأحد أن يدعو إلى الجهاد وليس له أن يتأمر في الحج وليس له أن يقيم جمعةً ولاعيداً إلا بإذن الإمام فإن تلك من خصائصه وأمرها إليه بالنص والإجماع ،الثاني :الواجب على الرعية نحو إمامها وهذا ملخصه أولاً: السمع والطاعةفي غير معصية الله وسواء كان هذا الوالي براً أو فاجراً ، الثاني : كراهية ما يأتيه الوالي من معاصي مع بقائه في السمع والطاعة قال –صلى الله عليه وسلم- :" ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي ولا ينزعن يداً من طاعة " ،الثالث : الصبر على جوره واستئثاره ،قال –صلى الله عليه وسلم- للأنصار –رضي الله عنهم –" إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " وقال –صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرٍ وغيره " اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " ، الرابع : السعي في جمع الكلمة على من ولاه الله الأمر من المسلمين فإن أهل السنة يسعون في تحقيق هذا الأصل وينبذون الخلاف والفرقة ويدينون لله أن من فارق الجماعة قيد لاشبر فمات فميتته جاهلية وذلكم نص نبينا –صلى الله عليه وسلم- .
قالا-رحمهما الله –" وأن الجهاد ماضٍ منذ بعث الله –عز وجل – نبيه –صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين "
الشرح: الجهاد في اللغة من :الجهد وهو بذل الوسع واستفراغه فيما فيه مشقة وكلفة، وهو في الشرع :قتال أعداء الله من الكفار إعلاءً لكلمة الله وهو قسمان :
أحدهما :جهاد الدفع وهو أن ينبري أهل القطر في مواجهة من داهمهم منى الكفار لصدهم وكف أذاهم عنهم بالقوة ،وهذا لا يشترط فيه إذن الإمام ،إن وجد الإمام الذي يعقد لهم الراية ونصب لهم حاملها ويجيش جيوشهم ويجند جنودهم ويمدهم بما يملك من قوة نصرةً لهم على من داهمهم من العدو فذلك هو المطلوب ويجب على المسلمين أن يرجعوا له ما دام موجوداً وهو منفذ هذا فيهم ولهم ، فإن أمدهم وقادهم ووقف معهم في مواجهة العدو الصائل كان بها وإن تخلى عنهم حق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم بما استطاعوا فإن وفقوا إلى النصر ودحر عدوهم فذلك فضل الله ويجب عليهم أن يقفوا ماداموا قادرين يقفوا في مواجهة عدوهم ماداموا قادرين عدداً وعدة فإذا خافوا الغلبة وسطوة العدو على دينهم ومحارهم وأعراضهم فروا بدينهم وتركوا البلد .
الثاني : جهاد الطلب وهو رفع راية الإسلام في وجوه الموالين الكفار لإدخالهم في الإسلام أو إلزامهم بالجزية وهذا لابد فيه من إذن الإمام، فإن وجد الإمام الذي يعقد الراية ويملك العدة ويجيش الجيوش ويجند الجنود فالأمر إليه لأنه قد يكون قادراً عدداً وعدة لكن يظهر له من مصلحة أهل الإسلام ألا يجاهد يعقد المواثيق والهدن والصلح مع من يليه من الكفار حفظاً لبيضة الإسلام وحمايةً لأهل الإسلام ، فالأمر إليه إن جاهد جاهد المسلمون معه وإن هادن هادن المسلمون معه ولا يحل لأحد أن يدعو لهذا اللون من الجهاد أبداً لأن ذلك افتيات على من ولاه الله أمر المسلمين، إن أراد أن يجاهد هو بنفسه وأبى وأصر على ذلك فهذا الأمر إليه ولكن يجب عليه أن يعمل بنصح الناصحين ويستشير العقلاء الفطناء الحكماء من أهل عصره فإنه ليست كل حالة وكل قطر يكون الجهاد فيها مصلحة للدين وأهله .
قالا-رحمهما الله –" والحج كذلك ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين "
الشرح:مضى ما يتعلق بالحج والجهاد ، هنا ذكر الصدقات أقول : الأموال المزكاة صنفان:
1) صنف جباية الزكاة فيه لولي الأمر وهذا قسمان وهما:السائمة من بهيمة الأنعام و الحبوب والثمار والمراد بالسائمة من بهيمة الأنعام :التي ترعى الحول أو أكثره من بقر وغنم وإبل .
2) الصنف الثاني من الأموال الزكوية ما دفع زكاته موكول إلى ربه أي: صاحبه ،وهذا في عروض التجارة وحلي المرأة الذي يبلغ النصاب،فالصنف الأول لا يتصرف فيه صاحبه إلا إذا كان من عادة الإمام وحاكم البلد أنه لايهتم بهذا الأمر لايجبي الزكاة فإنه يصرفها في مصارفها وأما الصنف الثاني فهو إلى ربه كما قدمنا إلا إن طلبه الإمام دفع إليه.
قالا –رحمه الله-:" والناس مؤمنون في أحكامهم ومواريثهم ولايُدرى ما هم عند الله –عزوجل- فمن قال أنه مؤمن حقاً فهو مبتدع ومن قال أنه مؤمن عند الله فهو من الكاذبين ومن قال إني مؤمن بالله فهو مصيب "
الشرح: أقول : وفي هذا الأصل عدة مسائل :
المسئلة الأولى في الحكم على الناس بالإيمان : وهذا يجب أن يقيد بمن أظهر الإيمان ولم يظهر خلافه مما هو مضاد للإيمان فإن كان هذا المضاد للإيمان مضادته من كل وجه كان كافراً – ولاننسى إجتماع الشروط وانتفاء الموانع - ،وإن كانت مضادته ليست من كل وجه فإنه كما تقدم مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته .
قول الإمامين " ولا يدرى ما هم عند الله " يعني : لا يعلم أحدٌ ما يؤول إليه حالهم فإن الأعمال بالخواتيم و علم ذلك عند الله –سبحانه وتعالى – ولكن من أظهر التقوى و الصلاح والإستقامة على السنة ومات ولم يظهر منه خلاف ذلك فإنه يشهد له بالخير والصلاح والتقوى ظاهرا وتوكل سريرته إلى الله.
المسئلة الثانية في حكم المرء على نفسه بالإيمان: وهذا ثلاث صور :
1) إحداها أن يقول إنه مؤمن حقاً وهذه تزكية للنفس،لأنه لا يدري عن حاله ولا يدري عن مآله فكيف يحكم على أمر هو في علم الغيب علمه عند الله –سبحانه وتعالى- فهذا مبتدع ، أهل السنة قد يقولون مؤمن لكن بدون كلمة "حقاً " وأحياناً يقولون "إن شاء الله " على سبيل التحقيق لا التعليق يعني ظاهراً .
2) الحال الثانية : أن يقول هو مؤمن عند الله فهذا حكم بتزكية نفسه ولايدري عما يؤول إليه حاله،قال "هو مؤمن عند الله"حكم بسابق علم الله فيما ليس له بفعل، وهذا كذاب وما يدريك أنه قد يكون من أهل الجنة في الدنيا فيما يبدو للناس وهو عند الله من أهل النار يوم القيامة ففي الحديث الصحيح " كان رجل من المسلمين يفري في المشركين فرياً فلا يترك شاردة ولا واردة ولا يشذ عنه شاذ ولايفذ عنه فاذ فلما مال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى معسكره ومال المشركون إلى معسكرهم قال قائل : ما أجزأ أحد مثل ما أجزأ فلان، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – :هو في النار، فقال رجل :أنا صاحبه –يعني :أرقبه- قال : فلما كان الغد كنت معه أمشي مشيه وأعدو عدوه فأصابه نصل فاتكأ على عدبة سيفه بصدره حتى خرجت من ظهره فمات، قال سهل –رضي الله عنه -:فجاء الرجل يقول :يارسول الله يا رسول الله أشهد إنك لرسول الله فقال : وما ذاك قال : الرجل الذي قلت فيه ما قلت فعل ما فعل فقال –صلى الله عليه وسلم - : إن أحدكم –أو قال :إن الرجل- ليعمل بعمل أهل الحنة فيما يبدو للناس وهوعند الله من أهل النار يوم القيامة وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيمل يبدو للناس وهو من أهل الجنة عند الله يوم القيامة" فالمقصود: أن الأعمال بالخواتيم ولا يسوغ لأحدٍ أن يحكم على شيئ بظنه ولا بخرصه أبدا بل الحكم على الظاهر كما كان أهل السنة يحكمون فيقولون :هذا من أهل الإسلام وهذا مؤمن في الظاهر وهذا على السنة في الظاهر وهذا على البدعة .
3) الصنف الثالث من قال:مؤمن بالله وسكت ، لم يقل "حقاً " ولم يقل "فيما عند الله" وقف "أنا مؤمن بالله " فهذا هو الصادق الذي يوافق في حكمه الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة .
قالا –رحمهما الله - :" والمرجئة مبتدعة ضلال "
الشرح: المرجئة اسم فاعل من: الإرجاء ومعناه في اللغة : التأخير قال تعالى فيما قصه علينا من خبر فرعون -عدو الله- مع موسى وهارون –عليهما الصلاة والسلام- " قالوا ارجه وأخاه " أي: أخرهما ، والمرجئة في إصطلاح أهل العلم: هم من يأخرون العمل عن مسمى الإيمان وهم على قسمين :
1) أحدهما : المرجئة من الجهمية والذين معنى الإيمان هو: التصديق فقط فلا يدخلون فيه القول والإعتقاد ،ومنهم من يقول: الإيمان هو القول وسواء كانت ذي أو تلك فالكل جهميٌ وعقيدة الجميع: أنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة فيستوي عندهم البر والفاجر والكافر والمؤمن في هذا "لايضر مع الإيمان ذنب"وهذا تكذيب للقرآن والسنة وإجماع الأئمة فإن المعاصي منها ما ينقل عن ملة الإسلام إلى الكفر كالشرك بالله ومنها ما يسلب كمال الإيمان ما لم يستحله العبد مثل: الزنا والسرقة وشرب المسكر فإذا استحلها صار كافراً إذا كان يعلم أنها حرام .
2) القسم الثاني: المرجئة المتوسطة وتسمى مرجئة الفقهاء ومعنى الإيمان عند هؤلاء: قول باللسان واعتقاد بالقلب فلا يدخل العمل عندهم في مسمى الإيمان بل يرون أنه من مكملاته وعلى مقتضى هذا التعريف فإن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وهذا باطل مخالف للقرآن والسنة وإجماع الأئمة، وقد قدمنا معنى الإيمان عند أهل السنة والأدلة عليه من الكتاب والسنة وهذه الطائفة وإن كانت مبتدعة ضالةً مضلة إلا أنها أخف من الأولى فهي أقرب إلى أهل السنة منها.
قالا-رحمهما الله -:" والقدرية مبتدعة ضلال ومن أنكر منهم أن الله –عز وجل – يعلم ما يكون قبل أن يكون فهو كافر"
الشرح:القدرية نسبة إلى القدر وسموا قدرية لأنهم نفوا القدر فقالوا :لا قدر والأمر أنف أي :مستأنف ،والمعنى : أن الله لم يقدر شيئاً وإنما يأمر وينهى وأول من أظهر مقالة القدر معبد بن خالد الجهني بالبصرة في آخر عصر الصحابة والقدريةقسمان :
1) القدرية الأولى: وهم منكرة علم الله بالأشياء وكتابته إياها في الوح المحفوظ وهؤلاء كفار كفرهم الأئمة وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – أنهم انقرضوا ،فكانوا كفاراً لأنهم كذبوا الله ورسوله وإجماع الأئمة فهذه الأدلة الثلاثة متضافرة على أن الله –سبحانه وتعالى – قد علم ما العباد عاملون وعلم الأشياء كلها ما كان وما سوف يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون وكتب عنده في اللوح المحفوظ ما يجري في الكون وفق علمه ولهذا سمي أولئك كفاراً .
2) المقتصدون : وهم الذين أنكروا خلق الله لجميع الأشياء وعليه فإن أفعال العباد عندهم ليست بمخلوقة فهي خلق العبد وكذلك أنكروا مشيئة الله لما يجري في الكون وهؤلاء هم جمهور القدرية ولاتزال منهم بقية ، وليعلم كل مسلم ومسلمة أن فرق الضلال لم تنقرض فكل فرقة ضالة لها وارث من المعاصرين ،فهذه القسم أعني المقتصدين مبتدعة ضلال لأن مذهبهم باطل بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى " والله خلقكم وما تعملون " وقال تعالى" وخلق كل شيئ فقدره تقديرا " وقال تعالى " إنا كل شيئ خلقناه بقدر " فأعمال العبد هي خلق الله – سبحانه وتعالى – لأن فعل العبد صفة له وهذا الموصوف وصفته مخلوقان لله –عز وجل –وهي كسب العبد وكذلك دل الكتاب والسنة على مشيئة الله النافذة فما من شيئ في الكون إلا وقد شائه الله وأراده كوناً وقدراً قال تعالى" إن ربك يفعل لما يريد " وقال تعالى "فعال لما يريد " وقال تعالى " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " وقال تعالى " وما تشائون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما " فثبتت مشيئة الله لجميع ما في الكون وهي الإرادة الكونية القدرية .
قالا –رحمهما الله – " وأن الجهمية كفار "
الشرح: الجهمية أتباع جهم بن صفوان الترمذي وجهم هذا ورث معتقده عن الجعد بن درهم والجعد بن درهم ورث معتقده الفاسد عن اليهود فالسلسلة يهودية انتهت بمن ورثهم من المنتسبين إلى الإسلام ، وسميت الجهمية جهمية نسبة إلى إمامهم الذي هو جهم بن صفوان وقد قتله سلم بن الأحوذ صاحب شرطة نصر بن سيار في آخر خلافة بني أمية و مذهب جهم نفي الأسماء والصفات فهم في الأسماء والصفات معطلة وفي الإيمان مرجئة وفي الحكم على مرتكب الكبيرة في الآخرة هو خلوده في النار فهم وعيدية في هذا الباب وقد كفرهم قبل هذين الإمامين أئمة وأخرجوا الجهمية من فرق الأمة الإسلامية فهي ليست عندهم داخلة في الثلاث والسبعين فرقة كما أخرجوا كذلك الرافضة فمحصل هذا أن الجهمية والرافضة خارجة من فرق أمة الإسلام وإن سعى جاهدين جماعة الإخوان المسلمين إلى التقريب بينهم وبين أهل السنة فلا غرابة فإنهم ينطلقون من قاعدة المعذرة والتعاون " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما إختلفنا فيه " تلك القاعدة التي كانت قاعدة المنار أولاً ثم هي قاعدة الإخوان المسلمين ثانياً فهذه القاعدة الفاجرة فتحت الباب على مصراعيه لدخول كل نحلة ضالة مع أهل السنة سواء كانت النحلة منتسبة إلى الإسلام كالرافضة أو غير منتسبة إلى الإسلام بل هي خارجة منه بالإتفاق مثل :اليهودية والنصرانية، ونحن نقول هذا لأنا خبرنا هذه الجماعة تاريخاً ومعتقداً ولا نقول عليها رجماً بالغيب بل لدينا من الوثائق ما هو أدلة على منهج هذه الفرقة التي هي واحدة من الجماعات الدعوية الحديثة والتي كلها ضالة مضلة كما قررنا ذلك في مجالس عدة ، والمقصود شيئان :أولاً :أن الرافضة ولاجهمية ليست من فرق أهل الإسلام إن لم يكن ذلك إجماعاً فهو فيما يشبه الإجماع وهو الحق الذي لامرية فيه وثانياً : الحذر من جماعة الإخوان المسلمين لفساد منهجها .
