إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

فوائد من شرح "كتاب الاعتقاد للقاضي ابن أبي يعلى"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فوائد من شرح "كتاب الاعتقاد للقاضي ابن أبي يعلى"

    بسم الله الرّحمان الرّحيم


    الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين ، محمّد عبد الله ورسوله أمّا بعد:



    فهذه فوائد من شرح "كتاب الاعتقاد للقاضي ابن أبي يعلى"
    للشيخ إبراهيم بن عامر الرّحيلي ـ حفظه الله تعالى ـ


    ******


    [الفوائد من الشّريط الأوّل ]

    الفائدة الأولى

    نصيحة لطلّاب العلم
    أصول دراسة عقيدة أهل السّنّة والجماعة


    وإنّ مـمّا ينبغي لطلاب العلم العناية به هو دراسة هذه العقيدة وهذه الدّراسة لا تكون صحيحة مؤدّية لغرضها في إزالة الشّبه إلا إذا كانت مبنية على أصول..
    فمن هذه الأصول :

    أن تكون الدّراسة لعقيدة أهل السنّة والجماعة مبناها على الدليل الصحيح والفهم السليم

    فإنّ هذه العقيدة مستمَدّة من كتاب الله ومن سنّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وما ذكر أهل العلم شيئا من مفردات عقيدتهم وعقيدة أهل السّنّة إلا والدّليل دالّ عليه من كتاب الله ومن سنّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ .

    الأمر الثاني: أن تؤخذ هذه العقيدة من مصادرهابعد كتاب الله وبعد سنّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من كتب السّلف، الذين فهموا الدليل الصّحيح وبيّنوه وشرحوه ووضّحوه ، ونحن نحتاج إلى كلام السّلف لأنّا نقصر عن فهمهم، وإلا فكتاب الله وسنّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ هما كافيان لبيان الحقّ ،لكن لـمّا ضعف الناس احتاجوا إلى كلام أهل العلم وإلى كلام السّلف ،فينبغي لطلاب العلم أن يرجعوا إلى تلك المصادر القديمة ،وإلى كتب السّلف ،ويتنبّهوا إلى دقّة عبارتهم في وصف عقيدة أهل السّنّة والجماعة ، وتجنبّهم كل ما يفضي إلى الخطأ ،وإلى وهم قد لا يريده المتكلّم ، ولكنّه يوهم وهذا ما حصل لبعض المتأخّرين أنّ المتكلّم قد يريد الحقّ لكنّه لا يوَفَّق للتعبير عنه .

    الأصل الثالث : وهو متعلّق بهذا الأصلفينبغي أن تُفهم العقيدة فهما صحيحا ،ثمّ من تحدّث عنها وكتب فيها ينبغي أن يكون تعبيره صحيحا، وذلك أنّ بعض الكلام الذي جاء في كلام المتأخرين،وبعض العبارات الذين وصفوا بها عقيدة أهل السّنّة بعضها لا يؤدي ما أراد المتكلم وقد ينشأ الجهل بأصل المسألة أو ينشأ الجهل بمدلول اللفظ، ولهذا تجنّب السّلف الألفاظ المجملة والكلمات التي أحدثها المتكلّمون ،فكرهوا الألفاظ المجملة كالجسم والعَرَض والحدّ، وكرهوا الحديث في مسألة اللفظ بالقرآن بالنفي أو الإثبات وهكذا كل الألفاظ المجملة .

    من الأصول التي يجب أن تراعى في دراسة عقيدة أهل السّنّة أنّ أهل السّنّة كانوا يذكرون الحقّ الذي دلّت عليه الأدلّة من الكتاب و السّنّة ،ويذكرون في مقابله الرّد على الباطل الذي أحدثه النّاس ،ومن درس عقيدة أهل السّنّة وجدها متضمنة لهذين الأمرين، فكان السّلف يذكرون الإيمان ويقولون : (نؤمن بما أخبر عنه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه ).
    فلمّا أحدث المرجئة ما أحدثوا من القول بأنّ الإيمان هو التصديق قالوا : (الإيمان اعتقاد وقول وعمل) فردّوا بهذه المقالة البدعة التي نشأت في هذا المقام . ولمّا أحدث المعطّلة والمشبّهة ما أحدثوا في الصّفات قالوا : (نؤمن بأسماء الله وصفاته من غير تحريف ولا تعطيل،ومن غير تكييف ولا تمثيل) وأرادوا بالعبارات الأخيرة الردّ على الشّبه التي أُحدثت في هذا الباب . وكذلك لما تكلّموا في القدر وأثبتوا الإيمان بالقدر وأحدث أهل البدع ما أحدثوا فقالوا: (ونؤمن بأنّ الله خلق العباد وأعمالَهم ) فنصّوا في مقابل قولهم : (خلقهم و أعمالهم) في الرّدّ على القدرية القائلين بأنّ أعمال العباد مخلوقة لهم ، وقالوا في مقابل هذا : (يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، يهدي من يشاء فضلا ويضلّ من يشاء عدلا) وهذا في مقابل من أنكر أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يهدي ويضلّ ،ثمّ نصّوا في مقابل قول الجبريّة : (أنّ العباد مجبورون على أعمالهم) أثبتوا المشيئة للعبد فقالوا : (لله مشيئة وللعبد مشيئة )﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير:29]
    ومن تأمّل أقوال أهل العلم في وصف عقيدة أهل السّنّة وجدها متضمنة لهذا وهذا ، وهذا مما يدلّ على أنّه ينبغي للمصنّفين في عقيدة أهل السّنّة وفي وصفها، أن يذكروا الحقّ في مقابل الباطل الذي أحدثه النّاس وألصقوه بعقيدة أهل السّنّة .

    كما أنّ من الأصول المقرّرة في هذا الباب هو التّجرّد التّام لنصرة الحقّ ولعقيدة أهل السّنّة وألّا تأخذ المدرّس ولا الباحث ولا المحقّق ،لا تأخذه لومة لائم في السّكوت عن الحقّ بل ينبغي أن يصدع بالحقّ .

    وأنا دائما أذكّر بأصلين عظيمين، عليهما سلف الأمّة ومن وفّقه الله ممّن سلك طريقهم:

    فالأصل الأوّل:هو التجرّد لنصرة الحقّ وبيان الحقّ للنّاس ،وألا يُكتم الحقّ على النّاس.
    والأصل الثاني:هو حفظ مقام أهل العلم ومعرفة قدرهم ومنزلتهم.

    وهذا لا يتعارض مع هذا ،فعندما يُنبّه على خطأ صدر من عالم أو زلّة ، فهذا لا يعني انتقاص ذلك العالم ،واحترامنا لذلك العالم لا يعني السكوت عن أخطائه، ومن توهّم أنّ أحد هذين الأصلين يخلّ [1] بالآخر فلابد أن يسكت عن بعض الأخطاء وهذا هدم للأصل الأول .
    أو يشنّع على بعض المخطئين وهذا هدم للأصل الثاني .

    ولهذا لا يخطر ببال طالب علم أنّه إذا ما نبّه على خطأ أنّه ينتقص ذلك المتكلّم ،وإنّما هو من النّصح له ، ومعلوم أنّ من أعظم النّصح أن يُنبّه النّاس على خطأ صدر من عالم ، وهذا فيه نصرة للحقّ وإبراء لذمّة ذلك العالم ،ويوم القيامة سيحمد أولئك العلماء لمن نبّه على أخطائهم هذا التنبيه ،لأنّه بسببه يرتفع خطؤهم في النّاس ،وتحصل السّلامة من ذلك الخطأ ،ومعلوم أنّ أهل النصح والإخلاص ممّن صنّف في هذا الباب وفي غيره من أبواب أهل العلم كانوا ينصّون في مقدّمات كتبهم على الدّعاء لمن وجد خطأ في الكتاب فأصلحه، وهذا دليل على حبّهم لأن تصلح أخطاؤهم وأن يرفع ،وأن ينبّه الناس على الخطأ، وهذا خلاف ما عليه بعض المتأخرين ممّن نقص فهمهم فظنّوا أنّ التّنبيه على الخطأ ملازم لتنقّص العالم .
    وهذا الأصل إن لم يُحفظ فإنه لابد أن يطرأ على أفهام النّاس وعلى كلام النّاس ما يطرأ عليه من الخطأ، فإذا سكت العلماء عن الأخطاء ضلّ النّاس وانتشرت الأخطاء وكثرت البدع ،وإذا تنقّصنا العلماء بأخطائهم هدمنا أصلا آخر فتجرّأ النّاس على العلماء ولم يعرفوا لهم قدرا .

    هذه بعض المسائل والأمور التي ينبغي أن يُعتنـى بها حتى يحصل لطالب العلم الترسّخ في عقيدة أهل السّنّة والجماعة ،وأن يسلك طريق السّلف وأهل العلم من بعدهم،الذين هم على هذه العقيدة .

    يتبع بإذن الله تعالى ...
    ـــــــــــــــــــــ

    [1]ـ هكذا أحسبها ، والله أعلم .

  • #2
    الفائدة الثانية
    ما يُعرف به القاضي ابن أبي يعلى

    والقاضي أبو الحسين ابن أبي يعلى كما هو معلوم هو ابن للقاضي" أبي يعلى " وهو الإمام المشهور ،وهو إمام الحنابلة وشيخهم ومقدَّمهم في تلك الفترة ،وقد تأثّر الابن بأبيه فيما هو عليه من شدّة الورع والحرص على السّنّة وإن كان قد جاء في كلام الأب "القاضي أبي يعلى" ما جاء من بعض التأثر ببعض أهل الكلام في عبارات يسيرة، نبّه عليها العلماء مع حفظ مقام ذلك العالم ،وجاء في كلام القاضي أبي الحسين بعض العبارات اليسيرة التي لا تنقص من قدره ،ومنها ما هو موجود في هذا الكتاب، وهذا لا يقلل من أهمية الكتاب ولا من أهمية صاحبه ،وإنّما يُذكر هذا للتنبيه كما ذكرت



    الفائدة الثالثة
    التّفريق بين المذهب والعقيدة


    "المذهب" أكثر ما يطلق على المذاهب الفقهية في باب الفروع
    و"العقد" يقصد به العقيدة ويطلق على ما يكون عليه الرجل في الاعتقاد .

    وأهل السّنّة لا يفرقون بين المذهب والاعتقاد فإنّ العقيدة تدلّ على المذهب الصحيح ،والمذهب الصحيح يدلّ على العقيدة الصحيحة ،ولهذا لم يفرق أتباع الأئمة الأربعة بين عقائد الأئمة الأربعة وبين مذاهبهم ،وإنّما جاء التفريق في بعض المتأخرين من أهل البدع الذين يقول قائلهم : " إمامي في العقيدة فلان ، وإمامي في العبادة وفي الطريقة فلان ، وإمامي في الاعتقاد فلان " فيجعلون إماما في العقيدة ،وإماما في الفقه ،وإماما في الطريقة ؛يقصدون بها طرق التصوف ،وأما أهل السّنّة وأتباعهم وعلى رأسهم الأئمّة الأربعة فيجعلون أئمّتهم في هذه كلها هو إمام واحد، ولهذا أتباع الإمام أحمد إمامهم في العقيدة والمذهب وفي العبادة هو أحمد بن حنبل ، والمحقّقون من أهل العلم من أتباع الأئمّة الأربعة لا يتقيدون بمذهب ،وإنّما يرجحون بين أقوال أهل العلم ، وهذا على ما هو معروف عند المحقّقين من أتباع الأئمّة الأربعة وما عليه أهل السّنّة في كلّ عصر وفي كل مصر أنّهم يرجحون بين أقوال الأئمّة ويأخذون بما دلّ عليه الدّليل من أقوالهم مع احترام الجميع .


    الفائدة الثالثة :
    التّعبير بلفظ (الإقرار) أحسن من التّعبيربلفظ ( التّصديق ) في تعريف الإيمان



    وهذا عبّر به بعض أهل العلم فقالوا : " أنّ الإيمان في اللّغة هو التّصديق " ولكن أحسن من هذه العبارة هو ما ذكره شيخ الإسلام وهو أن يقال : " أنّ الإيمان هو الإقرار" لأنّ الذي يقابل التّصديق هو التّكذيب وليس كل من صدق النّبيّ ـ صلىّ الله عليه وسلّم ـ مؤمن به فكثير من اليهود ومن أهل الكتاب صدّقوا النّبيّ ـ صلىّ الله عليه وسلّم ـ وعرفوه وعرفوا صدقه لكنّهم لم يؤمنوا به، ولهذا الذي تدلّ عليه الأدلّة حتى من كلام العرب إذا قيل :"آمن له" بمعنى أقرّ له ، وإنما يُذكر التّصديق في مقابل التّكذيب يقال:"كذّبه وصدّقه" وليس كلّ من صدّق شخصا من النّاس يقال أنّه آمن به ، فكثير من أهل الكتاب صدّقوا النّبيّ ـ صلىّ الله عليه وسلّم ـ لكنّهم لم يؤمنوا به ولهذا ذكر شيخ الإسلام أنّ الصحيح في هذا هو أن يقال:" أنّ الإيمان في اللغة هو الإقرار" لأنّ الإقرار يشتمل التّصديق والإقرار لما جاء به النّبيّ ـ صلىّ الله عليه وسلّم ـ .


    الفائدة الرابعة
    الإجابة عن سؤال : أمؤمن أنت ؟ أو هل أنت مؤمن ؟


    وإجابة السّلف على هذا السّؤال تنوّعت:
    فمنهم من ردّ على السّائل بأنّ هذا السّؤال مُحدث وهذا هو الصّحيح، فإنّ السّؤال عن الإيمان بدعة ولا يجوز السّؤال عن الإيمان ، ومن سأل عن الإيمان فقد ابتدع .
    ولكن إذا سئل السّنّي هذا السّؤال
    فإنّ له أن يجيب بإحدى هذه الإجابات:
    فيقول: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله.
    أو يقول : لا أشكّ بأصل إيماني.
    أو يقول: مؤمن أرجو.
    أو يقول :مؤمن إن شاء الله .
    والمقصود هو الاستثناء من الكمال الواجب لا أصل الإيمان ، ولهذا لا يَرِد على أهل السّنّة أنّهم شكّاكة، وإنّما الاستثناء هو من الكمال الواجب ، ومن الذي يقطع لنفسه بأنّه حقّق الإيمان الكامل الواجب،فلم يترك شيئا من الأوامر إلا حققّه ولم يرتكب شيئا من النّواهي ؟!! فإنّ الإنسان مقصّر ومن شهد لنفسه بأنّه مؤمن الإيمان الكامل فإنّه يشهد لنفسه بالجنّة ،ولهذا أجاب بعض السّلف لـمّا سُئل عن الإيمان وعن الاستثناء ،أجاب بعض النّاس قال: مؤمن ،فقالوا له: (فهلاّ تشهد لنفسك بالجنّة ) قال: لا وإنّما أرجو ،فقالوا له : (قيّد الأولى كما قيّدت الثّانية )،يعني كما أنّ الإنسان لا يقطع لنفسه بأنّه في الجنّة ، فإنّه ينبغي له أن لا يقطع لنفسه بالإيمان ،لأنّ هذا تفريقٌ بين هذا الحكم الشّرعي الذي شهد الله ـ عزّ وجلّ ـ لأهله بأنّهم في الجنّة في وقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾[المؤمنون:1]وبيْن ما عليه الرّجل ،فنحن نقطع بأنّ كلّ مؤمن في الجنّة ،ولكن هل يُزكّي الإنسان نفسه بهذا الإيمان؟!! لا يُزكّي نفسه بالإيمان الكامل، وإن كان لا يشكّ في أصل إيمانه، ولهذا كره الإمام أحمد الاستثناء في الإسلام على الصّحيح من قوله، أنّه لا يرى الاستثناء في الإسلام إذا أريد بالإسلام هو أصل الإسلام الذي هو أصل الإيمان ، وأمّا إذا أريد بالإسلام الكامل في معنى الإيمان ، فإنّ الإسلام إذا أُطْلِق قد يدخل فيه الإيمان ، فإنّ الاستثناء فيه يكون كالاستثناء في الإيمان وأمّا إذا أريد بالإسلام الكلمة وهو النّطق بالشّهادتين فإنّه لا يستثني في هذا ، وإنّما يقول : (مسلم) كما أنّا نقول الآن :نحن مسلمون ، وإنّـما نريد بهذا أنّا ممّن نطق بالشّهادتين ،ورضي بالله ربّا ،وبالإسلام دينا ،وبمحمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ رسولا ،ولكن هل حقّقنا الإسلام الكامل ؟ هذا الذي لا يقطع به مسلم لنفسه، نعم.

    الفائدة الخامسة
    سبب نصّ السّلف على عبارة ( غير مخلوق) في سياق العقيدة في القرآن

    فهذه العبارة دقيقة في وصف عقيدة أهل السنّة وهي مأثورة (القرآن كلام الله منـزّل غير مخلوق )
    وقوله: (غير مخلوق) هذا تقرير لما سبق وذكرت في المقدّمة؛ أنّ أهل السّنّة ينُصّون في عقيدتهم ،إذا ما أُحْدثت البدعة ينُصّون على الحقّ في مقابل الباطل ،وقد كان السّلف يقولون : (القرآن كلام الله)ويسكتون ،ثمّ لـمّا أحدث الجهمية ما أحدثوا قالوا: (غير مخلوق) وكان في بداية الأمر توقّف بعض أهل العلم عن إطلاق هذه العبارة فقالوا : ( نقول القرآن كلام الله ونسكت ) فأنكر عليهم الأئمّة كالإمام أحمد وغيره ، بل إنّ الإمام أحمد كان يُسأل عن القرآن فيقول : ( كلام الله ) ويسكت ثمّ لمّا أحدثت الجهمية ما أحدثوا كان يُبدّع من لم يقل: (غير مخلوق) فلمّا سُئل عن هذا كما جاء في"السنّة" للخلال أنّه كان يُسأل عن هذا فيقول : (القرآن كلام الله) قال : (كنّا نقول هذا ونقبل من النّاس ولكن لمّا أحدث هؤلاء ما أحدثوا لم نقبل منهم ) يعني لم نقبل من النّاس أن يسكتوا في مقابل ما أحدث أولئك حتّى يتميّز صاحب السّنّة عن صاحب البدعة بنفي هذا الباطل الذي أحدثه النّاس ،ثم جرت السّنّة على هذه المقالة ،وصرّح بها الأئمّة ، وصدعوا بها، ولم يتردّدوا فيها ،بل طعنوا فيمن توقّف في هذه العبارة وهو أن يقول : القرآن كلام الله ويسكت، بل لابد أن ينصّ عليها ويقول : (القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق )وهذا في مقابل من زعم أنّه مخلوق من الجهمية والمعتزلة الذين يقولون أنّ الله خلقه في غيره ، خلقه في الهواء أو خلقه في جبريل ،أو في النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهذه الأقوال كلّها باطلة ، فالقرآن كلام الله ـ عزّ وجلّ ـ بلفظه وبمعناه ،ليس لجبريل ولا للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ منه إلاّ البلاغ ،وهو كلام الله كيفما تصرّف .

    الفائدة السادسة
    إطلاق وصف (قديم) على القرآن لا يؤْثر عن السّلف

    ذكر شيخ الإسلام في المجلّد الثّاني عشر التّفصيل في مسألة التّلاوة التي ذكرت، التفصيل الذي ذكرت في مسألة "التلاوة والمتلو" في المجلد الثاني عشر الصفحة (307) ،وذكر قبل ذلك في صفحة (300) وما بعدها مسألة "القول بأنّ القرآن قديـم" يقول شيخ الإسلام : ( وكما لم يقل أحد من السّلف إنّه مخلوق فلم يقل أحد منهم إنّه قديم ،لم يقل واحداً من القولين أحدٌ من الصّحابة ولا التّابعين لهم بإحسان ولا بعدهم من الأئمّة الأربعة بل الآثار المتواترة عنهم بأنّهم يقولون كلام الله )
    قال : (ولـمّا ظهر قول من يقول :إنّه مخلوق ،قالوا في الرّد عليه :إنّه غير مخلوق) وهذا ممّا يدل على أنّ السّلف لـمّا أظهر الجهمية القول بأنّ القرآن مخلوق لم يردّ أهل السنّة هذه البدعة بقولهم إنّه قديم وإنّما قالوا غير محلوق ، كما تقدّم ، فالقول بأنّ القرآن قديم هذه كلمة مجملة لم يقلها السّلف، بل إنّ الذين يقولون أنّ القرآن هو قديم باعتبار المعنى القائم بنفس الله ـ عزّ وجلّ ـ هم الأشاعرة ، وأهل السّنّة لا يقولون أنّ القرآن قديم وإنّما يقولون: (القرآن كلام الله غير مخلوق)فـ(غير مخلوق) هي ردّ على من زعم أنّه مُحدث وأنّه مخلوق، ولكن الردّ للبدعة ينبغي أن يكون بحقّ فيقال كما قال السّلف: (القرآن كلام الله غير مخلوق) وأمّا القول بأنّه قديم فهذا لم يقله أحد من الصّحابة ولا من التّابعين ،ولهذا قال شيخ الإسلام: ( كما أنّهم لم يقولوا أنّه مخلوق لم يقولوا إنّه قديم ) وإنّما يقال: القرآن كلام الله غير مخلوق .

    الفائدة السّابعة
    لفظ (المحدث) فيه إجمال

    لأنّ "المُحدث" قد يراد به ما يكون في مقابل القديم ،وهي في اصطلاح المتكلّمين "مخلوق" فلا شكّ أنّه إذا أريد بالمحدث المخلوق ،فالقرآن ليس مُحدثا بهذا المعنى ، ولكن إذا أريد بالمُحدث ما ينزل من القرآن بعدما نزل متقدِّما كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ :﴿ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ ﴾[ الأنبياء: 2]فلا يقال أنّ القرآن قديم بهذا الاعتبار ،فإنّ ما نزل متأخرا هو مُحدث بالنّسبة لما نزل متقدّما ،وهو مُحدث في العلم بالنسبة للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وأصحابه ، ولهذا لفظ "الإحداث والمحدث" كان أهل العلم يتجنّبون هذه الألفاظ لأنّها قد يُفهم منها ما يطلقه بعض أهل البدع ، وقد ذكرتُ أنّ من أصول أهل السّنّة هو التمسّك بالألفاظ التي تدلّ على الحقّ وتجنّب الألفاظ المجملة التي قد يُفهم منها معنىً باطلا وإن كان المتكلّم لا يريد إلا الحقّ.



    الفائدة الثّامنة
    (جسم ، جوهر ، عَرَض) من العبارات المجملة

    وهذه أيضا من العبارات المجملة التي كره السّلف إطلاقها في حقّ الله ـ عزّ وجلّ ـ.
    فـ(الـجسم) لأهل العلم فيه تفصيل باعتبار المعاني التي يطلقها النّاس على الجسم فمنها:
    · ما يريده أهل الكلام وهو ما يشار إليه وما يوصف بالنّزول والعلو، والله ـ عزّ وجلّ ـ بهذا المعنى؛ فالله ـ عزّ وجلّ ـ ينزل ويتكلّم ويُشار إليه ولكن لا يُطلق عليه هذا اللّفظ المجمل.
    · وقد يطلق بالجسم ما يطلقه أهل اللغة على الجسم المكوّن من المادّة، والله ـ عزّ وجلّ ـ منزّه عن هذا الأمر ،ولهذا ينبغي تجنّب لفظ "الجسم" في حقّ الله ـ عزّ وجلّ ـ وفي صفاته.
    (ولا جوهر) والجوهر هو ما يقوم بنفسه عند أهل الكلام وهو بمعنى الجسم.
    (ولا عَرَض ) والعَرَض هو ما لا يقوم بنفسه، ويطلقون العَرَضَ على معنى الصّفات، ولكنّ العرض إذا أريد به الصّفة فالله ـ عزّ وجلّ ـ موصوف بالصّفات، وإذا أريد بالعَرَض هو ما يعرض للنّاس من الأعراض ومن الآفات فالله ـ عزّ وجلّ ـ منـزّه عن هذا.


    الفائدة التّاسعة
    القرآن صفة ذات باعتبار ،وصفة فعل باعتبارآخر
    وكلام الله عند أهل السّنّة:
    · هو باعتبار النّوع صفة الذات
    · وباعتبار الأفراد هو صفة فعل
    والقرآن الذي تكلّم الله ـ عزّ وجلّ ـ به وأنزله على رسوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لا يقال : هو المعنى المطابق بنوع الكلام وهو كون الله ـ عزّ وجلّ ـ متكلّما ،وإنّما هو من كلامه الذي تكلّم به بمشيئته متى شاء إذا شاء وأنزله على نبيّه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ولهذا لا يقال: أنّ القرآن هو صفة ذات وهذا في معنى قوله :أنه قديم ، وإنّما يقال: القرآن كلام الله ، والكلام نوعه قديم وأفراده يُحْدِث الله ـ عزّ وجلّ ـ منها ما يشاء ،وينبغي التّنبه لهذه المسألة والتّفريق بين النّوع وبين أفراد الكلام :
    فالنّوع الذي يقال فيه إنّه نوعه قديم هو وصف الله ـ عزّ وجلّ ـ بهذه الصّفة وهو كونه متكلّما و يضاد النّوع الخرس .
    وأمّا صفة الفعل وهي الأفراد من الكلام فهي التّي يقال فيها يتكلّم متى تشاء إذا شاء ،والذي يضاد الكلام بالمشيئة يضادّه السّكوت .
    فالسّكوت هو في مقابل الصّفة الفعلية، والخرس هو في مقابل الصّفة الذاتية.
    ولهذا لا يشكل على طالب علم إذا ما عرفنا الصّفات الذاتية بأنها ملازمة للذات فيقال :كيف يقال أنّ الكلام ملازم لذات الله باعتبار النّوع ، والله يسكت ويتكلّم؟!! فيقال له : إنّ ما يقابل نوع الكلام هو الخرس،فلا يقال أن الله ـ عزّ وجلّ ـ يتكلّم ويوصف بصفة الخرس ،وإنما يقال إنّ الله يتكلّم ويسكت ،كما جاء في الحديث: ((إنّ الله بيّن أشياء وسكت عن أشياء)) ولهذا ذكر شيخ الإسلام أنّ الإجماع قد انعقد على إثبات صفة السّكوت لله ـ عزّ وجلّ ـ كما دلّت على ذلك السنّة .


    .......
    يتبع إن شاء الله تعالى ..
    التعديل الأخير تم بواسطة أم معاوية; الساعة 30-Mar-2009, 04:58 PM. سبب آخر: خطأ في كتابة (صفة فعل)

    تعليق


    • #3
      [الفوائد من الشّريط الثّاني ]



      الفائدة ـ1ـ

      الكلام كلام البارئ والصّوت صوت القارئ



      ذكر شيخ الإسلام أنّ من قال عندما يسمع القرآن بتلاوة التّالين قال: "أنّه يسمع كلام الله القديم" فإنّه مخطئ ،بل ذكر أنّه مبتدع ،لأنّ كلام الله القديم هو الذي تكلّم الله ـ عزّ وجلّ ـ به وأسمعه من شاء بصوت نفسه ، فالذي نسمعه الآن من كلام الله لا يقال أنّه كلام الله الذي تكلّم به في القِدَم ، وإنّما نسمع كلام الله الذي حروفه ومعانيه وألفاظه هي كلام الله بلا شكّ ، ولكنّ الصّوت الذي نسمع هو صوت القارئ ، الصّوت الذي نسمع هو صوت القارئ ، فإنه إذا قيل" أنّ فلان يسمع كلام فلان" فإنّه يسمع المسموع ويسمع الصّوت ،فالمسموع الذي هو كلام الله : هو كلام الله بلا شكّ ،ولكنّ الصّوت الذي نسمع هو فعل العبد ،وقد تقدّم أنّ الصّوت مخلوق ،ولهذا قال أهل العلم: (الكلام كلام البارئ والصّوت صوت القارئ)
      ......

      ولهذا ينبغي أن يُتَنبّه لهذه العبارة عندما يقال: (القرآن تكلّم الله ـ عزّ وجلّ ـ به بحرف وصوت)يعني تكلّم الله ـ عزّ وجلّ ـ به وأسمعه من شاء بحرف وصوت ،وهذا في الردّ على الأشاعرة و الكُلَّابية الذين يقولون: هو معنى في النّفس، فإنّ الله تكلّم به بصوت نفسه،ولكن لا يعني عندما يقرؤه القارئ يقال أنّ الصّوت هنا كلام الله ،فإنّ الصّوت هنا صوت القارئ والكلام كلام الله ـ عزّ وجلّ ـ ،فينبغي التّفريق بين الصّوت الذي يُسمع عند تلاوة التّالين وبين الصّوت الذي يتكلّم الله ـ عزّ وجلّ ـ به عندما تكلّم بالقرآن .


