*****
مطوية / قصة الشيخ محمد حامد الفقي (رحمه الله) مع الفلاح
وكيف اهتدى لعقيدة السلف
من كتاب - المجموع في ترجمة العلامة المحدث
الشيخ حماد بن محمد الأنصاري (رحمه الله)
---------------------
*****
نص المطوية :
قصة الشيخ محمد حامد الفقي مع الفلاح
وكيف عرف عقيدة التوحيد و منهج السلف
(يرويها الشيخ حماد الانصاري )
من كتاب / المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري (رحمه الله)
-من اللقاء الذي أجرته مجلة (التوحيد) مع الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله-
المؤلف: عبد الأول بن حماد الأنصاري
فضيلة الشيخ ـ يرحمكم الله ـ هل لكم أن تحدثونا من خلال معايشتكم للشيخ حامد الفقي ـ رحمه الله ـ عن شيء من حياته أثّر فيكم وما زلتم تذكرونَه ؟
ج: أما عن حياة الشيخ حامد الفقي: فعندما اجتمعتُ معه عام 1367هـ جئتُه وهو يدرِّسُ "تفسير ابن كثير" عند (باب علي بمكة) ، وعندما سمعتُه قلت: هذا هو ضالّتي؛ فكان يأخذ آيات التوحيد ويسلّط عليها الأضواء،وسمعته من بعيد فجلست في حلقته، وكانت أول حلقة أجلسُ فيها في الحرم وأنا شاب صغير، وكان عمري لا يتعدّى الثانية والعشرين، وسمعت الدرس، وكان الدرسُ في تفسير آيات التوحيد؛ وبعدما انتهى الدرس وصلينا العشاء جاءنا شخصٌ سوري لا أتذكّر اسمَه الآن وقال للشيخ: أنا أرى أن تشربوا القهوة عندي، فقال له الشيخ: ومن معي، قال له الرجل: احضر مَن شئت، وكان هذه أول مرة أرى فيها الشيخ، على الرغم أنني سمعت عنه كثيرًا؛ لأن شيخي(الشيح محمد عبد الله المدني رحمه الله) كان تلميذ الشيخ حامد الفقي.
الشيخ حامد الفقي وقصته مع الفلاّح :
وذهبنا إلى بيت الأخ السوري، وعندما وصلنا إلى البيت وجلسنا قال لنا: أنا أريد أن أسلم لكم سيوفًا من الخشب، وسلم الأخ السوري كل واحدٍ سيفًا من الخشب، وقال لنا: تعالوا نتسايف أولاً، وبعد ذلك نشرب القهوة حتى نطبق النونين اللتين تركز عليهما الإسلام؛ وأخذ كلُّ واحدٍ
منها سيفَه وأخذَ مع صاحبه يتجاولان، حتى انتهينا من المجاولة جلسنا وشربنا القهوة؛ وقلت للشيخ حامد الفقي "رحمه الله": يا شيخ أنا عندي سؤال، فقال: ما هو سؤالك يا ولدي؟، فقلت له: كيفَ صرتَ موحدًا وأنت درست في الأزهر؟، وأنا أُريدُ أن أستفيد والناس يسمعون.
فقال الشيخ: والله إن سؤالك وجيه. قال: أنا درست في جامعة الأزهر، ودرست عقيدة المتكلمين التي يدرِّسونَها، وأخذت شهادة الليسانس وذهبت إلى بلدي لكي يفرحون بنجاحي، وفي الطريق مررتُ على فلاّح يفلح الأرض، ولما وصلت عندَه قال: يا ولدي اجلس على الدكّة، وكان عندَه دكة إذا انتهى من العمل يجلس عليها، وجلستُ على الدكة وهو يشتغل، ووجدت بجانبي على طرف الدكة كتاب، فأخذت الكتاب ونظرت إليه، فإذا هو كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة الجهمية" لابن القيم، فأخذت الكتاب أتسلى به؛ ولما رآني أخذت الكتاب وبدأت أقرأُ فيه، تأخّر عني، حتى قدّر من الوقت الذي آخذ فيه فكرة عن الكتاب.
وبعد فترة من الوقت وهو يعمل في حقله وأنا أقرأُ في الكتاب جاء الفلاّح وقال: السلام عليك يا ولدي، كيف حالُك، ومن أين جئت؟، فأجبتُه عن سؤاله، فقال لي: والله أنت شاطر، لأنك تدرجت في طلب العلم حتى توصلت إلى هذه المرحلة، ولكن يا ولدي أنا عندي وصية.
فقلت: ما هي؟
قال الفلاّح: أنت عندك شهادة تعيشك في كل الدنيا في أوروبا في أمريكا، في أيِّ مكان، ولكنها ما علمتك الشيء الذي يجب أن تتعمله أولاً.
قلت: ما هو؟
قال: ما علمتك التوحيد
قلت له: ما هو التوحيد ؟
قال الفلاّح : توحيد السلف، قلت له: وما هو توحيد السلف ؟، قال له : انظر كيف عرف الفلاّح الذي أمامَك توحيد السلف.
قال له : هي هذه الكتب: كتاب (السنة) للإمام أحمد الكبير، وكتاب (السنة) للإمام أحمد الصغير، وكتاب (التوحيد) لابن خزيمة، وكتاب (خلْق أفعال العباد) للبخاري، وكتاب (اعتقاد أهل السنة) للحافظ اللالكائي؛ وعدَّ له كثيرًا من كتب التوحيد، وذكر الفلاّح كتب التوحيد للمتأخرين، وبعد ذلك ذكر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيِّم.