قالا –رحمهما الله -:" وأن الرافضة رفضوا الإسلام"
الشرح: أقول : الرافضة :أولاً :البحث في اشتقاق اسمها : هي في اللغة من الرفض ورفض الشيئ تركه وهي في اصطلاح العلماء :من رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهم جميعاً – وكانوا من شيعته وفي معسكره حين خرج على بعض خلفاء بني أمية فقالت له تلك الطائفة : تبرأ من أبي بكر وعمر ، فأبى ذلك ويروى أنه قال: كيف أتبرأ من وزيري جدي – يعني رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إذاً نرفضك ،فتخلوا عنه وانفصلوا عنه فسموا حينئذ بالرافضة فصار هذا علماً على غلاة الشيعة الإثني عشرية الإمامية ، وقول الإمامين " رفضوا الإسلام "يشير إلى ما عندهم من إعتقادات فاسدة هي تكذيب لله ولرسوله ولما أجمع عليه أئمة الإسلام ، تلك الطوام واحدةٌ منها كافية في نقل المرء من ملة الإسلام إلى الكفر ومن تلك الطوام والضلالات والكفريات التي عناها الإمامان الرازيان –رحمة الله عليهما ورحمة الله على كل إمام هدى مضى على السنة والذب عنها وعن أهلها - : زعمهم بل ومجالدتهم ومجادلتهم وتقريرهم أن أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر –رضي الله عنهما – ليست بريئة وما يخفى على مسلم عنده قليل من العلم أن الله برأ زوج نبيه في محكم كتابه من ما اتهمت به من الإفك ، ومنها أن القرآن محرف…(قطع في الشريط)ومنها : تكفير جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا علياً –رضي الله عنه – وآل البيت فعندهم جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – مرتدون إلا عشرة في رواية وثلاثة في رواية وسبعة في رواية ،وهذا كفر باتفاق المسلمين ومن شك فيه فهو كافر لأنه معلوم من الدين بالضرورة وكذلك يكفر من سب أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم –بما يقتضي أن عامتهم فساق فهو كفر باتفاق المسلمين وكذلك يكفر من شك فيه ، ولعله بهذا ظهر لكم أيها القراء والسامعون صدق الإمامين الرازيين –رحمة الله عليهما – وأن إشارتهما بقولهما " وأن الرافضة رفضوا الإسلام "إشارة بليغة تغني عن بسط عبارة .
قالا- رحمهما الله - :" والخوارج مراق"
الشرح: الخوارج في اللغة: من الخروج والخروج عن الشيئ هو ترك طريقه ومنه الخروج عن الطريق وهو الإنحراف عنه يمنة أو يسرة، والخوارج في الإصطلاح الشرعي: هم كل من خرج على إمام من أئمة المسلمين معلناً كفره وكفر من يواليه وقد لا يعلنون كفر من يواليه لكن جمهورهم على هذا ، ومعتقد الخوارج تكفير المسلمين بالكبائرفمرتكب الكبائر من المسلمين عندهم في الدنيا كافر حلال الدم والمال يسبون أهله وماله وحكمهم عليه إن مات مصراً على كبيرته بالخلود في النار أبد الآباد وهذا هو منتهى الضلال فإن النص والإحماع متضافران على أن مرتكب الكبيرة من المسلمين هو في الدنيا مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وإن مات مصراً على كبيرته فهو في الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وأدخله الله الجنة برحمته الواسعة ومن رحمته الإذن فيه بالشفاعة قبل دخوله النار وإن شاء عذبه ثم أخرجه منها بشفاعة الشافعين وهي من رحمته أو برحمته المحضة من غير شفاعة وهذا هوما تواترت به سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وكذلك جاء ما هو مصداقه بالقرآن الكريم قال –جل وعلى – " إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " فهذه الآية نص صريح في أمرين :
أحدهما : عدم مغفرة الله الشرك لمن مات عليه .
وثانيهما: أن ما عدى الشرك من كبائر الذنوب تحت مشيئة الله – يعني : يوم القيامة - .
ومن الأدلة التي تدل على أن مرتكب الكبيرة من المسلمين لم يكن كافراً بمجرد ركوبها أحاديث كثيرة منها : ما أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت –رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" من شهد أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله وأن عيسى بن مريم عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وأن الجنة حقٌ والنار حقٌ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – عن النبي –صلى الله عليه وسلم – قال :" من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقي الله وهو يشرك به شيئاً دخل النار " قال الإمام النووي – رحمه الله – مبوباً على هذين الحديثين وما في معناهما عند شرحه لها في "صحيح مسلم" قال مبوباً " باب الدليل على أنه من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا"، وقول الإمامين "الخوارج مراق " يشير إلى ما صح به الخبر عن النبي –صلى الله عليه وسلم – وتناقله جملةٌ من الصحابة وعنهم جملةٌ من التابعين إلى أحاديث صحيحة منها قوله –صلى الله عليه وسلم – " يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " وحاصل ما جائت به الأحاديث الصحيحة الصريحةعن النبي –صلى الله عليه وسلم – فيما يأتي :
أولاً : ذم الخوارج والتحذير منهم وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية .
ثانياً : الأمر بقتلهم وقتالهم وتوعده –صلى الله عليه وسلم – إياهم إن لقيهم ليقتلنهم قتل عاد وإرم، كما أنه –صلى الله عليه وسلم – وعد بالأجر من قتل الخوارج أو قتلوه وسماهم –صلى الله عليه وسلم – شر قتلى تحت أديم السماء وأمر بقتلهم وقتالهم .
ثالثاً : أنهم سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان يدعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام وأجمع أئمة السلف على ذلك ، فالخوارج من شر الخلق والخليقة إن لم يكونوا شر الخلق والخليقة ، والجمهور على أنهم مسلمون وأن ما جاء في ذمهم وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية من نصوص الوعيد التي لا يأولها أهل السنة بل يمرونها على ظاهرها كي تكون أبلغ في الأجر وأوقع في النفس، وبعض الأئمة يكفرونهم وحدثني أخي في الله فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد بن صنيتان السحيمي الأستاذ المشارك في قسم العقيدة في الجامعة الإسلامية –حرسها الله – عن الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أنه كفرهم ، وأنا أميل إلى هذا المذهب وأكاد أجزم به ، وها هنا سؤال : هل الخوارج وصف عام ينطبق على كل من كفر عصاة المسلمين -حكاماً أو محكومين- بالكبيرة واستحل قتالهم ؟ هل هذا الوصف عام أو هو مقصور على المارقة الأولى أصحاب النهروان ؟ قولان والصواب هو الأول فإن أهل السنة يسمون كل من تسمى بهذا الوصف حرورية ، وحروراء : مكان قرب الكوفة اجتمع فيه الخوارج وخرجوا منه لقتال علي ومن معه من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم –و التابعين – رضي الله عنهم أجمعين -، فصار هذا الوصف لازماً لكل خارجي سلك المسلك المتقدم ، واعلموا أيها المسلمون أن الخوارج قسمان :
1) خوارج معلنةٌ التكفير والحرب على أهل السنة – حكاماً ومحكومين – وهؤلاء هم المحاربة أهل السيف .
2) والقسم الثاني : الخوارج القعدية وهم الذين لا يعلنون في الغالب التكفير ولكن يحرضون على أئمة المسلمين وحكامهم الذين ثبت لهم عقد الإسلام ظاهراً ويؤلبون الخاصة والعامة عليهم بصنوف من التحريضات قد يكون منها الكفر ، ومنها: التشهير بأخطاء ولاة أمر المسلمين وعلماؤهم على الملأ وفي المحافل العامة وعلى المنابر في خطب الجمعة وغيرها ونتيجة هذا التحريض لاتنتهي إلا بأحد شيئين: إماانفراط العقد وانفلات الزمام وذلك بأن ينحاز العوام ومن قل فقهه في السنة إليهم ومن ثم الحرب وسفك الدماء ،وفي فتنة ابن الأشعث عبرة وللأخ الفاضل الذي نحسبه على السنة- والله حسيبه-الشيخ سلطان بن عبد الرحمن العيد -حفظه الله وسدده في أقواله واعماله- خطبة جمعة مسجلة وأرى أنها تروي الغليل وتشفي العليل وهي موجودة في تسجيلات ابن رجب بالمدينة و في غيرها من التسجيلات السلفية في المملكة وأظنها في التسجيلات السلفية خارج المملكة أيضاً فليراجعه من شاء فإنه يجد فيه عبراً عظيمة وسفهاً للخوارج وينبئ بل يدل صراحة عن فساد منهجهم أقول –ولاكرامة- وعلى فساد معتقدهم .الشيئ الثاني : قوة السلطان وسياسته الحكيمة في قطع دابرهم وذلك بمناصرة أهل السنة عليهم وإعانته لهم في الرد عليهم وكشف عوراتهم وسوئاتهم وهتك أستارهم فحين إذن يقوى بهم شوكة أهل السنة وتشتد به عزيمتهم وترجح به كفتهم فيصبحون أذلاء منبوذين ممقوتين محتقرين محذورين عند الخاصة والعامة .
أقول : وننبه هاهنا إلى شيئ وهو أن خوارج هذا العصر أهل التكفير عمتدهم في الغالب أفكار سيد قطب ،وسيدٌ هذا هو حامل لواء التكفير في هذا العصر وهو من جماعة الإخوان المسلمين التي قال فيها رئيس تنظيمهم السري علي عشماوي في عام 1960 قال:لم تخرج جماعة إلا من تحت عباءة الإخوان المسلمين ، وهذا القول شهادة من بني بجدة القوم رئيس تنظيمهم أنهم أ س الخوارج في هذا العصر ، وإن كان فيهم الجناح البنائي المائع لكن هذا الجناح مع الجناح القطبي كلاهما متعاون متكاتف على الثورة الفكرية ضد المسلمين لاسيما ضد حكام المسلمين ويعرف أن سيد بن قطب حامل لواء التكفير في هذا العصر من قرأ كتابه الذي ينضح بهذا الفكر " معالم في الطريق " يعرف أن الرجل داعية التكفير إن لم يكن مؤسساً له في هذا العصر ، ومن هنا يعلم أن كل مسلم سني يسعى في جمع الكلمة وسد طريق الفرقة ورفع لواء السنة وقمع البدعة يجب عليه أن يحذر سيد قطب ويحذر أفكاره المنحرفة ، فالرجل مزيج من الأفكار المنحرفة التي كلها تجتمع على الثورة الفكرية وهي قلب الوضع في هذا العصر .
قالا- رحمهما الله -:" ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفراً ينقل عن الملة
شرح كتاب أصل السنة وإعتقاد الدين للإمامين الرازيين أبي زرعة الرازي وأبي حاتم الرازي-رحمهما الله-
الشرح للشيخ العلامة: عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري –حفظه الله ورعاه-
تنبيه : الأشرطة موجودة في تسجيلات ابن رجب - المدينة و تسجيلات نداء الإسلام -الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
قال عبد الرحمن ابن أبي حاتم :"سألت أبي وأبا زرعة –رضي الله عنهما – عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا:"أدركنا العلماء في جميع الأمصار- حجازاًوعراقاًومصراًوشاماًويمناً-فكان من مذهبهم :أن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص"
الشرح:الحمد لله والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن سؤال الإمام عبدالرحمن بن محمد بن أبي حاتم والده محمد بن أبي حاتم بن إدريس الرازي وكذلك سؤاله الإمام أبا زرعة واسمه عبيد الله بن عبد الكريم –رحمة الله على الجميع –يدل دلالةً قوية على أن السلف الصالح-رحمهم الله- حريصون على فهم العقيدة الصحيحة التي جاء بها الكتاب والسنة،كما أنهم حريصون على أخذها عن الأئمة المتقدمين الذين سبقوهم في الإمامة وجلالة القدر والفضل والإمامة في الدين ،وهذا تطبيق عملي لما جاء عن ابن مسعودوابن عمر –رضي الله عنهما-"من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة" وفي ذلك مارواه الأئمة- أئمة السلف-عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال:" لايزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم عن أصحاب محمد-صلى الله عليه وسلم _وأكابرهم ،فإذا أتاهم العلم عن أصاغرهم هلكوا" وقد بدأ الإمامان سائلهما عبدالرحمن بن محمد بن أبي حاتم الرازي جوابه بما أدركا عليه الأئمة قبلهما من صحة المعتقد والسنة الخالية من شوب البدعة ،فبدئا أولاً بالإيمان لأن الإيمان بالله سبحانه وتعالى وما جاء عنه والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره هو أصل الأصول ولهذا بدئا به فذكرا أن الأئمة –أئمة السنة-يقولون:الإيمان هكذا قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويعنون بالقول:قول القلب وقول اللسان وبالعمل عمل الجوارح ،فقول القلب هو :حركته وعزمه على فعل الخيرات وجميع الطاعات من واجبات ومستحبات،كما أنه يتضمن حركته النافرة من ما يغضب الله سبحانه وتعالى وأعظم ذلك الشرك به ثم سائرالمعاصي والبدع ،واعتقاد القلب:هو تصديقه جميع ما يكون عن الله من أوامر ونواهي ومحبته الأوامر بالفعل ومحبته الأوامر بالترك ،وقول اللسان :النطق ومن أمثلة ذلك:قراءة القرآن وقول لاإله إلاالله والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والدعاء،وعمل الجوارح: الأعمال التعبدية مثل: الصلاة والزكاة والصيام.
