الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه
أما بعد
- فقد مر بي أثر عن ابن عمر رضي الله عنهما وأشكل علي معناه . عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد
قال ( خدرت رِجْلُ ابن عمر، فقال له رجل أذكر أحب الناس إليك فقال محمد ) رواه البخاري في الأدب المفرد
قال ( خدرت رِجْلُ ابن عمر، فقال له رجل أذكر أحب الناس إليك فقال محمد ) رواه البخاري في الأدب المفرد
ثم شاء الله عز وجل أن أجد لهذا الإشكال جوابا شافيا في كتاب هذه مفاهمينا لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله فقال
قال [ حسين المالكي صاحب كتاب مفاهيم ينبغي أن تصحح وكتاب الشيخ صالح آل الشيخ رد عليه ] (ص68 ) معنونا: (التوسل به في المرض والشدائد).
عن الهيثم بن حنش قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله، فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك. فقال: يا محمد! فكأنما نشط من عقال.
عن الهيثم بن حنش قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله، فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك. فقال: يا محمد! فكأنما نشط من عقال.
وعن مجاهد قال: خدرت رِجْلُ رَجُلٍ عند ابن عباس رضي الله عنهما فقال له ابن عباس: اذكر أحب الناس إليك. فقال: محمد - صلى الله عليه وسلم - فذهب خدره،ثم قال: فهذا توسل في صورة النداء) اهـ.
أقول: الكلام هنا في أمرين:
الأول الرواية: فالخبر الأول أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم170)، قال: حدثنا محمد بن خالد بن محمد البرذعي قال: ثنا حاجب بن سليمان قال: ثنا محمد بن مصعب، قال: ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الهيثم بن حنش به. وهذا إسنادٌ ضعيف جداً، فيه علل كثيرة:
منها: أن محمد بن مصعب القرقساني ضعيف عندهم، قال ابن معين: لم يكن من أصحاب الحديث، كان مغفلا. وقال النسائي: ضعيف ومثله عن أبي حاتم الرازي.
وقال ابن حبان: (يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به). وقال الإسماعيلي: محمد بن مصعب من الضعفاء. وقال الخطيب: كان كثير الغلط؛ لتحديثه من حفظه.
قال أحمد: ليس به بأس، ونحوه عن ابن عدي. ووثقه ابن قانع، وابن قانع من المتساهلين. فمن هذا يتضح ضعفه كما ذهب إليه أئمة أهل العلم.
وأما قول أحمد: ليس به بأس، يعني في نفسه،فهو صدوق في نفسه، ولكنه ضعيف الحديث.
ومنها: أن الهيثم بن حنش مجهول العين، قال الخطيب في "الكفاية في علوم الرواية"(ص88 ) :
(المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن
لم يعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد، مثل عمرو ذي مر، وجبار الطائي، وعبد الله بن أغر الهمداني، والهيثم بن حنش... هؤلاء كلهم لم يرو عنهم غير أبي اسحاق السبيعي) اهـ.
(المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن
لم يعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد، مثل عمرو ذي مر، وجبار الطائي، وعبد الله بن أغر الهمداني، والهيثم بن حنش... هؤلاء كلهم لم يرو عنهم غير أبي اسحاق السبيعي) اهـ.
ومنها: أن أبا إسحاق السبيعي مدلس، وقد عنعنه عن هذا المجهول.
ومنها: أن أبا إسحاق قد اختلط، ومما يدل على تخليطه في هذا الحديث أنه رواه تارة عن أبي شعبة (أو أبي سعيد)، وتارة عن عبد الرحمن بن سعد. وهذا اضطراب يرد به الحديث.
وأمثل ما روي في هذا الباب وأصحه على تدليس أبي إسحاق فيه، ما رواه البخاري في "الأدب المفرد" (964) قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: (خدرت رِجْلُ ابن عمر، فقال له رجل: أذكر أحب الناس إليك فقال محمد).
وهذه الرواية أصح ما روي، وأفادت فوائد:
الأولى: قول ابن عمر: محمد، بدون حرف النداء، والشائع عند العرب - كما سيأتي- استعمال
"يا النداء" في تذكر الحبيب؛ ليكون أكثر استحضاراً في ذهن الخادرة رجله، فتنطلق.
وابن عمر عدل عن الاستعمال الشائع إلى غيره؛ لما في الشائع من ا لمحذور.
