قال العلامة الألباني رحمه الله: "فإذًا، فالدعوة إلى التوحيد وتثبيتها في قلوب الناس تقتضي منا ألا نمر بالآيات دون تفصيل كما في العهد الأول؛ لأنهم - أولا - كانوا يفهمون العبارات العربية بيسر، وثانيًا لأنه لم يكن هناك انحراف وزيغ في العقيدة نبع من الفلسفة وعلم الكلام، فقام ما يعارض العقيدة السليمة، فأوضاعنا اليوم تختلف تمامًا عما كان عليه المسلمون الأوائل، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة هي اليوم من اليسر كما كان الحال في العهد الأول، وأُقَرِّب هذا في مَثَل لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان - إن شاء الله تعالى-.
من اليسر المعروف حينئذ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة... وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ونسأل: هل كان هناك شيء اسمه علم الحديث ؟ الجواب: لا، وهل كان هناك شيء اسمه علم الجرح والتعديل ؟ الجواب: لا، أما الآن فهذان العلمان لا بد منهما لطالب العلم، وهما من فروض الكفاية؛ وذلك لكي يتمكن العالم اليوم من معرفة الحديث إن كان صحيحًا أو ضعيفًا، فالأمر لم يعد مُيسرًا سهلا كما كان ذلك ميسرًا للصحابي؛ لأن الصحابي كان يتلقى الحديث من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله عز وجل لهم....إلخ.
فما كان يومئذ ميسورًا ليس ميسورًا اليوم من حيث صفاء العلم وثقة مصادر التلقي، لهذا لا بد من ملاحظة هذا الأمر والاهتمام به كما ينبغي مما يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين، والتي لم تحط بالمسلمين الأولين من حيث التلوث العقدي الذي سبب إشكالات وأوجد شبهات من أهل البدع المنحرفين عن العقيدة الصحيحة منهج الحق تحت مسميات كثيرة، ومنها الدعوة إلى الكتاب والسنة فقط ! كما يزعم ذلك ويدعيه المنتسبون إلى علم الكلام.
ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة في ذلك ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الغرباء في بعض تلك الأحاديث، قال: "للواحد منهم خمسون من الأجر "، قالوا: منا يا رسول الله أو منهم ؟ قال: "منكم". (1).
وهذا من نتائج الغربة الشديدة للإسلام اليوم التي لم تكن في الزمن الأول، ولا شك أن غربة الزمن الأول كانت بين شرك صريح وتوحيد خال من كل شائبة، بين كفر بواح وإيمان صادق، أما الآن فالمشكلة بين المسلمين أنفسهم فأكثرهم توحيده مليء بالشوائب، ويوجه العبادات إلى غير الله ويدعي الإيمان؛ هذه القضية ينبغي الانتباه لها أولا، وثانيًا: لا ينبغي أن يقول بعض الناس: إننا لا بد لنا من الانتقال إلى مرحلة أخرى غير مرحلة التوحيد وهي العمل السياسي!! لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولا، فلا ينبغي أن نقول: نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا، مع تذكيرنا أن العرب اليوم عكس الأعاجم الذين استعربوا، بسبب بُعدهم عن لغتهم، وهذا ما أبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم، فهب أننا - نحن العرب - قد فهمنا الإسلام فهمًا صحيحًا، فليس من الواجب علينا أن نعمل عملا سياسيًّا، ونحرك الناس تحريكًا سياسيًّا، ونشغلهم بالسياسة عما يجب عليهم الاشتغال به، في فهم الإسلام: في العقيدة، والعبادة، والمعاملة والسلوك !! فأنا لا أعتقد أن هناك شعبًا يعد بالملايين قد فهم الإسلام فهمًا صحيحًا -أعني: العقيدة، والعبادة، والسلوك- ورُبي عليها". المصدر: التوحيد أولا يا دعاة الإسلام، صفحة 14-15
(1) حديث صحيح: رواه الطبراني في الكبير (10 255) رقم (10394)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وله شاهد من حديث عقبة بن غزوان الصحابي رواه البزار كما في الزوائد (7 282) وله شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة الخشني رواه أبو داود (4341)، وصححه الألباني في الصحيحة (494).
من اليسر المعروف حينئذ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة... وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ونسأل: هل كان هناك شيء اسمه علم الحديث ؟ الجواب: لا، وهل كان هناك شيء اسمه علم الجرح والتعديل ؟ الجواب: لا، أما الآن فهذان العلمان لا بد منهما لطالب العلم، وهما من فروض الكفاية؛ وذلك لكي يتمكن العالم اليوم من معرفة الحديث إن كان صحيحًا أو ضعيفًا، فالأمر لم يعد مُيسرًا سهلا كما كان ذلك ميسرًا للصحابي؛ لأن الصحابي كان يتلقى الحديث من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله عز وجل لهم....إلخ.
فما كان يومئذ ميسورًا ليس ميسورًا اليوم من حيث صفاء العلم وثقة مصادر التلقي، لهذا لا بد من ملاحظة هذا الأمر والاهتمام به كما ينبغي مما يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين، والتي لم تحط بالمسلمين الأولين من حيث التلوث العقدي الذي سبب إشكالات وأوجد شبهات من أهل البدع المنحرفين عن العقيدة الصحيحة منهج الحق تحت مسميات كثيرة، ومنها الدعوة إلى الكتاب والسنة فقط ! كما يزعم ذلك ويدعيه المنتسبون إلى علم الكلام.
ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة في ذلك ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الغرباء في بعض تلك الأحاديث، قال: "للواحد منهم خمسون من الأجر "، قالوا: منا يا رسول الله أو منهم ؟ قال: "منكم". (1).
وهذا من نتائج الغربة الشديدة للإسلام اليوم التي لم تكن في الزمن الأول، ولا شك أن غربة الزمن الأول كانت بين شرك صريح وتوحيد خال من كل شائبة، بين كفر بواح وإيمان صادق، أما الآن فالمشكلة بين المسلمين أنفسهم فأكثرهم توحيده مليء بالشوائب، ويوجه العبادات إلى غير الله ويدعي الإيمان؛ هذه القضية ينبغي الانتباه لها أولا، وثانيًا: لا ينبغي أن يقول بعض الناس: إننا لا بد لنا من الانتقال إلى مرحلة أخرى غير مرحلة التوحيد وهي العمل السياسي!! لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولا، فلا ينبغي أن نقول: نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا، مع تذكيرنا أن العرب اليوم عكس الأعاجم الذين استعربوا، بسبب بُعدهم عن لغتهم، وهذا ما أبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم، فهب أننا - نحن العرب - قد فهمنا الإسلام فهمًا صحيحًا، فليس من الواجب علينا أن نعمل عملا سياسيًّا، ونحرك الناس تحريكًا سياسيًّا، ونشغلهم بالسياسة عما يجب عليهم الاشتغال به، في فهم الإسلام: في العقيدة، والعبادة، والمعاملة والسلوك !! فأنا لا أعتقد أن هناك شعبًا يعد بالملايين قد فهم الإسلام فهمًا صحيحًا -أعني: العقيدة، والعبادة، والسلوك- ورُبي عليها". المصدر: التوحيد أولا يا دعاة الإسلام، صفحة 14-15
(1) حديث صحيح: رواه الطبراني في الكبير (10 255) رقم (10394)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وله شاهد من حديث عقبة بن غزوان الصحابي رواه البزار كما في الزوائد (7 282) وله شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة الخشني رواه أبو داود (4341)، وصححه الألباني في الصحيحة (494).