تنبيهات حول كتاب المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني:
--توطئة:
لا شك أن من منن الله علينا كثرة الحفاظ في وقتنا هذا لكتاب الله عز وجل، لكن مع كثرة الحفاظ يفشو الجهل بينهم فضلا عن غيرهم بمعاني ألفاظه فضلا عن تراكيبه وبلاغته، ومن التفاسير الموجزة التي حذر منها العلماء تفسير الجلالين لما فيه من مخالفة لعقيدة السلف أهل السنة والجماعة، ومع هذا تجد من يحسن الظن بكتاب الراغب الأصفهاني رحمه الله فنصح بالاستفادة منه بدون بيان لما فيه، مع أن كتاب المفردات في غريب القرآن استعمل التأويل بالمجاز في صفات الباري عز وجل وغيرها، قال في مقدمة المفردات:
فنقدم ما أوله الالف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم
معتبرا فيه أوائل حروفه الاصلية دون الزوائد، والاشارة فيه إلى المناسبات التى بين الالفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الالفاظ على الرسالة التى عملتها مختصة بهذا الباب. ا.ه رحمه الله
وكلامه مخالف لعقيدة أهل الحديث في صفات الباري عز وجل.
أما الذهبي رحمه الله في السير فقال في ترجمته (13/341):
"4151- الراغب:
العَلاَّمَةُ المَاهِرُ المُحَقِّقُ البَاهِرُ أَبُو القَاسِمِ؛ الحُسَيْنُ بن محمد بنِ المُفَضَّلِ الأَصْبَهَانِيُّ، المُلَقَّبُ بِالرَّاغِبِ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
كَانَ مِنْ أَذكيَاء المتكلِّمِين لَمْ أَظفر لَهُ بِوَفَاة وَلاَ بتَرْجَمَة.
وَكَانَ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي هَذَا الوَقْت حياً يُسْأَل عَنْهُ لَعَلَّهُ في الألقاب لابن الفوطي".
فهذا الذهبي رحمه الله على جلالته لم يذكر في ترجمته إلا أنه من أذكياء المتكلمين لما خفيت عليه كثير من أخباره، وأحال في ترجمته على كتاب ابن الفوطي.
وذكر بعض أهل العلم كلاما في عقيدته، قال الشيخ عبد الرحمن كوني حفظه الله في محاضرته مقدمة في علم اللغة العربية لما سؤل, السؤال الرابع :
أحسن الله إليكم , سائل يقول : ما هو أجود معجم أو قاموس في شرح غريب ألفاظ القرآن , وفي شرح غريب الحديث , وفي شرح الألفاظ العربية الغريبة عموماً ؟
فأجاب حفظه الله: : إذا خصه بألفاظ القرآن فهذا المعروف فيه [المفردات في غريب القرآن ] للأصفهاني , لكن بعض المفسرين الذين فسروا القرآن كله تجد بعضهم يجيدون تفسير مفردات القرآن إجادة جيدة تامة , تجد هذا مثلاً عند ]القرطبي [لكن ليس خاصا بتفسير الغريب فقط , أما الخاص بتفسير الغريب هو[ المفردات] للراغب الأصفهاني , هذا مشهور وإن كان هو أيضاً فيه شيء من الأشعرية في الحقيقة , لكن [المفردات] هذه هي جيدة ليست في بعض المفردات التي يحصل فيها شيء من التفسير إذا كانت هذه المفردة تتعلق بالله كالساق مثلاً كقوله تعالى : (يوم يكشف عن ساق ) , قد تجد عنده أحياناً تفسيرا له على ما عند الأشاعرة , ا.ه
فأنت ترى الشيخ حفظه الله نصح بكتابه مع قيامه بالواجب الشرعي ببيان أنه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الباري عز وجل،
ولكن سترى فيما يأتيك من نقول أن الراغب رحمه الله لا يكتفي بتأويل صفات الباري عز وجل فحسب، بل يقول بالحقيقة والمجاز على فرضية وجود وضع سابق للفظ وهذا دون إثباته خرط القتاد كما قال غير واحد من علماء السنة، ولا يقف في هذا عند صفات الباري عز وجل بل جاوزه إلى غيره, كتأويله للموت في آية من كتاب الله بالحزن، فكيف يمكن أن يستفيد من هذا الكتاب من لا علم له بالحقيقة والمجاز؟
فحيث وجد الذكاء في متكلم فإنه لا يؤمن الدس لا في الأسماء والصفات فحسب بل فيما يوصل إليها من علوم, كما سترى في تأويل صفة النظر، والدعاوى تظل دعاوى ما لم تقم عليها بينات.
--إثبات أنه من المتكلمين:
فأما إثبات أنه متكلم فيكفي فيه هذا النص من رسالته, الذريعة إلى مكارم الشريعة حيث يقول في الفصل الثاني في العقل والعلم والنطق وما يتعلق بها وما يضادها عند كلامه عن ثمرة العقل من معرفة اللَّه تعالى الضرورية والمكتسبةص154-155:
"وغاية معرفة الإنسان بربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها وأعراضها المحسوسة والمعقولة، ويعرف أثر الصنعة فيها، وأنها محدثة وأن محدثها ليس إيَّاها ولا مثلًا لها، بل هو الذي يصح ارتفاع كلها مع بقائه ولا يصح بقاؤها وارتفاعه، وبهذا النظر قال الصديق - رضي الله عنه -: " سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلًا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته "،
بل لهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذاته "".
فأنه استدلبحديث, {تفكروا في آلاء الله} على النظر الذي هو عنده معرفة مكتسبة يبحث فيها عن إثبات وجود الله من خلال آياته الكونية، أي قدرة الله على الاختراع كما يقول المتكلمون، ولما كان المعول عليه في ذلك العقل كانت النتيجة أن هذا النظر غاية ما يوصل إليه عنده العجز عن معرفة الله، فسبيل معرفة الله دلالة الآيات الكونية عليه، ومن تفسير التأله عندهم التحير، وغاية ما يوصل إليه هذا النظر معرفة الغرض وهو أن الله لم يخلق كل ذلك باطلا كما سيأتي كلامه في هذا. ، إضافة إلى المصطلحات الكلامية الواضحة في هذا النص.بينما سعد أهل الحديث والأثر بالاستدلال بهذا الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم بمجموع طرقه ومنهم الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 1788، وضعفه غيره، ولكن معناه تدل عليه نصوص صحيحة، فأثبتوا لله ذاتا على ما يليق بجلاله بلا كيف.
فلما كان تعظيم المتكلمين للعقول كان من نصيبهم العجز والتحير، ولما أخذ أهل الأثر بصحيح المنقول ، الذي يوافقه العقل الصحيح فغلبوا المنقول في الإخبار عن الغيبيات، سعدوا بزيادة الإيمان بالتفكر في آيات الله وأراح النقل عقولهم بإثبات ما أثبته الباري عز وجل لنفسه مع تنزيه، وبنفي مع إثبات كمال الضد، قال البربهاري في شرح السنة ص68:
"[44] والفكرة في الله تبارك وتعالى بدعة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله» . فإن الفكرة في الرب تقدح الشك في القلب".
وأما إثبات صفات الله عز وجل التي صح بها النص فقال عنها البربهاري رحمه الله قبل هذا النقل ص65--68:
"42 وكل ما سمعت من الآثار شيئا مما لم يبلغه عقلك نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل وقوله إن الله ينزل إلى السماء الدنيا وينزل يوم عرفة وينزل يوم القيامة وإن جهنم لا يزال يطرح فيها حتى يضع عليها قدمه جل ثناؤه وقول الله تعالى للعبد إن مشيت إلي هرولت إليك وقوله خلق الله آدم على صورته وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة وأشباه هذه الأحاديث فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضا ولا تفسر شيئا من هذه بهواك فإن الإيمان بهذا واجب فمن فسر شيئا من هذا بهواه ورده فهو جهمي ومن زعم أنه يرى ربه في دار الدنيا فهو كافر بالله عز وجل".
وكان من نتائج ذلك أن سعد أهل الأثر بأن وفقوا لمعرفة أول واجب من الواجبات وأوجبها وهو توحيد الله عز وجل بالعبادة وانشغل بهذه المعرفة المكتسبة أهل الكلام، ليثقلوا أذهانهم بالنظر للوصول إلى هذه المعرفة عندهم، فيعبد الأثري ربه على بصيرة، ويضيع المتكلم وقتا طويلا في الجدل والتحير.
ثم قال الراغب رحمه الله مثنيا على هذا النظر في المصدر السابق ص155:
"ولشرف متأملي ذلك قال تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)
وقال: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)فنبَّه بمدحهم حيث قالوا: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا) أنهم عرفوا الغرض المقصود بخلقه، وذلك هو آخر الأبحاث، لأن الأبحاث أربعة: بحث عن وجود الشيء بهل هو، وبحث عن جنسه بما هو، وبحث عما يباين به غيره بأي شيء هو، وبحث عن الغرض بلم هو؟.
وهذه الأبحاث ينبني بعضها على بعض، فلا تصح معرفة الثاني إلا بمعرفة الأول، ولا معرفة الثالث إلا بمعرفة الثانىِ، ولا معرفة الرابع إلا بمعرفة الثالث. وقوله: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا) يقتضي أنهم عرفوا الأبحاث الأربعة، وإلا شهدوا بما لم يتحققوا، ومن شهد بما لم يتحقق كذب وإن كان ما يشهد به على ما شهد به، ألا ترى أن اللَّه تعالى كذب المنافقين حين قالوا: (إِنَّكَ لَرَسُولُ اَللَّهِ)
وإن كان هو رسول اللَّهفدَّلت هذه الآية على أن البحث الذي يؤدي إلى معرفة حقائق الموجودات التي تتضمن معرفة اللٌه تعالى هو من العلوم الشريفة، بخلاف قول الصم البكم العمي الذين لم يجعل اللَّه لهم نورًا؛ حيث بدَّعوا من اشتغل بمعرفة ذلك".
