إتحاف الخلان والجماعة بفوائد شرح عقيدة أهل السنة والجماعة للعلامة ابن عثيمين
لأخينا الفاضل
علي الفضلي - حفظه الله -
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين ، أما بعد :
فهذه فوائد جليلة ، اقتنصتها من " شرح عقيدة أهل السنة والجماعة " للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين ، جعل الله تعالى شآبيب الرحمة والرضوان عليه ، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، انتخبتها من هذا الشرح العظيم ، خلال تدريسها و توضيحها لبعض الإخوة ، بعد صلاة الفجر من كل يوم ، فأردت أن أتحف بها إخواني ، راجيا الله تعالى أن يكتب لي بها الأجر ، وأن يدخرها لي سبحانه وتعالى ، في يوم لا ينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
وقد كتبتها على هيأة فوائد متسلسلة ، أعنون لكل فائدة بما يدل عليها ، ويلخصها .
وإلى المقصود والله المستعان :
الفائدة 1 :
إذا دل الكتاب والسنة على شيء ، ولم يأت عن الصحابة ما يخالفه ، فيعني ذلك أنهم مجمعون عليه .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ الدليل على علو الله تعالى بذاته بالإجماع :
أن الصحابة – رضي الله عنهم – والتابعين كلهم مقرون بأن الله تعالى فوق كل شيء بذاته ، والدليل على إجماعهم من وجه خفي ، وينبغي لطالب العلم أن يعلمه لما فيه من الفائدة :
يقال مثلا : نصوص الكتاب والسنة دالة على العلو بالذات ، ولم يرد عن الصحابة الكرام قول واحد فسر هذه الأدلة بخلاف ظاهرها ، إذاً هم مجمعون على مدلولها ، ولهذا إذا دل الكتاب والسنة على شيء ، ولم يأت عن الصحابة ما يخالفه ، فيعني ذلك أنهم مجمعون عليه .
وهذا المسلك لإثبات الإجماع قد يخفى على كثير من الناس .].
الفائدة 2 :
مناظرة الشيخ لطائفة من الحلولية :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ اجتمعت في أناس من الذين يقولون – والعياذ بالله - : إن الله بذاته في كل مكان ، وكان ذلك يوم النحر بمنى ، فقلت لهم : أمس كنتم في عرفة ؟ قالوا : نعم .
فقلت : كيف كنتم تدعون الله ؟ تقولون : يا رب وأيديكم إلى الأرض ، أم إلى اليمين ، أم إلى اليسار ؟!!
فقالوا : إنما نرفع أيدينا إلى السماء ، لأن السماء قبلة الداعي !! ، - انظر الشيطان كم لبس- .
سبحان الله ، أنت عندما تستقبل القبلة ، وأنت تدعو تكون قبلتك القبلة ، وليست السماء ، ولكنك ترفع يديك للمدعو لا شك].
الفائدة 3 :
أقسام سمع الله – جل جلاله وتقدست أسماؤه-:
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله تعالى : { وهو السميع البصير } ، السميع من أسماء الله تعالى ، وقسّمه العلماء إلى قسمين :
1- سمع إجابة . 2- سمع إدراك .
سمع الإجابة : قال تعالى : { إن ربي لسميع الدعاء } ، فمعنى لسميع هنا أي : لمجيب ، لأن مجرد السمع ليس فيه ذاك الثناء ، وهذا توسل إلى الله عز وجل أن يجيب الله الدعوى ، والتوسل إلى الله عز وجل بمجرد إدراكه للصوت ليس وسيلة في الواقع ، ولكن التوسل إلى الله بكونه مجيبا للدعاء فيجيب دعاء هذا السائل ، ومنه أيضا قول المصلي : سمع الله لمن حمده ، يعني : استجاب الله لمن حمده .
2- أما سمع الإدراك فينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- تارة يكون للتأييد . 2- تارة يكون للتهديد .
3- تارة يكون لبيان شمول إدراكه عز وجل .
1- أما الإدراك الذي يكون للتأييد : كقوله تعالى لموسى وهارون : { لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } ، هذا ليس مجرد إخبار موسى وهارون أن الله يسمعهما ، ويراهما ، بل المراد التأييد والنصر وما أشبه ذلك .
2- الإدراك الذي يكون للتهديد : كقول الله عز وجل : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } . ، فهذا للتهديد ، بدليل قوله تعالى : { سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق } .
ومثل قوله تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم } ، هذا أيضا للتهديد ، لقوله : { بلى ورسلنا لديهم يكتبون } .
3- الإدراك الذي يراد به بيان شمول سمع الله لكل شيء كقوله تعالى : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى والله يسمع تحاوركما } . ، ولهذا قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها – " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد كنت في طرف الحجرة ، وإنه ليخفى علي بعض حديثها " ، هذا المراد به بيان شمول سمع الله تعالى لكل شيء ، فإنك إن تكلمت في بيتك فالله يسمع ، وإن تكلمت في ملأ ، فالله تعالى يسمع ، بل إن حدثت نفسك فالله يعلم ، فإن حركت بلسانك حتى صار قولا فالله يسمع وإن خفي ، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي : " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " ].
الفائدة 4 :
أقسام بصر الله عز وجل :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ { البصير } معناه ذو البصر ، ويطلق على : العليم ؛ ويطلق على : الرائي ، فهو بصير رؤية ، وبصير علم ، فهو سبحانه وتعالى يرى كل شيء ، وإن خفي ، وإن بعُد ، فإنه تعالى يراه ، لا يغيب عنه شيء .
كذلك البصير بمعنى عليم به ، مثل قوله تعالى : { والله بصير بما تعملون } ، وقوله تعالى : { والله بصير بالعباد } ، وما أشبه ذلك ، فالمعنى عليم بهم ، ولهذا جاءت معداة بالباء ، فيقال بصير بكذا ، ولو كان البصير هنا بمعنى الرؤية ، لقال يبصرهم ، فقوله تعالى : { أبصر به وأسمع } الظاهر أنه يشمل الأمرين جميعا ، وإن كان قد يقول قائل : إن " أسمع " لما ذكر السمع هنا أوّله على أنه بصر الرؤية ، فنقول : إن كونه شاملا أحسن ].
الفائدة 5:
لا بأس أن يحذف ذكر المشيئة إذا قصد الإخبار عما في نفسه في المستقبل لا عن الفعل .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ وقوله تعالى : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا }.... يستفاد من هذا الجزء من الآية أن الإنسان لا يعلم ماذا يكسب غدا ، وإن قدّر أنه سيفعل كذا فإنه لا يعلم هل سيحصل أو لا ، ولهذا قال الله تعالى لنبيه : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } .
فإذا قال قائل : إني سأزور فلانا غدا ، وهو لا يقصد الفعل ، وإنما يقصد الإخبار عمّا في نفسه ، فإنه لا بأس أن يحذف ذكر المشيئة ، فهذا جائز ، ولهذا جاءت الآية الكريمة : { إني فاعل ذلك غدا } ، أما لو جزم وقال : إني سأزور فلانا غدا يقصد الفعل ، فلا يقول ذلك إلا مقرونا بالمشيئة لقوله تعالى : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } .
الفائدة 6 :
يصح قول : خبرة الله ، والتي اشتُق منها اسم الخبير .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله : { إن الله عليم خبير } نستفيد من هذا الجزء من الآية علم الله عز وجل ، وخبرته ....] .
الفائدة 7 :
قصة عجيبة يذكرها الشيخ .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله تعالى : { وما تدري نفس بأي أرض تموت } .....وذكر لي أحد الثقات من أصحابنا أنهم كانوا في حج على الإبل ، قبل أن تأتي السيارات ، وخرجوا من مكة ومعهم رجل أمه مريضة ، فارتحل الناس في آخر الليل، وجلس هذا الرجل عند أمه يمرضها ، فلما أصبح ، وإذا القوم قد ساروا ، فذهب في أثرهم فتاه ! ، وكان ذلك في الجبال الحجازية ، وسار يمشي حتى ارتفع النهار ، فإذا خباء قوم صغير بدو ، فذهب إليه فسلم ، وسأل أين طريق نجد ، فقالوا : طريق نجد وراءك بكثير ، لكن انتظر وأنخ البعير ، واسترح ، وسندلك ، يقول : فلما أناخ بعيره ، وأنزل أمه من البعير ، فما أن وصلت إلى الأرض حتى فاضت روحها !! مع أن هذا المكان لا يدري عنه إطلاقا ! ، ولا يفكر أن يصل إليه ! ، لأنه من أهل عنيزة ، ولكن الله تعالى قد قضى أن تموت هذه الأم في ذلك المكان ، فتاهَ الرجل ليصل إلى المكان الذي علم الله تعالى أن المرأة ستموت فيه ، وأمثال هذا كثير] .
قصة أخرى يسوقها الشيخ :
[ ونؤمن بأنه : { ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ، ويعلم مستودعها ، كل في كتاب مبين } . ........ وحدثني رجل أنه كان عند بئر مطمورة – أي ليس بها ماء – فكان يرى حية تخرج كل يوم في الصباح ، وتنصب نفسها كأنها عود ، فيقع عليها طائر فتأكله ، وهذه الحية كانت عمياء لا تستطيع أن تسعى في الأرض تطلب الرزق ، فانظر كيف ساق الله الرزق إليها وهي في جحرها عمياء ولا تستطيع الخروج ، إذن ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ].
وقصة أخرى يسوقها الشيخ :
[ ... وجاء في الحديث : " كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة " .
وحدثني من أثق به أن رجلا كان يمنع زوجته أن تتصدق على أي مسكين يطرق الباب ! ، فطرق الباب مسكين ذات يوم ، وقال : إنه عارٍ ليس عليه ثياب ، تقيه من البرد ، فرقت الزوجة لحاله ، - كما رق أبو هريرة - ، وأعطته كساء وثلاث تمرات ، وكان زوجها نائما في المسجد ، فرأى أن القيامة قد قامت ، وأن الناس في موج عظيم ، وحر شديد ، وشمس محرقة ، وإذا بكساء يعلو رأسه ، وفيه ثلاثة خروق ، فرأى ثلاث تمرات جاءت وسدت هذه الخروق ، فتعجب وانتبه من نومه مذعورا ! ، وقص على زوجته هذه الرؤيا ، ففهمت الزوجة أن هذه الرؤيا سبب الكساء الذي تصدقت به والتمرات ، فقالت له : حدث كذا وكذا ، فقال لها : لا تردي مسكينا بعد اليوم ، فهذا الرجل نبهه الله عز وجل ، وهذا مصداق لحديث : " كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة " ] .
الفائدة 8 :
الفرق بين قول الأشاعرة والمعتزلة في صفة الكلام :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... وقالت الأشعرية الذين تذبذبوا بين أهل السنة والمعتزلة قالوا : إن كلام الله تعالى هو المعنى القائم في نفسه ، وما يُسمع فإنه مخلوق خلقه الله تعالى ليعبر عما في نفسه .
فما الفرق إذن بين المعتزلة والأشعرية ؟
الفرق : أن المعتزلة يقولون : لا ننسب الكلام إليه وصفا ، بل فعلا وخلقا .
والأشاعرة يقولون : ننسب الكلام إليه وصفا لا باعتبار أنه شيء مسموع ، وأنه بحروف ، بل باعتبار أنه شيء قائم بنفسه ، وما يسمع أو يكتب فهو مخلوق؛ فعلى هذا يتفق الأشاعرة والمعتزلة في أن ما يُسمع أو يكتب مخلوق ، فالأشاعرة يقولون : القرآن مخلوق ، والمعتزلة يقولون : القرآن مخلوق ، لكن المعتزلة يقولون : إنه كلامه حقيقة ، كما أن السموات خلقه حقيقة ، وقالت الأشاعرة : ليس هو كلام الله تعالى حقيقة ، بل هو عبارة عن كلام الله !! ، فصار الأشاعرة من هذا الوجه أبعد عن الحق من المعتزلة ، وكلتا الطائفتين ظالم ، لأن الكلام ليس شيئا يقوم بنفسه ، والكلام صفة المتكلم ، فإذا كان الكلام صفة المتكلم ، كان كلام الله صفة ، وصفات الله تعالى غير مخلوقة ، إذ إن الصفات تابعة للذات ، فكما أن ذات الرب عز وجل غير مخلوقة ، فكذلك صفاته غير مخلوقة ، وهذا دليل عقلي واضح ...].
الفائدة 9 :
الكلام عن المعية .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .... بل الذي لا يليق بالله تعالى أن نفهم من المعية الاختلاط ، والحلول في المكان ، كما قالت الجهمية ، ولهذا لما ظهر هذا القول المبتدع الضال ، صار السلف يقولون : هو معنا بعلمه ، ففسروا المعية بلازمها ، وهو العلم ، على أن لازم المعية ليس العلم فقط ، كما صرح بذلك ابن كثير في " التفسير " ، وصرح به ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " ، بل هو معنا بعلمه وسمعه وبصره وسلطانه وقدرته وربوبيته ، وغير ذلك من معاني الربوبية ، لكن فسرها من فسرها من السلف بالعلم ردا على الجهمية الذين قالوا : وهو معنا بذاته في مكاننا ، ولهذا في عبارة السلف – أظنه عبد الله بن المبارك – قال : " ولا نقول كما تقول الجهمية : إنه معنا ها هنا وأشار إلى الأرض " ، فيجب أن نعرف أن السلف قد يفسرون الشيء بالمعنى ، أي بلازمه حذرا من معنى باطل اتخذه الناس في ذلك الوقت ..].
الفائدة 10 :
كلام جميل ومتين في نزول الرب – سبحانه وتعالى - .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ (ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ) ... (ينزل) الفعل مضاف إلى الله تعالى ، فيكون ينزل هو بنفسه ، ولا حاجة إلى نقول : بذاته ، - كما ذكرت قبل قليل - ، لأن كل فعل أضافه الله إلى نفسه ، فهو منسوب إليه نفسه .
(السماء الدنيا ) (الدنيا) : يعني القربى من الناس ، وهي أسفل السموات ، ينزل جل وعلا نزولا يليق به سبحانه وتعالى ، ولا يمكن أن نتصور كيفيته ، ولو حاول الإنسان أن يتصور كيفيته لأنكره ، ولهذا فإن الذين حاولوا أن يتصوروا الكيفية أنكروها ، وقالوا : كيف نؤمن بأنه عال ثم ينزل إلى السماء الدنيا ، هذا مستحيل!! ، فنقول :
لا تحاول أن تتصور الكيفية ، لأنه نزول يليق به ولا ينافي كماله ، والصحابة – رضوان الله عليهم – لما حدثهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا ، ما قالوا : كيف ينزل يا رسول الله ؟ هل هم لا يعرفون ؟! إنهم يعرفون ، لكن عندهم من الأدب مع الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ما منعهم من أن يسألوا كيف ينزل ].
الفائدة 11 :
ضابط الصفات الخبرية .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله : ونؤمن بأن لله تعالى وجها موصوفا بالجلال والإكرام : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } .
وجه الله عز وجل صفة من صفاته ، والوجه صفة خبرية ، وليس صفة معنوية ، ولا فعلية .
والضابط في الصفات الخبرية المحضة ، قال شيخ الإسلام – رحمه الله – من صفات الله تعالى ما مسماه أبعاض لنا ، وأجزاء لنا .
الوجه مسماه بالنسبة لنا بعض ، واليد كذلك ، وهذه صفات خبرية محضة ، العقل لا يدركها ، ولولا أن الله أخبرنا عنها ما علمنا بها ].
الفائدة 12 :
توجيه التشبيه في قوله تعالى : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب }.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } ، التشبيه هنا تشبيه للطي بالطي ...].
الفائدة 13 :
هل يجوز لنا أن ندعو من على من ينكر رؤية الله بألا يرى الله؟!
قال الشيخ – رحمه الله تعالى - :
[ .. هل لنا أن نقول : اللهم من أنكر رؤيتك في الآخرة فاحرمه منها ؟!!
نعم ، نحن نقول ما قال هو على نفسه ، هو يقول : أنا أحرمهم منها ، ولم ندعُ عليهم عدوانا ، لأنهم لما أنكروا الرؤية ، سيقولون نحن محرومون منها ، سواء دعوتم ، أو لم تدعوا ، وأقول : إن من قال ة: اللهم اجعلهم ممن ينظرون إليك يوم القيامة لكان معتديا في الدعاء ، لأنهم يرون أن رؤية الله الله محال .
وهؤلاء لو دعوت لهم ، وقلت : اللهم اجعل هؤلاء ممن ينظرون إليك يوم القيامة ، فسيقولون : نعوذ بالله !!! ، ولقالوا : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية ، إنه لا يحب المعتدين } ، وإنه معتد في الدعاء ، لأنك سألت ما لا يجوز .
وإذا قلت : اللهم احرم من لا يؤمن برؤيتك في الآخرة ، احرمه من رؤيتك ، فيقولون : أحسنت ، بارك الله فيك ، هذا ما نريد !!!.
لكن في ظني أنه في قرارة نفسه ، لو قلنا أمامه : أسأل الله أن يحرمك من رؤيته يوم القيامة ، سيقشعر جلده ، وسينقبض قلبه ، وإن كان هو بلسانه لا يصدق ، فسوف يرى أن هذا الدعاء عظيم ، لأني أدعو به وأنا مؤمن بأن الله يُرى حقا ، وإنني إذا قلت : اللهم من أنكر رؤيتك في الآخرة فاحرمه منها ، فسوف يتأثر بلا شك ، حتى وإن صمم عنادا ] .
الفائدة 14 :
ثناء الشيخ على كتاب ( دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب ).
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. وقد ألف الشنقيطي – رحمه الله تعالى – صاحب " أضواء البيان " رسالة سماها " دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب " ذكر فيها ما بلغه علمه من الآيات التي ظاهرها التناقض ، وجمع بينهما ، فليرجع إليها فإنها مفيدة ] .
الفائدة 15 :
من كان علمه قليلا .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ومن توهم التناقض في كتاب الله ، أو في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو بينهما ، فذلك إما لقلة علمه ، يعني أن علمه قليل ، ما راجع ، ولا أدرك العلم ، ومن كان علمه قليلا فناد عليه بالجهل ! ] .
