بسم الله الرحمن الرحيم
· الأدلة على إثبات صفة الحياء
قال تعالى: قال الله -تعالى-: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}
ويقول تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً } [البقرة:26]
الحديث الأول: عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ». قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
رواه ابو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب قال ورواه بعضهم ولم يرفعه وهذا لا يضر لأنه إذا كان موقوفا على سلمان فمثل هذا الكلام لا يقال إلا توقيفا اهـ. (بيان تلبيس الجهمية:2/441)
الحديث الثاني:
عن أبي وَاقِد اللَّيْثِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِى الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، قَالَ : فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِى الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) قَالَ : [ تمت أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ ، فَآوَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا ، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ ] رواه : البخاري (66) ، ومسلم (1405) .
الحديث الثالث: عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ » رواه أبو داود في السنن وصححه الألباني انظر : الإرواء : (2335)
الحديث الرابع : عَنْ أم سَلَمَةَ زَوْج النبي صلى الله عليه وسلم قَالتْ: جَاءَتْ أم سُلَيْمٍ- امْرَأةُ أبي طَلحَةَ- إلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَاَلَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِن الله لا يستحي مِنَ الْحَق هَل عَلى المَرأةِ مِنْ غُسْل إِذَا هي احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : "نَعَمْ، إِذاَ هِيَ رَأتِ اْلمَاءَ " متفق عليه.
· أقوال بعض العلماء.
قال إمام الشافعية في وقته أبي العباس بن سريج رحمه الله تعالى :
ذكر أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني في جوابات المسائل التي سئل عنها بمكة فقال
الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وعلى كل حال وصلى الله على محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل سألت أيدك الله تعالى بتوفيقه بيان ما صح لدي, وتأدى حقيقته إلى من سلك مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب المنزل والسنة المنقولة بالطرق الصحيحة برواية الثقات الأثبات عن النبي بوجيز من القول واختصار في الجواب فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأجبت عنه بجواب بعض الأئمة الفقهاء وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج رحمه الله تعالى وقد سئل عن مثل هذا السؤال فقال أقول وبالله التوفيق :
..... حرام ... على الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله .... ونظائرها مما نطق به القرآن كالفوقية والنفس واليدين والسمع والبصر والكلام والعين والنظر والإرادة والرضى والغضب والمحبة والكراهة والعناية والقرب والبعد والسخط والاستحياء اهـ (اجتماع الجيوش الإسلامية:100)
قال الإمام أبو الحسن الكرجي رحمه الله :
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلٌ لَمْ يَزُلْ وَآخِرٌ لَا يُزَالُ أَحَدٌ قَدِيمٌ وَصَمَدٌ كَرِيمٌ عَلِيمٌ حَلِيمٌ عَلِيٌّ عَظِيمٌ رَفِيعٌ مَجِيدٌ وَلَهُ بَطْشٌ شَدِيدٌ وَهُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ قَوِيٌّ قَدِيرٌ مَنِيعٌ نَصِيرٌ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } إلَى سَائِرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ النَّفْسِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَالْقَدَمِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالرِّضَى وَالْغَضَبِ وَالْمَحَبَّةِ وَالضَّحِكِ وَالْعَجَبِ وَالِاسْتِحْيَاءِ (مجموع الفتاوى لابن تيمية :4/181)
جاء في الحجة في بيان المحجة: (2/502) :
فصل قال أحد علماء السنة حرام على العقول أن تمثل الله ، حرام على الخلق أن يكيفوه ، وعلى الضمائر أن تضمر فيه غير المنقول ، وحرام على النفوس أن تتفكر فيه وحرام على الفكر أن يدركه ، وحرام على كل أحد أن يصفه إلا بما وصف به نفسه في كتابه ، أو وصفه به رسوله [ ] في أخباره الصحيحه عند أهل النقل والسلف المشهورين بالسنة المعروفين بالصدق ، والعدالة ، وجميع آيات الصفات التي في القرآن والأخبار الصحاح في الصفات التي نقلها أهل الحديث ، واجب على جميع المسلمين أن يؤمنوا بها ، ويسلموها ، ويتركوا السؤال فيه وعنه ، لأن السؤال في غوامضها بدعة.... ومثل النفس ، واليدين ، والسمع ، والبصر ، والكلام ، والاستحياء اهـ.