فلكي تكون المعرفة بالله حقيقية وليست كاذبة لا بد من قطع المراحل الأربعة التي حدها، وهذا مسلك طويل اختصرته دلالة الفطرة عليه، والعقل الصحيح يسلك أقرب الطرق لمقصوده لا أبعدها، فضلا عن أن المخاطبين بالشرع أكثرهم لا يحسنون ما يحسنه المتكلمون، فكيف يكلفون بما لا يحسنون؟ ولماذا يتعبون أنفسهم فيما كفاهم الله مؤنته بأن جعله مركوزا في الفطرة الإنسانية السليمة؟ وأهل السنة كما يقول الشيخ رسلان حفظه الله في سلسلة الرد على الملاحدة في محاضرة دليل الفطرة يكتفون بدلالة الفطرة على وجود الله وقدرته وإن دل غير الفطرة على ذلك. فهذا منه على طريقة المتكلمين الذين يقولون أن أول الواجبات التفكر والنظر، وهي عنده غاية، وتأمل مصطلحاته فهي مصطلحات المتكلمين، وتأمل قوله: "فدَّلت هذه الآية على أن البحث الذي يؤدي إلى معرفة حقائق الموجودات التي تتضمن معرفة الله تعالى هو من العلوم الشريفة، بخلاف قول الصم البكم العمي الذين لم يجعل اللَّه لهم نورًا؛ حيث بدَّعوا من اشتغل بمعرفة ذلك" فإنه يعني بالصم البكم العمي الذين بدعوا القائلين بأن أول واجب النظر والتفكر وهم أهل الحديث والأثر، وها هو يعلن موقفه منهم، ومنهم أئمة أجلاء تقتدي بهم الأمة، كالشافعي وأحمد وغيرهم ممن ذم الكلام..
والراغب رحمه الله كبعض من صنف في المعاجم ليست له عناية بأسانيد ما يستدل به من أحاديث, وقد يرجح ما صح الدليل بخلافه، فمن ذلك ما ذكره في كتابه المفردات (1/790) مادة (نبو)، حيث قال ::
"فالنَّبِيُّ بغير الهمْز أبلغُ من النَّبِيء بالهمْز، لأنه ليس كلّ مُنَبَّإ رفيعَ القَدْر والمحلِّ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لمن قال: يا نَبِيءَ الله فقال: «لَسْتُ بِنَبِيءِ الله ولكنْ نَبِيُّ اللهِ»، لمّا رأى أنّ الرّجل خاطبه بالهمز ليَغُضَّ منه. ".
جاء في مختصر تلخيص الذهبي على المستدرك لابن الملقن (2/692) عن هذا الحديث الذي هو في كتاب التفسير برقم 255:
"حديث أبي ذر: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا نبيء الله [فقال]: "لست بنبيء الله، ولكني نبي الله". قال: صحيح. قلت: بل منكر لم يصح.
قال النسائي: حمران بن أعين ليس بثقة. وقال أبو داود: رافضي يعني المذكور في إسناده".
فبنى هذا الحكم على حديث لا يصح، وغلبه على ثبوت القراءة المتواترة بهما، وإذا كان هذا الشأن مع كلمة ثبتت بدليل صحيح متواتر، فكيف الشأن مع غيرها من الأحكام وبالذات مع صثات الله؟ كيف سيكون التأويل فيها باستخدام اللغة؟ وكيف يتعامل مع المجازات التي أثبتها في كتابه المفردات في صفات الله عز وجل فضلا عن غيرها من ألفاظ اللغة؟
--نماذج من تأويلاته لصفات الباري عز وجل:
وهذه نماذج لبيان عقيدته عفا الله عنه:
ا—تأويله للاستواء: قال الراغب في باب السين مادة (سوى):
واستوى يقال على وجهين، أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعدا نحو استوى زيد وعمرو في كذا أي تساويا، وقال: (لا يستوون عند الله) والثاني أن يقال لاعتدال الشئ في ذاته نحو (ذو مرة فاستوى) وقال: (فإذا استويت أنت - لتستووا على ظهوره - فاستوى على سوقه) واستوى فلان على عمالته واستوى أمر فلان، ومتى عدى بعلى اقتضى معنى الاستيلاء كقوله (الرحمن على العرش استوى) وقيل معناه استوى له ما في السماوات وما في الأرض أي استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه كقوله: (ثم استوى إلى السماء فسواهن) وقيل معناه استوى كل شئ في النسبة إليه فلا شئ أقرب إليه من شيء إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان. ا.ه
فلما تكلم عن بحث مسألة لغوية ذكر الاستواء المعلوم ولكن نفاه عن الله عز وجل ففسر الاستواء لله على العرش بثلاث تفسيرات ليس فيها الاستواء على الحقيقة كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة.
ب— تأويله لنظر العباد إلى الله يوم القيامة: قال في باب النون مادة (نظر):
النَّظَرُ: تَقْلِيبُ البَصَرِ والبصيرةِ لإدرَاكِ الشيءِ ورؤيَتِهِ، وقد يُرادُ به التَّأَمُّلُ والفَحْصُ، وقد يراد به المعرفةُ الحاصلةُ بعد الفَحْصِ، وهو الرَّوِيَّةُ.
يقال: نَظَرْتَ فلم تَنْظُرْ. أي: لم تَتَأَمَّلْ ولم تَتَرَوَّ، وقوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ
[يونس/ 101] أي: تَأَمَّلُوا. واستعمال النَّظَرِ في البَصَرِ أكثرُ عند العامَّةِ، وفي البصيرةِ أكثرُ عند الخاصَّةِ، قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ
[القيامة/ 22- 23] ويقال:
نَظَرْتُ إلى كذا: إذا مَدَدْتَ طَرْفَكَ إليه رَأَيْتَهُ أو لم تَرَهُ، ونَظَرْتُ فِيهِ: إذا رَأَيْتَهُ وتَدَبَّرْتَهُ، قال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
[الغاشية/17] نَظَرْتَ في كذا: تَأَمَّلْتَهُ. قال تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ
[الصافات/ 88- 89] ، وقوله: تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[الأعراف/ 185] فذلك حَثٌّ على تَأَمُّلِ حِكْمَتِهِ في خَلْقِهَا. ونَظَرَ اللَّهُ تعالى إلى عِبَادِهِ: هو إحسانُهُ إليهم وإفاضَةُ نِعَمِهِ عليهم. قال تعالى: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
[آل عمران/ 77] ، وعلى ذلك قوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين/ 15] ، . ا.ه
وقال بعد ذلك بأسطر:
وأما قوله: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف/ 143] ، فَشَرْحُهُ وبَحْثُ حَقَائِقِهِ يَخْتَصُّ بغير هذا الكتابِ. ا.ه
وعقب هذه العبارة بقوله:
ويُستعمَل النَّظَرُ في التَّحَيُّرِ في الأمور. نحو قوله: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [البقرة/ 55] ، وقال: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [الأعراف/ 198] ، وقال: وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى/ 45] ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ [يونس/ 43] ، فكلّ ذلك نظر عن تحيُّر دالٍّ على قِلَّة الغِنَاءِ. ا.ه
فانظر إليه رحمه الله يذكر أن استعمال النظر عند العامة في البصر الحسي وأن معنى النظر عند الخاصة نظر بصيرة، واستدلاله بعد ذكر النظر عند الخاصة بآية القيامة: {إلى ربها ناظرة] فأول نظر العبد إلى الله عز وجل بأنه نظر البصيرة وأن هذا المعنى عند الخاصة، وعقبه بأن النظر مد الطرف سوائ أرؤي الممدود إليه الطرف أو لم يرَ، فتأمل هذا التقسيم إلى خواص وعوام، وتأمل إلى دقة عبارته عن نفي الرؤية للباري أنه عد النظر مجرد مد الطرف سواء أشوهد المنظور إليه أو لم يشاهد، ولو كان هذا التفسير حقا لما حاجّ الله عز وجل المعاندين بالنظر إلى المخلوقات الحسية، وكان هذا الاحتجاج وسيلة دلهم عليها الباري عز وجل يستدلون بها على ربوبيته التي هي دليل على أنه المستحق للعبادة وحده، قال الله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت}، فهذا حث إلى نظر حسي مشاهد هو وسيلة للتفكر والاستدلال على ربوبية الله عز وجل وهو بهذا المستحق للعبادة وحده.
والنظر المتعدي بحرف الجر (إلى) في اللغة العربية يأتي لمعنٍ أربعة, حس البصر، المقابلة، نظر القلب وذلك للمعاني، الرجاء، الرحمة والعطف. وليست العرب تعبر بالنظر المتعدي ب(إلى) للانتظار، ولا تعبر به وتقصد مجرد مد الطرف، قال ابن منظور في اللسان:
نظر : النظر : حس العين نظره ينظره نظرا ومنظرا ومنظرة ونظر إليه . والمنظر : مصدر نظر . الليث : العرب تقول نظر ينظر نظرا ، قال : ويجوز تخفيف المصدر تحمله على لفظ العامة من المصادر ، وتقول نظرت إلى كذا وكذا من نظر العين ونظر القلب ، ويقول القائل للمؤمل يرجوه : إنما ننظر إلى الله ثم إليك أي إنما أتوقع فضل الله ثم فضلك الجوهري : النظر تأمل الشيء بالعين ، وكذلك النظران بالتحريك ، وقد نظرت إلى الشيء ....... والنظارة : القوم ينظرون إلى الشيء ..... تقول العرب : دور آل فلان تنظر إلى دور آل فلان أي هي بإزائها ومقابلة لها . وتنظر : كنظر. والعرب تقول : داري تنظر إلى دار فلان ، ودورنا تناظر أي تقابل ، وقيل : إذا كانت محاذية . ويقال : حي حلال ونظر أي متجاورون ينظر بعضهم بعضا. ا.ه رحمه الله
ف(نظرت إلى) الغالب فيها حس العين والمقابلة ، وللمعاني، قل فيها أن تأتي للرجاء وذلك في تعبيرات مسموعة تمنع اللغة ذاتها من إرادة النظر الحسي فيها بما لا وهم فيه ولا احتمال، وقياس آية القيامة على هذه التعبيرات يمنع منه ذكر الوجوه في الآية، والرجاء عمل قلبي، فسبحان من قوله فصل ليس بالهزل، وذكر الوجه في الآية مما قوى به ابن القيم في حادي الأرواح أن معنى الآية النظر على الحقيقة كما يليق بالله عز وجل.