      الفائدة ـ 2ـ


      أهميّة تجنّب الألفاظ المجملة في وصف العقيدة


      وهذا فيه فائدة لطلاّب العلم في تجنّب مثل هذه الألفاظ المحدثة التي أحدثها المتكلّمون وتأثّر بهم من تأثّر من هؤلاء الأفاضل الأخيار ، ولهذا ذكر شيخ الإسلام في مسألة اللّفظ والتّلاوة قـال :
      " وهذه مسألة اضطرب فيها كثير من النّاس من أهل العلم والفضل والعقل والدّين ، اضطرب فيها كثير من النّاس من أهل العلم والفضل والعقل والدين "
      ثمّ نقل قول ابن قتيبة قال: " أنّه ما اختلف أهل السّنّة في مسألة إلاّ في مسألة اللّفظ " لأنّ هذا اللّفظ مجمل .
      ولهذا ينبغي تجنّب هذه الألفاظ المجملة ، وإن كان المصنّف يريد الحقّ ، والمصنّف عباراته حقيقة وتعبيره دليل على دقّة فهمه لعقيدة أهل السّنّة ، وهذا يظهر من قوله :(ولا يجوز مفارقته بالعدم لذاته ) لمّا قال: ( بالعدم )وهو يريد أن يشير أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ متّصف بنوع الكلام ، لكنّه تأثّر بهذه الألفاظ المجملة ، وأمّا فهمه فدقيق جدا لعقيدة ولقول أهل السّنّة في هذا الباب ،وهذا ظاهر من هذا الاستثناء الذي ذكره في قوله: (بالعدم) يعني أنّه لا يقال أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ تنعدم فيه هذه الصّفة ، ولكنّ هذه الألفاظ المجملة ينبغي تجنّبها والتّمسّك بعبارات السّلف التي عبّروا بها في هذا الباب وفي غيره من أبواب العلم


      الفائدة ـ3 ـ
      لا يوجد تعارض بين تعاريف الإيمان المنقولة عن السّلف


      ليس هناك تعارض بين هذه التّعاريف ،وإنّما كان أهل العلم عندما أحدث المرجئة ما أحدثوا من القول بخروج العمل من الإيمان كان يكتفي بعضهم في ردّ بدعتهم فيقول "الإيمان قول وعمل "ولا يذكر الاعتقاد ،لأنّ الاعتقاد لا خلاف فيه ومتّفق عليه ، وبعضهم يُفَصِّل ويقول:"اعتقاد وقول وعمل "وهذا لا يعارض هذا ، وإنّما هذا من باب الإجمال والتّفصيل ، وليس بين هذه الأقوال تعارض ،ولهذا الذين يطلقون هذا في موطن يطلقون في موطن آخر ويفصّلون ويقولون: "اعتقاد وقول وعمل"
      الفائدة ـ4ـ

      الإحسان هو مرتبة فوق الإيمان والإسلام ، وهو كما قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ((أن تعبد الله كأنّك تراه وإن لم تكن تراه فإنّه يراك)) وهي مرتبة عالية مبناها على العلم بالإسلام والإيمان ، ولهذا قال:((أن تعبد الله))وبأيّ شيء يَعبد اللهَ ؟ يعبده بالإسلام وبالإيمان وهو يزيد عن الإيمان والإحسان أن يعبد الله كأنّه يراه، وهذا دليل على قوّة المراقبة وقوّة العلم بالله ـ عزّ وجلّ ـ ثمّ اختلف أهل العلم هل هو مرتبتان ؟ فالـمرتبة الأولى ((أن تعبد الله كأنّك تراه)) والمرتبة الثّانية ((أن تعبد الله كأنّه يراك)) أو أنّ العبارة الثّانية هي تفسير للعبارة الأولى.

      الفائدة ـ5ـ
      حكم إدخال بعض آيات القرآن في الشعر
      إذا كان الذي يكون في أبيات الشّعر من القرآن يؤتى به على نظم وعلى أوزان الشّعر ويأتي بما قبله وما (بعده)[1]على نظم القرآن فإنّ هذا لا ينبغي ،لأنّه يجعل القرآن كأنّه في مقام الشّعر و هذا لا ينبغي،والقرآن منزّه أن يكون شعرا أو من كلام الشّعراء، وهو نظم يخالف نظم الشّعر ولهذا إدخال القرآن في النّظم في نظم الشّعراء لربّما أوهم نقصا في كلام الله ـ عزّ وجلّ ـ وأمّا تضمين القرآن بعض كلام النّاس كأن يأتي ببعض كلام النّاس شيء من القرآن عندما توصف العقيدة فهذا عبّر به السّلف

      الفائدة ـ6ـ
      كيفيّة التّعامل مع بعض الكتب التي فيها الكلام على الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى

      التّعامل مع هذا أن يُبَيّن أنّ ما جاء في هذه الكتب لا يخلو من وجهين :
      إمّا أن يكون صحيح ثابت عن الأئمّة أو مكذوب عليهم :

      فما كان مكذوبا عليهم فلا عبرة به ،وبعض ما جاء في الكتب القديمة لا يثبت بسند صحيح عن الأئمّة ،وتبقى بعد ذلك المسؤوليّة مسؤوليّة من نقله في كتابه ، فهذا يُعتذَر عنه بما يناسب مقامه ، ولكنّ الكلام لا يُحمّل ما أضيف إليه إن لم يثبت بسند صحيح .

      وأمّا ما ثبت عن الأئمّة في حقّ أبي حنيفة فهو لا يخلو من أمرين :

      ـ أن يتناسب مع ما كان عليه الإمام أبي حنيفة من كونه إمام في السّنّة وله أخطاء، فالكلام يتنـزَّل على الخطأ مع حفظ مقام العالم وهذا حقّ.

      ـ وإمّا أنّه لا يتناسب مع مقامه كما جاء في بعضها بعض العبارات القاسية ،فإنّ هذا خطأ مردود على صاحبه ، وأهل السّنّة يتجرّدون للحقّ وينصرون الحقّ، ولا يعتقدون عصمة أئمّتهم .

      ونحن بعد هذه العصور نرى الإمساك عن نشر هذا الكلام ،أو حتى السّؤال عنه ،أو إشاعته بين الناس وإخراجه ولو على سبيل الردّ ، فإنّ النّاس في غفلة عن هذا الكلام القديم الذي قاله من قاله من أهل العلم يريدون به النّصح لدين الله ـ عزّ وجلّ ـ .

      والأمّة قد أطبقت على إمامة الأئمّة الأربعة ومنهم الإمام أبو حنيفة وهو إمام في السّنّة ، ولكنّه رحمه الله له أخطاء نبّه عليها أهل العلم ،وأمّا ما عدا ذلك من العبارات التي قد تُحدث فُرقة في الأمّة فينبغي الإمساك عن السّؤال عنها وعن نشرها وعن إخراجها على سبيل الرّدّ أو الانتصار لها ، لأنّها من الكلام الذي ينبغي أن يُطوى ،وكثير من الأئمّة الذين صنّفوا في السّنّة أعرضوا عن هذه الآثار ،وإنّما نقل بعضَها الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل رحم الله الجميع ،وهو بلا شكّ لو خلا كتابه من هذه الآثار لكان أولى ، ولكنّ الإمام يُحفظ قدره ومنزلته ،وهذا كلام قديم ينبغي أن يُطوى وأن يُبيَّن للنّاس فضل الإمام أبو حنيفة ،وأمّا ما جاء من الأخطاء عنه وعن غيره من الأئمّة فإنّه ينبّه عند ورود خطأ المخطئ في موطنه


      الفائدة ـ7ـ

      التّقديم بقاعدة ((إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل))

      في ذكر الصّفات

      وهذه قاعدة في باب الصّفات ، وهو إثبات الصّفات لله ـ عزّ وجلّ ـ مع نفي المشابهة كما دلّ عليها قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]

      ومناسب التّقديم لذكر الصّفات بهذه القاعدة ، حتى يُنّزه الله ـ عزّ وجلّ ـ عن التّشبيه عند إثبات الصّفات ،لأنّ إثبات أهل السّنّة للصّفات مبناه على هذا الأصل ،وهو الإثبات مع تنزيه الله ـ عزّ وجلّ ـ عن التّشبيه ولهذا قاعدتهم :(إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل)، فإثبات أهل السّنّة للصّفات بلا تشبيه ،وتنزيههم لله ـ عزّ وجلّ ـ عن صفات النّقص بلا تعطيل ، بخلاف ما عليه المشبّهة الذين أثبتوا مع التّشبيه ،والمعطّلة الذين نزّهوا بالتّعطيل ،وليس هذا في الحقيقة التّنـزيه وإنّما هو تعطيل لصفات الله ـ عزّ وجلّ ـ.


      الفائدة ـ8ـ


      قول السّلف: (إثبات بلا كيف) لا يعني نفي الكيفية مطلقا



      من أصول اعتقاد أهل السّنّة في باب الصّفات: أنّ صفات الله ـ عزّ وجلّ ـ لا تُكيّف لأنّا لم نخاطَب بالكيفية ،وهذا لا يعني أنّهم ينفون الكيفية المطلقة التي هي في علم الله ، فصفات الله ـ عزّ وجلّ ـ لها كيفية في علم الله لكنّا لم نخاطَب بها ، ولهذا لا ندرك الكيفية ولا نعلمها .

      وقول السّلف: (إثبات بلا كيف) لا يعني نفي الكيفية مطلقا، وإنّما هو نفي الكيفية في علم المخلوق ، لأنّا لم نخاطب بها ،وهذا من رحمة الله بالأمّة ، لأنّهم لو خوطبوا بالكيفيّة لعجزوا عن إدراك هذه الكيفيّة ، ولهذا خوطبوا بالصّفات ،وبما تدلّ عليه هذه الألفاظ من إثبات الصّفات لله ـ عزّ وجلّ ـ على ما هو معلوم من لغة العرب، وأمّا الكيفيّة التي هي في علم الله ـ عزّ وجلّ ـ والتي يضعف المخلوق عنها فإنّا لم نخاطب بها .

      [1] ـ كلمة مضافة ليست من كلام الشّيخ ..

      تعليق


      • #4
        الفائدة ـ9ـ


        شبهة المعطّلة ظنّـهم أنّ هذه الصّفات هي من جنس صفات المخلوقين


        كلّ ما يتوهّمه متوهّم من الكيفيّة فهو خطأ وضلال ، لأنّه لا يرجع إلى الحقّ ،ولا يرجع إلى دليل صحيح ،وإنّما مبناه على التوهّم ، وغالب النّاس بل عامّة النّاس إذا توهّموا شيئا إنّما مبناه على المحسوس بما عرفوه من الصّفات ،وهذه هي شبهة المعطّلة لأنّهم لـمّا ظنّوا أنّ هذه الصّفات هي من جنس صفات المخلوقين عطّلوا ،وكذلك المشبّهة شبّهوا أوّلا وعطّلوا ثانيا ،والمعطّلة.. عطّلوا أوّلا بنفي الصّفة، وأفضى هذا إلى تشبيه الله ـ عزّ وجلّ ـ بالمعدومات أو الموجودات


        الفائدة ـ10ـ


        هل الأسماء مترادفة أم أنها متباينة ؟


        والمعروف من المعتزلة أنّهم يثبتون الأسماء وينفون الصّفات بدعوى أنّ الصّفات أعراض وحوادث ، والله ـ عزّ وجلّ ـ منـزّه عن الأعراض والحوادث، فأثبتوا الأسماء ولـمّا أنكر عليهم النّاس : كيف يثبتون الأسماء مع نفي الصّفات ؟!! كابروا في هذا وانقسموا في إجابتهم إلى قسمين :
        · فمنهم من قال:هذه الألفاظ: (حيّ بلا حياة وعليم بلا علم )، وهذه مكابرة في الإجابة لأنّه من تسمّى بهذا الاسم لابدّ أن يكون متصّفا بالصّفة التي اشتق منها الاسم
        · والقسم الآخر زعموا أنّ هذه الأسماء كلّها مترادفة ،وأنّها تدلّ على معنى واحد و إنّما هو تنوّع في اللفظ :فالحيّ والعليم والسّميع والبصير ،كلّها بمعنى واحد ،مترادفة في معانيها وإن تنوعت في ألفاظها ، ولهذا جاء الخلاف عند أهل الكلام : هل الأسماء مترادفة أم أنها متباينة ؟

        وأهل السّنّة يقولون:
        إنّ الأسماء مترادفة باعتبار ومتباينة باعتبار :
        فهي متباينة باعتبار دلالة كلّ اسم على معنى خاص، متباينة باعتبار دلالة الأسماء على الصّفات فالحياة غير العلم وغير السّمع والبصر.
        وهي مترادفة باعتبار دلالة الأسماء كلّها على الله ـ عزّ وجلّ ـ ، فالسّميع والبصير والعليم والقدير هو الله ـ عزّ وجلّ ـ ولذا جاء قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾[الإسراء:110]فمن دعا الله أودعا الرّحمان فإنّما يدعو إلها واحدا،فالأسماء بهذا الاعتبار مترادفة لدلالتها على الله ،وأمّا باعتبار دلالة كل اسم على صفة فهي متباينة بهذا الاعتبار ،والمعتزلة في أحد قوليهم يقولون أنّ الأسماء مترادفة ، أنّها مترادفة لأنّهم ينفون الصّفات ،فيقولون كلّها بمعنى واحد ،وهذه مكابرة في اللّغة أن يكون الحيّ والعليم والسّميع والبصير بمعنى واحد ،ولكن طائفة منهم أثبتوا التّباين في الأسماء ،ولكنّهم عندما يثبتون الاسم ينفون الصّفة لتقرير مذهبهم يقولون: "حيّ بلا حياة وعليم بلا علم ،وسميع بلا سمع "والأَولى في تقرير عقيدة أهل السّنّة هو ألّا يقال هذا ، لا يقال: حيّ بلا حياة عليم بلا علم ،وإنّما يقال:" هو الحيّ العليم السّميع البصير "كما أخبر الله ـ عزّ وجلّ ـ عن نفسه وذكر الأسماء ، ولكن في مقام التعليم والتدريس إذا كان في مخاطبة من عرف قول المعتزلة فإنّه يبيّن أنّ أهل السّنّة يثبتون الاسم ويثبتون الصّفة التي اشتُقّ هذا الاسم منها .

        الفائدة ـ 11ـ


        العالم ليس من أسماء الله ـ جلّ وعلا ـ


        الاسم هو "العليم" وليس "العالم "لأنّ أسماء الله كلّها حسنى، وليس من أسمائه "العالم " ،وقد يأتي"العالم "مقيّدا ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾[المؤمنون:92]ولكنّه مطلقا لم يرد ،وإنّما الثابت هو"العليم" فالاسم هو "العليم" ولهذا ذكر ابن القيّم أنّ أسماء الله كلّها حسنى ،فهو يتسمّى من كل معنى بأحسن المعاني ،فقال: تسمّى بـ "عليم" ولم يتسمّ بـ "عالم " فاسم الله ـ عزّ وجلّ ـ "العليم" وأمّا "العالم " فقد ورد مقيّدا ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ مقيّد بمعنى ،وأمّا عند الإطلاق فهو يقال "العليم" وهو أبلغ من "العالم" وكذلك العلم ،صفة العلم وهي صفة ذاتية ملازمة لذات الله ـ عزّ وجلّ ـ ومن أنكر هذه الصّفة فقد كفر ،ولهذا لـمّا أظهر القدرية إنكار العلم قال السّلف : (خاصِمُوا القدرية بالعلم فإن أثبتوا خُصِموا وإن جحدوا كفروا) فمن أنكر علم الله السّابق أو أنكر أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ (لا) يخفى عليه شيء من العلوم في المستقبل أو في الحاضر أو في الماضي فهذا كافر .

        الفائدة ـ12ـ


        والثّابت في هذا المقام هو "القدير" وقد ورد مقيّدا في قوله:﴿ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا ﴾ [الأنعام:66] مقيّد بهذا المعنى ،وإن كان هذا الاسم عدّه كثير من أهل العلم أنّه من أسماء الله ـ عزّ وجلّ ـ " القادر" وثبت "القدير" على الإطلاق والقدرة صفة ذاتية من صفات الله ـ عزّ وجلّ ـ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.[المائدة:120]



        الفائدة ـ13ـ

        أكثر ما يستدلّ أهل العلم لإثبات صفة اليدين بهاتين الآيتين لأنّ فيهما إثبات صفة اليدين بصيغة المثنّى

        وإثبات صفة اليدين لله ـ عزّ وجلّ ـ ممّا دلّت عليه الأدلّة من الكتاب والسّنّة كقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : ﴿ما مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾[ص:75]﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾[ المائدة: 64] وأكثر ما يستدلّ أهل العلم لإثبات صفة اليدين بهاتين الآيتين لأنّ فيهما إثبات صفة اليدين لله ـ عزّ وجلّ ـ بصيغة المثنّى، وهم إنّما يذكرون هذا للرّد على من يدّعي أنّ هذه الصّفة مجازيّة لأنّ ..اليد المجازيّة لا تأتي بصيغة المثنّى ،وهذا من دقّة المصنّف هنا ،أنّه ذكر هاتين الآيتين ، وهذا طريق العلماء أنّهم يذكرون الدّليل الذي يقطع الحجّة على الخصم ،وإن كانت الأدلّة الأخرى دالّة على الحقّ ودالّة على إثبات صفة اليد لله ـ عزّ وجلّ ـ، لكن هذا فيه دلالة أقوى ،لأنّ اليد هنا جاءت بصيغة المثنّى واليد المجازيّة لا تأتي بهذه الصيغة




        الفائدة ـ 14ـ


        اختلاف أهل العلم في إثبات الشّمال لله ـ عزّ وجلّ ـ


        فذكر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: (( يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، أرأيتم ما أنفق منذ أن خلق السّموات والأرض فإنّه لم يغض ما في يمينه ،وبيده الأخرى الـميزان يخفض ويرفع ))فذكر ((اليمين)) وذكر ((اليد الأخرى)) واليمين ثابتة بالأدلّة من الكتاب والسّنّة ،وأمّا اليد الأخرى فهي ثابتة أيضا بهذا اللّفظ (( بيده الأخرى )) ،وقد ورد في الحديث في صحيح المسلم إثبات الشّمال لله ـ عزّ وجلّ ـ ،واختلف أهل العلم في إثبات الشّمال لله ـ عزّ وجلّ ـ، لأنّ رواية في صحيح مسلم ذكر بعض أهل العلم أنّ هذا اللفظ شاذ وهو مخالف لما جاء في الروايات الأخرى في صحيح البخاري وفي غيره (( بيده الأخرى )) ،فمن أهل العلم من أثبت الشّمال ،ومنهم من قال: نثبت اليمين ولا نثبت الشّمال وإنّما نقول اليد الأخرى ،وقد جاء في الحديث: ((وكلتا يديه يمين ))وهذا لو ثبت لفظ الشّمال فإنّه لا يعارض هذا، لأنّه يطلق على من كان من أهل الفضل والكرم يطلق عليهم فيقال : "كلتا يديه يمين كلتا يديه يمين" بنسبة ذلك للفضل .

        وعلى كل حال فإذا ثبت الحديث بهذا وثبتت هذه اللّفظة فإنّه تُثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ لفظة الشّمال ،ولا يعارض هذا النّصوص الأخرى ،ولكن إن لم تثبت فإنّ الأَوْلى هو ألاّ يُثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ شيئا إلا بالدّليل، وإن كنّا نثبت اليد الأخرى نثبت اليمين واليد الأخرى ونثبت أنّ كلتا يدي الله ـ عزّ وجلّ ـ يمين ،كما قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ .


        الفائدة ـ 15ـ


        قول ابن كثير:" أطلق الوجه وأراد الذّات" ليس من التّأويل المذموم



        والمؤمنون ينظرون لوجه الله ـ عزّ وجلّ ـ يوم القيامة: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾[ القيامة:22ـ23]ينظرون إلى وجه الله ـ عزّ وجلّ ـ والوجه هو من الصفات الذاتية الخبرية الثابتة لله ـ عزّ وجلّ ـ وقد يُعبّر عن الوجه بالذّات كما في هذه الآية ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾[القصص:88]قال ابن كثير:" أطلق الوجه وأراد الذّات" وهذا ليس من التّأويل المذموم ،وإنّما هو بإثبات الصّفة لكنّه قد يُعبر بالصّفة عن الذّات ،وهذا فَرْقٌ بين من يقول تُثْبت الصّفة ويُعبّر بها عن الذات وبين من يقول أنّه إذا جاء الوجه لا يراد به إلا الذّات ،ففرْقٌ بين الأمرين ،فالمعطّلة الذين عطّلوا هذه الصّفة قالوا :(كلّما جاء الوجه فالـمراد به الذّات) وهذا باطل فإنّ الوجه صفة ،ولكن قد يُعبّر بالوجه عن الذّات لهذا قال ابن كثير :"عبّر بالوجه وأراد الذّات" ولو كان الوجه هو الذّات لقال :"الوجه هنا الذّات "لكنّه قال: عبّر بشيء عن شيء ،ولا يقال: عبّر بشيء عن شيء إلاّ إذا كان لهذا معنى ولهذا معنى ،فيُعبّر بهذا المعنى عن هذا المعنى


        الفائدة ـ 16ـ


        إثبات القدم والرّجل لله ـ عزّ وجلّ ـ


        السّنّة بإثبات "القدم" و"الرّجل" و هما بمعنى واحد، إثبات القدم والرّجل لله ـ عزّ وجلّ ـ وأنّ ((الله عزّ وجلّ يضع فيها ))في جهنّم ، وفي الرواية الأخرى((يضع عليها))و"في" هنا بمعنى "على" ،ومعلوم أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ منزّه أن تحيط به المخلوقات ،وجهنّم لا تحيط بقدم الربّ ـ عزّ وجلّ ـ ،وإنّما ((يضع فيها)) بمعنى ((يضع عليها)) وهذا مستعمل في اللّغة ،قد جاء في القرآن في خبر الله ـ عزّ وجلّ ـ عن فرعون: ﴿ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾[طه:71] يعني على جذوع النخل ،فالمقصود أنّه ثبت لفظ القدم والرّجل وأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ ((يضع على جهنّم قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قَطٍّ قَطّ))



        الفائدة ـ 17ـ


        ينبغي أن يُثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ النّزول الذي يليق بجلاله


        ،وصفات الله ـ عزّ وجلّ ـ هي ليست كصفات المخلوقين ،ولهذا ينبغي أن يُثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ النّزول الذي يليق بجلاله ،ومعلوم أنّ النّزول الذي قد يُتوهم فيه هذه الأوهام هو نزول المخلوق ،فالنّزول الذي نثبته لله ـ عزّ وجلّ ـ لا يشبه نزول المخلوق وهو أنّه عندما ينزل من سطح البيت يكون في جهة هي دون السّطح ،وعندما ينزل من ظهر الدّابة يكون هو دون ذلك المكان الذي كان مستويا عليه ،وإنّما نثبت نزولا يليق بجلال الله ـ عزّ وجلّ ـ ،ومعلوم أنّ النزول أنّه من حيث المعنى المشترك له حقيقة لا يمكن أن تُعطَّل ، فالنّزول نزول الله ـ عزّ وجلّ ـ ونزول الإنسان ونزول المطر ونزول الضّيف عندما يقول الرّجل (نزل بنا الضّيف) ونزول الأجنّة من الأرحام ،كل هذه حقيقة ثابتة ، وهذا هو المعنى المشترك الذي لا يمكن أن يُعطَّل ،ومن عطّله فقد عطّل اللغة ،ولكنّ المعنى المشترك لا يختصّ بـموصوف دون موصوف وليس له حقيقة في الخارج ،ولكن إذا أضيف هذا المعنى المشترك إلى موصوف أصبح مختصّا به ،فإذا قلنا النّزول له حقيقة فإذا أضيف النّزول للمخلوق أصبح مختصّا به، له لوازم وله هيئة وكيفية خاصّة بمن أضيف إليه النّزول، وإذا قيل نزول الله فإنّ هذا النّزول الذي يضاف إلى الله لا يخضع لتلك اللّوازم التي أضيفت للمخلوق،وإنّما هو نزول حقيقي ،وهذه القاعدة في كل الصّفات.

        فنحن نقول: "نزل المطر" وهل نزول المطر كنزول الضّيف ؟وهل نزول الله ـ عزّ وجلّ ـ كنزول الإنسان؟ وهل نزول الرّجل من سطح البيت كنزول المطر أو كنزول الأجنّة من الأرحام ؟ النّاس يدركون التفاوت بين صفات المخلوقين ،فإذا ثبت التفاوت بين صفات المخلوقين فالتفاوت بين الخالق والمخلوقين من باب أولى ،وهذا يقال في كلّ الصّفات في اليد والقدم والوجه


        الفائدة ـ 18ـ


        حقيقة الضّحك المضاف لربّ العالـمين - جلّ وعلا -




        وكذلك المخلوقات عندما تتكلّم فالمخلوقات التي يُنطقها الله ـ عزّ وجلّ ـ يوم القيامة والأعضاء وهي تتكلّم ،وكثير من المخلوقات تتكلّم بلسان المقال ونحن لا ندرك كلامها ،ولا نعرف كيفية الكلام ،وليس كلّ من تكلّم له لسان وشفتان، فإذا كان هذا في حقّ المخلوقات وندرك التّباين فكيف يتوهم متوهّم .. أنّ ما يثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ هو من جنس ما يثبت للإنسان ؟!!

        هذا من ضعف العقول.

        وإلّا فهم يدركون التّباين الكبير بين المخلوقات في الضّحك ، بل حتى ضحك المخلوقين يتفاوت، فالنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وُصِف بأنّه يضحك، ولكن ضحك النـّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ موصوف بأنّه كان تبسّما ، وكثير من النّاس إذا ضحك لا يحصل له التبسّم ، بل إنّه يضحك الضّحك الذي قد يُخشى عليه منه ، وهذا ضاحك وهذا ضاحك ،وليس الضّحك كالضحك ،ولهذا من خوارم المروءة أن يغلب على الإنسان الضّحك حتى يفقد شعوره ويُخرجه عن المروءة وعن الأدب، وأمّا الضّحك الممدوح هو ما كان عليه النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّ ضحكه تبسّما ،وكانوا يَعدُّون للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في حالات قليلة ضحك حتى بدت نواجذه ،وهذا ضاحك وهذا ضاحك ،وليس الضحك كالضحك ،فإذا كان في حقيقة الضحك في بني آدم في النّاس يتفاوتون فكيف بالضّحك المضاف لربّ العالمين ؟!!والذي لا يمكن أن ندرك الكيفية لضحك الربّ ـ عزّ وجلّ ـ لكنّا ندرك أنّ من لوازم الضّحك أنّ الله إذا ضحك من فلان و فلان أنّ من لوازمه الله ـ عزّ وجلّ ـ يرحم لأنّه رحيم ،وإذا نظر إلى عباده نظرة الرّضى وضحك منهم فإنّ هذا من لوازم الرّحمة ،وهذا لا يعني تعطيل الصّّفة ،لكن تُـثبت الصفة ويـُثبت ما تدلّ عليه من اللّـوازم الصّحيحة

        تعليق


        • #5
          [الفوائد من الشّريط الثّالث]


          الفائدة ـ1ـ


          قال شيخ الإسلام ابن تيمية ''لو أنّه عرف كلّ الأسماء لأحصى ثناء عليه''
          و لهذا قال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ و هو من هو في العلم بربّه ـ عزّ و جلّ ـ الذي خاطبه الله ـ عزّ و جلّ ـ بكتابه و بالأسماء و الصّفات يقول : ((لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ)) و هذا دليل على أنّه لا يعرف حقيقة الصّفات و لو عرفها لأحصى ثناء عليه ،و أنّه لا يعلم كلّ الأسماء و لو عرفها لأحصى ثناء عليه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في سياق تقرير أنّ أسماء الله ليست محصورة قال: ''لو أنّه عرف كلّ الأسماء لأحصى ثناء عليه'' لأنّ أسماء الله ـ عزّ و جلّ ـ تدلّ على الكمال الذي يتّصف به الربّ ـ عزّ و جلّ ـ و لكنّه لا يحصي ثناء عليه من جهات كثيرة، لا يحصي ثناء عليه لأنّه لا يعلم كلّ الأسماء، و لا يحصي ثناء عليه لأنّه لا يعلم الكيفيّة ، كيفية صفات الله ـ عزّ و جلّ ـ و لهذا عندما يرى المؤمنون ربّهم في الجنّة كلّهم يجمعون على هذه المقالة يقولون: ((ما عبدناك حقّ عبادتك))

          الفائدة ـ2ـ

          لا يمكن لمخلوق أن يعبد الله العبادة التي يستحقّ أن يؤدّي بها حقّ الله ـ عزّ وجلّ ـ

          وعندما يرى الكفار الآيات وعلى قول أنّهم يرون الله في المحشر ، يقولون: ﴿تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ *إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[الشّعراء: 97ـ98] يدركون هذه الحقيقة لكن بعد أن لا يكون هناك وقت للرجوع ، والتّوبة و الإنابة ، و المؤمنون عرفوا هذه الحقيقة في الدّنيا ،و عرفوا أنّ الله ـ عزّ و جلّ ـ لا يمكن أن يشبَّه بخلقه ،و أنّه لا يمكن أنّ ما يثبت لله ـ عزّ و جلّ ـ يكون من جنس ما يثبت للمخلوقين ، ولكنّ العلم الذي يحصل للمؤمنين يوم القيامة هو عين اليقين ،وهو أقوى من علم اليقين فعند ذلك يقولون ، ويقول الشّهداء ويتمنّى الشّهداء أن يرجعوا وأن يقتلوا في ذات الله مرّات ومرّات ،لـما يحصل لهم من العلم العظيم عندما يرون الله ـ عزّ وجلّ ـ وأنّهم ما عبدوه حقّ عبادته ولهذا لم يكلَّفوا بهذا الأمر وقول الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾[آل عمران:102]على الصّحيح أنها منسوخة بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ:﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التّغابن :16] لأنّه لا يمكن لأحد أن يتقي الله حقّ تقاته ،ولا يمكن لمخلوق أن يعبد الله العبادة التي يستحقّ أن يؤدّي بها حقّ الله ـ عزّ وجلّ ـ، ولهذا قال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : (( لن يدخل أحدكم الجنّة بعمله )) قالوا : ولا أنت ؟ قال: (( ولا أنا )) ،وهذه حقيقة يخبر بها النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه مع ما شرّفه الله ـ عزّ وجلّ ـ به من الرّسالة والفضل وتلك العبادة العظيمة ، وما كان عليه من الخلُق الذي قالت فيه عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( كان خلقه القرآن ) ومع هذا يقول : ((لن أدخل الجنّة بعملي ))لأنّ دخول الجنّة إنّما يكون بتحقيق عبادة الله ـ عزّ وجلّ ـ والمخلوق لا يمكن أن يؤدّي هذه العبادة على الوجه الكامل، لكنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ برحمته وبفضله يقبل الحسنة ويضاعفها ، وعلى الصّحيح من أقوال أهل العلم أنّ دخول الجنّة إنّما هو برحمة الله ، واقتسام المنازل بأعمال العباد

          الفائدة ـ3ـ


          اختلاف المفسرين في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾



          فاختلف المفسّرون في : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ فـ''السّاق'' المذكورة في الآية ذكر بعض المفسّرين أنّ المقصود بها هي ساق الشّدّة كما يقول العربيّ: ''قامت الحرب عن ساق'' أو '' قامت الحرب عن قدم وساق'' ولهذا قال كثير من المفسّرين كما يُنقل عن ابن عبّاس وعن غيره من السّلف: (أنّ الكشف عن السّاق هنا هو عن شدّة الأمر يوم القيامة) ولكن ذهب بعض المفسّرين من السّلف كما ينقل عن ابن مسعود: (أنّ الساّق هنا هي ساق الربّ ـ عزّ وجلّ ـ وهي صفّة لله ـ عزّ وجلّ ـ) ، وقد جاء في الحديث في الصّحيحين وفي غيرهما أنّ الله ـ عزّ وجل ّ ـ: ((يكشف عن ساقه)) ، وجاءت ''السّاق'' مضافة إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ وجاءت أيضا في الحديث ''السّاق'' مطلقة من غير إضافة للضّمير الذي يرجع إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ، ومن هنا اختلف أهل العلم في هل ''السّاق'' صفة ثابتة لله ـ عزّ وجلّ ـ كما دلّ على هذا الحديث أو أنّ المقصود بالسّاق هي ما قال المفسّرون في تفسير الآية و المقصود هي ساق الشّدّة وهي ما يطلقه العرب على الأمر العظيم ، أو على اشتداد الأمر يقول :" قام الشيء على قدم وساق" ،والأصل في هذا أنّ النّاس إذا همّهم شيء شمّروا عن السّاق وتهيّؤوا للعمل فـاشتقّوا لهذا المعنى عندما يشتدّ الأمر يقال: "قام على قدم وساق"، ثمّ أصبحت هذه الكلمة تطلق على كلّ شيء اشتدّ ، فقيل أنّ المعنى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ يعني يكون الأمر شديدا والهول عظيما يوم القيامة فعند ذلك ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ .
          وقيل أنّ السّاق المذكورة في الآية هي المفسّرة في الحديث وهي ساق الله ـ عزّ وجلّ ـ ،وإثبات السّاق هو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيّم والذي يظهر والله أعلم ، والذي عليه الكثير من أهل العلم من المحقّقين أنّ هذا فيه إثبات صفة السّاق لله ـ عزّ وجلّ ـ وليس إثبات السّاق لله ـ عزّ وجلّ ـ هو بالضّمير فقط ،بل ظاهر الحديث يدلّ على هذا لأنّه فيه (( فيجعل بينهم وبينه علامة فيكشف عن ساقه))فلو حصل الوهم بإضافة الضّمير فلا يمكن أن يحصل في هذا السّياق وهو أنّه ((يجعل بينهم وبينه علامة فيكشف عن ساقه)) فيسجدون له ،ومعلوم أنّ السّجود لا يصحّ إلاّ لله ـ عزّ وجلّ ـ ، وذكر ابن القيّم أنّ السّجود لا يكون بعد انكشاف الأمر والشدّة ،وإنّما يكون في شدّتها ،والذي فسّرت به الآية أنّه ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ على الشّدّة ويزول الأمر .

