بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد فهذا
اختصار لكتاب شيخنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب العقيل –حفظه الله- واسم الكتاب : الملائكة المقربين .
وقد بدلت بعض الكلمات وكتبتها من عندي وحذفت بعض الفصول كفصل عقيدة غير أهل السنة والجماعة في الملائكة واختصرت الكتاب اختصارا أسأل الله أن لا يكون مخلا بالمقصود
وإني أحث الجميع للرجوع إلى الأصل وقراءته فإنه كثير الفوائد والمسائل وفيه من التفصيل الشيء الدقيق فالإختصار لا يغني عن الأصل إنما الإختصار مفيد للمراجعة ومعرفة أمور تتعلق بالملائكة بنوع من الإجمال وأضفت بعض الأمور رأيتها مناسبة أن تذكر وجعلتها بين [ ] والحمد لله على توفيقه وسداده .
التلخيص راجعه بعض الإخوة وأحد مشايخي جزاهم الله خيرا.
[ مختصر كتاب الملائكة المقربين ]
الملائكة : جمع ملأك وملَك , وهو بدون الهمز أكثر وأشهر في كلام العرب منه بالهمز فيقولون: ملَك من الملائكة.
وملأك : مفعل من لأكَ إذا أرسل , والأُلوكَة والمألُكُ والمألَكة والمألُكة : الرسالة. يقال: ألكني أي أرسلني.فعلى هذا يكون أصل الإشتقاق من الألوكة وهي الرسالة.
وهذا هو الذي عليه عامة أهل اللغة والمفسرين.
- الإيمان بالملائكة.
والإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان عبد ولا يقبل إلا بتحقيقه , جاء في حديث جبريل المشهور: (( الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره )) رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد حكم الله بكفر من أنكر وجودهم وجعل الكفر بهم كفرا به سبحانه وتعالى قال تعالى: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }
- معنى الإيمان بالملائكة.
الإيمان بالملائكة واجب إجمالا لا يصح إيمان عبد إلا بذلك وكلما ازداد الإنسان علما بتفاصيل هذه الأمور لزمه من الإيمان بحسب ما بلغه من ذلك.
والإيمان المجمل بالملائكة يتضمن عدة أمور:
1_ الإقرار بوجودهم وأن وجودهم حقيقي وأنهم خلق من خلق الله.
2_ إنزالهم منازلهم التي أنزلهم الله وأنهم عباد مكرمون ولا يُعبدون.
3_ الإيمان بما ورد في حقهم في الكتاب والسنة.
4_ الإيمان بمن سمى الله لنا منهم ومن لم يسم لنا نؤمن به إجمالا.
مادة خلق الملائكة.
عن عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خلقت الملائكة من نور )) رواه مسلم.
زمن خلقهم.
أما زمن خلقهم فإن القرآن لم يوضح ذلك وكذلك السنة وإنما نعلم أنهم خلقوا قبل آدم عليهم السلام.
الحكمة من خلق الملائكة.
[ قال صاحبنا أبوصالح: يكلف الله الملائكة بما يشاء ، وإذا وقفت على بعض تلك التكاليف علمت شيئا من حكمة خلقهم. ]
أعداد الملائكة.
دلت النصوص على أن الملائكة خلق لا يحصيهم إلا الله كثرة ولم تدل النصوص كم عددهم ومما يدل على كثرتهم
ما جاء في الحديث (( فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم )) متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها )) رواه مسلم.
أسماء الملائكة.
أسماء الملائكة على قسمين أسماء عامة وخاصة:
الأسماء العامة:
1_ الرسل , قال تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }
2_ السفرة قال تعالى: { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ }
قال الطبري رحمه الله في تفسيره : والصحيح أن السفرة : الملائكة والسفرة يعني: بين الله وبين خلقه اهـ
3_ الجنود: قال تعالى: { وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}
4_ الملأ الأعلى: قال تعالى: { لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} والملأ: الجماعة ونسبهم للعلو لأنهم من سكان السماء.
5_ الأشهاد: قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }.
هذه أهم الأسماء العامة.
الأسماء الخاصة:
1_ جبريل ويسمى بالروح وروح القدس: قال تعالى: { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} فسماه رب العزة( جبريل )
[ قال حسين: وسيأتي التفصيل في اسم جبريل وصفاته في فصل خاص]
2_ ميكائيل قال تعالى: { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ }
قال عكرمة رحمه الله: جبر , وميك , وسراف : عبد , إيل : الله (الفتح)
ضبط اسمه عليه السلام.
وفي ضبط اسمه ست لغات:
1_ ميكاييل وهي قراءة نافع 2_ ميكائيل قراءة حمزة
3_ ميكال لغة أهل الحجاز وهي قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم
وروي عن ابن كثير الثلاثة أوجه.
4_ ميكئيل مثل ميكعيل وهي قراءة ابن محيصن 5_ ميكييل وهي قراءة الأعمش باختلاف عنه
6_ ميكاءَل.
عمله.
ذكر ابن كثير رحمه الله أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات وله أعوان.
3_ إسرافيل , قال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سألت عائشة أم المؤمنين بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته (( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ...)) رواه مسلم
[ قال حسين: قال القرطبي : الأمم مجمعة على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام.
ونقل الإجماع الحليمي أيضا وكذا الإمام الكرماني في إجماع السلف ]
4_ مالك, خازن النار قال تعالى : {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء (( ورأيت مالكا خازن النار )) رواه البخاري.
ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى: { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } فإن خزنة جهنم تسعة عشر ملَكا ولكن أعظمهم مالك ولذلك خص من بينهم بالذكر.
5_ ملك الموت قال تعالى: { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }
6_ منكر ونكير [ قال حسين: جاء في تسميتهما منكر ونكير أحاديث وفيها خلاف إلا أنه أمر مجمع عليه ذكره الكرماني في إجماع السلف وغيره. ]
7_ هاروت وماروت : قال تعالى: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ }
وهذه الآية صريحة في أن هاروت وماروت ملكان أنزلا إلى الأرض فتنة للناس وكانا يحذران من جاءهما ليتعلم منهما ما نزلا به
الأسماء التي لا تصح اسما.
1_ عزرائيل : لم يثبت أنه اسم لملك الموت.
2_ رقيب وعتيد يذهب بعض الناس إلى أن هذين اسمان لملكين والصواب أنهما وصفان للكرام الكاتبين.
3_ رضوان لم يثبت أنه اسم خازن الجنة
تسمية الملائكة روحانيين.
اشتهر عند كثير من العلماء تسمية الملائكة بهذا الإسم وهذه التسمية اصطلاحية لم ترد في الكتاب والسنة
وكلمة روحانيين تشعر أنهم أرواح لا أجسام لهم ولا صور فالأولى عدم إطلاق هذا الإسم على الملائكة لعدم ثبوته .
تسمية الملائكة الكروبيين.
أطلق كثير من العلماء هذا الإسم على حملة العرش عليهم السلام ومن حولهم وهو بفتح الكاف وبضم الراء والحاصل: أن هذه التسمية غير ثابتة للملائكة لعدم ورودها في القرآن والسنة الصحيحة.
جبريل عليه السلام.
[ قال حسين هذا فصل أضفته واستفدت من الأصل وغيره :
ضبط اسمه
جبريل عليه السلام لعلماء اللسان في جبريل عشر لغات:
1_ جبريل , وهي لغة أهل الحجاز
2_ جَبريل بالفتح وهي قراءة الحسن وابن كثير
3_ جَبْرَئيل مثل جبرعيل كما قرأ أهل الكوفة وهي لغة قيس وتميم
4_ جَبْرَئِل وهي قراءة أبي بكر عن عاصم.
5_ جَبْرَئِلّ بتشديد اللام وهي قراءة يحيى بن يعمر
6_ جبرائل وهي قراءة عكرمة
7_ جبرائيل
8_ جَبرييل وبها قرأ الأعمش ويحيى بن يعمر
9_ جَبرئين
10_ جِبْرين وهي لغة بني أسد وذكر ابن حجر ثلاث عشرة لغة.