وأما النظر بمعنى الانتظار فلا يحتمله النظر المتعدي بحرف الجر إلى, قال ابن منظور بعد ذلك:
والنظر : الانتظار . يقال : نظرت فلانا وانتظرته بمعنى واحد ، فإذا قلت انتظرت فلم يجاوزك فعلك فمعناه وقفت وتمهلت. ومنه قوله تعالى : انظرونا نقتبس من نوركم قرئ : انظرونا وأنظرونا بقطع الألف فمن قرأ انظرونا بضم الألف فمعناه انتظرونا ومن قرأ أنظرونا فمعناه أخرونا ، وقال الزجاج : قيل معنى أنظرونا انتظرونا أيضا ، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا
وقال الفراء : تقول العرب : أنظرني أي انتظرني قليلا ، ويقول المتكلم لمن يعجله : أنظرني أبتلع ريقي أي أمهلني . وقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة الأولى بالضاد والأخرى بالظاء ، قال أبو إسحاق : يقول نضرت بنعيم الجنة والنظر إلى ربها . وقال الله تعالى : تعرف في وجوههم نضرة النعيم قال أبو منصور : ومن قال إن معنى قوله إلى ربها ناظرة يعني منتظرة فقد أخطأ ، لأن العرب لا تقول نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته ، إنما تقول نظرت فلانا أي انتظرته ، ومنه قول الحطيئة :
وقد نظرتكم أبناء صادرة للورد طال بها حوزي وتنساسي
وإذا قلت نظرت إليه لم يكن إلا بالعين ، وإذا قلت نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكرا فيه وتدبرا بالقلب . ا.ه رحمه الله.
وهكذا جاء في كتاب الله عز وجل، فلم يأت النظر المتعدي بحرف الجر إلى إلا في حس العين، قال ابن كثير في تفسير سورة الغاشية:
فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه ، والسماء التي فوق رأسه ، والجبل الذي تجاهه ، والأرض التي تحته - على قدرة خالق ذلك وصانعه ، وأنه الرب العظيم الخالق المتصرف المالك ، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه . ا.ه رحمه الله.
ومع كل هذا فليس في النظر المتعدي ب(إلى) في كلام العرب ولا في التفاسير المعتبرة أن النظر هو مجرد مد الطرف، وإنما قيل هذا لتأويل نصوص التصريح بالنظر إلى الله عز وجل.
وترك الراغب عفا الله عنه الكلام عن قول الله تعالى: {رب أرني أنظر إليك}، لأنه ليس موضع بسطه في كتابه هذا كما قال، ولا يخفى أنها لفظة من الألفاظ التي يحتاج إلى تعلمها كما قال هو نفسه عفا الله عنه في أول كتابه هذا ج1، ص6:
"وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية. ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبني"ه.
وأتبع ترك بيانه للنظر المتعدي ب(إلى) في هذه الآية ذكره للنظر بمعنى التحير، فهل يا ترى كان ذلك من قبيل المصادفة؟، لا سيما إذا ما كان معلوما أن من أوجب الواجبات عند من خاض مثل هذا الخوض النظر والتفكر، ومن معاني التأله التي يركزون عليها التحير، ولو ثبت ما ذهب إليه من أن النظر يأتي بمعنى التحير فلا يسلم له المفسرون من أهل الأثر تفسيره في مثل هذه الآيات ، كقول الله تعالى: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} فسواء أكان المقصود بها المشركو أم معبوداتهم لا يصرف النظر عن ظاهره، وذلك إذا ما أخذ بعين الاعتبار ما صدرت به الآية وهو قول الله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا}، قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية:
"﴾قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد ﷺ: قل للمشركين: وإن تدعوا، أيها المشركون، آلهتكم إلى الهدى =وهو الاستقامة إلى السداد= ﴿لا يسمعوا﴾ ، يقول: لا يسمعوا دعاءكم = ﴿وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون﴾ .
* * *وهذا خطاب من الله نبيَّه ﷺ. يقول: وترى، يا محمد، آلهتهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون = ولذلك وحَّد. ولو كان أمر النبي ﷺ بخطاب المشركين، لقال: "وترونهم ينظرون إليكم"".
فالآية إخبار عن جمادات وليس للجمادات تحير، ويكون معنى النظر في الآية المقابلة كما نقل آنفا من لسان العرب، قال ابن جرير بعد ذلك بسطور معقبا:
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما معنى قوله : ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) ؟ وهل يجوز أن يكون شيء ينظر إلى شيء ولا يراه ؟
قيل : إن العرب تقول للشيء إذا قابل شيئا أو حاذاه : " هو ينظر إلى كذا " ، ويقال : " منزل فلان ينظر إلى منزلي " إذا قابله . وحكي عنها : " إذا أتيت موضع كذا وكذا ، فنظر إليك الجبل ، فخذ يمينا أو شمالا " . وحدثت عن أبي عبيد قال : قال الكسائي : " الحائط ينظر إليك " إذا كان قريبا منك حيث تراه ، ومنه قول الشاعر :
إذا نظرت بلاد بني تميم بعين أو بلاد بني صباح، يريد : تقابل نبتها وعشبها وتحاذى .إِذَا نَظَرْتَ بِلادَ بَنِي تَمِيمٍ بِعَيْنٍ أَوْ بِلادَ بَنِي صُبَاحِ
يريد: تقابل نبتُها وعُشْبها وتحاذَى.
* * *قال أبو جعفر: فمعنى الكلام: وترى، يا محمد، آلهة هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، يقابلونك ويحاذونك، وهم لا يبصرونك، لأنه لا أبصار لهم. وقيل: "وتراهم".
ولم يقل: "وتراها"، لأنها صور مصوَّرة على صور بني آدم عليه السلام.
وأما على أن الآية قصد بها المشركون أنفسهم فقال الطبري في تفسيرها:
"وقد روي عن السدي في ذلك ما: -١٥٥٣٣ - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك هم لا يبصرون﴾ قال: هؤلاء المشركين.
* * *وقد يحتمل قول السدي هذا أن يكون أراد بقوله: "هؤلاء المشركون"، قول الله: ﴿وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا﴾ . وقد كان مجاهد يقول في ذلك، ما: -١٥٥٣٤ - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ﴿وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون﴾ ، ما تدعوهم إلى الهدى. وكأنّ مجاهدًا وجّه معنى الكلام إلى أن معناه: وترى المشركين ينظرون إليك وهم لا يبصرون = فهو وجهٌ، ولكن الكلام في سياق الخبر عن الآلهة، فهو بوصفها أشبه".
يعني الطبري رحمه الله ما عبر الله عز وجل عنه صراحة في قوله: {ولهم أعين لا يبصرون بها}، أي بصر انتفاع، فلا حاجة لتأويله على التحير إذن، ويبقى النظر في قرنه بين معنى التحير في النظر بعد قول الله عز وجل: {قال رب أرني أنظر إليك}.
ج—وأول الراغب نظر الله إلى العباد بالإحسان ورحمة على سبيل المجاز كما مر في النقل عنه، وذلك بدافع وهم التشبيه، ومع ورود ما يشبه هذا الكلام في تفسيري الطبري وابن كثير وجب الوقوف عنده وبيان علة التثريب على المؤول.
ذكر الطبري وابن كثير ذلك في تفسير آية آل عمران، قال الله تعالى: {لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم}.
قال الطبري في تفسير الآية:
وأما قوله : " ولا يكلمهم الله " فإنه يعني : ولا يكلمهم الله بما يسرهم " ولا ينظر إليهم " يقول : ولا يعطف عليهم بخير ، مقتا من الله لهم ، كقول القائل لآخر : " انظر إلي نظر الله إليك " بمعنى : تعطف علي تعطف الله عليك بخير ورحمة وكما يقال للرجل : " لا سمع الله لك دعاءك " يراد : لا استجاب الله لك ، والله لا يخفى عليه خافية ، وكما قال الشاعر :
دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول. ا.ه رحمه الله
وبنحو هذا كلام ابن كثير رحمه الله.
فالطبري وابن كثير رحمهما الله ومن وافقهما على هذا التفسير من السلف لم يكن قصدهما نفي نظر الله على الحقيقة كما يليق بجلاله سبحانه، بل فسرا الآية على ما جرى من كلام العرب في إطلاق النظر بالرحمة والتعطف، والفارق بين الطبري وابن كثير وبين المؤولة أن المؤولة يذكرون هذا التفسير نافين صفة النظر على الحقيقة وأما الطبري وابن كثير رحمهما الله فهما على عقيدة السلف في إثبات صفة النظر لله عز وجل.
