إجماع العلماء بأن الله على عرشه فوق السماء
مبحث خاص بتقرير العلماء للإجماع عن طريق ألفاظهم الصريحة
في أكثر من ثلاثين نصا خاصا بالإجماع
ومعزز بملخص لمستند الإجماع المتمثل في أصرح الأدلة
إعداد : محمد بن خليفة الرَّبَاح
إنّ الحمد لله ، نحمَدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعُوذ بالله مِن شُرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ، مَن يَهده الله فلا مُضِل له ومَن يُضلل فلا هادي له وأشْهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ مُحمّدا عبده ورسوله أما بعد :
فإنّ مما اتفق عليه كافّة العقلاء ولا يشِذّ عنه إلا جاحد ، أنّ العُلُو والرِّفعة والفوقية بأنواعها ( معنوية وذاتية ) هي من صفات الكمال لا النقص بل وعلى هذا فَطَر الله عباده
لا يمكن أن يُوجَد عاقل ينشأ على فِطرته ويقول بخلاف هذا
ولم يكن يَتصوّر أحد أنه سيظهر مِن بيننا مَن ينكر هذا الكمال ويصف علو الذات بالنقص
وهذا الكمال في هذه الصفة الذي يقره العقل ولا يرفضه قد جاء تقريره في كثير من نصوص الشرع منسوبا لرب العالمين حتى أن بعض فضلاء أهل العلم قد نص على أنها أكثر من ألف نص .
ولا شك أنها كثيرة جدا ومتوافرة
فهذا الاعتقاد الذي نصت عليه النصوص الكثيرة المتواترة من أن الله
الخالق كائن فوق سماواته وعلى عرشه دون أن ينازعه في ذلك أحد هو
من أبرز صفاته الدالة على ألوهيته وربوبيته .
فعلوه بذاته صورة من صُوَر السيادة ، والعزة ، والجلال ، والمجد ، والملك ، والعظمة ، والقهر لمن سواه ، والجبروت ، والكبرياء ، والقوة والقدرة ، والهيمنة ، والمفارقة لكافة المخلوقات ، وهذا من أدل ما يستدل به على الربوبية والألوهية
إنّ علوه بذاته هو من أظهر وأوضح صور الكمال والجلال
إنّ عقْلا يرفض كل هذا الجانب من الكمال لهو عاطل لا يلتفت إليه
وبفضل الله فإضافة إلى توافر الأدلة الشرعية النصية على ذلك العلو فكذلك أقوال علماء الإسلام من أهل السنة لا تكاد تحصى ، حتى أن أقوالهم التي نقلت الإجماع وحدها قد بلغت العشرات ناهيك عن غيرها التي تقرر أقوال جماعات منهم وأفراد
والحمد لله فكما أن النصوص واضحة صريحة فكذلك أقوال العلماء ومن فضل الله على أهل الصدق أهلِ السنة والجماعة أتباع السلف الصالح أنهم سلكوا في تقرير هذه العقيدة مَسْلك الوضوح والبساطة بعيدا عن التعقيد والغمغمة والغموض والتكلف والتنطع الذي هو ديدن غيرهم من المتلاعبين ممن يبغونها عوجا كما هو حال طوائف أهل البدع
فإذا قرأ أحدنا قوله تعالى : ( ءاأمنتم من في السماء أن يخسف
بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ) قال مُسَلّما مؤمنا : الله الخالق كائن في السماء كما أخبر عن نفسه
وإذا قرأ قوله : ( بل رفعه الله إليه ) وقوله ( ورافعك إلي )
قال مقرا مُسَلّما : رفع الله عيسى من الأرض إليه حيث هو فوق
وإذا قرأ قوله : ( يخافون ربهم من فوقهم )
قال : يخافون ربهم كونه موجودا فوقهم
وإذا قرأ قوله : ( الرحمن على العرش استوى )
قال : هو كائن فوق عرشه عال عليه
وإذا قرأ قوله صلى الله عليه وسلم عن عروج روح المؤمن الطيبة إلى آخر سماء عندما قال : ( حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله )
قال هذا السني المتبع للسلف : نعم هو موجود فوق آخر سماء
أو قرأ قوله صلى الله عليه وسلم للجارية : ( أين الله )
قال محترما نبيه :
نعم يجوز السؤال عن الله أين هو موجود ، لا كحال من يسيء الأدب مع نبيه ويقول لا يجوز هذا السؤال ويتكلف ليبرر سوء أدبه مع أكرم الخلق وليسوغ تكذيبه للنبي الكريم
وإذا قرأ بقية الحديث وإقراره صلى الله عليه وسلم لجواب الجارية بأن
الله ( في السماء )
قال : نعم هذا هو جواب ذلك السؤال بأنه موجود فوق السماء
أو قرأ قوله صلى الله عليه وسلم : ( ربنا الله الذي في السماء ، تقدس اسمك )
قال نعم ربنا كائن فوق السماء
أو قرأ قوله صلى الله عليه وسلم عن التي تأبى زوجها : ( إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها )
قال : نعم ، الله الذي يُلتمس رضاه ويُخاف من سخطه هو فوق السماء
أو قرأ قوله : ( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء )
قال : نعم هو أمين ربه الذي فوق السماء
وبمثل هذه الأجوبة السهلة الواضحة المستقاة من النصوص بألفاظ موجزة والتي ملؤها التصديق والتسليم كان السلف يجيبون
فعن أبي زرعة الرازي الإمام الحافظ شيخ مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحد أشهر أئمة السلف وأرفعهم :
لما سئل عن تفسير قوله : (الرحمن على العرش استوى ) قال :
تفسيره كما يُقرأ ، هو على العرش وعلمه في كل مكان ; ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله .
رواه الحافظ الهروي في ذم الكلام بإسناد ثابت ،فيه جد الحافظ القراب قد روى عنه جمع من الحفاظ وكان معروفا وباقي رجاله أئمة حفاظ
وعن يزيد بن هارون الإمام الجليل شيخ الإمام أحمد قال :
" من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يَقرّ في قلوب العامة فهو جهمي "
ذكره البخاري في خلق أفعال العباد وأسنده ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية وعبد الله بن أحمد في السنة وابن بطة في الإبانة من طريقين وإسناده صحيح
وقال بنان بن أحمد :
كنا عند القعنبي رحمه الله فسمع رجلا من الجهمية يقول الرحمن على العرش استوى فقال القعنبي :
من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما يقر في قلوب العامة فهو جهمي " ا.هـ
نقله الذهبي في العلو
فبالله عليكم هل بعد هذا الوضوح من وضوح ؟ وهل بعد هذا البيان
من بيان ؟ وهل من بساطة ويسر بعد هذا ؟
هاهم أئمة السلف يصرحون ويبينون أن المعنى الظاهر المتبادر إلى فهم كل قارئ لهذه النصوص هو الذي يجب إثباته والإيمان به ، وما سواه فهو تحريف .
وكل هذه الأجوبة الإيمانية عن معاني كلٍّ مِن هذه النصوص هي أجوبة قائمة على التصديق والتسليم بما جاء به الوحي ، ودافعها الصدق في طلب مراد الله ومراد رسوله ، ويزينها أدب التعامل مع أخبار الله ويميزها السلامة من آفات التكلف والتنطع والمراوغة والسفسطة الزائفة
وهذا هو دأب السلف مع كل نصوص الصفات يمرونها كما جاءت ، إذ هي جاءت ألفاظا ذات معاني ، و لم تأت ألفاظا صماء كما يزعم أهل البدع
1
تعليق