فالإيمان يزيد عند أهل السنة بالطاعات وينقص عندهم بالمعاصي ،فالمعاصي تنقص الإيمان وتكدر صفوه، وفي هذا التعريف رد على المرجئة بطائفتيها:سواء الغلاةوهم الذين يرون أن الإيمان هو التصديق أو القول والتصديق وقاعدتهم في ذلك:لا يضر مع الإيمان ذنب ولا ينفع مع الكفر طاعة،كذلك الرد على المرجئة المتوسطة فالأولى مرجئة الجهمية والثانية المتوسطة ،فالإيمان عندهم هو:القول والإعتقاد ، والعمل ليس من مسمى الإيمان، وقول أهل السنة :هو ما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه أئمة السنة ،فمن الكتاب الكريم قول الحق -جل ثنائه- "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون" فالشاهد من هذه الآية:ذكر الجهاد ضمن خصال الإيمان وهو عمل ،ومن السنة :حديث أبي هريرة وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال :"الإيمان بضع وستون شعبة أوقال بضع وسبعون شعبة أعلاها وفي رواية: أفضلها قول لاإله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"ووجه الدلالة:فيما تضمنه من شعب الإيمان، فالقول شاهده:قول لاإله إلا الله،والعمل شاهده :إماطة الأذى عن الطريق،والقلب أوالإعتقاد في القلب شاهده:"والحياء شعبةمن الإيمان "فالحياء أمر قلبي يحمل المرء على البعد عن كل ما هو قبيح من أقوال وأفعال وكذلك خوارم المروئة من أقوال وأفعال لكن تظهر آثار ذلك على الجوارح فهو أمر قلبي .
قالا –رحمهما الله -:"والقرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته"
الشرح:كان السلف يكتفون في أول الأمر في عهد الصحابة وأئمة التابعين بقولهم:القرآن كلام الله ،فلما جاءت الجهمية –وريثة الفلسفة اليهودية –من طريق الجعد بن درهم ثم ورثتهم من بعد المعتزلة أصحاب واصل بن عطاء الغزال و الذين إنتهى بهم الأمر إلى أن القرآن مخلوق وشاركهم في هذا طوائف من المبتدعة فمنهم من قال القرآن كله ،القرآن مخلوق يعني :كله الحروف والمعاني ،ومنهم من يقول: القرآن كلام الله لكن خلقه الله في غيره فهو يضاف إلى الله إضافة مجازية فالله لم يتكلم عندهم ومنهم من يقول :الحروف مخلوقة ومعنى القرآن هو كلام الله فالقرآن عبارة عن كلام الله أو حكاية عن كلام الله فالأول قول الأشاعرة والثاني قول الكلابية،وهذه الطوائف كلها ضالة مضلة فاضطر السلف بعد هذه الفلسفات الكلامية المفسدة للعقيدة لمن تتلمذ عليها ،اضطر السلف أن يقولوا :القرآن كلام الله منزل غير مخلوق،سواءكتب في المصاحف أوحفظ في الصدور أو تلي في الألسن كيفما تصرف فيه فهوكلام الله ولا يخرج بشيء منها عن كونه كلام الله ولهذا يقولون:الصوت صوت القاري والكلام كلام الباري ،وقول الإمامين –رحمهما الله-الذي نقله عنهما ابن أبي حاتم –عبد الرحمن-"بجميع جهاته " أظنه يقصد :الحروف والمعاني وحميع التصرفات التي يتصرف بها المسلمون من تلاوته بالألسن وحفظه بالصدور وكتابته في المصاحف هو في هذه الجهات كلها كلام الله سبحانه وتعالى حروفه ومعانيه والله أعلم.
قالا-رحمهما الله-:"والقدر خيره وشره من الله –عز وجل-"
الشرح: القدر هو أحد أركان الإيمان الستة ،دل عليه القرآن والسنة وإجماع الأئمة،قال الله تعالى "إنا كل شيئ خلقناه بقدر" وقال جل ثنائه "وخلق كل شيئ فقدره تقديرا" ومن السنة :حديث عمر الذي أخرجه مسلم في صحيحه وهو معروف ومشهور عند علماء الإسلام بحديث جبريل لأن السائل عما تضمنه ذلك الحديث من الأسئلة هو جبريل –صلى الله عليه وسلم – يسأل محمداً –صلى الله عليه وسلم-فمن تلك الأسئلة قال :"أخبرني ما الإيمان" قال "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، واعلم أن الإيمان بالقدر لا يتحقق إلا بأربعة أمور هي مراتبه :
الأول : الإيمان بأن الله عز وجل علم ما كان وما سوف يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، علم الله الواسع المحيط بالكون كله وما يجري فيه وما جرى فيه مما هو ماض وحاضر ومستقبل ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وضمن هذا العلم : العلم بما الخلق عاملون والعلم بأحوالهم وآجالهم وأرزاقهم .
الثاني : الكتابة ، وذلك أن الله عز وجل كتب مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة –هكذا رويت -،وتضمنت هذه الكتابة جميع ما علمه الله سبحانه وتعالى من أحوال الكون وما يجري فيه ،فإنه -سبحانه وتعالى – لما خلق القلم قال له: أكتب قال وما أكتب قال : أكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة .
الثالث : الخلق ، فإن الله سبحانه وتعالى هو خالق وليس بمخلوق ومن ذلك صفاته ليست بمخلوقة لأن صفاته قائمة به –جل وعلى- متصف بها فهي ليست خارجة عنه وما سوى الله –عز وجل – بذاته وصفاته ما سواه من الكون سمائه وأرضه وملائكته و إنسه وجنه وحيواناته وحشراته ودوابه وسهوله وجباله ، كلها مخلوقه له-سبحانه وتعالى-خلقها على ما تقتضيه حكمته ، فما من مخلوق فيه خير أو شر إلا ولله-سبحانه وتعالى– فيه حكمة.
الرابع :المشيئة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ،وفي هذا رد على القدرية الأولى الغلاة في نفي القدر والذين يقولون: لا قدر والأمر أنف ،وقد ظهرت هذه المقولة في آخر عصر الصحابة وأول من تكلم بها معبد بن خالد الجهني فاستنكرها أهل الإعتقاد الصحيح من المسلمين علماء وغير علماء لأنهم رأوها محدثة وأحبوا أن يسمعوا فيما يؤيد قولهم واعتقادهم أنها محدثة شيئا من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- فأتى منهم رجلان إلى الحج قالا :لعلنا نلقى رجلاً من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- فكان من فضل الله عليهما وعلى جميع المسلمين بعدهما أنهما إلتقيا بعبدالله بن عمر –رضي الله عنهما- ،وليس هذا مني حطُُ من شأن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- بل وما أظنهما لو لقيا رجلا آخر من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – إلا ويجدان فيه ما يشفي العليل ويروي الغليل ، ونحن إعتقادنا في أن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم متفاضلون في العلم وفي السابقة وابن عمر –رضي الله عنه- ممن عرف فضله وعلمه وسابقته ، فقالا :يا أبا عبد الرحمن إن قبلنا قوماً يقولون لا قدر والأمر أنف ، فقال :أخبروهم أني بريئ منهم وأنهم برآء مني والله لو كان عند أحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ما تقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ".
كما أن في هذا الكلام الذي نقله عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة الآخر رد على القدرية الثانية وهم الجبرية يسمون قدرية لأنهم غلو في إثبات القدر حتى سلبوا العبد إختياره وحريته في العمل ، ففاعل الخير والشر عندهم من العباد مجبور ولا اختيار له هو مجبر على ما يفعل من خير أو شر ،فالرد عليهم بما تقدم وكذلك بالقرآن ومنها قوله–جل وعلى -:"وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " وقوله" لمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " وغير ذلك من الآيات التي تدل قطعاً وصراحةً على أن العبد له مشيئة والله له مشيئة ولكن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل ، وأجمع أئمة السنة على أن العبد هو المصلي والصائم والبر والفاجر والمطيع والعاصي والمسلم والكافر ،هكذا يوصف العبد فلو كان مجبراً لم يستحق ثوابا على ما عمل من الطاعات كما أنه لم يستحق عقابا على ما فعله من المعاصي ، لأن الله بزعمهم أجبره ، أقول: والمجبر –وهو من الرد عليهم -لا ينسب إليه فعل، كما اجمع أهل السنة على أن من فعل المعصية باختياره وعلمه أنها معصية وجب عليه التوبة وإلا لقي الله عاصياً مع إعتقادهم أنه تحت مشيئة الله إن مات على التوحيد ، كما أنهم مجمعون على أن من ركب حداً من حدود الله أقيم عليه الحد إذا ثبت ، وكذلك من إقترف إثما يوجب العقوبة التعزيرية عزر ، فعلى قول المجبرة الذين هم الجبرية لايكون ثمة شيئ من هذا فالزاني البكر لا يجلد ولا يغرب والمحصن لا يرجم والقاتل عمدا لايقتص منه لأن الله أجبره بزعمهم، فعلم بهذا أن عقيدة الطائفتين باطلة وأن كلتا الطائفتين ضالة مضلة لمخالفتهما النص والإجماع .
قالا –رحمهما الله-:"وخير هذه الأمة بعد نبيها –عليه السلام – أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب –رضي الله عنهم- "
الشرح: هذا إنتقال من الإمامين –رحمهما الله- إلى أمر آخر أرادا به أولاً بيان العقيدة الصحيحة في أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم – عامة وفي الخلفاء خاصة، فما ذكراه هو عقيدة أهل السنة في أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وأن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم –هم جميعهم أفضل الأمة بعد نبيها وأنهم عدول وأنهم أمناء على شرع نبيهم –صلى الله عليه وسلم- وأنهم بلغوه الأمة كما تلقوه عن نبيهم –صلى الله عليه وسلم- فلم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه ولهذا أجمع أئمة السنة على ضلال من خالف إجماع الصحابة وأنه مبتدع ،وأعني من خالف عناداً واستكباراً بعد معرفته الحق فاستنكف عنه وطلب غيره من غير ما اجتمع عليه أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ، وأراد الإمامين ثانياً : التحذير ممن يخالف هذا المعتقد من المبتدعة والرد عليهم ، وقدخالف في هذا طوائف : فمنهم الروافض –عليهم لعائن الله – فإنهم كفروا جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – إلا عشرة في رواية و سبعة في رواية وثلاثة في رواية ، ولا أدري أيتها الراجحة عندهم!؟ لكن عندي كلها باطلة ، ويقررون بأن الجميع قد إرتدوا أو فسقوا وضمن من يكفرونه الشيخان أبا بكر وعمر وأضن بأن بعضهم يلحق عثمان –رضي الله عنه ، ويغلوا الرافضة في علي –رضي الله عنه- وآل البيت –رضي الله عنهم- .
الطائفة الثانية : الخوارج : كفروا علياً –رضي الله عنه – ومن معه من أئمة التابعين وعلماء التابعين مع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ،كما أنهم يكفرون بالكبيرة إلى اليوم .
الطائفة الثالثة : النواصب : وهم الذين ناصبوا علياً –رضي الله عنه وآل البيت العداوة وإن لم يكفروهم لكن يناصبونهم العداوة ويبغضونهم فهم على طرفي نقيض مع الرافضة فإذا تقرر هذا فاعلموا أن لازم عقيدة الرافضه بل هو صريح عقيدتهم القول بأن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان غير صحيحة مطعون فيها وإنما الخلافة لعلي وغير ذلك من الترهات والضلالات وأن عقيدة الخوارج القول بأن خلافة علي –رضي الله عنه – غير صحيحة وخلافة الثلاثة صحيحه ، وأهل السنة- ولله الحمد – يقرون خلافة الجميع وفضل الجميع ولكنهم يتفاوتون في الرتبة على ما قال الإمامان ، فأفضل الصحابة هو الصديق إمام الأمة بعد نبيها –صلى الله عليه وسلم – أعني : أبا بكر-رضي الله عنه- ثم عمر –رضي الله عنه – فأبو بكر أجمع على إمامته أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – ومن معهم من المسلمين لنصوص فهم المسلمون منها تفضيله وإمامته ولذلك إختاروه في الخلافة وأجمعوا على أن خلافته صحيحة وأما عمر –رضي الله عنه- فقد أجمع أهل السنة على أن خلافته صحيحه بدءاً من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم –وأئمة التابعين ومن بعدهم وذلك لما هو متقرر عندهم من فضله بنص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكتابة أبي بكر له موصياً له بالخلافه ، وعثمان –رضي الله عنه- أجمع المسلمون بما فيهم أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – على صحة خلافته لما علموه من فضله بنص النبي –صلى الله عليه وسلم- وباجتماع أهل الشورى عليه وهم الستة الذين مات عنهم رسول الله– صلى الله عليه وسلم - وهو را ضي ، وقد رضي النبي –صلى الله عليه وسلم- كما رضي ربه عن جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – وأما أبو السبطين الحسن والحسين أعني: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن سبطيه وعن جميع أصحاب النبي –صلى الله علي وسلم- فقد أجمع المسلمون على خلافته لما علموه من فضله ولقرابته من النبي –صلى الله عليه وسلم –ولإجماع أهل عصره عليه .
قالا –رحمهما الله – :"وهم الخلفاء الراشدون المهديون"
الشرح: وهذا هو نص النبي –صلى الله عليه وسلم – أولاً ، وذلكم فيما رواه أحمد وأهل السنن وغيرهم من حديث العرباض بن سارية –رضي الله عنه – قال :"وعظنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – موعظةًبليغه وجلت منها القلوب وذرفت لها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا -وفي رواية: فما تعهد إلينا-، قال–صلى الله عليه وسلم -: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله" .
والخلافة الراشده ثلاثون عاماً وزياده ، وآخر هذه الخلافه التي هي ثلاثون عاماً خلافة الحسن بن علي- رضي الله عنه- هذا هو التحقيق وإن كان بعضهم لم يعدها ضمن الخلافة الراشده وإن كان أهل السنة متفقين على أنه خليفه راشد لكن لم يعدوها مع الأربعه لأنه –رضي الله عنه- تنازل لمعاويه-رضي الله عنه- ، فمعاوية –رضي الله عنه- هو خليفة راشد وإن رغمت أنوف الرافضة والخوارج والنواصب ، هو خليفة راشد بإجماع أئمة أهل السنة، قال الذهبي فيه : هوخير ملوك الدنيا.
قالا –رحمهما الله- :" والترحم على جميع أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم –وعلى آله والكف عما شجر بينهم"
الشرح: هذه الجملة تتضمن ثلاثة أمور :
الأمر الأول :الترحم على أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- .