الفائدة 16 :
قصة حمار الفروع !.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. يذكر أن بعض الحفاظ كان يحفظ كتاب الفروع في الفقه لمحمد بن مفلح ، أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وكان – أي ابن مفلح - من أعلم الناس بآراء شيخ الإسلام في الفقه ، حتى كان تلميذ شيخ الإسلام ابن القيم يرجع إلى محمد بن مفلح صاحب الفروع فيما يتعلق بفقه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وكان أحد الطلبة قد حفظ الكتاب من ألفه إلى يائه حفظا تاما ، كما يحفظ الفاتحة ، ولكن لا يفهم شيئا إطلاقا ، فكان طلاب العلم يأتون إليه ، لأن الكتب في ذلك الوقت قليلة ، يقولون له : ماذا ذكر صاحب الفروع في الفصل الفلاني مثلا ، فيسرد عليهم الفصل والباب ، وكل شيء ، حتى كانوا يلقبونه مع الأسف بحمار الفروع !! لأن الحمار يحمل أسفارا ، ولا يفهم معناها ، وكان في الحقيقة لا ينبغي أن يوصف بهذا ، وكان ينبغي أن يوصف بحافظ الفروع ، لكن على كل حال ، أقول لكم : إن الناس بعضهم يكون قاصر الفهم ، يحفظ ولا يفهم ] .
الفائدة 17 :
مسألة التعمق في فهم صفات الله ، وصفة الشم .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... من ذلك ما يتعلق بصفات الله عز وجل ، فإن هذا معرك ضنك ، وباب ضيق ، وكثير من الطلبة اليوم يريدون أن يوسعوا هذا الباب ، وأنى لهم ذلك ، اللهم إلا بكسره ، والكسر معناه الهدم والدمار ، فبعضهم يتعمق في البحث عن صفات الله عز وجل ، ويثبت ما ليس بلازم ، مثلا : يقول لك : إن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ، فهل يلزم من ذلك أن الله يشم ؟! وهل يلزم إذا كان يشم أن يكون له أنف ؟ لأن الأنف أداة الشم ، وكما ثبت في الحديث أن لله أصابع ، فيقول : كم عدد أصابع الله عشرة أو عشرون أقل أو أكثر؟! وكل هذا من التنطع المحرم ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " هلك المتنطعون " ، قال ذلك تحذيرا من التنطع ، لأن الصحابة أصفى منا قلوبا ، وأغزر منا علوما ، وأقوى منا فهوما ، وأشد منا حرصا ، لم يسألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم – عن مثل هذا إطلاقا ، ولما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يمل حتى تملوا " ، ما قالوا : يا رسول الله : هل الله يمل ؟! وأي إنسان يقول : إنهم قالوا : هل الله يمل ، نقول له : هات الدليل ؛ بل سكتوا وعرفوا المراد ، وهكذا يجب علينا يا إخواننا في هذه المسألة الضيقة الضنك ألا نحاول التعمق في البحث عن صفات الله عز وجل ، ما جاءنا قبلناه وكفى بنا فخرا ، وما لم يجئ إلينا سكتنا عنه .
هذا هو الأدب مع الله ورسوله.
والله الموفق ].
الفائدة 18 :
هل يجوز أن نسمي ملك الموت بعزرائيل ؟
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ..ورد في بعض الإسرائيليات أن اسمه عزرائيل ، وليس كذلك ، ولهذا لا يحل لنا أن نسميه عزرائيل لعدم ثبوت ذلك عن الله تعالى ، أو رسوله عليه السلام ، بل نقول كما قال ربنا عز وجل : { ملك الموت } ].
الفائدة 19 :
كلمة رائقة مهمة للدعاة : ينبغي للداعية أن يدعو إلى الله لله لا لنفسه!
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. وهنا نقرر أنه يجب على الداعية أن يشهر نفسه بأنه يدعو إلى الله لا إلى فرض السيطرة أو إتمام الكلمة أو إبراد الغيرة ، لأن هذا خطأ ، أي وسيلة يحصل بها المقصود ، ولو فيها غضاضة عليك فاعملها ، حتى لو شاهدت الرجل يفعل المنكر أمامك ، لكن ترجو أن يصلح فاصبر ، لأن المقصود ليس أن تطفئ حرارة الغيرة ، أو أن تنتقم لنفسك ، بل المقصود إصلاح هذا الرجل ودعوته إلى دين الله عز وجل .
لا تكن ممن يدعو لنفسه ، بل كن ممن يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ حتى لو أفضى الحال أن تضحك في وجه هذا الفاسق من أجل إدخال السرور عليه واستعداده لقبول ما تقول ، فافعل فإنه لا يضر ؛
لقد تنازل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حق كبير كبير رجاء الإصلاح ، وذلك في غزوة الحديبية ، حصل من جملة الشروط الثقيلة أن يرد هذا الذي جاء معتمرا إلى بيت الله عز وجل ، بينما لو جاء أعرابي من أخبث الناس شركا ليدخل يعتمر ، فلا يُرد .
هذه غضاضة عظيمة ، والتزم عليه الصلاة والسلام بأن لا يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، أملى على الكاتب اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : ما نعرف الرحمن ، اكتب باسمك اللهم ، مع أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الرحمن ؛ ولما قال : هذا ما قضى عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، قال : لا تكتب : رسول الله ! ، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، ولا صددناك ، قال : اكتب : محمد بن عبد الله ، فكتب ؛ ولكنه قال : " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني " ، حتى لا يفهم فاهم زوال وصف الرسالة له ، فتنازل الرسول – صلى الله عليه وسلم - عن :
1- الصد .
2- منع كتابة الرحمن .
3- منع كتابة رسول الله .
4- من جاء منهم مسلما وجب أن يرده إليهم ، ومن ذهب منا إليهم لا يرد !.
هذا من أثقل ما يكون ، ومع ذلك قبل الرسول – عليه الصلاة والسلام - ، لأنهم أبوا أن يجروا الصلح إلا على هذا ، فما قدموا تنازلا وكانوا معاندين ، وقد أقسم عليه الصلاة والسلام – حين بركت الناقة ألا يسألوا خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجابهم ، ومن ثم فعل عمر ما فعل نحو هذا الشرط ، على كل حال المقصود هو أن الإنسان ينبغي له أن يدعو إلى الله لله لا لنفسه ].
فائدة 20 :
أقسام العلماء .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ العلماء فيما نرى ثلاثة أقسام :
1- عالم دولة : وهو الذي ينظر ما تشتهيه الدولة ، فيلوي أعناق النصوص إلى ما تريد .
2- والثاني : عالم أمة : وهو الذي ينظر إلى ما يصلح للناس ويروق لهم ، فيحرف النصوص من أجل أن يوافق أهواء الناس ، وهذا كثير .
3- الثالث : عالم ملة : وهو الذي يقول بالملة ، وينتصر لها ، وهذا الأخير هو العالم الرباني ].
الفائدة 21 :
موضع يحسن الوقوف عليه .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ قوله تعالى : { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب } هنا يحسن الوقف ، ثم تبتدئ فتقول : { وما هو من الكتاب } لأن قوله : { وما هو من الكتاب } رد لقوله : { لتحسبوه من الكتاب } .
وقوله تعالى : { ويقولون هو من عند الله } قف أيضا { وما هو من عند الله } ابتدئ].
الفائدة 22 :
معنى { يلوون ألسنتهم } .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ واللي نوعان :
1- لي معنوي ، وهو التحريف المعنوي .
2- ليٌّ لفظي ، وهو التحريف اللفظي .
وجعل بعض العلماء من اللي اللفظي : أن تتلو النصوص غير القرآنية بتلاوة النصوص القرآنية ، يعني مثلا ، تقرأ الحديث وكأنما تقرأ القرآن ، لأنك إذا قرأت الحديث بنغمة قراءة القرآن أوهم السامع بأنه قرآن ، فيدخل ضمن قوله { يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب }.
الفائدة 23 :
معنى ( ما كان ) ، و ( ما ينبغي ) في الكتاب والسنة .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... وإذا جاء في القرآن { ما كان } فهو نفي : إما لانتفائه شرعا ، وإما لانتفائه كونا ، وإما لانتفائه شرعا وكونا ، المهم أم " ما كان " و " ما ينبغي " و ما أشبه ذلك من التعبيرات في القرآن ، تدل على أن الشيء ممتنع غاية الامتناع ].
الفائدة 24 :
لطيفة تؤخذ من قوله تعالى: { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } ، وبه الرد على غلاة المتصوفة .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... فالرسل – عليهم الصلاة والسلام – ينهون عن الشرك ، ويأمرون بالتوحيد وتحقيق التوحيد وإكمال التوحيد ، وهم أبعد الناس عن أن يقولوا: كونوا عبادا لنا من دون الله ، ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة : أن من ورث الأنبياء لا يمكن أن يقول للناس : كونوا عبادا لي من دون الله تعالى ، والعلماء ورثة هم الأنبياء ، فلا يمكن لعالم أن يلزم الناس بقوله ، لأنه لو ألزم الناس بقوله ، فكأنما قال : كونوا عبادا لي من دون الله تعالى ، وبهذا نعرف الرد على أولئك المشايخ كبيري العمائم ، الذين يغرون شعوبهم ، ويستخدمونهم تماما ، حتى بلغني أن من المشايخ من يقول : أنا شيخ معصوم ، أنا يحل لي أن أتزوج ألف امرأة !! ، وفعلا يزوجونه!!!.
