الشّريط الأوّل
لقد قام الشّيخ "صالح السّحيمي" ـ حفظه الله ونفع بعلمه ـ في هذا الشّريط بتقعيد للأسماء والصّفات، لذلك كان عملي في هذا الشّريط شبه تفريغ لكلام الشّيخ، خشية الاختصار المخلّ في مسألة من أهمّ مسائل العقيدة.
تقعيد للأسماء والصّفات:
الأمر الأوّل: الأسماء والصّفات توقيفيّة، وليست محلاّ للاجتهاد ولا نثبت لله إلاّ ما أثبته لنفسه من الأسماء الحسنى والصّفات العلى، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل، على حدّ قول الله ((ليسَ كَمِثلِهِ شيءٌ وهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11] ،فهي توقيفيّة، يعني مردّها للكتاب والسنّة، ليس لنا الاستنباط من عند أنفسنا.
هناك قواعد تخصّ الأسماء وقواعد تخصّ الصّفات:
أوّلا: الأسماء
1 ـ أسماء الله كلّها حسنى: فيما يتعلّق بثبوتها، ومعانيها، وآثارها، وليس التّفضيل باختيار آخر بل هو تفضيل مطلق، فالمعروف من أسماء التّفضيل هو ما فضّل على غيره، باعتيارين أو باعتبار، لكن أسماء الله الحسنى فضلى مع عدم المقارنة بغيرها. وفرق بين المفضّل الذي لا يقارن بلفظه، وبين ما يتعلّق بغيره، قال تعالى: ((وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا))[الأعراف:180]
2 ـ أسماء الله غير منحصرة: بمعنى أنّه لا يمكن لأحد أن يحصيها، فهناك ما علّمنا الله إياه، وهناك ما استأثر الله بعلمه، فقد ثبت في سند صحيح من حديث عبد الله بن معود ـ رضي الله عنه ـ في دعاء الكرب، أنّ النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: ((اللّهُمَّ إنِّي عبدُكَ ابنُ عبدِك ابنُ أمتِك، ناصِيتِي بيدِك، مَاضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فِيَّ قضَاؤُك، أسألك اللهمَّ بكلِّ اسم هوَ لك، سمَّيت بهِ نفسك، أو أنزَلتهُ فِي كتابِك، أو علَّمته أحدًا من خَلقك، أو استأثرت بهِ فِي علمِ الغيبِ عندَك، أن تَجعلَ القُرآن ربيعَ قُلوبِنَا، وجَلاَء هُمومِنَا، وذهابَ هُمومِنَا وغُمومِنَا)) والشَّاهد: (استأثرت به فِي علم الغيب عندك)
فإنّه نصّ في أنَّه هناك من الأسماء ما لا نعلمه، ونعلم ما جاء في الكتاب والسنّة يعلمه العلماء.
فإن أشكل على أحدهم قوله: ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : (( إنَّ للهِ تسعةً وتسعِين اسمًا مَن أحصَاهَا دَخَل الجنَّة)) أنَّ ذَلك قد يُفِيدُ الحَصر، الجواب:
أنّ ذلك لا يفيد الحصر، بل إنّه نظير لو قلت: عندِي مئة درهم أعددتها للصّدقة، فإنّ المراد أنّك أعددت هذا العدد المعيّن، ولا يعني أنّك لا تملك غيره، فأسماء الله بناء على ذلك، غير منحصرة.
3 ـ أسماء الله أعلام وأوصاف: فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذّات، وأوصاف باعتبار دلالتها على الصّفات.
مثلا، (الرّحمن الرّحيم) تدلاّن على صفة الرّحمة، فهما علَمان على الله واسمان لله، وتدلاّن على صفة الرّحمة.
4 ـ أسماء الله مترادفة باعتبار ومتغايرة باعتبار:
مترادفة :باعتبار دلالتها على مسمّى واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، فكلّها أسماء الله.
ومتغايرة: باعتبار تغيّر معانيها فـ (الرّحيم) غير (الحكيم)، و(العزيز) غير (الغفور) لكلّ منها دلالة خاصّة به من حيث المعنى وهي كلّها أسماء.
خلافا لما تزعمه المعتزلة من أنّها مترادفة لا معاني لها، وجامدة لا تفيد شيئا، تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا، فقد جرّدوها من أيّة معاني.
5 ـ هل الاسم عين المسمّى أم غير المسمّى أم للمسمّى:
تقول كثير من الطّوائف أنّ الاسم غير المسمّى، يعنون أنّ أسماء الله مخلوقة، كبعض طوائف الجهميّة، والمعتزلة، معناها أنّها ليست أسماء لله، وإنّما أسماء لبعض مخلوقاته، وسمّي بها الله مجازا ، فتعالى الله عمّا يقولون.
ـ طائفة أخرى من المعتزلة أو هم القائلون بالتّرادف: إنّها عين المسمّى، ومعناها أنّه لا معاني لها، يقولون: إنّها أسماء تطلق على الله لكن ليست لها معاني، وهي عقيدة عامّة المعتزلة الذين جرّدوا الأسماء من دلالتها على الصّفات.
