بسم الله الرحمن الرحيم
الذين يقولون إن الله في كل مكان ما قدروا الله حق قدره
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالذين ينتحلون تلك العقيدة الباطلة ويعتنقونها، وهي قولهم: إن الله في كل مكان، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5].
هؤلاء أهل زيغ وانحراف ما قدروا الله عز وجل حق قدره وما عرفوا عظمة الله تعالى.
قال جل جلاله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((تفسير القرآن الكريم: الحجرات - الحديد)): ((وكيف يمكن أن يكون الله معك في مكانك وهو سبحانه وتعالى وسع كرسيه السماوات والأرض، ولكن هؤلاء الذين يعتقدون أنه في كل مكان ما قدروا الله حق قدره، ولا عظموه حق تعظيمه، ولا عرفوا عظمته وجلاله قال الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأَرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويت بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} فكيف يعتقد أن الله معنا في مكاننا، فيجب على الإنسان أن يعرف نعمة الله عليه بكونه يؤمن بالقرآن الكريم ظاهره معظماً لله حق تعظيمه)) اهـ.
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((ما السماوات السبع، والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة)).
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في ((العظمة)) وابن حبان كما في ((الموارد)) وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (رقم 109) .
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((تفسير القرآن الكريم: الحجرات - الحديد)): ((وكيف يتصور عاقل أن الله معنا في مكاننا، وكرسيه وسع السماوات والأرض؟! هذا مستحيل، والكرسي موضع القدمين، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه.
فإذا كان كذلك هل يعقل أن رب السماوات والأرض الذي يوم القيامة تكون السماوات مطويات بيمينه، والأرض جميعاً قبضته هل يمكن أن يكون معنا في أماكننا الضيقة والواسعة؟ لا يمكن)) اهـ.
فالله كما أخبر عن نفسه أنه مستوى على عرشه، قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54].
وأخبر أنه في علو فقال عز وجل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} [الأعلى: 1].
والنصوص متضافرة ومتكاثرة على علو الله عز وجل، حتى قاربت ألف دليل.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((الصواعق المرسلة)) وهو يثبت علو الله عز وجل بدليل عقلي: ((وهذا الدليل أيضا أقوى من كل شبهة للنفاة يوضحه أن أدلة مباينة الرب لخلقه وعلوه على جميع مخلوقاته أدلة عقلية فطرية توجب العلم الضروري بمدلولها وأما السمعية فتقارب ألف دليل)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في ((القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى)): ((وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على علو الله تعالى.
أما أدلة الكتاب والسنة فلا تكاد تحصر، مثل قوله تعالى: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}، وقوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}، وقوله: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً}، وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}، وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ}.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((والعرش فوق الماء والله فوق العرش))، وقوله: ((ولا يصعد إلى الله إلا الطيب)). ومثل إشارته إلى السماء يوم عرفه يقول: ((اللهم اشهد)) يعني: على الصحابة حين أقروا أنه بلّغ.
ومثل إقراره الجارية حين سألها: ((أين الله؟))، قالت: في السماء. قال: ((أعتقها فإنها مؤمنه)).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
وأما الإجماع: فقد نقل إجماع السلف على علو الله تعالى غير واحد من أهل العلم.
وأما دلالة العقل على علو الله تعالى: فلأن العلو صفة كمال، والسفول صفة نقص، والله تعالى موصوف بالكمال، منزه عن النقص.
وأما دلالة الفطرة على علو الله تعالى: فإنه ما من داع يدعو ربه إلا وجد من قلبه ضرورة بالاتجاه إلى العلو، من غير دراسة كتاب ولا تعليم معلم)) اهـ.
وخلاصة الكلام أن من قال: إن الله في كل مكان، ما عرف الله حق المعرفة وما قدر الله حق قدره.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأثنين 1 صفر سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 30 سبتمبر سنة 2019 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأثنين 1 صفر سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 30 سبتمبر سنة 2019 ف