من فضائل جبريل عليه السلام:
1_ دافع الله عز وجل عنه وبين أن من كان عدوا لجبريل فهو عدو لله عز وجل قال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} .
2_ أن الله عز وجل وصفه بالأمانة قال تعالى: {نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ}
قال العلامة السعدي : وهو جبريل عليه السلام، الذي هو أفضل الملائكة وأقواهم {الأمِينُ} الذي قد أمن أن يزيد فيه أو ينقص اهـ. (تفسيره)
3_ أن الله تعالى أوكل إليه مهمة الوحي ، فإذا كان ميكال مهمته ما فيه حياة الناس المعيشية ، فإن جبريل مهمته ما فيه حياة الناس القلبية وهي حياة الإيمان
4_ أن الله عز وجل أضافه إلى نفسه تشريفا وتكريما , قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا}
قال ابن كثير رحمه الله: قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْج وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّه، والسُّدِّي، فِي قَوْلِهِ: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} يعني: جبريل، عليه السلام وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ... اهـ (تفسيره)
5_ أن له مكانة عند الله , قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}
قال ابن كثير رحمه الله: أَيْ: لَهُ مَكَانَةٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ اهـ (تفسيره)
6_ أنه من سادات الملائكة وأنه مطاع في الملأ الأعلى قال تعالى: { مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ }
7_ أنه شهد بدرا , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ (( هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ)) أخرجه البخاري
8_ أن الله عز وجل اصطفاه وقربه , كان النبي صلى الله عليه وسلم يدع بـ (( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض...)) رواه مسلم.
قال ابن القيم تعليقا على الحديث: فذكر هؤلاء الثلاثة من الملائكة لكمال اختصاصهم واصطفائهم وقربهم من الله (زاد المعاد)
9_ أن الله عز وجل ذكر اسمه مع اسمه دون بقية الملائكة , قال سبحانه { : فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }
10_ أن الله عز وجل كلمه , قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلاناً فأحبه..)) متفق عليه.
صفاته عليه السلام.
1_ أنه متصف بالأمانة كما سبق معنا.
2_ أنه ذو منظر حسن وخلق طيب قال تعالى: { ذُو مِرَّةٍ }
قال ابن كثير: أي: ذو قوة. قاله مجاهد، والحسن، وابن زيد. وقال ابن عباس: ذو منظر حسن.
وقال قتادة: ذو خَلْق طويل حسن.
ولا منافاة بين القولين؛ فإنه، عليه السلام، ذو منظر حسن، وقوة شديدة اهـ (تفسيره)
3_ أنه ذو علم ï´؟ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ï´¾
4_ القوة الهائلة: قال تعالى: { ذِي قُوَّةٍ } وقال تعالى: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }
5_ له ستمائة جناح قال الله تعالى { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى }
قال ابن مسعود رضي الله عنه : (( أنه رأى جبريل له ستمائة جناح)) متفق عليه. ]
هل إبليس من الملائكة.
قال جماعة من العلماء: هو من الملائكة خلقوا من نار السموم وخلق بقية الملائكة من نور
وهؤلاء محجوجون بقوله تعالى :
{ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ }
فهذه الآية فيها ثلاث صيغ مفيدة للعموم والاستغراق
الأول: (اسم الجمع المعرف بالألف واللام)
والثاني : (كلهم)
والثالث: جاء تأكيد للعموم بقوله (أجمعون)
حكم التسمي بأسماء الملائكة.
ذهب ابن القيم والبغوي وغيرهما إلى كراهة ذلك
وذهب حماد بن أبي سليمان والنووي وغيرهما إلى الجواز
والصواب: أن الأسماء المشتركة يجوز التسمي بها كمالك
وهناك أسماء خاصة كجبريل وميكائيل وإسرافيل فيكره التسمي بها لعدم تسمي أحد من الصحابة بها والتابعين وقد أمرنا بالإستنان بهم.
صفات الملائكة الخِلْقية والخُلٌقية
1_ دلت النصوص على أنهم خلق عظيم في الصورة والقوة , قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ}
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين..)) متفق عليه
2_ ميز الله الملائكة عن بني آدم بالأجنحة قال تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
قال ابن كثير : أي منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ومنهم من له أكثر اهـ (تفسيره)
3_ ولا يحتاجون إلى الطعام والشراب قال تعالى: { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ }
قال القرطبي: قال علماؤنا : ولم يأكلوا لأن الملائكة لا تأكل اهـ (تفسيره)
4_ أنهم لا يتوالدون ولا يتزاوجون قال تعالى: { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }
فالله عز وجل رد على من وصف الملائكة بأنهم بنات الله وأنهم إناث.
[ قال حسين: هل نصفهم بالذكورية ؟ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا:
فقد قال به أبو مجلز لاحق بن حميد -رحمه الله- وهو من التابعين، روى ابن جرير-رحمه الله- بسنده عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز { وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ } قال : هم الملائكة، قلت: يا أبا مجلز يقول الله تبارك وتعالى:"رجال"وأنت تقول: هم الملائكة، قال: إنهم ذكران ليسوا بإناث".
وقال العلامة ابن باز رحمه الله في وصفهم للممرضات بملائكة الرحمة :
هذا الوصف لا يجوز إطلاقه على الممرضات، لأن الملائكة ذكور وليسوا إناثا، وقد أنكر الله سبحانه وتعالى على المشركين وصفهم الملائكة بالأنوثة (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن)
ونقل السيوطي عن الحليمي أنه قال: والملائكة لا ينقسمون إلى ذكور وإناث اهـ. (الحبائك في أخبار الملائك ص:8
وممن ذهب إلى هذا الألوسي حيث قال في وصف الملائكة: العباد المكرمون المبرأون من الذكورة والأنوثة اهـ. (روح المعاني (18/336)
وقال العلامة المجدد عبد الحميد بن باديس : الملائكة مخلوقون من النور، لا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة اهـ. (العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ص:95)
والصواب عندي عدم الإثبات وعدم النفي بل التوقف ]
5_ أنهم يتكلمون حتى إذا تمثلوا في صورة البشر قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
والنصوص دلت على أنهم كلموا آدم عليه السلام وأن الملائكة يكلم بعضهم بعضا وقد تسمع الشياطين كلام الملائكة كمسترقي السمع
6_ أنهم يفهمون ويعقلون وأن لهم قلوبا يصيبهم الخوف من الله قال تعالى: { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
7_ التمثل والتشكل وهذا التصور قد ميز الله به الملائكة عن بني آدم قال تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ }
وقال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا }
وجاء في السنة وقائع كثيرة جدا لتمثل الملائكة بشرا أشهرها حديث جبريل عليه السلام.
مسائل متعلقة بالتمثل:
- تمثل الملائكة إنما هو بصورة البشر ولم يدل دليل صحيح على تمثلهم بغير صورة البشر.
- أن الملائكة تتمثل بصورة الذكور فقط ولا يوجد دليل على تمثلها بصورة نساء.
- تمثل ملك الموت ومجيئه إلى موسى عليه السلام حق ثابت وكذلك فقع عينه من موسى عليه السلام لأنه لم يكن يعرفه وهذا كله كان اختبارا وابتلاء من الله خلافا لأهل البدع
قال المازري : وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث اهـ.(شرح النووي على مسلم)
وفيه أن الصورة تؤثر على الملك إذا تصور بها وإلا فإن اللطمة من البشر لا تؤثر على الملائكة بصورتهم الحقيقية العظيمة.
[ قال حسين: وهذا يدل على أن التشكل والتمثل حقيقي ]
8_ وللملائكة أيد يقبضون بها أرواح الموتى , قال تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }
[ قال حسين : وصف الملائكة باليد مأخوذ من الأصل ص: 243 ]
9_ [ قال حسين : جمال الملائكة , قال تعالى في جبريل: { ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}
قال ابن عباس: (ذو مرة) : ذو منظر حسن، وقال قتادة: ذو خَلْقٍ طويل حسن.
