بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد شرع لنا ربنا أفضل الشرائع، وأرسل لنا خير رسول، وأكمل لنا الدين، فما من خير إلا دلنا عليه، وما من شر إلا حذرنا منه.
ومما جاءت الشريعة بالتحذير منه التشبه، سواء كان التشبه بالشيطان أو بالكفار أو بالحيوان أو الأعراب وكذلك تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال.
والشرع نهي عن كل هذه الصور لحِكم، غير أن البعض عندما يقع فيما نهي عنه يتذرع بأن قصده طيب ونيته حسنة.
وقبل الشروع أحب أن أنقل تعريف تشبه المسلم بالكافر – وإن كان موضوعنا أعم - في اصطلاح الشرع حسب ما عرفه صاحب كتاب ((مظاهر التشبه بالكفار في العصر الحديث وأثرها على المسلمين)): ((مضاهاة المسلم للكفار لغير مصلحة معتبرة شرعاً، فكلمة مضاهاة تعني التشبه سواء أكان جزئياً أم كلياً وسواء أكان بقصد أو بغير قصد، وتخرج المعاني التي لا تعتبر تشبهاً)) اهـ.
ولإجابة على هذه الشبة التي يرددها البعض أنه حسن الطوية وطيب النية، يكون بجوابين جواب عام وجواب مفصل.
أولًا: الجواب العام.
الأحاديث التي جاء فيها النهي عن التشبه عامة ولم تخصص بحسن النية، ومنها:
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف)) أخرجه الترمذي في ((الجامع)) والطبراني في ((الأوسط)) والقضاعي في ((مسند الشهاب)) وحسنه الإمام الألباني.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه أبو داود في ((السنن)) وأحمد في ((المسند)) والبيهقي في ((الشعب)) وصححه ابن حبان والإمام الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في ((جامع المسائل)): ((وقد شارط عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه أهلَ الكتاب أن لا يُظهِروا شيئًا من شعائرهم بين المسلمين، ولا شيئًا من شعائر الكفار لا الأعياد ولا غيرها، واتفق المسلمون على نهيهم عن ذلك كما شَرَطَه عليهم أمير المؤمنين.
وسواء قَصَد المسلمُ التشبُّهَ بهم أو لم يَقصِد ذلك بحكم العادة التي تعوَّدَها فليس له أن يَفعلَ ما هو من خصائصهم، وكل ما فيه تخصيصُ عيدِهم بلباسِ وطعام ونحو ذلك فهو من خصائص أعيادهم، وليس ذلك من دين المسلَمين)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)): ((فإن قال قائل: أنا لم أقصد التشبُّهَ؟ قلنا: إن التشبُّهَ لا يفتقر إلى نيَّة؛ لأن التشبُّهَ: المشابهة في الشَّكلِ والصُّورة، فإذا حصلت، فهو تشبُّه سواء نويت أم لم تنوِ، لكن إن نويت صار أشَدَّ وأعظم؛ لأنك إذا نويت، فإنما فعلت ذلك محبَّةً وتكريماً وتعظيماً لما هم عليه، فنحن ننهى أيَّ إنسان وجدناه يتشبَّهُ بهم في الظَّاهر عن التشبه بهم، سواء قصد ذلك أم لم يقصده، ولأن النيَّة أمر باطن لا يمكن الاطلاع عليه، والتشبُّه أمرٌ ظاهر فيُنهى عنه لصورته الظَّاهرة)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((القول المفيد على كتاب التوحيد)): ((وهذه النقطة نتدرج منها إلى نقطة أخرى، وهي التحذير من مشابهة المشركين وإن لم يقصد الإنسان المشابهة، وهذه قد تخفى على بعض الناس، حيث يظن أن التشبه إنما يحرم إذا قصدت المشابهة، والشرع إنما علق الحكم بالتشبه؛ أي: بأن يفعل ما يشبه فعلهم، سواء قصد أو لم يقصد، ولهذا قال العلماء في مسألة التشبه: وإن لم ينو ذلك، فإن التشبه يحصل بمطلق الصورة)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((وهنا مسألة تشكل على بعض النساء وعلى بعض الناس أيضا يفعل الإنسان ما فيه التشبه ويقول أنا ما نويت أنا لم أنو التشبه، فيقال إن الشبه صورة غالبة متى وجدت حذر التشبه سواء بنية أو بغير نية فمتى ظهر أن هذا تشبه ويشبه الكافرات ويشبه الفاجرات والعاريات، أو يشبه الرجال من المرأة أو المرأة من الرجل، متى ظهر التشبه فهو حرام سواء كان بقصد أو بغير قصد، لكن إذا كان بقصد فهو أشد وإن كان بغير قصد قلنا يجب عليك أن تغير ما تشبهت به حتى تبتعد عن التشبه)) اهـ.