          الفائدة ـ4ـ

          أهل العلم من سلف الأمّة ومَن بعدهم لم يختلفوا في آيات الصّفات، لأنّ النّظر في هذه الآية هل هي من آيات الصّفات أم لا ؟ والسّبب في هذا هو احتمال ''السّاق'' هل المقصود بها هي ساق الشّدّة أو هي ساق الصّفة التي هي مُضافة إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ فمن قال أنّ هذه الآية ليست من آيات الصّفات لا يقول نحن نؤوّل السّاق هنا، لأنّ اللّفظ هنا لا يدلّ على الصّفة وإنّما يدلّ على ساق الشّدة ،وهو استعمال معروف ،ولكنّ الحديث جاء مبيِّنا أنّ السّاق هي ساق الربّ ـ عزّ وجلّ ـ بإضافة الضّمير، بإضافة السّاق للضّمير الذي يرجع إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ .
          وعلى هذا ، فالصّحيح والله أعلم هو إثبات صفة السّاق لله ـ عزّ وجل ّ ـ كما يليق بجلاله بدلالة الحديث،وليس لأحد بعد قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قول ، وأقوال السّلف الذين فسّروا "السّاق" في الآية لربّما لم يطّلعوا على الحديث ومن اطّلع على الحديث فليس له بعد ذلك أن يترك الحديث لقول أحد ، وأما التّوهم في الأحاديث وهل هذا اللّفظ ثابت أو لا يثبت ؟ فإنّا لو أخذنا بهذا لأبطلنا الكثير من الأمور التي دلّت عليها السّنّة ،فالحديث ثابت في الصّحيحين وفيه (( فيكشف عن ساقه )) وهو صريح في إثبات صفة السّاق لله ـ عزّ وجلّ ـ ،وليس لأحد بعد قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قول ، والمرجع في تفسير الآية هو قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، بل ذكر أهل العلم أنّ ظاهر الحديث وظاهر الآية يدلّ على إثبات صفة السّاق لله ـ عزّ وجلّ ـ


          الفائدة ـ5ـ


          القاعدة أنّ المعروف لا يُفسَّر، وتفسير المعروف ببعض الألفاظ لا يزيده إلا إيهاما

          ذكر ابن القيم أنّ ما تُفسَّر به المحبة إنّما تُفسَّر ببعض لوازمها ،وهذه التّفسيرات لا تزيدها إلا إيهاما ،وإلا فالمحبّة لها حقيقة لا تُفسَّر بغير ما هو معلوم عند أهل اللّغة الذين خوطبوا بلفظ المحبّة فعرفوه ،ولو كابر مكابر وقال: أنا لا أومن إلّا بما دلّ عليه الدّليل إلّا بما بيّنتم لي تفسيره ، فيقال له : إن كنت ممّن يثبت الكلام والعلم والقدرة والإرادة ففسّر لنا هذه الأشياء ، ولقد سألت أحدهم عندما نازع في المحبّة وقال : فسّروا المحبّة ، قلت : فسّر العلم ، قال: العلم هو علم الغيب والشهادة ، قلت: ليس هذا هو حقيقة العلم وإنّما هذه بعض أقسام العلم ، علم الغيب والشهادة . فما استطاع وما يستطيع أن يفسّر العلم وإن كان يعرف هذه الحقيقة ، والعجز عن تفسير الحقيقة المعلومة في اللّغة ليس دليلا على أنّها منتفية ،ولهذا القاعدة أنّ المعروف لا يُفسّر، وتفسير المعروف ببعض الألفاظ لا يزيده إلا إيهاما ،وهذا كمن يفسّر الماء بعد الجهد بالماء ، ويفسّر الهواء بعد الجهد بالهواء ،ويفسّر العلم بعد الجهد بالعلم .
          ولهذا ،الألفاظ التي تُفسَّر بها اللّغة في كثير منها إنّما هي مقرّبة للمعنى ،ولهذا ذكر ابن القيم أنّه ليس هناك مرادف لأسماء الله ـ عزّ وجلّ ـ فيقال مثلا : معنى أن العليم هو بمعنى كذا، وإنّما يأتون ببعض اللّوازم فيقولون:" علم الله هو علمه بالغيب والشهادة ،يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ". وهذا ليس هو حقيقة العلم وإنّما هو بعض متعلّقات العلم وأقسام العلم، فالمقصود أنّ هذه الصّفة تُثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ وإن طالب المنحرف في هذا الباب بتفسير هذه الصّفة يقال له : فسّر لنا الحقائق الموجودة الآن ، بل فسّر لنا الرّوح ،وبيّن لنا حقيقة الرّوح التي هي متصلّة ببدنك ، وبيّن لنا حقيقة العلم ،وبيّن لنا حقيقة السّمع والبصر ، فإنّ هذه حقائق معروفة عند أهل اللّغة ،ومكابر من يظنّ أو من يقول أنّي لا أعرف حقيقة العلم ،ولا أعرف حقيقة المحبّة ،ولا أعرف حقيقة اليد ولكن كونه يعجز عن تفسيرها هذا لا يدلّ على أنّه ينفي الحقيقة التي تدلّ عليها هذه اللّفظة


          الفائدة ـ6ـ


          الإشارة لإثبات حقيقة الصّفة



          الإشارة لإثبات حقيقة الصّفة ثبتت عن النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،كما قال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: (( إنّ الله كان سميعا بصيرا )) وأشار إلى عينه وإلى أذنه ،وهذا لإثبات حقيقة الصّفة كما قال أهل العلم : أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ سميع بصير، لإثبات حقيقة السّمع والبصر ،ولا يُفهم منه إثبات الأذن ،وإنّما يفهم منه إثبات السّمع والبصر لله ـ عزّ وجلّ ـ ،وكذلك عندما أخبر النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : ((أنّ الله يقبض السّموات)) وأشار بيده وهزّ يده حتى اهتزّ الجبل تحت النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فهذا لإثبات حقيقة الصّفة ، وكل شيء فعله النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فإنّه لا يُتنـزّه عنه ،ولا يُفهم منه معنى باطلا وهو التشبيه ،وإنّما المقصود لإثبات حقيقة الصّفة، وهذا معلوم في كلام النّاس ، فعندما يقول الرجل حدثني زيد أنّه سمع بأذنه ويشير إلى أذنه لا يفهم النّاس أنّه يشبّه أذن زيد بأذنه ،وإنّما لإثبات أنّه حصل السّماع الحقيقي ، أو يقول حدثني زيد بلسانه ويشير إلى لسانه فهذا لإثبات حقيقة الصّفة .
          والصّحيح في هذا أنّ الإشارة لا تكون إلّا بما وردت الإشارة من النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيه وهو في قوله : (( إن الله كان سميعا بصيرا )) وبالإشارة باليد ،وأمّا ما عدا ذلك فلا ينبغي ،لأنّه لم يثبت عن النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ، ثمّ إنّ الإشارة لإثبات حقيقة الصّفة ينبغي أن يُقيّد بأن يكون فيمن يفهم المقصود ،أمّا إذا كان يتوهّم النّاس من هذا التشبيه ،فإنّ هذا لا ينبغي أن يُفعل ، كما أنّ القاعدة في كلّ شيء أنّه إنّما يخاطب النّاس بما يعرفون ،فإذا كان المتكلّم فيمن يفهم كلامه كما كان النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يخاطب من يفهم كلامه ،ولم يتوهّم التّشبيه فإنّه لا يُتنـزَّه عن شيء فعله النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،ويخطئ من يظنّ أنّ هذا شيء خاص بالنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أو يظنّ أنّ في هذا نقص أو إثبات التّشبيه ، فكيف يُتنـزّه عن شيء فعله النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ؟!! ولكنّ هذا يكون فيمن يفهم الخطاب كما أنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ خاطب من يفهم ولم يشتبه عليه الأمر.[ هذا إجابة على سؤال ألقي على الشيخ ]


          الفائدة ـ7ـ

          ما الـمراد بالنّفس

          نثبت "النّفس" ، و"النّفس" لها حقيقة في اللّغة غير "الذّات" ، فنثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ "النّفس" وإن كانت "النّفس" يُعبّر بها عن الذّات ، فيقال : ''تكلّم فلان بنفسه'' ،ويقال : ''خرجت نفس فلان '' ومعلوم أنّ الرّوح لها حقيقة غير البدن في الإنسان ، ويقال : هي النّفس ، فالرّوح تُسمّى النّفس ، ويقال: ''خرجت نفسه'' أي روحه ، والنّفس في الإنسان هي الرّوح التي تتّصل بالبدن، والإنسان هو مكوّن من النّفس ومن البدن ، ومن الرّوح ومن البدن ، و"النّفس" المضافة إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ هو المعنى الذي يعرفه العربيّ عندما يُخاطَب بلفظ "النّفس" ، وأمّا تفسيره بالذّات فإنّ هذا لا ينبغي أن يفسّر به، وإنّما نثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ "النّفس" كما دلّت على هذا النّصوص التي أخبر الله ـ عزّ وجلّ ـ عنها بإضافة "النّفس" له ،وهذا ممّا يُثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ على القاعدة المعروفة بإثبات القدر المشترك دون الخوض في الكيفية . .[ هذا إجابة على سؤال ألقي على الشّيخ ]

          الفائدة ـ8ـ


          حـكم الـتّـأويـل

          التّأويل يختلف، فهناك تأويل سائغ، بل هناك تأويل حقّ بمعنى التّفسير، كما ذكر شيخ الإسلام، ومنه قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في ابن عبّاس: ((اللّهمّ علّمه التّأويل )) فالتّأويل هنا بمعنى التّفسير، وهو حقّ.
          ومنه قول الطّبري : (قال أهل التّأويل) فالتّأويل هنا حقّ بمعنى التّفسير ، والتّأويل يطلق على ما تؤول إليه الحقائق كما قال يوسف : ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ﴾[يوسف :10]أي ما تؤول إليه الحقيقة .
          ويطلق التّأويل على معنى ثالث وهو المشهور عند المتكلّمين ، وهو صرف اللّفظ من معنى متبادر إلى معنى آخر بقرينة ،وهذا قد يقال أنّ المعنى من حيث التّفسير من حيث الإطلاق العام هو في معنى التّفسير ، ولكن كثير ما يتوهّمه بعض المعطّلة ممّا يقولون أنّه مؤول بقرينة أو بدليل لا تدلّ القرينة ولا يدلّ الدّليل عليه، ثمّ إنّ العلماء ذكروا أنّ التّأويل من الأخطاء التي تحصل لبعض أهل العلم ، والتّأويل من الأعذار التي يُعذر بها المخطئ؟ ولهذا أُطلق في عصر الصّحابة ،أطلق بعضهم على بعض (أنّ فلان تأوّل كما تأوّل فلان)بمعنى أنّه اجتهد فأخطأ ، والتّأويل قد يكون له مبرّر من حيث النّظر إلى اللّغة أو بالنّظر إلى دليل آخر فيكون هذا، وإن كان التّأويل هنا من الخطأ إلاّ أنّ له ما يدلّ عليه من الشّواهد اللّغويّة،ولهذا أخطأ كثير من أهل العلم في تفسير بعض النّصوص وفي بعض الألفاظ ، كما ذكر شيخ الإسلام في "رفع الملام " خطأ كثير من أهل العلم بسبب اشتباه المعاني عليهم كالمزابنة و المحاقلة وكذلك (....)[1]، وكذلك الاشتباه الذي حصل لأصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ((لا يصليّن أحدكم العصر إلاّ في بني قريظة)) فهذا من الاشتباه الذي حصل لبعض أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،وكما حصل لعديّ بن حاتم عندما تأوّل الخيط الأبيض والخيط الأسود بأنّه الخيط المعروف وهذا من التّأويل ، لكنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عذرهم بهذا .
          وهناك تأويل بعيد لا يدلّ عليه النّص وإنّما هو مُتكلَّف ،وقد يكون الحامل عليه هو الانتصار للبدعة ، مثل تأويلات بعض المعطلّة والمشبّهة ،تأويلا ت بعض الزّنادقة الذين عطّلوا مدلولات النّصوص كالباطنيّة وغيرهم ، فهذا التّأويل الأخير لا يُعذر به وإنّما هو تكذيب للنّصوص ،وأمّا التّأويل الذي له مستند ويمكن أن يكون ممّا يحتمل عند أهل النّظر، وإن كان أهل العلم يعرفون الحقّ في هذا ولكن قد يخفى الحقّ عن بعض النّاس فهذا الذي يُعذر به . .[ هذا إجابة على سؤال ألقي على الشّيخ ]


          الفائدة ـ9ـ


          النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ سمع كلام الله مباشرة ليلة المعراج هل في هذا دليل على أنّه يعرف كيفية كلام الله ـ تعالى ـ؟


          لا، هذا لا يدلّ ، لا يدلّ على الكيفيّة لأنّه سمع الكلام ، وأمّا كيفيّة تكلّم الله ـ عزّ وجلّ ـ بالكلام فهذا أمر زائد عن سماع الكلام ، ولا ينبغي أن يتوهّم شيء ، وكذلك الرؤية يوم القيامة عندما يرى المؤمنون ربّهم في الجنّة ، فعبّر بعض أهل العلم وقال : أنّهم يدركون الكيفيّة ، فإدراك الكيفيّة أمر زائد عن الرؤية ، وذكر هذا شارح الطحاويّة أنّ إدراك الكيفيّة أمر زائد عن الرؤية، وكذلك إدراك الكلام أو كيفية تكلّم الله ـ عزّ وجلّ ـ بكلامه هو أمر زائد عن سماع الكلام ،فالنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ سمع كلام الله مباشرة ليس بينه وبينه ترجمان ،من وراء حجاب ، وهذا الكلام الذي سمعه هو كلام الله ـ عزّ وجلّ ـ على الحقيقة ،لم يسمعه بواسطة ولكنّه لا يقال أنّه يدرك الكيفية ، ولكن هذا الكلام الذي سمعه من الله ليس ككلام الله الذي بَلَّغه عن الله ـ عزّ وجلّ ـ جبريل ، ولهذا كما جاء في بعض الأحاديث أنّ المؤمنين عندما يسمعون كلام الله ـ عزّ وجلّ ـ بالقرآن في الجنّة كأنّهم لم يسمعوا به قطّ ، ولأنّ القرآن عندما يُسمع من ربّ العالمين ليس كما يسمعه النّاس الآن بتلاوة التالي ،وهناك تفاوت حتى في قراءة القرّاء ، ولهذا كان النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يحبّ أن يسمع القرآن من بعض أصحابه الذين يحسنون القراءة ، وكذلك من سمع القرآن من النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ليس كمن سمعه من غير النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فكيف بربّ العالمين ، فالذي سمعه النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ هو كلام الله بلا شكّ ولكن إدراك الكيفية في تكلّم الله ـ عزّ وجلّ ـ بالكلام هذا لم يدلّ عليها نصّ صحيح ، بل النّصوص تدلّ على أنّ المخلوقين يعجزون عن هذا.[ هذا إجابة على سؤال ألقي على الشّيخ ]

          [1]ـ كلمة لم أستطع ضبطها.

          تعليق


          • #6
            الفائدة ـ10ـ


            مصدر المصطلحات الموجودة في باب الأسماء والصّفات، وتقسيم بعض الصّفات إلى ذاتية وفعلية
            هذه التقسيمات لم تكن معروفة في عهد السّلف ، وإنّما أُحدثت بعد ذلك ،والأصل فيها كما ذكر شيخ الإسلام هو أهل الكلام ،هم الذين قسّموا هذه التقسيمات وبالغوا فيها،لكنّ أهل العلم لـمّا كانت بعض هذه التقسيمات صحيحة، ويستعان بها على التعليم وتعليم النّاس ،فإنّها لا يُنكَر على من استخدمها ، ولكن ينبغي أن يُعرف أنّ من لم يعرف هذه التقسيمات لا يقال أنّ هذا قدح في إيمانه بالأسماء والصّفات ، فإنّ السّلف ماتوا ولم يعرفوا ما يُعبّر عنه بأنّه صفة ذاتيّة وفعلية، وأمّا كونـهم يثبتون الصفات الذاتية والفعلية التي نسميها ذاتية وفعلية فهم يثبتون الأسماء ، وهنا ينبغي أن يُفرّق بين أمرين : بين التقسيمات الشرعية وبين التقسيمات الاصطلاحية :
            فالتقسيمات الشرعية مثل تقسيم الإيمان إلى الأركان الستّة والإسلام إلى الأركان الخمسة فهذه تقسيمات شرعية، لا يجوز الإحداث فيها ولا الزيادة ولا النقص، ومن زاد أو نقص، فقد كفر.
            وأمّا التقسيمات الاصطلاحية كتقسيم مراتب القدر ،وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع، وكذلك تقسيم الصفات ،فهذه تقسيمات اصطلاحية للتعليم ، ولو جاء شخص وقال : أنا لا أعرف صفة ذاتية وفعلية ولا أعرف المراتب التي تذكرون ولكنّه ذكر ما تتضمّنه هذه التقسيمات وذكر ما دلّت عليه النّصوص في هذا فإنّه لا يحرّج عليه في هذا .[ هذا إجابة على سؤال ألقي على الشّيخ ]

            الفائدة ـ11ـ


            هل يثبت أنّ الله ضحك عندما قتل وحشيّ حمزة ـ رضي الله عنه ـ ؟

            هذا لا يدلّ على هذا ،لأنّه ما ثبت في العموم لا يدلّ على الخصوص ، وهذه قاعدة ذكرها شيخ الإسلام ،أنّ العمومات التي تدلّ عليها نصوص من الكتاب والسّنّة لا يقتضي أن يُنتزع منها بعض الأشياء الخاصّة وتُخضَع لهذه العمومات ، فعندما قتل وحشيّ حمزة لا يقال أنّ هذا يحصل في هذا وإنّما ذكر النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ((أنّ الله يضحك من رجلين)) ، وهل هذا في حقّ رجلين خاصّين أو أنّه يضحك من كلّ رجلين يقتل أحدهما الآخر ويدخلان الجنّة؟ لم يقل النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه يضحك من كلّ رجلين ، كما جاء في الحديث الآخر : (( أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ ضحك من رجل ،كانوا في سفر ، فاستراح النّاس فقام لله ـ عزّ وجلّ ـ يصلّي ، فضحك منه )) فلا يقال : أنّ الله يضحك من كلّ من صلّى في السّفر، وإنّما هذا يدلّ على إثبات الضّحك في هذا المقام ، وأنّ الله ضحك من رجلين وضحك من رجل ،وليس بالضّرورة أنّه إذا تحقّق هذا الوصف في غير هذين الرّجلين أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يضحك من هذا ، ولكن فيه إثبات صفة الضّحك في هذا المقام لله ـ عزّ وجل ـ[ هذا إجابة على سؤال ألقي على الشّيخ ]

            الفائدة ـ12ـ


            معنى قول السّلف : (أمرّوها كما جاءت)

            (وإن أمرّها كما جاءت) ومعنى إمرارها كما جاءت هو أن يثبت لها المعنى ،ولهذا ذكر شيخ الإسلام أنّ هذه اللّفظة، فَهِم بعض المفوّضة أو المفوّضة فهموا منها أنّه لا يُثبت معها معنى ، قال: وهذا خلاف ما قصده السّلف، فإنّها جاءت بمعاني وإمرارها بغير معاني ليس هو من إمرارها كما جاءت ، فإمرارها كما جاءت هو بإثبات معانيها ،لأنّها ألفاظ لها معاني ، هذا معنى إمرارها "كما جاءت" وأمّا من تأولّها بغير ما دلّت عليه أو أنّه فوّض المعنى ،وقال :لا أعلم المعنى ،هذا لم يُـمرّها كما جاءت ،فإنّها جاءت بألفاظ عربيّة معلومة لأهل اللّغة ،ولم تشكل على أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ والذي يدلّ على أنّها لم تشكل عليهم أنّهم إذا أشكل عليهم شيء سألوا النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عنه ، كما سألوا عن أشياء كثيرة فأجابهم النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ولـمّا سكتوا عن هذه الأشياء من غير سؤال دلّ على أنّهم فهموا معانيها ،وهذا هو اللاّئق بهم أنّهم لا يمكن أن يكونوا حفظوا هذه النّصوص وعرفوها ولم يكونوا قد فهموا معانيها ،ثمّ جاءت الأقوال عنهم التي تدلّ على فهمهم لهذا، كما نُقل عنهم في مقامات كثيرة ، أنّهم يثبتون معاني الصّفات ويثبتون حقائقها الصّحيحة ،ومن هذا قول عائشة لـمّا كلّمت المجادلة النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قالت : ((سبحان من دقّ سمعه ،كان يخفى عليّ بعض كلامها، وسمع الله قولها من فوق سبع سموات)) فأثبتت الكلام والسّماع وأنّ الله سمع كلامها ، والفوقيّة والعلو والاستواء على العرش ،وهذا دليل على أنّهم كانوا يعرفون هذه الأشياء ويعرفون معانيها ، وبأيّ شيء عرفت عائشة هذا ؟ عرفت بـما خوطبت به وما جاء في الكتاب والسّنّة من إثبات الصّفات .

            الفائدة ـ13ـ


            الشّرّ لا يُنسب إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ

            والشّرّ لا يُنسب إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ، ولا يضاف إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ لا في أفعاله ولا في أسمائه ولا في صفاته ، وإنّما يضاف إلى المفعولات كما ذكر ابن القيّم ، وكما دلّ على هذا الحديث في قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : (( والشّرّ ليس إليك))، فالشّر المنفيّ عن الله ـ عزّ وجلّ ـ هو الشّرّ المحض ، وهو أن يُقدّر الله الشّرّ المحض ، وأمّا الشّر الجزئي الذي يكون هو خير باعتبار، وقد يكون شرّا باعتبار ، فهذا يحصل في التّقدير، لكنّه لا يضاف إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ .
            وقد ذكر شيخ الإسلام أنّه يأتي على أحد ثلاثة أوجه:
            · إمّا أن يدخل في عموم الخلق والتّقدير: كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الرّعد:16] فكلّ شيء مخلوق، وكلّ ما يحصل للنّاس من هذه الأمور المقدّرة عليهم فهي مخلوقة لله ـ عزّ وجلّ ـ.

            · وإمّا أن يضاف الشّرّ إلى ما لم يسمّ فاعله كما أخبر الله ـ عزّ وجلّ ـ في قول الجنّ : ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾[ الجنّ :10] فالشّرّ أضيف إلى ما لم يسمّ فاعله ، ولا يقال المبني للمجهول ، لأنّ الإضافة هنا إضافة المخلوقات لله ـ عزّ وجلّ ـ الذي خلقها ، وإن كان لا نضيف الشرّ الجزئي إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ.

            · وإمّا أن يضاف الشّر إلى سببه وإلى مكانه وهو المخلوق كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾[النّاس:2].

            وأمّا الشّرّ فلا يضاف إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ ، وهذه قاعدة ينبغي التّنبّه إليها ، أنّه ليس كلّ ما دلّت النّصوص عليه دلالة عامّة يصلح أن يُنتَزع من هذه العمومات بعض الأفراد فيُعبّر عنها ،كما أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ خلق كلّ شيء ، لكن لا تضاف إليه المخلوقات الوضيعة ، وإنّما تضاف إليه المخلوقات الشّريفة ، كما كانت عائشة رضي الله عنها تُقسم بربّ محمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وربّ إبراهيم ، وكما كان النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقسم ربّ إبراهيم ، وكان يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ ويتوسّل إليه يقول : (( ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل )) ولا يضاف إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ المخلوقات الوضيعة ، وهذا معلوم حتّى في التّأدب مع النّاس مع المخلوقين كما ذكر العلماء أنّ من خاطب ملكا أو شريفا وكان في رعيّته من المجانين والـبُلْد وقال له : " أنت ملك أو أمير المجانين والـبُلْد والعصاة والمجرمين " وإن كان في رعيّته من هو متصّف بهذه الصّفة لكنّه لا يخاطب بهذا
            و أمّا الشّر المذكور في الحديث في قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ((و أن تؤمن بالقدر خيره و شرّه )) فقيل أنّ المقصود بالقدر هنا المقدور ،و يكون إضافة الشّر هنا للمخلوق (و أن تؤمن بالمقدور خيره و شرّه ) ،والقدر يطلق على الفعل من "قدّر" "يقدّر" "تقديرا"، و على المقدور الذي وقع عليه الفعل ،و المقدور مخلوق ،و هو الذي يضاف إليه الشّر

            الفائدة ـ14ـ


            الفرق بين ''القدر''و''القضاء''

            و''القدر'' هو التّقدير السّابق للمقادير،وما علم الله ـ عزّ وجلّ ـ أن تكون عليه .
            و''القضاء'' هو القرار والحكم والفصل ،وهو خَلْق الله ـ عزّ وجلّ ـ لِـمَا قدّر ،ولهذا فالتّقدير هو سابق للقضاء ،وعندما يقّدم القضاء على القدر ليس هو على سبيل الترتيب الزّمني وإنّما هو على سبيل الترتيب الذكري ،وهو أن يقدّم اللّفظ على اللّفظ لمراعاة إمّا لخفة اللّفظ أو لمقصد آخر، وإلاّ فالتّقدير هو سابق للقضاء ، فالله ـ عزّ وجلّ ـ قدّر المقادير قبل خلق السّموات والأرض بخمسين ألف سنة قبل خلقه لها ، ثمّ خلقها الله ـ عزّ وجلّ ـ في الوقت الذي شاء أن تكون فيه .
            ولهذا ذكر العلماء الفرق بين القضاء والقدر إنّه بمثابة تفصيل الثّوب والفراغ من الخياطة ، فالتّقدير يكون قبل أن يخاط الثّوب ،ويكون بمقدور الخيّاط أن يزيد وينقص ،فيقدّر طوله وعرضه ،فإذا فصلّه وقضاه يكون فاته التّقدير ، فالتّقدير متقدّم ،والقضاء متأخّر، والقضاء هو الخلق .
            ثمّ إنّ القضاء والقدر إذا ذُكر أحدهما منفردا دخل فيه الآخر ، فيقال: هذا قدر الله ويدخل فيه القضاء ،ويقال هذا قضاء الله ويدخل فيه التّقدير، فإذا ذُكِر القدر دخل فيه القضاء وإذا ذُكِر القضاء دخل فيه القدر ، ويجب الإيمان بهما جميعا .
            والقضاء والقدر فيهما إشارة إلى مراتب القدر لأنّ التّقدير يدخل فيه العلم والكتابة، والقضاء تدخل فيه المشيئة والخلق، فيفهما إشارة إلى مراتب القدر، وهذا دليل على أنّ هذه المراتب المذكورة مأخوذة من هذا اللّفظ من "القضاء والقدر".

            الفائدة ـ15ـ


            في قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ:((ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك))رد على الجبريّة والقدريّة

            قال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ((ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك))وفي هذه العبارة ردّ على الطّائفتين:
            قال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: (( ماض فيّ حكمك))ردّ على القدريّة، الذين يقولون أنّ أفعال العباد لا تدخل تحت تقدير الله، وأنّ العبد قادر على فعله.

            وقوله: ((عدل فيّ قضاؤك)) ردّ على الجبريّة الذين ينسبون الله إلى الظلم،
            فالقدريّة نسبوا الله إلى العجز، والجبريّة نسبوا الله إلى الظّلم.