بعض المشايخ – من جهة ما يقولون لي – إن عنده خمسين امرأة تزوجا لا تسريا !! ، لأنه معصوم ، أو لأنه قد وصل إلى الغاية ! ، ولهذا يقولون : إن عبادة الأنبياء وسيلة ، فإنهم لم يصلوا إلى الغاية ، فعبادتهم عبادة العوام ؛ أما الخواص فعبادتهم خاصة ما يحتاج إلى أمر ونهي ! ، لأنهم وصلوا إلى الغاية ، أرأيت لو سافرت إلى مكة ، فالعصا معك ، والجمل معك ، فإذا وصلت إلى مكة وضعت العصا ، وسيبت الجمل ،
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
فيقولون : العبادات وسائل إلى وصول الغاية والحقيقة ، فإذا وصل الإنسان إلى الحقيقة والغاية فلا أمر ولا نهي ، يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد ، فهذا هو الكفر بعينه ].
فائدة 25 :
مسألة العذر بالجهل .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ..{ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وكان الله عزيزا حكيما } .
هذه الآية فيها رد على الجبرية الذين يقولون : إن الإنسان مجبر على عمله ، لأنه لو كان الإنسان مجبرا على عمله لكان لهم حجة ، سواء بعث إليه الرسل أم لم يبعثوا ، لكن بعث الرسل يقطع الحجة ، وفيه أيضا رد على من قالوا : : إنه لا عذر بالجهل ، لأن الله تعالى قال : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } مفهومه : لولا الرسل لكان للناس على الله تعالى حجة ، لأنهم كانوا جاهلين ، فالصواب الذي لا شك فيه ، والذي تدل عليه الأدلة أن الإنسان معذور بالجهل فيما يفعله ، ثم إن كان ينتسب إلى الإسلام فهو مسلم ، وإن فعل ما يكفر إذا لم تقم عليه الحجة ، وإن كان لا ينتسب إلى الإسلام فهو كافر ، لكنه إذا كانت الحجة لم تبلغه ، فإن القول الراجح أنه يمتحن يوم القيامة بما شاء الله عز وجل ، ثم إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ].
الفائدة 26 :
الرد على من قال : إن إدريس قبل نوح عليهما الصلاة والسلام .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... قوله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }.
فذكر الله تعالى أنه أرسل نوحا وإبراهيم ، وأن النبوة والكتاب كانت في ذريتهما ، وهذا يدل على أنه لا رسول قبل نوح ، وبهذا نعرف أن من قال من المؤرخين : إن إدريس كان جد نوح ، فهذا قول باطل ، لأنه يستلزم أن يكون هناك رسول قبل نوح ، وهو مخالف للقرآن ؛ وأما السنة فدليلها أن نوحا أول الرسل أنه في حديث الشفاعة المتفق عليه أنهم يأتون إلى نوح ،ويذكرونه بنعمة الله ، ومنها أنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ، وهذا صريح بأن أول الرسل نوح ..].
الفائدة 27 :
عبارة : " الدين صالح لكل زمان ومكان " .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ .. ولأنه خاتم النبيين كانت شريعته صالحة لكل زمان ومكان ، وليس معناها : أنها تتغير بتغير الزمان ، بل معناها : أن من تمسك بها صلح له الزمان في كل وقت ، ولهذا قد يتوهم بعض الناس أن معنى صالح لكل زمان ومكان أنها تكيف بتكيف الناس! ، وأن الناس إذا كان عندهم عمل كثير يلهيهم عن الصلاة ، قلنا لهم : إما ألا تصلوا الظهر والعصر ، لأنه وقت عمل ! ، وإما أن تجمعوهما إلى المغرب والعشاء ، كما يوجد بعض العمال الآن ، فقد بلغني أن بعض العمال يجمع الصلوات الخمس كلها عند النوم !! ، لو قلنا : إن الدين يتكيف لكان هذا صحيحا ، ولكن غلط .
معنى قول من قال : إنه صالح لكل زمان : أنه لا ينافي الإصلاح ولا الصلاح في أي زمان كان ، تمسك بالدين يصلح لك أمر الدين والدنيا ].
الفائدة 28 :
أفضل الأنبياء هو محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن كيف الرد على من استدل بقوله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ؟!
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. وفي يوم القيامة يأتي الناس أكابر الأنبياء لطلب الشفاعة ، حتى تنتهي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يدل على أنه – عليه الصلاة والسلام – أفضل الرسل ..... ثم إبراهيم ، فإن قال قائل : كيف تقول ذلك ؟! أو كيف يكون ذلك ، وقد قال الله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ، ومن المعلوم أن التابع أقل درجة من المتبوع ؟
فيقال : هنا لا تفاضل ، لأن الملتين واحدة ، وهي التوحيد ، لكن ذكر إبراهيم لأن اليهود يقولون : نحن أولى بإبراهيم ! ، والنصارى يقولون : نحن أولى بإبراهيم ! ، فقال الله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ، وعلى هذا فما خالف هدي الرسول ، فقد خالف هدي إبراهيم ، فيكون في ذلك إقامة الحجة على من قال : إنه أولى بإبراهيم من محمد – عليه الصلاة والسلام - ، ولهذا قال الله عز وجل مصرحا بذلك في قوله تعالى : { إن أولى الناس بإبراهيم لذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا } ، والذين اتبعوه في زمن رسالته ، أما بعد بعثة الرسول – عليه الصلاة والسلام – فأولى الناس بإبراهيم محمد – صلى الله عليه وسلم - ].
الفائدة 29 :
كلام متين جميل للشيخ ، يرد فيه على من يدعو الرسول والأولياء.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ والعجب أن قوما من الناس ادعوا محبة الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، وكذبوه ضمنا في قوله : { لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } ، فصاروا يدعون الرسول – عليه الصلاة والسلام – بأن يجلب لهم الخير ، ويدفع عنهم الشر ، ويقولون : هذا من تعظيمه !! ، هذا من محبته !! ؛ وإذا نُهوا عن ذلك ، قالوا للناهي : أنت تبغض الرسول ! ، وأنت منتقص للرسول – عليه الصلاة والسلام – وما أشبه ذلك ! ، فأي الفريقين أحق بالصواب ؟ النافي ؛ أما المثبت فهو أعدى من يكون للرسول – عليه الصلاة والسلام - ، لأنه كذبه ، ووقع فيما نهى عنه حيث قال : لا تغلوا في ، ولكنه أبى إلا أن يغلو في الرسول – عليه الصلاة والسلام - .
فما وظيفة الرسل إذا انتفت عنهم هذه الصفات ؟
{فإنما عليك البلاغ} فقط ، { والله بصير بالعباد } ، { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد} ، فوظيفتهم البلاغ ، أن يبلغوا ما أنزل إليهم .
أما أن ينفعوا الناس أو يضروهم فلا.
لكن يأتي إنسان مشبّه للعامة يقول : الرسول نفعني ، فقد دلني على الخير ، وبيّن لي الخير ، وحذرني من الشر ، وبيّن لي طرق الشر فنفعني ، فما الجواب ؟
نقول : هذا للرسول ولغيره ، حتى العلماء يفعلون مثل ذلك ، لكن هل يماك الرسول أن يوفقك أن تهتدي ؟! لا يملك ، وهذا هو بيت القصيد أن الرسول لا يملك ، أما أن يبلغ الرسالة فهو يملك هذا كغيره ، حتى العلماء يملكون ذلك الشيء ، لكن يملك أن يوفقك ويهديك؟! كلا ، لكان استطاع أن يهدي عمه الذي دافع عنه ، واستمات في المدافعة عنه ، ما ملك أن ينفعه ، وهو يدعوه عند موته في أضيق ما يكون ، ويقول له : " قل لا إله إلا إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله " ، فعجز الرسول عن ذلك .
فكان آخر ما قال به أبو طالب : إنه على ملة عبد المطلب ] .
الفائدة 30 :
كل مسألة تتعلمها فهي إكرام من الله تعالى .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. الرسالة من أكبر النعم بعد الهداية للإسلام ، وحينئذ نقول : من ورث الأنبياء في علمهم ، ودعوتهم إلى الله ، واستقامة حاله ، فقد أكرمه الله تعالى ، بل كل مسألة يمن الله عليك بعلمها فهي إكرام من الله تعالى لك ، لأنك زدت على الجاهل مرتبة .
فيجب على طالب العلم أن يشعر بأن الله تعالى أكرمه بما منّ عليه من طلب العلم ، كما أكرم الرسل بالرسالة ].
الفائدة 31 :
معنى قوله تعالى : { أكملت لكم دينكم } .
قال – رحمه الله تعالى –
[ { أكملت لكم دينكم } ، أي : جعلته كاملا ، وليس المعنى أنني ختمته ، لأنه قد نزلت آيات بعد هذه الآية ].
الفائدة 32 :
من اعتقد حل الحكم بغير ما أنزل الله .
قال الشيخ – رحمه الله تعالى - :
[ .. من يعتقد حل الحكم بغير ما أنزل الله ، ويجعله قانونا مشروعا يرجعون إليه عند التنازع ، دون الرجوع إلى الكتاب والسنة ، ثم هو يصلي ويصوم ويزكي ، نقول : إنه كافر ، ولو صلى ، وصام ، و لو زعم أنه مسلم ، لأنه آمن بعض ، وكفر بعض ].
الفائدة 33 :
كفر من ادعى النبوة ، وكفر من صدقه .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ونؤمن بأنه لا نبي بعد محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مستندين إلى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } ، وبهذا نعرف أن مسيلمة كذاب ، والذين جاءوا بعد الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقولون : إنهم أنبياء كذابون أيضا ، وما أكثر ما يوجد في بعض البلدان الإسلامية من يخرج ويقول : إنه نبي يوحى إليه .
أنا أسمع أنه يوجد الآن في أفريقيا ، وفي آسيا أناس يدّعون هذا ! ، هؤلاء نقول : إنهم كفرة ، ومن صدقهم فهو كافر ].
