الصواعق في الرد على أتباع كل ناعق
ذكر العلاّمة السلفي ابن القيم رحمه الله في كتابه القيّم ( مفتاح دار السعادة )
الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم ، وهمج رعاع وقوله : الناس ثلاثة : فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع ، هذا تقسيم خاص بالناس ، وهو الواقع ، فإن العبد إما أن يكون قد حصل كماله من العلم والعمل ، أو لا ، فالأول : العالم الرباني ، والثاني : إما أن تكون نفسه متحركة في طلب ذلك الكمال ساعية في إدراكه ، أو لا ، والثاني : هو المتعلم على سبيل النجاة . الثالث : وهو الهمج الرعاع ، فالأول هو الواصل ، والثاني هو الطالب ، والثالث هو المحروم .
القسم الثالث : الهمج الرعاع وهم الجهلة والحمقى المحروم المعرض ، فلا عالم ، ولا متعلم ، بل همج رعاع ، والهمج من الناس حمقاؤهم وجهلتهم ، وأصله من الهمج ، جمع همجة ، وهو ذباب صغير كالبعوض ، يسقط على وجوه الغنم والدواب وأعينها ، فشبه همج الناس به . والهمج أيضا مصدر . قال الراجز :
قد هلكت جارتنا من الهمج وإن تجع تأكل عتودا أو ثلج
والهمج هنا مصدر ، ومعناه : سوء التدبير في أمر المعيشة . وقولهم : همج هامج ، مثل : ليل لايل . والرعاع من الناس : الحمقى الذين لا يعتد بهم . وقوله : أتباع كل ناعق ، أي من صاح بهم ودعاهم تبعوه ، سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال ، فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه ، أحق هو أم باطل ، فهم مستجيبون لدعوته ، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان ، فإنهم الأكثرون عدداً ، الأقلون عند الله قدراً ، وهم حطب كل فتنة ، بهم توقد ، ويشب ضرامها ، فإنها يهتز لها أولو الدين ، ويتولاها الهمج الرعاع ، وسمي داعيهم ناعقاً تشبيهاً لهم بالأنعام التي ينعق بها الراعي ، فتذهب معه أين ذهب . قال تعالى : ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون . وهذا الذي وصفهم به أمير المؤمنين ، هو من عدم علمهم وظلمة قلوبهم ، فليس لهم نور ولا بصيرة يفرقون بها بين الحق والباطل ، بل الكل عندهم سواء . وقوله رضي الله عنه : يميلون مع كل ريح ، وفي رواية : مع كل صائح ، شبه عقولهم الضعيفة بالغصن الضعيف ، وشبه الأهوية والآراء بالرياح ، والغصن يميل مع الريح حيث مالت ، وعقول هؤلاء تميل مع كل هوى وكل داع ، ولو كانت عقولاً كاملة ، كانت كالشجرة الكبيرة التي لا تتلاعب بها الرياح . وهذا بخلاف المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالخامة من الزرع ، تفيئه الريح مرة وتقيمه أخرى ، والمنافق كشجرة الأرز التي لا تقطع حتى تستحصد ، فإن هذا المثل ضرب للمؤمن ، وما يلقاه من عواصف البلاء والأوجاع والأوجال وغيرها ، فلا يزال بين عافية وبلاء ومحنة ومنحة وصحة وسقم وأمن وخوف وغير ذلك ، فيقع مرة ، ويقوم أخرى ، ويميل تارة ، ويعتدل أخرى ، فيكفر عنه بالبلاء ، ويمحص به ، ويخلص من كدره . والكافر كله خبث ، ولا يصلح إلا للوقود ، فليس في إصابته في الدنيا بأنواع البلاء من الحكمة والرحمة ما في إصابة المؤمن ، فهذه حال المؤمن في الابتلاء . وأما مع الأهواء ودعاة الفتن والضلال والبدع فكما قيل : تزول الجبال الراسيات وقلبه على العهد لا يلوي ولا يتغير وقوله رضي الله عنه : لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق بين السبب الذي جعلهم بتلك المثابة ، وهو أنه لم يحصل لهم من العلم نور يفرقون به بين الحق والباطل . كما قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به . وقال تعالى : أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها . وقال تعالى : يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور . وقوله : ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا . فإذا عدم القلب هذا النور ، صار بمنزلة الحيران الذي لا يدري أين يذهب ، فهو لحيرته