الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد روي في بعض كتب الحديث قول (سقط من عين الله) وجاءت هذه الجملة عن بعض أئمة الدين، ولم أجد من أستنكرها.
فهل صحت هذه العبارة في حديث؟
مَن مِن أهل العلم ذكرها؟
وما هو التوجيه الصحيح لها؟
فكل هذه التساؤلات تجدها فيما يأتي:
أخرج الحكيم الترمذي في ((نوادر الأصول في أحاديث الرسول)) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام، وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بَرَكة الوحي، وإذا تسابَّت أمتي سقطت من عين الله)).
قال للمناوى رحمه الله في ((التيسير بشرح الجامع الصغير)): ((سقطت من عين الله، أي: حط قدرها وحقر أمرها عنده.
(الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) وكذا رواه عنه ابن أبي الدنيا وهو ضعيف)) اهـ.
وضعفه الألباني رحمه الله.
وأخرج العقيلي في ((ضعفاء)) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا أمتي أبت أن يظلم ظالموها تودع الله منها وإذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر منعها الله منفعة الوحي من السماء وإذا أمتي سببت فيما بينها سقطت من عين الله فكيف بكم إذا لم يرأف الله بكم ولم يرحمكم قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال أي والذي بعث محمدا بالحق إذا استعمل عليكم شراركم فقد تخلى الله عنكم)) اهـ.
قال الإمام الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)): منكر.
وقال مالك بن دينار رحمه الله، سنة الحطمة: (بلغني أنه ما من أمة سقطت من عين الله عز وجل إلا ضرب الله عز وجل كبارها بالجوع) أخرجه ابن أبي الدنيا في ((العقوبات)).
وجاء عن السري السقطي أنه قال: ((من تزَيَّنَ للنَّاسِ بما ليسَ فيه، سَقطَ مِنْ عَينِ اللهِ)) أخرجه السلفي في ((الطيوريات)) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) من طريق علي بن عبد الحميد الغضائري به.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((الجواب الكافي)): ((وعشق هو مقت عند الله وبعد من رحمته وهو اضر شيء على العبد في دينه ودنياه وهو عشق المردان فما ابتلى به الا من سقط من عين الله)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((مدارج السالكين)): ((وقيل: الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((إعلام الموقعين)): ((وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون وهو موت القلوب)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((مدارج السالكين)): ((فلا يستغني إلا بالله ولا يفتقر إلا إلى الله ولا يفرح إلا بموافقته لمرضاة الله ولا يحزن إلا على ما فاته من الله ولا يخاف إلا من سقوطه من عين الله واحتجاب الله عنه)) اهـ.
وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في ((لقاء الباب المفتوح)): بالنسبة لعبارة من يقول: عندما نعصى الله سبحانه وتعالى ونبتعد عما أمر الله به نسقط من عين الله سبحانه وتعالى؟
فأجاب: ((هذه عبارة يريد العرب بها أن الإنسان يقل شأنه وأمره عند الله عز وجل، وليسوا يريدون أن الإنسان كان في عين الله، ثم سقط منها، أبداً! ولا يطرأ لهم على بال، لكن يريدون بقولهم: سقط من عين الله.
أي: نقص قدره عند الله عز وجل، وقد يستعمل هذه العبارة بعض العلماء المحققين الذين لا نشك في أن عندهم من علم التوحيد والعقيدة ما لا يصل إليه كثير من الناس، بل كثير من العلماء، فهذا هو المراد، وإذا عرف المراد ولم يكن فيه التباس بأي حال من الأحوال فلا بأس بالتعبير به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين قال له: (يا رسول الله! إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) فأنت ترى هذا دعاء عليه بأن تفقده أمه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا، إنما أتى بعبارة يعبر بها العرب يريدون الحث على التزام هذا الشيء، وإن كان بعض العلماء يقول: إن معنى: (ثكلتك أمك يا معاذ !) إن لم تكف عليك لسانك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى، يا رسول الله! فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا) ولكن المعنى الأول هو الصحيح، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ومعنى هذه الجملة: افتقرت يداك حتى لصقت بالتراب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا؛ لأنه يحث على الظفر بذات الدين فلا يمكن أن يدعو عليه بالفقر، وإنما المراد بهذه العبارة الحث على ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الظفر بذات الدين)) اهـ.
فمما سبق يتبين:
1) أن هذه الجملة لم يصح فيها حديث.
2) بعض أهل العلم استعملوها.
3) معني هذه الجملة: حط قدرها وحقر أمرها عند الله عز وجل أو نقص قدره عند الله عز وجل.
4) جواز استعمل هذه العبارة.
