إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

بحوث مميزة في العقيدة "متجدد"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بحوث مميزة في العقيدة "متجدد"

    بحوث مميزة في العقيدة "متجدد"

    إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُهُ ونَستَعينُه ونستَغْفِرُه، ونَعوذُ بِالله مِن شُرورِ أنفُسِنا، وسَيِّئاتِ أعْمَالِنا، من يهدهِ الله فَلا مُضِلَّ لَه، ومَن يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَه.
    وأَشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه-.
    وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُه.
    أمَّـا بعـدُ:
    فهذه سلسلة
    "بحوث مميزة في العقيدة"

    شرعت فيها بعد استخارة الله عز و جل مع سلاسلي الأخرى "ردود مميزة" "بحوث مميزة في الحديث" "بحوث مميزة في الفقه و أصوله" "بحوث مميزة"
    حاولت أن أضم فيها أهم البحوث و المواضيع من مختلف المنتديات لتسهيل مراجعتها و تقريبها لطلبة العلم و الله من وراء القصد.
    فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم وأنا في الثلث الأخير من الليل أن يغفر لي و لزوجتي و لكل المسلمين ما تقدم وما تأخر من ذنوبنا وأن يجعل هذا العمل عملا متقبلا مبرورا تنشرح له الصدور وتحبه القلوب ولا تمل من قراءته العيون والعقول.

    أبو جهاد سمير الجزائري

    انتشار المذهب الأشعري

    أخذ أبو الحسن الأشعري (324 هـ) علم الكلام من زوج أمه أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة. وبعد أن تبحر في كلام الاعتزال وبلغ فيه الغاية، كثر شكه فيه، ثم إنه تاب عنه ورجع عن الاعتزال إلى مذهب هجين بين عقيدة السلف وبين عقيدة الفلاسفة، وبقي معتمداً على علم الكلام. ثم رجع عن ذلك كله إلى مذهب السلف.
    قال ابن كثير : ذكروا للشيخ أبي الحسن الشعري ثلاثة أحوال:
    أولها : حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة.
    الحال الثاني : إثبات الصفات العقلية السبعة، وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام وتأويل الخبرية كالوجه والقدم والساق ونحو ذلك.
    الحال الثالث : إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريًا على منوال السلف وهي طريقته في "الإبانة"التي صنفها آخراً.
    ثم إن بعض الناس أخذوا عنه كتبه التي كتبها في حاله الثاني (الذي تاب منه ورد عليه) وتركوا حاله الثالث. وسموا هذا المذهب العقائدي بالمذهب الأشعري. وهو مذهب مشابه لمذهب ابن كلاب، الذي بدّعه الإمام أحمد بن حنبل وأمر بهجره.
    مرحلة الدعوة
    والذي أخذ عن أبي الحسن الأشعري هو تلميذه أبو عبد الله بن مجاهد الطائي البصري (ت 370هـ) من أئمة المالكية. وهو غير أبي بكر بن مجاهد المقرئ. قال عنه الخطيب البغدادي (1|343): «هو من أهل البصرة، سكن بغداد. وعليه درس القاضي أبو بكر (الباقلاني) علم الكلام». وهذا نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية يستفاد منه أن أول من أدخل الأشعرية إلى الحجاز هو الفقيه المالكي أبو ذر الهروي (ت 435هـ)، وأن أول من أدخل الأشعرية إلى بلاد المغرب والأندلس هم تلاميذ أبي ذر وعلى رأسهم القاضيان أبو الوليد الباجي (ت 474هـ) وأبو بكر بن العربي (ت ‎543هـ). وهما أخذا الأشعرية عن أبي ذر الهروي أولاً، ثم رحلا إلى بغداد بمشورة من أبي ذر، فأخذا الأشعرية عن شيوخه، فنشراها في المغرب. ونشرها في القيروان بعضاً من تلاميذ أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني البصري المالكي (328-403هـ)، شيخ الأشاعرة في عصره. نسأل الله تعالى أن يغفر لهم أجمعين بمنه وكرمه.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله في "درء تعارض العقل والنقل": (2|101): «عن الحسين بن أبي أمامة المالكي قال: سمعت أبي يقول: "لعن الله أبا ذر الهروي، فإنّه أول من حمل الكلام إلى الحرم، وأول من بثه في المغاربة". قلت: أبو ذر فيه من العلم والدين والمعرفة بالحديث والسنة، وانتصابه لرواية البخاري عن شيوخه الثلاثة، وغير ذلك من المحاسن والفضائل ما هو معروف به، وقد كان قدم إلى بغداد من هراة، فأخذ طريقة ابن الباقلاني وحملها إلى الحرم، فتكلم فيه وفي طريقته من تكلم، كأبي نصر السجزي، وأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني، وأمثالهما من أكابر أهل العلم والدين بما ليس هذا موضعه. وهو ممن يرجح طريقة الصبغي والثقفي، على طريقة ابن خزيمة وأمثاله من أهل الحديث. وأهل المغرب كانوا يحجون، فيجتمعون به، ويأخذون عنه الحديث وهذه الطريقة ويدلهم على أصلها. فيرحل منهم من يرحل إلى المشرق، كما رحل أبو الوليد الباجي، فأخذ طريق أبي جعفر السمناني الحنفي صاحب القاضي أبي بكر. ورحل بـعده القاضي أبو بكر بن العربي، فاخذ طريقة أبي المعالي في الإرشاد. ثم إنه ما من هؤلاء إلا له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من السنة والدين، ما لا يخفى على من عرف أحوالهم وتكلم فيهم بعلم وعدل وإنصاف». اهـ.
    مرحلة الإكراه بالحديد والنار
    وهذا يفسر كيف وصل المذهب الأشعري إلى إفريقيا والأندلس، لكنه لا يمكن أن ينتشر بدون دعم قوي من السلاطين. فمن المعروف أنه لم ينتشر في المغرب إلا بعد انتهاء دولة المرابطين وسيطرة الزنادقة التومرتيين "الموحدين" (كما يسمون أنفسهم). وإن كان له وجود من قبل في المغرب والأندلس، لكن الأشاعرة كانوا -قبل التومرتيين- شرذمة مستضعفة. ولم ينتشر المذهب الأشعري إلا بالحديد والنار، بعد مجازر فظيعة ارتكبها أتباع الخارجي الدجال (مدعي المهدية) ابن تومرت (ت ‎524هـ، وهو تلميذ أبو حامد الغزالي الصوفي الأشعري) في حق أهل السنة والجماعة (السلفيين) في صدر المئة السادسة بعد الهجرة. وسموا أنفسهم بالموحدين لأنهم يكفرون عامة المسلمين ويعتبرونهم مجسمين. وقتلاهم مئات الألوف من المسلمين السنة.
    وكان الأشاعرة أقلية مذمومة في المشرق. والظاهر أن أول من تصدى لنشر المذهب الأشعري في خراسان هو أبو بكر بن فورك، فإنه أول من أقام مدرسة تُدَرِّس على طريقة الأشاعرة في نيسابور (قصبة خراسان). وهذا يعبر عن وجود المذهب، أما انتشاره هذا الانتشار الذي لم يبق لغيره معه إلا القليل فلم يكن إلا مع تحول الدولة السلجوقية لتبنيه، بعد التهجم عليه فترة –هي فترة وجيزة مقارنة بما بعدها–. وكان سلاطنة دولة السلاجقة في بدايتها يلعنون الأشاعرة والرافضة على المنابر، كما في زمن عميد الملك (منصور بن محمد الكندري) وزير طغرلبك (تاريخ ابن خلدون 3|468 وشذرات الذهب 3|302). وكان السلطان طغرلبك (ت 455هـ) رجلاً صالحاً مجاهداً صاحب عقيدة صحيحة. وقد أمر بلعن كل الطوائف المخالفة للسنة على المنابر، ومنها المعتزلة والأشعرية. فغضب علماء الأشعرية –ومنهم القشيري وغيره– من ذلك، وتركوا بلاده، وهاجروا منها. فأرسل طغرلبك وجمعهم عنده، واستفسر عن سبب خروجهم. فقالوا له: إن الأشعري لم يقل هذا الكلام الذي تلعنونه بسببه! فقال لهم طغرلبك: «نحن نلعن من يقول ذلك، بغض النظر عن صاحبه».
    حتى أتى الأشعري "نظام الملك" (ت 485هـ) وزير السلطان ألب أرسلان فرفعهم ونصر الأشعرية، وبث الفتنة في بغداد، حتى اقتتل أهل الإسلام في الطرقات، بسبب رداءة مذهب نظام الملك سامحه الله.
    وأعلى من قدر الأشاعرة وأكرم إمامهم الجويني إمام الحرمين وأبا القاسم القشيري، وبنى المدرسة النظامية وهي أول مدرسة بنيت للفقهاء. وقد حرص أن يتولى التدريس في تلك المدارس فقهاء شافعية من الأشعرية. وقد كانت هناك مدارس للأشعرية قبل المدارس النظامية كمدرسة الإمام البيهقي (ت 458هـ) وغيرها، لكن المدرسة النظامية أصبحت بمثابة جامعة حكومية رسمية. وانتشر المذهب الأشعري في عهد وزارة نظام الملك الذي كان أشعري العقيدة، وصاحب الكلمة النافذة في الإمبراطورية السلجوقية. وكذلك أصبحت العقيدة الأشعرية عقيدة شبه رسمية تتمتع بحماية الدولة. وزاد في انتشارها وقوتها: مدرسة بغداد النظامية، ومدرسة نيسابور النظامية. وكان يقوم عليهما رواد المذهب الأشعري. وكانت المدرسة النظامية في بغداد أكبر جامعة إسلامية في العالم الإسلامية وقتها.
    ومع أن أكثر فقهاء الشافعية المتأخرين من الأشاعرة، فهذا ليس في كل عصر. فغالب أئمة الحديث والأثر شافعية، وأغلبهم ليسوا أشاعرة. فابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي و أبو عوانة وابن عدي والدارقطني والبرقاني والخطيب البغدادي وأبو نعيم والبغوي والصابوني وأئمة الأثر في نيسابور وبغداد، كلهم ليسوا أشاعرة.
    ثم إن الإمام الشافعي نفسه لم يكن أشعرياً، ولا تلاميذه الذين بثّوا علمه، ولا كان الأشعري قد ولد في زمنهم، بل كانوا على السنة، بل سجن البويطي في محنة خلق القرآن لمناصرته السنة.
    بل وعلى اعتبار كل من ذكر في طبقات الشافعية شافعي، فمحمد بن نصر المروزي و ابن المنذر إلخ من السلفية. وكذا أئمة الفقه الشافعي الأوائل كابن سريج (مجدد القرن الثالث عند الشافعية) والإسفرائييني. قال الإمام ابن سريج (الملقب بالشافعي الثاني): «لا نقول بتأويل المعتزلة و الأشاعرة و الجهمية و الملحدة و المجسمة و المشبهة و الكرامية و المكيفة. بل نقبلها بلا تأويل، و نؤمن بها بلا تمثيل». وقال شيخ الحرمين أبو الحسن الكرجي (من علماء القرن الخامس الشافعية): «لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون و يستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري، و يتبرءون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، و ينهون أصحابهم و أحبابهم عن الحوم حواليه» (انظر شرح الأصفهانية ص 36). بل طائفة عظيمة من الشافعية المتأخرين المهتمين بالحديث كانوا سلفية كذلك مثل ابن كثير والذهبي والمزي والبرزالي.
    وفي مصر نشر صلاح الدين الأيوبي مذهب الأشعري بعد أن قضى على دولة الرافضة العبيديين (الفاطميين كما يسمون أنفسهم). وبذل جهداً كبيراً في حمل الناس أيام حكمه (في الشام ومصر والحجاز واليمن) على اعتناق العقيدة الأشعرية. وتوارث هذا الملوك من بعده، في الدولة الأيوبية وفي دولة المماليك.
    وقيل أن صلاح الدين كان أشعرياً على ما جاء في الإبانة، أي أنه معتدل قريب للسلفية. لكن ابتلي صلاح الدين بمشايخ قمة في التعصب أمثال الخبوشاني الذي كان ينبش قبور السلفيين بعد موتهم.
    قال المقريزي في "المواعظ" (4\160): «وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري. وصار يحفّظها صغار أولاده. فلذلك عقدوا الخناصر وشدّوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيام مواليهم كافة الناس على التزامه.
    فتمادى الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك (يقصد المماليك). واتفق مع ذلك توجه أبي عبد الله محمد بن تومرت أحد رجالات المغرب إلى العراق، وأخذ عن أبي حامد الغزاليّ مذهب الأشعريّ. فلما عاد إلى بلاد المغرب وقّام في المصامدة يفقههم ويعلمهم، وضع لهم عقيدة لقفها عنه عامّتهم. ثم مات فخلفه بعد موته عبد المؤمن بن عليّ الميسيّ وتلقب بأمير المؤمنين،
    وغلب على ممالك المغرب هو وأولاده من بعد مدّة سنين، وتسموا بالموحدين! فلذلك صارتّ دولة الموحدين ببلاد المغرب تستبيح دماء من خالف عقيدة ابن تومرت. إذ هو عندهم الإمام المعلوم المهديّ المعصوم. فكم أراقوا بسبب ذلك من دماء خلائق لا يحصيها إلاّ اللّه خالقها سبحانه وتعالى، كما هو معروف في كتب التاريخ. فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعريّ وانتشاره في أمصار الإسلام، بحيث نُسي غيره من المذاهب وجُهِلَ، حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه.
    إلاّ أن يكون مذهب الحنابلة أتباع الإمام أبي عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل رضي اللّه عنه، فإنهم كانوا على ما كان عليه السلف: لا يرون تأويل ما ورد من الصفات. إلى أن كان بعد السبعمائة من سني الهجرة، اشتهر بدمشق وأعمالها: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحكم بن عبد السلام بن تيمية الحرّانيّ. فتصدّى للانتصار لمذهب السلف، وبالغ في الردّ على مذهب الأشاعرة، وصَدَعَ بالنكير عليهم وعلى الرافضة وعلى الصوفية».
    لكن المذهب السلفي ظل مضطهداً من قبل عامة الحكام المماليك، إلى أن جاء العثمانيون وتبنوا العقيدتين الماتريدية و الأشعرية كذلك، مما أسهم في فرضها على سائر المسلمين، خاصة أن العالم الإسلامي كان آنذاك في عصر التخلف والانحطاط. إلى أن ظهرت الصحوة الدينية في بلاد المسلمين في العصر الحديث، بعد تحرر بلادهم من الاستعمار الأوربي. فاليوم نجد المذهب السلفي قد ساد في بلاد كثيرة، بينما ينحسر المذهب الأشعري تدريجياً، إلا أنه قد بقي له نفوذ قوي في الدول التي تحارب الدعوة السلفية.

