السلام عليكم و رحمة الله...
هذا كلام انتقيته من جملة ما وقفت عليه من كلام العلماء في هذه المسألة، وكان هذا بعد أن سمعت عن طريق أحد الإخوة أنّ بعضا ممن ينتسب للعلم -بل يقال فقيه اليمن - وله شهرة في خارج اليمن وداخلها، قد قال:إنّ القرآن قديم ، و إنّ هذا هو مذهب أهل السنة ، فأحببت اغتنام الفرصة لإظهار قول الحق في هذه المسألة ، وبيان مخالفة تلك المقولة، سواء صحت عنه أم لا والعهدة على الناقل، ونحن يهمنا بيان عقيدة أهل السنة التي على طالب العلم معرفتها,، فأقول:
فهذه نقول من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهكذا غيره من أهل العلم المعاصرين، و أكتفيت بكلام شيخ الإسلام من المتقدمين مع وقوفي على كلام غيره ؛ وآثرت نقل بعض كلام أهل العلم المعاصرين فيها التنصيص على أنّ القول :بأنّ القرآن قديم إنما هو منهج أهل الضلال ، و إنما هو قول ابن كلاب و من تابعه كالأشعري في الطور الثاني و أصحابه ممن نصر هذا المذهب المنحرف، فاللازم على المسلم الرجوع إلى كلام أهل العلم من السلف و من سار على دربهم، ممن عُرفوا بالإمامة لمعرفة ديننا و عقيدتنا، بل فيما يأتي من النقول تحذير الإمام أحمد ممن يقول بهذا القول بل أمر بهجره ، فسبحان الله!أين هذا ممن يقول : هذا قول أهل السنة؟! فالعجب ليس ممن يجهل الحق، ولكن ينسب باطله إلى مذهب السلف فعلينا أن نتعلم ديننا و الله المستعان و هذا بداية البيان:
أولًا: كلام شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:
ملاحظة: لمن أراد الرجوع إلى الأصل فعليه بالجزء الخامس من النسخة القديمة للفتاوى:
قال ما نصه:
((فلما كان من أصل ابن كلاب ومن وافقه كالحارث المحاسبى وأبى العباس القلانسى وأبى الحسن الأشعري والقضاة أبى بكر بن الطيب وأبى يعلى بن الفراء وأبى جعفر السمانى وأبى الوليد الباجى وغيرهم من الأعيان كأبي المعالي الجوينى وأمثاله وأبى الوفاء بن عقيل وأبى الحسن بن الزاغونى و أمثالهما أن الرب لا يقوم به ما يكون بمشيئته وقدرته ويعبرون عن هذا بأنه لا تحله الحوادث ووافقوا في ذلك للجهم بن صفوان وأتباعه من الجهمية والمعتزلة صاروا فيما ورد في الكتاب والسنة من صفات الرب على احد قولين إما أن يجعلوها كلها مخلوقات منفصلة عنه فيقولون كلام الله مخلوق بائن عنه لا يقوم به كلام وكذلك رضاه وغضبه وفرحه ومجيئه وإتيانه ونزوله وغير ذلك هو مخلوق منفصل عنه لا يتصف الرب بشيء يقوم به عندهموإذا قالوا هذه الأمور من صفات الفعل فمعناه أنها منفصلة عن الله بائنة وهى مضافة إليه لا أنها صفات قائمة به ولهذا يقول كثير منهم أن هذه آيات الإضافات وأحاديث الإضافات وينكرون على من يقول آيات الصفات وأحاديث الصفات وإما أن يجعلوا جميع هذه المعاني قديمة أزلية ويقولون نزوله ومجيئه وإتيانه وفرحه وغضبه ورضاه ونحو ذلك قديم أزلي كما يقولون أن القرآن قديم أزلي ثم منهم من يجعله معنى واحدا ومنهم من يجعله حروفا أو حروفا و أصواتا قديمة أزلية مع كونه مرتبا في نفسه ويقولون فرق بين ترتيب وجوده وترتيب ماهيته كما قد بسطنا الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع على هذه الأقوال وقائليها وأدلتها السمعية والعقلية في غير هذا الموضع والمقصود هنا أنه ليس شىء من هذه الأقوال قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا قول أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة أئمة السنة والجماعة وأهل الحديث كالاوزاعى ومالك بن انس وحماد بن زيد وحماد بن سلمة و عبدالله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأمثالهم بل أقوال السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم من أئمة الدين وعلماء المسلمين موجودة في الكتب التي ينقل فيها أقوالهم بألفاظها بالأسانيد المعروفة عنهم كما يوجد ذلك في كتب كثيرة مثل كتاب السنة والرد على الجهمية
وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى: نهاية المجلد الخامس:
وأول من أنكر هذا في الإسلام الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وكانوا ينكرون الصفات والعلو على العرش ثم جاء ابن كلاب فخالفهم في ذلك واثبت الصفات والعلو على العرش لكن وافقهم على أنه لا تقوم به الأمور الاختيارية ولهذا أحدث قوله في القرآن أنه قديم لم يتكلم به بقدرته ولا يعرف هذا القول عن أحد من السلف بل المتواتر عنهم أن القرآن كلام الله غير مخلوق وان الله يتكلم بمشيئته وقدرته كما ذكرت ألفاظهم في كتب كثيرة في مواضع غير هذا فالذين يثبتون أنه كلم موسى بمشيئته وقدرته كلاما قائما به هم الذين يقولون أنه يدنو ويقرب من عباده بنفسه وأما من قال القرآن مخلوق أو قديم فأصل هؤلاء أنه لا يمكن أن يقرب من شيء ولا يدنو إليه فمن قال منهم بهذا مع هذا كان من تناقضه فانه لم يفهم أصل القائلين بأنه قديم
وأهل الكلام قد يعرفون من حقائق أصولهم ولوازمها ما لا يعرفه من وافقهم على أصل المقالة ولم يعرف حقيقتها ولوازمها فلذا يوجد كثير من الناس يتناقض كلامه في هذا الباب فان نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف متظاهرة بالإثبات وليس على النفي دليل واحد لا من كتاب ولا من سنة ولا من أثر وإنما أصله قول الجهمية فلما جاء ابن كلاب فرق ووافقه كثير من الناس على ذلك فصار كثير من الناس يقر بما جاء عن السلف وما دل عليه الكتاب والسنة وبما يقوله النفاة مما يناقض ذلك ولا يهتدى للتناقض والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم
وقال أيضاً في تقرير هذه المسألة:
وكذلك يقولون انه يتكلم بمشيئته وقدرته وكلامه هو حديث وهو أحسن الحديث وليس بمخلوق باتفاقهم ويسمى حديثا وحادثا وهل يسمى محدثا على قولين لهم ومن كان من عادته انه لا يطلق لفظ المحدث إلا على المخلوق المنفصل كما كان هذا الاصطلاح هو المشهور عند المتناظرين الذين تناظروا في القرآن في محنة الإمام أحمد رحمه الله وكانوا لا يعرفون للمحدث معنى إلا المخلوق المنفصل فعلى هذا الاصطلاح لا يجوز عند أهل السنة أن يقال القرآن محدث بل من قال أنه محدث فقد قال أنه مخلوق ولهذا أنكر الإمام أحمد هذا الإطلاق على داود لما كتب إليه أنه تكلم بذلك فظن الذين يتكلمون بهذا الاصطلاح أنه أراد هذا فأنكره أئمة السنة وداود نفسه لم يكن هذا قصده بل هو وأئمة أصحابه متفقون على أن كلام الله غير مخلوق وإنما كان مقصوده انه قائم بنفسه وهو قول غير واحد من أئمة السلف وهو قول البخاري وغيرهوالنزاع في ذلك بين أهل السنة لفظي فإنهم متفقون على أنه ليس بمخلوق منفصل ومتفقون على أن كلام الله قائم بذاته وكان أئمة السنة كأحمد وأمثاله والبخاري وأمثاله وداود وأمثاله وابن المبارك وأمثاله وابن خزيمة وعثمان بن سعيد الدارمي وابن أبى شيبة وغيرهم متفقين على أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته ولم يقل أحد منهم أن القرآن قديم وأول من شهر عنه أنه قال ذلك هو ابن كلاب وكان الإمام أحمد يحذر من الكلابية وأمر بهجر الحارث المحاسبى لكونه كان منهم وقد قيل عن الحارث أنه رجع في القرآن عن قول ابن كلاب وأنه كان يقول أن الله يتكلم بصوت وممن ذكر ذلك عنه الكلاباذى في كتاب التعرف لمذهب التصوف..