ومع هذا لا يصح للمؤول الاستدلال بهذه الآية على أن النظر المتعدي ب(إلى) ليس نظرا على الحقيقة، وبيان ذلك فيما جاء في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى للشيخ محمد بن علي الإثيوبي , فتحت حديث 5329 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ" أَوْ قَالَ: "إِنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
علق الشيخ الإثيوبي (39/95-96)قائلا:
وَقَالَ فِي "الفتح": قوله: "لا ينظر الله": أي لا يرحمه، فالنظر إذا أضيف إلى الله كَانَ مجازًا، وإذا اضيف إلى المخلوق، كَانَ كناية، ويحتمل أن يكون المراد: لا ينظر الله إليه نظر رحمة، وَقَالَ شيخنا -يعني الحافظ العراقيّ- فِي "شرح الترمذيّ": عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر؛ لأن منْ نظر إلى متواضع رحمه، ومن نظر إلى متكبر مقته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر، وَقَالَ الكرماني: نسبة النظر لمن يجوز عليه النظر كناية؛ لأن منْ اعتدّ بالشخص التفت إليه، ثم كثُر حَتَّى صار عبارة عن الإحسان، وإن لم يكن هناك نظر، ولمن لا يجوز عليه حقيقة النظر، وهو تقليب الحدقة، والله منزه عن ذلك، فهو بمعنى الإحسان، مجاز عما وقع فِي حق غيره كناية. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ذكره الكرمانيّ، والعراقيّ والحافظ منْ تفسير النظر بالرحمة تفسير باللازم، وهو مخالف لما أطبق عليه المحدثون منْ السلف الصالحين، منْ إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى عَلَى ظواهرها، منْ غير تشبيه، ولا تمثيل، ومن غير تأويل، ولا تعطيل، لكن هؤلاء هكذا عادتهم فِي أحاديث الصفات، مع أنهم منْ أكابر المحدّثين، يرغبون عن مذهب المحدّثين، ويسلكون فيها مسلك المتكلّمين، وما أدّاهم إلى هَذَا التأويل المتكلّف به إلا تشبيه الغائب بالشاهد، فإنهم لما اعتقدوا أن النظر فِي المخلوق لا يحصل إلا بتقليب الحدقة، قالوا: هَذَا محال عَلَى الله تعالى، نعم هو محالٌ، ولكن منْ الذي قَالَ لكم: إنه لا يحصل النظر إلا بهذا؟ أليس الله تعالى مباينا لخلقه فِي ذاته وصفاته؟، فهو سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العُلَى، فالواجب علينا أن نعتقد أنه سبحانه وتعالى ينظر إلى عباده نظرًا حقيقيًا كما يليق بجلاله، ولا يلزمنا أن نعرف حقيقة نظره، إذ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فكما أننا نثبت له ذاتاً، لا تشبه ذوات مخلوقه، كذلك نثبت له ما أثبت لنفسه منْ الصفات حقيقةً، لا مجازًا؛ لأن المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذّر الحقيقة، ولم تتعذّر هنا، وأيضًا المعنى المجازيّ الذي أولوا به يلزم منه التشبيه، فإن الرحمة هي رقة القلب، التي تقتضي العطف عَلَى المرحوم، وهذا فيه منْ التشبيه نظير ما وقع فِي معنى النظر بلا فرق، فتأمّل بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، فإنه حجة البليد، وملجأ العنيد".
وإذا سأل سائل كيف ينسجم تفسير النظر على الحقيقة مع الآية فالجواب في النص الآتي في المصدر نفسه:
"وَقَالَ فِي "الفتح" أيضاً: ويؤيد ما ذُكر منْ حمل النظر عَلَى الرحمة، أو المقت ما أخرجه الطبراني، وأصله فِي أبي داود، منْ حديث أبي جُرَيّ: "أن رجلا ممن كَانَ قبلكم، لبس بردة، فتبختر فيها، فنظر الله إليه، فمقته، فأمر الأرض فأخذته ... " الْحَدِيث. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ادّعاه منْ تأييد الحمل المذكور فيه نظرٌ لا يخفى، فإنه أثبت لله سبحانه وتعالى النظر، ثم بيّن ما ترتّب عَلَى ذلك، وهو المقت، وما بعده، ولا تعرّض فيه للحمل المذكور، فتأمل بإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف، والله سبحانه وتعالى الهادي إلى سواء السبيل. ا.ه حفظه الله
فنبه الشيخ إلى أن النظر في الحديث على الحقيقة كما يليق بجلال الله سبحانه، بدليل ترتب المقت بعده بربط المقت بالنظر بالفاء، وهو نظير حديث عياض بن حمار المجاشعي في مسلم وغيره، وفيه, {وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم} الحديث".
د—تأويله لسمع الله عز وجل:
قال الراغب في مادة سمع:
وإذا وصفت الله تعالى بالسمع فالمراد به علمه بالمسموعات وتحريه بالمجازاة بها نحو: (قد سمع الله قول التيتجادلك في زوجها - لقد سمع الله قول الذين قالوا)
فهذا على مذهب الاعتزال.
--استعماله المجاز في غير صفات الباري:
استعمل الراغب رحمه الله المجاز في الصفات الإلهية وغيرها، وقد نص في أول كتابه على هذا كما مر معك في توطئة هذه السطور، وقد أكثر الراغب رحمه الله النقل من كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى وهو الكتاب الموسوم ب(مجاز القرآن) قال الراغب في مادة صبر:
وقوله (فما أصبرهم على النار)
قال أبو عبيدة: إن ذلك لغة بمعنى الجرأة واحتج بقول أعرابي قال لخصمه ما أصبرك على الله، وهذا تصور مجاز بصورة حقيقة لان ذلك معناه ما أصبرك على عذاب الله في تقديرك إذا اجترأت على ارتكاب ذلك، وإلى هذا يعود قول من قال: ما أبقاهم على النار، وقول من قال ما أعملهم بعمل أهل النار، وذلك أنه قد يوصف بالصبر من لا صبر له في الحقيقة اعتبارا بحال الناظر إليه، واستعمال التعجب في مثله اعتبار بالخلق لا بالخالق. ا.ه رحمه الله.
ومن أمثلته أيضا:
ومن ذلك:
ا—الموت بمعنى الحزن:
قال الراغب في معاني الموت:
الرابع الحزن المكدر للحياة وإياه قصد بقوله (ويأتيه الموت من كل
مكان وما هو بميت)
وكرر ذلك فقال:
وقوله (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء) فقد قيل نفى الموت هو عن أرواحهم فإنه نبه على تنعمهم، وقيل نفى عنهم الحزن المذكور في قوله (ويأتيه الموت من كل مكان)
فعده قولا معتبرا
وقد ذكر هذا المعنى للموت صاحب لسان العرب مصدرا بلفظة (قيل) غير معزو لقائل، ولكنه قدم تفسير الآية بأن إتيان الموت هو إتيان أسبابه إذ لو جاءهم الموت لماتوا حقا، وكلام ابن عباس الآتي عند ابن كثير في تفسير الآية مقارب لما ارتضاه صاحب اللسان من أن المقصودإتيان أسباب الموت، وإن كان جاء في تفاسير السلف أنه إتيان الموت حقيقة لكن الله قدر أنه لا يموت.
قال ابن كثير:
"ومعنى كلام ابن عباس ، رضي الله عنه : أنه ما من نوع من هذه الأنواع من [ هذا ] العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت ، ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال; ولهذا قال : ( ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت )"
وقال البغوي رحمه الله:
"وقوله عز وجل : ( ويأتيه الموت من كل مكان ) يعني : يجد هم الموت وألمه من كل مكان من أعضائه .
قال إبراهيم التيمي : حتى من تحت كل شعرة من جسده .
وقيل : يأتيه الموت من قدامه ومن خلفه ، ومن فوقه ومن تحته ، وعن يمينه وعن شماله .
( وما هو بميت ) فيستريح ، قال ابن جريج : تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة . نظيرها (ثم لا يموت فيها ولا يحيا ) ( الأعلى - 13 )".
وكذلك نقل القرطبي رحمه الله، وهؤلاء المفسرون لم ينقلوا أن الموت يأتي بمعنى الحزن، ولا رجح ذلك صاحب اللسان، فلا يتأتى هذا إلا على سبيل من يذهب إلى المجاز في القرآن، كيف لا، وتأويل الصفات لا يستقيم إلا على القول بالمجاز في القرآن.
ب-- تأويل عمى القلوب التي في الصدور:
وقال الراغب:
وقوله: (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) قيل العقل وقيل الروح.
فأما العقل فلا يصح عليه ذلك، قال ومجازه مجاز قوله (تجري من تحتها الأنهار) والأنهار لا تجري وإنما تجري المياه التي فيها. ا.ه
وقد ثبت أن أنهار الجنة تجري في غير أخدود, ففي صحيح الترغيب والترهيب, (3/506)، برقم, 3723 عن أنس رضي الله عنه أنه قال: لَعلكم تَظُنُّونَ أنَّ أنْهارَ الجنَّةِ أخدودٌ في الأرْضٍ؟ لا والله، إنَّها لسائِحَةٌ على وجْهِ الأرْضِ، إحدى حافَّتيْها اللَّؤْلُؤ، والأُخْرى الياقوتُ، وطينُه المِسْكُ الأُذْفرُ.
قال: قلت: ما الأُذْفُرُ؟
قال: الَّذي لا خِلْطَ له.علق عليه الشيخ الألباني فقال:
"[صحيح]"
ونقل عن المنذري قوله
"رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً.
ورواه غيره مرفوعاً، والموقوف أشبه بالصواب".
علق الشيخ الألباني رحمه الله على قول المنذري في الحاشية بقوله:
"قلت: إسناد المرفوع غير إسناد الموقوف، وكل منهما صحيح، فلا يعلّ بالموقوف، لا سيّما وهو في حكم المرفوع، فانظر "الصحيحة" (2513)".
وما في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، وعليه فلا حاجة لحمل المعنى على المجاز، وإلا، فالعقل لا يتصور جريان نهر من غير أخدود، والمخبر عن هذا وهذا واحد، فالمخبر عن عمى القلوب التي في الصدور هو المخبر عن جريان أنهار الجنة في غير أخدود، وهو المخبر في آية الحج أن القلوب يعقل بها، وأخبر عن مراده بالقلوب بأنها التي في الصدور فقال: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
والخلاصة, أن كتاب المفردات يقرأ بحذر، لما فيه من التوسع في المجاز، وتأويل الصفات، وبناء الأحكام على نصوص لا تثبت.