    [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
    [CENTER]
    [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

  • #2
    الحلقة
    (2)

    موقف الأشاعرة من صفات الله تعالى
    (من بعض المنتديات)

    وقف الأشاعرة بالنسبة للإيمان بصفات الله تعالى موقفا مضطربا مملوءا بالتناقض، ولم يتمكنوا من الدخول في المذهب السلفي كاملا، إذ وافقوا السلف في جانب وخالفوهم في جانب آخر، ونفس المسلك هذا أيضا تم مع مذهب المعتزلة، فقد وافقوهم في جانب وخالفوهم في آخر.

    ومن هنا وقفوا بين خصمين، فألزمهم السلف بإلزامات كثيرة تنقض ما ذهبوا إليه بالنسبة للإيمان بصفات الله تعالى، كما ألزمهم المعتزلة أيضا وشنعوا عليهم، ولو رضوا بمذهب الأشعري وساروا في طريقة تماما لما وجد أحد طريقا إلى ذمهم في باب صفات الله تعالى كما هو حالهم اليوم.

    وموقف الأشاعرة في باب الصفات حاصله ما يلي:

    ذهب الأشاعرة إلى تقسيم الصفات الإلهية إلى: صفات نفسية راجعة إلى الذات أي إلى وجود الله تعالى ذاته، وإلى صفات سلبية، واختاروا لها خمسة أقسام:

    وحدانية الله تعالى، والبقاء، والقدم، ومخالفته عز وجل للحوادث، وقيامه عز وجل بنفسه. وسموها سلبية، لأن كل صفة منها تسلب في إثباتها كل ما يضادها أو كل ما لا يليق بالله تعالى.

    كما يقسمون الصفات كذلك إلى سبعة أقسام يسمونها " صفات المعاني " وهى: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، وهذه الصفات يثبتونها لله تعالى صفات ذاتية لا تنفك عن الذات يؤمنون بها كما يليق بالله تعالى. ويسمونها أحيانا الصفات الذاتية والوجودية.

    وقد يجمع الأشاعرة تبعا للكلابية بين المتناقضات في صفات الله تعالى، فهم يقرون أنه لا يقال: إن صفات الله تعالى عين ذاته، ولا يقال: أنها غير ذاته، والذي حيرهم فيها هو أن الصفة للشيء ليست هي ذاته وليست هي غيره، لأنها لا تنفك.

    وأقسام الصفات الثابتة لله تعالى هي كما يلي:

    صفات ذاتية: وهى التي لا تنفك عن ذات الله تعالى، كالعلم والحياة والقدرة والسمع والبصر.. الخ.

    وصفات فعلية: وهى التي تتعلق بمشيئته وقدرته بمعنى إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها، كالاستواء على العرش والنزول والمجيء: إلى أخره.

    وبعض الصفات تجمع الأمرين، فتكون ذاتية باعتبار، وفعلية باعتبار آخر، مثل صفة الكلام فهي ذاتية باعتبار أن الله تعالي لم يزل ولا يزال يتكلم لا تنفك عن ذاته هذه الصفة، وهى فعلية باعتبار أن الله يتكلم حسب مشيئته.

    ومن جهة أخرى تنقسم الصفات الثابتة لله تعالى إلى:

    صفات عقلية: ثبتت بالنص وبالعقل أيضا، كالعلم، والكلام، والسمع، والبصر، والإرادة، والبقاء، والحياة، والقدرة، والوجود، والوحدانية.

    صفات خبرية: وهى التي ثبتت بالخبر – السمع – دون النظر إلى ثبوتها بالعقل، كالاستواء، والنزول، والوجه، واليدين.

    وهذه الصفات تشمل: الصفات الفعلية الاختيارية، المتعلقة بمشيئة الله تعالى، كالنزول، والاستواء، والرضى، والغضب، والإتيان، والمجيء، والفرح والسخط.

    وهذه الصفات يقال لها: قديمة النوع، باعتبار أن الله تعالى لم يزل متصفا بها، حادثة الآحاد، باعتبار تجدد وقوعها.

    وقد ذهبت الكلابية وتبعهم الأشعرية إلى نفي الصفات الفعلية عن الله تعالى ويؤولون ما ورد منها بزعم أنها لا تليق بالله تعالى، لإشعارها بالأعراض التي لا تقوم إلا بالجسم، ومع هذا فهم يثبتون له تعالى الصفات الذاتية اللازمة له. وأنكروا قيام الصفات الفعلية الاختيارية به، وأوهموا الناس أن الحامل لهم على هذا هو تنزيه الله تعالى عن قيام الحوادث به.

    بخلاف قدماء الأشاعرة كالباقلاني: أبو بكر محمد بن الطيب، والطبري: أبو الحسن الطبري، والباهلي: أبو عبد الله بن مجاهد الذين كانوا يثبتون الصفات الخبرية على ظاهرها ويؤولونها، تبعا لأبي الحسن الأشعري وعلى طريقة الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث.

    وفى ترجمة العلماء لأبي الحسن الأشعري وبيان رجوعه إلى مذهب أهل السنة والجماعة من النصوص التي تثبت ذلك ما لا يخفي على طلاب العلم.

    ولكن المتأخرين من الأشاعرة كالغزالي، والجويني، والرازي، والتفتازاني، والجرجاني – كانوا يذهبون إلى تأويل الصفات الخبرية ونفي معانيها الحقيقية وأنها مجازات، فالاستواء بمعنى الاستيلاء، واليد: القدرة أو النعمة، والنزول: نزول الملائكة، والوجه: الذات والعين والحفظ، وزعموا أن إثبات هذه الصفات على ظاهرها يؤدي إلى التشبيه والتجسيم، وتركوا ما قرره الأشعري في وجوب إثبات هذه الصفات كما يليق بجلال الله وعظمته. وهو أمر ينافي انتسابهم إليه وإلى أصحابه المتقدمين كالباقلاني وابن مجاهد والطبري الذين ساروا على طريقة شيخهم السلفي.

    وينبغي الحذر مما درج عليه بعض الكتاب من زعم أن الأشعري قد ترك المذهب السلفي ورجع عنه، وكون مذهبا وسطا ليس هو على طريقة المعتزلة ولا هو على طريقة أهل السنة أصحاب الحديث، وأن كتابه الإبانة كان على طريقة هؤلاء بينما اللمع هو آخر ما كتبه، وقد استقر عليه كما يزعم هؤلاء. تجد هذا القول عند الدكتور حمودة غرابة في كتابه " أبو الحسن الأشعري " وفى مقدمته لكتاب اللمع، كما تجده أيضا عند الدكتور عبد العزيز سيف نصر في رسالته " العقيدة الإسلامية بين التأويل والتفويض ". ولعلهما تأثرا بما قرره قبلهما زاهد الكوثري.

    وقد رد عليهما الشيخ عثمان بن عبد الله آدم ودفع تصورهما وأنهما أخطآ الحقيقة، ولم يطلعا على ما قرره علماء الاسم والحقائق التي أوردوها على رجوع الأشعري، وعلى أن كتابه الإبانة هو آخر ما كتب وآخر ما استقر عليه.

