ـ مناظرة في الصفات بين أبي إسحاق بن شَاقْلا وأبي سليمان الدمشقي.
قال القاضي أبو الحسين محمد بن أبي يعلى: قرأت بخط الوالد السعيد قال: نقلت من خط أبي بكر بن شاقلا قال: أخبرنا أبو إسحاق بن شاقلا ـ قراءة عليه ـ قال: قلت لأبي سليمان الدمشقي: بلغنا أنك حكيت فضيلة الرسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج، وقوله في الخبر: ((وضع يده بين كتفي، فوجدت بردها...)) وذكر الحديث.
فقال لي: هذا إيمان ونيّة، لأنّه أريد مني روايته، وله عندي معنى غير الظاهر. قال: وأنا لا أقول مسّه.
فقلت له: وكذا تقول في آدم لما خلقه بيده؟ قال: كذا أقول: إنّ الله عزوجل لا يمس الأشياء.
فقلت له: سوّيت بين آدم وسواه، فأسقطت فضيلته، وقد قال الله تعالى: { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، قلت له: هذا رويته لأنه أريد منك ـ على رغمك ـ وله عندك معنى غير ظاهره، وإلاّ سلمت الأحاديث التي جاءت في الصفات، ويكون لها معاني غير ظاهرها، أو تردّ جميعها؟.
فقال لي: مثل أي شيء؟.
فقلت له: مثل الأصابع، والساق، والرجل، والسمع والبصر، وجميع الصفات التي جاءت في الأخبار الصحاح، حتى إذا سلمتها كلمناك على ما ادّعيته من معانيها التي هي غير ظاهرها.
فقال لي منكراً لقولي: مَن يقول رِجْل؟.
فقلت: أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: مَن عن أبي هريرة؟.
فقلت: همّام.فقال: من عن همام؟.
فقلت: معمر.فقال: مَن عن معمر؟.
فقلت: عبد الرزاق. فقال لي: مَن عن عبد الرزاق؟.
فقلت له: أحمد بن حنبل. فقال لي: عبد الرزاق كان رافضياً.
فقلت له: من ذكر هذا عن عبد الرزاق؟ فقال لي: يحيى بن معين.
فقلت له: هذا تخرّص على يحيى، إنّما قال يحيى: كان يتشيع، ولم يقل رافضياً.
فقال لي: الأعرج عن أبي هريرة: بخلاف ما قاله همّام.
قلت له: كيف؟ قال: لأنّ الأعرج قال (يضع قدمه).
فقلت له: ليس هذا ضد ما رواه همام، وإنما قال هذا (قدم) وقال هذا (رجل) وكلاهما واحد.ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين.وحدّث به أبو هريرة مرتين،. فسمع الأعرج منه في إحدى المرتين ذكر (القدم) وسمع منه همام ذكر (الرجل).
فقال لي: همام غلط.فقلت له: هذا قول من لا يدري. ثم قال لي: والأصابع في حديث ابن مسعود، تقول به؟.
فقلت له: حديث ابن مسعود صحيح من جهة النقل، رواه الناس، ورواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله.
فقال لي: هذا قاله اليهودي.
فقلت له: لم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، قد ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقوله. فأنكر أن يكون هذا اللفظ مروياً من أخبار ابن مسعود.
فقلت له: بلى، هذا رواه منصور والأعمش جميعاً عن إبراهيم عن أبي عُبَيدة: أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا محمد، إنّ الله عزوجل يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والخلائق على إصبع، والشجر على إصبع ـ وروى: والثرى على إصبع ـ ثم يقول: أنا الملك.فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصديقاً لما قال الحبر)).هكذا رواه الثوري وفُضَيل بن عياض.(رواه البخاري ومسلم وزاد في حديث جرير تصديقا له تعجبا لما قال)
فقال لي: قد نزل القرآن بالتكذيب، لا بالتصديق، قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.
فقلت له: قد نزل القرآن بالتصديق، لا بالتكذيب، بدلالة قوله تعالى في سياق الآية: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}، ثم نزّه نفسه عزوجل عمّا يشرك به من كذّب بصفاته، فقال: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، لا يمنع من إثبات الأصابع صفة له، كما ثبتت صفاته التي لا أختلف أنا وأنت فيها، ومع هذا: فما قدروا الله حق قدره، كذلك أيضا نثبت الأصابع صفة لذاته تبارك وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، فلما رأى ما لزمه قال: هذا ظن من ابن مسعود، أخطأ فيه.