وقال أيضاً:
وهم اذا تكلموا في مسألة القرآن وأنه غير مخلوق أخذوا كلام ابن كلاب والاشعرى فناظروا به المعتزلة والجهمية واخذوا كلام الجهمية والمعتزلة فناظروا به هؤلاء وركبوا قولا محدثا من قول هؤلاء وهؤلاء لم يذهب إليه أحد من السلف ووافقوا ابن كلاب والاشعرى وغيرهما على قولهم إن القرآن قديم واحتجوا بما ذكره هؤلاء على فساد قول المعتزلة والجهمية وغيرهم وهم مع هؤلاء وجمهور المسلمين يقولون إن القرآن العربي كلام الله وقد تكلم الله به بحرف وصوت فقالوا إن الحروف والأصوات قديمة الأعيان أو الحروف بلا أصوات وان الباء والسين والميم مع تعاقبها في ذاتها فهي أزلية الأعيان لم تزل ولا تزال كما بسطت الكلام على أقوال الناس في القرآن في موضع آخر
والمقصود هنا التنبيه على أصل مقالات الطوائف وابن كلاب
وقال كما في شرح العقيدة الأصفهانية:
والفصل الثاني أن القرآن غير قديم فان الكلابية وأصحاب الاشعرى زعموا أن الله كان لم يزل يتكلم بالقرآن وقال أهل الجماعة بل أنه إنما تكلم بالقرآن حيث خاطب به جبرائيل وكذلك سائر الكتب.
ثانياً:كلام العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله:
قال الشيخ رحمه الله كما في مجموع الفتاوى له:
س: قول بعضهم كلام الله قديم؟
ج: هذه جاءَت في كلام بعض المشاهير كالموفق وهي ذهول وإلا فهو الأَول بصفاته. والذي تنطبق عليه النصوص أَن يقال: قديم النوع، حادث الآحاد. وليس المراد بالحدوث الخلق، بل وجود ما كان قبلُ غير موجود. فالله كَلَّمَ، وَيُكَلِّمُ أَهل الجنة. وأَي شيء في هذا؟! بل هذا من لازم الكمال والحياة. فالحاصل أَن الصواب في هذا الباب أَنه أَول النوع حادث الآحاد. وأَول النوع أَسلم من قديم النوع.
ونعرف الفرق بين القرآن قديم فانه باطل بحت وبين بكلام قديم فانه يحمل على الأَولية، لكن عبارة السلف في ذلك أَحسن: لم يزل متكلمًا إذا شاء. أَما إطلاق أًَن الله متكلم مريد فالظاهر أَن الشيخ انتقد على الأَصفهاني - هذا الإطلاق ليس متكلم مطلق بل إذا شاءَ. وعبارة السلف: لم يزل الله متكلمًا إذا شاءَ. (تقرير الحموية)
ثالثاً:كلام الشيخ العثيمين -رحمه- الله كما في شرح السفارينية:
((قوله : ( قديم ) : أي أن القرآن قديم ، وهذا ليس بصحيح ، فالقرآن ليس بقديم بل إن الله عز وجل تكلم به حين إنزاله صحيح أن الكلام جنسه قديم ولكن آحاده حادثة وليست قديمة ، الله عز وجل يحدث من أمره ما شاء { ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٌ إلا استمعوه وهم يلعبوه } ( الأنبياء 2 ) .
فالقرآن ليس بقديم ، أما كلام الله من حيث هو كلام الله فهو قديم النوع فإن الله لم يزل ولا يزال متكلماً ))
و قال أيضاً:
((يقول المؤلف : إن القرآن كلام الله القديم يعني الأزلي ،أي أن القرآن قديم بقدم الله عز وجل أزلي ، فلم يزل هذا القرآن على زعمه موجوداً من قبل كل شيء ، ولا شك أن هذا القول باطل ، لأن القرآن يتكلم الله به حيث إنزاله ، والدليل على هذا : أن الله سبحانه وتعالى يتحدث عن أشياء وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بصيغة الماضي ، وهذا يدل على أن كلامه بها كان بعد وقوعها ، قال الله تعالى : { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم } ( آل عمران 121 ) ، { غدوت } : ماضي ، إذن هذا القول قاله الله بعد غدو الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } ( المجادلة 1 ) ، فقال : { قد سمع } وهل يمكن أن يخبر الله عن شيء أنه سمعه وهو لم يقع ؟ هذا لا يمكن ،
فقوله : { قد سمع } يدل على أن هذا الكلام كان بعد وقوع الحادثة وهذا هو الحق أن الله تكلم بالقرآن حديثاً ،كما قال تعالى : { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه } ( الأنبياء 2 ) .