            الفائدة ـ16ـ


            آدم ـ عليه السّلام ـ نسب الظّلم إلى نفسه


            وإبليس ـ أعاذنا الله منه ـ نسب الظّلم إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ


            كما حصل من أبيهم آدم لـمّا عصى الله ـ عزّ وجلّ ـ قال : ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾[ الأعراف : 23] وإبليس الذي قال : ﴿بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾[ الحجر:39] هو مـمّن نسب الظّلم إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ ،فآدم نسب المعصية لنفسه واستغفر وتاب، وإبليس نسب المعصية لربّه قال: ﴿بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ وأضاف الغواية إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ أنّه أغواه ،والعبد هو الذي تحصل منه الغواية ويحصل منه الضّلال ، والله ـ عزّ وجلّ ـ هو الذي يقدّر هذه الأمور ،والله ـ عزّ وجلّ ـ قدّر المقادير ومنها أعمال العباد ، وقدّر الطّاعة والمعصيّة، والله هو الخالق المقدّر ، والعبد هو المطيع وهو العاصي، فالعبد هو المصلّي والصاّئم، والزّاني وشارب الخمر ، والله ـ عزّ وجلّ ـ هو المقدّر ، والله خلق العبد وعمله﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصّافات:96] ولا يقال أنّ الله فعل ما تعملون ، وإنّما خلق ما نعمل، فهو خالق لنا وخالق لأعمالنا، خالق لصاحب العمل وخالق لعمله

            الفائدة ـ17ـ


            نصيحة لطّلاب العلم في دراسة باب (( القدر))



            (أخذ العلم من أصوله )

            باب القدر هو من أدقّ الأبواب في باب العقيدة ، وكم زلّت بسببه أقدام ولهذا أنصح الإخوة خصوصا طلاّب العلم الذين يعتنون بعلمهم وبدقّة دراستهم أن يأخذوا هذا الباب من أصوله ، وقد توجد بعض المصنّفات ، بعض الكتب المؤلّفات الحديثة في هذا الباب ،في باب الأسماء والصّفات وفي باب القدر، وينبغي ترك هذه الكتب التي لا يُعرف من كتبها ،ويؤخذ هذا الباب من أصوله ، وحتى في كلام بعض المعاصرين مهما كانت منزلة الرّجل ،فلاشكّ أنّ العلماء الكبار الذين عُرفوا بسلامة العقيدة يؤخذ عنهم، لكن إذا أشكل شيء مع كلام السّلف، فكلام السّلف هو المقدّم ،ولهذا ينبغي العناية بهذا الباب خصوصا في دقّة الفهم للمسألة في باب الصّفات، وفي باب القدر، ثمّ التّعبير عنها ،وكم حصل بسبب الإخلال في هذين الأصلين كم حصل بسببهم ما حصل من الخطأ ، فنجد أنّ أخطاء النّاس:إمّا أنّه لم يفهم المسألة على وجهها ،أو أنّه فهم ولكنّه ما استطاع أن يعبّر عنه ،وكم من مؤلّف ،وكم من متكلّم الآن يتكلّم ويذكر في كلامه الألفاظ المجملة التي يُنتقَد فيها ،فإذا فتّشت عنه وجدته لا يعتقد إلا الاعتقاد الصّحيح ،لكنّه أوتي من قبل سوء التّعبير .

            (الرّضى بالألفاظ الشّرعيّة دليل على علوّ درجة العلم عند الرّجل)

            ولهذا ذكر شيخ الإسلام أنّ الكمال في هذا يرجع إلى قوّة العلم وإلى قوّة التّعبير عنه ، وهذا ما حصل للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ،فالنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ علمه مرجعه إلى الوحي وأوتي جوامع الكلم ، وكلّما علت درجة الرّجل في العلم كلّما رضي بالألفاظ الشرعيّة واقتنع بها وعبّر بها ،وترك الألفاظ المجملة ، وكان السّلف من أدقّ النّاس بالتمسّك بالألفاظ الشرعية ،ولهذا أنكروا بعض الألفاظ لـمّا أحدثها بعض أهل البدع ، فلـمّا أحدث الجبرية القول وقالوا أنّ الإنسان مجبور ، سئل الأئمّة هل الإنسان مجبور ؟قالوا : (لا نقول مجبور وإنّما نقول جُبل) أخذا من اللّفظ الشرعي لقول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ((إن الله جبلك على خصلتين يحبّهما الله ورسوله )) قالوا: ''جُبِل'' عبّروا بالـجَبْل ولم يعبّروا بالـجَبْر، ولهذا السّؤال الشّائع الآن: هل الإنسان مسيّر أو مخيّر ؟ فالصّحيح أن لا يقال أنّ الإنسان مخيّر ولا مسيّر ،فإنّ مخيّر أو مسيّر،لم يأت في النّصوص ،وإن كان بعض المتأخّرين من أهل العلم قالوا : أنّ الإنسان مخيّر من وجه ومسيّر من وجه، والصّحيح ألّا نلتزم اللّفظ ولا المعنى ، ونقول: نحن لا نعرف مخيّر ولا مسيّر، كما قال السّلف في كثير من المسائل قالوا: لا نعرف كذا ، وإنّما نقول: له مشيئة ، لله مشيئة وله مشيئة﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[ التّكوير :29]فلا نلتزم اللّفظ ولا المعنى ،لِمَ نقول هو مسيّر من وجه ومخيّر من وجه؟، وإن كان أجاب بهذه الإجابة بعض الأفاضل وبعض العلماء، ولكن الحقّ أحقّ أن يتّبع، فطريقة السّلف هو ألاّ نلتزم لا اللّفظ ولا المعنى ، لم نلتزم اللّفظ ونفصّل فيه؟!!نترك اللّفظ الموهم والمعنى ،ونقول: لَمْ تأت النّصوص بهذا ، ولكن نقول: أنّ الإنسان له مشيئة ولله ـ عزّ وجلّ ـ مشيئة ،فمشيئة الإنسان ليست نافذة وليس هو مسلوب المشيئة وإنّما مشيئته داخلة تحت مشيئة الله ، ونقول ما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ولهذا لمن أراد أن يصف عقيدة أهل السّنّة عليه أن يلتزم بالألفاظ الشرعية في هذا الباب وفي غيره من المقامات التي عبّر بها السّلف ،ولهذا عندما نقول بعض عبارات السّلف خصوصا لمن أراد أن يصنّف أو يكتب نأتي بعبارات السّلف نقول: (أمرّوها كما جاءت) ولا نقول لا نفسّرها باللّغة، ما قال السّلف هذا ، نقول: (أمرّوها كما جاءت) لأنّها جاءت بألفاظ ومعاني فـتُمَرّ كما جاءت ،وكذلك نقول في القدر ، نثبت لله المشيئة ونثبت الإرادة ونفرّق بين الإرادة الكونية والشرعية كما فرّق أهل العلم .

            تعليق


            • #7
              [الفوائد من الشّريط الرّابع ]


              الفائدة ـ1ـ

              " نفرّ من قدر الله إلى قدر الله ، ونردّ قدر الله بقدر الله "


              ولهذا لا ينبغي أن يُفرّق بين السّبب والـمُسبَّب ، لأنّ الله هو المقدّر لهذا ولهذا ، وهذه المسألة بسببها أشكل على النّاس مسألة الدّعاء ، كيف ندعو الله ـ عزّ وجلّ ـ بردّ القدر ؟ أو كيف نأخذ الأسباب في القدر ؟ وظنّوا أنّ السّبب هو خارج عن تقدير الله ـ عزّ وجلّ ـ والسّلف قالوا : " نفرّ من قدر الله إلى قدر الله ، ونردّ قدر الله بقدر الله "فالدّعاء ينفع، وعندما يحصل بسبب الدّعاء في رفع القدر ، وهو ما قدّر الله ـ عزّ وجلّ ـ على العبد من الأمور التي كان يستحقّها بذنبه فيرفعه الله ـ عزّ وجلّ ـ بالدّعاء ، والدّعاء سبب وهو مقدّر من الله ، ولكن لـمّا توهّم هؤلاء أنّ فعل العبد وهو صادر منه ،وأشكل عليهم شبهة القدريّة وهو أنّ فعل العبد مقدور له فظنّوا أنّه إذا دعا الله كأنّه يردّ قدر الله ،ولهذا يقول بعضهم : لا أسألك ردّ القضاء ولكن أسألك اللّطف فيه " وهذا خطأ ، بل نسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ ردّ القضاء ،ونسأل الله أن يقدّر لنا الخير

              وكان مالك بن دينار يدعو ويقول :
              ( اللّهمّ إن كنت كتبت مالكا في النّار فامحه واكتبه في الجنّة ، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب )
              وكثير من الأمور نحن نسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يدفعها عنّا فإذا كان في علم الله أنّها لن تُقدّر ، فلمَ ندعو الله ـ عزّ وجلّ ـ ؟!!

              ولكنّ الأشياء قد تكون مقدّرة بسبب ذنبك، لقد جاء في الحديث أنّه ((ما من عبد دعا الله ـ عزّ وجلّ ـ في شيء إلاّ أعطاه الله ـ عزّ وجلّ ـ سؤله ، أو صرف عنه على نحو ما سأل )) يعني يصرف عنه من الشّرّ بنحو ما سأل من الخير ، والذي ينازع في هذا يُخاطَب أيضا بالأسباب الأخرى فيقال له: " الجوع مقدّر علينا فلم تأكل وتردّ القدر" ؟!! والموت مقدّر علينا فلم تتداوى وتردّ القدر ؟!! وأنت الآن غير متزوّج مقدّر عليك في هذا الوقت أنّك غير متزوّج فلم تتزوّج وترفع المقدّر، ولم تبذل السّبب في طلب الولد ؟!!
              إذاً هذه منازعة تفريق بين القدر والشّرع ، فنحن (نطلب رفع)[1] القدر بالسّبب والسّبب مقدّر ، والمُسبّب عنه مقدّر ، وهذا الأمر قد يحصل المطلوب وقد يُمنع الإنسان ،ولكنّ الإنسان عليه أن يبذل السّبب ولا يعتمد على القدر في العمل وإنّما يؤمن بالقدر ويعمل ويجتهد



              الفائدة ـ2ـ

              القبر له تعلّق بأحكام الدّنيا وبأحكام الآخرة


              والقبر له تعلّق بأحكام الدّنيا وبأحكام الآخرة :

              فهو باعتبار انقطاع العمل هو متعلّق بأعمال الآخرة، وأنّه ليس هناك عمل، وكذلك هو باعتبار أنّ المقبور يعرف هل هو من أهل السّعادة أو من أهل الشّقاء، وهل هو من أهل الجنّة أو من أهل النّار؟ لأنّه يُفتح له نافذة ويرى مقعده من الجنّة أو النّار.

              وأمّا باعتبار أنّ القبر يحصل لمن مات قبل قيام السّاعة ويُدفن ،ويُقبر ، فهو في زمن الدّنيا الذي يسبق قيام السّاعة ،كما يحصل للأموات الآن الذين ماتوا وهم في قبورهم ، هم في زمن الدّنيا ، ولكنّهم باعتبار موتهم فأحكامهم متعلّقة بالآخرة، ولهذا هو برزخ بين الدّنيا والآخرة ، وهو أوّل منازل الآخرة ، لأنّه به يعرف المقبور منزلته ويعرف عمله وينقطع عنه العمل .

              الفائدة ـ3ـ


              الفرق بين الإيمان الذي يكون مبنيّا على تصديق النّبـيّ - صلّى الله عليه وسلّم - قبل رؤية الآيات ،وبين الإيمان الذي بعد رؤية الآيات العظيمة

              ...والمؤمن لا يشكّ في هذا ،ويؤمن ،وأمّا من كان لا يؤمن إلّا بما رأى ، فإنّ هذا ليس هو مـمّن آمن بالغيب ، والله ـ عزّ وجلّ ـ وصف المؤمنين بأنّهم يؤمنون بالغيب، وأمّا الإيمان بالشّهادة وما يحصل فإنّ هذا الإيمان لو كان ينفع لنفع الكفّار ، الذين يؤمنون عندما يرون العذاب والنّعيم ،يؤمنون ولا يُثابون على هذا لأنّه ليس في هذا مدح، وإنّما المدح هو ما يحصل قبل رؤية هذه الأشياء ، ثمّ أيضا حتى قبل وجود الآيات ،وقبل ظهور العلامات فالذين آمنوا بالنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وصدّقوه في بداية الأمر قبل أن تُعطى له العلامات العظيمة الدّالة على صدقه والنّصر العظيم الذي أصبح معلوما لكلّ النّاس كان له فضل ، فأبو بكر صدّق النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من أوّل وهلة ولم يتردّد ،ولم تكن ظهرت العلامات العظيمة التي حصلت للنّاس بعد ذلك، ثمّ هدى الله ـ عزّ وجلّ ـ بها من شاء من خلقه ، وهذا هو الفرق بين الإيمان الذي يكون مبنيّا على تصديق النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قبل رؤية الآيات ،وبين الإيمان الذي يكون بالنّبـّي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بعد رؤية الآيات العظيمة ، وإن كان الجميع على خير وفضل ، وكلّهم مؤمن ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قَبِل منهم الإيمان مع وجود هذه الآيات، انشقاق القمر ، الإسراء والمعراج ، وغيرها من الآيات، فانتفع بها ما شاء الله ـ عزّ وجلّ ـ من الخلق ودخلوا في دين الله ، ولكنّ الذي يسبق هؤلاء في الفضل هو من آمن بالنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قبل رؤية هذه الآيات ، وهذا من قوّة الإيمان بالغيب وتصديق النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،ولهذا المؤمن يصدّق النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في كلّ شيء ،ويُكذّب حواسّه ، حتى أنّه لو جاءه الوحي أنّ ما يرى أنّه حجرا ليس بحجر لآمن ،لأنّ الحواس يطرأ عليها الخلل و الضّعف ،و أمّا الغيب و الوحي فإنّه لا يطرأ عليه الخلل ولا الكذب ، و لهذا أهل السّنّة يؤمنون بالوحي و لا يعرضون الوحي على عقولهم ، و أهل البدع يعرضون الوحي على عقولهم ، و لهذا كان إيمان أهل السّنّة من جنس إيمان المؤمنين الذين يؤمنون بالغيب ، و إيمان أهل البدع من جنس إيمان الشّاكين الذين لا يؤمنون بالشيء حتى يروه و إن كان إذا آمنوا الإيمان الذي ينفعهم عند الله ـ عزّ وجلّ ـ في الدّنيا فإنّه ينجيهم من عذاب الله ـ عزّ وجلّ ـ و من الخلود في النّار ،و لكن قد يحصل قصور في هذا الإيمان كما يحصل لبعض أهل البدع،فالإيمان بنعيم القبر وبعذابه و من الأمور التي دلّت عليها النّصوص ويجب الإيمان بها و من كذّب بشيء من هذا بعد ثبوت النّص فهو كافر .


              الفائدة ـ4ـ
              المقصود من قول عمر رضي الله عنه - :" نلقمهما حجرا "

              و ما ذكر هنا من قول عمر رضي الله عنه في الملكين و أنّه (سأل النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ هل يكون كما هو عليه ؟ ثم قال : أكفيكهما) ،هذا دليل على أنّ الإنسان يكون عندما يسأل أنّه يكون بإيمانه الذي في الدّنيا ، و قد جاء في بعض الرّوايات أنّ عمر قال :" نلقمهما حجرا " يعني نجيبهما ، ليس المقصود الامتهان للملكين أي أنّنا لا نتردّد في الإجابة ، و هذا دليل على أنّ من كان من أهل الإيمان في الدّنيا فهو من أهل الإيمان في القبر ، و من كان من أهل الشّك في الدّنيا فهو من أهل الشّك في القبر .


              الفائدة ـ5ـ

              تأويل الصّوفية لحديث ضمّة القبرلسعد بن معاذ-رضي الله عنه ـ بأنّها ضمّة محبّة ومودّة

              .... عقيدة أهل السّنّة و هو الاعتدال في أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فإنّهم لا يعتقدون أنّ أفرادهم معصومين ، لا يعتقدون العصمة لأفراد أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ، ويعتقدون العصمة في إجماعهم،وإن كانوا يرون أنّهم الأسبق لكلّ خير وفضل ، أسبق النّاس لكلّ خير وفضل ، وهذا توسّط بين عقيدة الصّوفيّة ، الذين يغلون فيهم ويعتقدون العصمة ، ولهذا يـتأوّلون هذه النّصوص ، مثل هذا الحديث يقولون: ضمّة القبر لسعد بن معاذ هي ضمّة محبّة ومودّة ، والأرض هي أمّ الإنسان ، فهيّ تضمّ أبناءها لطول اشتياقها إليه " هذا يخالف ما دلّت عليه النّصوص ، والنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أخبر عن ضمّة القبر وأنّها عذاب وأنّه لو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ..


              الفائدة ـ6ـ

              التّقرير العام لأصل من الأصول لا يستلزم الخوض في تفاصيل الأمور الموهمة والمشكلة على النّاس


              ...لكن نرجع إلى القاعدة السّابقة ،وهو أنّه لا ينبغي لنا أن نمثّل بأفراد الصّحابة على الذّنوب ونقول : الدّليل على هذا أنّ فلان أذنب و فلان ، فإنّ هذا لم يقله أحد من أهل العلم ، وإن كنّا نقرّر هذه العقيدة تقريرا عامّا ، كما أيضا نقرّر أنّ الأنبياء قد تصدر منهم الصّغائر، لكن ليس من الدّين والعقل أن نمثّل ببعض ما حصل للأنبياء كما يفعله بعض أهل الجهل ، وهذا أصل عظيم لا يتنبّه إليه إلّا من وفّقه الله ،وهو أنّ التّقرير العام للعقيدة أو لأصل من الأصول لا يستلزم أن يخوض الإنسان في تفاصيل الأمور الموهمة والمشكلة على النّاس ، فنحن نقرّر أنّ أفراد الصّحابة غير معصومين ، وأنّهم قد تصدر منهم بعض الزّلات ولكنّها مغمورة في جانب مكانتهم ومنزلتهم ، وهم أسبق الأمّة إلى كلّ خير


              الفائدة ـ7ـ

              النّفخ في الصّور


              والصّيحة هي النّفخ في الصّور، وهو ثلاث نفخات:
              · نفخة الفزع، ودلّ عليها قول الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ[ النّمل:87] فهذا النّفخ هو نفخ الفزع الذي يحصل قبل قيام السّاعة، وبسببه تُدمّر الأرض، وهذه النّفخة هي التي تطول ولا يكون لها(.....)[2]ويفزع عندها الخلق ، ويرون انشقاق الأرض ، وتدمير السّماء ، ثمّ بعد ذلك تكون
              · نفخة الصّعق وهي نفخة الموت وهي التي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ فيها: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾[الزّمر:68] فالنّفخة الأولى هي نفخة الصّعق ،
              والنّفخة الثّانية هي نفخة البعث .......


              الفائدة ـ8ـ


              ما حكم قول من ابتلي بالمعاصي "اللّهمّ ارزقني الصّبر عن معصيتك"؟
              الجواب:
              الواجب عليه أن يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ المغفرة والتّوبة والعصمة، وأن يسأل الصّبر عن المعصية هذا صحيح إذا كان يقصد بـ" الصّبر عن المعصية" أن يُصبّره الله ـ عزّ وجلّ ـ ،ولكن إذا كان يقصد الصّبر على المعصية فهذا مذموم ، فهو إنّما يسأل الله ـ عزّ وجل ـ أن يُقدّر عليه المعصية ويُقدّر عليه الصّبر ، بل إنّ الصّحابة كرهوا سؤال الله الصّبر ، كما سمع عمر رضي الله عنه رجلا يقول :" اللّهمّ ارزقني الصّبر" قال: ( ويحك سألت الله البلاء !!فاسأله العافية ) فالإنسان لا يسأل الله الصّبر ، لأنّه إذا سأل الصّبر فإنّه متضمّن سؤال الله ـ عزّ وجلّ ـ الابتلاء ، والإنسان المفروض عليه أن يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ العافية ، كما أرشد النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عائشة أن تدعو في ليلة القدر : (( اللّهمّ إنّك عفوّ تحبّ العفو فاعف عنّي)) فالإنسان يجب عليه أن يسأل الله العافية في الدّنيا والآخرة ، وأن يعافيه من الذنوب والمعاصي ، وألّا يطلب الابتلاء ، ولكن إذا نزل عليه الابتلاء وجب عليه الصّبر، ولهذا ذكر شيخ الإسلام أنّه لا ينبغي للمؤمن أن يسأل الله الابتلاء ، لكنّه إذا وقع وجب عليه أن يصبر وأن يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يرزقه الصّبر ، وأمّا أن يسأل الصّبر والابتلاء قبل وقوعه فهذا لا يجوز ، ومن هنا نُهينا تمنّي لقاء العدوّ، ودعاء الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يجمعنا بأعدائنا ، كما يفعله بعض الجاهلين الآن الذين يسألون لقاء العدوّ ، هذا لا يجوز وإنّما نحن نسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يقينا والمسلمين الشّرور والفتن والحروب ، ونسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يعزّ دينه ، فإذا لم يقم الدّين إلّا بجهاد الكفّار وجب الجهاد ، والصّبر على لقائهم ، والصّبر على القتل والجهاد في سبيل الله ، نعم.



              الفائدة ـ9ـ



              فلا يحصل سوء الظنّ بالسّلف إلّا مع الجهل بطريقتهم


              وأمّا العزوف عن كتب السّلف والزّهد فيها ، فهذا الذي حصل بسببه الفتنة العظيمة ، عندما ظنّ من ظنّ أنّ تلك الكتب أنّها إنّما تحمل النّصوص من غير فقه ويسمّيهم البعض بمثابة الصّيادلة الذين جمعوا الأدوية ولا يعرفون طريقة التّداوي بها ، وهذا من الجهل بمقام السّلف ، وهؤلاء كما قال فيهم شيخ الإسلام كما قال في المتكلّمين : (جهلوا طريقة السّلف وأساؤوا الظنّ بهم )، فلا يحصل سوء الظنّ بالسّلف إلّا مع الجهل بطريقتهم ، ومن قرأ كتبهم وعرف عباراتهم ودقّة ما كانوا عليه من علم وفقه عرف منازلهم خصوصا في كتب العقائد ، في كتب السّنّة التي صنّفوها في بيان وصف عقيدة أهل السّنّة ، وما اشتملت عليه من الدقّة في العبارة ، ولزوم الألفاظ الشّرعيّة ، وتجنّب الألفاظ المجملة ، هذا مـمّا يُرسّخ طالب العلم في العقيدة وفي معرفة كلام السّلف ، ويحصل بسببه الفرقان عنده بين البدع وما أحدث النّاس ، ثمّ تحصل له حاسّة قويّة يستطيع أن يميّز عندما يتكلّم المتكلّم في كلامه بين الحقّ والباطل ، وهذا من ثمار المداومة على قراءة كتب السّلف ، وأمّا من قرأ كتب المتأخّرة خصوصا بعض كتب المبتدعة ، خصوصا ما يسمّى بالكتب الفكريّة التي اشتملت على الكثير من البدع والضّلالات ، والألفاظ المجملة التي وإن أراد بعضهم بها الحقّ إلّا أنّها ألفاظ مجملة وتربّى على هذه الكتب فإنّك ستجد في كلامه الخلل ، وما أحد قرأ هذه الكتب وتكلّم إلّا ورأيت الخلل في كلامه بشؤم هذه الكتب التي تربّوا عليها ، وتعوّدت ألسنتهم ألفاظها ، وأمّا من قرأ كتب السّلف فإنّ لسانه يتعوّد تلك الألفاظ الشّرعيّة التي عبّر بها السّلف عن عقيدة أهل السّنّة.
              ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
              [1]ـ هكذا والله أعلم .
              [2]ـ كلمة لم أستطع ضبطها

              تعليق


              • #8
                الفائدة ـ10ـ


                سؤال :بما يُبدأ بدراسة العقيدة أم حفظ القرآن ؟
                الجواب:
                يُبدأ بدراسة العقيدة كما نُقل عن الصّحابة قالوا: ( تعلّمنا الإيمان و تعلّمنا القرآن و ازددنا به إيمانا)فالواجب على المسلم و أوّل واجب على المكلّف هو الإيمان ، الإيمان بالله ربّا و بالإسلام دينا و بمحمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ رسولا، فيجب عليه أن يؤمن بهذا،و أن يعتقده و أن يعرف ما يجب عليه أن يؤمن به ،كما يجب عليه حفظ شيء من كلام الله و هو ما تصحّ به صلاته ، و أمّا حفظ الكتاب كلّه فهو نفل، و النّفل لا يقدّم على الواجب ،فلا يجوز لمسلم أن يترك دراسة العقيدة و التّوحيد الذي لا يصحّ توحيده لله ـ عزّ وجلّ ـ إلا به و يحفظ القرآن، لأنّ حفظ القرآن نفل ، و أمّا حفظ شيء من القرآن الذي لا تصحّ الصّلاة إلّا به فهو واجب وهو حفظ الفاتحة و شيء من القرآن التي تصحّ به الصّلاة ، فيجب عليه أن يعرف التّوحيد و أن يعرف ما يضادّه من الشّرك ،و يعرف الإيمان و أركان الإيمان و أركان الإسلام و يعرف الطّهارة و يتفقّه في هذا وإن استطاع أن يجمع بين هذا و بين أن يحفظ شيئا من القرآن مع الدّراسة فهذا طيب ،وأمّا أن ينقطع إلى حفظ كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ فهذا خير و فضل و لكنّه لا ينبغي أن يشتغل بالنّفل و يقدّمه على الفرض، و بسبب هذا الخطأ في المنهج حصل الجهل فنجد الآن الكثير و للأسف من الشّباب ومن الطّلبة وهذا من سوء التّربية أنّهم يحفظون القرآن و يتقنونه و قد تزيد دراستهم للقرآن على الدراسة للقراءات و هذا خير و لكن إذا كان هذا على حساب العقيدة فإنّ هذا غير صحيح ، و لهذا حصلت الفتنة بسبب هؤلاء كما حصل للخوارج من قبلهم الذين كانوا يحفظون القرآن و كانوا يقومون به اللّيل و قال فيهم النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال لأصحابه : (( تحقرون صلاتكم مع صلاتهم و صيامكم مع صيامهم يمرقون من الدّين مروق السّهم من الرّمية )) و لا يعني أبدا التّزهيد في حفظ كتاب الله ـ عزّ و جلّ ـ ولا ينبغي أن يُفهم من الكلام هذا و لكن ينبغي أن نكون على منهج صحيح في دراستنا فما من عالم يقرّ حافظ أن يشتغل بحفظ القرآن سنين طويلة و يجهل التّوحيد و يجهل ما يضادّه من الشّرك ، بل يجب عليه أن يجمع بين هذا و هذا ،فإن لم يمكن الجمع فيحب عليه دراسة التّوحيد لأنّه واجب عليه، وأمّا حفظ القرآن فلو مات ولم يحفظ القرآن فلا يقال أنّه آثم ، و لكنّه لو مات وهو لم يعرف التّوحيد و لربّما وقع في الشّرك فإنّ الخطر العظيم ، و لهذا العلماء قالوا أوّل واجب على المكلّف ما هو ؟ التّوحيد والإيمان كما ذكر المصنّف هنا، ومازلت أكرّر أنّ المنهج في هذا دقيق جدّا ، ولا ينبغي أن يفهم الطّلبة ولا ينبغي أن ينقطع من رزقه الله حفظ القرآن والمداومة عليه بعد أن حصل له بل ينبغي أن يحافظ على هذا الخير ، ولكن ينبغي العناية بدراسة التّوحيد والعقيدة خصوصا في هذه الأزمان التي كثرت فيها البدع ،والقرآن الحمد لله الآن محفوظ في كثير من أمصار المسلمين لكن انظروا إلى البدع التي تكون في كثير من الأمصار بسبب جهل النّاس بعقيدتهم ، نعم.



                الفائدة ـ11ـ

                التّعلّق الذي يحصل للأرواح بالأبدان عند البعث هو من أعظم أنواع التّعلّق


                ولكنّ التّعلّق الذي يحصل للأرواح بالأبدان عند البعث هو من أعظم أنواع التّعلّق، ثمّ يكون بعد ذلك دخول الجنّة والنّار ،وهذا التّعلّق الذي يحصل للرّوح بالبدن بعد البعث هو أكمل أنواع التّعلّق ؛ولا يكون بعده موت، النّاس لا يموتون بعد هذه الحياة فهم إمّا في الجنّة وإمّا في النّار ، ولهذا ذكر ابن القيّم في أنواع تعلّق الرّوح بالبدن أنّ هذا أعظم أنواع التّعلّق ،ولأنّ أهل الجنّة إذا دخلوا الجنّة يحصل لهم من قوّة الأبدان وقوّة تعلّق الرّوح بالبدن ما لم يكن موجودا فيهم ،ومن ذلك قدرتهم على النّظر لوجه الله ـ عزّ وجلّ ـ ،بينما كانوا في الدّنيا لا يقدرون على هذا كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لموسى:﴿ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف:143]فيكون لهم من القوّة ما لم يكن لهم في الدّنيا، وكذلك أهل النّار يكون لهم من القوّة في هذه المرحلة عند دخول النّار ما لم يكن في الدّنيا ،ولهذا لا يموتون وهذه القوّة يتحمّلون بها شدّة العذاب في النّار،كما أنّ تلك القوّة لأهل الجنّة يتنعّمون بها أعظم أنواع النّعيم.



                الفائدة ـ12ـ

                أصل قول العلماء: فلان تجاوز القنطرة


                وفي هذا الموطن يكون افتراق النّاس ،يفترق النّاس في هذا الموطن ، وعند مرور على الجسر ، يفترقون إلى إحدى الدّارين: فأمّا أهل النّار فيسقطون فيها ، وأمّا أهل الجنّة فيمرّون عن طريق الصّراط إلى قنطرة تكون قبل الجنّة ،ثمّ يقتصّ الله ـ عزّ وجلّ ـ من بعضهم لبعض ،ويعفو بعضهم عن بعض ، والذين جاوزوا هذا الجسر وجاوزوا القنطرة هم أهل النّجاة الذين تحقّقت لهم النّجاة ، ولهذا استعار العلماء من العبارة (تجاوز القنطرة) إلى التّعبيـر عنها في الرّجال الذين عُرفوا بالثّقة فيُقال :'' فلان تجاوز القنطرة'' والأصل في هذه الكلمة أنّ القنطرة هنا هي الجسر، فمن تجاوز القنطرة نجا وهو من أهل النّجاة ومن أهل السّعادة ،ولكنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لا يدخلهم الجنّة حتى يقتصّ بعضهم من بعض، لأنّ ما بين العبد وبين الله ـ عزّ وجلّ ـ حصل به العفو ،ثمّ بقيت بعض الحقوق للآدميين ،وحقوق الآدميين مبنية على المشاحنة لابدّ من الاقتصاص فيها ،ولهذا حكمة عظيمة وهو أنّ أهل الجنّة يدخلون الجنّة ولا يبقى في نفوسهم غلّ ولا شيء من الضّغائن ، التي قد تكون موجودة في الدّنيا ، فيدخلون الجنّة وهم على خير حال ، ليس بينهم لا حقد ولا ضغينة ،وقد جاء في الأحاديث أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يعطيهم من القصور ما يرضون به ويعفو بعضهم عن بعض ،عندما يرون قصور الجنّة ((فيقول بعضهم لمن هذه ؟ يقال: لمن عفا عن أخيه)) ، فيعفوا بعضهم عن بعض ويدخلون الجنّة .


