السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد .. وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين .. وعلى أصحابه الغر الميامين
أما بعد ,
فقد ذكر الإمام البربهاري - رحمه الله - في كتابه " شرح السنة " :
( وَاعْلَمْ - رحمك الله - أنه ليس في السُنَّةِ قياس, ولا تُضرَبُ لها الأمثال (1), ولا تُتَّبَعُ فيها الأهواء (2), بل هو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم, بلا كيف ولا شرح, ولا يُقَالُ: لِم؟ ولا كيف؟ ) . اهـ
قال فضيلة الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي - رحمه الله - في كتابه " إرشاد الساري في شرح السنة للبربهاري " :
أقول: إنَّ هذا الكلام ينطبق على السنن الواردة في العقائد, أما غير العقائد من الأحكام الفرعية, فهذه قد حصل فيها الاختلاف, وبنيت عليها الأقيسة, وهذا مدوَّنٌ في كتب الفقه وأصول الفقه, ولكنَّ المراد بهذا الكلام ما ورد في العقائد من آيات الصفات وأحاديثها الصحيحة, فهذه يجب الأخذ بها, وإمرارها كما جاءت, مع اعتقاد معناها الذي تقتضيه في اللغة العربية ولا يقال: لِمَ كان كذا وكذا؟ وكيف كان كذا وكذا؟
وقد أنكر الإمام مالك رحمه الله على من قال: أرأيت قول الله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } كيف استوى؟
فأطرق الإمام مالك وعلته الرَّحُضاء - أي: العرق - ثمَّ رفع رأسه, فقال: الإستواء معلوم, والكيف مجهول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة, وأنت رجل سوء أخرجوه, فأمر به فأخرج (3).
إنَّ الكلام في الأصول والعقائد, والجدال فيها محدثٌ لم يأتِ إلا من أصحاب البدع, أما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وأتباعهم, بل وأهل السُنَّة والجماعة جميعاً, فإنه لم يأتِ منهم جدالٌ في العقيدة, وإنما جاء الجدال من حين نبتت فرق الضلال كالجهمية والمعتزلة وغيرهم من فِرَقِ الضلال الذين استعملوا الكلام, وأخذوا بمقدمات المنطق, وتركوا الآثار.
فكان عاقبة بعضهم أنه يندم عند موته, وقد مات بعضهم وعلى صدره صحيح البخاري؛ ذلك لأنَّ مقدمات المنطق وإلزامات الكلام لا ينشأ عنها إلا شكٌ - والعياذ بالله - , فاسأل الله ربك أن يجنبك طريق هؤلاء, وأن يجعلك من أصحاب الأثر المتبعين لما جاء عن الله ورسوله من دون التواءٍ ولا إحداثٍ, وبالله التوفيق. اهـــ
وقال فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله - في شرحه لكتاب شرح السنة للإمام البربهاري :
السُنَّةُ المراد بها هنا: العقيدة, لأن هذا الكتاب في موضوع العقيدة, والعقيدة هي السُنَّة, وهذا الكتاب اسمه: ((شرح السنة)), سُمِّيَتْ سُنَّةً لأن السُنَّة هي الطريق, والعقيدة توقيفية, لا مجال للزيادة فيها أبداً, مدارها على ما جاء عن الله ورسوله, وما خالف ما جاء عن الله ورسوله فإنه باطل وضلال. فهذا معنى قول العلماء: إن العقيدة توقيفية, لا يدخلها القياس, لأن القياس إنما هو في مسائل الفقه, هي التي يدخلها القياس, وهي أحكام الحلال والحرام, أما مسائل العقيدة فليس فيها قياس, وإنما هي تسليم وانقياد لِمَا جاء عن الله ورسوله من غير تدخل.
قوله: (ولا تُتَّبَعُ فيها الأهواء) يعني لا يُقّالُ في العقيدة ما وافق الهوى يُؤْخَذُ, وما خالف الهوى يُرَد, كما هي طريقة أهل الضلال, ولذلك سُمُّوا أهل الأهواء, قال تعالى: { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } [القصص : 50] فمن لم يُسَلِّمْ للعقيدة الثابتة في الكتابة والسُنَّة فهو إنما يَتَّبعُ هواه, ولذلك يُسَمَّى أهل البدع في العقيدة: أهل الأهواء, لأنهم اتبعوا أهواءهم كما في الآية: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ }.
قوله: (بل هو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح, ولا يُقَالُ: لِمَ, ولا كيف؟) أي: التسليم لأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسماء الله وصفاته وأمور العقيدة, (بلا شرح) يعني بلا شرح يخالف معناها الصحيح وهو الشرح الذي يخالف مدلول النصوص, وهذا انتشر في الجهمية والمعتزلة والأشاعرة كزعمهم أن المراد باليد: القدرة, والمراد بالوجه, الذات, والمراد بالاستواء: الاستيلاء. هذا شرح باطل, ليس هذا هو معنى هذه النصوص, فقوله: (بلا شرح) يعني بلا شرح باطل, أما شرحها بمعنى بيان معناها الصحيح فهذا حق. اهـــ
____________________
(1) أخرج ابن ماجة في سننه (22) من طريق أبي سلمة أن أبا هريرة قال لرجل: ((يا ابن أخي! إذا حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلا تضرب له الأمثال)).
والحديث حسنه الألباني في: ((صحيح سنن ابن ماجة)).
(2) هذه مقولة الإمام أحمد رحمه الله في ((أصول السنة)) (ص16) قال: ((وليس في السنة قياس, ولا تضرب لها الأمثال, ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء, إنما هو الاتباع وترك الهوى)).
(3) قال الشيخ الإمام الحافظ تقي الدين أبي محمد عبد الغني المقدسي في كتابه البديع الاقتصاد في الاعتقاد ص86: أما قول مالك فثابت عنه أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص516 من طريقين, وذكره الحافظ في الفتح 13/406-407 وحكم بأن إسناده جيد, ورواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم 644 ج2/398, وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف ضمن الرسائل المنيرية 1/111, وأبو نعيم في الحلية 6/325, والدارمي في الرد على الجهمية ص27, والذهبي في العلو ص103, وقال: وهذا ثابت عن مالك. اهـــ
والحديث حسنه الألباني في: ((صحيح سنن ابن ماجة)).
(2) هذه مقولة الإمام أحمد رحمه الله في ((أصول السنة)) (ص16) قال: ((وليس في السنة قياس, ولا تضرب لها الأمثال, ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء, إنما هو الاتباع وترك الهوى)).
(3) قال الشيخ الإمام الحافظ تقي الدين أبي محمد عبد الغني المقدسي في كتابه البديع الاقتصاد في الاعتقاد ص86: أما قول مالك فثابت عنه أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص516 من طريقين, وذكره الحافظ في الفتح 13/406-407 وحكم بأن إسناده جيد, ورواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم 644 ج2/398, وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف ضمن الرسائل المنيرية 1/111, وأبو نعيم في الحلية 6/325, والدارمي في الرد على الجهمية ص27, والذهبي في العلو ص103, وقال: وهذا ثابت عن مالك. اهـــ
جمع وترتيب
هيثم أبو عبد الله - عفا الله عنه