وقد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك، { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } ]
10_ رؤية الملائكة , دلت النصوص على أن الملائكة ترى إذا تشكلت على هيئة البشر كما في قصة الأبرص وحديث جبريل المشهور, أما رؤيتهم على صورتهم التي خلقهم الله عليها فظاهر النصوص تدل على أنهم لا يُرَون إلا ما ثبت أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية مرتين وهذا خاص به.
مسائل متعلقة بالرؤية:
- ينبغي أن يحذر الإنسان فربما لبس عليه شيطان وهو يظن أنه ملك من الملائكة وهذا هو حال كثير من جهلة العباد.
- أن الديكة ترى الملائكة ولا نعلم كيف تراها وبأي صورة تراها لحديث (( إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا )) متفق عليه.
- رؤية الملائكة في المنام ممكنة وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
ووقع ذلك لابن عمر رضي الله عنهما قال: (( فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار قال: فلقينا ملك آخر فقال لي: لم ترع...)) رواه البخاري.
- رؤية الملائكة في المنام ليست مصدر تشريع وإنما هي كغيرها إما مبشرات أو محذرات خلافا للصوفية الجهال.
- لم يدل دليل صحيح على رؤية الملائكة لله عز وجل في هذه الحياة الدنيا.
أي لم يثبت عندنا دليل على انهم نظروا إلى الله
11_ موت الملائكة , قال تعالى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الذي عليه أكثر الناس: أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة وحتى ملك الموت والله سبحانه قادر على أن يميتهم ثم يحييهم اهـ (مجموع الفتاوى)
12_ أخلاق الملائكة : أكرم الله ملائكته عليهم السلام بأن فطرهم وجبلهم على الأخلاق الفاضلة.
الكرم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة .. )) رواه البخاري ومسلم واحمد واللفظ له.
قال الأصبهاني: اسم للأخلاق والفعال المحمودة، والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة اهـ (المفردات)
البر :
قال تعالى: { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} قال ابن رجب رحمه الله : البر يطلق على معنيين:
أحدهما: معاملة الخلق والإحسان إليهم. الثاني: يراد به فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة اهـ (جامع العلوم والحكم باختصار)
والظاهر أن كلا المعنيين موجود في الملائكة.
التواضع :
التواضع للحق وللخلق وعدم التكبر
قال تعالى: { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا }
فالملائكة عليهم السلام متواضعون لربهم محبون للناس متواضعون لهم يدعون لهم ويستغفرون لهم.
الحياء :
وهذا جاء في الحديث الذي فيه دخول عثمان رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه ... –وفيه-.. (( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة )) رواه مسلم
قال النووي رحمه الله: فيه فضيلة ظاهرة لعثمان وجلاله عند الملائكة وأن الحياء صفة جميلة من صفات الملائكة اهـ (شرحه على مسلم)
عبادة الملائكة:
دلت النصوص على أن الله خلق الملائكة وأنهم يعبدونه سبحانه وتعالى ودلت النصوص على عصمة الملائكة
قال تعالى: { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ونحن نذكر أهم عباداتهم
1_ الذكر والتسبيح والدعاء قال تعالى: { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }
وقال تعالى: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ }.
دعاؤهم لطالب العلم ومعلمه :
ورد في الحديث (( وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض .. )) رواه الإمام أحمد
الدعاء لمنتظر الصلاة ولمن جلس في المسجد بعد الصلاة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي فيه ما لم يحدث تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه )) رواه البخاري
دعاؤهم لأهل الصفوف المتقدمة في الصلاة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول )) رواه أبو داود.
دعاؤهم للذين يَصِلون الصفوف :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف )) رواه الإمام أحمد
دعاؤهم للمنفق ماله في سبيل الله :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا )) متفق عليه.
[ قال حسين: وثبت دعاؤهم لغير هؤلاء من أراد الاستزادة فليرجع إلى الأصل ]
2_ من عبادة الملائكة حضور مجالس الذكر وخطبة الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يتتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا ... )) متفق عليه.
قال النووي : قال العلماء معناه: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق اهـ (شرحه على مسلم)
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر )) متفق عليه واللفظ لمسلم.
3_ ومن عبادتهم حضورهم الصلوات في المساجد وتأمينهم.
قال تعالى: { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ )) متفق عليه
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ متفق عليه.
4_ ومن عبادات الملائكة : الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ )) متفق عليه
فهذه صلاة خاصة في مكان خاص لا يعملونها إلا مرة واحدة في عمرهم، وكيفية هذه الصلاة لم ترد بها النصوص.
5_ ومن عبادات الملائكة : الخوف والخشية، قال تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ }
وقال تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }
أعمال الملائكة.
خلق الله ملائكته ووكل لهم القيام بأمور عظام في السموات والأرض والله عز وجل مستغن بذاته عما سواه ولكن ذلك والله أعلم من باب إظهار عظمة الله عز وجل ومن باب ربط الأمور بأسبابها الكونية.
وهذه الأعمال مع كونها أعمال فهي عبادة أيضا فيعملونها طاعة لله عز وجل.
وهي على قسمين :
1_ ما يتعلق بالكون وما فيه
2_ ما يتعلق بالإنسان.
القسم الأول:
1_ حملة العرش، قال تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } ذكر الله عز وجل حملة العرش في هذه الآية ووصفهم بالتسبيح بحمده والدعاء لمن في الأرض
عدد حملة العرش :
جاء عدد حملة العرش في قوله تعالى: { وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } واختلف في عدد حملة العرش، وهل هذه الثمانية أملاك أم أصناف وصفوف.
والأسلم أن يقال بإثبات حملة العرش في الدنيا بدون تحديد لعدد أما يوم القيامة فإن حملة عرش الله ثمانية أملاك لظاهر الآية.
[ قال حسين: والقول بأنهم ثمانية صفوف قول قوي أيضا ]
صفة حملة العرش :
جاء في بعض الأحاديث أنهم على صفة الأوعال والوعل هو تيس الجبل. لكن حديث الأوعال ضعفه غير واحد من العلماء.
وأما الحديث الصحيح فقد جاء عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام )) رواه أبو داود، وهو في الصحيح المسند 248.
2_ خزنة الجنة:
الخزنة جمع خازن مثل حفظة وحافظ وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه.
قال تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}
فهم يتلقون المؤمنين بالتحية الأولى التي حيوا بها أباهم آدم عليه السلام.
وأول من يفتح له الخزنة باب الجنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت ؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك )) رواه مسلم.
3_ الموكلون بالسحاب والقطر، قال تعالى: { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)}
ورد في تفسير هذه الآيات: أن الله أقسم بالملائكة الصافات بين يديه سبحانه وبالملائكة التي تزجر السحاب وتسوقه إلى حيث أمرها الله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة : اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ... )) رواه مسلم.
وفي هذا الحديث إثبات الملائكة الموكلين بالسحاب وأنهم يسوقونه ويأمرونه ويكلمونه وربما كان الكلام الذي سمعه الرجل كلام الملائكة بعضهم لبعض ثم ساقه الملك الموكل بهذه السحابة.
4_ ملك الجبال , تقدم الحديث في مبحث صفات الملائكة أن الله سبحانه وتعالى أرسل ملك الجبال ليطبق على أهل مكة الأخشبين إذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وفي هذا دليل على أن للجبال ملائكة موكلين بها , أما حقيقة عمل ملك الجبال وبماذا كلف فلم أجد ما يدل على ذلك.
5_ الموكل بالنفخ في الصور , تقدم الحديث عن ذلك في مبحث أسماء الملائكة والصور هو القرن الذي ينفخ فيه النفخات الواردة.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما طرف صاحب الصور مذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان )) أخرجه الحاكم في المستدرك.
6_ الملائكة الحافة بمكة والمدينة , وقد ألفت في فضل مكة والمدينة الكتب الطوال ومن فضائلهما:
أن الملائكة حافة بهما وأنهما تحميهما من الدجال فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ )) متفق عليه
7_ الملائكة الموكلة بالشام , عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طوبى للشام إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه )) رواه الإمام أحمد في مسنده.