والله تعالى أعلم.
--توطئة:
لا شك أن من منن الله علينا كثرة الحفاظ في وقتنا هذا لكتاب الله عز وجل، لكن مع كثرة الحفاظ يفشو الجهل بينهم فضلا عن غيرهم بمعاني ألفاظه فضلا عن تراكيبه وبلاغته، ومن التفاسير الموجزة التي حذر منها العلماء تفسير الجلالين لما فيه من مخالفة لعقيدة السلف أهل السنة والجماعة، ومع هذا تجد من يحسن الظن بكتاب الراغب الأصفهاني رحمه الله فنصح بالاستفادة منه بدون بيان لما فيه، مع أن كتاب المفردات في غريب القرآن استعمل التأويل بالمجاز في صفات الباري عز وجل وغيرها، قال في مقدمة المفردات:
فنقدم ما أوله الالف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم
معتبرا فيه أوائل حروفه الاصلية دون الزوائد، والاشارة فيه إلى المناسبات التى بين الالفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الالفاظ على الرسالة التى عملتها مختصة بهذا الباب. ا.ه رحمه الله
وكلامه مخالف لعقيدة أهل الحديث في صفات الباري عز وجل.
أما الذهبي رحمه الله في السير فقال في ترجمته (13/341):
"4151- الراغب:
العَلاَّمَةُ المَاهِرُ المُحَقِّقُ البَاهِرُ أَبُو القَاسِمِ؛ الحُسَيْنُ بن محمد بنِ المُفَضَّلِ الأَصْبَهَانِيُّ، المُلَقَّبُ بِالرَّاغِبِ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
كَانَ مِنْ أَذكيَاء المتكلِّمِين لَمْ أَظفر لَهُ بِوَفَاة وَلاَ بتَرْجَمَة.
وَكَانَ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي هَذَا الوَقْت حياً يُسْأَل عَنْهُ لَعَلَّهُ في الألقاب لابن الفوطي".
فهذا الذهبي رحمه الله على جلالته لم يذكر في ترجمته إلا أنه من أذكياء المتكلمين لما خفيت عليه كثير من أخباره، وأحال في ترجمته على كتاب ابن الفوطي.
وذكر بعض أهل العلم كلاما في عقيدته، قال الشيخ عبد الرحمن كوني حفظه الله في محاضرته مقدمة في علم اللغة العربية لما سؤل, السؤال الرابع :
أحسن الله إليكم , سائل يقول : ما هو أجود معجم أو قاموس في شرح غريب ألفاظ القرآن , وفي شرح غريب الحديث , وفي شرح الألفاظ العربية الغريبة عموماً ؟
فأجاب حفظه الله: : إذا خصه بألفاظ القرآن فهذا المعروف فيه [المفردات في غريب القرآن ] للأصفهاني , لكن بعض المفسرين الذين فسروا القرآن كله تجد بعضهم يجيدون تفسير مفردات القرآن إجادة جيدة تامة , تجد هذا مثلاً عند ]القرطبي [لكن ليس خاصا بتفسير الغريب فقط , أما الخاص بتفسير الغريب هو[ المفردات] للراغب الأصفهاني , هذا مشهور وإن كان هو أيضاً فيه شيء من الأشعرية في الحقيقة , لكن [المفردات] هذه هي جيدة ليست في بعض المفردات التي يحصل فيها شيء من التفسير إذا كانت هذه المفردة تتعلق بالله كالساق مثلاً كقوله تعالى : (يوم يكشف عن ساق ) , قد تجد عنده أحياناً تفسيرا له على ما عند الأشاعرة , ا.ه
فأنت ترى الشيخ حفظه الله نصح بكتابه مع قيامه بالواجب الشرعي ببيان أنه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الباري عز وجل،
ولكن سترى فيما يأتيك من نقول أن الراغب رحمه الله لا يكتفي بتأويل صفات الباري عز وجل فحسب، بل يقول بالحقيقة والمجاز على فرضية وجود وضع سابق للفظ وهذا دون إثباته خرط القتاد كما قال غير واحد من علماء السنة، ولا يقف في هذا عند صفات الباري عز وجل بل جاوزه إلى غيره, كتأويله للموت في آية من كتاب الله بالحزن، فكيف يمكن أن يستفيد من هذا الكتاب من لا علم له بالحقيقة والمجاز؟
فحيث وجد الذكاء في متكلم فإنه لا يؤمن الدس لا في الأسماء والصفات فحسب بل فيما يوصل إليها من علوم, كما سترى في تأويل صفة النظر، والدعاوى تظل دعاوى ما لم تقم عليها بينات.
--إثبات أنه من المتكلمين:
فأما إثبات أنه متكلم فيكفي فيه هذا النص من رسالته, الذريعة إلى مكارم الشريعة حيث يقول في الفصل الثاني في العقل والعلم والنطق وما يتعلق بها وما يضادها عند كلامه عن ثمرة العقل من معرفة اللَّه تعالى الضرورية والمكتسبةص154-155:
"وغاية معرفة الإنسان بربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها وأعراضها المحسوسة والمعقولة، ويعرف أثر الصنعة فيها، وأنها محدثة وأن محدثها ليس إيَّاها ولا مثلًا لها، بل هو الذي يصح ارتفاع كلها مع بقائه ولا يصح بقاؤها وارتفاعه، وبهذا النظر قال الصديق - رضي الله عنه -: " سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلًا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته "،
بل لهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذاته "".
فأنه استدلبحديث, {تفكروا في آلاء الله} على النظر الذي هو عنده معرفة مكتسبة يبحث فيها عن إثبات وجود الله من خلال آياته الكونية، أي قدرة الله على الاختراع كما يقول المتكلمون، ولما كان المعول عليه في ذلك العقل كانت النتيجة أن هذا النظر غاية ما يوصل إليه عنده العجز عن معرفة الله، فسبيل معرفة الله دلالة الآيات الكونية عليه، ومن تفسير التأله عندهم التحير، وغاية ما يوصل إليه هذا النظر معرفة الغرض وهو أن الله لم يخلق كل ذلك باطلا كما سيأتي كلامه في هذا. ، إضافة إلى المصطلحات الكلامية الواضحة في هذا النص.بينما سعد أهل الحديث والأثر بالاستدلال بهذا الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم بمجموع طرقه ومنهم الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 1788، وضعفه غيره، ولكن معناه تدل عليه نصوص صحيحة، فأثبتوا لله ذاتا على ما يليق بجلاله بلا كيف.
فلما كان تعظيم المتكلمين للعقول كان من نصيبهم العجز والتحير، ولما أخذ أهل الأثر بصحيح المنقول ، الذي يوافقه العقل الصحيح فغلبوا المنقول في الإخبار عن الغيبيات، سعدوا بزيادة الإيمان بالتفكر في آيات الله وأراح النقل عقولهم بإثبات ما أثبته الباري عز وجل لنفسه مع تنزيه، وبنفي مع إثبات كمال الضد، قال البربهاري في شرح السنة ص68:
"[44] والفكرة في الله تبارك وتعالى بدعة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله» . فإن الفكرة في الرب تقدح الشك في القلب".
وأما إثبات صفات الله عز وجل التي صح بها النص فقال عنها البربهاري رحمه الله قبل هذا النقل ص65--68:
"42 وكل ما سمعت من الآثار شيئا مما لم يبلغه عقلك نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل وقوله إن الله ينزل إلى السماء الدنيا وينزل يوم عرفة وينزل يوم القيامة وإن جهنم لا يزال يطرح فيها حتى يضع عليها قدمه جل ثناؤه وقول الله تعالى للعبد إن مشيت إلي هرولت إليك وقوله خلق الله آدم على صورته وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة وأشباه هذه الأحاديث فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضا ولا تفسر شيئا من هذه بهواك فإن الإيمان بهذا واجب فمن فسر شيئا من هذا بهواه ورده فهو جهمي ومن زعم أنه يرى ربه في دار الدنيا فهو كافر بالله عز وجل".
وكان من نتائج ذلك أن سعد أهل الأثر بأن وفقوا لمعرفة أول واجب من الواجبات وأوجبها وهو توحيد الله عز وجل بالعبادة وانشغل بهذه المعرفة المكتسبة أهل الكلام، ليثقلوا أذهانهم بالنظر للوصول إلى هذه المعرفة عندهم، فيعبد الأثري ربه على بصيرة، ويضيع المتكلم وقتا طويلا في الجدل والتحير.
ثم قال الراغب رحمه الله مثنيا على هذا النظر في المصدر السابق ص155:
"ولشرف متأملي ذلك قال تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)
وقال: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)فنبَّه بمدحهم حيث قالوا: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا) أنهم عرفوا الغرض المقصود بخلقه، وذلك هو آخر الأبحاث، لأن الأبحاث أربعة: بحث عن وجود الشيء بهل هو، وبحث عن جنسه بما هو، وبحث عما يباين به غيره بأي شيء هو، وبحث عن الغرض بلم هو؟.
وهذه الأبحاث ينبني بعضها على بعض، فلا تصح معرفة الثاني إلا بمعرفة الأول، ولا معرفة الثالث إلا بمعرفة الثانىِ، ولا معرفة الرابع إلا بمعرفة الثالث. وقوله: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا) يقتضي أنهم عرفوا الأبحاث الأربعة، وإلا شهدوا بما لم يتحققوا، ومن شهد بما لم يتحقق كذب وإن كان ما يشهد به على ما شهد به، ألا ترى أن اللَّه تعالى كذب المنافقين حين قالوا: (إِنَّكَ لَرَسُولُ اَللَّهِ)
وإن كان هو رسول اللَّهفدَّلت هذه الآية على أن البحث الذي يؤدي إلى معرفة حقائق الموجودات التي تتضمن معرفة اللٌه تعالى هو من العلوم الشريفة، بخلاف قول الصم البكم العمي الذين لم يجعل اللَّه لهم نورًا؛ حيث بدَّعوا من اشتغل بمعرفة ذلك".