والأمر الثاني : الترحم على آل بيته. فأصحابه جمع صاحب ويقال : صحابي وهو كل من لقي النبي –صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على ذلك ،وآل بيته هم الذين تحرم عليهم الصدقه وهم :آل علي بن أبي طالب وآل العباس بن عبد المطلب وآل جعفر بن أبي طالب وآل عقيل بن أبي طالب وآل الحارث بن هشام بن عبد المطلب، هؤلاء هم بنو هاشم وعليهم تحرم الصدقة وذلك لأنهم لهم الخمس من الفيئ والغنيمة، والسؤال الآن : هل تحل لهم الصدقة؟ والجواب : نعم تحل لهم الصدقة لعدم وجود الخمس ، فهم يعطون من الصدقة الآن وهي تحل لهم إسوةً بغيرهم من المسلمين ، وآل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم –كذلك يدخل فيهم أزواجه لقوله تعالى :" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً "وهذه الآية لأزواج النبي –صلى الله عليه وسلم –فهم من آل بيته ، وحرمة هاتين الطائفتين أعني :أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – وآل بيته مجمع عليهما من أهل السنة، وقد قدمنا –أمس- ما يتعلق بأصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ومن خالف أهل السنة من الطوائف الضالة المبتدعه ،وأهل السنة في آل البيت وسط يحبونهم ويتولونهم ويترحمون عليهم يحبونهم لله ولقرابتهم من النبي –صلى الله عليه وسلم – ويمقتون من به فسوق وفجور منهم فأهل السنة وسط بين الرافضة والنواصب فالرافضة يغلون في آل البيت ويفرطون في محبتهم ويرفعونهم فوق مكانتهم ومنزلتهم إلى مرتبة الألوهية ولانواصب على النقيض من ذلك فإنهم لا يتولون آل البيت بل يبغضونهم ويمقتونهم ويلعنونهم ، وكلتا الطائفتين ضالة مضلة منحرفة عن المعتقد الصحيح والمنهج الصحيح ، وأهل السنة وسط ولله الحمد يكرمون آل البيت ويحترمونهم ويترحمون عليهم ويترضون عنهم ولا يرفعون أحداً فوق منزلته التي أنزله الله عليها .
قالا –رحمهما الله -:" وأن الله –عز وجل – بائنٌ من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بلا كيف أحاط بكل شيئ علما ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير"
الشرح:وفي هذه الجملة ثلاثة أمور :
الأمر الأول : أن الله بائن من خلقه وذلك لأنه فوق عرشه وعرشه فوق سماواته فالعرش سقف المخلوقات كلها في الدنيا والله فوق عرشه وهو سبحانه وتعالى ليس حالاً في شيئ من خلقه ولم يحل به شيئ من خلقه فهو بائن منهم مع قربه منهم ومعيته لهم فإنه مع جميع مخلوقاته –سبحانه وتعالى –وهو قريب منهم فهو مع جميع المخلوقات معية عامه مقتضاها العلم والتدبير وتصريف الأمور والإحاطة بأعمالهم وأحوالهم، وهو مع المؤمنين أهل الإيمان الموحدين معية خاصة تشمل على ماتقدم الحفظ والتأييد والتثبيت على الهدى والتمكين في الأرض،وفي هذا رد على المعتزلة والجهمية قبلهم والأشاعرة بعدهم فإنهم لا يثبتون هذا العلو الذي هو علوالذات وإنما يقولون بعلو القدر وعلو القهر ، فأهل السنة يثبتون هذه الأنواع الثلاثة كلها :يثبتون لله علو الذات ومعناه أن الله فوق جميع مخلوقاته لأنه فوق العرش والعرش فوق جميع المخلوقات ويثبتون لله علو القدر فهو سبحانه وتعالى عظيم متصف بحميع صفات الكمال والجمال والجلال لا يداني كماله كمال وهو سبحانه وتعالى علي القهر فكل شيئ مقهور لسلطانه مسخر له لا يشذ عن سلطانه شاذ ولا يفذ عنه فاذ والمبتدعة لا يثبتون علو الذات فهم متفقون مع أهل السنة في علو القدر وعلو القهر فضلوا وأضلوا وهدى الله –سبحانه وتعالى- أهل السنة إلى الإيمان بعلو الله –سبحانه وتعالى – ذاتاً وقدراً وقهراً لأن هذا هو مقتضى نصوص الكتاب والسنة ...(قطع في الشريط).
الأمر الثاني : أن علو الله عز وجل يثبت لا كيف لايسئل عن كيفيته كذلك جميع صفاته لا يخوض أهل السنة في كيفيتها فصفات الباري –جل وعلى – التي منها العلو والسمع والبصر والعلم والقدرة و الإرادة وجميع صفاته –سبحانه وتعالى – معلومة باعتبار مجهولة باعتبار آخر فهي معلومة باعتبار معناها وفيه يتكلم أهل السنة وفق لغتهم العربية وهي مجهولة باعتبار كيفيتها ، فأهل السنة يثبتون جميع صفات الرب –عزوجل- ويؤمنون بأن معانيها معلومة ويفوضون علم كيفيتها إلى الله –سبحانه وتعالى -فالصفات الإلهية لها كيفية ولكن هذه الكيفية من الغيب الذي إستأثر الله -سبحانه تعالى- بعلمه قال –جل وعلى-:" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا" .
الأمر الثالث :إحاطة علم الله –سبحانه وتعالى- بكل شيئ كما جاء بذلك الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل السليم ،كل هذه الخمسة متضافرة على أن علم الله –عزوجل- محيط بكل شيئ لا يعزب عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء والأدلة من الكتاب والسنة على ذلك أكثر من أن تحصر " وهو بكل شيئ عليم " "وكان الله بكل شيئ عليما" وغير ذلك .
وثمة أمر رابع في قوله "ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير " وفي هذه الجملة وهي ضمن آية في سورة الشورى فيها الرد على المعطلة وهم الذين عطلوا الله –سبحانه وتعالى- عن كماله من أسماءه وصفاته سواء كان تعطيلاً كلياً – وهذا هو تعطيل الجهمية عطلوا الأسماء والصفات نفوا الأسماء والصفات – أو تعطيلاً جزئياً-وهذا هو تعطيل المعتزلة والأشاعرةو الكلابية-، فالمعتزلة نفوا صفات الرب –سبحانه وتعالى – وأثبتوا أسماؤه لكن عندهم أنها ليست لها معاني فهي أشبه بالجوامد، والأشاعرة ومن لف لفهم نفوا عن الله- عز وجل- جميع صفاته إلا سبعا منها: العلم والإرادة ، كما أن في هذه القطعة رد على المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه ، فقوله :" ليس كمثله شيئ " رد على المشبهة وقوله " وهو السميع البصير" رد على المعطلة .
قالا –رحمهما الله- : " والله - تبارك وتعالى- يُرى في الآخرة ويراه أهل الجنة بأبصارهم ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء "
الشرح:في هذه القطعة :
أولاً:إثبات رؤية المؤمنين ربهم ، والمؤمنون يرون الله مرتين بأعيانهم إحداهما في عرصات القيامة بالمحشر حين يأتي –جل وعلى-لفصل القضاء بين الخلق والثانية بالجنة فالأولى اختلف أهل السنة هل هي خاصة بالمؤمنين أو يراه المؤمنون والمنافقون أو يراه المؤمنون والمنافقون والكفار ، ثلاثة أقوال والله أعلم ، ومن جعلها خاصةً بأهل الإيمان يحتج بقول الله تعالى :" كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " قالوا: فإذا حجب عن رؤيته الكفار رئاه المؤمنون فقالوا : يراه الكل ثم يحتجب عن الكفار والمنافقين و يبقى المؤمنون يتلذذون برؤية الباري –جل وعلى- .والثانية : هي رؤية المؤمنين ربهم في الجنة وهذه مجمع على أنها خاصة بأهل الإيمان ، وأظن أن الرازيين- رحمة الله عليهما – اقتصرا على هذه لأنها محل إجماع أعني : إختصاصها بالمؤمنين .
وهذه الرؤية دليلها من الكتاب قوله تعالى :" وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة" وقوله تعالى :"للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" فالحسنى هي المثوبة ومنها الجنة وتهوين هول الموقف والعبور على الصراط عبوراً تاماً وإن كان يعبر الصراط أقوام تلفحهم النار ثم ينجون بعد ذلك ومآلهم إلى الجنة ، وكذلك ينال هذه الرؤية-إن شاء الله - من أخرجه الله من النار وأدخله الجنة أقول : إن شاء الله تعالى ولست أجزم بذلك ويدل على إثبات رؤية المؤمنين ربهم أحاديث كثيرة منها ما أخرجه الشيخان عن جرير بن عبدالله البجلي –رضي الله عنه –قال :"كنا عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم –ذات ليلة فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال :إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته أي :لايلحقكم ضيم بحيث يراه البعض دون الآخر ،وفي رواية: لاتضامون في رؤيته –بالتشديد-والمعنى :لا تتزاحمون على رؤيته كل يراه وهو في مكانه،وهذا الحديث يتضمن رؤية المؤمنين ربهم،وقوله "كما ترون القمر ليلة البدر " هذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي لأن الله ليس كمثله شيئ ،وكذلك أخرج أحمد ومسلم عن صهيب بن سنان –رضي الله عنه – عن النبي –صلى الله عليه وسلم –قال :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة فيقولوا :لبيك وسعديك فيقول :إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولوا :وماذا ألم يدخلنا الجنة ؟ألم يبيض وجوهنا ؟ ألم يثقل موازيننا؟ قال:فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله عزوجل قال :فوالذي نفسي بيده ما أعطوا عطاءً أقر لأعينهم منه ،ثم يقول الله عزوجل يا أهل الجنة أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا " وهذا مجمع عليه –أعني الرؤية –بين أهل السنة وأنكرها طوائف من المبتدعة ،أنكرها الجهمية والمعتزلة ومن لف لفهم من أهل البدع واحتجوا بأدلة منها –أو ولهم شبه منها-:
1) قوله تعالى :"لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار "والجواب عن هذه الشبهة : أن النظر شيئ والإدراك شيئٌ آخر،فرؤية المؤمنين ربهم ثابتة يوم القيامة من غير إدراك أي :من غير إحاطة ،فالإدراك هو النظر مع الإحاطة وهذا هو المنفي في الآية " لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" فالمنفي هنا الإحاطة ويدل على أن الإبصار غير الإدراك –وإن شئت فقل : ويدل على أن الإدراك ليس مجرد الإبصار بل هو الإحاطة :ما قصه الله- سبحانه وتعالى- علينا من خبر موسى –عليه السلام- مع عدو الله فرعون -عليه لعنة الله- فإنه لما ترائى الفريقان ونظر بعضهما إلى بعض قال أصحاب موسى "إنا لمدركون " انظر كلٌ يرى الآخر فقال موسى –صلى الله عليه وسلم-"كلا إن معي ربي سيهدين" فما الذي نفاه موسى – صلى الله عليه وسلم- هل هو نفى رؤية الفريقين بعضهم بعضا؟ أو نفى إدراك آل فرعون لأصحاب موسى؟ نفى إدراكهم نفى الإحاطة ولهذا قال:كلا،أما الرؤية فإنه –صلى الله عليه وسلم –لم ينفها وذلك لأن كلاً من الفريقين يرى الآخر رأي العين رؤية محققة كلٌ ينظر للآخر بعينيه.
2) الشبهة الثانية: قالوا : إن إثبات الرؤيية يستلزم أن الله في جهة وهذا يستلزم أنه جسم والله منزه عن ذلك . والجواب:أن لفظ الجهة مجمل له ثلاثة معاني : جهة علو لا تحيط بالله وجهة علو تحيط بالله وجهة سفل ،فالأول: هو مقتضى النصوص من الكتاب والسنة فإن الله في العلو ولهذا يشار إليه في العلو والداعي من أهل الإسلام من عوام المسلمين فضلاً عن علمائهم حين يدعو ربه يرفع يديه إلى السماء لأنه متقرر عندهم أن الله في السماء يعني :العلو، فهو- سبحانه وتعالى – فوق عرشه وعرشه فوق سماواته ، وفي حديث الجارية ما يزيد هذا توضيحاً ،فإنه لما سألها النبي –صلى الله عليه وسلم- "أين الله " أشارت بيدها إلى السماء ولما قال لها " من أنا " أشارت إليه وأشارت إلى السماء يعني :أنت رسول الذي في السماء ،هذا في رواية وفي رواية :أنها أجابت كلاماً نطقاً قال" أين الله" قالت "في السماء " قال "من أنا " قالت" أنت رسول الله" ، وأما المعنى الثاني والثالث فباطلان لأن الله –عز وجل- منزه عن السفل كما هو منزه أن يحويه شيئ .
وقولهما –رحمهما الله –"ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء" يسمعون كلامه نعم هذا هو الأمر الثاني: يسمعون كلام الله في الآخرة، جميع أهل الموقف يسمعون كلام الله ينادي عباده بحرف وصوت وقد صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم – أن الله –عز وجل- يدني عبده المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه :أتذكر ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فإذا ظن أن قد هلك قال الله –عز وجل : سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته بيمينه ، كما أنه –سبحانه وتعالى- يسمع كلامه أهل الجنة خاصة وقد قدمت ذلك في حديث صهيب " ينادي منادٍ ....الخ" هذا عن الله ، ويقول في آخره"يا أهل الجنة أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ".
قالا –رحمهما الله -:"والجنة حق والنار حق وهما مخلوقتان لا يَفنيان أبداً فالجنة ثواب لأوليائه والنار عقاب لأهل معصيته إلا من رحم الله -عز وجل-"
الشرح: هذه القطعة تتضمن الإيمان بالجنة والنار وأن كلاً منهما حق، فالجنة أعدها الله لأوليائه والنار أعدها الله لأعدائه،ويدل على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن آيات وأحاديث ، آيات كثيرة صريحة وأحاديث صحيحة فمن القرآن الكريم قوله في الجنة " أعدت للمتقين " وقوله في النار " أعدت للكافرين"ومعنى أعدت: أي هيئت ووجدت ولا يقال ذلك إلا فيما هو موجود سابق قبل أهله ،ومن الأحاديث قوله –صلى الله عليه وسلم- :" إني اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا واطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها كذا " وفي الحديث الصحيح "إن في الجنة مئة درجة ما بين الدرجة والدرجة ما بين السماء والأرض.. إلى أن قال : فإذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس..الجديث " وفي الحديث الصحيح الآخر وهو عند الشيخين من حديث أبي هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه –عزوجل – قال : يقول الله تعالى " أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أظن سمعت ولا خطر على قلب بشر" وفي الحديث الصحيح الآخر "احتجت الجنة والنار فقالت الجنة مالها فيها الضعفاء وقالت النار مالها لايدخها إلا الجبارون فقال الله للجنة:أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما علي ملئها" وهذا الملئ الذي وعد الله به كلاً من الجنة والنار فإنه جاء مفسراً في أحاديث صحيحة فالنار صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم – أنه يوم القيامة يقال لها :" هل امتلئت وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار عليها قدمه" وفي رواية: رجله فتقول :قط قط، وينزوي بعضها إلى بعض" هذا هو ملئها ، وأما الجنة فإن الله سبحانه وتعالى ينشأ خلقاً جديداً يملئ بهم فضلها عن أهلها ، قيل: هم خدم أهل الجنة والله أعلم ،فوفى الله –سبحانه وتعالى- لكلٍ ما وعدها ملئ النار حين وضع عليها قدمه فانزوى بعضها إلى بعض فصارت محصورة على أهلها ليس فيها فضل، وملئ الجنة بإنشائه خلقاً جديداً أسكنهم فضلها ، وفي هذا :الرد على الجهمية والمعتزلة ومن لف لفهم فإنهم وإن آمنوا بالجنة والنار لكن يقولون :توجد بعد فهي عندهم ليست مخلوقة موجودة الآن وما تقدم من الأحاديث وقبلها من الآيات وفي معنى ما ذكر من النصوص رد عليهم، وكذلك يرد عليهم بإحماع أهل السنة .