    وحينما يذهب الأشاعرة إلى إثبات السبع الصفات، وهى: الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة – حينما يثبتون هذه الصفات كما يليق بالله تعالى من أنه حي بحياة وعليم بعلم وقدير بقدرة.. الخ، ثم يردون بقية الصفات الأخرى ويؤولونها تأويلات بعيدة عن حقيقتها إنما يسلكون مسلكا متناقضا لا مبرر له،
    إذ يقال لهم:

    يلزمكم من إثبات الصفات السبع على ما يليق بالله أن تقولوا كذلك في بقية الصفات الخبرية، من الرحمة، والغضب، والفرح، والضحك، والمجيء، والنزول.. الخ، إنها ثابتة لله تعالى كما جاء في كتابه الكريم على ما يليق بالله تعالي دون أن يلحظ فيها المشابهة بخلقه، لا في علمه ولا في رحمته، فإن الذي يلحظ في إثبات صفة الفرح أو الرحمة بخلقه، يلزمه أن يلحظ المماثلة بخلقه في إثبات السمع والبصر والحياة أيضا، وإلا كان تفريقا بلا دليل، فيجب أن يثبتوا كل الصفات السمعية على حد سواء، وأن ينزهوا بعد ذلك في كل صفة.

    وأما إجابتهم لمن نازعهم وألزمهم بالإلزام السابق بأن تلك الصفات السبع دل عليها العقل بخلاف ما عداها فهو قول غير صحيح وحجة غير مقبولة، وهو قول في مقابلة النصوص، وتقديم العقل على النقل ليس بتسليم للنصوص ورضى بها وإذعانا لله تعالى فيها.

    وإثبات الأشعرية لسبع صفات ونفي ما عداها بالتأويلات، جعلهم بين المعتزلة وأهل السنة " فلا للسلف اتبعوا ولا مع الجهمية بقوا "
    قال شيخ الإسلام عن طرق الأشعرية:

    " ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض، الذين يوجبون فيما نفوه إما التفويض، وإما التأويل المخالف لمقتضى اللفظ – قانون مستقيم، فإذا قيل لهم: لم تأولتم هذا وأقررتم هذا والسؤال فيهما واحد؟ لم يكن لهم جواب صحيح " بل جوابهم إما أن يلجؤوا إلى التأويل الباطل، وإما أن يدعوا عدم العلم بمعانيها وتفويض ذلك، وكلاهما جواب باطل فإن التأويل الباطل مرفوض والتفويض في المعاني ليس من مذهب السلف.

    كما أنهم وقعوا في التناقض حينما ينفقون بعض الصفات على أساس أن إثباتها يستلزم مشابهة الله بخلقه، لأن المخلوق هو الذي يوصف بتلك الصفات، ولكنهم لا يجعلون هذه قاعدة عامة، إذ ينقضونها بإثبات السبع الصفات على ما يليق بالله، حتى وإن وجد مفهوم الاشتراك فيها بين الله وبين خلقه فإن هذا الاشتراك لا يوجب المماثلة.

    وقولهم: إن الاشتراك في تلك الصفات لا يوجب المماثلة كلام صحيح، لكنهم لا يجرونه في كل الصفات، فلزمهم التناقض والتفريق بين المتماثلات، من هنا ألزمهم المعتزلة أن ينفوا الصفات كلها، لأنها تدل على التشبيه فأجابهم الأشاعرة بأن إثبات تلك الصفات السبع إنما هو على وجه لا يستلزم المشابهة، فألزمهم أهل السنة أن يقولوا هذا القول في كل الصفات وهو ما يدل عليه العقل والشرع.

    وقد هدى الله السلف فآمنوا بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فنفوا عنه كل ما نفاه وأثبتوا له كل ما أثبته، بلا تنطع ولا تأويلات باطلة، وقد علموا أن كل ما أخبر الله به فليس فيه نقص بأي وجه من الوجوه فهو أعلم بنفسه، وما جرى عليه السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم، من أن كل صفة وردت في القرآن لله تعالي فهي صفة كمال، وقولهم في كل صفة الجواب المأثور عن السلف: " هذه الصفة معلومة وكيفيتها مجهولة والسؤال عنها بدعة " توفيق ظاهر من الله تعالي لهم، فمن لم يرضى بما رضيه الله لنفسه فقد نازع الله تعالى وقال عليه بلا علم وسلك سبيل غير المؤمنين.
    [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
    [CENTER]
    [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

    تعليق


    • #3
      الحلقة
      (3)

      الاختلاف الأشعري الأشعري

      هنا يبطل اعتقاد النجاة في طائفة الأشاعرة فإنهم اختلفوا في كثير من مسائل الصفات وغيرها من مسائل أصول الدين. والتناقض علامة على أن ما عند الفريقين ليس من عند الله ولو كانت من عند الله ما تناقضت. قال تعالى {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}.
      والأشاعرة حيث يختلفون مع خصومهم يتكتمون أن الخلاف واقع بين أبناء المذهب الأشعري أنفسهم، وقد اعترف العز بن عبد السلام بكثرة اختلاف الأشاعرة على ربهم قائلاً
      "والعجيب أن الأشعرية اختلفوا في كثير من الصفات كالقدم والبقاء والوجه واليدين والعينين وفي الأحوال وفي تعدد الكلام واتحاده"(قواعد الأحكام 172 .) وأن أصحاب الأشعري مترددون مختلفون في صفات البقاء والقدم هل هي من صفات السلب أم من صفات الذات (قواعد الأحكام 172 .)
      واعترف بذلك أبو منصور البغدادي بوقوع الخلاف بينهم حول هذه الصفة وكذلك ابن حجر الهيتمي المكي القبوري(أصول الدين 90 الإعلام بقواطع الإسلام 24 ط: دار الكتب العلمية سنة 1407 والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي 2/350)
      أول اختلافهم حول ألوهية الله
      وأول ما اختلف فيه الأشاعرة في معنى الإله، قال البغدادي "فمنهم من قال إن الإله مشتق من الإلهية وهي القدرة على الاختراع وهو اختيار أبي الحسن الأشعري وعلى هذا القول يكون الإله مشتقاً من صفة. وقال القدماء من أصحابنا أنه يستحق هذا الوصف لذاته وهو اختيار الخليل بن أحمد وبه نقول"
      واختلفوا أيضاً: هي يجوز إطلاق وصف القديم على الله؟ واختلفوا في معنى القديم على أربعة مذاهب؟ فذهب الأشعري إلى أن القديم بمعنى المتقدم على غيره، أي أنه قديم لذاته.
      وخالفه عبد الله بن كلاب والقلانسي فذكر أنه قديم أي قائم به (أصول الدين 90 الإعلام بقواطع الإسلام 24 ط: دار الكتب العلمية سنة 1407 والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي 2/350)

      الأشاعرة يكفر بعضهم بعضاً
      وقد قال أكثر الأشعرية أن الله موجود وكل موجود يصح أن يُرى.
      وأورد الرازي على هذا المسلك اعتراضات عديدة. مرجحاً أن تكون الصحة أمراً عدمياً وليست حكماً ثبوتياً. ونص على أن مسلكهم هذا يودي إلى السفسطة بل إلى الكفر(1).
      اختلافهم حول أسماء الله
      واختلفوا في أسماء الله. قال التفتازاني "للأشاعرة في أسماء الله ثلاثة أقوال:
      الأول: أن أسماء الله على التوقيف، وهو قول الأشعري.
      الثاني: أنه لا يشترط أن يكون على توقيف من الكتاب والسنة وهو قول الباقلاني.
      الثالث: جواز ما كان من قبيل إجراء الصفات وإن لم يأت بها الشرع ومنع التسمية إن لم يأت بها الشرع وهو قول الرازي والغزالي (إتحاف السادة المتقين 2: 120 )
      واختلفوا في كون الاسم هو المسمى نفسه فذهب معظم الأشاعرة إلى أن الاسم هو عين المسمى وذهب آخرون كالغزالي والرازي إلى التفريق بين الاسم والمسمى والتسمية(لوامع البينات 21 المقصد الأسنى للغزالي 29 .). واحتج بأنه لو كان الاسم هو عين المسمى للزم كثرة المسمى بكثرة الأسماء. وأن الله قال {ولله الأسماء الحسنى} ولم يقل (هو الأسماء الحسنى).
      اختلافهم حول وجوده
      اختلف الأشاعرة فيما بينهم هل الوجود هو الموجود ذاته أم هو قدر زائد على الموجود؟ اختار جمهور الأشاعرة إلى أنه صفة نفسية بمعنى أن الوصف به يدل على الذات نفسها لا على صفة وجودية زائدة.
      فالرازي والجمهور أنه زائد والأشعري أنه عين ذاته(إتحاف السادة المتقين 2/94). وخالف الجويني والباقلاني أئمة المذهب في عدم اعتباره البقاء صفة زائدة على الوجود فقالا "ذهب العلماء من أئمتنا إلى أن البقاء صفة الباقي زائدة على وجود بمثابة العلم في حق العالم، والذي نرتضيه أن البقاء يرجع إلى نفس الوجود المستمر من غير مزيد" (الإرشاد 138 أصول الدين للبغدادي 90 .).


      اختلافهم حول صفات الله
      ذكر ابن المنير لهم ثلاثة أقوال في صفات الله:
      1) أنها صفات ذات أثبتها السمع (الشرع) ولا يهتدي إليها العقل.
      2) التأويل: أن العين كناية عن البصر وأن اليد كناية عن القدرة.
      3) إمرارها على ما جاءت مفوضاً معناها إلى الله (فتح الباري 13/390). وبالطبع لم يكن للسلف الصالح ثلاثة أقوال في الصفات. وإنما تكثر تناقضات أهل الكلام لأن ما عندهم من عند غير الله.
      4) وجاء الغزالي بقول رابع ظن أنه وسط بين من يؤولون وبين من يثبتون فقال "والقصد – أي الوسط – بين هذا وذاك: طريق الكشف. فما أثبت الكشف تأويله أولناه، وما أثبت إثباته أثبتناه!!!!" (إحياء علوم الدين 1/104).

      وسيأتيك مزيد اختلافهم حول أصول الدين وصفات الله.
      فان كانوا على ما ترى فهم أقرب الى الاعتزال منهم الى السنة.

      الأشاعرة فرقتان فرقة ترى التأويل وفرقة ترى التفويض
      والقشيري يتهم المفوضة باتهام النبي بالجهل
      هذا الاختلاف بينهم يظهر الحقيقة التالية : أن الأشاعرة فرقتان لا فرقة واحدة :
      الفرقة الأولي : تؤول صفات الله وتتهم التي تفوض بأنها تصف النبي بالجهل وتصف الله بالكذب كما ستري .
      الفرقة الثانية : لا تتعرض للتأويل بل تحرمه وتدعو للتفويض . وتتهم الأولي بأنها تقول على الله ما لا تعلم . لأن التأويل محتمل والمحتمل مطرود في العقائد .