فلكي تكون المعرفة بالله حقيقية وليست كاذبة لا بد من قطع المراحل الأربعة التي حدها، وهذا مسلك طويل اختصرته دلالة الفطرة عليه، والعقل الصحيح يسلك أقرب الطرق لمقصوده لا أبعدها، فضلا عن أن المخاطبين بالشرع أكثرهم لا يحسنون ما يحسنه المتكلمون، فكيف يكلفون بما لا يحسنون؟ ولماذا يتعبون أنفسهم فيما كفاهم الله مؤنته بأن جعله مركوزا في الفطرة الإنسانية السليمة؟ وأهل السنة كما يقول الشيخ رسلان حفظه الله في سلسلة الرد على الملاحدة في محاضرة دليل الفطرة يكتفون بدلالة الفطرة على وجود الله وقدرته وإن دل غير الفطرة على ذلك. فهذا منه على طريقة المتكلمين الذين يقولون أن أول الواجبات التفكر والنظر، وهي عنده غاية، وتأمل مصطلحاته فهي مصطلحات المتكلمين، وتأمل قوله: "فدَّلت هذه الآية على أن البحث الذي يؤدي إلى معرفة حقائق الموجودات التي تتضمن معرفة الله تعالى هو من العلوم الشريفة، بخلاف قول الصم البكم العمي الذين لم يجعل اللَّه لهم نورًا؛ حيث بدَّعوا من اشتغل بمعرفة ذلك" فإنه يعني بالصم البكم العمي الذين بدعوا القائلين بأن أول واجب النظر والتفكر وهم أهل الحديث والأثر، وها هو يعلن موقفه منهم، ومنهم أئمة أجلاء تقتدي بهم الأمة، كالشافعي وأحمد وغيرهم ممن ذم الكلام..
والراغب رحمه الله كبعض من صنف في المعاجم ليست له عناية بأسانيد ما يستدل به من أحاديث, وقد يرجح ما صح الدليل بخلافه، فمن ذلك ما ذكره في كتابه المفردات (1/790) مادة (نبو)، حيث قال ::
"فالنَّبِيُّ بغير الهمْز أبلغُ من النَّبِيء بالهمْز، لأنه ليس كلّ مُنَبَّإ رفيعَ القَدْر والمحلِّ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لمن قال: يا نَبِيءَ الله فقال: «لَسْتُ بِنَبِيءِ الله ولكنْ نَبِيُّ اللهِ»، لمّا رأى أنّ الرّجل خاطبه بالهمز ليَغُضَّ منه. ".
جاء في مختصر تلخيص الذهبي على المستدرك لابن الملقن (2/692) عن هذا الحديث الذي هو في كتاب التفسير برقم 255:
"حديث أبي ذر: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا نبيء الله [فقال]: "لست بنبيء الله، ولكني نبي الله". قال: صحيح. قلت: بل منكر لم يصح.
قال النسائي: حمران بن أعين ليس بثقة. وقال أبو داود: رافضي يعني المذكور في إسناده".
فبنى هذا الحكم على حديث لا يصح، وغلبه على ثبوت القراءة المتواترة بهما، وإذا كان هذا الشأن مع كلمة ثبتت بدليل صحيح متواتر، فكيف الشأن مع غيرها من الأحكام وبالذات مع صثات الله؟ كيف سيكون التأويل فيها باستخدام اللغة؟ وكيف يتعامل مع المجازات التي أثبتها في كتابه المفردات في صفات الله عز وجل فضلا عن غيرها من ألفاظ اللغة؟
--نماذج من تأويلاته لصفات الباري عز وجل:
وهذه نماذج لبيان عقيدته عفا الله عنه:
ا—تأويله للاستواء: قال الراغب في باب السين مادة (سوى):
واستوى يقال على وجهين، أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعدا نحو استوى زيد وعمرو في كذا أي تساويا، وقال: (لا يستوون عند الله) والثاني أن يقال لاعتدال الشئ في ذاته نحو (ذو مرة فاستوى) وقال: (فإذا استويت أنت - لتستووا على ظهوره - فاستوى على سوقه) واستوى فلان على عمالته واستوى أمر فلان، ومتى عدى بعلى اقتضى معنى الاستيلاء كقوله (الرحمن على العرش استوى) وقيل معناه استوى له ما في السماوات وما في الأرض أي استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه كقوله: (ثم استوى إلى السماء فسواهن) وقيل معناه استوى كل شئ في النسبة إليه فلا شئ أقرب إليه من شيء إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان. ا.ه
فلما تكلم عن بحث مسألة لغوية ذكر الاستواء المعلوم ولكن نفاه عن الله عز وجل ففسر الاستواء لله على العرش بثلاث تفسيرات ليس فيها الاستواء على الحقيقة كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة.
ب— تأويله لنظر العباد إلى الله يوم القيامة: قال في باب النون مادة (نظر):
النَّظَرُ: تَقْلِيبُ البَصَرِ والبصيرةِ لإدرَاكِ الشيءِ ورؤيَتِهِ، وقد يُرادُ به التَّأَمُّلُ والفَحْصُ، وقد يراد به المعرفةُ الحاصلةُ بعد الفَحْصِ، وهو الرَّوِيَّةُ.
يقال: نَظَرْتَ فلم تَنْظُرْ. أي: لم تَتَأَمَّلْ ولم تَتَرَوَّ، وقوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ
[يونس/ 101] أي: تَأَمَّلُوا. واستعمال النَّظَرِ في البَصَرِ أكثرُ عند العامَّةِ، وفي البصيرةِ أكثرُ عند الخاصَّةِ، قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ
[القيامة/ 22- 23] ويقال:
نَظَرْتُ إلى كذا: إذا مَدَدْتَ طَرْفَكَ إليه رَأَيْتَهُ أو لم تَرَهُ، ونَظَرْتُ فِيهِ: إذا رَأَيْتَهُ وتَدَبَّرْتَهُ، قال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
[الغاشية/17] نَظَرْتَ في كذا: تَأَمَّلْتَهُ. قال تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ
[الصافات/ 88- 89] ، وقوله: تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[الأعراف/ 185] فذلك حَثٌّ على تَأَمُّلِ حِكْمَتِهِ في خَلْقِهَا. ونَظَرَ اللَّهُ تعالى إلى عِبَادِهِ: هو إحسانُهُ إليهم وإفاضَةُ نِعَمِهِ عليهم. قال تعالى: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
[آل عمران/ 77] ، وعلى ذلك قوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين/ 15] ، . ا.ه
وقال بعد ذلك بأسطر:
وأما قوله: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف/ 143] ، فَشَرْحُهُ وبَحْثُ حَقَائِقِهِ يَخْتَصُّ بغير هذا الكتابِ. ا.ه
وعقب هذه العبارة بقوله:
ويُستعمَل النَّظَرُ في التَّحَيُّرِ في الأمور. نحو قوله: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [البقرة/ 55] ، وقال: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [الأعراف/ 198] ، وقال: وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى/ 45] ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ [يونس/ 43] ، فكلّ ذلك نظر عن تحيُّر دالٍّ على قِلَّة الغِنَاءِ. ا.ه
فانظر إليه رحمه الله يذكر أن استعمال النظر عند العامة في البصر الحسي وأن معنى النظر عند الخاصة نظر بصيرة، واستدلاله بعد ذكر النظر عند الخاصة بآية القيامة: {إلى ربها ناظرة] فأول نظر العبد إلى الله عز وجل بأنه نظر البصيرة وأن هذا المعنى عند الخاصة، وعقبه بأن النظر مد الطرف سوائ أرؤي الممدود إليه الطرف أو لم يرَ، فتأمل هذا التقسيم إلى خواص وعوام، وتأمل إلى دقة عبارته عن نفي الرؤية للباري أنه عد النظر مجرد مد الطرف سواء أشوهد المنظور إليه أو لم يشاهد، ولو كان هذا التفسير حقا لما حاجّ الله عز وجل المعاندين بالنظر إلى المخلوقات الحسية، وكان هذا الاحتجاج وسيلة دلهم عليها الباري عز وجل يستدلون بها على ربوبيته التي هي دليل على أنه المستحق للعبادة وحده، قال الله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت}، فهذا حث إلى نظر حسي مشاهد هو وسيلة للتفكر والاستدلال على ربوبية الله عز وجل وهو بهذا المستحق للعبادة وحده.
والنظر المتعدي بحرف الجر (إلى) في اللغة العربية يأتي لمعنٍ أربعة, حس البصر، المقابلة، نظر القلب وذلك للمعاني، الرجاء، الرحمة والعطف. وليست العرب تعبر بالنظر المتعدي ب(إلى) للانتظار، ولا تعبر به وتقصد مجرد مد الطرف، قال ابن منظور في اللسان:
نظر : النظر : حس العين نظره ينظره نظرا ومنظرا ومنظرة ونظر إليه . والمنظر : مصدر نظر . الليث : العرب تقول نظر ينظر نظرا ، قال : ويجوز تخفيف المصدر تحمله على لفظ العامة من المصادر ، وتقول نظرت إلى كذا وكذا من نظر العين ونظر القلب ، ويقول القائل للمؤمل يرجوه : إنما ننظر إلى الله ثم إليك أي إنما أتوقع فضل الله ثم فضلك الجوهري : النظر تأمل الشيء بالعين ، وكذلك النظران بالتحريك ، وقد نظرت إلى الشيء ....... والنظارة : القوم ينظرون إلى الشيء ..... تقول العرب : دور آل فلان تنظر إلى دور آل فلان أي هي بإزائها ومقابلة لها . وتنظر : كنظر. والعرب تقول : داري تنظر إلى دار فلان ، ودورنا تناظر أي تقابل ، وقيل : إذا كانت محاذية . ويقال : حي حلال ونظر أي متجاورون ينظر بعضهم بعضا. ا.ه رحمه الله
ف(نظرت إلى) الغالب فيها حس العين والمقابلة ، وللمعاني، قل فيها أن تأتي للرجاء وذلك في تعبيرات مسموعة تمنع اللغة ذاتها من إرادة النظر الحسي فيها بما لا وهم فيه ولا احتمال، وقياس آية القيامة على هذه التعبيرات يمنع منه ذكر الوجوه في الآية، والرجاء عمل قلبي، فسبحان من قوله فصل ليس بالهزل، وذكر الوجه في الآية مما قوى به ابن القيم في حادي الأرواح أن معنى الآية النظر على الحقيقة كما يليق بالله عز وجل.