ومن شبه القوم –أعني المبتدعة-:أن محمداً –صلى الله عليه وسلم – حين لقي إبراهيم –صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج قال له:" يامحمد أقرأ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله والله أكبر " قالوا :فهي قيعان أي غير موجودة ، قيعان فقط ويرد عليهم بثلاثة أمور:
الأمر الأول :ما تقدم من الآيات والأحاديث وما في معناها.
الأمر الثاني :إجماع أهل السنة .
الأمر الثالث: أن الحديث لا ينفي وجود الجنة بل يثبتها ويثبت أن الله يغرسها بالأعمال الصالحة وهذا مثل حديث " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة " فبناؤها لم يكتمل إلا في الآخرة فهي تبنى وتغرس فهي إذن موجودة ولكن بناؤها لم يكتمل إلا بالأعمال الصالحة حين تكتمل الأعمال الصالحة .
كذلك قالوا -وهي أكبر حجة عندهم-: أن وجودها عبث والله منزه عن ذلك ، فالجواب: أن هذا قياس معارض بالنصوص الصريحةفهو فاسد الإعتبار عند أهل العلم ويرد عليهم –ثانياً- :أن الله –سبحانه وتعالى –أخبر في كتابه وأخبر كذلك رسوله-صلى الله عليه وسلم-وهو لا يخبر إلا عن ربه بوجود الجنة والنار وهذا لحكمة بالغة ،وكذلك تضمنت هذه القطعة أن الجنة والنار لا تفنيان يعني : أنهما باقيتان على الدوام ما دامت السماوات والأرض وهذا هو القول الحق الذي هو مقتضى نصوص القرآن والسنةوعليه أجمع جمهور أهل السنة ، وقال بعض أهل العلم :تفنى نار الموحدين النار التي يدخلها عصاة الموحدين فتصيبهم بذنوبهم إذا خرجوا منها جميعهم فنيت والله أعلم .
قالا –رحمهما الله -: " والصراط حق"
الشرح : الصراط في اللغة معناه:الطريق البين المعتدل الواضح ومعناه في الشرع: جسر عظيم أحد من السيف وأرق من الشعر ينصب على متن جهنم يمر عليه المؤمنون على قدر أعمالهم ، وقد دل على ثبوت الصراط النص وإجماع أهل السنة ، وأنكره القاضي عبدالجبار من المعتزلة وفسر الصراط بأنه طريق الجنة وطريق النار يعني :صراط معنوي أو صراط حسي طريق الجنة وطريق النار ، واستدل على أن الصراط أو من معاني الصراط طريق الجنة بقوله تعالى " ويدخلهم الجنة عرفها لهم " واستدل على أن من معاني الصراط طريق النار بقوله" واهدوهم إلى صراط الجحيم" ؛ ويرد على هذا المبتدع الضال بالنصوص التي قدمنا الإشارة إليها وكذلك بإجماع أهل السنة وسيرى عدو الله أن ما أنكره حق على حقيقته حين يراه ويتبين له أنه مخطئ وأنه ضال منحرف سالك غير سبيل المؤمنين ولا ينفعه حين ذلك .
قالا –رحمهما الله -:" والميزان الذي له كفتان يوزن به أعمال العباد حسنها وسيئها حقٌ "
الشرح:الميزان في اللغة : ما تعرف به المقادير ثقلاً وخفةً ، وهو في الشرع ميزان ينصبه الله -سبحانه وتعالى – في عرصات القيامة لوزن أعمال العباد ،واعلموا أيها المسلمون والمسلمات أن الكتاب والسنة قد تضافرت كلها على أن الميزان يوم القيامة حق وهذا الميزان كما جاء في نصوص السنة له كفتان وذكر بعض أهل العلم الإجماع على أنه له لسان والأدلة عليه من الكتاب الكريم أكثر من أن تحصر ومنها قوله تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " وقال –جل في علاه –" فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون " وقال-جل ذكره- "فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما ادراك ماهي نار حامية" وقال –جل وعلى –" فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره "وأخرج البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه-عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " والناظر في نصوص السنة يجد أنها صريحة الدلالة على وزن العمل ووزن العامل وصحيفة العمل فمن الأدلة على وزن العمل حديث أبي هريرة المتقدم وما أخرجه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : " سبحان الله والحمد لله تملآن الميزان" ومن الأدلة على وزن العامل الحديث الصحيح " يأتى بالرجل السمين العظيم لا يزن عند الله جناح بعوضة" ويدل على وزن صحيفة العمل حديث صاحب البطاقة " يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر ،فيقول الله : أظلمتك كتبتي ؟أتنكر من هذا شيئاً ؟ فيقول :لا يا ربي ، فيقول له: هل لك من حسنة ؟ فيقول :لا،فيقول الله له: بلى إن لك عندنا لحسنة ، فتخرج بطاقة مكتوب فيها لاإله إلا الله ، فيقول : وماذا تصنع البطاقة بهذه السجلات ، فيقول الله-عز وجل -: لا ظلم عليك اليوم، فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فتطيش السجلات فيدخل الجنة" لأن لا إله إلا الله التي قالها خالصاً من قلبه دخل بها الجنة فضل الله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء وفي الكتاب الكريم " إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " .
وأنكر الميزان المعتزلة وفسروه بالعدل وحجتهم في إنكاره أن أحاديثه آحاد وهي عندهم لا تفيد إلا الظن ، ويرد عليهم بما يأتي :
أولاً:أن أدلة الميزان ليست مقصورة على ما زعمتم من السنة أنه آحاد بل أدلته من الكتاب الكريم فيما لا يحصى من الآيات وكذلك أجمع أهل السنة عليه .
وثانياً: العبرة في أحكام الله –سبحانه وتعالى- بالقرآن وبصحيح الخبر عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم –سواءً كان ذلكم الحديث متواتراً أوآحاداً .
وثالثاً :الأصل في النصوص هو إرادة الظاهر المتبادر إلى الذهن منها عند الإطلاق حتى يصرفه الشارع نفسه عن ذلك الظاهر ، فتفسيركم للميزان هو خلاف ظاهر النصوص وهذا بإتفاق العقلاء أعني المنصفين الذين يحسنون الإستنباط على الوجه السليم من النصوص سواءٌ كانت من آي التنزيل أو من صحيح سنة النبي- صلى الله عليه وسلم -.
قالا-رحمهما الله -:" والحوض المكرم به نبينا –صلى الله عليه وسلم –وعلى آله حقٌ "
الشرح:الحوض في اللغة :مجمع الماء وهو معروف عند عوام أهل الفصاحة والبلاغة،وهو في الإصطلاح: حوض عظيم من ما فضل الله به نبينا –صلى الله عليه وسلم- يصب فيه ميزابان من الجنة ، وهذا الحوض قد تواترت به الأحاديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- والأحاديث التي رويت في الحوض ثلاثون حديثاً أو أكثر منها قوله- صلى الله عليه وسلم – " ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة ومنبري على حوضي "ومما صحت به الأخبار عن النبي –صلى الله عليه وسلم – في أوصاف ذلكم الحوض أن طوله شهر وعرضه شهر وتيجانه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لايظمأ بعدها أبداًوهو أحلى من العسل وأشد بياضاً من الثلج وقد صح كذلك أن لكل نبيٍ حوضاً ولكن يمتاز حوض النبي –صلى الله عليه وسلم –أولاً:بأنه أكثر الأحواض وارده وثانياً :فيما يظهر أنه أكبر الأحواض والله أعلم .
وقد أنكر المعتزلة ومن لف لفهم من أهل البدع هذا الحوض بحجة أن أحاديثه آحاد وهذه قاعدةٌ عندهم مطرده يردون بها أمثال هذا مما كان إعتقاده عند أهل السنة من أصول الديانة ،ويرد عليهم بما يأتي :
أولاً:ليست أحاديث الحوض آحاداً كما زعمتم بل هي متواترة تواتراً معنوياً عن النبي –صلى الله عليه وسلم- .
وثانياً : يرد عليهم بإجماع أهل السنة .
قالا –رحمهما الله –" والشفاعة حق"
الشرح : الشفاعة في اللغة :من الشفع ضد الوتر والفرد وكل زوج في اللغة يسمى…(قطع في الشريط)…فالشافع يطلب الرحمة بالمشفوع فيه عند المشفوع له ،فأقول :الشافع يطلب التكرمة والشرف عند المشفوع له كما يطلب رحمته في المشفوع فيه والمشفوع فيه يطلب عن طريق الشافع الرحمة عند المشفوع عنده، فأركان الشفاعة :شافع ومشفوع فيه ومشفوع عنده هذه أركان الشفاعة، والشفاعة في العرف: سؤال الخير للغير وهي في الشرع سؤال من رضي الله قوله ربه يوم القيامة مغفرة ذنوب بعض المجرمين، والشفاعة في أهل الكبائر ثابتة بالكتاب والسنةوإجماع أهل السنة، فمن الكتاب الكريم قوله- جل وعلى- :" من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" وقوله-جل ثنائه -:"وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" فهذه الآيات وما في معناها صريحة الدلالة على ثبوت الشفاعة عند الله –عز وجل- في أهل الكبائر من الموحدين، ووجه الدلالة: النص على أن الحق –جل وعلى – لايملكها غيره ولاتكون لأحدٍ إلا بإذنه وهذا يقتضي أنه يشفع عند الله –عزوجل- من يأذن له فيمن رضي قوله وعمله والله لا يرضى إلا عن اهل التوحيد فقد أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة –رضي الله عنه – قال: سألت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله" قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :"لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أول منك لما عرفته من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لاإله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه " ولهذا فإن أهل السنة يثبتون الشفاعة في أهل الكبائر بشريطين:
أحدهما: إذن الله للشافع . وثانيهما : رضاه عن المشفوع فيه، وقد عرفتم آنفاً من المشفوع فيه أو من الذي يرضى عنه الله –سبحانه وتعالى – وهم أهل التوحيد .
واعلم أن الناس في الشفاعة قد إنقسموا إلى ثلاثة مذاهب :
أحدها : المتصوفة وأهل الخرافة والنصارى الذين يثبتون الشفاعة فيمن زعموا فيه الولاية في الدنيا والآخرة قياساًللشفاعة عند الخالق على الشفاعة عند المخلوق،وهؤلاء هم الغلاة في إثبات الشفاعة ومذهبهم باطل ودليله قوله تعالى في المشركين " ويعبدون مالا يضرهم ولاينفعهم ويقولون هؤلاء شفعائنا عند الله قل أتنبئون الله بما لايعلم في السماوات والأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " فسمى هذا العمل شركاً، فسمى الله –سبحانه وتعالى – هذا العمل وهو طلب الشفاعة بغير إذن الله –عز وجل – أو إثبات الشفاعة بغير إذن الله –عز وجل- شركاً من جنس شرك قريش الذين يتخذون الآلهة وسائط عند الله يستشفعون بها عنده .
المذهب الثاني: مذهب الوعيدية من الخوارج والمعتزلة والجهمية فإنهم لقولهم بتخليد من مات على الكبيرة في النار أنكروا الشفاعة في أهل الكبائر من الموحدين ويستدلون بمثل قوله تعالى :" فما تنفعهم شفاعة الشافعين" وقوله" ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع "
والرد عليهم : أن هذه الآيات وأمثالها قد جاءت في معرض حال الكفار يوم القيامة وأنهم لا تنفعهم الشفاعة بل لا يشفع فيهم أحد من الأنبياء والمرسلين ولاالصالحين ولا الملائكة لأنهم كفار فباب الشفاعة فيهم مسدود وهؤلاء الملائكة الكرام والأنبياء والمرسلون المصطفون الأخيار والصالحون من عباد الله يعلمون ذلك .
الثالث: أهل السنة والجماعة وهم الذين يثبتون الشفاعة في أهل الكبائر كما تقدم ذلك بالأدلة وبالله التوفيق.
قالا- رحمهما الله-:" وأن ناساً من أهل التوحيد يخرجون من النار بالشفاعة حق"
الشرح:وهذا تأكيد على ما سبق وتفسير له فإن الشفاعة شفاعتان :شفاعة منفية: وهي التي تطلب من غير الله فيما لايقدر عليه إلا الله وفيها قول الحق –جل ثنائه-:" ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون " ، وشفاعة مثبتة : وهي التي أثبتها الله –سبحانه وتعالى- في تنزيله وتواترت يها الأحاديث عن النبي-صلى الله عليه وسلم- وهذه الشفاعة المثبتة تنقسم إلى قسمين :
أحدهما :ما اختص به النبي- صلى الله عليه وسلم- وهذا ثلاثة أنواع :
النوع الأول : الشفاعة في فصل القضاء بين أهل الموقف وذلك حين يشتد الكرب على الناس ويموجون في عرقهم ومنهم الذي يلجمه العرق إلجاماً فيقولون : إستشفعوا عند ربكم سلوه الشفاعة –يعني :في فصل القضاء والحكم بينكم –لأنه قد أصابهم من هول ذلك اليوم كرب لا يطيقونه فهم يريدون الخلاص منه إما إلى جنة وإما إلى نار وهي الشفاعة التي يتراجع عنها ويعتذر عنها آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى-صلى الله وسلم عليهم أحمعين –فينتهي أمر الناس إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-فيقول: أنا لها أنا لها، فيأتي فيسجد تحت العرش –ما شاء الله-فيلهمه الله محامد لم يكن يعرفها في الدنيا فيقال له : يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع، فيقول: يا رب فصل القضاء" وهذه الشفاعة يثبتها أهل السنة وأهل البدع –من جهمية ومعتزلة وخوارج وسائر الوعيدية- .