فقلت له: هذا قول من يروم هدم الإسلام، والطعن على الشرع، لأن من زعم أن ابن مسعود ظن ولم يستيقن، فحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم على ظنّه، فقد جعل إلى هدم الإسلام مقالته هذه، بأن يتجاهل أهل الزيغ، فيتهجموا على كل خبر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوافق مذهبهم فيسقطونه، بأن يقولوا: هذا ظن من الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا فرق بين ابن مسعود وسائر الصحابة رضى الله عنهم، وهذا ضد ما أجمع عليه المسلمون.
وقد أكذب القرآن مقالة هذا القائل في الآية التي شهد فيها لابن مسعود بالصدق في جملة الصحابة.
ثم قلت له: و(الأصابع) قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أصحابه، منهم أنس بن مالك، في حديث الأعمش عن أبي سفيان عن أنس رضى الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك.قال: قلنا يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عزوجل، يقلّبها)).
ثم قال لي: تروي حديث أبي هريرة ((خلق آدم على صورته)) ويومئ إلى أنه مخلوق على صورة آدم.
فقلت له: قال أحمد بن حنبل: من قال إن آدم خلقه الله عزوجل على صورة آدم: فهو جهمي، وأي صورة كانت لآدم قبل خلقه؟.
فقال لي: قد جاء الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق آدم على صورة آدم))، فقلت له: هذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: بلى قد جاء في الحديث ((طوله ستون ذراعاً))، على أنه آدم.
فقلت له: قد ورد هذا، وليس هو الذي ادّعيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنّك قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم((إنّ الله خلق آدم على صورة آدم))، ثم استدللت بقوله ((ستون ذراعاً))، على أنه آدم، وهذا خبر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين: فأبو الزناد عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق آدم على صورته)).وروى جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقبّحوا الوجوه، فإنّ الله خلق آدم على صورة الرحمن))، قال أبو إسحاق: وهذا الحديث يذكر عن إسحاق بن راهويه، أنّه صحيح مرفوع.
وأمّا أحمد بن حنبل فذكر أن الثوري أوقفه على ابن عمر، فكلاهما الحجّة فيه على من خالفه، فإن كان رفعه صحيحا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد سقط العذر، وإن كان ابن عمر القائل له، فقد اندحض بقول ابن عمر تأويل من حمل قوله ((على صورته)).
قال أبو إسحاق: وهذا لم يجر بيني وبينه، وإنما بيّنته لأصحابي ليفهموه.
قال القاضي أبو الحسين محمد بن أبي يعلى: قرأت بخط الوالد السعيد قال: نقلت من خط أبي بكر بن شاقلا قال: أخبرنا أبو إسحاق بن شاقلا ـ قراءة عليه ـ قال: قلت لأبي سليمان الدمشقي: بلغنا أنك حكيت فضيلة الرسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج، وقوله في الخبر: ((وضع يده بين كتفي، فوجدت بردها...)) وذكر الحديث.
فقال لي: هذا إيمان ونيّة، لأنّه أريد مني روايته، وله عندي معنى غير الظاهر. قال: وأنا لا أقول مسّه.
فقلت له: وكذا تقول في آدم لما خلقه بيده؟ قال: كذا أقول: إنّ الله عزوجل لا يمس الأشياء.
فقلت له: سوّيت بين آدم وسواه، فأسقطت فضيلته، وقد قال الله تعالى: { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، قلت له: هذا رويته لأنه أريد منك ـ على رغمك ـ وله عندك معنى غير ظاهره، وإلاّ سلمت الأحاديث التي جاءت في الصفات، ويكون لها معاني غير ظاهرها، أو تردّ جميعها؟.
فقال لي: مثل أي شيء؟.
فقلت له: مثل الأصابع، والساق، والرجل، والسمع والبصر، وجميع الصفات التي جاءت في الأخبار الصحاح، حتى إذا سلمتها كلمناك على ما ادّعيته من معانيها التي هي غير ظاهرها.
فقال لي منكراً لقولي: مَن يقول رِجْل؟.
فقلت: أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: مَن عن أبي هريرة؟.
فقلت: همّام.فقال: من عن همام؟.
فقلت: معمر.فقال: مَن عن معمر؟.
فقلت: عبد الرزاق. فقال لي: مَن عن عبد الرزاق؟.
فقلت له: أحمد بن حنبل. فقال لي: عبد الرزاق كان رافضياً.
فقلت له: من ذكر هذا عن عبد الرزاق؟ فقال لي: يحيى بن معين.
فقلت له: هذا تخرّص على يحيى، إنّما قال يحيى: كان يتشيع، ولم يقل رافضياً.
فقال لي: الأعرج عن أبي هريرة: بخلاف ما قاله همّام.