والقول بأن المراد ( محدث ) : أي محدث إنزاله خطأ بل هو محدث هذا الذر لأن الله يتكلم متى شاء ما شاء ،
وعلى هذا فنقول : لو أن المؤلف – عفا الله عنه – قال بدل قوله : ( قديم ) لو قال : ( كلامه سبحانه عظيم ) لكان أنسب وأبعد عن الخطأ))
رابعاً:كلام الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله و رعاه-:
قال الشيخ في كتابه الممتع (البيان لأخطاء بعض الكتاب) حيث قال في تعليقه على كتاب البوطي عامله الله بما يستحق الذي سماه ((السلفية)) فذكر كلامه ثم علق قال:
((التعقيب الثامن والعشرون:
في ص149 قال: وتفريق الباحث في مسألة القرآن بين ما فيه من المعاني النفسية والألفاظ المنطوق بها، مع ما يلحق بها من حبر وورق وغلاف ليقول إن الأول (يعني المعاني النفسية) قديم غير مخلوق، والثاني حادث مخلوق، أيعد بدعة محظورة لأن هذا التفريق لم يُعلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -?، ومن ثم يجب إطلاق القول بأن القرآن قديم غير مخلوق. والثاني حادث مخلوق أيعد بدعة محظورة لأن هذا التفريق لم يُعلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -?ومن ثم يجب إطلاق القول بأن القرآن قديم غير مخلوق دون تفصيل ولا تفريق، أم لا يعد بدعة وإنما هو شرح وبيان لما علمه الصحابة من قبل على وجه الإجمال، ومن ثم فلا مانع _ لاسيما في مجال التعليم _ من هذا التفريق والتفصيل اهـ كلام البوطي.
وتعقيبا عليه أقول: كلامه هذا يتمشى مع مذهب الأشاعرة الذين يفرقون في كلام الله بين المعنى واللفظ فيقولون: المعنى قائم بالنفس وهو قديم غير مخلوق، وهذا كلام الله عندهم، وأما اللفظ فهو عندهم تعبير عن هذا المعنى من قبل جبريل أو النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مخلوق.
وهذا تفريق باطل، ومذهب أهل السنة سلفا وخلفا أن كلام الله تعالى هو اللفظ والمعنى، وكلاهما غير مخلوق؛ لأنه كلام الله تعالى وصفة من صفاته، وصفاته غير مخلوقة.
وقوله إن الصحابة علموا هذا التفريق بين اللفظ والمعنى في كلام الله هو تقول على الصحابة، ونسبة إليهم ما هم منه براء.))
وقال أيضاً:
في كتاب ((من أعلام المجددين)) و هو كتاب عظيم يدفع به الشيخ الفوزان الشبه عن أعلام السنة شيوخ الإسلام من الإمام أحمد و الإمام بن تيمية و الإمام محمد بن عبدالوهاب التي أثيرت حولهم من قبل أهل البدع فقال في الشبهة السابعة عن شيخ الإسلام ص 39 قال فيها:
7- قالوا إنه يرى أن القرآن حديث ليس بقديم، والجواب أن نسوق عبارة الشيخ رحمه الله في هذا الموضوع، قال في مجموع الفتاوى (12/54) إن السلف قالوا القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وقالوا لم يزل متكلماً إذا شاء، فبينوا أن كلام الله قديم أي جنسه قديم لم يزل، ولم يقل أحد منهم أن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم، بل قالوا إنه كلام الله منزل غير مخلوق، وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته كان القرآن كلامه وكان منزلاً غير مخلوق، ولم يكن مع ذلك أزلياً قديماً بقدم الله، وإن كان الله لم يزل متكلماً إذا شاء فجنس كلامه قديم، فمن فهم قول السلف وفرق بين هذه الأقوال زالت عنه الشبهات في هذه المسائل المعضلة التي اضطرب فيها أهل الأرض... انتهى كلام شيخ الإسلام ثم قال الشيخ الفوزان حفظه الله ما نصه:
فتبين بهذا أن نفي القدم عن القرآن ليس رأيه وحده كما يزعم المفترون، وإنما هو رأي سلف هذه الأمة قاطبة، وأن هناك فرقاً بين جنس الكلام وأفراد الكلام، والله أعلم.