وسئل رحمه الله كما في ((أسئلة تهم الأسرة المسلمة)): ((ما حكم الملابس النسائية من تصميم الكفار لغير قصد التشبه وهي ساترة ؟
فأجاب: كلمة قصد التشبه غير واردة، لأنه إذا حصل التشبه حصل المحذور وثبت حكمه سواء بقصد أو بغير قصد، فإذا كانت هذه الألبسة مما يختص بالكفار ولا يلبسها غيرهم فإنه لا يجوز للمسلم أن يلبسها، أما إذا كانت الألبسة شائعة بين المسلمين وغير المسلمين لكنه غير موجودة في بلادنا مثلا فلا بأس بلبسها إذا لم يكن ذلك شهرة، فإن كان شهرة فهو حرام)) اهـ.
وقالت هيئة كبار العلماء كما في ((أبحاثها)): ((ولهذه المفسدة نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في المقبرة مطلقا، وإن لم يقصد الصلاة عندها.
ووقت طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها ؛ لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة للشمس فيها فنهى أمته عن الصلاة، وإن لم يقصد ما قصد المشركون، سدا للذريعة وبعدا عن التشبه بعبدة الأوثان)) اهـ.
ثانيًا: الجواب الخاص:
ما أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتي بأبي قحافة أو جاء عام الفتح أو يوم الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغام أو الثغامة فأمر أو فأمر به إلى نسائه قال: ((غيروا هذا بشيء)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم)). متفق عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب)). أخرجه الشيخان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((اقتضاء الصراط)): ((فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه فإن كان كفرا أو معصية أو شعارا للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك.
وبكل حال: فهو يقتضي التشبه بهم بعلة كونه تشبها والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر.
ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير.
فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضا ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبها نظر لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه ولما فيه من المخالفة كما أمر بصبغ اللحى وإعفائها وإحفاء الشوارب مع أن قوله صلى الله عليه و سلم غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية)) اهـ.
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((قد ذكرنا من دلائل الكتاب والسنة والإجماع والآثار والاعتبار ما دل على أن التشبه بهم في الجملة منهي عنه وأن مخالفتهم في هديهم مشروع إما إيجابا وإما استحبابا بحسب المواضع وقد تقدم بيان أن ما أمرنا الله ورسوله به من مخالفتهم مشروع سواء كان ذلك الفعل مما قصد فاعله التشبه بهم أو لم يقصد وكذلك ما نهى عنه من مشابهتهم يعم ما إذا قصدت مشابهتهم أو لم تقصد فإن عامة هذه الأعمال لم يكن المسلمون يقصدون المشابهة فيها، وفيها مالا يتصور قصد المشابهة فيه كبياض الشعر وطول الشارب ونحو ذلك)) اهـ.
وقال سماحة المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله كما في ((فتاواه ورسائله)): ((فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضاً ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبهاً نظر، لكن ينهي عنه لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، مع أن قوله: ((غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود)) دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل؛ بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية.
ثم قال:
واعلم أن التشبه بالكفار يكون بمجرد عمل ما يعملون، قصد المشابهة أو لا)) اهـ.
علق الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله على كلام شيخ الاسلام السابق في حاشية ((إيقاف النبيل على حكم الثمتيل)): ((إذا كان هذا حكم الشيخ فيما فعله المسلمون والكفار اتفاقًا لا تشبهًا وتقليدًا فما الظن بما فوق ذلك؟ فتنبه!)) اهـ.