هذه أهم النصوص التي نصت على بعض الأعمال التي وكل الله بها ملائكته في هذا الكون.
القسم الثاني:
أعمال الملائكة المتعلقة ببني آدم:
1_ السفارة بين الله وبين عباده من بني آدم , قال تعالى: { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ }
وما يبلغه هؤلاء السفراء إلى بني آدم نوعان:
النوع الأول: الوحي المنزل على الأنبياء والرسل عليهم السلام.
النوع الثاني: ما ينزلون به على غير الأنبياء كالمبشرات والابتلاء ونحو ذلك.
2_ كتابة الحسنات والسيئات ، قال تعالى: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }
وقال تعالى: { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }.
وقد ذكر بعض العلماء على ذلك مسائل منها:
- ما الحكمة من كتابة الأعمال مع علم الله بكل ما يقع ؟
الجواب: أن هذا والله أعلم إظهار لعدل الله عز وجل وإقامة الحجة القاطعة لكل شبهة قد يعتذر بها العاصي يوم القيامة.
- عدد الملائكة الكاتبين وأسماؤهم:
الظاهر والله أعلم أن الكتبة اثنان واحد عن اليمين والآخر عن الشمال وقد روي ذلك عن غير واحد من أئمة التفسير.
- ماذا تكتب الملائكة ؟
الذي دلت عليه النصوص أن الملائكة تكتب كل ما صدر عن الإنسان من أقوال وأعمال ظاهرة وباطنة كتابة تفصيلية لا إجمالية.
قال تعالى: { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }
وقد ورد في السنة ما يدل على علم الملائكة بفعل القلب بل وبِهَمِّه وإرادته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرا )) متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
التحقيق أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في نفس الإنسان اهـ (مجموع الفتاوى)
- ما وجه الجمع بين ملازمة الملائكة للإنسان والأحاديث الدالة على أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ونحوها ؟
أجاب الخطابي بقوله: يريد: الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون الملائكة الذين هم الحفظة فإنهم لا يفارقونه اهـ (معالم السنن)
وقال الحليمي: إن الحديث محمول على أنهم لا يدخلون بيتا فيه شيء من ذلك دخول إكرام لصاحبه ودعاء له وتبريك عليه ولا يمنع ذلك من دخولهم لكتابة الأعمال وقبض الأرواح اهـ (الحبائك)
والخلاصة: أن الملائكة الكتبة عليهم السلام ملازمون للإنسان يكتبون كل ما صدر عنه وقد أعدهم الله لذلك وأعطاهم من الوسائل والصفات ما يستطيعون به تنفيذ أمر الله لهم بدون أدنى عناء ومشقة.
3_ حفظ بني آدم , الحفظة والمعقبات ملائكة موكلون بالإنسان يحفظونه ويحوطونه مما يضره من الأعداء المشاهدين وغير المشاهدين فإذا قدر عليهم شيء أسلموه لقدر الله بأمر الله وهم غير الكتبة
قال تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ }
وهؤلاء الحفظة هم والله أعلم الذين يتعاقبون فينا في صلاة الفجر والعصر ويخلف بعضهم بعضا في حماية بني آدم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ )) متفق عليه.
4_ ومن أعمال الملائكة المتعلقة ببني آدم: ملازمته ودعوته للخير , فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير)) وفي رواية ((وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة )) رواه مسلم.
5_ تدبير أمر النطفة في الرحم, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا قَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الْأَجَلُ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ )) متفق عليه
6_ قبض أرواحهم عند الموت , قال تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ }
وقال تعالى: { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }
ويحضر مع ملك الموت ملائكة وهم إما أن يكونوا ملائكة رحمة نسأل الله ذلك أو العياذ بالله ملائكة عذاب.
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }
وقال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }
وقد ورد في بعض الآثار أن الميت يشعر بوجود ملك الموت وربما سأل الجالسين حوله عن وجود شخص غريب بينهم وهذا في الحقيقة أمر ممكن. [ قال حسين : ارجع للأصل ص: 246]
7_ سؤال الناس في قبورهم وما يترتب عليه من نعيم أو عذاب , عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ )) رواه البخاري ومسلم مختصرا
[ قال حسين: وذكر في الأصل حديث البراء المشهور في مسند الإمام أحمد فانظر إليه ]
8_ تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم سلام أمته عليه , عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام )) رواه الإمام أحمد في المسند.
9_ ومنهم الموكلون بالمساجد يوم الجمعة , وقد تقدم الدليل على ذلك.
10_ ومنهم الموكلون بمجالس العلم , وقد تقدم الدليل على ذلك , فينبغي على طالب العلم أن يستحضر هذه الأحاديث الدالة على حضور الملائكة معه وهو في مجلس العلم.
هذه أهم أعمال الملائكة المتعلقة ببني آدم ولو تتبعنا السنة لعلنا نجد غير هذه الأعمال وإن كان هناك أعمال أخرى كثيرة قامت بها ومنها على سبيل المثال:
غسل الملائكة لآدم عليه السلام لما توفي :
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : (( لما توفي آدم غسلته الملائكة بالماء وترا وألحدوا له وقالوا: هذه سنة آدم في ولده )) رواه الحاكم في المستدرك.
ومنها إهلاكهم قوم لوط:
قال تعالى: { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ }
ومنها حملهم التابوت لبني إسرائيل:
قال تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
ومنها شفاعتهم لأهل الإيمان يوم القيامة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( .... فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين)) رواه مسلم
المفاضلة بين الملائكة والبشر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكنت أحسب أن القول فيها محدث حتى رأيتها أثرية سلفية صحابية فانبعثت الهمة إلى تحقيق القول فيها فقلنا حينئذ بما قاله السلف –أي : القول بتفضيل صالحي البشر على الملائكة اهـ (مجموع الفتاوى)
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: ينسب إلى أهل السنة تفضيل صالحي البشر والأنبياء فقط على الملائكة وإلى المعتزلة تفضيل الملائكة وأتباع الأشعري على قولين: منهم من يفضل الأولياء والأنبياء ومنهم من يقف ولا يقطع في ذلك قولا , وحكي عن بعضهم ميلهم إلى تفضيل الملائكة وحكي ذلك عن غيرهم من أهل السنة وبعض الصوفية اهـ (شرح العقيدة الطحاوية)
[ قال حسين: قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: ومذهب أهل السنة أن صالحي البشر أفضل من الملائكة (الصواعق المرسلة:3/1002)
ورجح المؤلف في الأصل: إن صالحي البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية أما باعتبار البداية فإن الملائكة أفضل ]
حقوق الملائكة على بني آدم.
1_ الإيمان بهم , وهو الركن الثاني من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بهم والإيمان بهم مجمل ومفصل وقد سبق بيان ذلك.
2_ محبتهم وتعظيمهم وذكر فضائلهم , الملائكة عباد مكرمون عند الله اختارهم واصطفاهم ووكل بهم أمورا عظاما يعملونها طاعة لله وتعبدا له سبحانه وتعالى فما دام هذا حالهم فإن محبتهم علينا واجبة بل إن محبتهم عليهم السلام من الإيمان بهم , فنحبهم:
لأنهم عبيد لله ، ونحبهم لأعمالهم العظيمة، ونحبهم لدعائهم لنا عند الله، ونحبهم لأنهم يشفعون لنا يوم القيامة، ونحبهم لأنهم يبشروننا بالجنة يوم القيامة، ونحبهم لأنهم يدعون بالسلام لنا على جنبتي الصراط، ونحبهم لأنهم أولياؤنا في الحياة الدنيا والآخرة.
3_ عدم سبهم أو تنقصهم أو الاستهزاء بهم , قال تعالى: { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ }
قال القرطبي رحمه الله: وهذا وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام وإعلان أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم اهـ (تفسير)
وقال تعالى في الحديث القدسي : (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )) رواه البخاري.