قال الحافظ ابن القيم في ((الصواعق المرسلة)) (4/1497) : ((إنَّ الغيرة تتضمن البغض والكراهة ، فأخبر أنَّه لا أحد أغير منه ، وأنَّ من غَيْرته حرَّم الفواحش، ولا أحد أحب إليه المدحة منه ، والغيرةُ عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية ، كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية، فيستحيل وصفه عندهم بذلك ، ومعلومٌ أنَّ هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ، وأضدادها مذمومة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ، فإنَّ الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشةُ وتركها ؛ مذمومٌ غايةَ الذمِّ مستحقٌ للذمِّ القبيح)) اهـ
وقال أيضا في نفس الموضع:
ولهذا كان أكمل الناس حياة أشدهم حياء وكان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها لكمال حياة قلبه والله سبحانه الحي القيوم وقد وصف نفسه بالحياء ووصفه رسوله فهو الحيي الكريم كما قال النبي إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا وقالت أم سليم يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق وأقرها على ذلك وقال النبي إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن والحياء عند هؤلاء من الكيفيات النفسانية فلا يجوز عندهم وصف القديم بها والمقصود أنه كلما كانت صفات الكمال في الحي كان فرحه ومحبته ورضاه وغضبه ومقته أكمل اهـ.
وقال ابن القيم أيضا :
وهو الحيي فليس يفضح عبده ... عند التجهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره ... فهو الستير وصاحب الغفران
قال الهراس : وحياؤه تعالى وصف يليق به ، ليس كحياء المخلوقين ، الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم ، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه ؛ فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه وأضعفه لديه ، ويستعين بنعمه على معصيته ، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته ، فيستره بما يهيؤه له من أسباب الستر ، ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر)) اهـ
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي عفا الله عنه في أسئلة الطحاوية:
يوصف الله بالحياء قال الله -تعالى-: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} وقال -تعالى-: {* إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وفي الحديث (فاستحيا فاستحيا الله منه) وهو من الصفات التي تليق بالله عز وجل ولا يماثل فيها أحدًا من صفاته كسائر الصفات ولا يلزم منه ما يلزم من حياء المخلوق وكذلك الغيرة الغيرة كذلك من الأوصاف الفعلية قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:- (أتعجبون من غيرة سعد ؟ أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرته ……) وفي الحديث الآخر (لا أحد أغير من الله ومن أجل غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) هذا في إثبات الغيرة لله كما يليق بجلاله وعظمته يوصف الله بالغيرة كسائر الصفات يوصف الله بالغيرة كسائر الصفات الفعلية مثل الغضب والرضا والسخط والمحبة والكراهية والغيرة والحياء كلها صفات تليق بجلال الله وعظمته، وهي الصفات الكاملة ليس فيها نقص لا يماثل فيها أحدًا من خلقه -سبحانه وتعالى- اهـ.
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الواسطية:
الله جل وعلا (حيي) نقول إنه جل وعلا موصوف بصفة الحياء ونحو ذلك اهـ.
قال العلامة أحمد النجمي رحمه الله في شرح عمدة الأحكام :
تقدم تعريف الحياء في حق المخلوق أما في حق الخالق فيجب على كل مؤمن الإيمان بهذه الصفة واعتقاد معناها الذي تقتضيه في اللغة العربية التي خاطبنا الله بها على لسان رسوله العربي وإمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل اهـ.
ثم رد رحمه الله على ابن دقيق العيد.
· التعليق على الأدلة.
- الآية الثانية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره للآية:
من فوائد الآية: إثبات الحياء لله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما ).