و بهذا يتبين ضلال هذه الكلمة وهي قولهم: القرآن قديم، بل سبحانه ما زال يتكلم ولا يزال متى شاء وكيف شاء والله أعلم
هذا كلام انتقيته من جملة ما وقفت عليه من كلام العلماء في هذه المسألة، وكان هذا بعد أن سمعت عن طريق أحد الإخوة أنّ بعضا ممن ينتسب للعلم -بل يقال فقيه اليمن - وله شهرة في خارج اليمن وداخلها، قد قال:إنّ القرآن قديم ، و إنّ هذا هو مذهب أهل السنة ، فأحببت اغتنام الفرصة لإظهار قول الحق في هذه المسألة ، وبيان مخالفة تلك المقولة، سواء صحت عنه أم لا والعهدة على الناقل، ونحن يهمنا بيان عقيدة أهل السنة التي على طالب العلم معرفتها,، فأقول:
فهذه نقول من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهكذا غيره من أهل العلم المعاصرين، و أكتفيت بكلام شيخ الإسلام من المتقدمين مع وقوفي على كلام غيره ؛ وآثرت نقل بعض كلام أهل العلم المعاصرين فيها التنصيص على أنّ القول :بأنّ القرآن قديم إنما هو منهج أهل الضلال ، و إنما هو قول ابن كلاب و من تابعه كالأشعري في الطور الثاني و أصحابه ممن نصر هذا المذهب المنحرف، فاللازم على المسلم الرجوع إلى كلام أهل العلم من السلف و من سار على دربهم، ممن عُرفوا بالإمامة لمعرفة ديننا و عقيدتنا، بل فيما يأتي من النقول تحذير الإمام أحمد ممن يقول بهذا القول بل أمر بهجره ، فسبحان الله!أين هذا ممن يقول : هذا قول أهل السنة؟! فالعجب ليس ممن يجهل الحق، ولكن ينسب باطله إلى مذهب السلف فعلينا أن نتعلم ديننا و الله المستعان و هذا بداية البيان:
أولًا: كلام شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:
ملاحظة: لمن أراد الرجوع إلى الأصل فعليه بالجزء الخامس من النسخة القديمة للفتاوى:
قال ما نصه:
((فلما كان من أصل ابن كلاب ومن وافقه كالحارث المحاسبى وأبى العباس القلانسى وأبى الحسن الأشعري والقضاة أبى بكر بن الطيب وأبى يعلى بن الفراء وأبى جعفر السمانى وأبى الوليد الباجى وغيرهم من الأعيان كأبي المعالي الجوينى وأمثاله وأبى الوفاء بن عقيل وأبى الحسن بن الزاغونى و أمثالهما أن الرب لا يقوم به ما يكون بمشيئته وقدرته ويعبرون عن هذا بأنه لا تحله الحوادث ووافقوا في ذلك للجهم بن صفوان وأتباعه من الجهمية والمعتزلة صاروا فيما ورد في الكتاب والسنة من صفات الرب على احد قولين إما أن يجعلوها كلها مخلوقات منفصلة عنه فيقولون كلام الله مخلوق بائن عنه لا يقوم به كلام وكذلك رضاه وغضبه وفرحه ومجيئه وإتيانه ونزوله وغير ذلك هو مخلوق منفصل عنه لا يتصف الرب بشيء يقوم به عندهموإذا قالوا هذه الأمور من صفات الفعل فمعناه أنها منفصلة عن الله بائنة وهى مضافة إليه لا أنها صفات قائمة به ولهذا يقول كثير منهم أن هذه آيات الإضافات وأحاديث الإضافات وينكرون على من يقول آيات الصفات وأحاديث الصفات وإما أن يجعلوا جميع هذه المعاني قديمة أزلية ويقولون نزوله ومجيئه وإتيانه وفرحه وغضبه ورضاه ونحو ذلك قديم أزلي كما يقولون أن القرآن قديم أزلي ثم منهم من يجعله معنى واحدا ومنهم من يجعله حروفا أو حروفا و أصواتا قديمة أزلية مع كونه مرتبا في نفسه ويقولون فرق بين ترتيب وجوده وترتيب ماهيته كما قد بسطنا الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع على هذه الأقوال وقائليها وأدلتها السمعية والعقلية في غير هذا الموضع والمقصود هنا أنه ليس شىء من هذه الأقوال قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا قول أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة أئمة السنة والجماعة وأهل الحديث كالاوزاعى ومالك بن انس وحماد بن زيد وحماد بن سلمة و عبدالله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأمثالهم بل أقوال السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم من أئمة الدين وعلماء المسلمين موجودة في الكتب التي ينقل فيها أقوالهم بألفاظها بالأسانيد المعروفة عنهم كما يوجد ذلك في كتب كثيرة مثل كتاب السنة والرد على الجهمية
وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى: نهاية المجلد الخامس:
وأول من أنكر هذا في الإسلام الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وكانوا ينكرون الصفات والعلو على العرش ثم جاء ابن كلاب فخالفهم في ذلك واثبت الصفات والعلو على العرش لكن وافقهم على أنه لا تقوم به الأمور الاختيارية ولهذا أحدث قوله في القرآن أنه قديم لم يتكلم به بقدرته ولا يعرف هذا القول عن أحد من السلف بل المتواتر عنهم أن القرآن كلام الله غير مخلوق وان الله يتكلم بمشيئته وقدرته كما ذكرت ألفاظهم في كتب كثيرة في مواضع غير هذا فالذين يثبتون أنه كلم موسى بمشيئته وقدرته كلاما قائما به هم الذين يقولون أنه يدنو ويقرب من عباده بنفسه وأما من قال القرآن مخلوق أو قديم فأصل هؤلاء أنه لا يمكن أن يقرب من شيء ولا يدنو إليه فمن قال منهم بهذا مع هذا كان من تناقضه فانه لم يفهم أصل القائلين بأنه قديم
وأهل الكلام قد يعرفون من حقائق أصولهم ولوازمها ما لا يعرفه من وافقهم على أصل المقالة ولم يعرف حقيقتها ولوازمها فلذا يوجد كثير من الناس يتناقض كلامه في هذا الباب فان نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف متظاهرة بالإثبات وليس على النفي دليل واحد لا من كتاب ولا من سنة ولا من أثر وإنما أصله قول الجهمية فلما جاء ابن كلاب فرق ووافقه كثير من الناس على ذلك فصار كثير من الناس يقر بما جاء عن السلف وما دل عليه الكتاب والسنة وبما يقوله النفاة مما يناقض ذلك ولا يهتدى للتناقض والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم
وقال أيضاً في تقرير هذه المسألة:
وكذلك يقولون انه يتكلم بمشيئته وقدرته وكلامه هو حديث وهو أحسن الحديث وليس بمخلوق باتفاقهم ويسمى حديثا وحادثا وهل يسمى محدثا على قولين لهم ومن كان من عادته انه لا يطلق لفظ المحدث إلا على المخلوق المنفصل كما كان هذا الاصطلاح هو المشهور عند المتناظرين الذين تناظروا في القرآن في محنة الإمام أحمد رحمه الله وكانوا لا يعرفون للمحدث معنى إلا المخلوق المنفصل فعلى هذا الاصطلاح لا يجوز عند أهل السنة أن يقال القرآن محدث بل من قال أنه محدث فقد قال أنه مخلوق ولهذا أنكر الإمام أحمد هذا الإطلاق على داود لما كتب إليه أنه تكلم بذلك فظن الذين يتكلمون بهذا الاصطلاح أنه أراد هذا فأنكره أئمة السنة وداود نفسه لم يكن هذا قصده بل هو وأئمة أصحابه متفقون على أن كلام الله غير مخلوق وإنما كان مقصوده انه قائم بنفسه وهو قول غير واحد من أئمة السلف وهو قول البخاري وغيرهوالنزاع في ذلك بين أهل السنة لفظي فإنهم متفقون على أنه ليس بمخلوق منفصل ومتفقون على أن كلام الله قائم بذاته وكان أئمة السنة كأحمد وأمثاله والبخاري وأمثاله وداود وأمثاله وابن المبارك وأمثاله وابن خزيمة وعثمان بن سعيد الدارمي وابن أبى شيبة وغيرهم متفقين على أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته ولم يقل أحد منهم أن القرآن قديم وأول من شهر عنه أنه قال ذلك هو ابن كلاب وكان الإمام أحمد يحذر من الكلابية وأمر بهجر الحارث المحاسبى لكونه كان منهم وقد قيل عن الحارث أنه رجع في القرآن عن قول ابن كلاب وأنه كان يقول أن الله يتكلم بصوت وممن ذكر ذلك عنه الكلاباذى في كتاب التعرف لمذهب التصوف..