وجهله بطريق مقصوده يؤم كل صوت يسمعه ، ولم يسكن قلوبهم من العلم ما تمتنع به من دعاة الباطل ، فإن الحق متى استقر في القلب قوي به ، وامتنع مما يضره ، ويهلكه . ولهذا سمي الله الحجة العلمية سلطاناً ، وقد تقدم ذلك ، فالعبد يؤتى من ظلمة بصيرته ، ومن ضعف قلبه ، فإذا استقر فيه العلم النافع ، استنارت بصيرته ، وقوي قلبه . وهذان الأصلان هما قطب السعادة ، أعني العلم والقوة ، وقد وصف بهما سبحانه المعلم الأول جبريل ، صلوات الله وسلامه عليه ، فقال : إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى . وقال تعالى في سورة التكوير : إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين فوصفه بالعلم والقوة ، وفيه معنى أحسن من هذا ، وهو الأشبه بمراد علي رضي الله عنه ، وهو أن هؤلاء ليسوا من أهل البصائر ، الذين استضاؤوا بنور العلم ، ولا لجؤوا إلى عالم مستبصر ، فقلدوه ، ولا متبعين لمستبصر ، فإن الرجل إما أن يكون بصيراً ، أو أعمى متمسكاً ببصير يقوده ، أو أعمى يسير بلا قائد . انتهى كلامه
****************************************
وأسئل الله العظيم ان يرد كيد الكائدين وأسئل الله العظيم رب العرش العظيم الا نكون (أتباع كل ناعق )كما اخبر بذاك الشيخ ابن القيم -رحمه الله-
«أتباع كل ناعق» أي: من صاح بهم ودعاهم تبعوه، سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال، فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه أحقٌّ هو أم باطل؟ فهم مستجيبون لدعوته، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان، فإنهم الأكثرون عدداً، الأقلون عند الله قدراً، وهم حطب كل فتنة، بهم توقد ويشب ضرامها فإنها يعتزلها ألو الدين، ويتولاها الهمج الرعاع.
وسمى داعيهم ناعقاً تشبيها لهم بالأنعام التي ينعق بها الراعي فتذهب معه أين ذهب!
وهذا الذي وصفهم به أمير المؤمنين هو من عدم علمهم وظلمة قلوبهم، فليس لهم نور ولا بصيره يفرقون بها بين الحق والباطل، بل الكل عندهم سواء.
الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم ، وهمج رعاع وقوله : الناس ثلاثة : فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع ، هذا تقسيم خاص بالناس ، وهو الواقع ، فإن العبد إما أن يكون قد حصل كماله من العلم والعمل ، أو لا ، فالأول : العالم الرباني ، والثاني : إما أن تكون نفسه متحركة في طلب ذلك الكمال ساعية في إدراكه ، أو لا ، والثاني : هو المتعلم على سبيل النجاة . الثالث : وهو الهمج الرعاع ، فالأول هو الواصل ، والثاني هو الطالب ، والثالث هو المحروم .
القسم الثالث : الهمج الرعاع وهم الجهلة والحمقى المحروم المعرض ، فلا عالم ، ولا متعلم ، بل همج رعاع ، والهمج من الناس حمقاؤهم وجهلتهم ، وأصله من الهمج ، جمع همجة ، وهو ذباب صغير كالبعوض ، يسقط على وجوه الغنم والدواب وأعينها ، فشبه همج الناس به . والهمج أيضا مصدر . قال الراجز :
قد هلكت جارتنا من الهمج وإن تجع تأكل عتودا أو ثلج
والهمج هنا مصدر ، ومعناه : سوء التدبير في أمر المعيشة . وقولهم : همج هامج ، مثل : ليل لايل . والرعاع من الناس : الحمقى الذين لا يعتد بهم . وقوله : أتباع كل ناعق ، أي من صاح بهم ودعاهم تبعوه ، سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال ، فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه ، أحق هو أم باطل ، فهم مستجيبون لدعوته ، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان ، فإنهم الأكثرون عدداً ، الأقلون عند الله قدراً ، وهم حطب كل فتنة ، بهم توقد ، ويشب ضرامها ، فإنها يهتز لها أولو الدين ، ويتولاها الهمج الرعاع ، وسمي داعيهم ناعقاً تشبيهاً لهم بالأنعام التي ينعق بها الراعي ، فتذهب معه أين ذهب . قال تعالى : ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون . وهذا الذي وصفهم به أمير المؤمنين ، هو من عدم علمهم