لأخينا الفاضل
علي الفضلي - حفظه الله -
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين ، أما بعد :
فهذه فوائد جليلة ، اقتنصتها من " شرح عقيدة أهل السنة والجماعة " للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين ، جعل الله تعالى شآبيب الرحمة والرضوان عليه ، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، انتخبتها من هذا الشرح العظيم ، خلال تدريسها و توضيحها لبعض الإخوة ، بعد صلاة الفجر من كل يوم ، فأردت أن أتحف بها إخواني ، راجيا الله تعالى أن يكتب لي بها الأجر ، وأن يدخرها لي سبحانه وتعالى ، في يوم لا ينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
وقد كتبتها على هيأة فوائد متسلسلة ، أعنون لكل فائدة بما يدل عليها ، ويلخصها .
وإلى المقصود والله المستعان :
الفائدة 1 :
إذا دل الكتاب والسنة على شيء ، ولم يأت عن الصحابة ما يخالفه ، فيعني ذلك أنهم مجمعون عليه .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ الدليل على علو الله تعالى بذاته بالإجماع :
أن الصحابة – رضي الله عنهم – والتابعين كلهم مقرون بأن الله تعالى فوق كل شيء بذاته ، والدليل على إجماعهم من وجه خفي ، وينبغي لطالب العلم أن يعلمه لما فيه من الفائدة :
يقال مثلا : نصوص الكتاب والسنة دالة على العلو بالذات ، ولم يرد عن الصحابة الكرام قول واحد فسر هذه الأدلة بخلاف ظاهرها ، إذاً هم مجمعون على مدلولها ، ولهذا إذا دل الكتاب والسنة على شيء ، ولم يأت عن الصحابة ما يخالفه ، فيعني ذلك أنهم مجمعون عليه .
وهذا المسلك لإثبات الإجماع قد يخفى على كثير من الناس .].
الفائدة 2 :
مناظرة الشيخ لطائفة من الحلولية :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ اجتمعت في أناس من الذين يقولون – والعياذ بالله - : إن الله بذاته في كل مكان ، وكان ذلك يوم النحر بمنى ، فقلت لهم : أمس كنتم في عرفة ؟ قالوا : نعم .
فقلت : كيف كنتم تدعون الله ؟ تقولون : يا رب وأيديكم إلى الأرض ، أم إلى اليمين ، أم إلى اليسار ؟!!
فقالوا : إنما نرفع أيدينا إلى السماء ، لأن السماء قبلة الداعي !! ، - انظر الشيطان كم لبس- .
سبحان الله ، أنت عندما تستقبل القبلة ، وأنت تدعو تكون قبلتك القبلة ، وليست السماء ، ولكنك ترفع يديك للمدعو لا شك].
الفائدة 3 :
أقسام سمع الله – جل جلاله وتقدست أسماؤه-:
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله تعالى : { وهو السميع البصير } ، السميع من أسماء الله تعالى ، وقسّمه العلماء إلى قسمين :
1- سمع إجابة . 2- سمع إدراك .
سمع الإجابة : قال تعالى : { إن ربي لسميع الدعاء } ، فمعنى لسميع هنا أي : لمجيب ، لأن مجرد السمع ليس فيه ذاك الثناء ، وهذا توسل إلى الله عز وجل أن يجيب الله الدعوى ، والتوسل إلى الله عز وجل بمجرد إدراكه للصوت ليس وسيلة في الواقع ، ولكن التوسل إلى الله بكونه مجيبا للدعاء فيجيب دعاء هذا السائل ، ومنه أيضا قول المصلي : سمع الله لمن حمده ، يعني : استجاب الله لمن حمده .
2- أما سمع الإدراك فينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- تارة يكون للتأييد . 2- تارة يكون للتهديد .
3- تارة يكون لبيان شمول إدراكه عز وجل .
1- أما الإدراك الذي يكون للتأييد : كقوله تعالى لموسى وهارون : { لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } ، هذا ليس مجرد إخبار موسى وهارون أن الله يسمعهما ، ويراهما ، بل المراد التأييد والنصر وما أشبه ذلك .
2- الإدراك الذي يكون للتهديد : كقول الله عز وجل : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } . ، فهذا للتهديد ، بدليل قوله تعالى : { سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق } .
ومثل قوله تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم } ، هذا أيضا للتهديد ، لقوله : { بلى ورسلنا لديهم يكتبون } .
3- الإدراك الذي يراد به بيان شمول سمع الله لكل شيء كقوله تعالى : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى والله يسمع تحاوركما } . ، ولهذا قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها – " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد كنت في طرف الحجرة ، وإنه ليخفى علي بعض حديثها " ، هذا المراد به بيان شمول سمع الله تعالى لكل شيء ، فإنك إن تكلمت في بيتك فالله يسمع ، وإن تكلمت في ملأ ، فالله تعالى يسمع ، بل إن حدثت نفسك فالله يعلم ، فإن حركت بلسانك حتى صار قولا فالله يسمع وإن خفي ، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي : " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " ].
الفائدة 4 :
أقسام بصر الله عز وجل :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ { البصير } معناه ذو البصر ، ويطلق على : العليم ؛ ويطلق على : الرائي ، فهو بصير رؤية ، وبصير علم ، فهو سبحانه وتعالى يرى كل شيء ، وإن خفي ، وإن بعُد ، فإنه تعالى يراه ، لا يغيب عنه شيء .
كذلك البصير بمعنى عليم به ، مثل قوله تعالى : { والله بصير بما تعملون } ، وقوله تعالى : { والله بصير بالعباد } ، وما أشبه ذلك ، فالمعنى عليم بهم ، ولهذا جاءت معداة بالباء ، فيقال بصير بكذا ، ولو كان البصير هنا بمعنى الرؤية ، لقال يبصرهم ، فقوله تعالى : { أبصر به وأسمع } الظاهر أنه يشمل الأمرين جميعا ، وإن كان قد يقول قائل : إن " أسمع " لما ذكر السمع هنا أوّله على أنه بصر الرؤية ، فنقول : إن كونه شاملا أحسن ].
الفائدة 5:
لا بأس أن يحذف ذكر المشيئة إذا قصد الإخبار عما في نفسه في المستقبل لا عن الفعل .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ وقوله تعالى : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا }.... يستفاد من هذا الجزء من الآية أن الإنسان لا يعلم ماذا يكسب غدا ، وإن قدّر أنه سيفعل كذا فإنه لا يعلم هل سيحصل أو لا ، ولهذا قال الله تعالى لنبيه : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } .
فإذا قال قائل : إني سأزور فلانا غدا ، وهو لا يقصد الفعل ، وإنما يقصد الإخبار عمّا في نفسه ، فإنه لا بأس أن يحذف ذكر المشيئة ، فهذا جائز ، ولهذا جاءت الآية الكريمة : { إني فاعل ذلك غدا } ، أما لو جزم وقال : إني سأزور فلانا غدا يقصد الفعل ، فلا يقول ذلك إلا مقرونا بالمشيئة لقوله تعالى : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } .
الفائدة 6 :
يصح قول : خبرة الله ، والتي اشتُق منها اسم الخبير .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله : { إن الله عليم خبير } نستفيد من هذا الجزء من الآية علم الله عز وجل ، وخبرته ....] .
الفائدة 7 :
قصة عجيبة يذكرها الشيخ .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله تعالى : { وما تدري نفس بأي أرض تموت } .....وذكر لي أحد الثقات من أصحابنا أنهم كانوا في حج على الإبل ، قبل أن تأتي السيارات ، وخرجوا من مكة ومعهم رجل أمه مريضة ، فارتحل الناس في آخر الليل، وجلس هذا الرجل عند أمه يمرضها ، فلما أصبح ، وإذا القوم قد ساروا ، فذهب في أثرهم فتاه ! ، وكان ذلك في الجبال الحجازية ، وسار يمشي حتى ارتفع النهار ، فإذا خباء قوم صغير بدو ، فذهب إليه فسلم ، وسأل أين طريق نجد ، فقالوا : طريق نجد وراءك بكثير ، لكن انتظر وأنخ البعير ، واسترح ، وسندلك ، يقول : فلما أناخ بعيره ، وأنزل أمه من البعير ، فما أن وصلت إلى الأرض حتى فاضت روحها !! مع أن هذا المكان لا يدري عنه إطلاقا ! ، ولا يفكر أن يصل إليه ! ، لأنه من أهل عنيزة ، ولكن الله تعالى قد قضى أن تموت هذه الأم في ذلك المكان ، فتاهَ الرجل ليصل إلى المكان الذي علم الله تعالى أن المرأة ستموت فيه ، وأمثال هذا كثير] .
قصة أخرى يسوقها الشيخ :
[ ونؤمن بأنه : { ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ، ويعلم مستودعها ، كل في كتاب مبين } . ........ وحدثني رجل أنه كان عند بئر مطمورة – أي ليس بها ماء – فكان يرى حية تخرج كل يوم في الصباح ، وتنصب نفسها كأنها عود ، فيقع عليها طائر فتأكله ، وهذه الحية كانت عمياء لا تستطيع أن تسعى في الأرض تطلب الرزق ، فانظر كيف ساق الله الرزق إليها وهي في جحرها عمياء ولا تستطيع الخروج ، إذن ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ].
وقصة أخرى يسوقها الشيخ :
[ ... وجاء في الحديث : " كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة " .
وحدثني من أثق به أن رجلا كان يمنع زوجته أن تتصدق على أي مسكين يطرق الباب ! ، فطرق الباب مسكين ذات يوم ، وقال : إنه عارٍ ليس عليه ثياب ، تقيه من البرد ، فرقت الزوجة لحاله ، - كما رق أبو هريرة - ، وأعطته كساء وثلاث تمرات ، وكان زوجها نائما في المسجد ، فرأى أن القيامة قد قامت ، وأن الناس في موج عظيم ، وحر شديد ، وشمس محرقة ، وإذا بكساء يعلو رأسه ، وفيه ثلاثة خروق ، فرأى ثلاث تمرات جاءت وسدت هذه الخروق ، فتعجب وانتبه من نومه مذعورا ! ، وقص على زوجته هذه الرؤيا ، ففهمت الزوجة أن هذه الرؤيا سبب الكساء الذي تصدقت به والتمرات ، فقالت له : حدث كذا وكذا ، فقال لها : لا تردي مسكينا بعد اليوم ، فهذا الرجل نبهه الله عز وجل ، وهذا مصداق لحديث : " كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة " ] .
الفائدة 8 :
الفرق بين قول الأشاعرة والمعتزلة في صفة الكلام :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... وقالت الأشعرية الذين تذبذبوا بين أهل السنة والمعتزلة قالوا : إن كلام الله تعالى هو المعنى القائم في نفسه ، وما يُسمع فإنه مخلوق خلقه الله تعالى ليعبر عما في نفسه .
فما الفرق إذن بين المعتزلة والأشعرية ؟
الفرق : أن المعتزلة يقولون : لا ننسب الكلام إليه وصفا ، بل فعلا وخلقا .
والأشاعرة يقولون : ننسب الكلام إليه وصفا لا باعتبار أنه شيء مسموع ، وأنه بحروف ، بل باعتبار أنه شيء قائم بنفسه ، وما يسمع أو يكتب فهو مخلوق؛ فعلى هذا يتفق الأشاعرة والمعتزلة في أن ما يُسمع أو يكتب مخلوق ، فالأشاعرة يقولون : القرآن مخلوق ، والمعتزلة يقولون : القرآن مخلوق ، لكن المعتزلة يقولون : إنه كلامه حقيقة ، كما أن السموات خلقه حقيقة ، وقالت الأشاعرة : ليس هو كلام الله تعالى حقيقة ، بل هو عبارة عن كلام الله !! ، فصار الأشاعرة من هذا الوجه أبعد عن الحق من المعتزلة ، وكلتا الطائفتين ظالم ، لأن الكلام ليس شيئا يقوم بنفسه ، والكلام صفة المتكلم ، فإذا كان الكلام صفة المتكلم ، كان كلام الله صفة ، وصفات الله تعالى غير مخلوقة ، إذ إن الصفات تابعة للذات ، فكما أن ذات الرب عز وجل غير مخلوقة ، فكذلك صفاته غير مخلوقة ، وهذا دليل عقلي واضح ...].
الفائدة 9 :
الكلام عن المعية .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .... بل الذي لا يليق بالله تعالى أن نفهم من المعية الاختلاط ، والحلول في المكان ، كما قالت الجهمية ، ولهذا لما ظهر هذا القول المبتدع الضال ، صار السلف يقولون : هو معنا بعلمه ، ففسروا المعية بلازمها ، وهو العلم ، على أن لازم المعية ليس العلم فقط ، كما صرح بذلك ابن كثير في " التفسير " ، وصرح به ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " ، بل هو معنا بعلمه وسمعه وبصره وسلطانه وقدرته وربوبيته ، وغير ذلك من معاني الربوبية ، لكن فسرها من فسرها من السلف بالعلم ردا على الجهمية الذين قالوا : وهو معنا بذاته في مكاننا ، ولهذا في عبارة السلف – أظنه عبد الله بن المبارك – قال : " ولا نقول كما تقول الجهمية : إنه معنا ها هنا وأشار إلى الأرض " ، فيجب أن نعرف أن السلف قد يفسرون الشيء بالمعنى ، أي بلازمه حذرا من معنى باطل اتخذه الناس في ذلك الوقت ..].
الفائدة 10 :
كلام جميل ومتين في نزول الرب – سبحانه وتعالى - .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ (ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ) ... (ينزل) الفعل مضاف إلى الله تعالى ، فيكون ينزل هو بنفسه ، ولا حاجة إلى نقول : بذاته ، - كما ذكرت قبل قليل - ، لأن كل فعل أضافه الله إلى نفسه ، فهو منسوب إليه نفسه .
(السماء الدنيا ) (الدنيا) : يعني القربى من الناس ، وهي أسفل السموات ، ينزل جل وعلا نزولا يليق به سبحانه وتعالى ، ولا يمكن أن نتصور كيفيته ، ولو حاول الإنسان أن يتصور كيفيته لأنكره ، ولهذا فإن الذين حاولوا أن يتصوروا الكيفية أنكروها ، وقالوا : كيف نؤمن بأنه عال ثم ينزل إلى السماء الدنيا ، هذا مستحيل!! ، فنقول :
لا تحاول أن تتصور الكيفية ، لأنه نزول يليق به ولا ينافي كماله ، والصحابة – رضوان الله عليهم – لما حدثهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا ، ما قالوا : كيف ينزل يا رسول الله ؟ هل هم لا يعرفون ؟! إنهم يعرفون ، لكن عندهم من الأدب مع الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ما منعهم من أن يسألوا كيف ينزل ].
الفائدة 11 :
ضابط الصفات الخبرية .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله : ونؤمن بأن لله تعالى وجها موصوفا بالجلال والإكرام : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } .
وجه الله عز وجل صفة من صفاته ، والوجه صفة خبرية ، وليس صفة معنوية ، ولا فعلية .
والضابط في الصفات الخبرية المحضة ، قال شيخ الإسلام – رحمه الله – من صفات الله تعالى ما مسماه أبعاض لنا ، وأجزاء لنا .
الوجه مسماه بالنسبة لنا بعض ، واليد كذلك ، وهذه صفات خبرية محضة ، العقل لا يدركها ، ولولا أن الله أخبرنا عنها ما علمنا بها ].
الفائدة 12 :
توجيه التشبيه في قوله تعالى : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب }.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } ، التشبيه هنا تشبيه للطي بالطي ...].
الفائدة 13 :
هل يجوز لنا أن ندعو من على من ينكر رؤية الله بألا يرى الله؟!
قال الشيخ – رحمه الله تعالى - :
[ .. هل لنا أن نقول : اللهم من أنكر رؤيتك في الآخرة فاحرمه منها ؟!!
نعم ، نحن نقول ما قال هو على نفسه ، هو يقول : أنا أحرمهم منها ، ولم ندعُ عليهم عدوانا ، لأنهم لما أنكروا الرؤية ، سيقولون نحن محرومون منها ، سواء دعوتم ، أو لم تدعوا ، وأقول : إن من قال ة: اللهم اجعلهم ممن ينظرون إليك يوم القيامة لكان معتديا في الدعاء ، لأنهم يرون أن رؤية الله الله محال .
وهؤلاء لو دعوت لهم ، وقلت : اللهم اجعل هؤلاء ممن ينظرون إليك يوم القيامة ، فسيقولون : نعوذ بالله !!! ، ولقالوا : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية ، إنه لا يحب المعتدين } ، وإنه معتد في الدعاء ، لأنك سألت ما لا يجوز .
وإذا قلت : اللهم احرم من لا يؤمن برؤيتك في الآخرة ، احرمه من رؤيتك ، فيقولون : أحسنت ، بارك الله فيك ، هذا ما نريد !!!.
لكن في ظني أنه في قرارة نفسه ، لو قلنا أمامه : أسأل الله أن يحرمك من رؤيته يوم القيامة ، سيقشعر جلده ، وسينقبض قلبه ، وإن كان هو بلسانه لا يصدق ، فسوف يرى أن هذا الدعاء عظيم ، لأني أدعو به وأنا مؤمن بأن الله يُرى حقا ، وإنني إذا قلت : اللهم من أنكر رؤيتك في الآخرة فاحرمه منها ، فسوف يتأثر بلا شك ، حتى وإن صمم عنادا ] .
الفائدة 14 :
ثناء الشيخ على كتاب ( دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب ).
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. وقد ألف الشنقيطي – رحمه الله تعالى – صاحب " أضواء البيان " رسالة سماها " دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب " ذكر فيها ما بلغه علمه من الآيات التي ظاهرها التناقض ، وجمع بينهما ، فليرجع إليها فإنها مفيدة ] .
الفائدة 15 :
من كان علمه قليلا .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ومن توهم التناقض في كتاب الله ، أو في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو بينهما ، فذلك إما لقلة علمه ، يعني أن علمه قليل ، ما راجع ، ولا أدرك العلم ، ومن كان علمه قليلا فناد عليه بالجهل ! ] .