وقال أيضاً:
وهم اذا تكلموا في مسألة القرآن وأنه غير مخلوق أخذوا كلام ابن كلاب والاشعرى فناظروا به المعتزلة والجهمية واخذوا كلام الجهمية والمعتزلة فناظروا به هؤلاء وركبوا قولا محدثا من قول هؤلاء وهؤلاء لم يذهب إليه أحد من السلف ووافقوا ابن كلاب والاشعرى وغيرهما على قولهم إن القرآن قديم واحتجوا بما ذكره هؤلاء على فساد قول المعتزلة والجهمية وغيرهم وهم مع هؤلاء وجمهور المسلمين يقولون إن القرآن العربي كلام الله وقد تكلم الله به بحرف وصوت فقالوا إن الحروف والأصوات قديمة الأعيان أو الحروف بلا أصوات وان الباء والسين والميم مع تعاقبها في ذاتها فهي أزلية الأعيان لم تزل ولا تزال كما بسطت الكلام على أقوال الناس في القرآن في موضع آخر
والمقصود هنا التنبيه على أصل مقالات الطوائف وابن كلاب
وقال كما في شرح العقيدة الأصفهانية:
والفصل الثاني أن القرآن غير قديم فان الكلابية وأصحاب الاشعرى زعموا أن الله كان لم يزل يتكلم بالقرآن وقال أهل الجماعة بل أنه إنما تكلم بالقرآن حيث خاطب به جبرائيل وكذلك سائر الكتب.
ثانياً:كلام العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله:
قال الشيخ رحمه الله كما في مجموع الفتاوى له:
س: قول بعضهم كلام الله قديم؟
ج: هذه جاءَت في كلام بعض المشاهير كالموفق وهي ذهول وإلا فهو الأَول بصفاته. والذي تنطبق عليه النصوص أَن يقال: قديم النوع، حادث الآحاد. وليس المراد بالحدوث الخلق، بل وجود ما كان قبلُ غير موجود. فالله كَلَّمَ، وَيُكَلِّمُ أَهل الجنة. وأَي شيء في هذا؟! بل هذا من لازم الكمال والحياة. فالحاصل أَن الصواب في هذا الباب أَنه أَول النوع حادث الآحاد. وأَول النوع أَسلم من قديم النوع.
ونعرف الفرق بين القرآن قديم فانه باطل بحت وبين بكلام قديم فانه يحمل على الأَولية، لكن عبارة السلف في ذلك أَحسن: لم يزل متكلمًا إذا شاء. أَما إطلاق أًَن الله متكلم مريد فالظاهر أَن الشيخ انتقد على الأَصفهاني - هذا الإطلاق ليس متكلم مطلق بل إذا شاءَ. وعبارة السلف: لم يزل الله متكلمًا إذا شاءَ. (تقرير الحموية)
ثالثاً:كلام الشيخ العثيمين -رحمه- الله كما في شرح السفارينية:
((قوله : ( قديم ) : أي أن القرآن قديم ، وهذا ليس بصحيح ، فالقرآن ليس بقديم بل إن الله عز وجل تكلم به حين إنزاله صحيح أن الكلام جنسه قديم ولكن آحاده حادثة وليست قديمة ، الله عز وجل يحدث من أمره ما شاء { ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٌ إلا استمعوه وهم يلعبوه } ( الأنبياء 2 ) .
فالقرآن ليس بقديم ، أما كلام الله من حيث هو كلام الله فهو قديم النوع فإن الله لم يزل ولا يزال متكلماً ))
و قال أيضاً:
((يقول المؤلف : إن القرآن كلام الله القديم يعني الأزلي ،أي أن القرآن قديم بقدم الله عز وجل أزلي ، فلم يزل هذا القرآن على زعمه موجوداً من قبل كل شيء ، ولا شك أن هذا القول باطل ، لأن القرآن يتكلم الله به حيث إنزاله ، والدليل على هذا : أن الله سبحانه وتعالى يتحدث عن أشياء وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بصيغة الماضي ، وهذا يدل على أن كلامه بها كان بعد وقوعها ، قال الله تعالى : { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم } ( آل عمران 121 ) ، { غدوت } : ماضي ، إذن هذا القول قاله الله بعد غدو الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } ( المجادلة 1 ) ، فقال : { قد سمع } وهل يمكن أن يخبر الله عن شيء أنه سمعه وهو لم يقع ؟ هذا لا يمكن ،
فقوله : { قد سمع } يدل على أن هذا الكلام كان بعد وقوع الحادثة وهذا هو الحق أن الله تكلم بالقرآن حديثاً ،كما قال تعالى : { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه } ( الأنبياء 2 ) .