وظلمة قلوبهم ، فليس لهم نور ولا بصيرة يفرقون بها بين الحق والباطل ، بل الكل عندهم سواء . وقوله رضي الله عنه : يميلون مع كل ريح ، وفي رواية : مع كل صائح ، شبه عقولهم الضعيفة بالغصن الضعيف ، وشبه الأهوية والآراء بالرياح ، والغصن يميل مع الريح حيث مالت ، وعقول هؤلاء تميل مع كل هوى وكل داع ، ولو كانت عقولاً كاملة ، كانت كالشجرة الكبيرة التي لا تتلاعب بها الرياح . وهذا بخلاف المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالخامة من الزرع ، تفيئه الريح مرة وتقيمه أخرى ، والمنافق كشجرة الأرز التي لا تقطع حتى تستحصد ، فإن هذا المثل ضرب للمؤمن ، وما يلقاه من عواصف البلاء والأوجاع والأوجال وغيرها ، فلا يزال بين عافية وبلاء ومحنة ومنحة وصحة وسقم وأمن وخوف وغير ذلك ، فيقع مرة ، ويقوم أخرى ، ويميل تارة ، ويعتدل أخرى ، فيكفر عنه بالبلاء ، ويمحص به ، ويخلص من كدره . والكافر كله خبث ، ولا يصلح إلا للوقود ، فليس في إصابته في الدنيا بأنواع البلاء من الحكمة والرحمة ما في إصابة المؤمن ، فهذه حال المؤمن في الابتلاء . وأما مع الأهواء ودعاة الفتن والضلال والبدع فكما قيل : تزول الجبال الراسيات وقلبه على العهد لا يلوي ولا يتغير وقوله رضي الله عنه : لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق بين السبب الذي جعلهم بتلك المثابة ، وهو أنه لم يحصل لهم من العلم نور يفرقون به بين الحق والباطل . كما قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به . وقال تعالى : أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها . وقال تعالى : يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور . وقوله : ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا . فإذا عدم القلب هذا النور ، صار بمنزلة الحيران الذي لا يدري أين يذهب ، فهو لحيرته وجهله بطريق مقصوده يؤم كل صوت يسمعه ، ولم يسكن قلوبهم من العلم ما تمتنع به من دعاة الباطل ، فإن الحق متى استقر في القلب قوي به ، وامتنع مما يضره ، ويهلكه . ولهذا سمي الله الحجة العلمية سلطاناً ، وقد تقدم ذلك ، فالعبد يؤتى من ظلمة بصيرته ، ومن ضعف قلبه ، فإذا استقر فيه العلم النافع ، استنارت بصيرته ، وقوي قلبه . وهذان الأصلان هما قطب السعادة ، أعني العلم والقوة ، وقد وصف بهما سبحانه المعلم الأول جبريل ، صلوات الله وسلامه عليه ، فقال : إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى . وقال تعالى في سورة التكوير : إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين فوصفه بالعلم والقوة ، وفيه معنى أحسن من هذا ، وهو الأشبه بمراد علي رضي الله عنه ، وهو أن هؤلاء ليسوا من أهل البصائر ، الذين استضاؤوا بنور العلم ، ولا لجؤوا إلى عالم مستبصر ، فقلدوه ، ولا متبعين لمستبصر ، فإن الرجل إما أن يكون بصيراً ، أو أعمى متمسكاً ببصير يقوده ، أو أعمى يسير بلا قائد . انتهى كلامه
****************************************
وأسئل الله العظيم ان يرد كيد الكائدين وأسئل الله العظيم رب العرش العظيم الا نكون (أتباع كل ناعق )كما اخبر بذاك الشيخ ابن القيم -رحمه الله-
«أتباع كل ناعق» أي: من صاح بهم ودعاهم تبعوه، سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال، فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه أحقٌّ هو أم باطل؟ فهم مستجيبون لدعوته، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان، فإنهم الأكثرون عدداً، الأقلون عند الله قدراً، وهم حطب كل فتنة، بهم توقد ويشب ضرامها فإنها يعتزلها ألو الدين، ويتولاها الهمج الرعاع.
وسمى داعيهم ناعقاً تشبيها لهم بالأنعام التي ينعق بها الراعي فتذهب معه أين ذهب!
وهذا الذي وصفهم به أمير المؤمنين هو من عدم علمهم وظلمة قلوبهم، فليس لهم نور ولا بصيره يفرقون بها بين الحق والباطل، بل الكل عندهم سواء.