الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن ولاه وبعدُ:
فلما كانت الكثير من الأمور من مسائل الإيمان تشتبه على كثير من الناس، بسبب قلة العلم وعدم الرسوخ فيه، وبسببها وقعت الكثير من الفتن وماجت، كان لابد على المسلم المريد نجاته أن يطلب الفهم الصحيح لمعانيها، لكي لا تزل قدمه فيها ابتداءً، وحتى يرد من ضل فهمه فيها -من عباد الله-انتهاءً.
ومن ذلك لفظةٌ وردت في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» فاشتبه آخر لفظة منه على الكثير، حتى ظنوا منها أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم، نفي الإيمان كله! عن من لم ينكر المنكر بقلبه!
وفي خطأ هذا الفهم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :
" فالمؤمن لا بد أن يحب الحسنات ولا بد أن يبغض السيئات، ولا بد أن يسره فعل الحسنة ويسوءه فعل السيئة، ومتى قُدِّرَ أن في بعض الأمور ليس كذلك كان ناقص الإيمان، والمؤمن قد تصدر منه السيئة فيتوب منها أو يأتي بحسنات تمحوها أو يبتلى ببلاء يكفرها عنه ولكن لا بد أن يكون كارها لها، فإن الله أخبر أنه حبب إلى المؤمنين الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فمن لم يكره الثلاثة لم يكن منهم.
ولكن " محمد بن نصر " يقول: الفاسق يكرهها تدينا.
فيقال: إن أريد بذلك أنه يعتقد أن دينه حرمها وهو يحب دينه وهذه من جملته ; فهو يكرهها.
وإن كان يحب دينه مجملا وليس في قلبه كراهة لها، كان قد عدم من الإيمان بقدر ذلك كما في الحديث الصحيح: {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}. وفي الحديث الآخر الذي في الصحيح أيضا - " صحيح مسلم " -: {فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل}.
فعُلم أن القلب إذا لم يكن فيه كراهة ما يكرهه الله، لم يكن فيه من الإيمان الذي يستحق به الثواب.
وقوله: {من الإيمان} أي: من هذا الإيمان وهو الإيمان المطلق(1). أي: ليس وراء هذه الثلاث ما هو من الإيمان ولا قدر حبة خردل.
والمعنى: هذا آخر حدود الإيمان, ما بقي بعد هذا من الإيمان شيء، ليس مراده أنه من لم يفعل ذلك لم يبق معه من الإيمان شيء، بل لفظ الحديث إنما يدل على المعنى الأول " [الإيمان ص46-المكتب الإسلامي].
------------------
(1) الإيمان المطلق، هو الإيمان الكامل، على عكس (مطلق الإيمان) الذي معناه، أقل درجات الإيمان.
فلما كانت الكثير من الأمور من مسائل الإيمان تشتبه على كثير من الناس، بسبب قلة العلم وعدم الرسوخ فيه، وبسببها وقعت الكثير من الفتن وماجت، كان لابد على المسلم المريد نجاته أن يطلب الفهم الصحيح لمعانيها، لكي لا تزل قدمه فيها ابتداءً، وحتى يرد من ضل فهمه فيها -من عباد الله-انتهاءً.
ومن ذلك لفظةٌ وردت في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» فاشتبه آخر لفظة منه على الكثير، حتى ظنوا منها أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم، نفي الإيمان كله! عن من لم ينكر المنكر بقلبه!
وفي خطأ هذا الفهم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :
" فالمؤمن لا بد أن يحب الحسنات ولا بد أن يبغض السيئات، ولا بد أن يسره فعل الحسنة ويسوءه فعل السيئة، ومتى قُدِّرَ أن في بعض الأمور ليس كذلك كان ناقص الإيمان، والمؤمن قد تصدر منه السيئة فيتوب منها أو يأتي بحسنات تمحوها أو يبتلى ببلاء يكفرها عنه ولكن لا بد أن يكون كارها لها، فإن الله أخبر أنه حبب إلى المؤمنين الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فمن لم يكره الثلاثة لم يكن منهم.
ولكن " محمد بن نصر " يقول: الفاسق يكرهها تدينا.
فيقال: إن أريد بذلك أنه يعتقد أن دينه حرمها وهو يحب دينه وهذه من جملته ; فهو يكرهها.
وإن كان يحب دينه مجملا وليس في قلبه كراهة لها، كان قد عدم من الإيمان بقدر ذلك كما في الحديث الصحيح: {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}. وفي الحديث الآخر الذي في الصحيح أيضا - " صحيح مسلم " -: {فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل}.
فعُلم أن القلب إذا لم يكن فيه كراهة ما يكرهه الله، لم يكن فيه من الإيمان الذي يستحق به الثواب.
وقوله: {من الإيمان} أي: من هذا الإيمان وهو الإيمان المطلق(1). أي: ليس وراء هذه الثلاث ما هو من الإيمان ولا قدر حبة خردل.
والمعنى: هذا آخر حدود الإيمان, ما بقي بعد هذا من الإيمان شيء، ليس مراده أنه من لم يفعل ذلك لم يبق معه من الإيمان شيء، بل لفظ الحديث إنما يدل على المعنى الأول " [الإيمان ص46-المكتب الإسلامي].
------------------
(1) الإيمان المطلق، هو الإيمان الكامل، على عكس (مطلق الإيمان) الذي معناه، أقل درجات الإيمان.