النوع الثاني :الشفاعة في أهل الجنة لدخول الجنة فقد صح عنه –عليه الصلاة والسلام – أنه يستفتح فيقول خازن الجنة: من أنت فيقول :محمد فيقول: أمرت بألا أفتح لأحد قبلك فيفتح له الباب فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوها ، فضل من الله يدخل بعده الأنبياء ثم يشفع في أهل الجنة غير الأنبياء .
الثالث –من خصائصه في الشفاعة-: شفاعته في عمه أبي طالب فقد صح عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه يجده في الدرك الأسفل من النار فيشفع فيه حتى يخرجه إلى ضحضاح يغطي قدميه أو كعبيه يغلي منه دماغه، وهذه شفاعة خاصة في خاص لأن أبا طالب كافر والكفار لا شفاعة فيهم فخص بهذه الشفاعة أبو طالب شفاعة لم تخرجه من النار بالكلية لكن خفف بها من عذابها عنه ،فأهل النار يرونه أسعدهم وأحسنهم وهو يرى أنه أشدهم عذاباً وهو أهون أهل النار عذاباً.
القسم الثاني من الشفاعة المثبتة : وهو أنواع:
أحدها :الشفاعة في أهل الكبائر من الموحدين ، وله صور :
منها :الشفاعة في قوم استحقوا دخول النار فيشفع فيهم ألا يدخلوها فلا يدخلوها .
ومنها: إخراج قوم من أهل الكبائر من النار بالشفاعة ،وهناك شفاعات شفاعة خاصة به –صلى الله عليه وسلم –وهي الشفاعة في عكاشة بن محصن –رضي الله عنه – فبعض أهل العلم يعدها شفاعة لأن عكاشة لما ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب وذكر أوصافهم قال عكاشة بن محصن :يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت منهم ، فهو-رضي الله عنه- يدخل الجنة بلا حساب ولاعذاب، وهل هذا إخبار منه –صلى الله عليه وسلم – أنه ضمنهم أو إخبار أنه سيكون منهم يوم القيامة ؟والله أعلم ولكن ظاهر الحديث الشهادة للنبي- صلى الله عليه وسلم- بأنه من اولئك القوم، وصح عنه –عليه الصلاة والسلام – أنه يشفع في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيوقفون فلا يذهب بهم إلى النار ولايدخلون الجنة فيشفع فيهم فيدخلون الجنة قيل :إن هؤلاء هم أهل الأعراف وهذه الشفاعات في أهل الكبائر يشترك فيها معه –صلى الله عليه وسلم –النبيون والملائكة والصالحون والأفراط –وهم من ماتوا قبل الحلم –،كما صح عنه –عليه الصلاة والسلام- أن الله –عز وجل – يقول :"شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع الصالحون وبقيت رحمة أرحم الراحمين فيقبض قبضةً بيده أو قبضتين فيخرج من النار أقواماً لم يعملوا خيراً قط بعدما صاروا فحما، فيوضعون على حافة نهر يقال له :الحياة-وفي رواية:الحيوان- فيقال :يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل "وهؤلاء كما صح في الحديث أنهم لم يعملوا خيرا قط ، قال أهل العلم : من عمل الجوارح ،فهم علىالتوحيد هم موحدون لكنهم لم يعملوا من عمل الجوارح خيرا،وبهذا الحديث استدل طائفة من أهل العلم على أن تارك الصلاة متهاوناً فاسق وليس بكافر،وهذا محل نزاع وخلاف بين أهل العلم ،والكفر راجح أعني: كفر من ترك الصلاة متهاوناً ، أقول :كفر من ترك الصلاة متهاوناً راجحٌ عندنا وعند محققين من أهل العلم منهم شيخ الإسلام الإمام الفقيه الأثري المجتهد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله – وشيخ الإسلام الإمام المجتهد المحقق الفقيه المدقق الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله – وغيرهما كثير من أئمة أهل السنة لأدلة كثيرة لا يتسع المقام لبسطها، ولكن المقصود بيان أمرين: ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر من الموحدين وثانياً:أن الله يخرج أقواماً منهم لم يعملوا خيرا من عمل الجوارح والله أعلم .
قالا-رحمهما الله-:" وعذاب القبر حق ومنكر ونكير حق والكرام الكاتبون حق"
الشرح: هذه ثلاث مسائل في هذا الأصل ،المسألة الأولى: عذاب القبر :فقد دل الدليل من الكتاب والسنة والإجماع على ثبوت نعيم القبر وعذابه وأن الناس في البرزخ ما بين منعم ومعذب ، فمن الكتاب الكريم قوله تعالى :"النار يعرضون عليها غدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب"،فإن قال قائل :لا نفهم من ظاهر هذه الآية إلا أنها في آل فرعون خاصة،فالجواب:أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس–رضي الله عنهما–أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم –مر على قبرين فسمع صوت إنسانين فقال :إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لايستتر من بوله وفي رواية:لايستنزه من بوله وفي رواية:لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة…الحديث" فزال هذا الإيراد فأصبح بنص التنزيل الكريم وصحيح السنة ثبوت عذاب القبر في من استحق العذاب سواء كان كافراً مثل :آل فرعون ومن مات على الكفر من يهود ونصارى أو ارتد من أهل الإسلام أومجوس أو غيرهم،عذاب القبر فيهم ثابت وحتى في عصاة الموحدين قد يصيبهم عذاب القبر بذنوبهم ثم ينقطع عنهم ذلك لسبب يقدره الله –سبحانه وتعالى – ويهيأه لهم من ذلك:الصدقة، والدعاء دعاء بعض المؤمنين وخاصة أولادهم الصالحون ، ومن أهل التوحيد من يستمر عذابه إلى يوم القيامة فيكون مطهراً له ومنهم من يستحق مع ذلك النار ،وهم قسمان :قسم يدخلها فيخرجه الله –عز وجل- بالشفاعة أو بفضله ورحمته ،وقسم لايدخلها يشفع الله فيهم من يأذن الله له بالشفاعة فيهم ، وأما الكفار فعذابهم دائم في البرزخ ويوم القيامة أبد الآباد .
المسألة الثانية :في منكر ونكير:أقول:هذه المسألة البحث فيها من جهتين إحداهما :في سؤال المقبورين وأن منهم من يثبته الله ويلهمه الحجة إذا قيل له:من ربك؟ من نبيك؟ مادينك؟ فيقول:ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد فيقال له :قد علمنا أنك لك ذلك على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعليه تبعث إن شاء الله ،فيفسح له في قبره وينور عليه ويفتح له باب إلى الجنة ويبقى منعماً وفي بعض الأحاديث يقول :أفلا أبشر أهلي فيقال له:اسكت فينام كما ينام العروس وهذا هو المؤمن الصادق ،وصنف آخر مرتاب أو منافق فحين يسأل من ربك؟ يقول :هاه هاه لاأدري ،من نبيك ؟لاأدري،ما دينك؟لاأدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته فيضرب بمرزبةٍ من حديد فيسمعها كل من يليه إلا الجن والأنس ولو سمعها أي أن انسان لصعق ،فيبقى معذباً ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه وهذا ما تواترت به الأحاديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم – ،فمحصل الأحاديث المتواترة في هذا شيئان أحدهما : فتنة القبر في السؤال وثانيهما :أن الناس بعد هذا السؤال مؤمن منعم في قبره ومرتاب منافق معذب فالمؤمن له النعيم والكافر له العذاب .
الجهة الثانية في هذه المسألة: في السائلين من هم ،أقول: هم من الملائكة وهذا مجمع عليه لكن تعيين أهل السؤال من الملائكة من هم ؟ في ذلك حديث حسن رواه الترمذي وأنهما منكر ونكير يقال لأحدهما منكر ويقال للآخر نكير –عليهما الصلاة والسلام- .
المسألة الثالثة:في الكرام في الملائكة ،وجود الملائكة وأنهم عباد مكرمون وأنهم بأمر الله يعملون ولايسبقونه بالقول وأنهم لهم وظائف ومنهم من سمى الله ومنهم من لم يسمه حق ثابت بالكتاب والسنة والإجماع فمن الكتاب الكريم قوله –جل ذكره- "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين " وقوله- جل وعلى-"آمن الرسل بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله " والآيات في هذا معلومات وهي أكثر من أن تحصى ومن السنة ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وهو الحديث المعروف عند أهل العلم بحديث جبريل وفيه أنه قال "يا محمد أخبرني ما الإيمان قال :الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقدر خيره وشره …الحديث" وأجمع أهل السنة على هذه المسائل كلها، وذكر الإمامين الرازين أبي زرعة وأبي حاتم –رحمة الله عليهما –هذه المسألة رداً على المعتزلة والجهمية الذين ينكرون عذاب القبر ونعيمه بحجة أن الأحاديث في ذلك آحاد وهي عندهم لا تفيد إلا الظن ويرد عليهم:
أولاً: بأن الأحاديث في ذلك ليست آحاداً بل هي متواترة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- تواتراً معنوياً يوجب العلم والعمل .
وثانياً: يرد عليهم بإجماع أهل السنة.
قالا-رحمهما الله- :" والبعث من بعد الموت حق"
الشرح:البعث في اللغة: التحرك بسرعة ،ومعناه في الشرع:هو قيام الخلق من قبورهم بعد النفخة الثانية في الصور للجزاء والحساب ،وقد ذكر الله –سبحانه وتعالى- البعث في كتابه وفي آيات لاتحصى منه، وأدلة البعث في الكتاب الكريم جلها في ثلاثة أمور :
أحدها :تقرير كمال قدرته ومنه قوله تعالى :"أولم يروا أن الله الذي خلق السماوت والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شيئ قدير " وهذا تقرير كمال القدرة ومنه قوله تعالى في سورة النبأ " ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً وخلقناكم أزواجاً" إلى أن قال" إن يوم الفصل كان ميقاتا " فقد ذكر قبل هذه الآية آيات متضمنه الأدلة القطعية على كمال قدرة الحق -جل وعلى- .
ثانيها : تقرير كمال عدله وكمال حكمته ومنه قوله تعالى "أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون " ومنه قوله تعالى " وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا "
الثالث : تقرير كمال علمه ومنه قوله تعالى "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ" وغيرذلك من الآيات وقد رد الله –سبحانه وتعالى –على منكري البعث من الكفار في صور متعددة منها قوله تعالى "زعم الذين كفروا ألن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم وذلك على الله يسير " ومنها قوله تعالى فيما قصه علينا من خبر كفار قريش وإنكارهم ما أخبرهم به النبي-صلى الله عليه وسلم – من البعث بعد الموت والجزاء والحساب قالوا "أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون" فرد الله عليهم بقوله" قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " وكذلك جائت سنة النبي –صىالله عليه وسلم –متضمنة الإيمان بالبعث وأنه واقع لا محالة ومنها حديث جبريل المتقدم وفيه قال" وتؤمن بالله واليوم الآخر …" وأحاديث كثيرة تبلغ التواتر في هذا الأصل الذي هو من أصول الدين ولقد كان الناس في البعث على ثلاثة أقسام:
أحدها:منكرة البعث من الكفار والمشركين. وثانيها :الذين يثبتون البعث وينكرون بعض ما يجري في القيامة الكبرى مثل الحوض والصراط والميزان وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم من أهل البدع . القسم الثالث : أهل السنة والجماعة وهم الذين يؤمنون باليوم الآخر جملةً وتفصيلاً فيؤمنون بنعيم القبر وعذابه ويؤمنون بالنفخ في الصور ويؤمنون بالقيامة الكبرى وبكل ما يجري فيها وهؤلاء هم أهل الحق الخالي من شوب الباطل وأهل الإيمان الكامل ولله الحمد والمنة .
قالا-رحمهما الله-:" وأهل الكبائر بمشيئة الله –عز وجل – ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ونكل سرائرهم إلى الله –عزوجل- "
الشرح:في هذا الأصل مسألتان:
المسألة الأولى: في مآل أهل الكبائر –ويجب أن يقيد بالموحدين- يوم القيامة فيقال هكذا: مآل أهل الكبائر من الموحدين يوم القيامة كيف يكون حالهم، ذكر الإمامان هنا أنهم في مشيئة الله ودليل هذا من الكتاب الكريم فوله تعالى" إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وقوله –صلى الله عليه وسلم –" من لقي الله لايشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقي الله وهو يشرك به شيئاً دخل النار" أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما-، وأخرج البخاري من حديث عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال:" قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – كلمة وقلت أخرى قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار" وقلت أنا :ومن مات وهو لايدعو لله نداً دخل الجنة " وأحاديث كثيرة تدل دلالة صريحة على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا ، وقد بوب النووي –رحمه الله – حديث جابر المتقدم وما في معناه بهذه الجملة ،والمقصود أن الموحد إذا مات مصراً على كبيرة فإنه مقطوع له بالجنة فقد يدخلها بفضل الله ورحمته من غير شفاعة وقد يدخلها بشفاعة –أي النار- ثم يخرج منها وقد يشفع فيه قبل أن يدخلها ،وخالف في هذا الجهمية والمعتزلة والخوارج لأنهم مجمعون على أن من مات على كبيرة فهو خالدٌ مخلدٌ في النار والآية والأحاديث التي ذكرناها ردٌ عليهم وكذلك يرد عليهم بإجماع أهل السنة .
المسألة الثانية : في التكفير بالذنوب فأهل السنة لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب حتى يستحله فأهل الذنوب عند أهل السنة- من أهل القبلة – قسمان:
1) قسم يقارف الذنب ويصر عليه من غير إستحلال فهذا لا يكفرونه ،يقولون فيه :هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ،أو يقولون :مؤمن ناقص الإيمان .
2) القسم الثاني : من يقارف الذنوب من أهل القبلة مستحلاً لها ،فهذا كافر عندهم لأنه من نواقض الإيمان :إنكار ما علم وجوبه من الدين بالضرورة عن علم وعمد وكذلك إستحلال ما هو معلوم تحريمه من الدين بالضرورة عن علم وعمد ،ومن هنا نقول :إن أهل السنة ينظرون إلى المخالفة فيحكمون عليها بحكم الشرع فإذا حكم الشرع بأنها كفرية قالوا: هي كفرية وإذا حكم الشرع بأنها فسقية قالوا :هي فسقية وهكذا لا يجاوزون فيها حكم الشرع ،مثال ذلك:الذبح لغير الله والنذر لغير الله والإستغاثة بغير الله فيما لايقدر عليه إلا الله ودعاء الند من دون الله كفر وشرك بالله لأن الشارع حكم عليها بذلك، و مثال آخر: الزنا والسرقة وشرب المسكر والقذف مفسقات بحكم الشارع ……(قطع في الشريط) .