"يا النداء" في تذكر الحبيب؛ ليكون أكثر استحضاراً في ذهن الخادرة رجله، فتنطلق.
وابن عمر عدل عن الاستعمال الشائع إلى غيره؛ لما في الشائع من ا لمحذور.
الثانية: أن تذكره للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه أحب الناس إليه هو الحق؛ لأنه لا يؤمن أحد حتى يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين؛ بل ومن نفسه التي بين جنبيه.وهذا ما نعقد عليه قلوبنا، بهداية ربنا.
الثالثة: أن سفيان من الحفاظ الأثبات، فنقله خبر أبي إسحاق بهذا اللفظ يدل على أنه هو المحفوظ، وسواه غلط مردود.
وأما الخبر الثاني: فأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (169)، وفي إسناده: غياث بن إبراهيم كذبوه. قال ابن معين: كذاب خبيث. ولفظه في تذكره (محمداً) مجردٌ من حرف النداء، فلا حجة فيه، والكلام فيه على نحو ما مر في قول ابن عمر.
الأمر الثاني: في الدراية: يقال لهذا المستدل: غاية ما ذكرته أن فيه ذكرا للمحبوب، لا طلب حاجة
منه أو به أن يزال ما به، ولا أن يكون واسطة لإزالة خدر الرجل، وليس فيه توسلٌ، وإلا لكان لازماً أن من ذكر محبوبه فقد استغاث به وتوسل به في إزالة شدته، وهذا من أبطل الباطل، وأمحل المحال.
منه أو به أن يزال ما به، ولا أن يكون واسطة لإزالة خدر الرجل، وليس فيه توسلٌ، وإلا لكان لازماً أن من ذكر محبوبه فقد استغاث به وتوسل به في إزالة شدته، وهذا من أبطل الباطل، وأمحل المحال.
فما قوله إذا ذكر الكافرُ حبيبه فزال خدَرُ رجله وانتشرت بعد قيد وخدور؟ أفيكون توسل به؟! ويكون من يزيل الأمراض والأخدار - سبحانه وتعالى - قد قبل هذه الوسيلة؟!
وهذا الدواء- التجريبي- للخدر كان معروفاً عند الجاهليين قبل الإسلام جُرَّب فنفع، وليس فيه
إلا ذكر المحبوب، وقيل في تفسير ذلك: إن ذكره لمحبوبه يجعل الحرارة الغريزية تتحرك في بدنه، فيجري الدم
في عروقه، فتتحرك أعصاب الرجل، فيذهب الخدر.
إلا ذكر المحبوب، وقيل في تفسير ذلك: إن ذكره لمحبوبه يجعل الحرارة الغريزية تتحرك في بدنه، فيجري الدم
في عروقه، فتتحرك أعصاب الرجل، فيذهب الخدر.
وجاءت الأشعار بهذا كثيرا في الجاهلية والإسلام:
فمنها: قول الشاعر:
فمنها: قول الشاعر:
صبُّ محبُّ إذا ما رِجْلُه خَدَرت نادى (كُبَيْشَةَ) حتى يذهب الخَدَر
وقولُ الآخر:
على أنَّ رجلي لا يَزَالُ امْذِ لُها مقيماً بها حتى أُجيْلَكِ في فكري
وقال كُثَيَّر:
إذا مَذَلَتْ رجلي ذكرتُكِ اشتفي بدعواك من مَذْلٍ بها فيهون
وقال جميلُ بثينةَ:
وأنتِ لعَيْنِيْ قُرَّةٌ حين نَلْتَقِيْ وذِكْرُكِ يَشفِيْني إذا خَدَرتْ رجلي
وقالت امرأة:
إذا خدرت رجلي دعوتُ ابنَ مُصْعبٍ فإنْ قلتُ: عبدَ اللهِ أجْلَى فتورَها
وقال الموصلي:
واللهِ ما خَدَرَتْ رجلي وما عَثَرَتْ إلا ذكرتُكِ حتى يَذْهبَ الخدَرُ
وقال الوليد بن يزيد:
أثيبي هائماً كَلِفاً مُعَنَّى إذا خَدَرتْ له رجْلٌ دَعاكِ
وغير ذلك من الأشعار، أفيقال: إن هؤلاء توسلوا بمن يحبونه،من نساءٍ وغلمان، وأجيب سؤلهم، وقبلت وسيلتهم؟!!
تعليق