وملخص الجواب على هذه الشبهة:
أن التشبه يقع بقصد أو بدون قصد، وأن كان بقصد أشتد الأمر وزاد الوزر، والمخالف أما على الوجوب أو على الاستحباب، والله الهادي للصواب.
تنبيه:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((القول المفيد على كتاب التوحيد)): ((فإن قيل: قاعدة (إنما الأعمال بالنيات) هل تعارض ما ذكرنا؟
الجواب: لا تعارضه; لأن ما علق بالعمل ثبت له حكمه وإن لم ينو الفعل؛ كالأشياء المحرمة; كالظهار، والزنا، وما أشبهها.
الثانية: النهي عن التماثيل وغلظ الأمر في ذلك: تؤخذ من قوله: ((وصوروا فيه تلك الصور))، ولاسيما إذا كانت هذه الصور معظمة عادة؛ كالرؤساء، والزعماء، والأب، والأخ، والعم. أو شرعا، مثل: الأولياء، والصالحين، والأنبياء، وما أشبه ذلك.
الثالثة: العبرة في مبالغته صلى الله عليه وسلم في ذلك، كيف بين لهم هذا لأن المضاهاة حصلت سواء نوى أم لم ينو؛ لأن العلة هي المشابهة، وليست العلة قصد المشابهة، فلو جاء رجل وقال: أنا لا أريد أن أضاهي خلق الله، أنا أصور هذا للذكرى مثلا وما أشبه ذلك؛ نقول: هذا حرام; لأنه متى حصلت المشابهة ثبت الحكم؛ لأن الحكم يدور مع علته كما قلنا فيمن لبس لباسا خاصا بالكفار: إنه يحرم عليه هذا اللباس، ولو قال: إنه لم يقصد المشابهة؛ نقول: لكن حصل التشبه; فالحكم المقرون بعلة لا يشترط فيه القصد، فمتى وجدت العلة ثبت الحكم)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأحد 5 ربيع الأول سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 4 ديسمبر سنة 2016 م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد شرع لنا ربنا أفضل الشرائع، وأرسل لنا خير رسول، وأكمل لنا الدين، فما من خير إلا دلنا عليه، وما من شر إلا حذرنا منه.
ومما جاءت الشريعة بالتحذير منه التشبه، سواء كان التشبه بالشيطان أو بالكفار أو بالحيوان أو الأعراب وكذلك تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال.
والشرع نهي عن كل هذه الصور لحِكم، غير أن البعض عندما يقع فيما نهي عنه يتذرع بأن قصده طيب ونيته حسنة.
وقبل الشروع أحب أن أنقل تعريف تشبه المسلم بالكافر – وإن كان موضوعنا أعم - في اصطلاح الشرع حسب ما عرفه صاحب كتاب ((مظاهر التشبه بالكفار في العصر الحديث وأثرها على المسلمين)): ((مضاهاة المسلم للكفار لغير مصلحة معتبرة شرعاً، فكلمة مضاهاة تعني التشبه سواء أكان جزئياً أم كلياً وسواء أكان بقصد أو بغير قصد، وتخرج المعاني التي لا تعتبر تشبهاً)) اهـ.
ولإجابة على هذه الشبة التي يرددها البعض أنه حسن الطوية وطيب النية، يكون بجوابين جواب عام وجواب مفصل.
أولًا: الجواب العام.
الأحاديث التي جاء فيها النهي عن التشبه عامة ولم تخصص بحسن النية، ومنها:
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف)) أخرجه الترمذي في ((الجامع)) والطبراني في ((الأوسط)) والقضاعي في ((مسند الشهاب)) وحسنه الإمام الألباني.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه أبو داود في ((السنن)) وأحمد في ((المسند)) والبيهقي في ((الشعب)) وصححه ابن حبان والإمام الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في ((جامع المسائل)): ((وقد شارط عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه أهلَ الكتاب أن لا يُظهِروا شيئًا من شعائرهم بين المسلمين، ولا شيئًا من شعائر الكفار لا الأعياد ولا غيرها، واتفق المسلمون على نهيهم عن ذلك كما شَرَطَه عليهم أمير المؤمنين.