وقال له : أنا أدلك على هذه الكتب إذا وصلت إلى قريتك ورأوك وفرحوا بنجاحك لا تتأخّر ارجع رأسًا إلى القاهرة، فإذا وصلت إلى القاهرة، ادخل (دار الكتب المصرية) ستجد كل هذه الكتب التي ذكرتُها كلها فيها؛ ولكنها مكدّسٌ عليها الغبار، وأنا أريدُك أن تنفض ما عليها من الغبار وتنشرها.
وكانت تلك الكلمات من الفلاّح البسيط الفقيه قد أخذت طريقَها إلى قلب الشيخ حامد الفقي؛ لأنها جاءت من مخلِص.
كيف عرف الفلاّح طريق التوحيد؟
يواصل الشيخ حماد حكايتَه مع الشيخ حامد الفقي فيقول : إنني استوقفت الشيخ وسألتُه: كيف عرف الفلاّح كل ذلك؟.
قال الشيخ حامد : لقد عرفه من أستاذه (الرمَّال) ، هل تسمعون ب (الرمَّال)؟، قلت له: أنا لا أعرف الرمَّال هذا، ما هي قصتُه؟
قال: الرمَّال كان يفتش عن كتب سلفه، ولمّا وجد ما وجد منها بدأ بجمع العمال والكنّاسين وقام يدرّس لهم، وكان لا يُسمح له أن يدرّس ذلك علانية، وكان من جملتهم هذا الفلاّح؛ وهذا الفلاّح يصلح أن يكون إمامًا من الأئمة، ولكنه هناك في الفلاحة، فمن الذي يصلح أن يتعلم؟. ولكن ما زال الخيرُ موجودًا في كلّ بلد حتى تقوم الساعة.
ولما رجعتُ إلى قريتي في مصر وذهبت إلى القاهرة ووقفت على الكتب التي ذكرها لي الفلاّح الفقيه كلها ما عدا كتاب واحد ما وقفت عليه إلاّ بعد فترة كبيرة.
وبعد ذلك انتهينا من الجلسة وذهب الشيخ حامد الفقي؛ وكان يأتي إلى السعودية ونستقبله ضمن البعثة المصرية أيّام الملك فاروق كل عام؛ وكانت هذه القصة هي إجابة للسؤال الذي سألتُه للشيخ حامد في مجلس الرجل السوري.
ص295-297/1
الكتاب: المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري (رحمه الله)
المؤلف: عبد الأول بن حماد الأنصاري
****
يقول معالي الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله تعالى أوضح سبيل الدعوة ومنهاجها بقوله : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] .
قال ابن كثير رحمه الله : " .. أن هذه سبيله، أي: سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقه ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي " (تفسير القرآن العظيم (4 / 422)) .
وقد عرّف العلماء البصيرة، فقال البغوي رحمه الله: " والبصيرة: هي المعرفة التي تُميّز بها بين الحق والباطل " (معالم التنزيل (4 / 284)) .
وقال القرطبي رحمه الله : {عَلَى بَصِيرَةٍ} أي: على يقين وحق " (أحكام القرآن (9 / 179)) .
وقال الراغب رحمه الله: {عَلَى بَصِيرَةٍ} أي: على معرفة وتحقيق " (مفردات القرآن ص 127) .
وذكر الكفوي رحمه الله البصيرة بأنها: " قوة في القلب تدرك بها المعقولات، وقوة القلب المدركة بصيرة " (الكليات ص 247) .
وبين ابن عاشور رحمه الله البصيرة بأنها: " هي الحجة الواضحة " (التحرير والتنوير (7 / 65)) .
ولأهمية البصيرة كانت من الفرائض، كما أشار إلى ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل: " كتاب التوحيد ".
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: " ووجه ذلك: أن اتباعه صلى الله عليه وسلم واجب، وليس أتباعه حقًّا إلا أهل البصيرة، فمن لم يكن منهم فليس من أتباعه، فتعيّن أن البصيرة من الفرائض " ( تيسير العزيز الحميد ص 95) .
والبصيرة من أعلى درجات العلم، كما أشار إلى ذلك ابن القيم بقوله: " أعلى درجات العلم: البصيرة؛ التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه هي الخِصّيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة، وهي أعلى درجات العلماء " (مدارج السالكين (3 / 356)) .
والبصيرة في الدعوة لا تختص بالعلم الشرعي فقط، بل تشمل: العلم بالشرع، والعلم بحال المدعو، والعلم بالسبيل الموصل إلى المقصود، وهو الحكمة، فيكون بصيرا بحكم الشرع، وبصيرا بحال المدعو، وبصيرا بالطريق الموصلة لتحقيق الدعوة.
تظهر أهميّة البصيرة في الدعوة في أمور منها :
1- أن البصيرة صفة من صفات الأنبياء والعلماء الراسخين.
2 - أن البصيرة ركن من أركان الدعوة وقاعدة من قواعدها الكبرى.
3 - البصيرة في الدعوة تجنب الداعية الضعف في الرأي، والانحراف في المنهج.
4 - بالبصيرة تستثمر الأوقات، وتعرف الأولويات، ويُعطى كل ذي حق حقه.
( تقديم لكتاب: البصيرة في الدعوة إلى الله
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ )
*****