      لقد رد القشيري في التذكرة الشرقية على المفوضة قائلاً :
      " وكيف يسوغ لقائل أن يقول في كتاب الله ما لا سبيل لمخلوق إلى معرفته ولا يعلم تأويله الا الله ؟
      أليس هذا من أعظم القدح في النبوات وأن النبي صلي الله عليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد في صفات الله تعالي ودعا الخلق إلى علم ما لا يعلم ؟
      أليس الله يقول ( بلسان عربي مبين ) ؟ فإذن : على زعمهم يجب أن يقولوا كذب حيث قال " بلسان عربي مبين " إذ لم يكن معلوماً عندهم ، وإلا : فأين هذا البيان ؟
      وإذا كان بلغة العرب فكيف يدعي أنه مما لا تعلمه العرب ؟
      ونسبة النبي صلي الله عليه وسلم إلى إنه دعا إلى رب موصوف بصفات لا تعقل : أمر عظيم لا يتخيله مسلم فأن الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف .
      وقول من يقول : استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها والقدم صفة ذاتية لا يعقل معناها تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء إلى الجهل .
      وإن قال الخصم بأن هذه الظواهر لا معني لها أصلاً فهو حكم بأنها ملغاة وما كان في إبلاغها إلينا فائدة وهي هدر . وهذا محال 00 وهذا مخالف لمذهب السلف القائلين بإمرارها على ظواهرها " .انتهي
      فهذا خلاف أشعري أشعري وفيه اتهام للمفوضة من الأشاعرة بأنهم نسبوا النبي إلى الجهل ونسبوا الله إلى الكذب وأنهم واقعون في التكييف والتشبيه وملزمون بالغاء الوحي لأنهم الغوا معانيه . وهي اتهامات تعني الكفر.

      وقد أعترف العز بن عبد السلام بكثرة اختلاف الأشاعرة على ربهم قائلاًً " والعجيب أن الأشعرية أختلفوا في كثير من الصفات كالقدم والبقاء والوجه واليدين والعينين وفي الأحوال وفي تعدد الكلام واتحاده (قواعد الأحكام الكبري 170 .)
      وأن أصحاب الأشعري مترددون مختلفون في صفات البقاء والقدم هل هي من صفات السلب أم من صفات الذات (أصول الدين 90 الإعلام بقواطع الإسلام 24 ط : دار الكتب العلمية سن 1407 والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي / 350)
      وأعترف بذلك أبو منصور البغدادي بوقوع الخلاف بينهم حول هذه الصفة وكذلك بن حجر الهيتمي المكي(اتحاف السادة المتقين 2 / 95 أصول الدين للبغدادي ص 123)
      [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
      [CENTER]
      [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

      تعليق


      • #4
        الحلقة
        (4)

        تبصير أولي التذكرة بأن صاحب الشرك الأصغر قد تناله المغفرة
        لأبي معاذ رائد آل طاهر

        (من منتديات الآجري)

        الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
        فمن المعلوم أنَّ الشرك ينقسم إلى قسمين: شرك أكبر، وشرك أصغر؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل؛ وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره؛ تقول: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم")) [صحيح الجامع]، والشرك الأصغر منه ما هو ظاهر وهو في الألفاظ والأفعال، ومنه ما هو خفي وهو في النيات والإرادات [انظر التوحيد للشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى]؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؛ الشرك الخفي: أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل)) [صحيح الجامع].
        وبين الشرك الأكبر والأصغر فروق؛ منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه:
        فأما المتفق عليها: فهي أنَّ الشرك الأكبر يخرج صاحبه من الإسلام ويترتب على ذلك أحكام الكفر، ويحبط عمله كلُّه، ويُخلَّد صاحبه في جهنَّم إن لم يتب، ولا تنفعه شفاعة الشافعين ولا تناله المغفرة ولا رحمة أرحم الراحمين، وأما الشرك الأصغر فلا يخرج صاحبه من الإسلام بل يبقى في دائرة الإسلام، ويحبط العمل الذي خالطه، ولا يُخلَّد صاحبه في جهنَّم وإنْ لم يتب، وتنفعه شفاعة الشافعين وتناله رحمة أرحم الراحمين ما دام أنَّه من أهل التوحيد.
        وأما المختلف عليها فواحدة: وهي الغفران؛ فذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ الشرك الأصغر لا يُغفر كالأكبر، وذهب البعض الآخر إلى أنه تحت المشيئة قد يُغفر وقد لا يُغفر كالكبائر، ومنهم من نحى منحاً آخر وهو أنَّ الشرك لا يُغفر؛ ولكن دخول صاحبه النار أو دخوله الجنة ابتداءً متعلِّق بالموازنة بين حسناته وسيئاته.
        فالكل متفق على أنَّ صاحب الشرك الأصغر لا يُخلَّد في النار وإنما موطن النزاع: هل هو تحت المشيئة قد يُغفر له فلا يدخل النار أصلاً، أم أنه يُعاقب جزماً فلا يدخل الجنة إلا بعد التطهر في النار من درن الشرك؟.
        استدل الذين قالوا: لا يُغفر له بل لا بد أن يدخل النار ثم لا يُخلَّد فيها:
        بعموم قوله تعالى: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ))، فالشرك لا يُغفر، وما دون الشرك تحت المشيئة، والشرك الأصغر من الشرك وليس مما دونه؛ فلا يُغفر.
        وبحديث: ((الظلم ثلاثة؛ فظلم لا يتركه الله، وظلم يغفر، وظلم لا يغفر؛ فأما الظلم الذي لا يغفر: فالشرك لا يغفره الله، وأما الظلم الذي يغفر: فظلم العبد فيما بينه وبين ربه، وأما الظلم الذي لا يترك: فظلم العباد فيقتص الله بعضهم من بعض)) [السلسلة الصحيحة]، والشرك الأصغر ليس ظلماً فيما بين العبد وربه ولا بين العباد وإنما هو تعدي على حق الله جلَّ في علاه وهذا هو الظلم الذي لا يُغفر.
        وبحديث: ((من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار)) رواه مسلم وغيره، و((شيئاً)) هي من أعم العمومات وهي نكرة في سياق الإثبات فتفيد الإطلاق؛ أي أنَّ مطلق الشرك يوجب دخول النار، فيدخل فيه الأصغر.
        وأجاب الذين قالوا: قد يُغفر له: بأنَّ العموم في النصوص السابقة يُراد به الخصوص وهو الشرك الأكبر بدليل أنَّ الجميع متفقون على أنَّ الشرك الوارد في قوله تعالى: ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ))، وقوله صلى الله عليه وسلم في الشفاعة: ((لكل نبي دعوة مستجابة فتعجَّل كلُّ نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي إلى يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً)) [متفق عليه]، يُراد به الشرك الأكبر ولا يدخل فيه الأصغر؛ فلما كان الشرك في تلك الآية وهذا الحديث وغيرها من النصوص غالباً يراد به الأكبر اتفاقاً، فلا غرابة أن يُراد بتلك النصوص التي استدل بها أصحاب القول الأول الشرك الأكبر بالخصوص؛ وإلا فما هو دليل التفريق؟
        ثم أنَّ آيتي ((إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به)) وردتا في سياق الكلام على أهل الكتاب والمشركين والمنافقين، وهؤلاء شركهم أكبر، فناسب أن يكون الحديث في عدم المغفرة عن الأكبر لا الأصغر.
        وقوله في الحديث: ((ومن مات – وفي رواية: ومن لقي الله - يشرك بالله شيئاً دخل النار)) لا يلزم منه - لو كان المراد به عموم الشرك - الجزم بدخول صاحب الشرك الأصغر في النار، وإلا للزم مثله في قوله: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ فمن هجر فوق ثلاث فمات: دخل النار))، فوعيد الله بإدخال النار أقواماً هو من حيث العموم لا الأعيان؛ والله يُنجز وعده وأما وعيده فإنْ شاء أنجزه وإنْ شاء تركه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ وعده الله على عملٍ ثواباً فهو منجزه له، ومن وعده على عملٍ عقاباً فهو فيه بالخيار)) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني.
        ثم أنه لا غرابة أن ترد الكلمة التي تفيد العموم من حيث الوضع اللغوي ويكون الشرع قد أراد بها الخصوص؛ فقد أخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس ذاك إنما هو الشرك؛ ألم تسمعوا قول لقمان لابنه "يا بني لا تشرك بالله إنَّ الشرك لظلم عظيم"، في رواية: ((ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه...))، مع أنَّ الظلم ثلاث كما تقدَّم وإنما أراد الشرع الظلم الذي لا يُغفر، وكذلك قوله: ((إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به)) فمع أنَّ الشرك ثلاث: أكبر وأصغر وخفي إلا أنَّ الشرع أراد الأكبر بالخصوص.
        ويُمكن أن يجيب الذين قالوا لا يُغفر: بأنَّ الأصل في إطلاق اسم الشرك في لغة الشرع أنه يشمل كل أنواعه وصوره إلا بقرينة؛ والقرينة قد تكون نصاً أو إجماعاً أو قرينةً في سياق النص، وما ذكرتموه من نصوص أطلق فيها الشرع الشرك والمراد منه الأكبر قد دلَّ على هذا التخصيص الإجماع؛ وما سواه فيبقى على عمومه.
        وأما الذين قالوا: لا يغفر لصاحب الشرك الأصغر ولكنه إن رجحت حسناته دخل الجنة ولا يُعاقب، وإن رجحت سيئاته دخل النار ثم لا يُخلَّد فيها: فنظروا إلى أنَّ الشرك الأصغر من جهة هو نوع من أنواع الشرك فيدخل في عموم الآية، ومن جهة هو كالكبائر يدخل في الموازنة بين الحسنات والسيئات؛ فجمعوا بين عدم المغفرة وبين الموازنة.
        وليس الجمع بينهما غريب كما يُتصوَّر في أول وهلة: فإنَّ القتل المتعمَّد قد ورد ما يدلَّ على أنه لا يُغفر؛ فعن معاوية وأبي الدرداء رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل ذنب عسى الله أنْ يغفره إلا الرجل يموت كافراً – وفي رواية: مشركاً - أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه الألباني، وورد ما يدل على أنه تحت المشيئة فقد أخرج الشيخان عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه: ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف؛ فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله عليه في الدنيا: فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه)) فبايعناه على ذلك.
        فالقتل المتعمِّد لا يُرجى مغفرته، ولكن هذا لا يعني أنَّه يُعاقب جزماً، بل هو تحت المشيئة، فالقاتل المتعمِّد بعيدٌ من مغفرة الله آيسٌ من رحمته حتى يُرضي الله المقتول؛ وأنَّى للمقتول أن يرضى بغير القصاص؟ وبخاصة في يوم تنفع فيه الحسنة فكيف بالحسنات؟؛ ولهذا صار لا تُرجى مغفرته، لكن لا يلزم الجزم بعقوبته وعدم المغفرة بل هو تحت المشيئة.
        ولهذا يقول الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى في [التمهيد في شرح كتاب التوحيد]: ((فيكون الخوف إذا علم العبد المسلم أنَّ الشرك بأنواعه لا يغفر وأنه مؤاخذ به، فليست الصلاة إلى الصلاة يغفر بها الشرك الأصغر، وليس رمضان إلى رمضان يغفر به الشرك الأصغر، وليست الجمعة إلى الجمعة يغفر به الشرك الأصغر، فإذاً يغفر بماذا؟ يغفر بالتوبة فقط، فإنْ لم يتب، فإنه ثمَّ الموازنة بين الحسنات وبين السيئات.
        وما ظنكم بسيئة فيها التشريك بالله مع حسنات مَنْ ينجو من ذلك؟! ليس ثمَّ إلا من عظمت حسناته فزادت على سيئة ما وقع فيه من أنواع الشرك، ولا شك أنَّ هذا يوجب الخوف الشديد؛ لأنَّ المرء على خطر في أنه توزن حسناته وسيئاته ثم يكون في سيئاته أنواع الشرك، وهي -كما هو معلوم- عندكم أنَّ الشرك بأنواعه من حيث الجنس أعظم من الكبائر، كبائر الأعمال المعروفة)).
        والمتأمِّل في قول مَنْ يقول أنَّ صاحب الشرك الأصغر تحت المشيئة وبين قول مَنْ يقول لا يُغفر له ولكنه يُعرض على الموازنة يجد أنَّ الخلاف بينهم لفظي:
        فهم متفقون على أنَّ العقاب والعفو مرتبط بالموازنة، ولكن الأولون يقولون: حكمه تحت المشيئة، والآخرون يقولون: حكمه لا يُغفر له.
        ويكمن لنا أن نذكر وجوهاً يتقوَّى فيها القول بأنَّ صاحب الشرك الأصغر قد تناله المغفرة أو هو تحت المشيئة:
        الأول: من جهة الاستدلال بالأحاديث:
        فإنَّ المتأمِّل في "حديث البطاقة" و"حديث من أتى بقراب الأرض خطايا" ليستبعد جداً أن يُراد بهما الموحِّد الذي لم يُشرك بالله الشرك الأصغر. ومع هذا فقد بيـَّن صلى الله عليه وسلم أنهما لا يعذَّبان بل تنالهما المغفرة.
        وحتى نتصوَّر ذلك لا بدَّ لنا أن نسرد الحديثين:
        - حديث البطاقة: قال صلى الله عليه وسلم: ((يُصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مدَّ البصر، ثم يقول الله تبارك وتعالى: هل تنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، ثم يقول: ألك عذر؟ ألك حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا، فيقول: بلى إنَّ لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم؛ فتخرج له بطاقة فيها "أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله" فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقول: إنك لا تظلم؛ فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة)) وإذا ثقل ميزان الحسنات دخل الجنة بغير عقاب كما هو معلوم.
        فهل يُتصور أنَّ هذا الرجل الذي كان يعمل هذه السجلات وهي مدُّ البصر كان مخلصاً لله تمام الإخلاص فلا رياء في أعماله مطلقاً ولم يُرد الحياةَ الدنيا ولا زينتها أبداً ولم يتبع هواه؟ هل يتصور ذلك؟ بالطبع لا يتصور، والرياء وإرادة الحياة الدنيا وزينتها وإتباع الهوى كلُّه من الشرك الأصغر.
        نعم اقترن بقوله هذه الكلمة الطيبة ما يُعظِّمها في الميزان من الإخلاص والصدق والعبودية، وليس كلُّ مَنْ قالها سينال ما ناله هذا الرجل من المغفرة إلا أن يكون حاله كحاله، ولكن هذا لا يعني دوام تمام الإخلاص والصدق والعبودية وإلا فلو كان ذلك لما كانت هذه السجلات من الذنوب وندرة الأعمال الصالحة أو عدمها.
        قال شيخ الإسلام [منهاج السنة 6/218-220]: ((والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله له به كبائر كما في – وذكر حديث البطاقة - فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق كما قالها هذا الشخص؛ وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله ولم يترجح قولهم على سيئاتهم كما ترجح قول صاحب البطاقة))
        وقال [المجموع 10/734] في التعليق على الحديث: ((فهذا لِما اقترن بهذه الكلمة من الصدق والإخلاص والصفاء وحسن النية؛ إذ الكلمات والعبادات وإنْ اشتركت في الصورة الظاهرة فإنها تتفاوت بحسب أحوال القلوب تفاوتاً عظيماً، ومثل هذا الحديث الذي في حديث المرأة البغي التي سقت كلباً فغفر الله لها فهذا لِما حصل في قلبها من حسن النية والرحمة إذ ذاك))
        وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى [مدارج السالكين 1/332]: ((وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر فتثقل البطاقة وتطيش السجلات؛ فلا يُعذَّب. ومعلوم أنَّ كل موحِّد له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه، ولكنَّ السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل وطاشت لأجله السجلات لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقته بالثقل والرزانة)).
        - والحديث الآخر حديث المغفرة: ((يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))؛ فهل يُتصور أن يأتي رجل يوم القيامة بقراب الأرض خطايا ولا يشرك بالله الشرك الأصغر ولو في صورة من صوره؟ يمتنع ذلك. قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى [مدارج السالكين 1/326-327]: ((وأما الحديث الآخر: "لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة" فلا يدل على: أنَّ ما عدا الشرك كله صغائر، بل يدل على أنَّ من لم يشرك بالله شيئاً فذنوبه مغفورة كائنة ما كانت. ولكن ينبغي أن يعلم ارتباط إيمان القلوب بأعمال الجوارح وتعلقها بها وإلا لم يفهم مراد الرسول ويقع الخلط والتخبيط:
        فاعلم أنَّ هذا النفي العام للشرك أن لا يشرك بالله شيئاً ألبتة لا يصدر من مصرٍّ على معصية أبداً ولا يمكن مدمن الكبيرة والمصر على الصغيرة أن يصفو له التوحيد حتى لا يشرك بالله شيئاً؛ هذا من أعظم المحال.
        ولا يلتفت إلى جدلٍ لاحظَّ له من أعمال القلوب، بل قلبه كالحجر أو أقسى يقول: وما المانع؟ وما وجه الإحالة؟ ولو فرض ذلك واقعاً لم يلزم منه محال لذاته!!، فدع هذا القلب المفتون بجدله وجهله واعلم أنَّ الإصرار على المعصية يوجب من خوف القلب من غير الله ورجائه لغير الله وحبه لغير الله وذله لغير الله وتوكله على غير الله ما يصير به منغمساً في بحار الشرك.
        والحاكم في هذا ما يعلمه الإنسان من نفسه إنْ كان له عقل؛ فإنَّ ذلَّ المعصية لا بد أن يقوم بالقلب فيورثه خوفاً من غير الله تعالى وذلك شرك، ويورثه محبة لغير الله واستعانة بغيره في الأسباب التي توصله إلى غرضه فيكون عمله لا بالله ولا لله وهذا حقيقة الشرك.
        نعم قد يكون معه توحيد أبي جهل وعبَّاد الأصنام وهو توحيد الربوبية وهو الاعتراف بأنه لا خالق إلا الله؛ ولو أنجى هذا التوحيد وحده لأنجى عباد الأصنام، والشأن في توحيد الإلهية الذي هو الفارق بين المشركين والموحدين.
        والمقصود: أن من لم يشرك بالله شيئاً يستحيل أن يلقى الله بقراب الأرض خطايا مصراً عليها غير تائب منها مع كمال توحيده الذي هو غاية الحب والخضوع والذل والخوف والرجاء للرب تعالى))
        نعم لا شكَّ أنَّ توحيده غير كامل وغير صاف؛ بل قد شابه شيء أو أشياء من الشرك الأصغر حتى انغمس في بحار الشرك، وإنما الشأن في تحقيق توحيد الإلوهية الذي هو الفارق بين المشركين والموحدين؛ فمن حقق هذا التوحيد بإخلاص وصدق وعبودية ولم ينقض ذلك بعده نال تلك المغفرة وإن كانت ذنوبه بقراب الأرض.
        وقد قعَّد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في ذلك قاعدة فقال [المجموع 11/659-660]: ((فقد يقترن بالذنوب ما يخفِّفها وقد يقترن بها ما يغلِّظها؛ كما أنَّ الحسنات قد يقترن بها ما يُعظِّمها وقد يقترن بها ما يصغِّرها)).
        وأعظم الحسنات على الإطلاق التوحيد فمن أتى به حقاً ضاعف الله له الحسنات أضعافاً مضاعفة حتى تذوب في مقابله السيئات وإن كثرت؛ وحينئذ ينال مغفرة الله جلَّ في علاه.
        وقد يُقال: أنَّ "شيئاً" في قوله ((ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً)) نكرة في سياق النفي فتفيد العموم؛ أي عموم الشرك الأكبر والأصغر والخفي، ولو كان ذلك لازماً للزم مثله في قوله صلى الله عليه وسلم في مستحق الشفاعة: ((فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً))، وهذا يعني: أنَّ الذي أشرك شركاً أصغراً لا ينال الشفاعة، مع أنَّ أهل السنة والجماعة قد اتفقوا أنَّ الشفاعة لأهل التوحيد، وصاحب الشرك الأصغر من أهل التوحيد قطعاً.
        الثاني: من جهة ضابط الشرك الأصغر:
        وضابط الشرك الأصغر للعلماء فيه قولان؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى [مجموع الفتاوى 9/161-162]: ((اختلف العلماء في ضابط الشرك الأصغر على قولين:
        القول الأول: أنَّ الشرك الأصغر كل شيء أطلق الشارع عليه أنه شرك ودلَّت النصوص على أنه ليس من الأكبر؛ مثل: "من حلف بغير الله فقد أشرك"؛ فالشرك هنا أصغر لأنه دلَّت النصوص على أنَّ مجرد الحلف بغير الله لا يخرج من الملة.
        القول الثاني: أنَّ الشرك الأصغر ما كان وسيلة للأكبر وإنْ لم يطلق الشرع عليه اسم الشرك؛ مثل: أن يعتمد الإنسان على شيء كاعتماده على الله لكنه لم يتخذه إلهاً؛ فهذا شرك أصغر لأنَّ هذا الاعتماد الذي يكون كاعتماده على الله يؤدي به في النهاية إلى الشرك الأكبر؛ وهذا التعريف أوسع من الأول؛ لأنَّ الأول يمنع أن تطلق على شيء أنه شرك إلا إذا كان لديك دليل، والثاني يجعل كل ما كان وسيلة للشرك فهو شرك. وربما نقول على هذا التعريف: إنَّ المعاصي كلها شرك أصغر؛ لأنَّ الحامل عليها الهوى، وقد قال تعالى: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ"، ولهذا أطلق النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على تارك الصلاة مع أنه لم يشرك فقال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر: ترك الصلاة" )).
        فعلى القول الثاني يدخل في الشرك الأصغر المعاصي وإتباع الهوى لأنهما وسيلة إلى الشرك، ولا قائل من أهل السنة يقول: أنَّ أهل المعاصي والهوى لا يغفر الله لهم؛ وإنما هم تحت المشيئة، وعلى القول الأول يدخل فيه ترك الصلاة لأنَّ الشرع سمَّاه شركاً كما قال صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد أشرك))، فلو أنَّ رجلاً ترك صلاة أو كان يصلي ويترك فقد أشرك؛ وهذا هو الشرك الأصغر، ومع هذا فهو تحت المشيئة بنص حديث عبادة بن الصامت: ((خمس صلوات افترضهن الله على عباده؛ فمن جاء بهن لم ينتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن فإنَّ الله جاعل له يوم القيامة عهداً أن يدخله الجنة، ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له))، فترك الصلاة أطلق عليه الشرع شركاً وهو تحت المشيئة ما لم يصل بصاحبه إلى الشرك الأكبر فحينئذ لا تناله المغفرة ولا الرحمة.
        والمقصود: أنَّ على كلا القولين في ضابط الشرك الأصغر يكون قد انتقض القول بأنَّ صاحب الشرك الأصغر لا يُغفر له جزماً.
        الثالث: من جهة أنَّ الكفر الأصغر صاحبه تحت المشيئة:
        المعروف أنَّ الكفر يقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، فالأول لا يُغفر والثاني تحت المشيئة ولا أعلم في ذلك خلافاً.
        والفرق بين الكفر والشرك للعلماء فيه قولان؛ والكل متفقون على أنَّ الكفر يُطلق على الشرك، بمعنى كل مشرك فهو كافر؛ ولكن هل يُطلق الشرك على الكفر؛ أي هل كل كافر هو مشرك؟ منهم مَنْ قال: لا يُطلق الشرك على الكفر، لأنَّه خلاف المعنى، ومنهم مَنْ قال: يُطلق؛ لأنَّ الكافر لا يخلوا من معبود باطل يُحرِّكه إما شيطانه أو هواه أو متبوعه.
        والقرآن قد فرق بين الكفر والشرك كما في قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: ((تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّار))، وأطلق الكفر على الشرك كما في قوله تعالى: ((وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار))، وكذلك أطلق الشرك على الكفر في قصة صاحب البستان: ((قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً. لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً)) فتارة سمَّاه كفراً وأخرى سمَّاه شركاً، وقال صاحب البستان: ((وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً)) فسمَّى خطيئته شركاً؛ وخطيئته هي إنكار لقدرة الله تعالى على تدمير بستانه وإنكار الساعة قال تعالى: ((وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً))، فمع أنَّ إنكار قدرة الله وإنكار الساعة من الكفر من حيث المعنى إلا أنَّ القرآن سمَّى ذلك شركاً.
        يقول الشيخ الألباني [الثمر المستطاب 2/785-786]: ((فكلُّ من أشرك فقد كفر اتفاقاً، فالإلزام غير وارد غير أنَّ ابن حزم يقول: العكس أيضاً وهو أنَّ كل من كفر بشيء من المكفرات فقد أشرك والأدلة التي ساقها تؤيد ذلك، ولا أعلم ما يباين ذلك من الكتاب والسنة، بل إنَّ ظاهر قوله تعالى في سورة الكهف: {واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنيتن من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا} إلى قوله تعالى: {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً. ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلبا. قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي} إلى قوله تعالى: {وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً}. فقد أطلق سبحانه على هذا الرجل الذي أنكر البعث والحشر أنه أشرك به تعالى. هذا هو الظاهر من سياق الآيات فإنه تعالى لم يحكِ عنه من الكفر غير ما ذكر ثم حكى ندمه حين رأى ما حل بثمره وجنتيه بقوله: {يا ليتني لم أشرك بربي أحداً} فأطلق الشرك على الكفر المذكور؛ ولعل وجهه: أنَّ جحوده البعث مصير منه إلى أنَّ الله تعالى لا يقدر عليه وهو تعجيز الرب سبحانه وتعالى ومن عجَّزه سبحانه وتعالى شبهه بخلقه فهو إشراك. كذا ذكره القرطبي بنحوه، والله أعلم)).
        وهذه المسألة قريبة من إطلاق الطاغوت في قوله تعالى: ((أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)) على أصناف عدَّة، فكذلك المعبودات عدَّة، والناس إما أن يعبدوا الله تعالى أو يعبدوا الشيطان قال تعالى: ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)) ثم تكون عبادة الشيطان صوراً عدَّة كما لا يخفى.
        فالشرك والكفر من الألفاظ التي إن اجتمعت في اللفظ افترقت في المعنى، وإن افترقت في اللفظ اجتمعت اجتمعت في المعنى كالإسلام والإيمان، ويُطلق كل منهما على الآخر من وجه.
        فإذا ظهر ذلك بجلاء؛ وهو أن الشرك يُطلق على الكفر والعكس، فلازم ذلك أنَّ صاحب الشرك الأصغر تحت المشيئة كما أنَّ صاحب الكفر الأصغر تحت المشيئة، بل ويلزم ذلك حتى على قول مَنْ لا يُطلق الشرك على الكفر: لأنهم يقرُّون أنَّ الكفر الأكبر لا يُغفر وأنَّ الكفر الأصغر تحت المشيئة؛ فما الدليل على هذا التفريق؟! فما أجابوا به يكون جوابنا.
        الرابع: من جهة أنَّ الشرك الأصغر أكبر من جنس الكبائر:
        وهذا يعني: أنَّ الشرك الأصغر أكبر من الكبائر ولكن من حيث الجنس لا من حيث العموم؛ فهناك أفراد من الكبائر أكبر من بعض صور الشرك الأصغر، وهذا يلزم أنَّ بعض صور الشرك الأصغر تحت المشيئة لأنَّ الكبائر كلَّها تحت المشيئة.
        ومثاله: لو أنَّ رجلاً حلف بأبيه لمكانته في نفسه؛ فهذا شرك أصغر، وآخر قتل أباه عمداً وعدواناً؛ فهذه كبيرة من الكبائر؛ فهل يُقال: أنَّ الأول أعظم جرماً من الثاني لأنَّ الأول أخلَّ بعقيدته والثاني أخلَّ بعمله؛ إنْ قال أحدٌ بذلك فهذا يعني أنَّ كلَّ صور الشرك الأصغر أعظم جرماً من كل الكبائر، بل يلزمه أن يقول: أنَّ أيَّ صورة من صور الشرك الأصغر أعظم من كل الكبائر مجتمعة، وهذا بعيد جداً، بل إنَّ تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع من حلف بأبيه ومع من قتل مسلماً نطق بلا إله إلا الله تحت وطأة السيف ظاهرٌ بيِّن، ويدلُّ على أنَّ الثاني أعظم من الأول بلا ريب.