ووجه الدلالة: أن نفي الاستحياء عن الله في هذه الحال دليل على ثبوته فيما يقابلها؛ وقد جاء ذلك صريحاً في السنة، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صِفراً"(1) ؛ والحياء الثابت لله ليس كحياء المخلوق؛ لأن حياء المخلوق انكسار لما يَدْهَمُ الإنسان ويعجز عن مقاومته؛ فتجده ينكسر، ولا يتكلم، أو لا يفعل الشيء الذي يُستحيا منه؛ وهو صفة ضعف ونقص إذا حصل في غير محله..
اهـ.
- الحديث الأول.
ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية
في الأحاديث التي تدل على أفعال الله في درء التعارض : 1/298
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي:
إن الله حيي فعيل من الحياء أي كثير الحياء ووصفه تعالى بالحياء يحمل على ما يليق له كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها اهـ.
قال الصنعاني في سبل السلام:
وصفه تعالى بالحياء يحمل على ما يليق به كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها ولا يقال إنه مجاز وتطلب له العلاقات هذا مذهب أئمة الحديث والصحابة وغيرهم اهـ.
قال العلامة عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود :
قوله: [ (حيي كريم) ] فيه إثبات صفة الحياء والكرم لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله عز وجل.
قوله: [ (يستحي من عبده) ]. هذه صفة مأخوذة من حيي؛ لأن أسماء الله كلها مشتقة ليس فيها اسم جامد اهـ.
- الحديث الثاني
قال ابن إبطال عفا الله عنه
وفيه من الفقه أن من قصد العلم ، ومجالسه ، فاستحيا ممن قصده ، ولم يمنعه الحياء من التعلم ، ومجالسة العلماء ، أن الله يستحي منه فلا يعذبه جزاء استحيائه اهـ.
قلت: وعدم تعذيبهم أثر حياء الله وليس تفسير للصفة وإلا وقعنا في التأويل.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين:
وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه لأنه ما زاحم ولا تقدم وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه لم يوفقه لأن يجلس مع هؤلاء القوم البررة الأطهار .
وفي هذا الحديث إثبات الحياء لله عز وجل ولكنه ليس كحياء المخلوقين بل هو حياء الكمال يليق بالله عز وجل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله حيي كريم وقال الله تعالى والله لا يستحي من الحق والله سبحانه وتعالى يوصف بهذه الصفة لكن ليس مثل المخلوقين لأن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } اهـ..
- الحديث الرابع.
قال العلامة البسام في شرح عمدة الأحكام :
إثبات صفة الحياء لله جلّ وعلا، إثباتا يليق بجلاله، على أنه لا يمتنع تعالى من قول الحق لأجل الحياء. قَال ابن القيم في البدائع: إن صفات السلب المحض لا تدخل في أوصافه تعالى، إلا إذا تضمنت ثبوتا، وكذلك الإخبار عنه بالسلب، كقوله تعالى: "لا تأخذه سنة ولا نوم" فإنه يتضمن كمال حياته وقيوميته. ا.هـ.
قال المحدث عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود:
وهذا فيه إثبات صفة الحياء لله، وقد جاء أيضاً في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، (إن الله حيي ستير) وصفة الحياء كغيرها من الصفات تثبت لله عز وجل كما يليق بكماله وجلاله، وكل صفاته صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه. اهـ.
· التعبد باسم الله الحيي
- التوسل بذلك إلى الله جل جلاله فللداعي أن يقدم ذلك بين يدي دعائه ، فيقول : يا حيّي يا ستّير استرني ونحو ذلك
- والتقرب إليه : بأن يظهر مقتضى هذا الاسم في حياة العبد : فلا يفعل القبيح ، ولا يهتك الستر فيما بينه وبين ربه ، ولا يهتك ستر الناس ، بل يسترهم، كما أن الله يحب الستر من عباده ، والستر عليهم .
- وهي صفة تزيد للمؤمنين رجاءً.
