قال العلامة السفاريني رحمه الله: "وعندنا تفضيل أعيان البشر ... على ملاك ربنا كما اشتهر".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله معلقا: " قوله: (عندنا) الضمير هنا يعود على أهل السنة والجماعة، وقوله: (ملاك) يعني: ملائكة الله.
وقوله: (تفضيل أعيان البشر على ملاك ربنا) قال: أعيان، لا الجنس، يعني أننا نفضل الأعيان على جنس الملائكة، فالرسل مثلاً هم أعيان البشر، وهم خلاصة البشر، وهم المصطفون من البشر، فهؤلاء أفضل من الملائكة، لكن لا نفضل جنس البشر على جنس الملائكة، بل نفضل الأعيان من البشر على جنس الملائكة.
وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله، ولكل قوم دليل، وقد استدل من يقول إن البشر أفضل من الملائكة بأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم وهو أبو البشر، ومعلوم أن السجود ذل للمسجود له، فيكون المسجود له أعز وأكرم من الساجد.
واستدل من قال: إن الملائكة أفضل بقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" (1) .
وكلا الاستدلالين في القلب منه شيء؛ أما الأول: فإنه لا يلزم إذا أكرم الله آدم بهذه المنقبة أن يكون البشر أفضل من الملائكة، وذلك للقاعدة العامة وهي أن التميز بخصيصة واحدة لا يقتضي التميز المطلق، ولهذا نجد بعض الصحابة يميزه الرسول صلى الله عليه وسلم بميزة لا تكون لغيره، ولا يقتضي ذلك أن يكون أفضل من غيره.
وأما الثاني: "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"، فالمراد خير من الملأ الذين ذكر الله عندهم، وليس المراد خيراً من كل البشر، ومعلوم أن كون الملائكة الذين عند الله والذين يذكر الله الذاكر فيهم، خيراً من الملأ الذين ذكر الله عندهم لا يستلزم الخيرية المطلقة. ولهذا نرى التوقف في هذا من ناحيتين:
أولاً: التوقف عن البحث فيه إطلاقاً.
وثانياً: التوقف عن الحكم بتفضيل هؤلاء على هؤلاء.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: الملائكة أفضل باعتبار البداية، والبشر أفضل باعتبار النهاية (2).
فباعتبار البداية الملائكة أفضل؛ لأنهم خلقوا من نور، ولا يستكبرون عن عبادة الله، ولا يستحسرون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولم تركب فيهم الشهوة التي تعصف بهم، بل هم عباد مكرمون قائمون بأمر الله، فهم باعتبار البداية أفضل.
أما باعتبار النهاية، وكون البشر محل رضا لله عز وجل وأهل كرامته وما أشبه ذلك، حتى إن الملائكة يدخلون عليهم في الجنة، يدخلون السرور عليهم، قال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} الرعد:23 - 24. فهذا يدل على أن البشر أفضل، وهذا له وجه حسن.
لكن الذي أرى الإعراض عن كل هذا، وأن نقول في مسألة التفضيل:
أولاً: الجنس مختلف، ولا تفاضل بين الجنسين المختلفين.
ثانياً: باعتبار المرتبة عند الله عز وجل، فهذا ليس لنا به علم إطلاقاً، بل علمه عند الله سبحانه وتعالى.
وبعد أن قال المؤلف رحمه الله: (وعندنا تفضيل أعيان البشر على ملاك ربنا) قال: (كما اشتهر)؛ يعني: كما هو مشهور عند العلماء رحمهم الله...".
والخلاصة أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في تفضيل الملائكة على البشر، أو البشر على الملائكة، على أقوال يمكن أن نجعلها أربعة:
أولاً: تفضيل البشر.
ثانياً: تفضيل الملائكة.
ثالثاً: الوقف.
رابعاً: التفصيل، والتفصيل مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث يقول: الملائكة أفضل باعتبار البداية، والبشر أفضل باعتبار النهاية.
أما الوقف فهو قولنا (3)؛ وهو أن نقول: الله اعلم، وليس لنا أن نتكلم بهذا؛ لأنه لم يكن من بحث الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن داعي السؤال عما يتعلق بالدين في الصحابة أقوى منه فينا، ولا شك أيضا أن الإجابة عن الاستشكال في عهد الصحابة أصوب من أجابتنا نحن؛ لأنهم سيسألون الرسول عليه الصلاة والسلام، وسيجيبهم بالعلم اليقيني، فإذا لم يكن سؤال من الصحابة عما يتعلق بالدين، فاعلم أن السؤال عنه من باب التنطع في دين الله، وإن شئت فاجعله بدعة، كما قال الإمام مالك رحمه الله فيمن قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) كيف استوى؟ قال: ما أراك إلا مبتدعاً. المصدر: شرح العقيدة السفارينية الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية، صفحة: 655
(1) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله، رقم (2675) .
(2) انظر مجموع الفتاوى 4-343.