                الفائدة ـ13ـ

                موقف عظيم كان يشقّ على الكثير من السّلف



                و((الصّراط)) وعند ((تطاير الصّحف)) ، فهذه المواطن العظيمة الكلّ ينشغل بنفسه ، ولا يشتغل بغيره ولا ينظر لغيره ، وهذا الموقف العظيم كان يشقّ على الكثير من السّلف، حتى إنّ بعضهم يبكي بكاء شديدا فيُسأل عن السّبب فيقول : ( بلغني أنّي أرد النّار ولم يبلغني أنّي أنجو منها) لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال : ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ليس هناك أحد إلّا سيرد هذه النّار وهذا الصّراط ، وهذا دليل أنّ الأصل في هذا هو ورود النّار إلّا من نجّاه الله ـ عزّ وجلّ ـ ولهذا قال : ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي ﴾وأضاف النّجاة لنفسه وما قال : " ثمّ ينجو" وهذا دليل على أنّ النّجاة بفضل الله ـ عزّ وجلّ ـ.


                الفائدة ـ14ـ

                مــــــوعظـــة
                (الدنيا مزرعة للآخرة)

                ...وقد جاء في بعض الأخبار ، أنّ رجلا يبقى في أهل الموقف ، يسأل النّاس حسنة ، يقول : حسنة أدخل بها الجنّة ، فيفرّ النّاس منه ، فيجد رجلا يقول : إنّما هي حسنة لي فإذا وهبتها لك كنت من أهل الأعراف ، فيهب له تلك الحسنة فيقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : ((أنا أكرم منك )) فيدخلهما الجنّة .
                وهذا دليل على عِظم الأمر ، وأنّ النّاس يحتاجون يوم القيامة لربّما لتسبيحة واحدة ، لربّما لتسبيحة أو تكبيرة أو تهليلة ، فإنّه إذا خُتم على ديوان العمل لا يستطيع أن يزيد فيه حسنة واحدة ، ولهذا ذكر بعض أهل العلم الذين هم أهل فطنة وينظرون للعواقب يقول:'' تأمّلوا أهل القبور يتمنّى أحدهم لو زاد في عمله حسنة واحدة'' ما يستطيع ،انقضى العمل ، ولهذا كما قال عليّ : ( اليوم عمل ولا حساب ،وغدا حساب ولا عمل) ليس هناك عمل، يُختم على الدّواوين ، ولربّما احتاج الرّجل إلى حسنة واحدة يدخل بها الجنّة ، لا يجدها ،ولو قال : "سبحان الله" لكانت حسنة ، لو قال: "الحمد لله" لكانت من أعظم الحسنات ، و((الحمد لله تملأ الميزان)).
                وهذا دليل عظم هذا الوقت الذي نعيشه في هذه الحياة الدنيا ، وأنّه مزرعة عظيمة للآخرة ، وأنّه بحسب ما يُقدّم الإنسان سيجد، هذا الذّكر الذي يُغفل عنه ، ونغفل عنه جميعا ـ إلّا من رحم الله ـ له وزن عند الله ، وله ثقل في الميزان ، وقد كان بعض السّلف يعتني بالذّكر حتّى أنّه كان بعضهم لربّما وصل ورده في الذّكر في كلّ يوم أكثر من عشرة آلاف ، وهذا من حرصهم على الخير ، والذّكر هو من الأمور العظيمة ، التي إذا وُفّق العبد لها نال الأجر العظيم ، ولهذا ذكر بعض أهل العلم في سياق الحديث عن أفضل العمل قيل أنّ الذّكر هو أفضل العمل وجاء عن بعض السّلف يقول : ''أقسم لو أنّ رجلين أحدهما خرج إلى جهة المشرق والآخر خرج إلى جهة المغرب ، أحدهما يُنفق الدّراهم والدّنانير ، والآخر يذكر الله ، ثمّ التقيا في منتصف الأرض من الجهة الأخرى ، لكان الذي يذكر الله أفضل من الذي يُنفق الدّراهم والدّنانير'' وهذا ظاهر ، لأنّ الذّكر هو تسبيح الله ـ عزّ وجلّ ـ ، وتقديس الله ـ عزّ وجلّ ـ، وتعظيم الربّ ، والذي يُنفق ينفق المال وينفع النّاس ، وهذا الذّكر هو توحيد، وهو تنـزيه وتقديس لله ـ عزّ وجلّ ـ ، وإن كان الإنفاق هو باعتبار تعدّيه هو من هذه الجهة أفضل ،ولكنّ الأعمال تتفاضل بحسب أنواع كثيرة ، بحسب التّعدّي للنّاس ، وبحسب فضل العمل باعتبار جنسه ، وبحسب بعض الأحوال الأخرى المصاحبة للعمل.

                الفائدة ـ15ـ



                النّاس في معاملة الربّ ـ عزّ وجلّ ـ بين الفضل والعدل


                ومن عومل بالعدل هلك



                قال أهل العلم : ''إحدى يدي الرّحمان للفضل، والأخرى للعدل'' أُخِذ هذا من هذا الحديث لأنّ بإحدى يديه الفضل والنّفقة وهو يُعطي ، وبيده الأخرى العدل الميزان يخفض ويرفع،وليس هناك ظلم ،والنّاس في معاملة الربّ ـ عزّ وجلّ ـ بين الفضل والعدل ، بين مُتفَضَّل عليه ، وبين من عُدِل فيه ، ولكنّ النّاس لو عوملوا بالعدل لهلكوا ، ولا ينجو أحد إلّا برحمة الله ـ عزّ وجلّ ـ ، ولهذا الإنسان مُطَالب بأن يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ العفو، وبهذا أرشد النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عائشة ،وهي من أحبّ النّاس إليه في أعظم ليلة وهي ليلة القدر ، فـي موطن الدّعاء والتّضرّع إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ لـمّا سألته قالت :بِـم أقول أو بِـمَ أدعو؟ قال : (( قولي اللّهمّ إنّك عفوّ تحبّ العفو فاعف عنّي)) فعفو الله ـ عزّ جلّ ـ خير للعبد من عمله ، والعبد إذا عومل بالعدل هلك ، وإذا عامله الله ـ عزّ وجلّ ـ بالفضل نجا ، بفضل الله وبرحمته ، ومن هنا قال أهل العلم أنّ دخول الجنّة بفضل الله ،واقتسام المنازل بالأعمال


                الفائدة ـ16ـ

                كلّ أهل الإحداث من أهل البدع أنّهم يذادون عن الحوض

                ......وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية عندما ذكر في هذه الطّائفة المخذولة [1]قال:'' أنّهم ما رموا أحدا بشيء إلّا كانوا هم أولى به '' فهؤلاء يرمون أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بهذا وهم أولى النّاس به، ونحن نعتقد أنّ في قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عندما ذكر هؤلاء الذين يذادون قال : (( إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك )) أنّ كلّ أهل الإحداث من أهل البدع أنّهم يُذادون ، لأنّهم من (أهل) الإحداث في الدّين ،وأولى من يُذاد هم هؤلاء الذين هم أعظم النّاس بعدا عن سنّة النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ومعاداة لدين النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ولأصحابه ولأوليائه .
                ــــــــــــــــــــــــــ
                [1] يعني الرّافضة

                تعليق


                • #9
                  [الفوائد من الشّريط الخامس]



                  الفائدة ـ1ـ


                  والمساءلة على قسمين : عرض للأعمال ونقاش


                  (( من نوقش الحساب هلك))

                  ثمّ ذكر الحساب والإيمان بالمساءلة وهو حساب الله ـ عزّ وجلّ ـ للخلائق.
                  والمساءلة على قسمين : عرض للأعمال ونقاش ،وقد جاء في هذا الحديث عن النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه قال : (( من نوقش الحساب هلك)) فقالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾[الانشقاق : 7] فقال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ:(( إنّما ذلك العرض ،ولكن من نوقش الحساب هلك)) فدلّ الحديث على أنّ هناك عرض للأعمال وهناك نقاش ،فالعرض هو أن تُعرض الأعمال على العبد وأمّا النّقاش هو أن يُنَاقش ويُسأل عمّا فعل ، ولِـمَ فعل ، ومن نوقش الحساب هلك .




                  الفائدة ـ2ـ


                  تذكرة بإعداد جواب ينجي العبد عند الله – جلّ وعلا -




                  والمساءلة تكون من الله ـ عزّ وجلّ ـ لعباده عن كلّ شيء، وعمّا حصل من العباد، ولهذا ينبغي للعاقل أن يعدّ لهذه المساءلة إجابة ، كثير من النّاس قد يخادع نفسه ، فيجيب في الدّنيا بإجابة يريد بها التّخلّص من مذمّة النّاس أو الاعتذار للنّاس ،لكن على العاقل أن ينظر هل هذه الإجابة مـمّا تحصل بها النّجاة يوم القيامة؟ ، كم من إنسان يقول بمقالة إذا سألته:لِـمَ تقول بكذا ؟ يقول: أنا متبّع لعالم أو لإمام ، أو متّبع لنصّ ،وهو يعلم في قرارة نفسه أنّ هذا القول لا ينجيه عند الله ـ عزّ وجلّ ـ، لأنّه يعلم في نفسه أنّ من قلّده ليس أهلا للتّقليد، أو أنّ هذا النّص لا يدلّ على ما ادّعى ، ولكنّه إنّما يحمله على هذا إمّا الهوى في حبّ شّيء كأن تكون له مصلحة دنيوية في أن يقول بهذا القول ، أو لتعصّب لشيخ أو أن يسبق هو لقول يصعب عليه بعد ذلك أن يرجع عنه ، فتجد أنّه يكابر ،وهذا من أخطر الأمور ،الهوى ـ ولعياذ بالله ـ ،أمّا الخطأ دون تعمّد فهذا لم يسلم منه أحد ولكنّ الأمر الخطير هو أن يعرف الإنسان أنّه مخطئ ويتمادى ويخادع نفسه، ويجيب النّاس ،والنّاس قد يقبلون منه ، وقد يُخلَّى بينه وبين عمله ، ولكن على العاقل أن يسأل نفسه هل هذه الإجابة تنجيه عند الله ـ عزّ وجلّ ـ يوم القيامة، المطّلع على قلبه ، الذي عرف ما بنفسه ، وما هو السّبب الباعث له على هذا القول وعلى هذا الفعل ؟ فهذا الذي ينبغي أن يُعتنـى به ، أمّا النّاس أمرهم سهل ، ولربّما قبلوا الباطل ، ولربّما أقرّوا على المعصية ، وعلى البدعة ، ولربّما أُحْسِن الظنّ بالمتكلّم ، وخُلِّي بينه وبين عمله ، وحسابه على الله ـ عزّ وجلّ ـ ،ولكنّ الوقوف بين يدي الله ـ عزّ وجلّ ـ لا مفرّ منه ،ولا بدّ من الإجابة التي تحصل بها النّجاة ، ومـمّا يدلّ على هذا ، يعني نذكر هنا حادثتين : الحادثة الأولى في قصّة الرّجل الذي كان مسرفا على نفسه و لمـّا حضرته الوفاة قال لأهله: (و الله لئن بعثني الله أو لئن قدر علىّ ليعذبنّي،و لكن حرّقوني و ذرّوا رفاتي في البحر في يوم حارّ) فبعثه الله ـ عزّ و جلّ ـ يوم القيامة و قال: ( ما الذي حملك على هذا) قال: (خشيتك يا رب ) فغفر له . فانظروا إلى هذا الرجل قال بمقالة عظيمة و هي كفر ،و هو أنّه ظن أنّ الله لا يقدر عليه إن فُعل به ما فُعل و هذا يؤمن بالبعث و الدليل على أنّه يؤمن بالبعث قال: (لئن قدر الله علي أو لئن بعثني الله ) و لكنّه جاهل ، جهل قدرة الله ـ عزّ و جلّ ـ على البعث ، كما ذكر الأئمّة كشيخ الإسلام و غيره قال : إنّ هذا جاهل، كأن يجهل قدرة الله على البعث أو عظم قدرة الله على البعث و لكنّه صادق في إجابته ، عندما سأله الله ـ عزّ و جلّ ـ: ( ما الذي حملك على هذا ) قال: (يا رب خشيتك )فغفر له .

                  فانظروا إلى الصّدق مع وجود الذّنب العظيم .

                  في مقابل هذا الصّدق مع الذّنب العظيم انظروا إلى الكذب مع العمل العظيم في الخير ،و هو في قصة الثّلاثة الذين هم أوّل من تسعّر بهم النّار : ((رجل يقرأ القرآن ويعلّم النّاس ،والآخر مجاهد، والثّالث منفق: فيؤتى بالأوّل فيُذكّر نعمة الله فيقول: قرأت القرآن فيك وعلّمته . يقال : كذبت إنّما قرأت ليقال قارئ وقد قيل ، ويؤتى بالشّجاع يقول : يا ربّ قاتلت في سبيلك .يقال : كذبت و إنّما ليقال جريء أو شجاع وقد قيل ، ويؤتى بالمنفق ويقول :أنفقت المال في سبيلك .يقال: كذبت، إنّما أنفقت ليقال سخيّ، وقد قيل)).
                  أنظروا إلى الكذب وعندما يحصل تمحيص الأمور والنّيات ،ويوم تُبلى السّرائر ويطّلع الله ـ عزّ وجلّ ـ عمّا في القلوب .

                  (( وقد قيل)) هذه تجعل المؤمن لا يفرح بمدح أو ثناء


                  ثمّ إنّ (( وقد قيل)) هذه والله وقفة عظيمة جدّا ، ينبغي لكلّ طالب علم ولكلّ من يُمدح في الدّنيا أن يقف عندها ،لأنّه يقال (( وقد قيل)) ، وهذه تجعل المؤمن لا يفرح بمدح أو ثناء لأنّ هؤلاء قيل فيهم الثّناء قيل أنّ هذا عالم ، وقيل أنّ هذا شجاع ، وقيل أنّ هذا سخيّ ومنفق ، ومع هذا لم ينفعهم ، لم تنفعهم شهادة النّاس، ولم ينفعهم ما أظهروا ، وهؤلاء جاء في الحديث عن النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ((إنّهم أوّل من تُسعّر بهم النّار )) فهذا مـمّا يدلّ على ثمرة الصّدق كيف أنّ الصّادق وإن كان مفرّطا فإنّه ينجو في الدّنيا والآخرة ، كما نجا كعب بن مالك بالصّدق وقال: (إنّ الله ابتلاني بالصّدق ما لم يبتل به أحدا) لـمّا صدق مع النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وقال للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: (والله إنّه لا يمنعني أن أقول قولا آخر أخرج به من لومك ولكن علمت أنّ الله مطّلع على ما في قلبي) هذا صدق مع الله ـ عزّ وجلّ ـ وتوفيق حتّى أنّها فتنة عظيمة ، قال له بعض أصحابه : لو أنّك اعتذرت للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ثمّ يستغفر لك النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ " شبهة عظيمة قالوا : "لو أنّك اعتذرت للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ثمّ النّبـي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يستغفر لك ، فيُكفّر الله ـ عزّ وجلّ ـ عنك الذّنب ، فقال : '' لا والله '' ثمّ صدق مع النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ، فهذا من ثمار الصّدق ، الإنسان عليه أن يكون صادقا مع الله ـ عزّ وجلّ ـ في قوله وفي فعله ،وأن يكون متجرّدا للحقّ خصوصا في هذه الأزمان التي كثرت فيها الأهواء والبدع والانتصار والبغي، والظّلم والاعتداء على أعراض أهل العلم بغير حقّ، وأمّا الانتصار لدين الله ـ عزّ وجلّ ـ والصّدق مع الله ـ عزّ وجلّ ـ في أن يُحذّر من الخطأ لرفع الخطأ من النّاس فهذا من أعظم الجهاد ومن أعظم أعمال البرّ.

                  تعليق


                  • #10
                    تابع [الفوائد من الشّريط الخامس]



                    الفائدة ـ3ـ



                    في أهل البدع و غيبة أهل البدع و هو أصل عظيم من أصول أهل السّنّة و لا ينكره إلا جاهل


                    كذلك الكلام في أهل البدع و غيبة أهل البدع و هو أصل عظيم من أصول أهل السّنّة و لا ينكره إلا جاهل ، و كم لُبّس على بعض العوام و على غيرهم بسبب التّمادي في هذا الباب أنّ الكلام في أهل البدع أنّه من الفتنة التي يقع فيها بعض أهل العلم و لبّسوا على النّاس ،وكيف ينكر طالب علم هذا الأصل ؟ و قد دلّت عليه النّصوص و قد جاء في الأحاديث عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه حذّر من بعض المخالفين ، بل أنّه نصح لامرأة جاءته و طلبت منه أن ينصح لها فيمن تنكح قال: ((أمّا فلان فلا يضع عصاه عن عاتقه و أمّا فلان فصعلوك لا مال له))، فهو ينصح لمصلحة امرأة بالكلام في اثنين من أصحابه فكيف بمصلحة الدّين ؟ لكن هذا بوفق الضّوابط الشّرعيّة المعروفة ،و التّمادي في هذا إلى البغي و الظّلم هو من أعظم الذّنوب ،عندما يخرج هذا العمل الذي هو في ظاهره أنّه من التّحذير من أهل البدع و من المخالفين إلى مخرج التّشفّي و الكلام في النّاس بغير حقّ و الظّلم و البغي أو عند من لا يحتاج إلى هذا الكلام فإنّه من البغي و الظّلم و أمّا في موطنه فهو من أعظم الجهاد و كتب الجرح و التّعديل ما قامت إلا على هذا الأصل .
                    و العلماء الذين تكلّموا في خيار أهل العلم و نبّهوا على أخطائهم ، ما تكلّموا إلّا بهذا الأصل ، فالمقصود هو الصّدق ، هذه الأمور ضابطها و ميزانها الصّدق مع الله ـ عزّ وجلّ ـ ، من كان صادقا مع الله ـ عزّ وجلّ ـ في قوله و في فعله و سلك المسلك الصّحيح في العمل فهو مثاب ،وهو من أعظم العاملين لله ـ عزّ وجلّ ـ ومن أعظم من يقوم بهذه الواجبات ، و أمّا من لم يصدق في عمله فليس هناك أعظم من قراءة القرآن و من تعليم القرآن ، و مآل ـ و العياذ بالله ـ عدم الصّادقين و المرائين في ذلك هو ما تقدّم في الحديث .

                    الفائدة ـ3ـ


                    هل الـجنّ يقبرون ؟

                    الله أعلم ، و الجنّ لهم حقيقة غير حقيقة الإنس ، و أمّا أنّهم من أهل التّكليف و أنّهم يدخلون الجنّة و أنّهم يعذّبون وينعّمون فهذا صحيح ، لكن الذي لم يرد فيه شيء عن النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فالتّوقّف فيه ، فيه السّلامة ، أمّا كونهم من أهل التّكليف و كونهم يدخلون الجنّة و يدخلون النّار فهذا ثابت، نعم



                    الفائدة ـ4ـ


                    هل يُقنت على أصحاب البدع والأهواء ؟

                    القنوت يُشرع عندما تنـزل بالمؤمنين نازلة ويحصل بلاء وفتنة للمسلمين فيشرع عند ذلك القنوت والتّضرّع إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ أن تُرفع هذه الفتنة ،وإذا كانت هذه الفتنة مصدرها بعض المسلمين فإنّه يدعى الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يرفع هذه الفتنة، وعندما يُدعى برفع الفتنة ليس بالضّرورة أن يُدعى على هؤلاء الذين يتسبّبون فيها ،وإنّما قد يكون الدّعاء لهم بالهداية لأنّ في هدايتهم سلامة وهذا مطلب الجميع أن يهتدي هؤلاء وأن يرجعوا إلى دين الله ـ عزّ وجلّ ـ لأنّ بهدايتهم تذهب الفتنة التي تسبّبوا فيها ويحصل للأمّة بهم نفع ، وهذا ما من مسلم إلّا ويتمنّى هذا، والمسلم يحبّ لإخوانه ما يحبّ لنفسه، وإن كان هؤلاء على شرّ عظيم وفتنة وإن لم يحصل هدايتهم فإنّ الإنسان يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يقي المسلمين شرّهم ،فلا بأس أن يُقال يُدعى لهم الهداية وأن يُسأل الله أن يقي المسلمين شرّهم وفتنتهم وأن يقي المسلمين شرّهم بما شاء ،وهذا من آداب الدّعاء أن يُسند الأمر إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ وأن لا يحصل الاعتداء في الدّعاء لأنّا لا ندري هؤلاء قد يهديهم الله ـ عزّ وجلّ ـ ويكونوا على خير،ولكن ما هم فيه الآن لا شكّ أنّه فتنة عظيمة وشرّ ،وهذا من أعظم أذية المسلمين وقد جاء في هذا من الأحاديث: (( أنّه من جاءكم وأمركم جميع على رجل منكم يريد أن يفرّق جماعتكم فاضربوه بالسّيف)) أي إذا جاء رجل يشيع الفتنة في النّاس لتفريق الأمّة فكيف بمن جاء وهو يقتل الأمّة ويقتل الأبرياء ويخرج على ولّاة الأمر ويقتل المعاهدين ويسلّط أعداء الإسلام على المسلمين؟!! فهؤلاء أعظم النّاس فتنة ،فهؤلاء لو قُتلوا حدّا فقتلهم والله عظيم خيرا لهم من أن يبقوا على هذه الفتنة ، لأنّ قتلهم على الصّحيح ، أنّ الحدود إن شاء الله أنّها جوابر و زواجر أيضا فيحصل بها زجر وجبر لهم ،وأمّا هؤلاء لو قتلوا أنفسهم وقتلوا غيرهم لكانوا في فتنة عظيمة ، و والله إنّ النّاصح لهؤلاء إذا كان يعلم أنّ هؤلاء سيقتلون أنفسهم يتمنّى ويسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يوفّق ولّاة الأمر للقبض عليهم ، حتّى لو يُقتلوا فهو خير لهم من كونهم يقتلون أنفسهم ويقتلون المسلمين ،ثمّ نحن بحمد الله في هذه البلاد وما هو معلوم لدى الجميع أنّ شرع الله ـ عزّ وجلّ ـ ماثل في هؤلاء وفي غيرهم وأنّ هؤلاء يُعرضون على القضاة وعلى الشّرع ،ومن الذي لا يرضى بشرع الله ـ عزّ وجلّ ـ ؟ومن الذي لا يرضى بشرع الله أن يُطبّق فيه وفي غيره ؟ فهؤلاء يُحكم فيهم بدين الله ـ عزّ وجلّ ـ وبشرع الله ، و أمّا بقاءهم بهذا الوضع و بما هم فيه فالفتنة عظيمة و لا يدري الإنسان إلى أيّ حدّ تنتهي هذه الفتنة ،و لا ينبغي مواطأة هؤلاء حتّى و الله بالقلوب ، و الله إنّه يُخشى على من يرى في قلبه ولاء لهؤلاء أو يستشعر أنّهم على صواب ، فإنّ هذه الفتنة عظيمة و أنّ الرّجل يؤخذ بالنّيّة كما جاء في الحديث ((إنّ الرّجلُ يرى الرّجلَ يُنفق في الّليل و النّهار يقول لو كان لي مال لأنفقت مثله فهو شريك له في الأجر ،و الآخر يرى الرّجلَ يسرف فيقول لو كان لي مال لفعلت مثله فهو شريك له في الإثم )) ، فالذي يتعاطف مع هؤلاء أو يصوّبهم أو يصحّح ما هم عليه فهذا يخشى أن يكون شريكا لهم في إثمهم و في فتنتهم و فيما يُؤاخذون به ،و يجب بالقلوب أوّل الإنكار عليهم و اعتقاد أنّهم أهل ضلال ،وأنّهم أهل فتنة ، وأنّهم أهل خروج على الحكّام ،على الحاكم و أنّهم أهل شرّ عظيم فيجب اعتقاد هذا و يجب التّعاون على البرّ و التّقوى و التّبليغ على هؤلاء مهما كانت منزلتهم ومهما كان حالهم ،و لا ينبغي أن يكون هناك شكّ في أنّ التّبليغ على هؤلاء أنّه ممّا يظنّ البعض أنّه ليس من السّتر على المؤمنين ، بل إنّه من السّتر على المسلمين و على هؤلاء أن يُبلّغ عنهم ، نعم .




                    الفائدة ـ5ـ


                    التّجادل عند الميزان


                    (عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: يُؤتى بالنّاس إلى الميزان فيتجادلون عنده أشدّ الجدال) والذي يظهر أنّ هذا التّجادل هو في طلب بعضهم من بعض الحسنات كما أنّ كلّ واحد يحتاج إلى حسنة يذهب ويسأل النّاس وهذا الذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه : ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ *وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ﴾[عبس : 34 ، 35] فكلّ واحد يفرّ من أقرب النّاس إليه خشية أن يُسأل الحسنات والنّاس يشحّون بالحسنات يوم القيامة لحاجتهم إليها .



                    الفائدة ـ6ـ



                    الحوض هو ليس الكوثر


                    ..........وهذا الحوض هو حوض النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الذي يكون في أرض المحشر وهو ليس الكوثر الذي يكون في الجنّة والذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾[الكوثر : 1] ولكنّه أُطْلِق على الحوض الذي في أرض المحشر أطلِق عليه الكوثر وذلك كما ذكر بعض أهل العلم أنّه يُمَدّ من الكوثر وأنّ له ميزابين يمدّهما من الكوثر في الجنّة فيكون متفرّعا عن الكوثر ، ولهذا أُطْلِق عليه الكوثر وإلّا هو في الحقيقة غير الكوثر لأنّ الكوثر في الجنّة ،والكوثر هو الخير الكثير وهو نهر أعطاه الله ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في الجنّة ، وأمّا الحوض فيكون في أرض المحشر ،ولكنّه يسمّى الكوثر لأنّه يُمدّ من الكوثر، وهذا الحوض يذاذ عنه أناس كما أخبر النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه يختلج أناس من دونه


                    الفائدة ـ7ـ


                    ولا يُعرف عن صاحب بدعة ينسب بدعته للصحابة – رضوان الله عليهم -


                    ومعلوم أنّ أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لم يحدثوا وهم بحمد الله خيار الأمّة، ولا يُعرف عن صاحب بدعة ينسب بدعته لهؤلاء أو يدّعي أنّه استفادها من أحد أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ حتّى ولو بلفظ موهم ،لأنّ كلامهم كلّه في الشّرع ، وألفاظهم كلّها دالّة على الحقّ ، ويُستثنى من هذا ما ادّعته الرّافضة في عليّ ،وهم من أكثر النّاس كذبا ، ولا عبرة بقولهم، وأمّا الذين عُرفوا بالصّدق في كلامهم فلا يوجد أحد حتّى من أهل البدع يقول أنّ قوله هذا يُنسب إلى أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهذا دليل على فضلهم ومكانتهم وأنّ البدع إنّما أُحدثت بعدهم


                    الفائدة ـ8ـ
                    سبب تخصيص أهل السّنّة الشّفاعة لأهل الكبائر بالذّكر عند تقرير العقيدةدون ذكر أنواع الشّفاعة الأخرى

                    والشّفاعة منها ما أنكره المعتزلة والخوارج وهي الشّفاعة فيمن دخل النّار أن يخرج منها والشّفاعة في أهل الكبائر أن لا يدخلوا النّار وزعم هؤلاء أنّ كلّ من مات وقد قصّر في شيء من الإيمان بترك بعض شُعبه أنّه كافر كما تقول الخوارج ،وتقول المعتزلة هو في منزلة بين منزلتين وهو يوم القيامة خالد مخلّد في النّار ،وأنكروا خروج من دخل النّار من الموحّدين....[1]،وأنكروا الشّفاعة التي ترجع إلى هذا النّوع ، ولهذا كان أهل السّنّة في كتبهم في الاعتقاد عندما يصفون عقيدتهم يقولون : (ونؤمن بالشّفاعة لأهل الكبائر من هذه الأمّة ) ولا يذكرون الأنواع الأخرى لأنّ الأنواع الأخرى لم يخالف فيها أحد وأمّا هذا النّوع فهو الذي يخالف فيه الخوارج والمعتزلة ، نعم .

                    الفائدة ـ9ـ

                    ما جاء في بعض الأحاديث مـمّا قد يُفهم منه أنّ النّار تفنى فهو ليس في نار الخلود


                    والقول الصّحيح الذي لا شكّ فيه والذي عليه عامّة السّلف أنّ النّار لا تفنى كما أنّ الجنّة لا تفنى ،وأمّا ما جاء في بعض الأحاديث مـمّا قد يُفهم منه أنّ النّار تفنى فهو ليس في نار الخلود الذي يُخلّد فيها أهلها من أهل (الشّرك )،وإنّما النّار دركات وأعلى دركة هي دركة الموّحدين وهذه التي جاء في الأحاديث أنّه يأتي عليها زمن الرّياح تخفق بأبوابها ولا يبقى فيها أحد ،فهذه طبقة ودركة الموحّدين ، وأمّا الدّركات الأخرى فأهلها خالدون فيها ،ولهذا فالنّار لا تفنى كما أنّ الجنّة لا تفنى ،هذا هو الصّحيح الذي لا شكّ فيه ، وهذا الذي دلّت عليه النّصوص...