والقول بأن المراد ( محدث ) : أي محدث إنزاله خطأ بل هو محدث هذا الذر لأن الله يتكلم متى شاء ما شاء ،
وعلى هذا فنقول : لو أن المؤلف – عفا الله عنه – قال بدل قوله : ( قديم ) لو قال : ( كلامه سبحانه عظيم ) لكان أنسب وأبعد عن الخطأ))
رابعاً:كلام الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله و رعاه-:
قال الشيخ في كتابه الممتع (البيان لأخطاء بعض الكتاب) حيث قال في تعليقه على كتاب البوطي عامله الله بما يستحق الذي سماه ((السلفية)) فذكر كلامه ثم علق قال:
((التعقيب الثامن والعشرون:
في ص149 قال: وتفريق الباحث في مسألة القرآن بين ما فيه من المعاني النفسية والألفاظ المنطوق بها، مع ما يلحق بها من حبر وورق وغلاف ليقول إن الأول (يعني المعاني النفسية) قديم غير مخلوق، والثاني حادث مخلوق، أيعد بدعة محظورة لأن هذا التفريق لم يُعلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -?، ومن ثم يجب إطلاق القول بأن القرآن قديم غير مخلوق. والثاني حادث مخلوق أيعد بدعة محظورة لأن هذا التفريق لم يُعلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -?ومن ثم يجب إطلاق القول بأن القرآن قديم غير مخلوق دون تفصيل ولا تفريق، أم لا يعد بدعة وإنما هو شرح وبيان لما علمه الصحابة من قبل على وجه الإجمال، ومن ثم فلا مانع _ لاسيما في مجال التعليم _ من هذا التفريق والتفصيل اهـ كلام البوطي.
وتعقيبا عليه أقول: كلامه هذا يتمشى مع مذهب الأشاعرة الذين يفرقون في كلام الله بين المعنى واللفظ فيقولون: المعنى قائم بالنفس وهو قديم غير مخلوق، وهذا كلام الله عندهم، وأما اللفظ فهو عندهم تعبير عن هذا المعنى من قبل جبريل أو النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مخلوق.
وهذا تفريق باطل، ومذهب أهل السنة سلفا وخلفا أن كلام الله تعالى هو اللفظ والمعنى، وكلاهما غير مخلوق؛ لأنه كلام الله تعالى وصفة من صفاته، وصفاته غير مخلوقة.
وقوله إن الصحابة علموا هذا التفريق بين اللفظ والمعنى في كلام الله هو تقول على الصحابة، ونسبة إليهم ما هم منه براء.))
وقال أيضاً:
في كتاب ((من أعلام المجددين)) و هو كتاب عظيم يدفع به الشيخ الفوزان الشبه عن أعلام السنة شيوخ الإسلام من الإمام أحمد و الإمام بن تيمية و الإمام محمد بن عبدالوهاب التي أثيرت حولهم من قبل أهل البدع فقال في الشبهة السابعة عن شيخ الإسلام ص 39 قال فيها:
7- قالوا إنه يرى أن القرآن حديث ليس بقديم، والجواب أن نسوق عبارة الشيخ رحمه الله في هذا الموضوع، قال في مجموع الفتاوى (12/54) إن السلف قالوا القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وقالوا لم يزل متكلماً إذا شاء، فبينوا أن كلام الله قديم أي جنسه قديم لم يزل، ولم يقل أحد منهم أن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم، بل قالوا إنه كلام الله منزل غير مخلوق، وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته كان القرآن كلامه وكان منزلاً غير مخلوق، ولم يكن مع ذلك أزلياً قديماً بقدم الله، وإن كان الله لم يزل متكلماً إذا شاء فجنس كلامه قديم، فمن فهم قول السلف وفرق بين هذه الأقوال زالت عنه الشبهات في هذه المسائل المعضلة التي اضطرب فيها أهل الأرض... انتهى كلام شيخ الإسلام ثم قال الشيخ الفوزان حفظه الله ما نصه:
فتبين بهذا أن نفي القدم عن القرآن ليس رأيه وحده كما يزعم المفترون، وإنما هو رأي سلف هذه الأمة قاطبة، وأن هناك فرقاً بين جنس الكلام وأفراد الكلام، والله أعلم.
و بهذا يتبين ضلال هذه الكلمة وهي قولهم: القرآن قديم، بل سبحانه ما زال يتكلم ولا يزال متى شاء وكيف شاء والله أعلم
تعليق