(3) أي قول العلامة ابن عثيمين رحمه الله.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله معلقا: " قوله: (عندنا) الضمير هنا يعود على أهل السنة والجماعة، وقوله: (ملاك) يعني: ملائكة الله.
وقوله: (تفضيل أعيان البشر على ملاك ربنا) قال: أعيان، لا الجنس، يعني أننا نفضل الأعيان على جنس الملائكة، فالرسل مثلاً هم أعيان البشر، وهم خلاصة البشر، وهم المصطفون من البشر، فهؤلاء أفضل من الملائكة، لكن لا نفضل جنس البشر على جنس الملائكة، بل نفضل الأعيان من البشر على جنس الملائكة.
وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله، ولكل قوم دليل، وقد استدل من يقول إن البشر أفضل من الملائكة بأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم وهو أبو البشر، ومعلوم أن السجود ذل للمسجود له، فيكون المسجود له أعز وأكرم من الساجد.
واستدل من قال: إن الملائكة أفضل بقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" (1) .
وكلا الاستدلالين في القلب منه شيء؛ أما الأول: فإنه لا يلزم إذا أكرم الله آدم بهذه المنقبة أن يكون البشر أفضل من الملائكة، وذلك للقاعدة العامة وهي أن التميز بخصيصة واحدة لا يقتضي التميز المطلق، ولهذا نجد بعض الصحابة يميزه الرسول صلى الله عليه وسلم بميزة لا تكون لغيره، ولا يقتضي ذلك أن يكون أفضل من غيره.
وأما الثاني: "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"، فالمراد خير من الملأ الذين ذكر الله عندهم، وليس المراد خيراً من كل البشر، ومعلوم أن كون الملائكة الذين عند الله والذين يذكر الله الذاكر فيهم، خيراً من الملأ الذين ذكر الله عندهم لا يستلزم الخيرية المطلقة. ولهذا نرى التوقف في هذا من ناحيتين:
أولاً: التوقف عن البحث فيه إطلاقاً.
وثانياً: التوقف عن الحكم بتفضيل هؤلاء على هؤلاء.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: الملائكة أفضل باعتبار البداية، والبشر أفضل باعتبار النهاية (2).
فباعتبار البداية الملائكة أفضل؛ لأنهم خلقوا من نور، ولا يستكبرون عن عبادة الله، ولا يستحسرون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولم تركب فيهم الشهوة التي تعصف بهم، بل هم عباد مكرمون قائمون بأمر الله، فهم باعتبار البداية أفضل.
أما باعتبار النهاية، وكون البشر محل رضا لله عز وجل وأهل كرامته وما أشبه ذلك، حتى إن الملائكة يدخلون عليهم في الجنة، يدخلون السرور عليهم، قال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} الرعد:23 - 24. فهذا يدل على أن البشر أفضل، وهذا له وجه حسن.
لكن الذي أرى الإعراض عن كل هذا، وأن نقول في مسألة التفضيل:
أولاً: الجنس مختلف، ولا تفاضل بين الجنسين المختلفين.
ثانياً: باعتبار المرتبة عند الله عز وجل، فهذا ليس لنا به علم إطلاقاً، بل علمه عند الله سبحانه وتعالى.
وبعد أن قال المؤلف رحمه الله: (وعندنا تفضيل أعيان البشر على ملاك ربنا) قال: (كما اشتهر)؛ يعني: كما هو مشهور عند العلماء رحمهم الله...".
والخلاصة أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في تفضيل الملائكة على البشر، أو البشر على الملائكة، على أقوال يمكن أن نجعلها أربعة:
أولاً: تفضيل البشر.
ثانياً: تفضيل الملائكة.
ثالثاً: الوقف.
رابعاً: التفصيل، والتفصيل مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث يقول: الملائكة أفضل باعتبار البداية، والبشر أفضل باعتبار النهاية.
أما الوقف فهو قولنا (3)؛ وهو أن نقول: الله اعلم، وليس لنا أن نتكلم بهذا؛ لأنه لم يكن من بحث الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن داعي السؤال عما يتعلق بالدين في الصحابة أقوى منه فينا، ولا شك أيضا أن الإجابة عن الاستشكال في عهد الصحابة أصوب من أجابتنا نحن؛ لأنهم سيسألون الرسول عليه الصلاة والسلام، وسيجيبهم بالعلم اليقيني، فإذا لم يكن سؤال من الصحابة عما يتعلق بالدين، فاعلم أن السؤال عنه من باب التنطع في دين الله، وإن شئت فاجعله بدعة، كما قال الإمام مالك رحمه الله فيمن قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) كيف استوى؟ قال: ما أراك إلا مبتدعاً. المصدر: شرح العقيدة السفارينية الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية، صفحة: 655
(1) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله، رقم (2675) .
(2) انظر مجموع الفتاوى 4-343.
(3) أي قول العلامة ابن عثيمين رحمه الله.