                    الفائدة ـ10ـ



                    مسألة دخول أطفال المشركين في النّار


                    قـال : ( وأطـفال الـمشركيـن فـي النّـار) وهذا فيه خلاف بين أهل العلم تبعا لما جاءت به النّصوص لأنّ النّبـيّ ـ صلّّى الله عليه وسلّم ـ سئل عنهم مرّة فقال : (( الله أعلم بما كانوا عاملين)) وقد جاء في بعضهم أنّهم يكونون مع إبراهيم مع أولاد المؤمنين ،وقد جاء في بعض النّصوص أنّهم يكونون مع آبائهم .
                    وقال بعض أهل العلم: أنّ الصّحيح أنّ هؤلاء يُمتحنون من أهل الفترة.وقال ابن كثير :هذا هو الذي يجمع النّصوص كما ذكر المحقّق هنا [2]يجمع بين النّصوص في أنّ هؤلاء منهم من يكون مع المشركين ومع آبائهم وهم الذين يثبت كفرهم بعد الامتحان ،ومنهم من يكونوا مع المؤمنين وهم الذين يثبت إيمانهم بعد الامتحان ، ولهذا ذكر ابن القيّم أنّ هؤلاء: أطفال المشركين وأهل الفترة وأنّ من كان في حكمهم مـمّن من لم تبلغهم الدّعوة، هؤلاء لا يوصفون بإسلام ولا بكفر ،خلافا لمن يظنّ أنّ هؤلاء كفّار لأنّهم لو كانوا كفّارا لكانوا في النّار ،ولكن هؤلاء ليس لهم طاعة ولا معصية كما قال ابن القيّم ، وليس لهم كفر ولا إيمان ، لأنّ الكفر والإيمان يكون بعد بعثة الرّسل ،والطّاعة والمعصية تكون بعد بعثة الرّسل ،ولهذا يقال للصّغير أنّه ليس له ذنب ، وقد يباشر بعض الذّنوب ولكن لِـم يقال ليس لهم ذنوب كما قالت عائشة :''طوبى له ـ الطّفل ـ ليس له ذنب'' ليس له ذنب لأنّه غير مكلّف ولأنّه لم يطّلع على النّصوص ،ولأنّه لا يتمكّن من فهمها ،فهؤلاء هم الذين يقال فيهم لا طاعة لهم ولا معصية ، الذين لم تبلغهم الدّعوة ومن هؤلاء أطفال المشركين لأنّ آباءهم على الكفر وقد بلغتهم الدّعوة وماتوا على الكفر، وهؤلاء تنازع النّاس فيهم لأنّهم لم يحقّقوا أصل الإسلام وليس هم من أهل التّكليف ، فيتنازع الحكم فيهم أمران :
                    ليسوا من أهل التّكليف فلا يستحقّون العذاب وليسوا من أهل الإيمان الذين هم من المؤمنين كأطفال المؤمنين فإنّهم معهم، فهل يُلحقون بآبائهم أم يُلحقون بأطفال المؤمنين والفوز بالجنّة؟ ، وبهذا حصل الخلاف بين أهل العلم في هذا ،والصّحيح أنّ هؤلاء يُمتحنون كغيرهم من أهل الفترة ،فمن كان في علم الله ـ عزّ وجلّ ـ أنّه ينجو ويثبت عند الامتحان فإنّه يكون في الجنّة ، ومن يُمتحن ولا يحقّق الإيمان ولا يُطيع فإنّه يكون من أهل النّار.
                    والامتحان مختلف فيه ، هل أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يرسل إليهم رسولا فيأمرهم فإذا أطاعوه دخلوا الجنّة وإذا عصوه فإنّهم يدخلون النّار أو أنّهم يقال لهم ادخلوا النّار فمن دخلها نجا ومن أبى ولم يدخل النّار وعاند وكابر دخلها ولا بدّ لأنّه عصى الله ـ عزّ وجلّ ـ ، نعم.


                    الفائدة ـ11ـ

                    ''والله لا يجتمعان هذان على شرّ''

                    وكان النّاس يعرفونه بالأمين لأمانته ولفضله ولمنزلته ، وكان قد منّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بشيء من هذا على أبي بكر رضي الله عنه ، فذُكر في ترجمة أبي بكر أنّه لم يشرب الخمر في الجاهليّة ،وأنّه كان يتنزّه عنها ،وما كان يفعل ما تفعل قريش وكان معروفا أيضا بالفضل والمنزلة ،ولهذا لـمّا بُعث النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ وصدّقه أبو بكر قال عقلاء قريش : ''والله لا يجتمعان هذان على شرّ'' لأنّهم يعرفون عقلهما :عقل النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ وعقل أبي بكر ، فلـمّا اجتمع النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ وآمن به أبو بكر عند ذلك حصل اليقين لكثير من العقلاء أنّ هذان الشّريفان الفاضلان اللذان تنزّها عن كثير مـمّا كان يفعله النّاس لا يمكن أن يجتمعا على شرّ، نعم .

                    ـــــــــــــــــ
                    [1]ـ قال الشّيخ ـ حفظه الله تعالى ـ هنا: أن يخرج منها

                    [2]ـ قال المحقّق ـ وهو الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمان الخميس رحمه الله ـ : (قال ابن كثير : ''وهذا القول يجمع بين الأدّلة كلّها ، وقد صرّحت به الأحاديث المتقدّمة المتعاضدة " أنظر تفسير ابن كثير (3/51) دار الفكر ) انتهى كلام المحقّق رحمه الله تعالى

                    تعليق


                    • #11


                      [الفوائد من الشّريط السّادس]


                      الفائدة ـ1ـ



                      المراد بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴾ [الواقعة:17 ]



                      المقصود بهذا أن يكون في أهل الجنّة ولدان مخلّدون ،الذين يخدمون أهل الجنّة ويقومون على خدمتهم في الجنّة ، واختُلِف في هؤلاء الولدان المخلّدون: قيل أنّهم أطفال المشركين ، وقيل أنّهم غير هؤلاء وإنّما هم ولدان خلقهم الله ـ عزّ وجلّ ـ لخدمة أهل الجنّة ، والصّحيح أنّ أطفال المشركين إذا دخلوا الجنّة فإنّهم يُنَعّمون كغيرهم ،وهؤلاء إنّما خلقهم الله ـ عزّ وجلّ ـ لخدمة أهل الجنّة يعني هم خَلْق خلقهم الله ـ عزّ وجلّ ـ لخدمة أهل الجنّة ، يقومون على خدمتهم، نعم.





                      الفائدة ـ2ـ


                      هل يستفاد من قوله - عليه الصّلاة والسّلام- : (( ما من مولود إلّا ويولد على الفطرة )) دخول أطفال المشركين إلى الجنّة ؟

                      هذا دليل على أنّ كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى من أطفال المشركين ثمّ قال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: (( فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه)) وأنّه كلّ مولود يولد على الفطرة ثمّ أبواه ينحرفان به إمّا إلى اليهوديّة أو إلى النّصرانيّة أو إلى المجوسيّة ، ولم يقل (أو يسلّمانه) لأنّ الإسلام هو دين الفطرة،فالمسلمون مؤثّرون في أبنائهم بلا شكّ ،ولكنّهم يقرّرون الفطرة التي هي في نفوسهم ، وأمّا ما يحصل من اليهود والنّصارى فهم ينحرفون بأبنائهم عن الفطرة ، ولكنّ هذه الفطرة لا يدخلون بها الجنّة ، والذي بسببه لا يدخل الأطفال النّار لأنّهم ليسوا من أهل التّكليف ، ولم يقل أحد من أهل العلم أنّهم يدخلون الجنّة لأنّ معهم أصل الإيمان بالفطرة ، لأنّ هذه الفطرة لو قيل بها أنّ كلّ من مات من الأطفال فإنّه يكون من أهل الإيمان، وهؤلاء لا يوصفون بالإيمان ولا بكفر ولا بطاعة ولا بمعصية لأنّهم ليسوا من أهل التّكليف ، وأمّا الفطرة فهي أصل الإسلام، وأنّهم فُطِروا على الإسلام ومحبّة هذا الدّين ، ولكنّ هذه الفطرة لا تكفي لتحقيق الإيمان ، ولكنّها تكون سببا في قبولهم لرسالة الرّسل إذا أرسلهم الله ـ عزّ وجلّ ـ إليهم ، ولهذا ما من صاحب فطرة سمع النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وبلغته دعوة النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إلّا وقد آمن به ،وما انحرف عنه إلّا الذين انحرفت فطرتهم أو المكابرون الذين يعلمون الحقّ وينحرفون عنه ،وكذلك الآن ما من صاحب فطرة وهو يعلم الإسلام إلّا وهو يعلم أنّه دين الفطرة ،ولا يترك الإسلام أحد من أهل العقول ومن أهل الفطر السّليمة إلّا مكابرة ،فهو دين الفطرة، ما من خير إلّا وهو يدعو إليه


                      الفائدة ـ3ـ


                      موطن التّهنئة للعريس عندما يقال: (( بارك الله لك وبارك عليك ))هل الأمر في هذا واسع ؟ أم أنّها تقيّد بعد العقد ؟


                      الذي يظهر أنّ الأمر فيه سعة ، وأنّ هذا يحصل عند الوليمة وعند حصول العقد ، وعند الدّخول ، كلّ هذا فيه سعة ، وإنّما يكون عندما يقال فيه عند الشّيء فهو ما يقارب الشّيء ولا يضيَّق في هذا ، وبعض النّاس يتشدّد في هذه الأمور ، فما قيل فيه عند الشّيء فهو ما يقارب الشّيء أو في بعض (....)[1]عند الوليمة أو عند العقد أو عند الدّخول أو إذا اجتمعت هذه في ليلة واحدة يكون في هذه اللّيلة، نعم.



                      الفائدة ـ4ـ


                      يسأل عن حكم الدّعاء بعد وليمة الزّواج للعروسين من قبل بعض الحاضرين


                      وحكم الأدعية الجماعية بعد الوليمة ؟


                      الجواب:
                      نعم هذا الدّعاء تقدّم ، وأمّا الأدعية الجماعية عند الوليمة فليست بمشروعة ، وإنّما يدعو كلّ إنسان للزّوجين يدعو لهما بالبركة ، وأمّا الدّعاء الجماعي فهذا ليس بمشروع ،أن يدعو شخص ثمّ يؤمّن على دعائه آخرون فليس بمشروع ، نعم.





                      الفائدة ـ5ـ


                      القرآن هو أعظم الآيات التي بُعث بها النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ


                      فذكر أنّ هذه [2]لآيـة العظمـى) ولا شكّ أنّ هذه الآية عظمى ،ولكن أعظم منها القرآن الذي أعطيه النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو الآية الباقية في الخلق،والقرآن هو أعظم الآيات التي بُعث بها النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الدّالة على صدقه بإعجازه ،والإسراء والمعراج من الآيات الكونيّة الخارقة للعادة والقرآن جمع الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه بين الآيات الكونيّة والآيات الشّرعيّة ؛وهو من الآيات الشّرعيّة لأنّها من كلام الله ـ عزّ وجلّ ـ ، ومن الآيات الكونيّة أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ تحدّى به الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله و بسورة مثله فما استطاعوا ،فهو معجز.


                      الفائدة ـ6ـ


                      رؤية النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لربّه ليلة المعراج لم تثبت ،

                      وإنّما رأى جبريل ،رآه في السّماء على صورته التي خلقه الله عليها ،ورآه مرّة في الأرض عندما رآه في الأفق وقد سدّ عِظم خلقه الأفق ، وقد سألت عائشة النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عن ذلك فأخبر أنّه إنّما رأى جبريل ،وما رآه على صورته التي خُلق عليها إلّا هاتين المرّتين، فالرّؤية التي حصلت للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في السّماء هي رؤية جبريل وليست رؤية الله ـ عزّ وجلّ ـ، قد سئل النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ هل رأى ربّه قال: ((نورأنّى أراه)) كما في صحيح مسلم، وليس لأحد بعد النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قول،ويرتفع الخلاف بوجود النّص ، فهذا هو الحقّ ؛ أنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لم ير ربّه بعيني رأسه ،بل ذكر شيخ الإسلام أنّه ما قال بالرّؤية البصريّة أحد من السّلف ، قال: ''وما يُنقَل عن ابن عبّاس عن الإمام أحمد ليس (......)[3]صحيح أنّه رأى ربّه بعيني رأسه، فإمّا أن تطلق الرّؤية أنّ فلان رأى ربّه ، وإمّا أن تأتي الرّؤية مقيّدة برؤية القلب'' ، فإن ثبت هذا فشيخ الإسلام وهو من هو في التّحقيق في هذه المسائل وفي غيرها فلا يكون هناك خلاف بين السّلف في هذه المسألة ، وإنّما نشأ الخلاف مـمّن فهم بعض أقوالهم ، قال شيخ الإسلام :وما نُقل عن ابن عبّاس وعن الإمام أحمد في هذا هو كما نُقل عن ابن عبّاس فلمّا سمع بعض تلاميذه أنّه صرّح بالرّؤية ظنّوا أنّها رؤية بصريّة ،قال: "لم يثبت عن ابن عبّاس ولا عن الإمام أحمد أنّهما صرّحا بالرؤية البصريّة "وبهذا يظهر الحقّ في هذه المسألة ولو ثبت الخلاف فإنّه لا يشكل على الحقّ ،فالحقّ ظاهر وبيّن، ولهذا ما من خلاف نُقل في هذا الباب هو أظهر فيه الحقّ من هذه المسألة "رؤية النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لربّه " لوجود النّصوص الصّحيحة الصّريحة في هذا الباب ،ولأنّ عائشة رضي الله عنها أخبرت أنّها سألت النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فأخبر أنّ هذه الرّؤية إنّما هي رؤية جبريل، وإنّما اعتمد العلماء على ما ورد في سورة النّجم من الرّؤية التي ظنّوا أنّها رؤية لله ـ عزّ وجلّ ـ ولهذا ذكر المحقّقون كالقاضي عياض و شيخ الإسلام أنّ الذي ثبت هو رؤية جبريل ،ولم ير الله ـ عزّ وجلّ ـ ، وإنّما كلّمه الله ـ عزّ وجلّ ـ كلّمه ليلة المعراج، وأمّا الرؤية البصريّة فلم تثبت.

                      الفائدة ـ7ـ



                      بيان في وصف النّبـيّ بـ: (فعَلِمَ عِلْم الأوّليـن والآخريـن)


                      لا شكّ أنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أطلعه الله على كثير من المغيّبات والعلوم ،وقام في أصحابه خطيبا فما من شيء يحصل قبل قيام السّاعة إلّا وقد أخبرهم به كما رووا ذلك ، حفظه من حفظه ،ونسيه من نسيه ، ولكن التّعبير بأنّه (عَلِمَ عِلْم الأوّلين والآخرين) فهذا يحتاج لنصّ ثابت يُقطع به ، والمعروف في هذا الباب أنّه لا يُثبت شيء إلّا بنصّ، وما يحصل أحيانا مـمّا يفهمه بعض النّاس من النّصوص لا تدلّ النّصوص عليه ،فكون النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ علِم بعض المغيّبات وأخبر أصحابه لا يدلّ على أنّه علِم علْم الأوّلين والآخرين ، ونحن في اعتقادنا في نبيّنا ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بل في كلّ أبواب الاعتقاد ، أهل السّنّة وسط بين أهل الغلوّ وبين أهل الجفاء، والمصنّف ـ رحمه الله ـ من أهل السّنّة ومن أهل التّوسّط ومن أهل الاعتدال ، ومثل هذه العبارات التي تَرِد في كلامه وفي كلام غيره من أهل العلم لا تنقص من قدره ،وإن كان ما يَرِد من هذه العبارات ينبغي ألّا يؤخذ إلّا بدليل ثابت ،وأن يكون الاعتقاد مبناه على الدّليل، بل إنّ السّلامة في هذا أن يُعبَّر عمّا يعتقده الإنسان بالتّعبير الشّرعيّ، وتجنّب الألفاظ التي يحتاج المتكلّم بها إلى دليل لإثباتها ، وإنّما يُعبَّر بما عبّرت عنه النّصوص ، فيقول قام النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في أصحابه خطيبا فأخبرهم بما سيكون حتّى قيام السّاعة هذا الذي دلّ عليه النّصّ.

                      الفائدة ـ8ـ


                      ''فإذا كان الله ـ عزّ وجلّ ـ توعّد من رفع صوته فوق صوت النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من غير معارضة لأمره ولسنّته فكيف بمن رفع رأيه وعقله وهواه فوق ما جاء به النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ''


                      .... هذا ما ذكره المصنّف في سياق بعض الآداب التي ينبغي أن تكون عليها الأمّة مع النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ومنها ما أدّب الله ـ عزّ وجلّ ـ به هذه الأمّة في قـوله: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾وهذا من الأدب العظيم الذي شرع الله ـ عزّ وجلّ ـ لهذه الأمّة أن تعامل به نبيّها ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو ألّا يرفع الصّوت فوق صوت النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في خطابه ، وقد استنبط الإمام المحقّق ابن القيّم ،وهو من هو في هذا الباب، استنبط من هذه الآية عظم الأمر بمتابعة النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : ''فإذا كان الله ـ عزّ وجلّ ـ توعّد من رفع صوته فوق صوت النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من غير معارضة لأمره ولسنّته فكيف بمن رفع رأيه وعقله وهواه فوق ما جاء به النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ''
                      ولا شكّ أنّ هذا أعظم فإنّ الذي يرفع الصّوت فوق صوت من يخاطبه هو دون الذي يعارضه فيما جاء به وبما تكلّم به ،وهذا من الاستنباط العظيم ومن المسائل التي يُحرص عليها في هذا الباب وفي الاستنباط، فإذا كانت الأمّة نُهيت أن ترفع أصواتها فوق صوت النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وقد يكون هذا مـمّن تعوّد أن يكون صوته رفيعا من غير قصد التنقّص للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لكنّهم نُهوا عن هذا ، فكيف بمن قدّم عقله وهواه وشيخه ،وقدّمه على النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ؟!!وهذا فعل الكثير من المقلّدة ومن المتعصّبة الذين يتعصّبون لبعض الأئمّة ،وقد سمعت رجلا ، ما أدري أظنّه بالأمس أو قبل الأمس ذكّره رجل بالحديث عن النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وذكر أحد الأئمّة الأربعة قال : و فلان ، يُذكَّر بحديث النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ويقول : و فلان . سبحان الله ، كان السّلف يؤدّبون على مثل هذا ، يعني الرجل إذا ذُكِّر بحديث النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يُقال : فلان ، ومن فلان؟ هذا من التّعصّب، أن يُذكّر الرّجل بحديث النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ثمّ يُقال فلان ، ويُذكر أحد الأئمّة ،فإنّ هذا من التّعصّب المذموم ، وكان السّلف يؤدِّبون على هذا ويرون أنّ من تكلّم في هذا أنّ هذا دليل على أنّه غير مصدّق بالنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ .
                      ولـمّا جاء رجل للشّافعيّ وقال: (ما تقول في رأي النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ؟ فقال له: ترى أنّي علّقت صليبا أو زنّارا ؟!!ترى أنّي نصرانـيّ أو يـهوديّ؟!!) كانوا لا يرون هذا إلّا في اليهود والنّصارى ، يقال: ما رأيك في قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،أمّا أهل الإسلام والإيمان فإنّهم يقبلون قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ولا يعارضون قول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بقول غيره ،وإنّما يأخذون بقوله ويقدّمونه ،ومهما كان المتكلّم فإنّه لا يعارَض قوله بقول النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، ومعلوم أنّ السّنّة لم تُدوّن هذا التّدوين الذي حصل الآن والإطّلاع على النّصوص حتّى إنّ الآن الباحث إذا أراد أن يعرف الحديث أو كان يحفظ لفظة أو كلمة من الحديث يستطيع أن يستخرجه ويعرف ماذا قال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فما هو عذرنا؟ الأمر خطير والله ، كان الأئمّة يأتون الرّجل في مصر ، ولم يطّلع على الحديث الذي يرويه بعض الرّواة في بلد آخر فيجتهد وهو معذور ، وأمّا نحن الآن بعد أن دُوّنت السّنّة وجاءت هذه الكتب وأصبح في مقدور الإنسان أن يبحث عن النّص في هذا الباب ، ثمّ يترك النّص ويأخذ بقول الإمام أو بقول الشّيخ ،ولربّما اطّلع على النّصّ ، واطّلع على قول النّبـيّ ،وقدّم عليه قول الإمام أو الشّيخ أو قول الذي يتعصّب له ، فهذا خطير على دين المسلم وعلى عقيدته ، فهذا إذا كان في رفع الصّوت فوق صوت النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فكيف بالتّقدّم عليه فيما هو أعظم ، في الدّين.




                      الفائدة ـ9ـ



                      وما يستبدل به لفظ الرّسالة والنّبوّة من الألفاظ الأخرى والتي يظنّ النّاس أنّهم يمدحونه بها ،إنّما هو في الحقيقة تنقّص للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ


                      قـال: ( لا تقولوا : يا أحمد، يا محمّد ، يا أبا القاسم ،أي قولوا :يا رسول ، ويا نبـيّ الله ) وليس هناك أعظم من الرّسالة والنّبوّة ،ولهذا يُخاطب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بهذا ،وما يستبدل به لفظ الرّسالة والنّبوّة من الألفاظ الأخرى والتي يظنّ النّاس أنّهم يمدحونه بها ،إنّما هو في الحقيقة تنقّص للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ حتّى أحيانا بعض الأمور التي هي ثابتة للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مثل أن يقال هو حبيب الله أو كذا، لاشكّ أنّه هو خليل الله ، ولكنّ الرّسالة أعظم من الخُلّة ،لأنّ المحبّة ثبتت لكثير من المؤمنين وأماّ الرّسالة فلم تثبت إلّا لمن أرسله الله ـ عزّ وجلّ ـ، والخلّة لم تثبت إلّا لبعض الرّسل، وكذلك قول من يقول : سيّدنا ،قال سيّدنا ،وقال حبيبنا ،ويظنّون أنّ هذا أفضل من قولهم قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فعندما يُقال: قال الرّسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ هذا أعظم، لأنّ هذا مشعر أنّ هذا كلام من أُرْسِل إليه، هذا كلام النّبـيّ الذي أوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه ، وأمّا عندما يقال: قال سيّدنا ،هذا يقال في كثير من النّاس من أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو ثابت في الأمّة ، وأمّا هذا اللّفظ وهو قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ، قال نبـيّ الله فهو الذي كان يَرِد في كلام السّلف .

                      ــــــــــــــ

                      [1]ـ لم أستطع ضبط الكلام هنا.

                      [2]ـ يقصد الإسراء والمعراج

                      [3]ـ لم أستطع ضبط الكلمة هنا .

                      تعليق


                      • #12
                        تابع [الفوائد من الشّريط السّادس]

                        الفائدة ـ10ـ


                        التّحذير من التّكلّف في عدّ فضائل النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ


                        قـال: (كما عظّمه وشرّفه في خطابه على سائر أنبيائه فقـال:﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [المائدة : 67]
                        وخاطب الأنبياء بأسـمائهم : ﴿ يَا آَدَمُ ﴾،﴿يَا نُوحُ ﴾، ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ ، ﴿ يَا مُوسَى ﴾، ﴿ يَا عِيسَى ﴾ .....)
                        وما جاء في هذا وما بعده فهو محلّ نظر ، فلا ينبغي التكلّف في هذا الباب ، ولا شكّ أنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فضّله الله على المرسلين ، ولكن هذه المواطن التي ذكرها المصنّف هي في الحقيقة لا تدلّ على التّفضيل وإنّما هي في مقامات ، وإنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يُخاطب بالقرآن وكان الله ـ عزّ وجلّ ـ يقصّ عليه قصص الأنبياء وما قاله:﴿ يَا نُوحُو﴿يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ و﴿ يَا مُوسَى﴾هذا كلّه في باب الإخبار، وقد ذكر شيخ الإسلام أنّ في باب الإخبار يُذكر النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ باسمه ، قال : ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [الفتح : 29] وأمّـا في باب الدّعاء فينادى النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بالرّسالة، فالنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لـمّا كان يُخاطب بالقرآن يخاطَب ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ ولكن في سياق الإخبار عن الأنبياء فيخاطب بما أخبر الله ـ عزّ وجلّ ـ به عن الأنبياء السّابقين ، وما جاء في هذا وما بعده هو محلّ نظر، ولا ينبغي التّكلّف في هذا ، فالذي أرى أنّ في هذا نوع من التّكلّف ، وما ذكر أيضا أنّ بعض المعاصي التي من الأنبياء وما حصل للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وما ذكر أنّه بادره بشرح الصّدر واستجاب لغيره بعد طلب ، وغفر لغيره بعد الدّعاء ، كلّ هذا لا يدلّ على التّفضيل، وإنّما هذا لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يستجيب لمن دعا ، ومن لم يدعه قد يبادره كما بادر غيره من الأنبياء وقال في موسى: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾[طه : 41] فهل يُقال في هذا فيه تفضيل لموسى على النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ؟ لا يقال هذا ، وإنّما هذه الأمور ينبغي تركها ، وينبغي ترك التّكلّف في كلّ شيء ، وهذه لم يستدلّ بها السّلف على فضائل النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وقد أغنـى الله ـ عزّ وجلّ ـ هذا النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بما ثبت من الفضائل العظيمة والثّابتة له التي هي واضحة وبيّنة ولا تحتاج إلى تكلّف في استخراج هذه الفضائل ، ولهذا ينبغي مثل هذه الأمور الإمساك عنها حتّى لا نقع في شيء من تنقّص بعض الأنبياء ،أو ألّا يكون هذا ذريعة إلى أن تُتَتبّع بعض المواطن الأخرى فيقال هي دليل على فضل النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ،
                        والنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كره عندما تخاصم المسلم واليهوديّ ،وقال المسلم : أنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أفضل من موسى قـال : (( لا تفضّلوني على موسى)) قال العلماء: إذا كان على وجه العصبيّة ،أو إذا كان على وجه تفضيل نبـيّ على نبـيّ ، وإنّما يقال هو أفضل المرسلين ،وكيف بهذا الأمر الذي لم يثبت عن السّلف ، وهذا الأمر يُتنبّه له ويعرفه من تتبّع كلام السّلف الذين ما كانوا يتكلّفون في هذا الأمر ، وأمّا في كلام المتأخّرين وهم على فضلهم ومنزلتهم فإنّ من قولهم ما يؤخذ منه ويُردّ ،والشّيء المردود في كلامهم هو قليل بالنّسبة للخير الموجود عندهم ، وهكذا ما زال النّاس في ضعف حتّى نرى الآن في بعض المؤلّفات الحديثة من الأمور العجيبة التي تدلّ على أنّ النّاس ما زالوا في نقص وأنّ السّلف ومن كان قريبا منهم هو أفضل مـمّن سيأتي بعدهم ، وهذا ما دلّت عليه النّصوص أنّ فضل هذه الأمّة في أوّلها(*)




                        الفائدة ـ11ـ


                        قد يحصل فضل لبعض الأفراد من المجدّدين ومن أئمّة الإسلام لم يحصل لكثير من العلماء الذين جاؤوا بعد القرون الثّلاثة المفضّلة

                        (*)وأنّه لا يأتي زمان إلّا والذي بعده شرّ منه ، وهذا من حيث العموم وأمّا من حيث الأفراد فقد يأتي في بعض الأزمنة من المجدّدين ومن أئمّة الإسلام وهم أفضل من بعض الأفراد مثلما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية وما حصل من الخير والنّفع العظيم من هذا الرّجل وما بقي بعده من الذّكر الحسن ، والثّناء الجميل على هذا الإمام ، وهذه الكتب التي إذا أشكلت علينا المسائل في هذا الباب رجعنا إلى كتبه فوجدنا حلّها ووجدنا التّحقيق ، فهذا فضل معلوم أنّه لم يحصل لكثير من العلماء الذين جاؤوا بعد القرون الثّلاثة المفضّلة بل إنّه لم يحصل لبعض الأفراد في القرون الثّلاثة المفضّلة ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وكذلك ما حصل من الخير العظيم والنّفع العميم في دعوة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب، حتّى أنّها عمّت أرجاء العالم، وبلغت ما بلغ الإسلام هذه الدّعوة المباركة ،وهذا فضل من الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يكون الرّجل في علمه وفي دعوته مؤثّرا في كلّ المسلمين ،وأن يكون له أثرا عظيما في الدّين ، في تجديد الدّين وفي رجوع النّاس إلى العقيدة الصّحيحة والرّجوع إلى التّوحيد ، ومعلوم أنّ هذا ما حصل لكثير من العلماء الذين صنّفوا
                        الكتب، فتجد أنّ العالم الذي صنّف قد يستفيد من كتابه الكثير، مثل كتاب ابن حجر''فتح الباري '' هو كتاب عظيم وانتفع به خلق كثير ،وهذا الكتاب لا يُذكر إلّا ويذكر ابن حجر، بل لا يُذكر البخاريّ إلّا ويُذكر فتح الباري، وهذا من توفيق الله ـ عزّ وجلّ ـ لكن يبقى هذا النّفع في بعض النّاس وفي بعض خواص طلّاب العلم وفي بعض طلبة العلم ،وأمّا النّفع الذي يحصل بدعوة المجدّدين كشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب فهذا يعمّ حتّى العوامّ ويحصل بهذا نفع عظيم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .




                        الفائدة ـ11ـ


                        موعظة وعبرة




                        (**)ونحن اليوم في هذه العصور لنا والله عبر ومواعظ كيف أنّه يذهب النّاس ويبقى كتاب إلى ما شاء الله ـ عزّ وجلّ ـ والنّاس ينتفعون به ، ويبقى عمل ينتفع النّاس به ،وفي مقابل هذا كم نرى من (الكتب) التي بسببها ما زالت الأمّة تعيش في هذه الفتن ، فكثير من أهل البدع الذين الآن أقوالهم عليها فرق من فرق المسلمين ، كلّ هذا في مقابل ما نفع الله ـ عزّ وجلّ ـ به بعض المسلمين ببعض العلماء ، انظروا إلى هذا و لهذا ، وما أبعد ما بين هذا وهذا ، وهذه عبر ومواعظ ،والعاقل عليه أن يحرس لسانه من أن يتكلّم بكلمة لربّما كانت بدعة إلى قيام السّاعة، أو أن يتكلّم بكلمة تكون بعده بدعة إلى قيام السّاعة، وخصوصا التّأليف ليس هو بالأمر الهيّن، عندما يكتب الرّجل كتابا فإنّه يبقى ويتناقل ،ويحصل به انتشار عظيم، ثمّ بعد ذلك لربّما جاء أناس يقلّدون هذا المتكلّم في كلامه لربّما كانت بدعة أو فُرقة تكون إلى قيام السّاعة، فهذه عبر ومواعظ والسّعيد يوعظ بغيره .
                        ـــــــــــــــــــــــــــ
                        (**) المشار إليه هنا كلام مرتبط بالذي قبله

                        تعليق


                        • #13
                          [الفوائد من الشّريط السّابع]



                          الفائدة ـ1ـ
                          هل من فَعَل فِعْل الخوارج بتقتيل المسلمين يُنسب إليهم ويسمّى خارجيّ ؟

                          الجواب:
                          نعم، هذه فتنة الخوارج ،من خرج على الإمام فهو خارجيّ ،ولكنّ الخوارج لهم إطلاقان:
                          · تُطلق على الطّائفة المعروفة التي هي متميّزة بعقائدها وبأقوالها، وليس كلّ من خرج على الإمام يكون على عقيدتها الكاملة.
                          · ويطلق على كلّ من خرج على الإمام .
                          فكلّ من خرج على الإمام فهو خارجيّ ، وهم بلا شكّ خوارج بخروجهم عن الإمام ، بل قال العلماء : '' الخروج بكلمة'' وطائفة من الخوارج يُسمّون بـ"القَعَدَة" ما يخرجون بالسّيف، وإنّما يحرّضون النّاس على الخروج ،وما أخرجهم أهل العلم من الخوارج ، فكيف بهؤلاء الذين يخرجون ويقتلون ؟فلا شكّ أنّهم خوارج ، وهذا الذي دلّت عليه النّصوص : (( من خرج على الإمام)) (( من فارق الجماعة)) فهم خوارج ، وأمّا نسبتهم إلى الخوارج الطّائفة المعروفة فلا شكّ أنّهم يشاركونهم في أعظم أقوالهم وفي شرّ بدعهم ،وأمّا أنّهم يشاركونهم في أقوالهم الأخرى فالخوارج لهم تأثّر بالمعتزلة ،ولهم تأثّر ببعض الفرق فهؤلاء نحن نعدل فيهم، ولكنّهم يشاركون الخوارج في أعظم بدعهم وهي الخروج على الإمام .