وأما النظر بمعنى الانتظار فلا يحتمله النظر المتعدي بحرف الجر إلى, قال ابن منظور بعد ذلك:
والنظر : الانتظار . يقال : نظرت فلانا وانتظرته بمعنى واحد ، فإذا قلت انتظرت فلم يجاوزك فعلك فمعناه وقفت وتمهلت. ومنه قوله تعالى : انظرونا نقتبس من نوركم قرئ : انظرونا وأنظرونا بقطع الألف فمن قرأ انظرونا بضم الألف فمعناه انتظرونا ومن قرأ أنظرونا فمعناه أخرونا ، وقال الزجاج : قيل معنى أنظرونا انتظرونا أيضا ، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا
وقال الفراء : تقول العرب : أنظرني أي انتظرني قليلا ، ويقول المتكلم لمن يعجله : أنظرني أبتلع ريقي أي أمهلني . وقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة الأولى بالضاد والأخرى بالظاء ، قال أبو إسحاق : يقول نضرت بنعيم الجنة والنظر إلى ربها . وقال الله تعالى : تعرف في وجوههم نضرة النعيم قال أبو منصور : ومن قال إن معنى قوله إلى ربها ناظرة يعني منتظرة فقد أخطأ ، لأن العرب لا تقول نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته ، إنما تقول نظرت فلانا أي انتظرته ، ومنه قول الحطيئة :
وقد نظرتكم أبناء صادرة للورد طال بها حوزي وتنساسي
وإذا قلت نظرت إليه لم يكن إلا بالعين ، وإذا قلت نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكرا فيه وتدبرا بالقلب . ا.ه رحمه الله.
وهكذا جاء في كتاب الله عز وجل، فلم يأت النظر المتعدي بحرف الجر إلى إلا في حس العين، قال ابن كثير في تفسير سورة الغاشية:
فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه ، والسماء التي فوق رأسه ، والجبل الذي تجاهه ، والأرض التي تحته - على قدرة خالق ذلك وصانعه ، وأنه الرب العظيم الخالق المتصرف المالك ، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه . ا.ه رحمه الله.
ومع كل هذا فليس في النظر المتعدي ب(إلى) في كلام العرب ولا في التفاسير المعتبرة أن النظر هو مجرد مد الطرف، وإنما قيل هذا لتأويل نصوص التصريح بالنظر إلى الله عز وجل.
وترك الراغب عفا الله عنه الكلام عن قول الله تعالى: {رب أرني أنظر إليك}، لأنه ليس موضع بسطه في كتابه هذا كما قال، ولا يخفى أنها لفظة من الألفاظ التي يحتاج إلى تعلمها كما قال هو نفسه عفا الله عنه في أول كتابه هذا ج1، ص6:
"وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية. ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبني"ه.
وأتبع ترك بيانه للنظر المتعدي ب(إلى) في هذه الآية ذكره للنظر بمعنى التحير، فهل يا ترى كان ذلك من قبيل المصادفة؟، لا سيما إذا ما كان معلوما أن من أوجب الواجبات عند من خاض مثل هذا الخوض النظر والتفكر، ومن معاني التأله التي يركزون عليها التحير، ولو ثبت ما ذهب إليه من أن النظر يأتي بمعنى التحير فلا يسلم له المفسرون من أهل الأثر تفسيره في مثل هذه الآيات ، كقول الله تعالى: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} فسواء أكان المقصود بها المشركو أم معبوداتهم لا يصرف النظر عن ظاهره، وذلك إذا ما أخذ بعين الاعتبار ما صدرت به الآية وهو قول الله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا}، قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية:
"﴾قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد ﷺ: قل للمشركين: وإن تدعوا، أيها المشركون، آلهتكم إلى الهدى =وهو الاستقامة إلى السداد= ﴿لا يسمعوا﴾ ، يقول: لا يسمعوا دعاءكم = ﴿وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون﴾ .
* * *وهذا خطاب من الله نبيَّه ﷺ. يقول: وترى، يا محمد، آلهتهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون = ولذلك وحَّد. ولو كان أمر النبي ﷺ بخطاب المشركين، لقال: "وترونهم ينظرون إليكم"".
فالآية إخبار عن جمادات وليس للجمادات تحير، ويكون معنى النظر في الآية المقابلة كما نقل آنفا من لسان العرب، قال ابن جرير بعد ذلك بسطور معقبا:
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما معنى قوله : ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) ؟ وهل يجوز أن يكون شيء ينظر إلى شيء ولا يراه ؟
قيل : إن العرب تقول للشيء إذا قابل شيئا أو حاذاه : " هو ينظر إلى كذا " ، ويقال : " منزل فلان ينظر إلى منزلي " إذا قابله . وحكي عنها : " إذا أتيت موضع كذا وكذا ، فنظر إليك الجبل ، فخذ يمينا أو شمالا " . وحدثت عن أبي عبيد قال : قال الكسائي : " الحائط ينظر إليك " إذا كان قريبا منك حيث تراه ، ومنه قول الشاعر :
إذا نظرت بلاد بني تميم بعين أو بلاد بني صباح، يريد : تقابل نبتها وعشبها وتحاذى .إِذَا نَظَرْتَ بِلادَ بَنِي تَمِيمٍ بِعَيْنٍ أَوْ بِلادَ بَنِي صُبَاحِ
يريد: تقابل نبتُها وعُشْبها وتحاذَى.
* * *قال أبو جعفر: فمعنى الكلام: وترى، يا محمد، آلهة هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، يقابلونك ويحاذونك، وهم لا يبصرونك، لأنه لا أبصار لهم. وقيل: "وتراهم".
ولم يقل: "وتراها"، لأنها صور مصوَّرة على صور بني آدم عليه السلام.
وأما على أن الآية قصد بها المشركون أنفسهم فقال الطبري في تفسيرها:
"وقد روي عن السدي في ذلك ما: -١٥٥٣٣ - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك هم لا يبصرون﴾ قال: هؤلاء المشركين.
* * *وقد يحتمل قول السدي هذا أن يكون أراد بقوله: "هؤلاء المشركون"، قول الله: ﴿وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا﴾ . وقد كان مجاهد يقول في ذلك، ما: -١٥٥٣٤ - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ﴿وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون﴾ ، ما تدعوهم إلى الهدى. وكأنّ مجاهدًا وجّه معنى الكلام إلى أن معناه: وترى المشركين ينظرون إليك وهم لا يبصرون = فهو وجهٌ، ولكن الكلام في سياق الخبر عن الآلهة، فهو بوصفها أشبه".
يعني الطبري رحمه الله ما عبر الله عز وجل عنه صراحة في قوله: {ولهم أعين لا يبصرون بها}، أي بصر انتفاع، فلا حاجة لتأويله على التحير إذن، ويبقى النظر في قرنه بين معنى التحير في النظر بعد قول الله عز وجل: {قال رب أرني أنظر إليك}.
ج—وأول الراغب نظر الله إلى العباد بالإحسان ورحمة على سبيل المجاز كما مر في النقل عنه، وذلك بدافع وهم التشبيه، ومع ورود ما يشبه هذا الكلام في تفسيري الطبري وابن كثير وجب الوقوف عنده وبيان علة التثريب على المؤول.
ذكر الطبري وابن كثير ذلك في تفسير آية آل عمران، قال الله تعالى: {لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم}.
قال الطبري في تفسير الآية:
وأما قوله : " ولا يكلمهم الله " فإنه يعني : ولا يكلمهم الله بما يسرهم " ولا ينظر إليهم " يقول : ولا يعطف عليهم بخير ، مقتا من الله لهم ، كقول القائل لآخر : " انظر إلي نظر الله إليك " بمعنى : تعطف علي تعطف الله عليك بخير ورحمة وكما يقال للرجل : " لا سمع الله لك دعاءك " يراد : لا استجاب الله لك ، والله لا يخفى عليه خافية ، وكما قال الشاعر :
دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول. ا.ه رحمه الله
وبنحو هذا كلام ابن كثير رحمه الله.
فالطبري وابن كثير رحمهما الله ومن وافقهما على هذا التفسير من السلف لم يكن قصدهما نفي نظر الله على الحقيقة كما يليق بجلاله سبحانه، بل فسرا الآية على ما جرى من كلام العرب في إطلاق النظر بالرحمة والتعطف، والفارق بين الطبري وابن كثير وبين المؤولة أن المؤولة يذكرون هذا التفسير نافين صفة النظر على الحقيقة وأما الطبري وابن كثير رحمهما الله فهما على عقيدة السلف في إثبات صفة النظر لله عز وجل.