قال القاضي عياض : وحكم من سب سائر أنبياء الله تعالى وملائكته واستخف بهم أو كذبهم فيما أتوا به أو أنكرهم وجحدهم : القتل ردة .... قال وقال سحنون: من شتم ملكا من الملائكة فعليه القتل اهـ (الشفا)
[ قال حسين: يراجع الأصل لأهمية الكلام ص: 274-276) ]
4_ البعد عما يكرهه الملائكة عليهم السلام، من حق الملائكة على المسلم أن يبتعد عن كل ما يكرهونه من الأعمال والأقوال وأن ينبذ كل ما يكرهونه من الأشياء التي تبعدهم عنا فإن صحبتهم لنا فيها من المنافع ما الله به عليم
فقد جاء النهي صريحا عن دخول المساجد لمن أكل ما يؤذي الملائكة.
[ قال حسين : راجع الأصل لمعرفة بعض ما يؤذي الملائكة والمرء يبتعد عن المعاصي وما يغضب الله عز وجل , ص:277-282 ]
ثمرات الإيمان بالملائكة :
1_ تحقيق الإيمان , الإيمان مرتبة عظيمة من مراتب الدين يقوم على ستة أركان ومن هذه الأركان الإيمان بالملائكة فمن آمن بالملائكة فقد حقق ركنا واجبا من أركان الإيمان ويلزمه أن يأتي ببقية أركان الإيمان.
فالإيمان الواجب متوقف على الإيمان بالملائكة فالواجب بعد هذا على المسلم أن يعتني العناية القصوى بهذا الركن العظيم وهو الإيمان بالملائكة بتدبر نصوص الكتاب والسنة الصحيحة.
2_ تعظيم الله سبحانه وتعالى وإفراده بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات , وهذه الثمرة أعظم الثمرات وأكثرها فائدة وآكدها وأوجبها على الإنسان ومن أجلها خلق الله الجن والإنس
والقرآن مليء بالآيات الداعية إلى التفكر في آياته ومخلوقاته من أجل العلم بوحدانيته سبحانه وتعالى وعظمته وآلائه ونعمه قال تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
والآيات في هذا المعنى كثيرة والغاية من التفكر والنظر والتدبر الوصول إلى إفراد الله عز وجل بالعبادة المتضمن الإقرار بربوبية الله وأسمائه وصفاته.
والمقصود أن العلم بهذه المخلوقات العظيمة وهي ملائكة الرحمن عليهم السلام , والتدبر في صفاتهم التي أخبرنا الله بها في القرآن وثبتت في السنة يجعل القلب مضطرا إلى تعظيم الله وإفراده بالعبادة.
3_ ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: معرفة كثير من أسرار الكون والخلق مما يزيد الإيمان في قلب المؤمن
فمن الذي يسوق السحاب من بلد إلى بلد ومن الذي يدبر أمر النطفة ومن الذي يحفظ الإنسان من أعدائه الظاهرين والمستترين ونحو ذلك من الأمور التي تحير الإنسان ولكنه سرعان ما يتعرف على كثير من أسرار الكون إذا تدبر الآيات التي ذكر الله فيها الملائكة وما وكلها به من أعمال فينشرح صدره ويزداد إيمانه.
4_ الحصول على الأمن والطمأنينة، قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }
فالأمن في الدنيا والطمأنينة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة متوقفة على تحقيق الإيمان ومن ذلك الإيمان بالملائكة عليهم السلام.
وهناك أمن آخر وطمأنينة حسية في الدنيا تحصل لمن حقق الإيمان بالملائكة وذلك أن الإنسان إذا عرف أن الله قد وكل به ملائكة يحفظونه من أمر الله وبأمر الله ويحفظونه من أعدائه اطمأنت نفسه وسكن قلبه وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
5_ محبة الأعمال الصالحة والأماكن الشريفة، من ثمرات الإيمان بالملائكة محبة الأعمال الصالحة لأن الملائكة عليهم السلام يحبونها ويحبون أهلها ويدعون لهم ويصلون عليهم ويستغفرون لهم ولذلك رغب النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأعمال الصالحة وجعل ثمرة العمل الحصول على دعاء الملائكة.
كذلك تحرص على التواجد في الأماكن التي تحبها الملائكة كالمساجد وحلق العلم لأن فيها من الشرف العظيم الشيء الكثير.
6_ بغض المعاصي والأمور التي يكرهونها، لأنك على يقين بأن الملائكة يكتبون أقوالك وأفعالك فتحرص على ألا يكتب عليك إلا ما هو حسن ينفعك في آخرتك إذا أعطيت كتابك وقيل لك : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }
وإذا زاد إيمانك بهم حتى كأنك تراهم , لا شك أن هذا يؤثر عليك تأثيرا عظيما ويبعدك عن كل ما هو محرم.
7_ إصلاح الأعمال بالإقتداء بهم , وهذا الأثر العملي للإيمان بالملائكة قد نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟! )) قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال: (( يتمون الصفوف ويتراصون الصف )) رواه مسلم.
ومن ذلك إذا نظر الإنسان إلى تواضع الملائكة لله عز وجل مع كثرة عبادتها ومداومتها على العبادة أصلح نفسه وتواضع لله .
8_ الإكثار من ذكر الله وشكره على هذه النعمة العظيمة، إذا عرف الإنسان أن الله عز وجل قد يسر لبني آدم هذه المخلوقات العظيمة، وكلفها بالعمل على ما يصلح أمر بني آدم في الدنيا والآخرة فإذا عرف الإنسان هذا حمد الله سبحانه وشكره على هذه النعم وهذا اللطف والتيسير منه ويسأله الثبات على دينه ويقر بهذه النعمة بقلبه وبتفضل الله سبحانه وتعالى بها ويلهج بذكرها بلسانه...
فالحمد لله والشكر له على هذه النعمة العظيمة وهذه ولا شك ثمرة من ثمرات الإيمان بالملائكة وفائدة من فوائد التوسع بمعرفة أحوالهم وأعمالهم.
بهذا ننتهي من اختصار الكتاب , ومن وجد خطأ ينبهنا
( جل من لا يخطئ )
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد فهذا
اختصار لكتاب شيخنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب العقيل –حفظه الله- واسم الكتاب : الملائكة المقربين .
وقد بدلت بعض الكلمات وكتبتها من عندي وحذفت بعض الفصول كفصل عقيدة غير أهل السنة والجماعة في الملائكة واختصرت الكتاب اختصارا أسأل الله أن لا يكون مخلا بالمقصود
وإني أحث الجميع للرجوع إلى الأصل وقراءته فإنه كثير الفوائد والمسائل وفيه من التفصيل الشيء الدقيق فالإختصار لا يغني عن الأصل إنما الإختصار مفيد للمراجعة ومعرفة أمور تتعلق بالملائكة بنوع من الإجمال وأضفت بعض الأمور رأيتها مناسبة أن تذكر وجعلتها بين [ ] والحمد لله على توفيقه وسداده .
التلخيص راجعه بعض الإخوة وأحد مشايخي جزاهم الله خيرا.
[ مختصر كتاب الملائكة المقربين ]
الملائكة : جمع ملأك وملَك , وهو بدون الهمز أكثر وأشهر في كلام العرب منه بالهمز فيقولون: ملَك من الملائكة.
وملأك : مفعل من لأكَ إذا أرسل , والأُلوكَة والمألُكُ والمألَكة والمألُكة : الرسالة. يقال: ألكني أي أرسلني.فعلى هذا يكون أصل الإشتقاق من الألوكة وهي الرسالة.
وهذا هو الذي عليه عامة أهل اللغة والمفسرين.
- الإيمان بالملائكة.
والإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان عبد ولا يقبل إلا بتحقيقه , جاء في حديث جبريل المشهور: (( الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره )) رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد حكم الله بكفر من أنكر وجودهم وجعل الكفر بهم كفرا به سبحانه وتعالى قال تعالى: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }
- معنى الإيمان بالملائكة.
الإيمان بالملائكة واجب إجمالا لا يصح إيمان عبد إلا بذلك وكلما ازداد الإنسان علما بتفاصيل هذه الأمور لزمه من الإيمان بحسب ما بلغه من ذلك.
