قال العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله: "وبينما أهل السنة في مكافحة التجهم والتحذير منه؛ حدثت فتنة أخرى قريبة من فتنة الجهمية، وهي عقيدة الاعتزال.
وقد حدثت عقيدة الاعتزال في أيام الإمام الحسن البصري التابعي المعروف، إذ كان واصل بن عطاء زعيم الاعتزال من جلساء الإمام الحسن البصري، ولكنه اختلف معه في مسائل العقيدة، فاعتزل مجلسه في المسجد الذي يدرس فيه الحسن، ولم يذهب بعيدا عن المسجد، وباعتزاله مجلس الحسن، اعتزل المسلمين في عقيدتهم، وأطلق عليه وعلى أتباعه أنهم معتزلة.
وتذكر بعض المصادر أسبابا أخرى لهذه التسمية، ولا منافاة بين تلك الأسباب، ولا طائل من ذكرها وتعدادها.
فزعمت المعتزلة أنهم يثبتون أسماء الله تعالى مع نفي صفاته سبحانه، ولكن دون أن تدل على معانيها، وهو إثبات لا ينفعهم شيئا، بل هم متناقضون في هذا الإثبات الصوري، فإذا كان إثبات الصفات يؤدي إلى تعدد القدماء على حد زعمهم إن قيل إن صفاته قديمة قدم الذات، أو يؤدي إلى القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى إن قيل إنها حادثة؛ فهلا لزم هذا المحظور من إثبات الأسماء كما لزم من إثبات الصفات؟! أو هلا انتظم هناك ما انتظم هناك؟! لأن الباب واحد.
هكذا يتورط في التناقض كل من يتبع هواه واستحسان عقله القاصر أوعقول الشيوخ معرضا عن كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.
فالكتاب والسنة يثبتان صفات الله تعالى على ما يليق بالله عز وجل، وعقول المعتزلة تأبى وتنفى! {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} البقرة 140.
وقد انفردت المعتزلة بتطوير مذهبها دون سائر الطوائف، حيث زعموا وجوب التزام الأصول الخمسة التي ابتدعوها، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، ولكن؛ بعد أن أطلقوا عليها ألقابا مقبولة عند سماعها قبل أن يعرف تفسيرها.
فلنورد أسماء تلك الأصول المبتدعة التي أشرنا إليها، والتي عارضوا بها أصول الإيمان عند أهل السنة:
الأصل الأول: التوحيد: ومعناه عندهم نفي الصفات.
الأصل الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فاستباحوا بناء على الأصل الأول الفاسد في معناه الخوض في أعراض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعرض والخوض فيما بينهم من الأمور الإجتهادية التي سببت الخلاف بينهم، بل ربما أدت إلى القتال أحيانا، ولقد كان موقف أهل السنة في هذا المقام -بل في كل مقام- شريفا نزيها ومنصفا، حيث لم ينحازوا إلى جهة أو وجهة معينة بالهوى كما فعل غيرهم، بل قالوا قولتهم الشهيرة: "وحيث صان الله رماحنا من دمائهم؛ فيجب علينا أن نصون ألسنتنا وأقلامنا من أعراضهم"، بل إنما كان قولهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} الحشر 10.
وفي هذا المعنى يقول أحمد بن رسلان الشافعي في منظومته المعروفة بالزبد: "وما جرى بين الصحابة نسكت عنه وأجر الاجتهاد نثبت".
هذا؛ وقد استباح المعتزلة بناء على أصلهم ذلك الخروج على الأئمة كما فعلت الخوارج من قبل، بل هما طائفتان متقاربتان في بعض أفكارهما كما لا يخفى (1).
الأصل الثالث: القول بالمنزلة بين المنزلتين: في مرتكب الكبيرة (2) أي أنه يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، وهي منزلة وهمية، لا وجود لها في الواقع؛ لأن القسمة ثنائية: إما كفر وإما إيمان، ولا واسطة بينهما؛ فمرتكب الكبيرة مؤمن ناقص الإيمان، ويوصف بأنه فاسق، ولكنه لايزال في دائرة الإيمان، وقد صح عن النبي قوله: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (3)، فلو كان مرتكب الكبيرة كافرا، لما نفعته شفاعة الشافعين؛ حيث يقول الله تعالى في شأن الكفار: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} المدثر 48.