                          الفائدة ـ2ـ
                          الفرق بين الخوارج والبغاة ؟

                          الجواب:
                          الخوارج هم كما ذكرت يعني يطلقون على الطّائفة المعروفة التي جاء في النّصوص وصفها والذي قال فيها النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: (( يخرج من ضئضئ هذا الرّجل قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ،وصيامكم مع صيامهم، يمرقون من الدّين مروق السّهم من الرّميّة)) وهم الذين قاتلهم عليّ فهؤلاء هم الخوارج ، وهم من أهل البدع ، وقد ذكر شيخ الإسلام أنّها من الفرق التّي أخبر النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّها في النّار لـمّا ذكر الفرق التّنثين والسّبعين قال : ''وتعيين هذه الفرق لا يكون إلّا بدليل'' ، يعني فرق الأمّة ثلاث وسبعين فرقة ، الفرقة النّاجية ثمّ هناك بقيّة الفرق هي التي قـال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : (( أنّها في النّار )) قـال : ''وتعيين هذه الفرق لا يكون إلّا بدليل'' ، قـال:'' وقد دلّ الدّليل على الخوارج'' يعني أنّهم من هذه الفرق .

                          ومعنـى ((أنّهم في النّار)) كما قال العلماء : "أنّهم استحقّوا العقوبة والنّار" ، ولا يعني أنّهم يدخلوها ،بل هم تحت المشيئة ، وهذه فرق الأمّة ،وليست هذه الفرق كافرة ، وإنّما هي من أهل البدع ، من فرق أهل البدع .

                          وأمّا البغاة فهم الذين يعتدون على الأموال وعلى المحارم ،ويكون اعتداؤهم عامّا في الأمّة أو بالاعتداء على بعض النّاس في الطّرق ، فهؤلاء بغاة ، وهؤلاء يعاملون معاملة البغاة ويُعزَّرون ، وفي الغالب هؤلاء ليس لهم تعلّق بالدّين ، وإنّما يخرجون نهبا للأموال وأذيّة للنّاس ، فهؤلاء هم الذين أطلق عليهم أهل العلم البغاة وأحكامهم معروفة في كتب الفقه ، وأمّا الخوارج فهم طائفة من أهل البدع ، وكلّ من وافق الخوارج فهو خارجيّ باعتبار تحقّق هذا الوصف فيه.



                          الفائدة ـ3ـ
                          ما حكم إطلاق (رضي الله عنه ) على غير الصّحابة ؟ أو إطلاق ( صلّى الله عليه وسلّم) على بعض كبار العلماء ؟

                          الجواب:
                          أمّا التّرضي فهو دعاء برضا الله ـ عزّ و جلّ ـ لـمن يُدعى له ، و الذي درج عليه العلماء في هذا أنّ هذا يكون للصّحابة ،يُترضّى عن أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،و أحيانا يُترََضَى عن بعض كبار الأئمّة ، الكبار من أئمّة السّلف الذين لهم سبق في الأمّة، يُترضّى عنهم ، و الأمر فيه توسعة ، و لكن إذا كان يُقصد بالتّرضي بأن يخُصّ فلان دون غيره من الصّحابة، ويُلتزم هذا في التّرضي عنه فينبغي ترك هذا ، و أمّا أن يَرِد أحيانا أن يُقال الإمام أحمد أو مالك أو الشّافعيّ أو أبو حنيفة أو غيرهم من الأئمّة و يُقال "رضي الله عنه" و لا يُلتزم هذا فلا بأس به ، لكن أن يُخصّ رجل بعينه و يُلتزم به فينبغي ترك هذا .
                          و أمّا الصّلاة على غير النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فهذا لا يجوز، و إنّما الصّلاة على النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ.
                          ثمّ اختلف العلماء في التّسليم بالدّعاء بالسّلام على غير النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ على سبيل الانفراد ،فهل يُقال في أهل بيت النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عليهم السّلام ؟هناك الخلاف بين أهل العلم،و الصّحيح أنّه يسلّم عليهم تبعا للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيُقال : (صلّى الله عليه و آله و سلّم) فيُسلّم عليهم تبعا للصّلاة والسّلام على النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ و لا يُفرد بعضهم بالسّلام عليه دون الصّلاة على النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، و إن كان جاء عن بعض السّلف إطلاق هذا على بعض أهل بيت النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،و لكنّ الأولى هو أن يُترحّم عليهم أو يترضّى على الصّحابة ،و يُترحّم على من بعدهم كما هو سبيل العلماء عند ذكر الصّحابة و ذكر التّابعين ، نعم .




                          الفائدة ـ4ـ

                          هل يقال أنّ قول: ( رضي الله عنهم ) في حقّ الصّحابة يفيد التّحقيق وأنّها في حقّ غيرهم هي طلب الدّعاء لهم بالرّضى ؟

                          الجواب :
                          هو دعاء و إن كان أخبر الله ـ عزّ وجلّ ـ أنّه رضي عنهم و رضوا عنه ،فنحن نشهد لهم بما أخبر الله ـ عزّ وجلّ ـ أنّه رضي عنهم و رضوا عنه ،و لكن نحن نقول أنّ هذا دعاء لهم؛ لأنّ الذي نذكره بعد ذكر الصّحابة لا نذكر هذا خبرا ،لا نقول مثلا عندما نذكر أبا بكر نقول: ( قال أبو بكر و هو مُبشّر بالجنّة) و نقول: (رضي الله عنه) على سبيل الإخبار أنّ الله رضي عنه ،و إنّما نقول: (رضي الله عنه) على سبيل الدّعاء ،و هذا هو الذي ينتفع به ، يعني أن يُدعا له بهذا ،و هذا أنفع لهم من ذكر من يقول: (رضي الله عنه) وهو يقول: (أنا أخبر).
                          فالذي يقول: (رضي الله عنهم )إنّما المقصود به الدّعاء لهم ، كما أنّا لا نقول عندما نذكرهم نقول: (قال أبو بكر و هو أحد المبشّرين بالجنّة) ، (قال عمر و هو أحد المبشّرين بالجنّة) ، و نقول: (قال أبو بكر رضي الله عنه )و نريد به الخبر و إنّما نُريد الدّعاء فهذا هو الذي ينفع ، نعم .


                          الفائدة ـ5ـ
                          يقول: هل من كلمة توجيهيّة لأحد الأشخاص الذين بالغوا في الإنكار على من يفعل الموالد حتّى أصبح لا يقول: محمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وإنّما يقول: قال أبو فاطمة.

                          الجواب:
                          أقول هذا قابل البدعة بما هو أشدّ من الجفاء، و هذا يُخشى عليه إذا كان يقول: قال أبو فاطمة، و هذا من الكلام السّيّئ ، يعني أن يترك أن يخاطب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بالرّسالة ،و يُخاطبه بالكنيّة أن يُكنّيه بابنته ،و هي ـ رضي الله عنها ـ من هي في الفضل و الشّرف ،و لكن يُكنّى الرّجل بأبنائه ، ثمّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لا يُقال: قال أبو القاسم ،و إنّما يُقال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فهذا الرّجل إن كان يعني ما يقول يُخشى عليه الكفر ، إذا كان يعني ما يقول ، و أنّه يُنكر على هؤلاء ،ولا ينسب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ للرّسالة فيُخشى عليه ، يُخشى عليه في دينه و أصل دينه ، و هذه مشكلة أهل الجهل أنّهم يُنكرون على بعض أهل البدع و على بعض أهل الجهل بجهل ، فما الذي يحمله على هذا ؟ !! و عندما يُردّ على بعض أهل الباطل يُردّ عليهم بحقّ ،ثم إنّ بعض النّاس يعني هو منفّر ، يعني هو مطالَب أن ينصح هؤلاء بأحسن كلام الذي يحملهم به على الرّجوع، لا يُنفّرهم ،و هذا يجمع بين التّنفير و بين الإساءة للنّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،و لربّما اعتدى عليه بعض هؤلاء ، فهذا من الجهل ، فهذا من الجهل، و قد أخبرني بعض من سمع لخطيب يتكلّم عن النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ و يردّ على الغلاة الذين يغلون فيه ،ثمّ أشار إلى الجدار قال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مثل هذا الجدار لا يملك شيئا ، و هذا خطير جدّا ، هذه شواهد تدلّ على جهل هؤلاء ، و إنّ بعض النّاس عنده إذا تكلّم في شيء يذهب عقله و لا يدري ما يقول، هذا خطير جدّا ،و يُخشى على هؤلاء الكفر ،و العلماء قالوا: (أنّ من وصف النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ببعض أعراضه البشريّة يريد تنقّصه فإنّه يكفر بهذا) ، لو قال مثلا أنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ينام، أو قال النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يسهو ،و هو يريد بهذا أن يتنقّص النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فهو يكفر بهذا، فكيف بهذه الأقوال ؟!! وهذه الأقوال خطيرة جدّا ولهذا ينبغي ضبط اللّسان ،وعندما يُردّ الباطل يردّ بالحقّ، ونحن ذكرنا أنّ البدع ما نشأت إلّا من هذا ،تُردّ البدعة ببدعة، وأحيانا تردّ البدعة بكفر والعياذ بالله ، مثل هذه الكلمات التي يُخشى على أصحابها،نعم.

                          الفائدة ـ6ـ
                          أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ لا يدانيهم أحد


                          فذكر المصنّف هنا اعتقاد أهل السّنّة في أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ و هو الإيمان بأنّ أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ هم خير الأمّة بعد النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم
                          ـ و هم أسبق النّاس إلى كلّ خير و فضل و لا يدانيهم أحد ،و أفرادهم أفضل من أفراد غيرهم كما قال الإمام أحمد: " أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ لا يدانيهم أحد " عندما بلغه ما يُروى عن سفيان أنّه قال: ''أئمّة العدل خمسة و ذكر عمر بن عبد العزيز'' قـال: ''هذا باطل'' - الإمام أحمد - و قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: ''هذا باطل عن سفيان'' يعني لا يثبت عنه ، ثمّ قال الإمام أحمد:" أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ لا يدانيهم أحد " لأنّه فهم من هذا تفضيل عمر بن عبد العزيز على معاوية ، إذا كان أئمّة العدل هم الأربعة الخلفاء الرّاشدون هم الأربعة ثم يكون عمر بن عبد العزيز هو الخليفة الخامس فهذا يعني إسقاط معاوية من هؤلاء و أنّ عمر بن عبد العزيز أفضل ،و هذا باطل فمعاوية هو خير من عمر بن عبد العزيز في فضله و في حكمه و في عدله و إن كان عمر بن عبد العزيز هو من الخلفاء الذين أثنت عليهم الأمّة و عُرِفوا بفضلهم و بمنزلتهم، و على قول بعض أهل العلم أنّه أفضل التّابعين لكنّ تفضيل عمر بن عبد العزيز على معاوية هذا باطل لأنّ أفراد أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ هم أفضل من أفراد النّاس ممّن يأتي بعدهم .



                          الفائدة ـ7ـ
                          لا يُفاضل بين أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إلّا بدليل

                          ......ثـمّ يأتي بعدهم العشرة المبشّرون بالجنّة ،و هم من بقي من العشرة بعد هؤلاء و هم طلحة، والزّبير، و سعد بن أبي وقّاص و سعيد بن زيد ،و عبد الرّحمان بن عوف ،و أبو عبيدة بن الجرّاح ،فهؤلاء السّتّة هم أفضل النّاس بعد الحلفاء الرّاشدين ،و تفاوت أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في الفضل هذا ثابت في النّصوص ،و لكن لا يُفضَّل بعد هؤلاء ، أو بعد ما دلّت النّصوص على تفضيله هناك مفاضلات أخرى ،كتفضيل أهل بدر والحديبيّة على غيرهم ،و ما ورد أيضا في المفاضلة بين أمّهات المؤمنين ،هذا كلّه ثابت ،لكن ما لم يُثبت فيه شيء لا يُفاضل بين أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إلّا بدليل ، و إن كان بعض أهل العلم ذكر أنّ أسبقهم إلى الإسلام هو أفضل لكن هذا ينفرد في بعضهم كعمر ـ رضي الله عنه ـ الذي أسلم بعد الكثير من الذين كان هو أفضل منهم ـ رضي الله عنه ـ و هذا دليل على أنّ السّبق إلى الإسلام لا شكّ أنّه فضيلة لكن قد يفضل الرّجل الذي أسلم متأخّرا ، و إن كان هذا ذكره بعض أهل العلم قال: " أسبقهم إلى الإسلام وأقدمهم في الهجرة إلى النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ " و التّفاضل بين النّاس إنّما يكون بأعمال القلوب و أعمال الجوارح ، و أعمال القلوب لا سبيل للنّاس للاطّلاع عليها و إنّما يعلمها الله ـ عزّ وجلّ ـ و لهذا ينبغي ألاّ يُفاضل بين النّاس، بين أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ و بين غيرهم إلّا بدليل ،و الذين دلّت الأدلة على تفضيلهم يُقدّم من دلّ الدّليل على تفضيله إمّا بالوصف كأهل بدر و الحديبيّة لأنّه وصف عام يدخل فيه جملة أفراد ، أو بتعيينه أو بمن شهد النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بأنّه في الجنّة ، يكون هذا له فضيلة في هذا لأنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ شهد له و لم يشهد لغيره و إن كان أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كلّهم يرجى لهم الخير .

                          الفائدة ـ8ـ
                          الموقف الصحيح من اختلاف الصحابة


                          فانظروا ما كان بين أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من الاجتهاد و مع هذا لا يُعرف على واحد منهم أنّه تكلّم في أخيه كلمة ، و إنّما يكون الفضل في العدل عند الخصومة ، و مع الخصوم و لم يحصل من أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ شيء ،و لهذا كانوا خيار الأمّة ،و هديهم ـ رضي الله عنهم ـ في حال الخلاف وفي حال الاختلاف و في حال الحرب هو أعظم هَدْي و لهذا كان من أصول أهل السّنّة هو الإمساك عمّا شجر بين أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ و عدم التّعرض لهم لأنّ اجتهادهم لا تبلغه الأمّة و لهذا لـمّا سُئل الإمام أحمد عن اختلاف أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ هل يُرجّح بينهم ؟ قال: " لا ، لا يُرجّح بينهم "و هذا ليس معناه ألّا يُرجّح بين الأقوال المختلفة، لكن التّرجيح إنّما يكون لمن وقف على حقيقة القول و يُرجّح بعلم بين المختلفين و أمّا أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فإنّ من بعدهم لا يبلغ فقههم و ما كانوا عليه من بعد النّظر ،و لهذا الذي يُرجّح بينهم كالصّبيّ الذي يُرجّح بين العلماء بين أقوال العلماء ، فنظرهم بعيد و فقههم عظيم ،و لهم بعد و لهم فقه لا يتنبّه الكثير من النّاس إلى ما كانوا عليه من الفقه و لكن من جاء بعدهم من خيار الأمّة من التّابعين و الأئمّة الكبار كان لهم اجتهاد في هذا الباب، فنحن لا ينبغي لنا أن نتخطّى هؤلاء الذين هم في قُرب منهم ، و أمّا أن يأتي بعض القاصرين المقصّرين من المتأخّرين ،و يتكلّم في هؤلاء و يطعن فيهم ،و يُرجّح بين أقوالهم بجهل فإنّ هذا من الجرأة على أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ و من الجرأة على العلم و على أن يتحدّث الإنسان بما لا يعلم .




                          الفائدة ـ9ـ
                          لم يبق من الفضل إلّا التّرحّم على أهل الفضل


                          ثـمّ ذكر (التّرحّم على جميع أصحاب الرّسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أوّلهم و آخرهم و ذكر محاسنهم) هذا هو الأصل العظيم الذي عليه الأمّة و هو التّرحّم على أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كما قال الله ـ عزّ و جلّ ـ :﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[الحشر : 10] فهذا هو اللاّئق بالأمّة ،و لم يبق من الفضل إلّا التّرحّم على أهل الفضل ، فسبق المهاجرون إلى من سبقوا إليه من الفضل ، و سبق الأنصار إلى ما سبقوا إليه من فضل ، و لم يبق في الأمّة إلّا من يترحّم عليهم ، و لهذا لمّا قيل لزين العابدين قال له بعض من يتشيّع له طعن في أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: " هل أنتم من المهاجرين ؟ " قالوا: لا، قال: " هل أنتم من الأنصار ؟ " قالوا: لا، قال: '' و أنا أشهد أنّكم لستم من الذين يستغفرون لهم و إنّما النّاس ثلاثة : المهاجرون و الأنصار و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا و لإخواننا "فما بقي من الفضل إلّا هذه الطّائفة التّي تترحّم على أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،و لهذا هذا الفضل بقي في أهل السّنّة بحمد الله ، فهم يترحّمون على أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ و يترضّون عنهم و لا يطعنون فيهم ، و ما اجتمعت محبّة أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كلّهم إلّا في أهل السّنّة ،و أمّا بعض أهل البدع فإنّهم ينحرفون عن بعضهم، و أهل السّنّة يتولّونهم كلّهم و يُحبّونهم و يعرفون قدرهم ،و إن كانوا يُفاضلون بينهم بحسب ما دلّت على ذلك النّصوص .



                          الفائدة ـ10ـ
                          فضائل معاوية - رضي الله عنه -


                          ثمّ ذكر (معاوية - رضي الله عنه - خال المؤمنين و كاتب وحي ربّ العالمين) و إنّما خصّ معاوية دون غيره مع أنّ أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كثير بعد هؤلاء، ليس هو الأفضل بعد العشرة المبشّرين بالجنّة فهناك من هو أفضل منه، و لكن لـمّا كثُر الطّعن فيه ـ رضي الله عنه ـ من بعض المنحرفين ، فذكره و المؤلّف له رسالة في فضائل معاوية ـ رضي الله عنه ـ ''تنزيه معاوية خال المؤمنين'' ، أو ''تبرئة معاوية خال المؤمنين'' ، و الرّسالة لطيفة في فضائل معاويّة- رضي الله عنه - ، و معاوية - رضي الله عنه - كما ذكر أهل العلم هو الحلقة ، حلقة الباب بأصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من حرّك الحلقة دخل الباب ، يقصدون بهذا أنّه من تكلّم في معاوية توصّل إلى غيره ،و لهذا ذكر العلماء أنّه حرز أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من اقتحم هذا الباب دخل في غيره،و خيار الأمّة من أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أثنوا على معاوية و على سنّته و سيرته في الخلافة و ذكروا أنّه بقي ستّة سنين و هو يسير في النّاس بسيرة عمر ـ رضي الله عنه ـ و أثنى عليه كبار أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كابن عمر و غيره و ذكروا من فضائله ـ رضي الله عنه ـ و معاوية هو كما ذكر المصنّف هو (خال المؤمنين) لأنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ تزوّج بأخته أمّ حبيبة فهو بهذا خال المؤمنين و إن كان هناك خلاف بين أهل العلم في إطلاق هذا اللّقب على أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ هل يُقال خال المؤمنين ؟ هناك خلاف بين أهل العلم و إنّما أُطْلِق في معاوية لأنّه كَثُر الطّعن فيه، فيقولون هو خال المؤمنين حتّى يكون هذا مانعا من الطّعن في معاوية - رضي الله عنه – و( كاتب الوحي) لأنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ جعله من كُتّاب الوحي الذي يكتبون الوحي بين يديه ،و هذا دليل على أمانته ، و على ثقة النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ به ، و معاوية استعمله أبو بكر و عمر ،استعملوه على الشّام و خرجت الجيوش التّي خرجت في عهد أبي بكر (وكان) أميرا على هذه الجيوش ، ثمّ بقي أميرا على الشّام كذلك في عهد عمر ،و بقي عشرين سنة أميرا على الشّام، ثمّ عشرين سنة خليفة ، أربعين سنة و هو يُجاهد ،على هذا الفضل العظيم و كانت له مكانة و منزلة .

                          الفائدة ـ11ـ

                          محبّة أصحاب النّبـيّ هي من أرجى أعمال العبد لمن حقّقها بعد التّوحيد

                          و كان أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يتقرّبون بمحبّة أبي بكر و عمر يقولون: " نحبّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ و أبا بكر و عمر و لم نعمل بأعمالهم " ، فأصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يتقرّبون بمحبّة أبي بكر و عمر فكيف بمن يأتي بعدهم ممّن هو بحاجة إلى أن ينال ذلك الفضل و محبّة أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ هي من أرجى أعمال العبد لمن حقّقها بعد التّوحيد لأنّه إذا لقي الله ـ عزّ و جلّ ـ بمحبّتهم يُرجى له أن يُحشر في زمرتهم و أن يكون معهم و أمّا من انحرف عنهم فيُخشى أن يُحشر في زمرة المنحرفين عنهم من أعدائهم و خصومهم المخذولين الذين و قعوا فيهم ، و ما يُعرف عن أحد تكلّم في أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ و لاقى خيرا في الدّنيا و الآخرة بل تظهر على الطّاعنين فيهم علامات خذلانهم في الدّنيا قبل الآخرة ، و ذكر بعض أهل العلم الكثير من الأمور التّي حصلت و العذاب الذي حصل في الدّنيا قبل الآخرة بمن وقع في أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ، نعم .

                          الفائدة ـ12ـ

                          ليست هناك فرقة تُسمّى فرقة المشبّهة و إنّما هي مقالة جاءت في مقابل التّعطيل


                          (الـمشبّهة) هم الذين يُشبّهون صفات الخالق بصفات المخلوقين ،و هي مقالة و ليست هناك فرقة تُسمّى فرقة المشبّهة و إنّما هي مقالة جاءت في مقابل التّعطيل الذي كان في بعض الفرق الكلاميّة فكانت مقالة في مقابل مقالة أخرى ، و ليس هناك فرقة متميّزة بعقيدتها تسمّى مشبّهة و لكنّها مقالة وُجدت في بعض الطوائف و في بعض الفرق التّي انحرفت في هذا الباب.

                          تعليق


                          • #14
                            الفوائد من الشريط الثّامن والأخير من شرح كتاب الاعتقاد

                            [الفوائد من الشّريط الثّامن]


                            الفائدة ـ1ـ


                            مسألة الهجر وما ترتب عليها من الفتن بسبب سوء تطبيقها


                            ...و هذه المسألة حصل بسببها ، أو بسبب فهم النّاس لها في هذا العصر ،في هذه العصور المتأخّرة من الفتن العظيمة التّي حصل بسببها ما حصل بين طلاّب العلم المنتسبين للسّنّة ، و الذين تجمعهم عقيدة واحدة و ليس بينهم افتراق في عقيدة و لا منهج ، و إنّما :
                            هو سوء الفهم لهذه المسألة حمل الكثير من هؤلاء على التّهاجر و التّقاطع حتّى حصلت الفتن العظيمة في كثير من البلدان،و لا نبالغ إن قلنا أنّ هذه المسألة هي من أعظم الفتن التّي تواجه أهل السّنّة في هذا العصر ، و الذي خالط النّاس و خالط طلاّب العلم و عرف أسئلتهم خصوصا من خارج هذه البلاد يعرف شدّة هذه الفتّنة ، و أنتم أيضا من أعرف النّاس بها من الإخوة الذين يكونون خارج هذه البلاد، و من هم في هذه البلاد ، و ما حصل بين أهل السّنّة من التّقاطع و التّهاجر حتّى وصل الأمر إلى الاعتداء بالأيدي، حتّى إنّه وصل في بعض البلدان إلى القتل ، يعني في بلد من البلدان حصل قتال في المسجد بين أهل السّنّة و قُتل من قُتل ، هذه الفتنة العظيمة هي بسبب سوء الفهم في هذه المسألة ، وبسبب لا أقول أنّ الشّباب هم السّبب الوحيد و إنّما هناك عدّة أسباب حقيقة مؤثّرة في فهم هذه المسألة ، و هذه الأسباب إمّا إنّها ترجع إلى إطلاقات بعض أهل العلم عندما يطلقون هذه المسألة ،و كما هو معروف مثل هذا الكتاب يقال (هجر أهل البدع)فيأتي من يفهم من بعض الشّباب أنّ كلّ من خالف أنّه يُهجر، وهذا حصل بسبب الوهم الكبير ، ولا أخفيكم أنّ قبل أكثر من عشر سنوات وأنا أدرك الانحراف الذي حصل لدى بعض الشّباب في هذه المسألة ، وشيء واضح ومعروف يعرفه من كان مراقبا للوضع ،لكنّ الفتنة ما كانت ظاهرة ذلك الظّهور حتّى ظهر الآن للنّاس خطورة الأمر ، وهذا شأن المخالفات عندما تنشأ ، تنشأ وهي لا تكون ظاهرة وبيّنة لكلّ أحد ولكنّها إذا عظمت ظهر للنّاس خطرها وعرف النّاس شدّة الفتنة هذا سبب من الأسباب .
                            السّبب الثّاني : سوء فهم بعض المتكلّمين الذين يتكلّمون باسم العلم وباسم السّنّة ،وقد يكون بعضهم ينتسب للسّنّة وله معرفة ببعض الأبواب وبعض الجوانب ولكن هذه المسألة قد يكون من المقصّرين في البحث فيها ،ومعلوم أنّ العلم لا يمكن لكلّ أحد أن يحيط به من كلّ وجه ، فبعض النّاس يسمع بعض المسائل سماعا مطلقا ،وليس له عناية بتحقيق هذه المسألة ، فيطلق،ثمّ تكون فتنة أعظم عندما يُظنّ أنّ هذه المسألة ، عندما يقرّر أنّ هذه المسألة لها ضوابط ولها أصول ولها شروط ، فيأتي من يظنّ أنّ هذا من هدم هذا الأصل العظيم ، ويظنّون أنّ من يقول أنّ الهجر له شروط يقولون هذا هدم أصول أهل السّنّة ،ويطلقون هذه الألفاظ المحدثة " مميّع " " مبتدع" " ليس له غيرة " " ليس له عناية بالسّنّة " وهكذا والنّاس أعداء لما جهلت، فإذا جهل الإنسان شيئا عاداه– وهذا معروف من القديم – وهذه المسألة من درسها دراسة صحيحة يدرك أهميّة دراسة هذه المسألة لأنّها متعلّقة بجوانب كثيرة وليست هي من المسائل الهيّنة السّهلة ، التي يستطيع كلّ إنسان أن يتكلّم فيها لأنّها تتعلّق بمراعاة المصالح والمفاسد ،ومراعاة الكثير من الضّوابط المتعلّقة بهذه المسألة .


                            الفائدة ـ2ـ


                            هجر أهل البدع يُشرع لثلاثة مقاصد :

                            الـمقصد الأوّل:
                            هو الهجر لمصلحة الهاجر:
                            وهو أن يهجر الرّجل من يتضرّر بمجالسته فهذا هجر لمصلحة الهاجر ومنه ما أشار إليه النّبـيّ-صلّى الله عليه وسلّم - بقوله : ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَمثل الْجَلِيسِ السُّوءِ)) وذكر هذا المثل في هذا الحديث مبيّنا أثر الجليس السّيّء على صاحبه وأنّه كنافخ الكير إمّا أن يحرق الثّياب وإمّا أن تجد منه ريحا خبيثة ،وهذا الهجر هو لمصلحة الهاجر، فإنّه يهجر من يتضرّر بمجالسته ، وهو الذي دلّ عليه قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[الأنعام : 68] وكان بعض أهل العلم يقول : ( إنّي أخشى بمجالستهم أن ينزل عليهم عذاب ) وقد جاء في الحديث عن النّبـيّ -صلّى الله عليه وسلّم - أنّه في آخر الزّمان في الجيش الذي يغزو الكعبة أنّه يخسف به عن آخره، فقالت عائشة – رضي الله عنها -: ''فيهم من ليس منهم'' قـال: ((يُخْسَفُ بِهِم ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ)) وهذا دليل على أنّ العقوبة إذا عمّت أنّها تعمّ من كان في المجلس ولو لم يكن فيهم . فهذا الهجر هو لمصلحة الهاجر ومنه هجر بعض أهل السّنّة بعض أهل العلم من الأئمّة لبعض أهل البدع عندما كان يطلب أن يقرأ أو حديث يقول : (لا آية ولا حديث) ثمّ يقول: (إنّ القلب ضعيف وإنّي أخشى أن يورد عليّ شبهة فلا تخرج من قلبي) .
                            وهذه المسألة أو هذا المقصد ليس فيه تفصيل ،كلّ من تخشى الضّرر من مجالسته لا تجالسه سواء ينتفع بمجالستك أم لا لأنّ الإنسان مطالَب بتحقيق نجاته لنفسه .

                            الـمقصد الثّانـي:

                            الهجر لـمصلحة المهجور:
                            وهو أن يهجر بعض أهل السّنّة بعض المخالفين لمصلحة المهجور والذي يدلّ على هذا هجر النّبـيّ - صلّى الله عليه وسلّم - لكعب بن مالك وصاحبيه فهجر النّبـيّ-صلّى الله عليه وسلّم - لكعب بن مالك وصاحبيه لمصلحتهما ،ولهذا حصل لهم النّدم العظيم ثمّ تاب الله ـ عزّ و جلّ ـ عليهم ، و من ذلك هجر عمر- رضي الله عنه- لصبيغ الذي انتفع بهذا الهجر ،و لهذا لـمّا خرج الخوارج و كان صبيغ قد أدرك الخوارج فقيل له: " لـمَ لا تخرج معهم ؟" قال: " هيهات ، هيهات نفعني الله بموعظة الرّجل الصّالح عمر - رضي الله عنه - " و ذلك أنّ عمر جلده مرارا ثمّ غرّبه ، فهذا هجر لمصلحة المهجور ، و هذا الهجر فيه ضوابط ستأتي الهجر لمصلحة المهجور .