· الأدلة على إثبات صفة الحياء
قال تعالى: قال الله -تعالى-: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}
ويقول تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً } [البقرة:26]
الحديث الأول: عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ». قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
رواه ابو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب قال ورواه بعضهم ولم يرفعه وهذا لا يضر لأنه إذا كان موقوفا على سلمان فمثل هذا الكلام لا يقال إلا توقيفا اهـ. (بيان تلبيس الجهمية:2/441)
الحديث الثاني:
عن أبي وَاقِد اللَّيْثِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِى الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، قَالَ : فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِى الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) قَالَ : [ تمت أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ ، فَآوَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا ، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ ] رواه : البخاري (66) ، ومسلم (1405) .
الحديث الثالث: عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ » رواه أبو داود في السنن وصححه الألباني انظر : الإرواء : (2335)
الحديث الرابع : عَنْ أم سَلَمَةَ زَوْج النبي صلى الله عليه وسلم قَالتْ: جَاءَتْ أم سُلَيْمٍ- امْرَأةُ أبي طَلحَةَ- إلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَاَلَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِن الله لا يستحي مِنَ الْحَق هَل عَلى المَرأةِ مِنْ غُسْل إِذَا هي احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : "نَعَمْ، إِذاَ هِيَ رَأتِ اْلمَاءَ " متفق عليه.
· أقوال بعض العلماء.
قال إمام الشافعية في وقته أبي العباس بن سريج رحمه الله تعالى :
ذكر أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني في جوابات المسائل التي سئل عنها بمكة فقال
الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وعلى كل حال وصلى الله على محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل سألت أيدك الله تعالى بتوفيقه بيان ما صح لدي, وتأدى حقيقته إلى من سلك مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب المنزل والسنة المنقولة بالطرق الصحيحة برواية الثقات الأثبات عن النبي بوجيز من القول واختصار في الجواب فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأجبت عنه بجواب بعض الأئمة الفقهاء وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج رحمه الله تعالى وقد سئل عن مثل هذا السؤال فقال أقول وبالله التوفيق :
..... حرام ... على الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله .... ونظائرها مما نطق به القرآن كالفوقية والنفس واليدين والسمع والبصر والكلام والعين والنظر والإرادة والرضى والغضب والمحبة والكراهة والعناية والقرب والبعد والسخط والاستحياء اهـ (اجتماع الجيوش الإسلامية:100)
قال الإمام أبو الحسن الكرجي رحمه الله :
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلٌ لَمْ يَزُلْ وَآخِرٌ لَا يُزَالُ أَحَدٌ قَدِيمٌ وَصَمَدٌ كَرِيمٌ عَلِيمٌ حَلِيمٌ عَلِيٌّ عَظِيمٌ رَفِيعٌ مَجِيدٌ وَلَهُ بَطْشٌ شَدِيدٌ وَهُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ قَوِيٌّ قَدِيرٌ مَنِيعٌ نَصِيرٌ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } إلَى سَائِرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ النَّفْسِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَالْقَدَمِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالرِّضَى وَالْغَضَبِ وَالْمَحَبَّةِ وَالضَّحِكِ وَالْعَجَبِ وَالِاسْتِحْيَاءِ (مجموع الفتاوى لابن تيمية :4/181)
جاء في الحجة في بيان المحجة: (2/502) :
فصل قال أحد علماء السنة حرام على العقول أن تمثل الله ، حرام على الخلق أن يكيفوه ، وعلى الضمائر أن تضمر فيه غير المنقول ، وحرام على النفوس أن تتفكر فيه وحرام على الفكر أن يدركه ، وحرام على كل أحد أن يصفه إلا بما وصف به نفسه في كتابه ، أو وصفه به رسوله [ ] في أخباره الصحيحه عند أهل النقل والسلف المشهورين بالسنة المعروفين بالصدق ، والعدالة ، وجميع آيات الصفات التي في القرآن والأخبار الصحاح في الصفات التي نقلها أهل الحديث ، واجب على جميع المسلمين أن يؤمنوا بها ، ويسلموها ، ويتركوا السؤال فيه وعنه ، لأن السؤال في غوامضها بدعة.... ومثل النفس ، واليدين ، والسمع ، والبصر ، والكلام ، والاستحياء اهـ.