الفائدة 16 :
قصة حمار الفروع !.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. يذكر أن بعض الحفاظ كان يحفظ كتاب الفروع في الفقه لمحمد بن مفلح ، أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وكان – أي ابن مفلح - من أعلم الناس بآراء شيخ الإسلام في الفقه ، حتى كان تلميذ شيخ الإسلام ابن القيم يرجع إلى محمد بن مفلح صاحب الفروع فيما يتعلق بفقه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وكان أحد الطلبة قد حفظ الكتاب من ألفه إلى يائه حفظا تاما ، كما يحفظ الفاتحة ، ولكن لا يفهم شيئا إطلاقا ، فكان طلاب العلم يأتون إليه ، لأن الكتب في ذلك الوقت قليلة ، يقولون له : ماذا ذكر صاحب الفروع في الفصل الفلاني مثلا ، فيسرد عليهم الفصل والباب ، وكل شيء ، حتى كانوا يلقبونه مع الأسف بحمار الفروع !! لأن الحمار يحمل أسفارا ، ولا يفهم معناها ، وكان في الحقيقة لا ينبغي أن يوصف بهذا ، وكان ينبغي أن يوصف بحافظ الفروع ، لكن على كل حال ، أقول لكم : إن الناس بعضهم يكون قاصر الفهم ، يحفظ ولا يفهم ] .
الفائدة 17 :
مسألة التعمق في فهم صفات الله ، وصفة الشم .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... من ذلك ما يتعلق بصفات الله عز وجل ، فإن هذا معرك ضنك ، وباب ضيق ، وكثير من الطلبة اليوم يريدون أن يوسعوا هذا الباب ، وأنى لهم ذلك ، اللهم إلا بكسره ، والكسر معناه الهدم والدمار ، فبعضهم يتعمق في البحث عن صفات الله عز وجل ، ويثبت ما ليس بلازم ، مثلا : يقول لك : إن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ، فهل يلزم من ذلك أن الله يشم ؟! وهل يلزم إذا كان يشم أن يكون له أنف ؟ لأن الأنف أداة الشم ، وكما ثبت في الحديث أن لله أصابع ، فيقول : كم عدد أصابع الله عشرة أو عشرون أقل أو أكثر؟! وكل هذا من التنطع المحرم ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " هلك المتنطعون " ، قال ذلك تحذيرا من التنطع ، لأن الصحابة أصفى منا قلوبا ، وأغزر منا علوما ، وأقوى منا فهوما ، وأشد منا حرصا ، لم يسألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم – عن مثل هذا إطلاقا ، ولما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يمل حتى تملوا " ، ما قالوا : يا رسول الله : هل الله يمل ؟! وأي إنسان يقول : إنهم قالوا : هل الله يمل ، نقول له : هات الدليل ؛ بل سكتوا وعرفوا المراد ، وهكذا يجب علينا يا إخواننا في هذه المسألة الضيقة الضنك ألا نحاول التعمق في البحث عن صفات الله عز وجل ، ما جاءنا قبلناه وكفى بنا فخرا ، وما لم يجئ إلينا سكتنا عنه .
هذا هو الأدب مع الله ورسوله.
والله الموفق ].
الفائدة 18 :
هل يجوز أن نسمي ملك الموت بعزرائيل ؟
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ..ورد في بعض الإسرائيليات أن اسمه عزرائيل ، وليس كذلك ، ولهذا لا يحل لنا أن نسميه عزرائيل لعدم ثبوت ذلك عن الله تعالى ، أو رسوله عليه السلام ، بل نقول كما قال ربنا عز وجل : { ملك الموت } ].
الفائدة 19 :
كلمة رائقة مهمة للدعاة : ينبغي للداعية أن يدعو إلى الله لله لا لنفسه!
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. وهنا نقرر أنه يجب على الداعية أن يشهر نفسه بأنه يدعو إلى الله لا إلى فرض السيطرة أو إتمام الكلمة أو إبراد الغيرة ، لأن هذا خطأ ، أي وسيلة يحصل بها المقصود ، ولو فيها غضاضة عليك فاعملها ، حتى لو شاهدت الرجل يفعل المنكر أمامك ، لكن ترجو أن يصلح فاصبر ، لأن المقصود ليس أن تطفئ حرارة الغيرة ، أو أن تنتقم لنفسك ، بل المقصود إصلاح هذا الرجل ودعوته إلى دين الله عز وجل .
لا تكن ممن يدعو لنفسه ، بل كن ممن يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ حتى لو أفضى الحال أن تضحك في وجه هذا الفاسق من أجل إدخال السرور عليه واستعداده لقبول ما تقول ، فافعل فإنه لا يضر ؛
لقد تنازل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حق كبير كبير رجاء الإصلاح ، وذلك في غزوة الحديبية ، حصل من جملة الشروط الثقيلة أن يرد هذا الذي جاء معتمرا إلى بيت الله عز وجل ، بينما لو جاء أعرابي من أخبث الناس شركا ليدخل يعتمر ، فلا يُرد .
هذه غضاضة عظيمة ، والتزم عليه الصلاة والسلام بأن لا يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، أملى على الكاتب اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : ما نعرف الرحمن ، اكتب باسمك اللهم ، مع أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الرحمن ؛ ولما قال : هذا ما قضى عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، قال : لا تكتب : رسول الله ! ، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، ولا صددناك ، قال : اكتب : محمد بن عبد الله ، فكتب ؛ ولكنه قال : " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني " ، حتى لا يفهم فاهم زوال وصف الرسالة له ، فتنازل الرسول – صلى الله عليه وسلم - عن :
1- الصد .
2- منع كتابة الرحمن .
3- منع كتابة رسول الله .
4- من جاء منهم مسلما وجب أن يرده إليهم ، ومن ذهب منا إليهم لا يرد !.
هذا من أثقل ما يكون ، ومع ذلك قبل الرسول – عليه الصلاة والسلام - ، لأنهم أبوا أن يجروا الصلح إلا على هذا ، فما قدموا تنازلا وكانوا معاندين ، وقد أقسم عليه الصلاة والسلام – حين بركت الناقة ألا يسألوا خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجابهم ، ومن ثم فعل عمر ما فعل نحو هذا الشرط ، على كل حال المقصود هو أن الإنسان ينبغي له أن يدعو إلى الله لله لا لنفسه ].
فائدة 20 :
أقسام العلماء .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ العلماء فيما نرى ثلاثة أقسام :
1- عالم دولة : وهو الذي ينظر ما تشتهيه الدولة ، فيلوي أعناق النصوص إلى ما تريد .
2- والثاني : عالم أمة : وهو الذي ينظر إلى ما يصلح للناس ويروق لهم ، فيحرف النصوص من أجل أن يوافق أهواء الناس ، وهذا كثير .
3- الثالث : عالم ملة : وهو الذي يقول بالملة ، وينتصر لها ، وهذا الأخير هو العالم الرباني ].
الفائدة 21 :
موضع يحسن الوقوف عليه .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ قوله تعالى : { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب } هنا يحسن الوقف ، ثم تبتدئ فتقول : { وما هو من الكتاب } لأن قوله : { وما هو من الكتاب } رد لقوله : { لتحسبوه من الكتاب } .
وقوله تعالى : { ويقولون هو من عند الله } قف أيضا { وما هو من عند الله } ابتدئ].
الفائدة 22 :
معنى { يلوون ألسنتهم } .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ واللي نوعان :
1- لي معنوي ، وهو التحريف المعنوي .
2- ليٌّ لفظي ، وهو التحريف اللفظي .
وجعل بعض العلماء من اللي اللفظي : أن تتلو النصوص غير القرآنية بتلاوة النصوص القرآنية ، يعني مثلا ، تقرأ الحديث وكأنما تقرأ القرآن ، لأنك إذا قرأت الحديث بنغمة قراءة القرآن أوهم السامع بأنه قرآن ، فيدخل ضمن قوله { يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب }.
الفائدة 23 :
معنى ( ما كان ) ، و ( ما ينبغي ) في الكتاب والسنة .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... وإذا جاء في القرآن { ما كان } فهو نفي : إما لانتفائه شرعا ، وإما لانتفائه كونا ، وإما لانتفائه شرعا وكونا ، المهم أم " ما كان " و " ما ينبغي " و ما أشبه ذلك من التعبيرات في القرآن ، تدل على أن الشيء ممتنع غاية الامتناع ].
الفائدة 24 :
لطيفة تؤخذ من قوله تعالى: { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } ، وبه الرد على غلاة المتصوفة .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... فالرسل – عليهم الصلاة والسلام – ينهون عن الشرك ، ويأمرون بالتوحيد وتحقيق التوحيد وإكمال التوحيد ، وهم أبعد الناس عن أن يقولوا: كونوا عبادا لنا من دون الله ، ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة : أن من ورث الأنبياء لا يمكن أن يقول للناس : كونوا عبادا لي من دون الله تعالى ، والعلماء ورثة هم الأنبياء ، فلا يمكن لعالم أن يلزم الناس بقوله ، لأنه لو ألزم الناس بقوله ، فكأنما قال : كونوا عبادا لي من دون الله تعالى ، وبهذا نعرف الرد على أولئك المشايخ كبيري العمائم ، الذين يغرون شعوبهم ، ويستخدمونهم تماما ، حتى بلغني أن من المشايخ من يقول : أنا شيخ معصوم ، أنا يحل لي أن أتزوج ألف امرأة !! ، وفعلا يزوجونه!!!.
بعض المشايخ – من جهة ما يقولون لي – إن عنده خمسين امرأة تزوجا لا تسريا !! ، لأنه معصوم ، أو لأنه قد وصل إلى الغاية ! ، ولهذا يقولون : إن عبادة الأنبياء وسيلة ، فإنهم لم يصلوا إلى الغاية ، فعبادتهم عبادة العوام ؛ أما الخواص فعبادتهم خاصة ما يحتاج إلى أمر ونهي ! ، لأنهم وصلوا إلى الغاية ، أرأيت لو سافرت إلى مكة ، فالعصا معك ، والجمل معك ، فإذا وصلت إلى مكة وضعت العصا ، وسيبت الجمل ،
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
فيقولون : العبادات وسائل إلى وصول الغاية والحقيقة ، فإذا وصل الإنسان إلى الحقيقة والغاية فلا أمر ولا نهي ، يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد ، فهذا هو الكفر بعينه ].
