الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، كالمبتدعة والمشركين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، إمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين، محمّد الأمين، وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعدُ :
قال الله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال الآية 25
فقد رأينا مؤخرا في بلدنا العزيز أمرًا لم نعهده منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن، بل لم نعهده منذ أن نصر الله المجاهدين من أهل التوحيد على الإستعمار الغاشم الظالم، ألا وهو الدفن في المساجد، وهذا الأمر وجد استنكارا كبيرا في المجتمع الجزائري المحافظ لمرجعيته الدينية والوطنية، وهو مخالف لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم القائل " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك "رواه مسلم 532 ومخالف أيضا لقانون المعتمد للدولة الجزائرية كما نص في قانون العقوبات الجزائري فقد جاء في نصوص الأمر رقم: 75/79 المؤرخ في 26/12/1975 أنه لا يجوز دفن الموتى في المساجد. ثم يخرج علينا من همه مخالفة السلفيين وخذلانهم ويقول بجواز الدفن في المساجد وينسب ذلك للأئمة الهدى وحاشاهم لكنه الهوى وحب مخالفة أهل الحق والتعصب الأعمى الذي يفضي بصاحبه إلى مالا يُحمد عقباه.
والخاملون إذا غدوت تلومهم /// حسبوك في أسماعهم تترنّم
وقد ذكر ابن عبد الباقي في شرح الموطأ قال: «روى أشهب عن مالك أنه كره لذلك أن يدفن في المسجد قال: «وإذا منع من ذلك فسائر آثاره أحرى بذلك وقد كره مالك طلب موضع شجرة بيعة الرضوان مخالفة لليهود والنصارى»أنظر شرح الزرقاني على الموطأ 351/1، وعلماء المالكية جلهم إن لم أقل كلهم بين التحريم والكراهة، وسواء كان الدفن في المسجد أو في ساحته لما جاء في الموسوعة الفقهية (5/225) ما نصّه :أَمَّا رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ , وَهِيَ سَاحَتُهُ الَّتِي زِيدَتْ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِتَوْسِعَتِهِ , وَكَانَتْ مُحَجَّرًا عَلَيْهَا , فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ , وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ , وَجَمَعَ أَبَا يَعْلَى بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الرَّحْبَةَ الْمَحُوطَةَ وَعَلَيْهَا بَابٌ هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ . وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ رَحْبَةَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ..."
وقد ذكر الشيخ تقي الدين الهلالي -رحمه الله-كما في سبيل الرشاد في خير العباد ج1 ص416 أنّ أصحاب مالك-رحمهم الله-رووا عنه أنه كره أن يقول قائل : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعلّل وجه الكراهة بقوله :"اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"رواه مالك في الموطأ برقم593، فكره إضافة هذا اللفظ إلى القبر، لئلا يقع التشبّه بفعل أولئك، سدّا للذريعة وحسما للباب.
فانظر يارعاك الله خوف أولئك الناصحين من الفتنة العظمى ألا وهي الشرك، فالله المستعان على غربة الإسلام وعلّها هي الفتنة التي قال فيها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- : كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، وينشأ فيها الصغير، تجري على الناس، يتخذونها سنة إذا غُيّرت قيل : غُيّرت السنة.أخرجه ابن وضاح في "البدع" رقم 80 وهو منقطع.
ثم لو قال لنا قائل أن الرجل-رحمه الله- دُفن عند باب المسجد ولم يُدفن فيه ولا في ساحته فنقول لهم أنّ العلماء قرّروا في مصنفاتهم أن حِمى البيت يلحقها ما كان خارج باب البيت محاذيا له وَفقًا لقاعدة "حريم الشيء له حكم ما هو حريم له" فنحن لم نعهد أن إنسانا مسلما عاقلا وقف عند عتبة باب جاره وقال أنّ هذا ليس داخلا في حِمى بيته، وأنّ له أن يجلس أمام عتبة بيته،فليت شعري!! حين يراه صاحب البيت فماذا يكون ردّه والأمر كذلك ؟! فالرجل -رحمه الله- دُفن عند باب المسجد، عند عتبته، وهي مضافة إلى المسجد.
فهذه صورة قريبة من تلك، ليُفهم أنّ بيوت الله أحق أن تصان وتُحمى، وأن حماية جناب التوحيد وسدّ كل ذريعة توصل إِلَى الشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعظم المقامات وأجلّ القربات، وهو ديدن أهل التوحيد وحماة العقيدة.
ويعجبني هنا أن أختم هذا النقل بقول الإمام الشافعي-رحمه الله-: "أكره أن يُعظّم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس" المجموع للنووي ( 5 / 269 ) ، وانظر : الأم ( 1 / 92ـ 93 ) .
هذا والله نسأل أن يلهم ولاة الأمر رشدهم، وأن يوفقهم لعمل الصالحات، وفعل الخيرات، وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم إتباعه، والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه.
والله أعلم وصلّ الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.
أخوكم : ستر الله عيوبه
محمّد عوّاد
الجزائر 11 شوال 1438
الموافق لـــــ06/07/2017