هذا كله في أحكام الدنيا، وأما في الآخرة، فإنهم يزعمون أن مرتكب الكبيرة الذي مات قبل التوبة؛ يدخل النار في زعمهم خالدا مخلدا فيها مع الكفار (4). فبناء على هذا الزعم نفوا شفاعة النبي لأهل الكبائر مخالفين النصوص الصحيحة.
الأصل الرابع: العدل "ما أحسن هذا الاسم وما أسوأ المسمى": ومعناه عندهم وجوب الاعتقاد بأنه يجب على الله فعل الأصلح للعباد؛ بحيث لو لم يفعل ذلك؛ يكون ظالما، وهي جرأة أخرى كالتي قبلها، أو هي أسوأ.
الأصل الخامس: وجوب تنفيذ الوعد والوعيد: فيزعمون أنه يجب على الله أن يثيب المطيع كما وعد، وأن يعاقب العاصي كما وعد، وهم من جهلهم أو تجاهلهم لا يفرقون بين خلف الوعد وتأخير الوعيد،فتأخير الوعيد وعدم مؤاخذة المسئ بالإساءة مع القدرة كرم ومنة، وأما إيفاء الوعد بإكرام أوليائه في دار كرامته وأحيانا في هذه الدار نفسها؛ فتفضل وإحسان من الله على عباده.
فليس على الله شئ واجب، هذا هو الذي عليه أهل السنة قديما وحديثا؛ لأن الإيجاب معناه الإلزام، فمن الذي يلزم الله تعالى بشئ؟!". المصدر: العقيدة الإسلامية وتاريخها، ص: 71-74 بتصرف يسير
(1)ومما ينبغى التنبيه عليه أن هذه المسألة من المسائل التي وافقت فيها الأشاعرة أهل السنة، وهي مسائل معدودة.
(2) ما دون الشرك والكفر.
(3) رواه أبو داود 4739، والترمذي 2435 من حديث أنس رضي الله عنه.
(4) وهذه نقطة اتفاق بينهم وبين الخوارج.
وقد حدثت عقيدة الاعتزال في أيام الإمام الحسن البصري التابعي المعروف، إذ كان واصل بن عطاء زعيم الاعتزال من جلساء الإمام الحسن البصري، ولكنه اختلف معه في مسائل العقيدة، فاعتزل مجلسه في المسجد الذي يدرس فيه الحسن، ولم يذهب بعيدا عن المسجد، وباعتزاله مجلس الحسن، اعتزل المسلمين في عقيدتهم، وأطلق عليه وعلى أتباعه أنهم معتزلة.
وتذكر بعض المصادر أسبابا أخرى لهذه التسمية، ولا منافاة بين تلك الأسباب، ولا طائل من ذكرها وتعدادها.
فزعمت المعتزلة أنهم يثبتون أسماء الله تعالى مع نفي صفاته سبحانه، ولكن دون أن تدل على معانيها، وهو إثبات لا ينفعهم شيئا، بل هم متناقضون في هذا الإثبات الصوري، فإذا كان إثبات الصفات يؤدي إلى تعدد القدماء على حد زعمهم إن قيل إن صفاته قديمة قدم الذات، أو يؤدي إلى القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى إن قيل إنها حادثة؛ فهلا لزم هذا المحظور من إثبات الأسماء كما لزم من إثبات الصفات؟! أو هلا انتظم هناك ما انتظم هناك؟! لأن الباب واحد.
هكذا يتورط في التناقض كل من يتبع هواه واستحسان عقله القاصر أوعقول الشيوخ معرضا عن كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.
فالكتاب والسنة يثبتان صفات الله تعالى على ما يليق بالله عز وجل، وعقول المعتزلة تأبى وتنفى! {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} البقرة 140.
وقد انفردت المعتزلة بتطوير مذهبها دون سائر الطوائف، حيث زعموا وجوب التزام الأصول الخمسة التي ابتدعوها، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، ولكن؛ بعد أن أطلقوا عليها ألقابا مقبولة عند سماعها قبل أن يعرف تفسيرها.