الجهة الأولى :دلالة الشرع على مخالفته كما تقدم ، والثاني: إنطباق الحكم أوالوصف على المعين أو المعينين ،فإنهم لا يحكمون على امرئ بأنه كافر بعينه أو فاسق بعينه حتى تجتمع فيه الشروط وتنتفي الموانع وبهذا يعلم أن أهل السنة هم أرحم الناس بالخلق كما أنهم أعرفهم بالحق، ومن الشروط التي إذا توفرت حكم بعدها على المعين بما توجبه مخالفته: التكليف وهو شامل للبلوغ والعقل فلا يحكم على الصغير بأنه كافر أو فاسق كذلك المجنون ،الثاني :العلم فلا يحكم على الجاهل ودليل ذلك قوله تعالى"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا " ووجه الدلالة من الآية: شدة الوعيد على من شاق الرسول –صلى الله عليه وسلم –واتبع غير سبيل المؤمنين بعد تبين الهدى له ومفهومه: أن من حصلت منه مشاقة من غير تبين الهدى فلا ينصب عليه هذا الوعيد .
والشروط كثيرة والمقصود أن أهل السنة حريصون على العدل في الحكم على عباد الله ولهذا قالوا : من ثبت إسلامه بيقين فإن إسلامه لايزول إلا بيقين وقالوا : من كان ظاهره الإسلام والعدالة فالأصل بقاءه على إسلامه وعدالته حتى يزول عنه ذلك بمقتضى الحكم الشرعي ،والمقصود من ذلك بهذه الذنوب التي لايحكم بكفر أهلها حتى يستحلوها هي الكبائر مثل :الزنا وشرب المسكر والقذف وغيرها مما هو كبائر ولم تصل إلىحد الكفر .
المسألة الثالثة :في قوله" ونكل سرائرهم إلى الله "وهو في الحقيقة شطر المسألة الثانيه ،هذا فيمن أظهر خيراً أظهر تقوى وصلاح واستقامة وسنة فإنا نحكم عليه بظاهر حاله ولانفتش عن سريرته نكلها إلى عالمها وهو الله –سبحانه وتعالى -، ومن هنا نقول :إن أهل السنة على هذا الظاهر فلا يجاوزونه إلى التنقيب عن السرائر لكن من أظهر منه خلاف ما كان معروفاً من ظاهره أظهر السنة وأظهر في مقابل ذلك بدعة فإن هذا مبتدع إذا قامت عليه الحجة وأبى وعاند فإنه مبتدع ولاكرامة.
قالا-رحمها الله -:"ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان ولا نرى الخروج على الأئمة ونسمع ونطيع لمن ولاه الله –عزوجل- أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة "
الشرح: هذا الأصل يتضمن شيئين :
أحدهما: فيما هو من خصائص ولي الأمر الذي ولاه الله المسلمين.
والثاني: في واجب المسلمين نحو إمامهم الذي هو منهم ،فالأول الذي هو من خصائص ولي الأمر وليس لأحدٍ أن يتأمر فيه ،فالحج والجهاد والجمعة والعيد هذه إليه فليس لأحد أن يدعو إلى الجهاد وليس له أن يتأمر في الحج وليس له أن يقيم جمعةً ولاعيداً إلا بإذن الإمام فإن تلك من خصائصه وأمرها إليه بالنص والإجماع ،الثاني :الواجب على الرعية نحو إمامها وهذا ملخصه أولاً: السمع والطاعةفي غير معصية الله وسواء كان هذا الوالي براً أو فاجراً ، الثاني : كراهية ما يأتيه الوالي من معاصي مع بقائه في السمع والطاعة قال –صلى الله عليه وسلم- :" ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي ولا ينزعن يداً من طاعة " ،الثالث : الصبر على جوره واستئثاره ،قال –صلى الله عليه وسلم- للأنصار –رضي الله عنهم –" إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " وقال –صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرٍ وغيره " اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " ، الرابع : السعي في جمع الكلمة على من ولاه الله الأمر من المسلمين فإن أهل السنة يسعون في تحقيق هذا الأصل وينبذون الخلاف والفرقة ويدينون لله أن من فارق الجماعة قيد لاشبر فمات فميتته جاهلية وذلكم نص نبينا –صلى الله عليه وسلم- .
قالا-رحمهما الله –" وأن الجهاد ماضٍ منذ بعث الله –عز وجل – نبيه –صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين "
الشرح: الجهاد في اللغة من :الجهد وهو بذل الوسع واستفراغه فيما فيه مشقة وكلفة، وهو في الشرع :قتال أعداء الله من الكفار إعلاءً لكلمة الله وهو قسمان :
أحدهما :جهاد الدفع وهو أن ينبري أهل القطر في مواجهة من داهمهم منى الكفار لصدهم وكف أذاهم عنهم بالقوة ،وهذا لا يشترط فيه إذن الإمام ،إن وجد الإمام الذي يعقد لهم الراية ونصب لهم حاملها ويجيش جيوشهم ويجند جنودهم ويمدهم بما يملك من قوة نصرةً لهم على من داهمهم من العدو فذلك هو المطلوب ويجب على المسلمين أن يرجعوا له ما دام موجوداً وهو منفذ هذا فيهم ولهم ، فإن أمدهم وقادهم ووقف معهم في مواجهة العدو الصائل كان بها وإن تخلى عنهم حق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم بما استطاعوا فإن وفقوا إلى النصر ودحر عدوهم فذلك فضل الله ويجب عليهم أن يقفوا ماداموا قادرين يقفوا في مواجهة عدوهم ماداموا قادرين عدداً وعدة فإذا خافوا الغلبة وسطوة العدو على دينهم ومحارهم وأعراضهم فروا بدينهم وتركوا البلد .
الثاني : جهاد الطلب وهو رفع راية الإسلام في وجوه الموالين الكفار لإدخالهم في الإسلام أو إلزامهم بالجزية وهذا لابد فيه من إذن الإمام، فإن وجد الإمام الذي يعقد الراية ويملك العدة ويجيش الجيوش ويجند الجنود فالأمر إليه لأنه قد يكون قادراً عدداً وعدة لكن يظهر له من مصلحة أهل الإسلام ألا يجاهد يعقد المواثيق والهدن والصلح مع من يليه من الكفار حفظاً لبيضة الإسلام وحمايةً لأهل الإسلام ، فالأمر إليه إن جاهد جاهد المسلمون معه وإن هادن هادن المسلمون معه ولا يحل لأحد أن يدعو لهذا اللون من الجهاد أبداً لأن ذلك افتيات على من ولاه الله أمر المسلمين، إن أراد أن يجاهد هو بنفسه وأبى وأصر على ذلك فهذا الأمر إليه ولكن يجب عليه أن يعمل بنصح الناصحين ويستشير العقلاء الفطناء الحكماء من أهل عصره فإنه ليست كل حالة وكل قطر يكون الجهاد فيها مصلحة للدين وأهله .
قالا-رحمهما الله –" والحج كذلك ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين "
الشرح:مضى ما يتعلق بالحج والجهاد ، هنا ذكر الصدقات أقول : الأموال المزكاة صنفان:
1) صنف جباية الزكاة فيه لولي الأمر وهذا قسمان وهما:السائمة من بهيمة الأنعام و الحبوب والثمار والمراد بالسائمة من بهيمة الأنعام :التي ترعى الحول أو أكثره من بقر وغنم وإبل .
2) الصنف الثاني من الأموال الزكوية ما دفع زكاته موكول إلى ربه أي: صاحبه ،وهذا في عروض التجارة وحلي المرأة الذي يبلغ النصاب،فالصنف الأول لا يتصرف فيه صاحبه إلا إذا كان من عادة الإمام وحاكم البلد أنه لايهتم بهذا الأمر لايجبي الزكاة فإنه يصرفها في مصارفها وأما الصنف الثاني فهو إلى ربه كما قدمنا إلا إن طلبه الإمام دفع إليه.
قالا –رحمه الله-:" والناس مؤمنون في أحكامهم ومواريثهم ولايُدرى ما هم عند الله –عزوجل- فمن قال أنه مؤمن حقاً فهو مبتدع ومن قال أنه مؤمن عند الله فهو من الكاذبين ومن قال إني مؤمن بالله فهو مصيب "
الشرح: أقول : وفي هذا الأصل عدة مسائل :
المسئلة الأولى في الحكم على الناس بالإيمان : وهذا يجب أن يقيد بمن أظهر الإيمان ولم يظهر خلافه مما هو مضاد للإيمان فإن كان هذا المضاد للإيمان مضادته من كل وجه كان كافراً – ولاننسى إجتماع الشروط وانتفاء الموانع - ،وإن كانت مضادته ليست من كل وجه فإنه كما تقدم مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته .
قول الإمامين " ولا يدرى ما هم عند الله " يعني : لا يعلم أحدٌ ما يؤول إليه حالهم فإن الأعمال بالخواتيم و علم ذلك عند الله –سبحانه وتعالى – ولكن من أظهر التقوى و الصلاح والإستقامة على السنة ومات ولم يظهر منه خلاف ذلك فإنه يشهد له بالخير والصلاح والتقوى ظاهرا وتوكل سريرته إلى الله.
المسئلة الثانية في حكم المرء على نفسه بالإيمان: وهذا ثلاث صور :
1) إحداها أن يقول إنه مؤمن حقاً وهذه تزكية للنفس،لأنه لا يدري عن حاله ولا يدري عن مآله فكيف يحكم على أمر هو في علم الغيب علمه عند الله –سبحانه وتعالى- فهذا مبتدع ، أهل السنة قد يقولون مؤمن لكن بدون كلمة "حقاً " وأحياناً يقولون "إن شاء الله " على سبيل التحقيق لا التعليق يعني ظاهراً .
2) الحال الثانية : أن يقول هو مؤمن عند الله فهذا حكم بتزكية نفسه ولايدري عما يؤول إليه حاله،قال "هو مؤمن عند الله"حكم بسابق علم الله فيما ليس له بفعل، وهذا كذاب وما يدريك أنه قد يكون من أهل الجنة في الدنيا فيما يبدو للناس وهو عند الله من أهل النار يوم القيامة ففي الحديث الصحيح " كان رجل من المسلمين يفري في المشركين فرياً فلا يترك شاردة ولا واردة ولا يشذ عنه شاذ ولايفذ عنه فاذ فلما مال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى معسكره ومال المشركون إلى معسكرهم قال قائل : ما أجزأ أحد مثل ما أجزأ فلان، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – :هو في النار، فقال رجل :أنا صاحبه –يعني :أرقبه- قال : فلما كان الغد كنت معه أمشي مشيه وأعدو عدوه فأصابه نصل فاتكأ على عدبة سيفه بصدره حتى خرجت من ظهره فمات، قال سهل –رضي الله عنه -:فجاء الرجل يقول :يارسول الله يا رسول الله أشهد إنك لرسول الله فقال : وما ذاك قال : الرجل الذي قلت فيه ما قلت فعل ما فعل فقال –صلى الله عليه وسلم - : إن أحدكم –أو قال :إن الرجل- ليعمل بعمل أهل الحنة فيما يبدو للناس وهوعند الله من أهل النار يوم القيامة وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيمل يبدو للناس وهو من أهل الجنة عند الله يوم القيامة" فالمقصود: أن الأعمال بالخواتيم ولا يسوغ لأحدٍ أن يحكم على شيئ بظنه ولا بخرصه أبدا بل الحكم على الظاهر كما كان أهل السنة يحكمون فيقولون :هذا من أهل الإسلام وهذا مؤمن في الظاهر وهذا على السنة في الظاهر وهذا على البدعة .
3) الصنف الثالث من قال:مؤمن بالله وسكت ، لم يقل "حقاً " ولم يقل "فيما عند الله" وقف "أنا مؤمن بالله " فهذا هو الصادق الذي يوافق في حكمه الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة .
قالا –رحمهما الله - :" والمرجئة مبتدعة ضلال "
الشرح: المرجئة اسم فاعل من: الإرجاء ومعناه في اللغة : التأخير قال تعالى فيما قصه علينا من خبر فرعون -عدو الله- مع موسى وهارون –عليهما الصلاة والسلام- " قالوا ارجه وأخاه " أي: أخرهما ، والمرجئة في إصطلاح أهل العلم: هم من يأخرون العمل عن مسمى الإيمان وهم على قسمين :
1) أحدهما : المرجئة من الجهمية والذين معنى الإيمان هو: التصديق فقط فلا يدخلون فيه القول والإعتقاد ،ومنهم من يقول: الإيمان هو القول وسواء كانت ذي أو تلك فالكل جهميٌ وعقيدة الجميع: أنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة فيستوي عندهم البر والفاجر والكافر والمؤمن في هذا "لايضر مع الإيمان ذنب"وهذا تكذيب للقرآن والسنة وإجماع الأئمة فإن المعاصي منها ما ينقل عن ملة الإسلام إلى الكفر كالشرك بالله ومنها ما يسلب كمال الإيمان ما لم يستحله العبد مثل: الزنا والسرقة وشرب المسكر فإذا استحلها صار كافراً إذا كان يعلم أنها حرام .
2) القسم الثاني: المرجئة المتوسطة وتسمى مرجئة الفقهاء ومعنى الإيمان عند هؤلاء: قول باللسان واعتقاد بالقلب فلا يدخل العمل عندهم في مسمى الإيمان بل يرون أنه من مكملاته وعلى مقتضى هذا التعريف فإن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وهذا باطل مخالف للقرآن والسنة وإجماع الأئمة، وقد قدمنا معنى الإيمان عند أهل السنة والأدلة عليه من الكتاب والسنة وهذه الطائفة وإن كانت مبتدعة ضالةً مضلة إلا أنها أخف من الأولى فهي أقرب إلى أهل السنة منها.
قالا-رحمهما الله -:" والقدرية مبتدعة ضلال ومن أنكر منهم أن الله –عز وجل – يعلم ما يكون قبل أن يكون فهو كافر"
الشرح:القدرية نسبة إلى القدر وسموا قدرية لأنهم نفوا القدر فقالوا :لا قدر والأمر أنف أي :مستأنف ،والمعنى : أن الله لم يقدر شيئاً وإنما يأمر وينهى وأول من أظهر مقالة القدر معبد بن خالد الجهني بالبصرة في آخر عصر الصحابة والقدريةقسمان :
1) القدرية الأولى: وهم منكرة علم الله بالأشياء وكتابته إياها في الوح المحفوظ وهؤلاء كفار كفرهم الأئمة وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – أنهم انقرضوا ،فكانوا كفاراً لأنهم كذبوا الله ورسوله وإجماع الأئمة فهذه الأدلة الثلاثة متضافرة على أن الله –سبحانه وتعالى – قد علم ما العباد عاملون وعلم الأشياء كلها ما كان وما سوف يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون وكتب عنده في اللوح المحفوظ ما يجري في الكون وفق علمه ولهذا سمي أولئك كفاراً .