فائدة 25 :
مسألة العذر بالجهل .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ..{ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وكان الله عزيزا حكيما } .
هذه الآية فيها رد على الجبرية الذين يقولون : إن الإنسان مجبر على عمله ، لأنه لو كان الإنسان مجبرا على عمله لكان لهم حجة ، سواء بعث إليه الرسل أم لم يبعثوا ، لكن بعث الرسل يقطع الحجة ، وفيه أيضا رد على من قالوا : : إنه لا عذر بالجهل ، لأن الله تعالى قال : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } مفهومه : لولا الرسل لكان للناس على الله تعالى حجة ، لأنهم كانوا جاهلين ، فالصواب الذي لا شك فيه ، والذي تدل عليه الأدلة أن الإنسان معذور بالجهل فيما يفعله ، ثم إن كان ينتسب إلى الإسلام فهو مسلم ، وإن فعل ما يكفر إذا لم تقم عليه الحجة ، وإن كان لا ينتسب إلى الإسلام فهو كافر ، لكنه إذا كانت الحجة لم تبلغه ، فإن القول الراجح أنه يمتحن يوم القيامة بما شاء الله عز وجل ، ثم إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ].
الفائدة 26 :
الرد على من قال : إن إدريس قبل نوح عليهما الصلاة والسلام .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... قوله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }.
فذكر الله تعالى أنه أرسل نوحا وإبراهيم ، وأن النبوة والكتاب كانت في ذريتهما ، وهذا يدل على أنه لا رسول قبل نوح ، وبهذا نعرف أن من قال من المؤرخين : إن إدريس كان جد نوح ، فهذا قول باطل ، لأنه يستلزم أن يكون هناك رسول قبل نوح ، وهو مخالف للقرآن ؛ وأما السنة فدليلها أن نوحا أول الرسل أنه في حديث الشفاعة المتفق عليه أنهم يأتون إلى نوح ،ويذكرونه بنعمة الله ، ومنها أنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ، وهذا صريح بأن أول الرسل نوح ..].
الفائدة 27 :
عبارة : " الدين صالح لكل زمان ومكان " .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ .. ولأنه خاتم النبيين كانت شريعته صالحة لكل زمان ومكان ، وليس معناها : أنها تتغير بتغير الزمان ، بل معناها : أن من تمسك بها صلح له الزمان في كل وقت ، ولهذا قد يتوهم بعض الناس أن معنى صالح لكل زمان ومكان أنها تكيف بتكيف الناس! ، وأن الناس إذا كان عندهم عمل كثير يلهيهم عن الصلاة ، قلنا لهم : إما ألا تصلوا الظهر والعصر ، لأنه وقت عمل ! ، وإما أن تجمعوهما إلى المغرب والعشاء ، كما يوجد بعض العمال الآن ، فقد بلغني أن بعض العمال يجمع الصلوات الخمس كلها عند النوم !! ، لو قلنا : إن الدين يتكيف لكان هذا صحيحا ، ولكن غلط .
معنى قول من قال : إنه صالح لكل زمان : أنه لا ينافي الإصلاح ولا الصلاح في أي زمان كان ، تمسك بالدين يصلح لك أمر الدين والدنيا ].
الفائدة 28 :
أفضل الأنبياء هو محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن كيف الرد على من استدل بقوله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ؟!
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. وفي يوم القيامة يأتي الناس أكابر الأنبياء لطلب الشفاعة ، حتى تنتهي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يدل على أنه – عليه الصلاة والسلام – أفضل الرسل ..... ثم إبراهيم ، فإن قال قائل : كيف تقول ذلك ؟! أو كيف يكون ذلك ، وقد قال الله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ، ومن المعلوم أن التابع أقل درجة من المتبوع ؟
فيقال : هنا لا تفاضل ، لأن الملتين واحدة ، وهي التوحيد ، لكن ذكر إبراهيم لأن اليهود يقولون : نحن أولى بإبراهيم ! ، والنصارى يقولون : نحن أولى بإبراهيم ! ، فقال الله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ، وعلى هذا فما خالف هدي الرسول ، فقد خالف هدي إبراهيم ، فيكون في ذلك إقامة الحجة على من قال : إنه أولى بإبراهيم من محمد – عليه الصلاة والسلام - ، ولهذا قال الله عز وجل مصرحا بذلك في قوله تعالى : { إن أولى الناس بإبراهيم لذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا } ، والذين اتبعوه في زمن رسالته ، أما بعد بعثة الرسول – عليه الصلاة والسلام – فأولى الناس بإبراهيم محمد – صلى الله عليه وسلم - ].
الفائدة 29 :
كلام متين جميل للشيخ ، يرد فيه على من يدعو الرسول والأولياء.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ والعجب أن قوما من الناس ادعوا محبة الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، وكذبوه ضمنا في قوله : { لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } ، فصاروا يدعون الرسول – عليه الصلاة والسلام – بأن يجلب لهم الخير ، ويدفع عنهم الشر ، ويقولون : هذا من تعظيمه !! ، هذا من محبته !! ؛ وإذا نُهوا عن ذلك ، قالوا للناهي : أنت تبغض الرسول ! ، وأنت منتقص للرسول – عليه الصلاة والسلام – وما أشبه ذلك ! ، فأي الفريقين أحق بالصواب ؟ النافي ؛ أما المثبت فهو أعدى من يكون للرسول – عليه الصلاة والسلام - ، لأنه كذبه ، ووقع فيما نهى عنه حيث قال : لا تغلوا في ، ولكنه أبى إلا أن يغلو في الرسول – عليه الصلاة والسلام - .
فما وظيفة الرسل إذا انتفت عنهم هذه الصفات ؟
{فإنما عليك البلاغ} فقط ، { والله بصير بالعباد } ، { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد} ، فوظيفتهم البلاغ ، أن يبلغوا ما أنزل إليهم .
أما أن ينفعوا الناس أو يضروهم فلا.
لكن يأتي إنسان مشبّه للعامة يقول : الرسول نفعني ، فقد دلني على الخير ، وبيّن لي الخير ، وحذرني من الشر ، وبيّن لي طرق الشر فنفعني ، فما الجواب ؟
نقول : هذا للرسول ولغيره ، حتى العلماء يفعلون مثل ذلك ، لكن هل يماك الرسول أن يوفقك أن تهتدي ؟! لا يملك ، وهذا هو بيت القصيد أن الرسول لا يملك ، أما أن يبلغ الرسالة فهو يملك هذا كغيره ، حتى العلماء يملكون ذلك الشيء ، لكن يملك أن يوفقك ويهديك؟! كلا ، لكان استطاع أن يهدي عمه الذي دافع عنه ، واستمات في المدافعة عنه ، ما ملك أن ينفعه ، وهو يدعوه عند موته في أضيق ما يكون ، ويقول له : " قل لا إله إلا إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله " ، فعجز الرسول عن ذلك .
فكان آخر ما قال به أبو طالب : إنه على ملة عبد المطلب ] .
الفائدة 30 :
كل مسألة تتعلمها فهي إكرام من الله تعالى .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. الرسالة من أكبر النعم بعد الهداية للإسلام ، وحينئذ نقول : من ورث الأنبياء في علمهم ، ودعوتهم إلى الله ، واستقامة حاله ، فقد أكرمه الله تعالى ، بل كل مسألة يمن الله عليك بعلمها فهي إكرام من الله تعالى لك ، لأنك زدت على الجاهل مرتبة .
فيجب على طالب العلم أن يشعر بأن الله تعالى أكرمه بما منّ عليه من طلب العلم ، كما أكرم الرسل بالرسالة ].
الفائدة 31 :
معنى قوله تعالى : { أكملت لكم دينكم } .
قال – رحمه الله تعالى –
[ { أكملت لكم دينكم } ، أي : جعلته كاملا ، وليس المعنى أنني ختمته ، لأنه قد نزلت آيات بعد هذه الآية ].
الفائدة 32 :
من اعتقد حل الحكم بغير ما أنزل الله .
قال الشيخ – رحمه الله تعالى - :
[ .. من يعتقد حل الحكم بغير ما أنزل الله ، ويجعله قانونا مشروعا يرجعون إليه عند التنازع ، دون الرجوع إلى الكتاب والسنة ، ثم هو يصلي ويصوم ويزكي ، نقول : إنه كافر ، ولو صلى ، وصام ، و لو زعم أنه مسلم ، لأنه آمن بعض ، وكفر بعض ].
الفائدة 33 :
كفر من ادعى النبوة ، وكفر من صدقه .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ونؤمن بأنه لا نبي بعد محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مستندين إلى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } ، وبهذا نعرف أن مسيلمة كذاب ، والذين جاءوا بعد الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقولون : إنهم أنبياء كذابون أيضا ، وما أكثر ما يوجد في بعض البلدان الإسلامية من يخرج ويقول : إنه نبي يوحى إليه .
أنا أسمع أنه يوجد الآن في أفريقيا ، وفي آسيا أناس يدّعون هذا ! ، هؤلاء نقول : إنهم كفرة ، ومن صدقهم فهو كافر ].
تعليق