وسواء قَصَد المسلمُ التشبُّهَ بهم أو لم يَقصِد ذلك بحكم العادة التي تعوَّدَها فليس له أن يَفعلَ ما هو من خصائصهم، وكل ما فيه تخصيصُ عيدِهم بلباسِ وطعام ونحو ذلك فهو من خصائص أعيادهم، وليس ذلك من دين المسلَمين)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)): ((فإن قال قائل: أنا لم أقصد التشبُّهَ؟ قلنا: إن التشبُّهَ لا يفتقر إلى نيَّة؛ لأن التشبُّهَ: المشابهة في الشَّكلِ والصُّورة، فإذا حصلت، فهو تشبُّه سواء نويت أم لم تنوِ، لكن إن نويت صار أشَدَّ وأعظم؛ لأنك إذا نويت، فإنما فعلت ذلك محبَّةً وتكريماً وتعظيماً لما هم عليه، فنحن ننهى أيَّ إنسان وجدناه يتشبَّهُ بهم في الظَّاهر عن التشبه بهم، سواء قصد ذلك أم لم يقصده، ولأن النيَّة أمر باطن لا يمكن الاطلاع عليه، والتشبُّه أمرٌ ظاهر فيُنهى عنه لصورته الظَّاهرة)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((القول المفيد على كتاب التوحيد)): ((وهذه النقطة نتدرج منها إلى نقطة أخرى، وهي التحذير من مشابهة المشركين وإن لم يقصد الإنسان المشابهة، وهذه قد تخفى على بعض الناس، حيث يظن أن التشبه إنما يحرم إذا قصدت المشابهة، والشرع إنما علق الحكم بالتشبه؛ أي: بأن يفعل ما يشبه فعلهم، سواء قصد أو لم يقصد، ولهذا قال العلماء في مسألة التشبه: وإن لم ينو ذلك، فإن التشبه يحصل بمطلق الصورة)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((وهنا مسألة تشكل على بعض النساء وعلى بعض الناس أيضا يفعل الإنسان ما فيه التشبه ويقول أنا ما نويت أنا لم أنو التشبه، فيقال إن الشبه صورة غالبة متى وجدت حذر التشبه سواء بنية أو بغير نية فمتى ظهر أن هذا تشبه ويشبه الكافرات ويشبه الفاجرات والعاريات، أو يشبه الرجال من المرأة أو المرأة من الرجل، متى ظهر التشبه فهو حرام سواء كان بقصد أو بغير قصد، لكن إذا كان بقصد فهو أشد وإن كان بغير قصد قلنا يجب عليك أن تغير ما تشبهت به حتى تبتعد عن التشبه)) اهـ.
وسئل رحمه الله كما في ((أسئلة تهم الأسرة المسلمة)): ((ما حكم الملابس النسائية من تصميم الكفار لغير قصد التشبه وهي ساترة ؟
فأجاب: كلمة قصد التشبه غير واردة، لأنه إذا حصل التشبه حصل المحذور وثبت حكمه سواء بقصد أو بغير قصد، فإذا كانت هذه الألبسة مما يختص بالكفار ولا يلبسها غيرهم فإنه لا يجوز للمسلم أن يلبسها، أما إذا كانت الألبسة شائعة بين المسلمين وغير المسلمين لكنه غير موجودة في بلادنا مثلا فلا بأس بلبسها إذا لم يكن ذلك شهرة، فإن كان شهرة فهو حرام)) اهـ.
وقالت هيئة كبار العلماء كما في ((أبحاثها)): ((ولهذه المفسدة نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في المقبرة مطلقا، وإن لم يقصد الصلاة عندها.
ووقت طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها ؛ لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة للشمس فيها فنهى أمته عن الصلاة، وإن لم يقصد ما قصد المشركون، سدا للذريعة وبعدا عن التشبه بعبدة الأوثان)) اهـ.