        فإذا تبيَّن أنَّ الشرك الأصغر هو أعظم من جنس الكبائر؛ وقد قال الشيخ صالح آل الشيخ في التمهيد: ((كما هو معلوم عندكم: أنَّ الشرك بأنواعه من حيث الجنس أعظم من الكبائر))، دلَّ ذلك على أنَّ بعض الكبائر أعظم من صورة أو صور من الشرك الأصغر، وهذا يعني أنَّ من الشرك الأصغر ما هو تحت المشيئة.
        الخامس: من جهة أنَّ الشرك الأصغر يدخل في الموازنة:
        فأهل الكبائر هم تحت مشيئة الله؛ إنْ شاء غفر لهم برحمته وفضله وإن شاء عذبهم بعدله وحكمته، وهذه المشيئة متعلِّقة بالموازنة بين الحسنات والسيئات فإنها مقتضى عدله وحكمته، وشيخ الإسلام رحمه الله تعالى يذكر الموازنة في حق الذين هم دون الشرك فيقول [المجموع 16/19]: ((قال: "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" فأثبت أنَّ ما دون ذلك هو مغفور؛ لكن "لمن يشاء"، فلو كان لا يغفره لأحد بطل قوله "ويغفر ما دون ذلك"، ولو كان يغفره لكل أحد بطل قوله "لمن يشاء"، فلما أثبت أنه يغفر ما دون ذلك وأنَّ المغفرة هي لمن يشاء دلَّ ذلك على وقوع المغفرة العامة مما دون الشرك لكنها لبعض الناس، وحينئذ فمن غفر له لم يعذب، ومن لم يغفر له عذب؛ وهذا مذهب الصحابة والسلف والأئمة وهو: القطع بأنَّ بعض عصاة الأمة يدخل النار وبعضهم يغفر له، لكن هل ذلك على وجه الموازنة والحكمة أو لا اعتبار بالموازنة؛ فيه قولان للمنتسبين إلى السنة من أصحابنا وغيرهم بناء على أصل الأفعال الإلهية هل يعتبر فيها الحكمة والعدل؟ وأيضاً فمسألة الجزاء فيها نصوص كثيرة دلت على الموازنة، كما قد بسط في غير هذا الموضع))، وقال [النبوات ص106]: ((وأما جمهور المنتسبين إلى السنة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم فيقطعون بإنَّ الله يعذب بعض أهل الذنوب بالنار ويعفو عن بعضهم كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
        فهذا فيه الإخبار" بأنه يغفر ما دون الشرك، وأنه يغفر لمن يشاء لا لكل أحد؛ لكن هل الجزاء والثواب والعقاب مبني على الموازنة بالحكمة والعدل كما أخبر الله بوزن الأعمال أو يغفر ويعذب بلا سبب ولا حكمة ولا اعتبار الموازنة؟
        فيه لهؤلاء قولان؛ فمن جوز ذلك فانه يجوز عندهم أن يعذب الله من هو من أبر الناس وأكثرهم طاعات وحسنات على سيئة صغيرة عذاباً أعظم من عذاب أفسق الفاسقين، ويجوز عندهم أن يغفر لأفسق الفاسقين من المسلمين وأعظمهم كبائر كل ذنب ويدخله الجنة ابتداء مع تعذيبهم ذلك في النار على صغيرة، ولهذا قال جمهور الناس عن هؤلاء: إنهم لا ينزهون الرب على السفه والظلم)).
        فأهل الكبائر الذين هم دون الشرك تحت مشيئة الله جلَّ في علاه؛ قد يغفر لهم فلا يعفو عنهم عفواً عاماً، وقد يعاقبهم فلا يعاقبهم عقاباً عاماً، وإنما ذلك مبني على الموازنة لأنها مقتضى عدل الله وحكمته؛ فمن رجحت حسناته كان من أهل المغفرة ومن رجحت سيئاته كان من أهل العقاب.
        ولكننا نرى أنَّ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يذكر أنَّ الشرك الأصغر يدخل في الموازنة فيقول [تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء ص360-363] وهو يتكلَّم عن قول لا إله إلا الله: ((فإنْ قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأصغر والأكبر: فهذا غير مصرٍّ على ذنب أصلاً فيُغفر له ويُحرم على النار، وإنْ قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأتِ بعدها بما ينقض ذلك: فهذه حسنة لا يُقاومها شيءٌ من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة فيحرم على النار ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه، وهذا خلاف مَنْ رجحت سيئاته على حسناته ومات على ذلك: فإنه يستوجب النار وإنْ كان قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر لكنَّه لم يمت على ذلك؛ بل قالها وأتى بعدها بسيئات رجحت على هذه الحسنات)).
        فإذا كان صاحب الشرك الأصغر يدخل في الموازنة فلازم ذلك أنَّه تحت المشيئة؛ لأنَّ الذين يدخلون الموازنة هم من قال فيهم الله تعالى: ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ)) كما تقدَّم في كلام شيخ الإسلام.
        السادس: أنَّ إطلاق اسم الشرك في الكتاب والسنة له أصلان:
        الأول: أنَّ الأصل في النصوص المحذِّرة من الشرك التي تنهي عنه وتذمه يدخل فيها الأكبر والأصغر والخفي كقوله تعالى: ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً)) وقوله: ((فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)).
        والثاني: أنَّ الأصل في النصوص التي تبين أحكام الشرك في الدنيا أو في الآخرة التفريق بين الأكبر والأصغر؛ ذلك لأنَّ الشرع فرَّق بين الأكبر والأصغر فقال: ((إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر؟)) قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: ((الرياء؛ يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء))، ولا يُمكن حمل هذا التفريق إلا على الأحكام بينهما هذا أولاً.
        ثم أنَّ أحكام الشرك الأكبر في الغالب تختلف عن الأصغر اتفاقاً؛ والغالب هو الأصل لا النادر أو القليل، ولهذا فلابد أن يُنتبه أنَّ إطلاق اسم الشرك في النصوص يتجاذبه أصلان، ونحن إذ نتكلَّم عن قوله تعالى: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) نتكلَّم عن حكم أخروي وهو حتمية العذاب وعدم المغفرة، فعدم دخول الشرك الأصغر في الآية هو الأصل؛ لأنَّ الأصل في نصوص أحكام الشرك التفريق بين الشركين؛ فما الدليل على أنَّ الأصغر يدخل فيها؟! لا دليل.
        وإلا فما الدليل أنَّ المراد بالشرك هو الأكبر في هذه الآيات: ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ))، ((وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ))، ((وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ))، ((فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ))، ((إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَام))، ((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ))، ((وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيق))، وغيرها في الكتاب والسنة كثير. فما أجابوا به أجبنا.
        السابع: أنَّ الشرك الأصغر أقرب إلى الكبائر منه إلى الشرك الأكبر:
        فصاحب الشرك الأكبر يُخلَّد في جهنَّم وأما صاحب الكبيرة فلا يُخلَّد فيها، ذلك لأنَّ الشرك الأكبر ذنب لا يقبل الغفران؛ فمهما عُذِّب صاحبه في النار فلا يطهر منه ولا يضمحل ذنبه ولا يُمحى أثره، وأما الكبيرة فذنب قابل الغفران؛ فإذا لم ينل صاحبه المغفرة كانت جهنَّم – نعوذ بالله منها - مطهرة له فيضمحل ذنبه فيها ويُمحى أثره.
        وما دام أنَّ صاحب الشرك الأصغر لا يُخلَّد في جهنَّم بالاتفاق بل إنْ دخل صاحبه النار كانت له مطهرة ويضمحل ذنبه به ولا يبقى له أثر؛ فهذا يعني: أنَّ الشرك الأصغر من حيث الأصل ذنب قابل الغفران؛ وإلا لو كان ذنباً لا يقبل الغفران كالأكبر لما اضمحل هذا الذنب في النار ولما مُحيَ أثره.
        قال الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى [توضيح توحيد الخلاق ص316]: ((ولأنَّ الغفران اضمحلال الذنب ومحوه وهو عدم وجوده، وبقاؤه موجب للعذاب ما بقي وذلك مخالف للقاعدة في أنَّ أهل الكبائر لا يخلَّدون، لأنَّ خروجهم منها بعد دخولها بالذنب لأمرين:
        الأول: منهما أن الذنب الذي استحق به دخول النار قابل للمغفرة وان لم يوجد الدخول.
        الثاني: وجود الإيمان الذي ماتوا عليه بخلاف الذنب الذي لا يغفر فإنه يقتضي العذاب الأليم أبداً ولا يضمحل بعذاب مرتكبه؛ لأنه غير قابل للمغفرة قبل العذاب.
        وكل ما لا يقبل المغفرة قبل العذاب لا يضمحل بوجوده؛ ألا ترى إلى عذاب الكفار قال سبحانه: "كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا"، وليس هنا ذنب غير قابل المغفرة إلاَّ الشرك الأكبر فإنه لا يغفر بل يعذب أهله العذاب الأكبر، فتعين أنْ يكون الشرك الأصغر ذنباً كبيراً كبقية الذنوب التي تقبل الغفران من علام الغيوب)).
        وهذا يعني أنَّ عدم المغفرة جزماً: يلزم منه الخلود في جهنَّم، ولهذا نرى أنَّ حديث "الدواوين ثلاث" لما ذكر الذنب الذي لا يُغفر وهو الشرك اقترن به الاستدلال بقوله: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) في رواية، وبقوله: ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ)) في رواية أخرى؛ فكأنَّ احداهما تفسر الأخرى. فقد جاء في رواية أحمد: ((فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله قال الله عز وجل: "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة"))، بينما في رواية الحاكم: ((فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئاً فالإشراك بالله عز وجل؛ قال الله عز وجل: "إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء"))، وذكرهما معاً البيهقي في شعب الإيمان، والحديث وإن كان ضعيفاً كما قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى إلا إنه يشهد لهذا المقطع ما سبق من حديث: ((الظلم ثلاثة)) وهو في السلسلة الصحيحة.
        وإلى هذا أشار الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى بقوله [معارج القبول 2/475]: ((والشرك نوعان فشرك أكبر... به خلود النار إذ لا يغفر، وهو اتخاذ العبد غير الله ... نداً به مسوياً مضاهي؛ [والشرك] الذي هو ضد التوحيد [نوعان] أي ينقسم إلى نوعين: [فشرك أكبر] ينافي التوحيد بالكلية، ويخرج صاحبه من الإسلام، [به خلود] فاعله في النار أبداً؛ [إذ] تعليل لأبدية الخلود أي لكونه [لا يغفر] قال الله تبارك وتعالى: "إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً"، وقال تعالى: "ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً"، وقال تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إنَّ الله هو المسيح بن مريم، وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار))
        الثامن: أنَّ الشرك الأصغر منه الخفي الذي لا يسلم منه حتى خواص الأمة إلا مَنْ عصمه الله جلَّ في علاه، ولا يخلص منه إلا مَنْ خلُصَ من الذنوب كلها:
        قال شيخ الإسلام [تفسير آيات أشكلت ص354]: ((وأما الشرك الأصغر فلا يخلص منه إلا مَنْ خلص من الذنوب كلها))، وقال ابن القيم [الجواب الكافي ص94]: ((وأما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له؛ وقلَّ مَنْ ينجو منه))، وقال الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب وهو يتكلَّم عن الشرك الأصغر [توضيح توحيد الخلاق ص316]: ((ويصدر من خواص الأمة، ولا قائل بوجوب العذاب والحكم به عليهم، إذ لا يسلم منه غالباً إلا مَنْ عصمه الله؛ وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين))؛ وكيف لا يكون كذلك ومنه ما لا يُعلَم ولا يشعر به الرجل حتى يموت.
        فلو قيل: بأنَّ كل مَنْ صدر منه الشرك الأصغر ولم يتب منه عُذِّب للزم ذلك أن لا ينجو من العذاب حتى جمع من خواص الأمة فضلاً عن عوامِّهم، وهذا أمر عظيم ولم يقل به أحد، فلزم ذلك أن يكون الشرك الأصغر قابل للغفران.
        وأخيراً: فهذه ثمانية وجوه كلُّها تؤيد قول مَنْ قال مِن العلماء أنَّ صاحب الشرك الأصغر تحت المشيئة، وهي ظاهرة لمن تأمَّل فيها وأمعن؛ والله الموفِّق.
        وأما مذهب الإمامين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى في هذه المسألة:
        1- فشيخ الإسلام ابن تيمية ورد عنه ما يدلُّ على أنَّ صاحب الشرك الأصغر لا يُغفر له وورد عنه ما يشير إلى خلاف ذلك؛ فقد نقل عنه العلامة ابن مفلح رحمه الله تعالى في [الفروع 6/142] فقال: ((قال شيخنا: يحرم طوافه بغير البيت العتيق اتفاقاً، قال: واتفقوا أنه لا يقبِّله ولا يتمسَّح به فإنه من الشرك؛ وقال: والشرك لا يغفره الله ولو كان أصغراً))، وقال شيخ الإسلام في [الرد على البكري 1/300-301]: ((والشرك له شعب تكبره وتنميه كما أنَّ الإيمان له شعب تكبره وتنميه، وإذا كان كذلك: فإذا تقابلت الدعوتان فمن قيل إنه مشرك أولى بالوعيد ممن قيل فيه إنه ينتقص الرسول؛ فإنَّ هذا إنْ كان مشركاً الشرك الأكبر كان مخلداً في النار وكان شراً من اليهود والنصارى، وإن كان مشركاً الشرك الأصغر فهو أيضاً مذموم ممقوت مستحق للذم والعقاب. وقد يقال: الشرك لا يغفر منه شيء لا أكبر ولا أصغر على مقتضى عموم القرآن وإنْ كان صاحب الشرك الأصغر يموت مسلماً، لكن شركه لا يغفر له بل يعاقب عليه وإن دخل بعد ذلك الجنة)).
        فقوله في الشرك الأصغر: ((فهو أيضاً مذموم ممقوت مستحق للذم والعقاب)) فيه إشارة إلى استحقاق العذاب لا الجزم، وقوله بعد ذلك: ((وقد يُقال ...)) فيه إشارة إلى الخلاف ونقل للقول الثاني من أهل العلم.
        لأجل ذلك قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في القول المفيد: ((وشيخ الإسلام ابن تيمية المحقِّق في هذه المسائل اختلف كلامه في هذه المسألة، فمرة قال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال: الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر، وعلى كل حال فيجب الحذر من الشرك مطلقاً، لأنَّ العموم يحتمل أن يكون داخلاً فيه الأصغر، لأن قوله: {أن يشرك به} أنْ وما بعدها في تأويل مصدر، تقديره: إشراكاً به؛ فهو نكرة في سياق النفي فتفيد العموم)).
        ولكن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتابه [تفسير آيات أَشكلت على كثير من العلماء ص364؛ كتاب مطبوع في الرياض بتحقيق عبد العزيز بن محمد الخليفة] قد حقق المسألة وفصَّل فقال:
        ((والشرك نوعان: أكبر وأصغر: فمَنْ خلص منهما: وجبت له الجنة. ومَنْ مات على الشرك الأكبر: وجبت له النار. ومَنْ خلص من الأكبر وحصل له بعض الأصغر مع حسنات راجحة على ذنوبه: دخل الجنة؛ فإنَّ تلك الحسنات هي توحيد كثير مع يسير من الشرك الأصغر. ومَنْ خلص من الشرك الأكبر ولكن كبُرَ شركه الأصغر حتى رجحت به سيئاته: دخل النار.
        فالشرك يؤاخذ به العبد إذا كان أكبراً أو كان كثيراً أصغر؛ فالأصغر القليل في جانب الإخلاص الكثير لا يؤاخذ به، والخلاص من الأكبر ومن أكثر الأصغر - الذي يجعل السيئات راجحة على الحسنات - فصاحبه ناج، ومن نجا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله ورجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة)).
        فواضح من كلامه رحمه الله تعالى أنَّ الشرك الأصغر منه الكثير الذي إنْ رجحت به السيئات دخل صاحبه النار، وإن كان يسيراً وكانت حسنة التوحيد بإخلاص وصدق وعبودية ورجحت حسناته دخل الجنة؛ فالمغفرة وعدمها مبنية على رجحان الحسنات أو السيئات، ويؤثر في ذلك كثرة الشرك الأصغر أو قلته، وكذلك يؤثر في ذلك التوحيد وهو الخلاص من الشرك الأكبر والذي يصاحبه الإخلاص والصدق وتمام العبودية.
        2- العلامة ابن القيم: لم أجد إلى الآن قولاً صريحاً له ينصُّ على أنَّ الشرك الأصغر لا يُغفر مطلقاً، بل قال[إغاثة اللهفان 1/59]: ((أما نجاسة الشرك فهي نوعان: نجاسة مغلظة ونجاسة مخففة؛ فالمغلظة: الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، فإنَّ الله لا يغفر أن يشرك به، والمخففة: الشرك الأصغر كيسير الرياء والتصنع للمخلوق والحلف به وخوفه ورجائه))، وتكلَّم عن صور الشرك الأكبر ثم تكلَّم عن الأصغر فقال [الجواب الكافي ص92]: ((وهذا الشرك ينقسم إلى: مغفور وغير مغفور؛ وأكبر وأصغر، والنوع الأول ينقسم إلى: كبير وأكبر؛ وليس شيء منه مغفور)).
        فالشرك الأصغر عند العلامة ابن القيم: منه شرك أكبر ومنه شرك أصغر، منه مغفور ومنه غير مغفور؛ وهذا يحتمل أمرين:
        الاحتمال الأول: أنَّ صور الشرك الأصغر تتأرجح بين الحد الأدنى وهو الشرك الأصغر وبين الحد الأعلى وهو الشرك الأكبر؛ فيكون في الحد الأدنى إذا كانت صورة الشرك مجرد لفظ أو فعل أو نية أو إرادة ولم يقترن بذلك عقيدة في القلب، فإنْ اقترن بذلك اعتقاد في القلب كانت تلك الصورة من نوع الشرك الأكبر؛ وعلى ذلك أمثلة كثيرة يذكرها أهل العلم:
        مثل: "الرياء" أطلق عليه الشرع اسم الشرك الأصغر؛ ولكن للرياء صور، فمن راء في أصل التدين أو في أغلب عباداته كان منافقاً كما قال تعالى فيهم: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً))، وهو من أهل الشرك الأكبر ولا يغفر الله له قال تعالى: ((اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ))، وأما من راء في أثناء صلاته وزيَّن بها لنظر الناس إليه كان مرائياً وهو من أهل الشرك الأصغر أو الخفي؛ فالأول غير مغفور له والثاني تحت المشيئة، وهكذا القول: في الحلف بغير الله، أو في تعليق التميمة، أو في الطيرة، أو في قول "ما شاء الله وشئت" ومثيلاتها.
        وقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في موضع آخر [مدارج السالكين 1/344]: ((وأما الشرك فهو نوعان : أكبر وأصغر؛ فالأكبر: لا يغفره الله إلا بالتوبة منه؛ وهو أن يتخذ من دون الله نداً يحبه كما يحب الله، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين .....، وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء والتصنع للخلق والحلف بغير الله كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حلف بغير الله فقد أشرك" وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنا، وأنا بالله وبك، ومالي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا، وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب قائله ومقصده)).
        فالشرك الأصغر تحت المشيئة، ولكنَّه قد يصل إلى الشرك الأكبر بحسب قائله ومقصده فلا يُغفر له.
        الاحتمال الثاني: أنَّ مراده كمراد شيخه ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ وهو أنَّ الشرك الأصغر إن كان كثيراً فيرجح ميزان السيئات فلا يُغفر لصاحبه، وإن كان يسيراً فيرجح ميزان الحسنات فيُغفر له.
        وبهذا يتبيـَّن لنا بجلاء: أنَّ صاحب الشرك الأصغر قد ينال المغفرة في مذهب شيخ الإسلام وتلميذه رحمهما الله تعالى.
        وممن ذهب إلى هذا القول من أئمة الدعوة النجدية: الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه ((تيسير العزيز الحميد/دار الكتب العلمية ص59-60، ص66)) وقد نقل فيه نقلاً مطولاً من كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى من كتابه [تفسير آيات أَشكلت على كثير من العلماء]، وكذلك نصر القول بأنَّ صاحب الشرك الأصغر تحت المشيئة في كتابه: ((توضيح توحيد الخلاق ص315-316)).
        وأشار إلى ذلك كذلك الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى في شرح نظم: {إذ كل ذنب موشِك الغفران ... إلا اتخاذ الند للرحمن} [معارج القبول 2/525]: (([إذ] حرف تعليل، [كل ذنب] لقي العبد ربه به، [موشك الغفران] أي يرجى ويؤمَّل أن يغفر ويعفى عنه، [إلا اتخاذ الند للرحمن] فإنَّ ذلك لا يُغفر ولا يخرج صاحبه من النار ولا يجد ريح الجنة؛ قال الله تعالى: "إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً"، وقال تعالى: "ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً"))، فوصفه للذنب الذي لا يُغفر بأنه الذي لا يُخرج صاحبه من النار ولا يجد ريح الجنة دليل ظاهر أنه أراد الشرك الأكبر حصراً.
        ومن المعاصرين: ما أفتت به اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى [برقم 1653: س/ما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر من حيث التعريف والأحكام] حيث جاء فيها: ((والشرك الأصغر لا يخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام، ولكنه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر؛ ولذا قال عبد الله بن مسعود : "لأنْ أحلف بالله كاذباً أحب إليَّ من أنْ أحلف بغيره صادقاً".
        وعلى هذا فمن أحكامه: أن يعامل معاملة المسلمين فيرثه أهله، ويرثهم حسب ما ورد بيانه في الشرع، ويصلى عليه إذا مات ويدفن في مقابر المسلمين، وتؤكل ذبيحته إلى أمثال ذلك من أحكام الإسلام. ولا يخلَّد في النار إنْ أدخلها كسائر مرتكبي الكبائر عند أهل السنة والجماعة؛ خلافاً للخوارج والمعتزلة)).
        فقولهم: ((إنْ أدخلها)) يدل على أنَّ صاحب الشرك الأصغر قد تناله المغفرة.
        وقال الشيخ ابن باز [التوحيد وأنواعه]: ((أما الشرك الأصغر: فهو أكبر من الكبائر، وصاحبه على خطر عظيم، لكن قد يُمحى عن صاحبه برجحان الحسنات، وقد يُعاقب عليه ببعض العقوبات؛ لكن لا يخلد في النار خلود الكفار)) وفيه إشارة ظاهرة إلى أنه قد تناله المغفرة.
        وسأله سائل: ((الآية: "إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به"؛ يدخل فيها الشرك الأكبر والأصغر، أو الأكبر فقط؛ الله يحسن عملك؟
        فكان جواب الشيخ رحمه الله: ((الشرك الأصغر الأقرب أنه يدخل فيها؛ لكن قد يغفر برجحان الحسنات إذا رجح ميزان الحسنات، لأنه من جنس الكبائر، لكن قد لا يغفر له إذا ما تاب منه ولا رجح ميزانه، قد يُعذَّب عليها كما يعذب على الكبائر إذا مات عليها إلا أن يعفو الله عن الكبائر)) [نهاية الوجه الأول من الشريط الأول من شرحه على كشف الشبهات]
        وقال الشيخ صالح الفوزان في كتاب التوحيد حيث ذكر الفروق بين الشركين الأكبر والأصغر وأشار إلى أنَّ صاحب الشرك الأصغر قد لا يدخل النار فقال: ((الشرك الأكبرُ يخلَّدُ صاحبه في النار، والشرك الأصغر لا يُخلَّد صاحبُه فيها إنْ دَخَلها))، وهذا يعني: أنه قد لا يدخلها.
        وفي كتاب ["أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة ص81-83"؛ الذي ساهم في إعداده نخبة من أهل العلم: الدكتور الشيخ صالح السحيمي، والدكتور الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، والدكتور الشيخ إبراهيم الرحيلي، وراجعه: الدكتور الشيخ علي بن ناصر الفقيهي، والدكتور الشيخ أحمد بن عطية الغامدي؛ وقدَّم له: معالي الشيخ صالح آل الشيخ، حفظ الله الجميع] جاء فيه: ((النوع الثاني من أنواع الشرك؛ الشرك الأصغر: وهو كل ما كان ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه أو ما جاء في النصوص تسميته شركاً ولم يصل إلى حد الأكبر، وهو يقع في هيئة العمل وأقوال اللسان، وحكمه: تحت المشيئة كحكم مرتكب الكبيرة)).
        وبعد هذا؛ يتبيِّن لنا: أنَّ الشرك الأصغر قد ينال صاحبه المغفرة، وقد لا ينالها لأنَّ ميزان السيئات يتعاظم بهذا الذنب، فهو أكبر من الكبائر، وصاحبه على خطر عظيم إلا أن يتغمَّده الله برحمته ومغفرته، وعلى هذا القول جمع من أهل العلم قديماً وحديثاً، وقد يقول به جماعة من المتقدمين والمعاصرين غير ما تقدَّم؛ ولكن هذا هو جهد المُقِلّ، فمن وجد أقولاً أخرى فليسعفنا بها، وله منَّا خالص الدعاء، والله الموفِّق.
        سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
        [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
        [CENTER]
        [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

        تعليق

        يعمل...
        X