                            ثـمّ الـمقصد الـثّالث:
                            الهجر لـمصلحة الأمّة:
                            وهو أن يهجر بعض أهل العلم وأهل الفضل بعض المخالفين ليس لمصلحة الهاجر لأنّه لا يتضرّر بمجالسته ، و ليس لمصلحة المهجور لأنّه لا ينتفع بذلك ، و لكن لمصلحة الأمّة بأن يكون من أهل العلم فإذا هجروا أهل البدع عرف النّاس خطأهم ،و عرف النّاس أنّ هؤلاء على ضلال ،و لو كانوا على استقامة لجالسهم أهل الفضل ، فبهذا تنتفع الأمّة ،و يعلم النّاس أنّ فلانا من النّاس قد هجره أهل الفضل ، فيعرفون خطأه فينتفعون ، ومن هذا الباب هجر النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لصاحب الدّين ،و لمن غلّ من الغنيمة ،فهذا ميّت مات و هو مسلم ،و الصّلاة عليه مشروعة ، ثمّ ترك النّبـيّ
                            ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الصّلاة عليه ، لـمَ ؟ قال شيخ الإسلام: ( لزجر غيره عن مثل فعله ) هذا لا يعلم النّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ صلّى عليه أم لا ، و الصّلاة عليه جائزة فما هو المصوّغ لترك الصّلاة عليه ؟ هو أن ينزجر النّاس عن مثل فعله ، فهذا هجر لمصلحة الأمّة .



                            الفائدة ـ3ـ


                            من شروط الهجرالنّظر في هذا المهجور هل ينتفع بالهجر أم لا ؟

                            هل ينتفع بهذا الهجر أم لا ؟ كثير من النّاس يظنّ أنّ الهجر كالحدّ في حقّ المبتدع، كما أنّ الحدّ يكون في حقّ العاصي ، فيظنّ أنّ كلّ مبتدع لابدّ أن يُهجر ،و هذا غير صحيح ، لأنّ مقصد الهجر هو رجوع المخالف إلى جادّة السّنّة ، فإذا كان لا ينتفع بهذا الهجر فإنّه لا يُهجر ، و الذي يدلّ على هذا أنّ بعض المخالفين الذين كانت مخالفتهم أعظم من مخالفة بعض أصحاب النّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ الذين هجرهم النّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ ما هجرهم النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، يقول شيخ الإسلام: " وهجر النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أقواما و تألّف آخرين " ثمّ ذكر أنّه لم يهجر الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن و أبا سفيان قال: (لمّا كانوا سادة مطاعين في أقوامهم) ، و هذا الملحظ مهمّ جدّا و هو أنّ المهجور متى ينتفع؟ إن كان ضعيفا و كان الهاجر قوّيّا فيحصل له تأديب ، و أمّا إذا كان المهجور قويّا و له شوكة و منعة فإنّه لا ينتفع ، و من هنا قال بعض أهل العلم - و الضّوابط دقيقة ذكرها كثير من أهل العلم - قالوا : (أنّه لا يُهجر عندما تكون الغلبة لأهل البدع) لأنّه لا يحصل تأديب بهذا الهجر ، بل يكون المهجور هم أهل السّنّة ،يكون المهجور هو صاحب السّنّة الذي هجره ، فإذًا لابدّ من الرّجوع إلى هذا الأصل و هو هل ينتفع هذا المهجور بالهجر أم لا ؟ لابدّ من هذا الأصل، لأنّ القصد من الهجر هو أن ينفع المهجور، و نحن قلنا أنّ
                            هذا يرجع إلى النّظر إلى مصلحة المهجور فإذا رأيت أنّه ينتفع فهذا يهجر ، و إذا كان لا ينتفع بل يزيده شرّا و فتنة فإنّه لا يُهجر، بل ينبغي أن يُتألّف و لهذا النّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ كان يتألّف أولئك الذين لو هجرهم لربّما ارتدّوا بخلاف كعب بن مالك فلمّا أرسل له ذلك الملك يقول : ( بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك فاقدم علينا ) لو كان هذا الهجر للأقرع بن حابس وعيينة بن حصن و قال لهم: ( أقدموا علينا بلغنا أنّ صاحبكم ...) لا يدري الإنسان ما الذي سيحصل لهؤلاء، لكن لمّا كان كعب بن مالك بقوّة إيمانه علم أنّ هذه فتنة و أنّ هذا ابتلاء ، و ممّا حدّثني به بعض الإخوة في أوروبا أنّ بعض الشّباب أجمع على هجر أحد إخوانه من أهل السّنّة لوقوعه في بعض المخالفات ، يقول: ( فأجمعوا على هجره حتّى ارتدّ عن الدّين ) هذا مثال ، و معروف هذا عن كثير من الإخوة ، هذا مثال لسوء تطبيق الهجر ، المقصود من الهجر هو الإصلاح ،هذا الإنسان يعيش في مجتمع مثل أوروبا و عنده أخطاء و ليس عنده معرفة بالسّنّة ،و إذا هُجر و أجمع المسلمين ـ و ليس أهل السّنّة ـ قد يكون المسلمون كلّهم لأنّ الذي يُمثّلهم هم هؤلاء الشّباب فما بقي إلا الكفّار فيتلقّفه هؤلاء و يرتدّ ، و قد يكون في المجتمع فيتلقّفه أهل البدع و ينتكس ، و كم نخسر الآن بسبب سوء تطبيق هذا المنهج أن يتلقّف أهل البدع بعض الذين فيهم خير في السّنّة بسبب سوء تطبيق هذا المنهج ، فينبغي النّصح للمسلمين ، فالمقصود هو نفع المبتدع فإذا كان ينتفع بالهجر فيهجر ،و إن كان لا ينتفع فلا يجوز بل إنّ المشروع هو التّأليف ، و النّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ هجر و تألّف ، فلِمَ يُعرض هؤلاء عن التّأليف ؟!!وكأنّهم لا يعرفونه ،و كأنّهم لا يعرفون في هذا أحاديث و نصوص ؟والنّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ كان يتألّف حتّى أنّه أعطى لهم يوم حنين الكثير من هؤلاء الذين تألّفهم أعطاهم مئة من الإبل ، أعطى أبا سفيان مئة و أعطى ابنيه كلّ واحد منهم مئة ، و كان بسبب هذا أنّ بعض الجاهلين و بعض هؤلاء ساءوا الظنّ بالنّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ و قال:( تلك
                            قسمة ما أريد بها وجه الله ) و هذه سنّة مازالت الآن ،في بعض الجاهلين عندما يُطبّق هذا المنهج للتّأليف يُقال أنّ هؤلاء خالفوا السّنّة و يُرمون بالبدعة بسبب الجهل ، و نحن الآن نذكر كلّ مسألة ونذكر عليها دليل فلـمَ يُعرض هؤلاء عن الدّليل ؟و يتّبعون الأهواء و يتّبعون أقوال النّاس و يجعلونها بمثابة النّصوص ؟ و أنّ كلّ من خالفهم فكأنّما خالف الكتاب و السّنّة و يُنـزّلون بعض الجاهلين منزلة الإمام أحمد ،و إنّما تُعرف السّنّة بأحمد بن حنبل من خالفه فقد خالف السّنّة ، و اللهِ ذهب أحمد و لم يبق في الأمّة الآن من العلماء الكبار من يستحي العاقل أن يقارنه بأحمد بن حنبل فضلا عن بعض الجاهلين ، هذا فيما يتعلّق بمصلحة المهجور .



                            الفائدة ـ4ـ


                            (الهجر كالدّواء إذا زاد قتل، وإذا نقص لم ينفع)


                            ثمّ ينبغي أن تُراعى في الهجر المدّة المناسبة للهجر:
                            فمدّة الهجر ينبغي أن تكون مناسبة للخطأ و أن يُراقب المهجور هل انتفع أم لا ؟ فما حصل لكعب بن مالك و ما أخبر الله ـ عزّ و جلّ ـ عنهم أنّهم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ماذا بعد هذه المنزلة ، و ماذا بعد هذه الحالة التّي وصلوا إليها، يُخشى عليهم بعد ذلك أن يحصل لهم قنوط ، ولهذا جاء الرّجوع في الهجر بعد أن بلغوا هذا المبلغ ، وقد يكون كثير من النّاس يبلغ هذا الحدّ ويستمر في هجره حتّى ينتكس ولهذا قال ابن القيّم: (الهجر كالدّواء إذا زاد قتل، وإذا نقص لم ينفع) فينبغي أن يراعى في هذا مدّة الهجر وأن تكون مناسبة للخطأ ومناسبة للمهجور .



                            الفائدة ـ5ـ


                            هل هذا الزّمن هو زمن هجر أم لا؟

                            و هذا السّؤال إذا تأمّلنا تلك التّفاصيل يدرك المتأمّل أنّه خاطئ، فإذا كان النّاس يتفاوتون في هذه الأحوال ، ويتفاوتون في البلدان، ويتفاوتون في الأمصار، ويتفاوتون في قوّة السّنّة، وفي ضعفهم ، وانتشار السّنّة في بلد دون بلد، ندرك أنّه لا يمكن أن يقال إجابة محدّدة في هذا العصر فنقول هو عصر هجر أو لا، وإنّما يتفاوت النّاس، ليس النّاس في درجة واحدة ،وليست البلدان في درجة واحدة، وإنّما ينظر إلى هذه الضّوابط ومدى توفّرها ومدى تحقّقها.

                            الفائدة ـ6ـ


                            ما يزول به الهجر

                            الهجر ذهب بعض أهل العلم إلى أنّه يزول بالسّلام وهو إذا سلّم على المهجور فقد أزال الهجر ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنّه لا يزول إلّا بأن يرجع إلى ما كان عليه قبل الهجر، وبهذا قال الإمام أحمد أنّه إذا هجر المسلم أخاه فإنّ هجره لا يزول إلّا برجوعه إلى الحالة التي كانت قبل الهجر ، فإذا كان من عادته أن يزوره فليرجع إلى ما كان عليه ، وأمّا إن كان من عادته فقط أن يقابله ويسلّم عليه فالهجر يزول بالرّجوع إلى الأصل .


                            الفائدة ـ7ـ


                            ثمّ إنّ الهجر ينبغي أن يُعرف أنّه أنواع وأنّه تدخل تحته أنواع :


                            فهناك هجر بترك السّلام وهناك هجر بترك الصّلاة خلف المهجور ، وهناك هجر بترك الصّلاة على المهجور ، وهناك هجر بترك إعانة المهجور ، وهناك هجر بترك الاستغفار لهم يعني في الظّاهر وإن كان الاستغفار للمسلم جائز وكذلك الهجر بعدم سماع كلام المهجور ، فهو أنواع متعدّدة وليست هذه الأنواع كلّها في درجة واحدة ، وإنّما تتفاوت مثل الصّلاة خلف المبتدع ،فالأصل في الصّلاة خلف المبتدع أنّها جائزة، لكن إذا هُجِرَ الإمام من أجل بدعته، وتُرِكَتْ الصّلاة خلفه من أجل مخالفته فيُنظر إلى الضّوابط الأخرى وهو ألّا يؤدّي ترك الصّلاة خلفه إلى تعطيل الجمعة أو الجماعة ، وإنّما يترك الصّلاة خلفه وهو يمكنه أن يصلّي خلف غيره من الأئمّة ، أمّا إذا أدّى إلى تعطيل الجمعة و الجماعات فإنّه لا يُهجر بهذا، وهناك فروع كثيرة لهذه المسألة وجوانب متعدّدة وقد يسّر الله ـ عزّ وجلّ ـ جمع بعض كلام أهل العلم في هذا الباب في الفصل الخاصّ في هجر أهل البدع في موقف أهل السّنّة ونقلت الكثير من أقوال أهل العلم في هذا الباب فليرجع إليها ، وهناك كتب مؤلّفة في هذا من المتقدّمين والمتأخّرين هناك كتاب للسّيوطيّ اسمه ''الزّجر بالهجر'' وكتاب للشّيخ بكر أبو زيد في هجر المبتدعة ،وشيخ الإسلام له كلام طويل في هذا الباب، فينبغي الرّجوع في هذه المسألة ودراسة هذه المسألة.

                            الفائدة ـ8ـ


                            بيان خطر سوء تطبيق مسألة الهجر


                            ..وجرّب النّاس كلٌّ يتكلّم ويحذّر، وجرّب النّاس هذه الفتنة ، وعرف الكبير والصّغير الكلّ عرف شدّة هذه الفتنة ، حتّى وصل في بعض البلدان أنّ المرأة خرجت من بيت زوجها ،والرّجل طلّق زوجته والأبناء تفرّقوا بسبب هذه الفتنة ، بل حدّثني بعض الإخوة وهو متألّم يقول : '' والله كلّ ما كان رجل على السّنّة ويعفي لحيته ويقصّر ثيابه أنّهم يؤذونه ويدقّقون عليه في كلّ كبيرة وصغيرة فإذا بدر منه شيء هجروه، ولا يَسْلَم منهم حتّى يحلق لحيته ويسبل وعند ذلك يتركونه يقال لِمَ (....) [1] هذا !!، ليس من أهل السّنّة ، ولو كان من أهل السّنّة ينبغي أن نحافظ عليه '' هذه فتنة ، أن يتسلّط هؤلاء على أهل السّنّة بل أصبح الأمر الآن تسلّط على أهل العلم من أهل السّنّة يُترك أهل البدع ولا يردّ عليهم ولا يتكلّم فيهم بكلمة ، ويكون الجهد كلّه بالتّسلّط على كتب أهل السّنّة وعلى دعوتهم وينقّب عن أخطائهم ، عندما تصل الأمور إلى هذا الحدّ ، لا تخفى هذه الفتنة على أحد ، ولا يمكن أن يلتبس من يقرّر العلم بأدلّته بمن هو صاحب فتنة ، ولكن من التبس عليه هذا الأمر فليرجع ويراجع إيمانه ويراجع صدقه مع الله ـ عزّ وجلّ ـ ويراجع إخلاصه ومتابعته للنّبـيّ – صلّى الله عليه وسلّم - إذا كانت تعرض الأدلّة والنّصوص وتبيّن في هذه المسألة وفي غيرها ويُضرَب بها عرض الحائط ، ويؤخذ بأقوال من يتكلّم بكلام لا يستدلّ عليه بدليل ،وإنّما هو رأي استحسنه في نفسه .




                            الفائدة ـ9ـ
                            من يظنّ أنّه لا إنكار إلّا بالهجر فهو مخطئ


                            ونحن مع كلّ هذا دائما نقول أنّ المخالف من أهل السّنّة أو من غيره لا يعني القول بعدم هجره أنّه لا ينكر عليه ،لا نقول بهذا ،بل نقول يُنبَّه على أخطائه ، نحن نقرأ كتب هؤلاء الأئمّة الكبار وإذا مرّ بنا خطأ نبّهنا عليه ، فكيف بمن هو دونهم ، فكون الإنسان ينكر لا يلزم أن يكون الإنكار بالهجر قل له: أنت أخطأت وهذا الدّليل ، ونحن حريصون عليك ،وأنت صاحب سنّة ،وقد برأت الذمّة بهذا وأمّا من يظنّ أنّه لا إنكار إلّا بالهجر فهذا خطأ ،بل تكون الفتنة أعظم عندما يظنّ أنّه لا إنكار إلّا بإخراج الرّجل من دائرة السّنّة ، فإذا كنت تعتقد أنّه من أهل السّنّة لم تنكر عليه حتّى تبدّعه، هذه فتنة ، وماذا نقول في العلماء الكبار الذين نقرأ كتبهم ونجد عندهم التّأويل في الصّفات ونجد عندهم أقوال وافقوا فيها المرجئة، وماذا نقول في مرجئة الفقهاء الذين قال فيهم الأئمّة أنّهم مرجئة أهل السّنّة ،وهم يقولون بقول المرجئة ؟ !! هؤلاء مميِّعون ؟ !! ماذا نقول في ابن حجر، في النّوويّ ، في القرطبيّ ، في ابن الجوزيّ ، في الشّاطبيّ ؟ أئمّة كبار انتفعنا بعلمهم ، لماذا لم يخرجهم العلماء من دائرة السّنّة ؟ ألم يُنْكروا عليهم؟!!أنكروا عليهم وبيّنوا أخطاءهم ،ولكنّ التّبديع شيء، و بيان الخطأ شيء، وكذلك الهجر ،فالإنكار بأشياء كثيرة جدا، علّق العلماء على الكتب وبيّنوا الأخطاء ونصحوا الأمّة وعندما تأتي المسألة يبيّنون من أخطأ فيها ،وأمّا أن يُظنّ أنّه لا إنكار إلّا بالهجر ، ولا إنكار إلّا بالتّبديع ،ولا إنكار إلّا بإخراج الرّجل من دائرة السّنّة فهذا خطأ ، والله إنّ هذه فتنة الخوارج وإن كان هؤلاء لا يوافقونهم في التّكفير لكنّهم سيتوصّلون إليه ، وبعضهم بدأ يصرّح بما هو قريب من قول الخوارج في بعض أهل السّنّة ،فهذه فتنة عظيمة ينبغي أن يعرف من أراد بحث هذه المسائل فليرجع إلى أصول أهل السّنّة ،وإلى كتب أهل السّنّة

                            [1] - كلمة غير واضحة .

                            تعليق


                            • #15
                              الفائدة ـ10ـ



                              كيف يُردّ على من يقول بجواز المظاهرات وخروج النّساء فيها بفعل عائشة – رضي الله عنها- ؟


                              عائشة – رضي الله عنها – ما خرجت كما يفعل هؤلاء المتظاهرون ،وإنّما خرجت للنّصح بين المسلمين وارجعوا إلى ما ذكره الطّبريّ في خروج عائشة -رضي الله عنها- أنّها جاءها جمع من أصحاب النّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ وقالوا لها : (لو خرجت اصطلح النّاس عليك وأنت أمّ المؤمنين فإذا تكلّمت اصطلح النّاس على قولك ، وعلى كلامك) ، فخرجت – رضي الله عنها – ناصحة وما خرجت تفعل ما يفعل هؤلاء ،ثمّ الآن الذين يتظاهرون يخرجون ويجوبون الشّوارع ويرفعون أصواتهم يتشبّهون بالكفّار وقد يؤذون بعض المسلمين وقد يحطّمون بعض المنشآت وأمّا أصحاب النّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ ما خرجوا يجوبون الشّوارع وإنّما خرجوا من مكّة إلى البصرة يسيرون في سيرهم إلى بلد يريدون الذّهاب إليه فهل هذا من المظاهرة ؟ ليس هذا من المظاهرة في شيء ، نعم.



                              الفائدة ـ11ـ



                              ما أهمّ الكتب التي تحدّثت عن الفتنة التي كانت بين الصّحابة؟


                              هناك كلام كثير لأهل العلم من ذلك ما جاء في "العواصم من القواصم" لابن العربيّ ،كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية هناك رسالة لأحد الباحثين في المغرب "تحقيق مواقف الصّحابة في الفتنة من تاريخ الطّبريّ" لمحمّد أمحزون ،وهو بحث جيّد في هذا الباب ،نعم.


                              الفائدة ـ12ـ


                              أعدل الأقوال في يزيد بن معاوية



                              يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وهو الذي تولّى الخلافة بعد أبيه ،ويزيد بن معاوية ذكر شيخ الإسلام بعد أن ذكر الخلاف فيه ،وأنّ من النّاس من يكفّره وينسبه للكفر، وإنّ من النّاس من يغلو فيه حتّى اعتقدوا فيه النّبوة ثمّ قال شيخ الإسلام : '' وأعدل الأقوال فيه هو قول الإمام أحمد ومن وافقه من أهل السّنّة أنّه عندما سأله ابنه قال له: هل تحبّ يزيد ؟ قال: ومن يحبّ من قتل سبط النّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ ؟ قال: هل تسبّه ؟ قال : متى علمت أن أباك يفعل ؟ قال شيخ الإسلام : ''وهذا أعدل الأقوال في يزيد أنّه لا يُسَبّ ولا يُحبّ '' وذكر بعض أهل العلم من المبرّرات في عدم لعنه أنّه وقع في بعض القرون المفضلّة وهو إمام وقد نهينا عن لعن الأئمّة وأيضا أنّه كان في أوّل جيش غزا القسطنطينيّة ، أخبر النّبـيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ : ((أنّ أوّل جيش يغزو القسطنطينيّة مغفور له ))فله فضائل ووجدت له أخطاء ، ولكنّ الذين تكلّموا في مقتل الحسين قالوا : إنّه لم يرض بقتل الحسين ولكنّه وقع في عهده ،فنُسب إليه وإلّا هو لم يباشر ولم يرض، وعلى كلّ حال أعدل الأقوال هو ما ذكره شيخ الإسلام نقله أو فهمه من كلام الإمام أحمد أنّه لا يُسَبّ ولا يُحَبّ .

                              الفائدة ـ12ـ


                              بيان خطأ عبارة ( عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الرّاشدين )



                              هذه العبارة خاطئة لأنّ القول بأنّ عمر بن عبد العزيز هو خامس الخلفاء الرّاشدين أوّلا من جهتين :
                              من جهة أنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ذكر الخلفاء الرّاشدين وقال : ((عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهدييّن من بعدي)) وهؤلاء أجمع العلماء على أنّهم هم الخلفاء الأربعة الذين تنتهي خلافتهم بخلافة عليّ ، وقيل بخلافة الحسن بن عليّ – رضي الله عنهم جميعا- فهؤلاء هم الذين ترتّب عليهم الحكم الشّرعيّ وهو أن نستنّ بسنّتهم ونهتدي بهديهم وأمّا من بعدهم من الخلفاء فإن كانوا من أهل الصّلاح فإنّه لا يُتمسّك بسنّتهم وإن كانوا يطاعون طاعة ولّاة الأمر وأمّا هذه المرتبة التي حصلت للخلفاء الرّاشدين وهو أنّ ما سنّوه هو من سنّة النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ما سنّوه للأمّة هو من سنّة النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـلأنّه أمر باتّباعهم ، فعمر بن عبد العزيز لا يؤخذ بسنّته وبما سنّه للأمّة كما يؤخذ بسنّة الخلفاء الرّاشدين وأمّا طاعته واجتهاده في العلم فلا شكّ أنّ له منزلة وفضل وهذا لا يعني عندما نقول لا نأخذ بسنّته لا نأخذ بسنّته على أنّها كسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين يؤخذ بها على أنّها سنّة أمر النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـبها ، وأمّا ما وافق به عمر – رضي الله عنه - لاجتهاد عمر بن عبد العزيز في الاجتهاد فيؤخذ به لأنّه وافق الاجتهاد وقد عُرف بالعدل والعلم ،ولا يُعرف إلّا بالفقر ولا يُعرف إلّا بالخير، ولكنّ الأخذ بقوله ليس كالأخذ بقول الخلفاء الرّاشدين فهو خطأ بهذا الاعتبار .
                              وبالاعتبار الثّاني أنّ القول بأنّه خامس الخلفاء الرّاشدين هذا فيه هضم لحقّ معاوية فإذا كان هناك خليفة خامس راشد فهو معاوية – رضي الله عنه – ولكنّ الخلفاء الرّاشدون انتهى عهدهم بعهد عليّ أو بعهد الحسن على قولهم ، وبدأ عهد الملوك بعهد معاوية – رضي الله عنه - ، ومعاوية هو 'خير الملوك' كما قـال شيخ الإسلام : 'هو خير الملوك' لأنّ النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـلمّا ذكر النّبوة والخلافة .. ثمّ ذكر الـملك، .. و معاوية هو أوّل الملوك ولا يأتي إمام ولا ملك ولا خليفة إلّا ومعاوية أفضل منه – رضي الله عنه -

                              الفائدة ـ13ـ


                              ظهر في القنوات الفضائية شخص يكفّر شيخ الإسلام ابن تيمية أمام الملأ و تأثّر بعض العامّة بكلامه لأنّ المكفّر له منزلة عالية عندهم والسّؤال هل يمكن أن يكفّر هذا الرّجل؟


                              لا شكّ أنّ هذه من الفتن العظيمة ، وهو سماع النّاس لهذه القنوات وسماع كلام أهل البدع وهذه من الفتن العظيمة التي ابتلي بها النّاس، في هذا العصر ، وأنّ سماع أهل البدع في الماضي كان يسمع الرّجل من الرّجل ، وأمّا الآن بهذه الأجهزة يسمع الرّجل في المكان الواحد المئات مـمّا يُبَثّ من هذه القنوات من كلام أهل البدع ويسمع كلامهم ومناظراتهم ، هذه فتنة عظيمة وأمّا تكفير هذا الرّجل لشيخ الإسلام فنحن لا نعجب إذا كُفِّر من هو خير من شيخ الإسلام من أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـولكن هذه زيادة في أجرهم وفي رفع درجاتهم وما من إمام سبق له في علم الله ـ عزّ وجلّ ـ وفي توفيق الله له في الفضل إلّا وهو على كلّ حال هو على خير كما قالت عائشة – رضي الله عنها- لـمّا ذُكر لها من يكفّر أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قالت: ( وما تعجبون من هذا فإنّ الله أراد أن ( يمضي عليهم )الأجر بسبّهم) فيأخذون من حسنات من سبّهم وكفّرهم ومن يثني عليهم ويدعو لهم وشيخ الإسلام كسلفه من أصحاب النّبـيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـالنّاس فيه على قسمين:
                              - من يبغضه ويطعن فيه ويكفّره ويبدّعه فهو ينال إن شاء الله من حسناتهم .
                              - ومن يثني عليه ويدعو له .
                              وهذا دليل على أنّ الرّجل إذا صدق مع الله فإنّه لا يضرّه النّاس بعد ذلك ، وأمّا أن يُكَفّر الرّجل لأنّه كفّر شيخ الإسلام ، شيخ الإسلام لا يكفّر من كفّره وهو يقول : ( لا نكفّر من كفّرنا) ولهذا يقول أنّ أهل السّنّة : (هم أعرف النّاس بالحقّ وأرحمهم بالخلق ) أهل السنّة هم أعرف النّاس بالحقّ وأرحمهم بالخلق، وذكر شيخ الإسلام من علامات أهل البدع أنّهم يكفّرون من كفّرهم وأنّ أهل السّنّة لا يكفّرون من كفّرهم ، وكان يقول للجهميّة : ( لو قلت بقولكم لكفرت وأنتم لا تكفرون عندي ) وذكر شيخ الإسلام في هذا أنّ الكفر من الأحكام الشّرعيّة التي لا يجوز أن يُقابَل بها الخصم إذا كفّرنا نكفّره ، وإنّما نعدل وهذا هو أصل أهل السّنّة في كلّ الأبواب يعني لا نبدّع من بدّعنا لأنّه بدّعنا نبدّعه لأنّه رمانا بتهمة نرميه بتهمة ، وإنّما نعدل في قولنا ، فهذا الرّجل لا يُكفّر بتكفيره لشيخ الإسلام ابن تيمية ،وإن كان تكفيره لشيخ الإسلام ابن تيمية دليل على ضلاله البيّن الواضح ، لأنّ مقام شيخ الإسلام لا يكاد يخفى على من له حظّ من العلم ، أمّا إذا بلغ الأمر بهؤلاء إلى تكفيره فهذا دليل – والعياذ بالله – انتكاس في الفتن والبدع وشرّ عظيم لا يعلمه إلّا الله ـ عزّ وجلّ ـ ونحن لا ندري ما في قلوب هؤلاء، لكن الذي يظهر لنا أنّه إذا اقتصر الأمر على تكفير العلماء فإنّهم لا يكفرون بهذا لكن لو فتّشت في أقوال هؤلاء لربّما وجدت الكثير من الأقوال المكفّرة في كلامهم، نعم.

                              الفائدة ـ14ـ


                              بيان رجوع أبي الحسن الأشعري رحمه الله إلى عقيدة أهل السّنّة


                              وأبو الحسن الأشعريّ رجع عن عقيدته السّابقة في سنة ثلاث مئة ،وبقي أربعة وعشرين سنة وهو على عقيدة أهل السّنّة ، وصنّف 'مقالات الإسلاميين' و'الإبانة' وهو على عقيدة أهل السّنّة وذكر في 'الإبانة' مـمّا لا يطّلع عليه طالب علم ويشكّ في رجوعه ، أنّه رجع إلى عقيدة أهل السّنّة ومـمّا يقول به أحمد يقوله ، ولكن الفتنة والمشكلة أنّ بعض النّاس لجهله بالسّنّة يظنّ أنّ الرّجل إذا قـال أنّه من أهل السّنّة لا بدّ أن يوافق أهل السّنّة في كلّ شيء نعم الأشعريّ رجع إلى السّنّة ولكن بقيت أشياء لم يستطع التّخلّص منها هذا لا يخرجه من دائرة السّنّة كما أنّه لم يُخرِج غيره من العلماء الذين تكلّموا وأخطؤوا فهو رجع إلى السّنّة وهو على عقيدة أهل السّنّة وذكر هؤلاء من هو أعرف النّاس بالسّنّة وبالبدع وبالمقالات وهو شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يقول : ''إنّي لأعلم كلّ بدعة ظهرت في الإسلام وأوّل من قال بها '' فذكر أنّه رجع ولكنّه وُجِدَت عنده أخطاء فهذه الأخطاء لا تخرجه من السّنّة ، ولا يقال أنّه بعد رجوعه أنّه ما رجع إلى السّنّة وإنّما هو على عقيدته السّابقة، بل هو على عقيدة أهل السّنّة ، ولكن هذه الأخطاء هي من جنس أخطاء العلماء الذين نشؤوا على السّنّة وأخطؤوا فيها ، فكيف بمن كان لديه نقص فيها ثمّ تاب ورجع إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ وبقيت عنده بعض الآثار السّابقة التي تاب منها فله حكم الأصل ، نعم.




                              تمت الفوائد من الشّريط الأخير من شرح كتاب الاعتقاد



                              والحمد لله ربّ العالمين


                              ملاحظة :
                              حاولت أن تكون الفوائد مثبتة بكلام الشّيخ - حفظه الله - وأسأل الله ان أكون وفّقت في هذا.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X