ثانيًا: الجواب الخاص:
ما أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتي بأبي قحافة أو جاء عام الفتح أو يوم الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغام أو الثغامة فأمر أو فأمر به إلى نسائه قال: ((غيروا هذا بشيء)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم)). متفق عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب)). أخرجه الشيخان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((اقتضاء الصراط)): ((فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه فإن كان كفرا أو معصية أو شعارا للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك.
وبكل حال: فهو يقتضي التشبه بهم بعلة كونه تشبها والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر.
ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير.
فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضا ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبها نظر لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه ولما فيه من المخالفة كما أمر بصبغ اللحى وإعفائها وإحفاء الشوارب مع أن قوله صلى الله عليه و سلم غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية)) اهـ.
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((قد ذكرنا من دلائل الكتاب والسنة والإجماع والآثار والاعتبار ما دل على أن التشبه بهم في الجملة منهي عنه وأن مخالفتهم في هديهم مشروع إما إيجابا وإما استحبابا بحسب المواضع وقد تقدم بيان أن ما أمرنا الله ورسوله به من مخالفتهم مشروع سواء كان ذلك الفعل مما قصد فاعله التشبه بهم أو لم يقصد وكذلك ما نهى عنه من مشابهتهم يعم ما إذا قصدت مشابهتهم أو لم تقصد فإن عامة هذه الأعمال لم يكن المسلمون يقصدون المشابهة فيها، وفيها مالا يتصور قصد المشابهة فيه كبياض الشعر وطول الشارب ونحو ذلك)) اهـ.
وقال سماحة المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله كما في ((فتاواه ورسائله)): ((فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضاً ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبهاً نظر، لكن ينهي عنه لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، مع أن قوله: ((غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود)) دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل؛ بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية.
ثم قال:
واعلم أن التشبه بالكفار يكون بمجرد عمل ما يعملون، قصد المشابهة أو لا)) اهـ.
علق الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله على كلام شيخ الاسلام السابق في حاشية ((إيقاف النبيل على حكم الثمتيل)): ((إذا كان هذا حكم الشيخ فيما فعله المسلمون والكفار اتفاقًا لا تشبهًا وتقليدًا فما الظن بما فوق ذلك؟ فتنبه!)) اهـ.
وملخص الجواب على هذه الشبهة:
أن التشبه يقع بقصد أو بدون قصد، وأن كان بقصد أشتد الأمر وزاد الوزر، والمخالف أما على الوجوب أو على الاستحباب، والله الهادي للصواب.
تنبيه:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((القول المفيد على كتاب التوحيد)): ((فإن قيل: قاعدة (إنما الأعمال بالنيات) هل تعارض ما ذكرنا؟
الجواب: لا تعارضه; لأن ما علق بالعمل ثبت له حكمه وإن لم ينو الفعل؛ كالأشياء المحرمة; كالظهار، والزنا، وما أشبهها.
الثانية: النهي عن التماثيل وغلظ الأمر في ذلك: تؤخذ من قوله: ((وصوروا فيه تلك الصور))، ولاسيما إذا كانت هذه الصور معظمة عادة؛ كالرؤساء، والزعماء، والأب، والأخ، والعم. أو شرعا، مثل: الأولياء، والصالحين، والأنبياء، وما أشبه ذلك.
الثالثة: العبرة في مبالغته صلى الله عليه وسلم في ذلك، كيف بين لهم هذا لأن المضاهاة حصلت سواء نوى أم لم ينو؛ لأن العلة هي المشابهة، وليست العلة قصد المشابهة، فلو جاء رجل وقال: أنا لا أريد أن أضاهي خلق الله، أنا أصور هذا للذكرى مثلا وما أشبه ذلك؛ نقول: هذا حرام; لأنه متى حصلت المشابهة ثبت الحكم؛ لأن الحكم يدور مع علته كما قلنا فيمن لبس لباسا خاصا بالكفار: إنه يحرم عليه هذا اللباس، ولو قال: إنه لم يقصد المشابهة؛ نقول: لكن حصل التشبه; فالحكم المقرون بعلة لا يشترط فيه القصد، فمتى وجدت العلة ثبت الحكم)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأحد 5 ربيع الأول سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 4 ديسمبر سنة 2016 م