هذا ما تم جمعه والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 11 المحرم سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 12 أكتوبر سنة 2016 م
أما بعد:
فقد روي في بعض كتب الحديث قول (سقط من عين الله) وجاءت هذه الجملة عن بعض أئمة الدين، ولم أجد من أستنكرها.
فهل صحت هذه العبارة في حديث؟
مَن مِن أهل العلم ذكرها؟
وما هو التوجيه الصحيح لها؟
فكل هذه التساؤلات تجدها فيما يأتي:
أخرج الحكيم الترمذي في ((نوادر الأصول في أحاديث الرسول)) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام، وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بَرَكة الوحي، وإذا تسابَّت أمتي سقطت من عين الله)).
قال للمناوى رحمه الله في ((التيسير بشرح الجامع الصغير)): ((سقطت من عين الله، أي: حط قدرها وحقر أمرها عنده.
(الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) وكذا رواه عنه ابن أبي الدنيا وهو ضعيف)) اهـ.
وضعفه الألباني رحمه الله.
وأخرج العقيلي في ((ضعفاء)) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا أمتي أبت أن يظلم ظالموها تودع الله منها وإذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر منعها الله منفعة الوحي من السماء وإذا أمتي سببت فيما بينها سقطت من عين الله فكيف بكم إذا لم يرأف الله بكم ولم يرحمكم قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال أي والذي بعث محمدا بالحق إذا استعمل عليكم شراركم فقد تخلى الله عنكم)) اهـ.
قال الإمام الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)): منكر.
وقال مالك بن دينار رحمه الله، سنة الحطمة: (بلغني أنه ما من أمة سقطت من عين الله عز وجل إلا ضرب الله عز وجل كبارها بالجوع) أخرجه ابن أبي الدنيا في ((العقوبات)).
وجاء عن السري السقطي أنه قال: ((من تزَيَّنَ للنَّاسِ بما ليسَ فيه، سَقطَ مِنْ عَينِ اللهِ)) أخرجه السلفي في ((الطيوريات)) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) من طريق علي بن عبد الحميد الغضائري به.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((الجواب الكافي)): ((وعشق هو مقت عند الله وبعد من رحمته وهو اضر شيء على العبد في دينه ودنياه وهو عشق المردان فما ابتلى به الا من سقط من عين الله)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((مدارج السالكين)): ((وقيل: الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((إعلام الموقعين)): ((وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون وهو موت القلوب)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((مدارج السالكين)): ((فلا يستغني إلا بالله ولا يفتقر إلا إلى الله ولا يفرح إلا بموافقته لمرضاة الله ولا يحزن إلا على ما فاته من الله ولا يخاف إلا من سقوطه من عين الله واحتجاب الله عنه)) اهـ.
وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في ((لقاء الباب المفتوح)): بالنسبة لعبارة من يقول: عندما نعصى الله سبحانه وتعالى ونبتعد عما أمر الله به نسقط من عين الله سبحانه وتعالى؟
فأجاب: ((هذه عبارة يريد العرب بها أن الإنسان يقل شأنه وأمره عند الله عز وجل، وليسوا يريدون أن الإنسان كان في عين الله، ثم سقط منها، أبداً! ولا يطرأ لهم على بال، لكن يريدون بقولهم: سقط من عين الله.
أي: نقص قدره عند الله عز وجل، وقد يستعمل هذه العبارة بعض العلماء المحققين الذين لا نشك في أن عندهم من علم التوحيد والعقيدة ما لا يصل إليه كثير من الناس، بل كثير من العلماء، فهذا هو المراد، وإذا عرف المراد ولم يكن فيه التباس بأي حال من الأحوال فلا بأس بالتعبير به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين قال له: (يا رسول الله! إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) فأنت ترى هذا دعاء عليه بأن تفقده أمه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا، إنما أتى بعبارة يعبر بها العرب يريدون الحث على التزام هذا الشيء، وإن كان بعض العلماء يقول: إن معنى: (ثكلتك أمك يا معاذ !) إن لم تكف عليك لسانك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى، يا رسول الله! فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا) ولكن المعنى الأول هو الصحيح، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ومعنى هذه الجملة: افتقرت يداك حتى لصقت بالتراب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا؛ لأنه يحث على الظفر بذات الدين فلا يمكن أن يدعو عليه بالفقر، وإنما المراد بهذه العبارة الحث على ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الظفر بذات الدين)) اهـ.
فمما سبق يتبين:
1) أن هذه الجملة لم يصح فيها حديث.
2) بعض أهل العلم استعملوها.
3) معني هذه الجملة: حط قدرها وحقر أمرها عند الله عز وجل أو نقص قدره عند الله عز وجل.
4) جواز استعمل هذه العبارة.
هذا ما تم جمعه والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 11 المحرم سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 12 أكتوبر سنة 2016 م
تعليق