ـ عقيدة أهل السنّة والجماعة أنّ الاسم للمسمّى، والقرآن يشهد لهذا المعنى ((اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ))[طه:7]، وقوله ((وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا))[الأعراف:180]ولله: هو الشّاهد.
تنبيه:
1 ـ اختيار الأسماء التسعة والتسعين أمر اجتهادي للاختيار لا للاختراع، فاجتهد أهل العلم في اختيارها، ومن أقدمها اجتهادا يبدو أنّه لـ "الوليد بن مسلم" ـ رحمه الله ـ في رواية "الترمذي" الذي ذكر اختيار الأسماء التسعة والتّسعين، والصّحيح أنّها ليست مرفوعة، وآخرهم كانت للشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ
2 ـ بعض ما يقول به بعض أهل العلم من الاجتهادات محل نظر في إطلاق الأسماء الحسنى على بعض الألفاظ، كما فعل "ابن العربي" ـ رحمه الله ـ حيث جعل من أسماء الله (إنّ الله رابع ثلاثة) و(سادس خمسة) ونحو ذلك، وهذا اجتهاد خاطئ.
و"ابن حزم" ـ عفا الله عنه ـ عندما جعل (الدّهر) من أسماء الله والدّليل واضح على انّه ليس من أسمائه تعالى، وفيه مشكلتان:
أولاها: لكان من ينال من الدّهر ينال من الله جلّ وعلا.
والأمر الثّاني: أنّه إن سبّ الدّهر فإنّه بذلك يعترض على قدر الله سبحانه وتعالى.
وإنّما نهي النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عن سبّ الدّهر في الحديث القدسي ((لاَ تَسُبُّوا الدَّهرَ فإنَّي أنَا الدَّهر أقلِّبُ اللَّيلَ والنَّهار)) فذلك واضح أن المقصود هو خالق الدّهر من دون تأويل بدليل الأمر (بيدي الأمر أقلّب الليل والنّهار) فلذلك هو ليس من أسماء الله.
وقوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ((ولاَ يَزالُ عبدِي يتقرَّب إليَذ بالنَّوافل حتَّى أحبَّه، فإذَا أحببته كُنتُ سمعَهُ الذِي يسمعُ به، وبصَره الذِي يبصِرُ بِه، ويده التِي يبطشُ بِهَا، ورجلهُ التِي يمشِي بهَا، ولئِن سألَنِي لأعطِينَّه، ولئنْ استعَاذنِي لأعِيذنَّه)) وهذا الذي يبيّن المراد من الحديث أوّله (من عَادَى لِي ولِيًّا فَقد آذنتُهُ بالحرب) وآخره (وَلَئِن اسَتعاذنِي لأُعِيذنَّه، ولَئن سألنِي لأعطِينَّه)
وأمّا فيما يتعلّق ببعض قواعد الأسماء والصّفات:
ففيها أن ينظر بذلك إلى أصلين رئيسين، قبل القواعد، من أجل إثبات الأسماء والصّفات.
1 ـ القول في الصّفات كالقول في الذّات: إذا كنت تثبت لله ذاتا لا تشبه الذّوات، وأنّه موجود وجود يخصّه بلا ابتداء وبلا انتهاء، وأنّه ليس قبله شيء ، وليس بعده شيء، وأنّه لا يشبهه أحد في ذلك، فعليك أن تؤمن بأنّ له صفات أيضا لا تشبه الصفات
فإذا قال القائل: كيف ينزل ربّنا ؟ وذلك ليتوصّل إلى القول بأنذه نزول الأمر، فقل له: كيف هو ؟ فيقول لك: لا يعلم كيف هو إلاّ هو، فقل له: كذلك لا يعلم كيفيّة نزوله إلاّ هو.
2 ـ القول في بعض الصّفات كالقول في البعض الآخر، وهذا يخاطب به من يثبت الأسماء دون الصّفات، أو من يثبت بعض الصّفات دون البعض الآخر.
فالأشعري والماتريدي يثبت : الحياة، السمع، البصر، الكلام، الإرادة القدرة، بدعوى أنّ العقل يثبتها.
إنّ دليل ما أثبتَه هو بعينه دليل ما نَفيتَه، أو أوّلته، فمن جهة النّقل الكلّ دلّ عليه القرآن والسنّة، ولا نفرّق بيت متماثلين، فالذي قال ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) [غافر:20] ، هو الذي قال ((رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا))[المجادلة:22]، ثمّ العقل الذي استدللت به على إثبات هذه الصّفات السّبع، فإنّه يدل على إثبات بقيّة الصّفات، أو على الأقل فقد دلّ النّقل عليها.