2) المقتصدون : وهم الذين أنكروا خلق الله لجميع الأشياء وعليه فإن أفعال العباد عندهم ليست بمخلوقة فهي خلق العبد وكذلك أنكروا مشيئة الله لما يجري في الكون وهؤلاء هم جمهور القدرية ولاتزال منهم بقية ، وليعلم كل مسلم ومسلمة أن فرق الضلال لم تنقرض فكل فرقة ضالة لها وارث من المعاصرين ،فهذه القسم أعني المقتصدين مبتدعة ضلال لأن مذهبهم باطل بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى " والله خلقكم وما تعملون " وقال تعالى" وخلق كل شيئ فقدره تقديرا " وقال تعالى " إنا كل شيئ خلقناه بقدر " فأعمال العبد هي خلق الله – سبحانه وتعالى – لأن فعل العبد صفة له وهذا الموصوف وصفته مخلوقان لله –عز وجل –وهي كسب العبد وكذلك دل الكتاب والسنة على مشيئة الله النافذة فما من شيئ في الكون إلا وقد شائه الله وأراده كوناً وقدراً قال تعالى" إن ربك يفعل لما يريد " وقال تعالى "فعال لما يريد " وقال تعالى " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " وقال تعالى " وما تشائون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما " فثبتت مشيئة الله لجميع ما في الكون وهي الإرادة الكونية القدرية .
قالا –رحمهما الله – " وأن الجهمية كفار "
الشرح: الجهمية أتباع جهم بن صفوان الترمذي وجهم هذا ورث معتقده عن الجعد بن درهم والجعد بن درهم ورث معتقده الفاسد عن اليهود فالسلسلة يهودية انتهت بمن ورثهم من المنتسبين إلى الإسلام ، وسميت الجهمية جهمية نسبة إلى إمامهم الذي هو جهم بن صفوان وقد قتله سلم بن الأحوذ صاحب شرطة نصر بن سيار في آخر خلافة بني أمية و مذهب جهم نفي الأسماء والصفات فهم في الأسماء والصفات معطلة وفي الإيمان مرجئة وفي الحكم على مرتكب الكبيرة في الآخرة هو خلوده في النار فهم وعيدية في هذا الباب وقد كفرهم قبل هذين الإمامين أئمة وأخرجوا الجهمية من فرق الأمة الإسلامية فهي ليست عندهم داخلة في الثلاث والسبعين فرقة كما أخرجوا كذلك الرافضة فمحصل هذا أن الجهمية والرافضة خارجة من فرق أمة الإسلام وإن سعى جاهدين جماعة الإخوان المسلمين إلى التقريب بينهم وبين أهل السنة فلا غرابة فإنهم ينطلقون من قاعدة المعذرة والتعاون " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما إختلفنا فيه " تلك القاعدة التي كانت قاعدة المنار أولاً ثم هي قاعدة الإخوان المسلمين ثانياً فهذه القاعدة الفاجرة فتحت الباب على مصراعيه لدخول كل نحلة ضالة مع أهل السنة سواء كانت النحلة منتسبة إلى الإسلام كالرافضة أو غير منتسبة إلى الإسلام بل هي خارجة منه بالإتفاق مثل :اليهودية والنصرانية، ونحن نقول هذا لأنا خبرنا هذه الجماعة تاريخاً ومعتقداً ولا نقول عليها رجماً بالغيب بل لدينا من الوثائق ما هو أدلة على منهج هذه الفرقة التي هي واحدة من الجماعات الدعوية الحديثة والتي كلها ضالة مضلة كما قررنا ذلك في مجالس عدة ، والمقصود شيئان :أولاً :أن الرافضة ولاجهمية ليست من فرق أهل الإسلام إن لم يكن ذلك إجماعاً فهو فيما يشبه الإجماع وهو الحق الذي لامرية فيه وثانياً : الحذر من جماعة الإخوان المسلمين لفساد منهجها .
قالا –رحمهما الله -:" وأن الرافضة رفضوا الإسلام"
الشرح: أقول : الرافضة :أولاً :البحث في اشتقاق اسمها : هي في اللغة من الرفض ورفض الشيئ تركه وهي في اصطلاح العلماء :من رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهم جميعاً – وكانوا من شيعته وفي معسكره حين خرج على بعض خلفاء بني أمية فقالت له تلك الطائفة : تبرأ من أبي بكر وعمر ، فأبى ذلك ويروى أنه قال: كيف أتبرأ من وزيري جدي – يعني رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إذاً نرفضك ،فتخلوا عنه وانفصلوا عنه فسموا حينئذ بالرافضة فصار هذا علماً على غلاة الشيعة الإثني عشرية الإمامية ، وقول الإمامين " رفضوا الإسلام "يشير إلى ما عندهم من إعتقادات فاسدة هي تكذيب لله ولرسوله ولما أجمع عليه أئمة الإسلام ، تلك الطوام واحدةٌ منها كافية في نقل المرء من ملة الإسلام إلى الكفر ومن تلك الطوام والضلالات والكفريات التي عناها الإمامان الرازيان –رحمة الله عليهما ورحمة الله على كل إمام هدى مضى على السنة والذب عنها وعن أهلها - : زعمهم بل ومجالدتهم ومجادلتهم وتقريرهم أن أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر –رضي الله عنهما – ليست بريئة وما يخفى على مسلم عنده قليل من العلم أن الله برأ زوج نبيه في محكم كتابه من ما اتهمت به من الإفك ، ومنها أن القرآن محرف…(قطع في الشريط)ومنها : تكفير جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا علياً –رضي الله عنه – وآل البيت فعندهم جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – مرتدون إلا عشرة في رواية وثلاثة في رواية وسبعة في رواية ،وهذا كفر باتفاق المسلمين ومن شك فيه فهو كافر لأنه معلوم من الدين بالضرورة وكذلك يكفر من سب أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم –بما يقتضي أن عامتهم فساق فهو كفر باتفاق المسلمين وكذلك يكفر من شك فيه ، ولعله بهذا ظهر لكم أيها القراء والسامعون صدق الإمامين الرازيين –رحمة الله عليهما – وأن إشارتهما بقولهما " وأن الرافضة رفضوا الإسلام "إشارة بليغة تغني عن بسط عبارة .
قالا- رحمهما الله - :" والخوارج مراق"
الشرح: الخوارج في اللغة: من الخروج والخروج عن الشيئ هو ترك طريقه ومنه الخروج عن الطريق وهو الإنحراف عنه يمنة أو يسرة، والخوارج في الإصطلاح الشرعي: هم كل من خرج على إمام من أئمة المسلمين معلناً كفره وكفر من يواليه وقد لا يعلنون كفر من يواليه لكن جمهورهم على هذا ، ومعتقد الخوارج تكفير المسلمين بالكبائرفمرتكب الكبائر من المسلمين عندهم في الدنيا كافر حلال الدم والمال يسبون أهله وماله وحكمهم عليه إن مات مصراً على كبيرته بالخلود في النار أبد الآباد وهذا هو منتهى الضلال فإن النص والإحماع متضافران على أن مرتكب الكبيرة من المسلمين هو في الدنيا مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وإن مات مصراً على كبيرته فهو في الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وأدخله الله الجنة برحمته الواسعة ومن رحمته الإذن فيه بالشفاعة قبل دخوله النار وإن شاء عذبه ثم أخرجه منها بشفاعة الشافعين وهي من رحمته أو برحمته المحضة من غير شفاعة وهذا هوما تواترت به سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وكذلك جاء ما هو مصداقه بالقرآن الكريم قال –جل وعلى – " إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " فهذه الآية نص صريح في أمرين :
أحدهما : عدم مغفرة الله الشرك لمن مات عليه .
وثانيهما: أن ما عدى الشرك من كبائر الذنوب تحت مشيئة الله – يعني : يوم القيامة - .
ومن الأدلة التي تدل على أن مرتكب الكبيرة من المسلمين لم يكن كافراً بمجرد ركوبها أحاديث كثيرة منها : ما أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت –رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" من شهد أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله وأن عيسى بن مريم عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وأن الجنة حقٌ والنار حقٌ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – عن النبي –صلى الله عليه وسلم – قال :" من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقي الله وهو يشرك به شيئاً دخل النار " قال الإمام النووي – رحمه الله – مبوباً على هذين الحديثين وما في معناهما عند شرحه لها في "صحيح مسلم" قال مبوباً " باب الدليل على أنه من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا"، وقول الإمامين "الخوارج مراق " يشير إلى ما صح به الخبر عن النبي –صلى الله عليه وسلم – وتناقله جملةٌ من الصحابة وعنهم جملةٌ من التابعين إلى أحاديث صحيحة منها قوله –صلى الله عليه وسلم – " يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " وحاصل ما جائت به الأحاديث الصحيحة الصريحةعن النبي –صلى الله عليه وسلم – فيما يأتي :
أولاً : ذم الخوارج والتحذير منهم وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية .
ثانياً : الأمر بقتلهم وقتالهم وتوعده –صلى الله عليه وسلم – إياهم إن لقيهم ليقتلنهم قتل عاد وإرم، كما أنه –صلى الله عليه وسلم – وعد بالأجر من قتل الخوارج أو قتلوه وسماهم –صلى الله عليه وسلم – شر قتلى تحت أديم السماء وأمر بقتلهم وقتالهم .
ثالثاً : أنهم سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان يدعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام وأجمع أئمة السلف على ذلك ، فالخوارج من شر الخلق والخليقة إن لم يكونوا شر الخلق والخليقة ، والجمهور على أنهم مسلمون وأن ما جاء في ذمهم وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية من نصوص الوعيد التي لا يأولها أهل السنة بل يمرونها على ظاهرها كي تكون أبلغ في الأجر وأوقع في النفس، وبعض الأئمة يكفرونهم وحدثني أخي في الله فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد بن صنيتان السحيمي الأستاذ المشارك في قسم العقيدة في الجامعة الإسلامية –حرسها الله – عن الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أنه كفرهم ، وأنا أميل إلى هذا المذهب وأكاد أجزم به ، وها هنا سؤال : هل الخوارج وصف عام ينطبق على كل من كفر عصاة المسلمين -حكاماً أو محكومين- بالكبيرة واستحل قتالهم ؟ هل هذا الوصف عام أو هو مقصور على المارقة الأولى أصحاب النهروان ؟ قولان والصواب هو الأول فإن أهل السنة يسمون كل من تسمى بهذا الوصف حرورية ، وحروراء : مكان قرب الكوفة اجتمع فيه الخوارج وخرجوا منه لقتال علي ومن معه من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم –و التابعين – رضي الله عنهم أجمعين -، فصار هذا الوصف لازماً لكل خارجي سلك المسلك المتقدم ، واعلموا أيها المسلمون أن الخوارج قسمان :
1) خوارج معلنةٌ التكفير والحرب على أهل السنة – حكاماً ومحكومين – وهؤلاء هم المحاربة أهل السيف .
2) والقسم الثاني : الخوارج القعدية وهم الذين لا يعلنون في الغالب التكفير ولكن يحرضون على أئمة المسلمين وحكامهم الذين ثبت لهم عقد الإسلام ظاهراً ويؤلبون الخاصة والعامة عليهم بصنوف من التحريضات قد يكون منها الكفر ، ومنها: التشهير بأخطاء ولاة أمر المسلمين وعلماؤهم على الملأ وفي المحافل العامة وعلى المنابر في خطب الجمعة وغيرها ونتيجة هذا التحريض لاتنتهي إلا بأحد شيئين: إماانفراط العقد وانفلات الزمام وذلك بأن ينحاز العوام ومن قل فقهه في السنة إليهم ومن ثم الحرب وسفك الدماء ،وفي فتنة ابن الأشعث عبرة وللأخ الفاضل الذي نحسبه على السنة- والله حسيبه-الشيخ سلطان بن عبد الرحمن العيد -حفظه الله وسدده في أقواله واعماله- خطبة جمعة مسجلة وأرى أنها تروي الغليل وتشفي العليل وهي موجودة في تسجيلات ابن رجب بالمدينة و في غيرها من التسجيلات السلفية في المملكة وأظنها في التسجيلات السلفية خارج المملكة أيضاً فليراجعه من شاء فإنه يجد فيه عبراً عظيمة وسفهاً للخوارج وينبئ بل يدل صراحة عن فساد منهجهم أقول –ولاكرامة- وعلى فساد معتقدهم .الشيئ الثاني : قوة السلطان وسياسته الحكيمة في قطع دابرهم وذلك بمناصرة أهل السنة عليهم وإعانته لهم في الرد عليهم وكشف عوراتهم وسوئاتهم وهتك أستارهم فحين إذن يقوى بهم شوكة أهل السنة وتشتد به عزيمتهم وترجح به كفتهم فيصبحون أذلاء منبوذين ممقوتين محتقرين محذورين عند الخاصة والعامة .
أقول : وننبه هاهنا إلى شيئ وهو أن خوارج هذا العصر أهل التكفير عمتدهم في الغالب أفكار سيد قطب ،وسيدٌ هذا هو حامل لواء التكفير في هذا العصر وهو من جماعة الإخوان المسلمين التي قال فيها رئيس تنظيمهم السري علي عشماوي في عام 1960 قال:لم تخرج جماعة إلا من تحت عباءة الإخوان المسلمين ، وهذا القول شهادة من بني بجدة القوم رئيس تنظيمهم أنهم أ س الخوارج في هذا العصر ، وإن كان فيهم الجناح البنائي المائع لكن هذا الجناح مع الجناح القطبي كلاهما متعاون متكاتف على الثورة الفكرية ضد المسلمين لاسيما ضد حكام المسلمين ويعرف أن سيد بن قطب حامل لواء التكفير في هذا العصر من قرأ كتابه الذي ينضح بهذا الفكر " معالم في الطريق " يعرف أن الرجل داعية التكفير إن لم يكن مؤسساً له في هذا العصر ، ومن هنا يعلم أن كل مسلم سني يسعى في جمع الكلمة وسد طريق الفرقة ورفع لواء السنة وقمع البدعة يجب عليه أن يحذر سيد قطب ويحذر أفكاره المنحرفة ، فالرجل مزيج من الأفكار المنحرفة التي كلها تجتمع على الثورة الفكرية وهي قلب الوضع في هذا العصر .
قالا- رحمهما الله -:" ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفراً ينقل عن الملة
تعليق