فلنورد أسماء تلك الأصول المبتدعة التي أشرنا إليها، والتي عارضوا بها أصول الإيمان عند أهل السنة:
الأصل الأول: التوحيد: ومعناه عندهم نفي الصفات.
الأصل الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فاستباحوا بناء على الأصل الأول الفاسد في معناه الخوض في أعراض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعرض والخوض فيما بينهم من الأمور الإجتهادية التي سببت الخلاف بينهم، بل ربما أدت إلى القتال أحيانا، ولقد كان موقف أهل السنة في هذا المقام -بل في كل مقام- شريفا نزيها ومنصفا، حيث لم ينحازوا إلى جهة أو وجهة معينة بالهوى كما فعل غيرهم، بل قالوا قولتهم الشهيرة: "وحيث صان الله رماحنا من دمائهم؛ فيجب علينا أن نصون ألسنتنا وأقلامنا من أعراضهم"، بل إنما كان قولهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} الحشر 10.
وفي هذا المعنى يقول أحمد بن رسلان الشافعي في منظومته المعروفة بالزبد: "وما جرى بين الصحابة نسكت عنه وأجر الاجتهاد نثبت".
هذا؛ وقد استباح المعتزلة بناء على أصلهم ذلك الخروج على الأئمة كما فعلت الخوارج من قبل، بل هما طائفتان متقاربتان في بعض أفكارهما كما لا يخفى (1).
الأصل الثالث: القول بالمنزلة بين المنزلتين: في مرتكب الكبيرة (2) أي أنه يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، وهي منزلة وهمية، لا وجود لها في الواقع؛ لأن القسمة ثنائية: إما كفر وإما إيمان، ولا واسطة بينهما؛ فمرتكب الكبيرة مؤمن ناقص الإيمان، ويوصف بأنه فاسق، ولكنه لايزال في دائرة الإيمان، وقد صح عن النبي قوله: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (3)، فلو كان مرتكب الكبيرة كافرا، لما نفعته شفاعة الشافعين؛ حيث يقول الله تعالى في شأن الكفار: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} المدثر 48.
هذا كله في أحكام الدنيا، وأما في الآخرة، فإنهم يزعمون أن مرتكب الكبيرة الذي مات قبل التوبة؛ يدخل النار في زعمهم خالدا مخلدا فيها مع الكفار (4). فبناء على هذا الزعم نفوا شفاعة النبي لأهل الكبائر مخالفين النصوص الصحيحة.
الأصل الرابع: العدل "ما أحسن هذا الاسم وما أسوأ المسمى": ومعناه عندهم وجوب الاعتقاد بأنه يجب على الله فعل الأصلح للعباد؛ بحيث لو لم يفعل ذلك؛ يكون ظالما، وهي جرأة أخرى كالتي قبلها، أو هي أسوأ.
الأصل الخامس: وجوب تنفيذ الوعد والوعيد: فيزعمون أنه يجب على الله أن يثيب المطيع كما وعد، وأن يعاقب العاصي كما وعد، وهم من جهلهم أو تجاهلهم لا يفرقون بين خلف الوعد وتأخير الوعيد،فتأخير الوعيد وعدم مؤاخذة المسئ بالإساءة مع القدرة كرم ومنة، وأما إيفاء الوعد بإكرام أوليائه في دار كرامته وأحيانا في هذه الدار نفسها؛ فتفضل وإحسان من الله على عباده.
فليس على الله شئ واجب، هذا هو الذي عليه أهل السنة قديما وحديثا؛ لأن الإيجاب معناه الإلزام، فمن الذي يلزم الله تعالى بشئ؟!". المصدر: العقيدة الإسلامية وتاريخها، ص: 71-74 بتصرف يسير
(1)ومما ينبغى التنبيه عليه أن هذه المسألة من المسائل التي وافقت فيها الأشاعرة أهل السنة، وهي مسائل معدودة.
(2) ما دون الشرك والكفر.
(3) رواه أبو داود 4739، والترمذي 2435 من حديث أنس رضي الله عنه.
(4) وهذه نقطة اتفاق بينهم وبين الخوارج.
تعليق