قال الحافظ ابن القيم في ((الصواعق المرسلة)) (4/1497) : ((إنَّ الغيرة تتضمن البغض والكراهة ، فأخبر أنَّه لا أحد أغير منه ، وأنَّ من غَيْرته حرَّم الفواحش، ولا أحد أحب إليه المدحة منه ، والغيرةُ عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية ، كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية، فيستحيل وصفه عندهم بذلك ، ومعلومٌ أنَّ هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ، وأضدادها مذمومة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ، فإنَّ الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشةُ وتركها ؛ مذمومٌ غايةَ الذمِّ مستحقٌ للذمِّ القبيح)) اهـ
وقال أيضا في نفس الموضع:
ولهذا كان أكمل الناس حياة أشدهم حياء وكان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها لكمال حياة قلبه والله سبحانه الحي القيوم وقد وصف نفسه بالحياء ووصفه رسوله فهو الحيي الكريم كما قال النبي إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا وقالت أم سليم يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق وأقرها على ذلك وقال النبي إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن والحياء عند هؤلاء من الكيفيات النفسانية فلا يجوز عندهم وصف القديم بها والمقصود أنه كلما كانت صفات الكمال في الحي كان فرحه ومحبته ورضاه وغضبه ومقته أكمل اهـ.
وقال ابن القيم أيضا :
وهو الحيي فليس يفضح عبده ... عند التجهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره ... فهو الستير وصاحب الغفران
قال الهراس : وحياؤه تعالى وصف يليق به ، ليس كحياء المخلوقين ، الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم ، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه ؛ فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه وأضعفه لديه ، ويستعين بنعمه على معصيته ، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته ، فيستره بما يهيؤه له من أسباب الستر ، ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر)) اهـ
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي عفا الله عنه في أسئلة الطحاوية:
يوصف الله بالحياء قال الله -تعالى-: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} وقال -تعالى-: {* إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وفي الحديث (فاستحيا فاستحيا الله منه) وهو من الصفات التي تليق بالله عز وجل ولا يماثل فيها أحدًا من صفاته كسائر الصفات ولا يلزم منه ما يلزم من حياء المخلوق وكذلك الغيرة الغيرة كذلك من الأوصاف الفعلية قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:- (أتعجبون من غيرة سعد ؟ أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرته ……) وفي الحديث الآخر (لا أحد أغير من الله ومن أجل غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) هذا في إثبات الغيرة لله كما يليق بجلاله وعظمته يوصف الله بالغيرة كسائر الصفات يوصف الله بالغيرة كسائر الصفات الفعلية مثل الغضب والرضا والسخط والمحبة والكراهية والغيرة والحياء كلها صفات تليق بجلال الله وعظمته، وهي الصفات الكاملة ليس فيها نقص لا يماثل فيها أحدًا من خلقه -سبحانه وتعالى- اهـ.
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الواسطية:
الله جل وعلا (حيي) نقول إنه جل وعلا موصوف بصفة الحياء ونحو ذلك اهـ.
قال العلامة أحمد النجمي رحمه الله في شرح عمدة الأحكام :
تقدم تعريف الحياء في حق المخلوق أما في حق الخالق فيجب على كل مؤمن الإيمان بهذه الصفة واعتقاد معناها الذي تقتضيه في اللغة العربية التي خاطبنا الله بها على لسان رسوله العربي وإمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل اهـ.
ثم رد رحمه الله على ابن دقيق العيد.
· التعليق على الأدلة.
- الآية الثانية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره للآية:
من فوائد الآية: إثبات الحياء لله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما ).