والإيمان المجمل بالملائكة يتضمن عدة أمور:
1_ الإقرار بوجودهم وأن وجودهم حقيقي وأنهم خلق من خلق الله.
2_ إنزالهم منازلهم التي أنزلهم الله وأنهم عباد مكرمون ولا يُعبدون.
3_ الإيمان بما ورد في حقهم في الكتاب والسنة.
4_ الإيمان بمن سمى الله لنا منهم ومن لم يسم لنا نؤمن به إجمالا.
مادة خلق الملائكة.
عن عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خلقت الملائكة من نور )) رواه مسلم.
زمن خلقهم.
أما زمن خلقهم فإن القرآن لم يوضح ذلك وكذلك السنة وإنما نعلم أنهم خلقوا قبل آدم عليهم السلام.
الحكمة من خلق الملائكة.
[ قال صاحبنا أبوصالح: يكلف الله الملائكة بما يشاء ، وإذا وقفت على بعض تلك التكاليف علمت شيئا من حكمة خلقهم. ]
أعداد الملائكة.
دلت النصوص على أن الملائكة خلق لا يحصيهم إلا الله كثرة ولم تدل النصوص كم عددهم ومما يدل على كثرتهم
ما جاء في الحديث (( فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم )) متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها )) رواه مسلم.
أسماء الملائكة.
أسماء الملائكة على قسمين أسماء عامة وخاصة:
الأسماء العامة:
1_ الرسل , قال تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }
2_ السفرة قال تعالى: { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ }
قال الطبري رحمه الله في تفسيره : والصحيح أن السفرة : الملائكة والسفرة يعني: بين الله وبين خلقه اهـ
3_ الجنود: قال تعالى: { وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}
4_ الملأ الأعلى: قال تعالى: { لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} والملأ: الجماعة ونسبهم للعلو لأنهم من سكان السماء.
5_ الأشهاد: قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }.
هذه أهم الأسماء العامة.
الأسماء الخاصة:
1_ جبريل ويسمى بالروح وروح القدس: قال تعالى: { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} فسماه رب العزة( جبريل )
[ قال حسين: وسيأتي التفصيل في اسم جبريل وصفاته في فصل خاص]
2_ ميكائيل قال تعالى: { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ }
قال عكرمة رحمه الله: جبر , وميك , وسراف : عبد , إيل : الله (الفتح)
ضبط اسمه عليه السلام.
وفي ضبط اسمه ست لغات:
1_ ميكاييل وهي قراءة نافع 2_ ميكائيل قراءة حمزة
3_ ميكال لغة أهل الحجاز وهي قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم
وروي عن ابن كثير الثلاثة أوجه.
4_ ميكئيل مثل ميكعيل وهي قراءة ابن محيصن 5_ ميكييل وهي قراءة الأعمش باختلاف عنه
6_ ميكاءَل.
عمله.
ذكر ابن كثير رحمه الله أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات وله أعوان.
3_ إسرافيل , قال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سألت عائشة أم المؤمنين بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته (( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ...)) رواه مسلم
[ قال حسين: قال القرطبي : الأمم مجمعة على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام.
ونقل الإجماع الحليمي أيضا وكذا الإمام الكرماني في إجماع السلف ]
4_ مالك, خازن النار قال تعالى : {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء (( ورأيت مالكا خازن النار )) رواه البخاري.
ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى: { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } فإن خزنة جهنم تسعة عشر ملَكا ولكن أعظمهم مالك ولذلك خص من بينهم بالذكر.
5_ ملك الموت قال تعالى: { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }
6_ منكر ونكير [ قال حسين: جاء في تسميتهما منكر ونكير أحاديث وفيها خلاف إلا أنه أمر مجمع عليه ذكره الكرماني في إجماع السلف وغيره. ]
7_ هاروت وماروت : قال تعالى: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ }
وهذه الآية صريحة في أن هاروت وماروت ملكان أنزلا إلى الأرض فتنة للناس وكانا يحذران من جاءهما ليتعلم منهما ما نزلا به
الأسماء التي لا تصح اسما.
1_ عزرائيل : لم يثبت أنه اسم لملك الموت.
2_ رقيب وعتيد يذهب بعض الناس إلى أن هذين اسمان لملكين والصواب أنهما وصفان للكرام الكاتبين.
3_ رضوان لم يثبت أنه اسم خازن الجنة
تسمية الملائكة روحانيين.
اشتهر عند كثير من العلماء تسمية الملائكة بهذا الإسم وهذه التسمية اصطلاحية لم ترد في الكتاب والسنة
وكلمة روحانيين تشعر أنهم أرواح لا أجسام لهم ولا صور فالأولى عدم إطلاق هذا الإسم على الملائكة لعدم ثبوته .
تسمية الملائكة الكروبيين.
أطلق كثير من العلماء هذا الإسم على حملة العرش عليهم السلام ومن حولهم وهو بفتح الكاف وبضم الراء والحاصل: أن هذه التسمية غير ثابتة للملائكة لعدم ورودها في القرآن والسنة الصحيحة.
جبريل عليه السلام.
[ قال حسين هذا فصل أضفته واستفدت من الأصل وغيره :
ضبط اسمه
جبريل عليه السلام لعلماء اللسان في جبريل عشر لغات:
1_ جبريل , وهي لغة أهل الحجاز
2_ جَبريل بالفتح وهي قراءة الحسن وابن كثير
3_ جَبْرَئيل مثل جبرعيل كما قرأ أهل الكوفة وهي لغة قيس وتميم
4_ جَبْرَئِل وهي قراءة أبي بكر عن عاصم.
5_ جَبْرَئِلّ بتشديد اللام وهي قراءة يحيى بن يعمر
6_ جبرائل وهي قراءة عكرمة
7_ جبرائيل
8_ جَبرييل وبها قرأ الأعمش ويحيى بن يعمر
9_ جَبرئين
10_ جِبْرين وهي لغة بني أسد وذكر ابن حجر ثلاث عشرة لغة.
من فضائل جبريل عليه السلام:
1_ دافع الله عز وجل عنه وبين أن من كان عدوا لجبريل فهو عدو لله عز وجل قال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} .
2_ أن الله عز وجل وصفه بالأمانة قال تعالى: {نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ}
قال العلامة السعدي : وهو جبريل عليه السلام، الذي هو أفضل الملائكة وأقواهم {الأمِينُ} الذي قد أمن أن يزيد فيه أو ينقص اهـ. (تفسيره)
3_ أن الله تعالى أوكل إليه مهمة الوحي ، فإذا كان ميكال مهمته ما فيه حياة الناس المعيشية ، فإن جبريل مهمته ما فيه حياة الناس القلبية وهي حياة الإيمان
4_ أن الله عز وجل أضافه إلى نفسه تشريفا وتكريما , قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا}
قال ابن كثير رحمه الله: قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْج وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّه، والسُّدِّي، فِي قَوْلِهِ: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} يعني: جبريل، عليه السلام وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ... اهـ (تفسيره)
5_ أن له مكانة عند الله , قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}
قال ابن كثير رحمه الله: أَيْ: لَهُ مَكَانَةٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ اهـ (تفسيره)
6_ أنه من سادات الملائكة وأنه مطاع في الملأ الأعلى قال تعالى: { مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ }
7_ أنه شهد بدرا , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ (( هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ)) أخرجه البخاري
8_ أن الله عز وجل اصطفاه وقربه , كان النبي صلى الله عليه وسلم يدع بـ (( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض...)) رواه مسلم.
قال ابن القيم تعليقا على الحديث: فذكر هؤلاء الثلاثة من الملائكة لكمال اختصاصهم واصطفائهم وقربهم من الله (زاد المعاد)
9_ أن الله عز وجل ذكر اسمه مع اسمه دون بقية الملائكة , قال سبحانه { : فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }
10_ أن الله عز وجل كلمه , قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلاناً فأحبه..)) متفق عليه.
صفاته عليه السلام.
1_ أنه متصف بالأمانة كما سبق معنا.
2_ أنه ذو منظر حسن وخلق طيب قال تعالى: { ذُو مِرَّةٍ }
قال ابن كثير: أي: ذو قوة. قاله مجاهد، والحسن، وابن زيد. وقال ابن عباس: ذو منظر حسن.