هناك ثمانية أسس في باب الأسماء والصّفات:
1 ـ أن نثبت تلك الصّفات كما جاءت في الكتاب والسنّة بلا زيادة ولا نقصان
2 ـ أن نؤمن بمعانيها، وأنّها ليست جوفاء بلا معنى، فالله لم يتعبّد بالألغاز ولا بالأحاجي.
3 ـ أن نثبت تلك المعاني على الوجه الذي يليق بالله تبارك وتعالى
4 ـ عدم التّعطيل.
5 ـ عدم التّأويل، أي لا نحرّفها عن مدلوها.
6 ـ عدم التكييف لا نقول أنّ كيفيتها كذا وكذا، فلها تكييف لا يعلمه إلاّ الله، وهو معنى قول السّلف (أمرّوها كما جاءت)
7 ـ عدم التّشبيه
8 ـ عدم التّمثيل.
وإن كان هناك تداخل بين التّشبيه والتّمثيل، فإنّ التّشبيه أعمّ فهو يشمل التّمثيل وزيادة.
والتّمثيل خاص بتشبيه صورة بصورة معيّنه من جميع الوجوه.
ومنها أيضا أنّها على قسمين ، صفات ثبوتية وصفات سلبيّة.
1 ـ الصّفات الثّبوتيّة: كلّ ما دلّ الكتاب والسنّة على الاتّصاف به من الأوصاف اللاّئقة بجلاله وعظمته سبحانه.
2 ـ الصّفات السلبيّة على ثلاثة أقسام:
2-1 ـ ما لا يليق بالله مطلقا، وهذا يجب نفيه عن الله جملة وتفصيلا.
2-2 ـ ما نفاه الله عن نفسه، ولابدّ والحال هذه أن تتضمّن كمالا، فنفي السّنة والنّوم تدلّ على كمال القدرة والقيّوميّة والحياة.
2-3 ـ ما أمكننا نفيه وإثباته حقّا وباطلا، وهذا يجب السّكوت عنه، كما سكت عنه الله، فإن أطلقه أحد استأصلناه عن مراده بالنّفي أو الإثبات، فإن قال قائل: أنا أنفي عن الله الجسم، قلنا ماذا تقصد بنفي الجسم، فإن كنت تقصد أنّ لله جسما ليس كجسم المخلوقين، أي دم ولحم فنفيك صحيح وإن كان النّفي لم يرد بهذا الإجمال.
وإن كنت تعني بأن الله ليس بموجود، وأنّه لا يشار إليه، وأنّه لا يدعى من أسفل، ويتوجّه إليه بجهة العلو، فنفيك باطل جملة وتفصيلا.
من القواعد أيضا في الصّفات،
أنّ الغالب فيها الإثبات المفصّل والنّفي المجمل، وقد يأتي على خلاف هذه القاعدة على قلّة.
ومعنى الإثبات المفصّل أنّنا نثبت لله كلّ ما أثبته لنفسه من الصّفات والأسماء، على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته.
وأمّا النّفي المجمل وهو الغالب، مثل نفي الكفئ والنّظير والشّبيه والمثيل...إلخ، وقد جمعت سورة الإخلاص بين الأمرين فـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) إثبات مفصّل، و((لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4))) [الإخلاص3-4]، هذا نفي مجمل
من القواعد في الصّفات:
أنّ الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالنّفي المحض: أي النّفي الخالص الذي لا يتضمّن كمالا، ولو تأمّلنا ما نفى الله عن نفسه، لوجدنا أن هذا النفي يتضمن بالمقابل اتّصاف الرب بكمال ضدّ ذلك المني، كما في قوله تعالى:
((لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ )) [البقرة:255] يدلّ على كمال القيومية والحياة
((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4))) [الإخلاص4]، يدل على كمال الوحدانية ، وغيرها من الأمثلة.
أمّا النّفي المحض:
((وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) [الكهف:49] يدلّ على كمال العدل.
ـ معنى استوى: علا وارتفع واستقر، كما ذكر السّلف ـ رحمهم الله ـ
ـ ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا))[الأعراف:7]
في الآية قراءتان[إلاّ الله والرّاسخون في العلم]، قراءة الوصل والوقف:
ففي قراءة الوقف يعني ما استأثر الله بعلمه.
وفي قراءة الوصل، يعني ما يعلمه العلماء الرّاسخون في العلم الذين وفّقهم الله لهذا العلم، أي (والرّاسخون في العلم يعلمونه) لأنّ الله علّمهم إيّاه.
ـ يقول عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إنّ التّفسير على أربعة أضرب:
ـ تفسير لا يُعذر أحد بجهالته، وهو الأمر والنّهي.
ـ وتفسير يعلمه العلماء، وهو معرفة الناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والمبهم والمعين، وما إلى ذلك، وتفسير الألفاظ المجملة كالقرء مثلا
ـ تفسير يعلمه أهل اللّغة مثل قوله تعالى ((وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)) [عبس:31]
ـ تفسير لا يعلمه إلاّ الله: وهو ما استاثر بعلمه من الكيفيّات والمآلات.
تعليق