ومع هذا لا يصح للمؤول الاستدلال بهذه الآية على أن النظر المتعدي ب(إلى) ليس نظرا على الحقيقة، وبيان ذلك فيما جاء في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى للشيخ محمد بن علي الإثيوبي , فتحت حديث 5329 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ" أَوْ قَالَ: "إِنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
علق الشيخ الإثيوبي (39/95-96)قائلا:
وَقَالَ فِي "الفتح": قوله: "لا ينظر الله": أي لا يرحمه، فالنظر إذا أضيف إلى الله كَانَ مجازًا، وإذا اضيف إلى المخلوق، كَانَ كناية، ويحتمل أن يكون المراد: لا ينظر الله إليه نظر رحمة، وَقَالَ شيخنا -يعني الحافظ العراقيّ- فِي "شرح الترمذيّ": عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر؛ لأن منْ نظر إلى متواضع رحمه، ومن نظر إلى متكبر مقته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر، وَقَالَ الكرماني: نسبة النظر لمن يجوز عليه النظر كناية؛ لأن منْ اعتدّ بالشخص التفت إليه، ثم كثُر حَتَّى صار عبارة عن الإحسان، وإن لم يكن هناك نظر، ولمن لا يجوز عليه حقيقة النظر، وهو تقليب الحدقة، والله منزه عن ذلك، فهو بمعنى الإحسان، مجاز عما وقع فِي حق غيره كناية. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ذكره الكرمانيّ، والعراقيّ والحافظ منْ تفسير النظر بالرحمة تفسير باللازم، وهو مخالف لما أطبق عليه المحدثون منْ السلف الصالحين، منْ إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى عَلَى ظواهرها، منْ غير تشبيه، ولا تمثيل، ومن غير تأويل، ولا تعطيل، لكن هؤلاء هكذا عادتهم فِي أحاديث الصفات، مع أنهم منْ أكابر المحدّثين، يرغبون عن مذهب المحدّثين، ويسلكون فيها مسلك المتكلّمين، وما أدّاهم إلى هَذَا التأويل المتكلّف به إلا تشبيه الغائب بالشاهد، فإنهم لما اعتقدوا أن النظر فِي المخلوق لا يحصل إلا بتقليب الحدقة، قالوا: هَذَا محال عَلَى الله تعالى، نعم هو محالٌ، ولكن منْ الذي قَالَ لكم: إنه لا يحصل النظر إلا بهذا؟ أليس الله تعالى مباينا لخلقه فِي ذاته وصفاته؟، فهو سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العُلَى، فالواجب علينا أن نعتقد أنه سبحانه وتعالى ينظر إلى عباده نظرًا حقيقيًا كما يليق بجلاله، ولا يلزمنا أن نعرف حقيقة نظره، إذ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فكما أننا نثبت له ذاتاً، لا تشبه ذوات مخلوقه، كذلك نثبت له ما أثبت لنفسه منْ الصفات حقيقةً، لا مجازًا؛ لأن المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذّر الحقيقة، ولم تتعذّر هنا، وأيضًا المعنى المجازيّ الذي أولوا به يلزم منه التشبيه، فإن الرحمة هي رقة القلب، التي تقتضي العطف عَلَى المرحوم، وهذا فيه منْ التشبيه نظير ما وقع فِي معنى النظر بلا فرق، فتأمّل بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، فإنه حجة البليد، وملجأ العنيد".
وإذا سأل سائل كيف ينسجم تفسير النظر على الحقيقة مع الآية فالجواب في النص الآتي في المصدر نفسه:
"وَقَالَ فِي "الفتح" أيضاً: ويؤيد ما ذُكر منْ حمل النظر عَلَى الرحمة، أو المقت ما أخرجه الطبراني، وأصله فِي أبي داود، منْ حديث أبي جُرَيّ: "أن رجلا ممن كَانَ قبلكم، لبس بردة، فتبختر فيها، فنظر الله إليه، فمقته، فأمر الأرض فأخذته ... " الْحَدِيث. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ادّعاه منْ تأييد الحمل المذكور فيه نظرٌ لا يخفى، فإنه أثبت لله سبحانه وتعالى النظر، ثم بيّن ما ترتّب عَلَى ذلك، وهو المقت، وما بعده، ولا تعرّض فيه للحمل المذكور، فتأمل بإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف، والله سبحانه وتعالى الهادي إلى سواء السبيل. ا.ه حفظه الله
فنبه الشيخ إلى أن النظر في الحديث على الحقيقة كما يليق بجلال الله سبحانه، بدليل ترتب المقت بعده بربط المقت بالنظر بالفاء، وهو نظير حديث عياض بن حمار المجاشعي في مسلم وغيره، وفيه, {وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم} الحديث".
د—تأويله لسمع الله عز وجل:
قال الراغب في مادة سمع:
وإذا وصفت الله تعالى بالسمع فالمراد به علمه بالمسموعات وتحريه بالمجازاة بها نحو: (قد سمع الله قول التيتجادلك في زوجها - لقد سمع الله قول الذين قالوا)
فهذا على مذهب الاعتزال.
--استعماله المجاز في غير صفات الباري:
استعمل الراغب رحمه الله المجاز في الصفات الإلهية وغيرها، وقد نص في أول كتابه على هذا كما مر معك في توطئة هذه السطور، وقد أكثر الراغب رحمه الله النقل من كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى وهو الكتاب الموسوم ب(مجاز القرآن) قال الراغب في مادة صبر:
وقوله (فما أصبرهم على النار)
قال أبو عبيدة: إن ذلك لغة بمعنى الجرأة واحتج بقول أعرابي قال لخصمه ما أصبرك على الله، وهذا تصور مجاز بصورة حقيقة لان ذلك معناه ما أصبرك على عذاب الله في تقديرك إذا اجترأت على ارتكاب ذلك، وإلى هذا يعود قول من قال: ما أبقاهم على النار، وقول من قال ما أعملهم بعمل أهل النار، وذلك أنه قد يوصف بالصبر من لا صبر له في الحقيقة اعتبارا بحال الناظر إليه، واستعمال التعجب في مثله اعتبار بالخلق لا بالخالق. ا.ه رحمه الله.
ومن أمثلته أيضا:
ومن ذلك:
ا—الموت بمعنى الحزن:
قال الراغب في معاني الموت:
الرابع الحزن المكدر للحياة وإياه قصد بقوله (ويأتيه الموت من كل
مكان وما هو بميت)
وكرر ذلك فقال:
وقوله (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء) فقد قيل نفى الموت هو عن أرواحهم فإنه نبه على تنعمهم، وقيل نفى عنهم الحزن المذكور في قوله (ويأتيه الموت من كل مكان)
فعده قولا معتبرا
وقد ذكر هذا المعنى للموت صاحب لسان العرب مصدرا بلفظة (قيل) غير معزو لقائل، ولكنه قدم تفسير الآية بأن إتيان الموت هو إتيان أسبابه إذ لو جاءهم الموت لماتوا حقا، وكلام ابن عباس الآتي عند ابن كثير في تفسير الآية مقارب لما ارتضاه صاحب اللسان من أن المقصودإتيان أسباب الموت، وإن كان جاء في تفاسير السلف أنه إتيان الموت حقيقة لكن الله قدر أنه لا يموت.
قال ابن كثير:
"ومعنى كلام ابن عباس ، رضي الله عنه : أنه ما من نوع من هذه الأنواع من [ هذا ] العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت ، ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال; ولهذا قال : ( ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت )"
وقال البغوي رحمه الله:
"وقوله عز وجل : ( ويأتيه الموت من كل مكان ) يعني : يجد هم الموت وألمه من كل مكان من أعضائه .
قال إبراهيم التيمي : حتى من تحت كل شعرة من جسده .
وقيل : يأتيه الموت من قدامه ومن خلفه ، ومن فوقه ومن تحته ، وعن يمينه وعن شماله .
( وما هو بميت ) فيستريح ، قال ابن جريج : تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة . نظيرها (ثم لا يموت فيها ولا يحيا ) ( الأعلى - 13 )".
وكذلك نقل القرطبي رحمه الله، وهؤلاء المفسرون لم ينقلوا أن الموت يأتي بمعنى الحزن، ولا رجح ذلك صاحب اللسان، فلا يتأتى هذا إلا على سبيل من يذهب إلى المجاز في القرآن، كيف لا، وتأويل الصفات لا يستقيم إلا على القول بالمجاز في القرآن.
ب-- تأويل عمى القلوب التي في الصدور:
وقال الراغب:
وقوله: (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) قيل العقل وقيل الروح.
فأما العقل فلا يصح عليه ذلك، قال ومجازه مجاز قوله (تجري من تحتها الأنهار) والأنهار لا تجري وإنما تجري المياه التي فيها. ا.ه
وقد ثبت أن أنهار الجنة تجري في غير أخدود, ففي صحيح الترغيب والترهيب, (3/506)، برقم, 3723 عن أنس رضي الله عنه أنه قال: لَعلكم تَظُنُّونَ أنَّ أنْهارَ الجنَّةِ أخدودٌ في الأرْضٍ؟ لا والله، إنَّها لسائِحَةٌ على وجْهِ الأرْضِ، إحدى حافَّتيْها اللَّؤْلُؤ، والأُخْرى الياقوتُ، وطينُه المِسْكُ الأُذْفرُ.
قال: قلت: ما الأُذْفُرُ؟
قال: الَّذي لا خِلْطَ له.علق عليه الشيخ الألباني فقال:
"[صحيح]"
ونقل عن المنذري قوله
"رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً.
ورواه غيره مرفوعاً، والموقوف أشبه بالصواب".
علق الشيخ الألباني رحمه الله على قول المنذري في الحاشية بقوله:
"قلت: إسناد المرفوع غير إسناد الموقوف، وكل منهما صحيح، فلا يعلّ بالموقوف، لا سيّما وهو في حكم المرفوع، فانظر "الصحيحة" (2513)".
وما في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، وعليه فلا حاجة لحمل المعنى على المجاز، وإلا، فالعقل لا يتصور جريان نهر من غير أخدود، والمخبر عن هذا وهذا واحد، فالمخبر عن عمى القلوب التي في الصدور هو المخبر عن جريان أنهار الجنة في غير أخدود، وهو المخبر في آية الحج أن القلوب يعقل بها، وأخبر عن مراده بالقلوب بأنها التي في الصدور فقال: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
والخلاصة, أن كتاب المفردات يقرأ بحذر، لما فيه من التوسع في المجاز، وتأويل الصفات، وبناء الأحكام على نصوص لا تثبت.
والله تعالى أعلم.