وقال قتادة: ذو خَلْق طويل حسن.
ولا منافاة بين القولين؛ فإنه، عليه السلام، ذو منظر حسن، وقوة شديدة اهـ (تفسيره)
3_ أنه ذو علم ï´؟ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ï´¾
4_ القوة الهائلة: قال تعالى: { ذِي قُوَّةٍ } وقال تعالى: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }
5_ له ستمائة جناح قال الله تعالى { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى }
قال ابن مسعود رضي الله عنه : (( أنه رأى جبريل له ستمائة جناح)) متفق عليه. ]
هل إبليس من الملائكة.
قال جماعة من العلماء: هو من الملائكة خلقوا من نار السموم وخلق بقية الملائكة من نور
وهؤلاء محجوجون بقوله تعالى :
{ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ }
فهذه الآية فيها ثلاث صيغ مفيدة للعموم والاستغراق
الأول: (اسم الجمع المعرف بالألف واللام)
والثاني : (كلهم)
والثالث: جاء تأكيد للعموم بقوله (أجمعون)
حكم التسمي بأسماء الملائكة.
ذهب ابن القيم والبغوي وغيرهما إلى كراهة ذلك
وذهب حماد بن أبي سليمان والنووي وغيرهما إلى الجواز
والصواب: أن الأسماء المشتركة يجوز التسمي بها كمالك
وهناك أسماء خاصة كجبريل وميكائيل وإسرافيل فيكره التسمي بها لعدم تسمي أحد من الصحابة بها والتابعين وقد أمرنا بالإستنان بهم.
صفات الملائكة الخِلْقية والخُلٌقية
1_ دلت النصوص على أنهم خلق عظيم في الصورة والقوة , قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ}
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين..)) متفق عليه
2_ ميز الله الملائكة عن بني آدم بالأجنحة قال تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
قال ابن كثير : أي منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ومنهم من له أكثر اهـ (تفسيره)
3_ ولا يحتاجون إلى الطعام والشراب قال تعالى: { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ }
قال القرطبي: قال علماؤنا : ولم يأكلوا لأن الملائكة لا تأكل اهـ (تفسيره)
4_ أنهم لا يتوالدون ولا يتزاوجون قال تعالى: { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }
فالله عز وجل رد على من وصف الملائكة بأنهم بنات الله وأنهم إناث.
[ قال حسين: هل نصفهم بالذكورية ؟ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا:
فقد قال به أبو مجلز لاحق بن حميد -رحمه الله- وهو من التابعين، روى ابن جرير-رحمه الله- بسنده عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز { وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ } قال : هم الملائكة، قلت: يا أبا مجلز يقول الله تبارك وتعالى:"رجال"وأنت تقول: هم الملائكة، قال: إنهم ذكران ليسوا بإناث".
وقال العلامة ابن باز رحمه الله في وصفهم للممرضات بملائكة الرحمة :
هذا الوصف لا يجوز إطلاقه على الممرضات، لأن الملائكة ذكور وليسوا إناثا، وقد أنكر الله سبحانه وتعالى على المشركين وصفهم الملائكة بالأنوثة (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن)
ونقل السيوطي عن الحليمي أنه قال: والملائكة لا ينقسمون إلى ذكور وإناث اهـ. (الحبائك في أخبار الملائك ص:8
وممن ذهب إلى هذا الألوسي حيث قال في وصف الملائكة: العباد المكرمون المبرأون من الذكورة والأنوثة اهـ. (روح المعاني (18/336)
وقال العلامة المجدد عبد الحميد بن باديس : الملائكة مخلوقون من النور، لا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة اهـ. (العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ص:95)
والصواب عندي عدم الإثبات وعدم النفي بل التوقف ]
5_ أنهم يتكلمون حتى إذا تمثلوا في صورة البشر قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
والنصوص دلت على أنهم كلموا آدم عليه السلام وأن الملائكة يكلم بعضهم بعضا وقد تسمع الشياطين كلام الملائكة كمسترقي السمع
6_ أنهم يفهمون ويعقلون وأن لهم قلوبا يصيبهم الخوف من الله قال تعالى: { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
7_ التمثل والتشكل وهذا التصور قد ميز الله به الملائكة عن بني آدم قال تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ }
وقال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا }
وجاء في السنة وقائع كثيرة جدا لتمثل الملائكة بشرا أشهرها حديث جبريل عليه السلام.
مسائل متعلقة بالتمثل:
- تمثل الملائكة إنما هو بصورة البشر ولم يدل دليل صحيح على تمثلهم بغير صورة البشر.
- أن الملائكة تتمثل بصورة الذكور فقط ولا يوجد دليل على تمثلها بصورة نساء.
- تمثل ملك الموت ومجيئه إلى موسى عليه السلام حق ثابت وكذلك فقع عينه من موسى عليه السلام لأنه لم يكن يعرفه وهذا كله كان اختبارا وابتلاء من الله خلافا لأهل البدع
قال المازري : وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث اهـ.(شرح النووي على مسلم)
وفيه أن الصورة تؤثر على الملك إذا تصور بها وإلا فإن اللطمة من البشر لا تؤثر على الملائكة بصورتهم الحقيقية العظيمة.
[ قال حسين: وهذا يدل على أن التشكل والتمثل حقيقي ]
8_ وللملائكة أيد يقبضون بها أرواح الموتى , قال تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }
[ قال حسين : وصف الملائكة باليد مأخوذ من الأصل ص: 243 ]
9_ [ قال حسين : جمال الملائكة , قال تعالى في جبريل: { ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}
قال ابن عباس: (ذو مرة) : ذو منظر حسن، وقال قتادة: ذو خَلْقٍ طويل حسن.
وقد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك، { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } ]
10_ رؤية الملائكة , دلت النصوص على أن الملائكة ترى إذا تشكلت على هيئة البشر كما في قصة الأبرص وحديث جبريل المشهور, أما رؤيتهم على صورتهم التي خلقهم الله عليها فظاهر النصوص تدل على أنهم لا يُرَون إلا ما ثبت أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية مرتين وهذا خاص به.
مسائل متعلقة بالرؤية:
- ينبغي أن يحذر الإنسان فربما لبس عليه شيطان وهو يظن أنه ملك من الملائكة وهذا هو حال كثير من جهلة العباد.
- أن الديكة ترى الملائكة ولا نعلم كيف تراها وبأي صورة تراها لحديث (( إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا )) متفق عليه.
- رؤية الملائكة في المنام ممكنة وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
ووقع ذلك لابن عمر رضي الله عنهما قال: (( فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار قال: فلقينا ملك آخر فقال لي: لم ترع...)) رواه البخاري.
- رؤية الملائكة في المنام ليست مصدر تشريع وإنما هي كغيرها إما مبشرات أو محذرات خلافا للصوفية الجهال.
- لم يدل دليل صحيح على رؤية الملائكة لله عز وجل في هذه الحياة الدنيا.
أي لم يثبت عندنا دليل على انهم نظروا إلى الله
11_ موت الملائكة , قال تعالى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الذي عليه أكثر الناس: أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة وحتى ملك الموت والله سبحانه قادر على أن يميتهم ثم يحييهم اهـ (مجموع الفتاوى)
12_ أخلاق الملائكة : أكرم الله ملائكته عليهم السلام بأن فطرهم وجبلهم على الأخلاق الفاضلة.
الكرم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة .. )) رواه البخاري ومسلم واحمد واللفظ له.
قال الأصبهاني: اسم للأخلاق والفعال المحمودة، والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة اهـ (المفردات)
البر :
قال تعالى: { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} قال ابن رجب رحمه الله : البر يطلق على معنيين:
أحدهما: معاملة الخلق والإحسان إليهم. الثاني: يراد به فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة اهـ (جامع العلوم والحكم باختصار)
والظاهر أن كلا المعنيين موجود في الملائكة.