قلت له: كيف؟ قال: لأنّ الأعرج قال (يضع قدمه).
فقلت له: ليس هذا ضد ما رواه همام، وإنما قال هذا (قدم) وقال هذا (رجل) وكلاهما واحد.ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين.وحدّث به أبو هريرة مرتين،. فسمع الأعرج منه في إحدى المرتين ذكر (القدم) وسمع منه همام ذكر (الرجل).
فقال لي: همام غلط.فقلت له: هذا قول من لا يدري. ثم قال لي: والأصابع في حديث ابن مسعود، تقول به؟.
فقلت له: حديث ابن مسعود صحيح من جهة النقل، رواه الناس، ورواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله.
فقال لي: هذا قاله اليهودي.
فقلت له: لم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، قد ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقوله. فأنكر أن يكون هذا اللفظ مروياً من أخبار ابن مسعود.
فقلت له: بلى، هذا رواه منصور والأعمش جميعاً عن إبراهيم عن أبي عُبَيدة: أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا محمد، إنّ الله عزوجل يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والخلائق على إصبع، والشجر على إصبع ـ وروى: والثرى على إصبع ـ ثم يقول: أنا الملك.فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصديقاً لما قال الحبر)).هكذا رواه الثوري وفُضَيل بن عياض.(رواه البخاري ومسلم وزاد في حديث جرير تصديقا له تعجبا لما قال)
فقال لي: قد نزل القرآن بالتكذيب، لا بالتصديق، قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.
فقلت له: قد نزل القرآن بالتصديق، لا بالتكذيب، بدلالة قوله تعالى في سياق الآية: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}، ثم نزّه نفسه عزوجل عمّا يشرك به من كذّب بصفاته، فقال: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، لا يمنع من إثبات الأصابع صفة له، كما ثبتت صفاته التي لا أختلف أنا وأنت فيها، ومع هذا: فما قدروا الله حق قدره، كذلك أيضا نثبت الأصابع صفة لذاته تبارك وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، فلما رأى ما لزمه قال: هذا ظن من ابن مسعود، أخطأ فيه.
فقلت له: هذا قول من يروم هدم الإسلام، والطعن على الشرع، لأن من زعم أن ابن مسعود ظن ولم يستيقن، فحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم على ظنّه، فقد جعل إلى هدم الإسلام مقالته هذه، بأن يتجاهل أهل الزيغ، فيتهجموا على كل خبر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوافق مذهبهم فيسقطونه، بأن يقولوا: هذا ظن من الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا فرق بين ابن مسعود وسائر الصحابة رضى الله عنهم، وهذا ضد ما أجمع عليه المسلمون.
وقد أكذب القرآن مقالة هذا القائل في الآية التي شهد فيها لابن مسعود بالصدق في جملة الصحابة.
ثم قلت له: و(الأصابع) قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أصحابه، منهم أنس بن مالك، في حديث الأعمش عن أبي سفيان عن أنس رضى الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك.قال: قلنا يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عزوجل، يقلّبها)).
ثم قال لي: تروي حديث أبي هريرة ((خلق آدم على صورته)) ويومئ إلى أنه مخلوق على صورة آدم.
فقلت له: قال أحمد بن حنبل: من قال إن آدم خلقه الله عزوجل على صورة آدم: فهو جهمي، وأي صورة كانت لآدم قبل خلقه؟.
فقال لي: قد جاء الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق آدم على صورة آدم))، فقلت له: هذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: بلى قد جاء في الحديث ((طوله ستون ذراعاً))، على أنه آدم.
فقلت له: قد ورد هذا، وليس هو الذي ادّعيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنّك قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم((إنّ الله خلق آدم على صورة آدم))، ثم استدللت بقوله ((ستون ذراعاً))، على أنه آدم، وهذا خبر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين: فأبو الزناد عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق آدم على صورته)).وروى جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقبّحوا الوجوه، فإنّ الله خلق آدم على صورة الرحمن))، قال أبو إسحاق: وهذا الحديث يذكر عن إسحاق بن راهويه، أنّه صحيح مرفوع.
وأمّا أحمد بن حنبل فذكر أن الثوري أوقفه على ابن عمر، فكلاهما الحجّة فيه على من خالفه، فإن كان رفعه صحيحا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد سقط العذر، وإن كان ابن عمر القائل له، فقد اندحض بقول ابن عمر تأويل من حمل قوله ((على صورته)).
قال أبو إسحاق: وهذا لم يجر بيني وبينه، وإنما بيّنته لأصحابي ليفهموه.
تعليق