ووجه الدلالة: أن نفي الاستحياء عن الله في هذه الحال دليل على ثبوته فيما يقابلها؛ وقد جاء ذلك صريحاً في السنة، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صِفراً"(1) ؛ والحياء الثابت لله ليس كحياء المخلوق؛ لأن حياء المخلوق انكسار لما يَدْهَمُ الإنسان ويعجز عن مقاومته؛ فتجده ينكسر، ولا يتكلم، أو لا يفعل الشيء الذي يُستحيا منه؛ وهو صفة ضعف ونقص إذا حصل في غير محله..
اهـ.
- الحديث الأول.
ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية
في الأحاديث التي تدل على أفعال الله في درء التعارض : 1/298
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي:
إن الله حيي فعيل من الحياء أي كثير الحياء ووصفه تعالى بالحياء يحمل على ما يليق له كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها اهـ.
قال الصنعاني في سبل السلام:
وصفه تعالى بالحياء يحمل على ما يليق به كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها ولا يقال إنه مجاز وتطلب له العلاقات هذا مذهب أئمة الحديث والصحابة وغيرهم اهـ.
قال العلامة عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود :
قوله: [ (حيي كريم) ] فيه إثبات صفة الحياء والكرم لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله عز وجل.
قوله: [ (يستحي من عبده) ]. هذه صفة مأخوذة من حيي؛ لأن أسماء الله كلها مشتقة ليس فيها اسم جامد اهـ.
- الحديث الثاني
قال ابن إبطال عفا الله عنه
وفيه من الفقه أن من قصد العلم ، ومجالسه ، فاستحيا ممن قصده ، ولم يمنعه الحياء من التعلم ، ومجالسة العلماء ، أن الله يستحي منه فلا يعذبه جزاء استحيائه اهـ.
قلت: وعدم تعذيبهم أثر حياء الله وليس تفسير للصفة وإلا وقعنا في التأويل.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين:
وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه لأنه ما زاحم ولا تقدم وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه لم يوفقه لأن يجلس مع هؤلاء القوم البررة الأطهار .
وفي هذا الحديث إثبات الحياء لله عز وجل ولكنه ليس كحياء المخلوقين بل هو حياء الكمال يليق بالله عز وجل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله حيي كريم وقال الله تعالى والله لا يستحي من الحق والله سبحانه وتعالى يوصف بهذه الصفة لكن ليس مثل المخلوقين لأن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } اهـ..
- الحديث الرابع.
قال العلامة البسام في شرح عمدة الأحكام :
إثبات صفة الحياء لله جلّ وعلا، إثباتا يليق بجلاله، على أنه لا يمتنع تعالى من قول الحق لأجل الحياء. قَال ابن القيم في البدائع: إن صفات السلب المحض لا تدخل في أوصافه تعالى، إلا إذا تضمنت ثبوتا، وكذلك الإخبار عنه بالسلب، كقوله تعالى: "لا تأخذه سنة ولا نوم" فإنه يتضمن كمال حياته وقيوميته. ا.هـ.
قال المحدث عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود:
وهذا فيه إثبات صفة الحياء لله، وقد جاء أيضاً في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، (إن الله حيي ستير) وصفة الحياء كغيرها من الصفات تثبت لله عز وجل كما يليق بكماله وجلاله، وكل صفاته صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه. اهـ.
· التعبد باسم الله الحيي
- التوسل بذلك إلى الله جل جلاله فللداعي أن يقدم ذلك بين يدي دعائه ، فيقول : يا حيّي يا ستّير استرني ونحو ذلك
- والتقرب إليه : بأن يظهر مقتضى هذا الاسم في حياة العبد : فلا يفعل القبيح ، ولا يهتك الستر فيما بينه وبين ربه ، ولا يهتك ستر الناس ، بل يسترهم، كما أن الله يحب الستر من عباده ، والستر عليهم .
- وهي صفة تزيد للمؤمنين رجاءً.
تعليق