التواضع :
التواضع للحق وللخلق وعدم التكبر
قال تعالى: { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا }
فالملائكة عليهم السلام متواضعون لربهم محبون للناس متواضعون لهم يدعون لهم ويستغفرون لهم.
الحياء :
وهذا جاء في الحديث الذي فيه دخول عثمان رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه ... –وفيه-.. (( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة )) رواه مسلم
قال النووي رحمه الله: فيه فضيلة ظاهرة لعثمان وجلاله عند الملائكة وأن الحياء صفة جميلة من صفات الملائكة اهـ (شرحه على مسلم)
عبادة الملائكة:
دلت النصوص على أن الله خلق الملائكة وأنهم يعبدونه سبحانه وتعالى ودلت النصوص على عصمة الملائكة
قال تعالى: { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ونحن نذكر أهم عباداتهم
1_ الذكر والتسبيح والدعاء قال تعالى: { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }
وقال تعالى: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ }.
دعاؤهم لطالب العلم ومعلمه :
ورد في الحديث (( وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض .. )) رواه الإمام أحمد
الدعاء لمنتظر الصلاة ولمن جلس في المسجد بعد الصلاة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي فيه ما لم يحدث تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه )) رواه البخاري
دعاؤهم لأهل الصفوف المتقدمة في الصلاة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول )) رواه أبو داود.
دعاؤهم للذين يَصِلون الصفوف :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف )) رواه الإمام أحمد
دعاؤهم للمنفق ماله في سبيل الله :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا )) متفق عليه.
[ قال حسين: وثبت دعاؤهم لغير هؤلاء من أراد الاستزادة فليرجع إلى الأصل ]
2_ من عبادة الملائكة حضور مجالس الذكر وخطبة الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يتتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا ... )) متفق عليه.
قال النووي : قال العلماء معناه: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق اهـ (شرحه على مسلم)
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر )) متفق عليه واللفظ لمسلم.
3_ ومن عبادتهم حضورهم الصلوات في المساجد وتأمينهم.
قال تعالى: { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ )) متفق عليه
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ متفق عليه.
4_ ومن عبادات الملائكة : الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ )) متفق عليه
فهذه صلاة خاصة في مكان خاص لا يعملونها إلا مرة واحدة في عمرهم، وكيفية هذه الصلاة لم ترد بها النصوص.
5_ ومن عبادات الملائكة : الخوف والخشية، قال تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ }
وقال تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }
أعمال الملائكة.
خلق الله ملائكته ووكل لهم القيام بأمور عظام في السموات والأرض والله عز وجل مستغن بذاته عما سواه ولكن ذلك والله أعلم من باب إظهار عظمة الله عز وجل ومن باب ربط الأمور بأسبابها الكونية.
وهذه الأعمال مع كونها أعمال فهي عبادة أيضا فيعملونها طاعة لله عز وجل.
وهي على قسمين :
1_ ما يتعلق بالكون وما فيه
2_ ما يتعلق بالإنسان.
القسم الأول:
1_ حملة العرش، قال تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } ذكر الله عز وجل حملة العرش في هذه الآية ووصفهم بالتسبيح بحمده والدعاء لمن في الأرض
عدد حملة العرش :
جاء عدد حملة العرش في قوله تعالى: { وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } واختلف في عدد حملة العرش، وهل هذه الثمانية أملاك أم أصناف وصفوف.
والأسلم أن يقال بإثبات حملة العرش في الدنيا بدون تحديد لعدد أما يوم القيامة فإن حملة عرش الله ثمانية أملاك لظاهر الآية.
[ قال حسين: والقول بأنهم ثمانية صفوف قول قوي أيضا ]
صفة حملة العرش :
جاء في بعض الأحاديث أنهم على صفة الأوعال والوعل هو تيس الجبل. لكن حديث الأوعال ضعفه غير واحد من العلماء.
وأما الحديث الصحيح فقد جاء عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام )) رواه أبو داود، وهو في الصحيح المسند 248.
2_ خزنة الجنة:
الخزنة جمع خازن مثل حفظة وحافظ وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه.
قال تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}
فهم يتلقون المؤمنين بالتحية الأولى التي حيوا بها أباهم آدم عليه السلام.
وأول من يفتح له الخزنة باب الجنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت ؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك )) رواه مسلم.
3_ الموكلون بالسحاب والقطر، قال تعالى: { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)}
ورد في تفسير هذه الآيات: أن الله أقسم بالملائكة الصافات بين يديه سبحانه وبالملائكة التي تزجر السحاب وتسوقه إلى حيث أمرها الله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة : اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ... )) رواه مسلم.
وفي هذا الحديث إثبات الملائكة الموكلين بالسحاب وأنهم يسوقونه ويأمرونه ويكلمونه وربما كان الكلام الذي سمعه الرجل كلام الملائكة بعضهم لبعض ثم ساقه الملك الموكل بهذه السحابة.
4_ ملك الجبال , تقدم الحديث في مبحث صفات الملائكة أن الله سبحانه وتعالى أرسل ملك الجبال ليطبق على أهل مكة الأخشبين إذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وفي هذا دليل على أن للجبال ملائكة موكلين بها , أما حقيقة عمل ملك الجبال وبماذا كلف فلم أجد ما يدل على ذلك.
5_ الموكل بالنفخ في الصور , تقدم الحديث عن ذلك في مبحث أسماء الملائكة والصور هو القرن الذي ينفخ فيه النفخات الواردة.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما طرف صاحب الصور مذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان )) أخرجه الحاكم في المستدرك.
6_ الملائكة الحافة بمكة والمدينة , وقد ألفت في فضل مكة والمدينة الكتب الطوال ومن فضائلهما:
أن الملائكة حافة بهما وأنهما تحميهما من الدجال فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ )) متفق عليه
7_ الملائكة الموكلة بالشام , عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طوبى للشام إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه )) رواه الإمام أحمد في مسنده.
هذه أهم النصوص التي نصت على بعض الأعمال التي وكل الله بها ملائكته في هذا الكون.
القسم الثاني:
أعمال الملائكة المتعلقة ببني آدم:
1_ السفارة بين الله وبين عباده من بني آدم , قال تعالى: { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ }
وما يبلغه هؤلاء السفراء إلى بني آدم نوعان:
النوع الأول: الوحي المنزل على الأنبياء والرسل عليهم السلام.
النوع الثاني: ما ينزلون به على غير الأنبياء كالمبشرات والابتلاء ونحو ذلك.
2_ كتابة الحسنات والسيئات ، قال تعالى: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }
وقال تعالى: { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }.
وقد ذكر بعض العلماء على ذلك مسائل منها:
- ما الحكمة من كتابة الأعمال مع علم الله بكل ما يقع ؟
الجواب: أن هذا والله أعلم إظهار لعدل الله عز وجل وإقامة الحجة القاطعة لكل شبهة قد يعتذر بها العاصي يوم القيامة.
- عدد الملائكة الكاتبين وأسماؤهم:
الظاهر والله أعلم أن الكتبة اثنان واحد عن اليمين والآخر عن الشمال وقد روي ذلك عن غير واحد من أئمة التفسير.
- ماذا تكتب الملائكة ؟
الذي دلت عليه النصوص أن الملائكة تكتب كل ما صدر عن الإنسان من أقوال وأعمال ظاهرة وباطنة كتابة تفصيلية لا إجمالية.
قال تعالى: { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }
وقد ورد في السنة ما يدل على علم الملائكة بفعل القلب بل وبِهَمِّه وإرادته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرا )) متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
التحقيق أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في نفس الإنسان اهـ (مجموع الفتاوى)
- ما وجه الجمع بين ملازمة الملائكة للإنسان والأحاديث الدالة على أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ونحوها ؟
أجاب الخطابي بقوله: يريد: الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون الملائكة الذين هم الحفظة فإنهم لا يفارقونه اهـ (معالم السنن)
وقال الحليمي: إن الحديث محمول على أنهم لا يدخلون بيتا فيه شيء من ذلك دخول إكرام لصاحبه ودعاء له وتبريك عليه ولا يمنع ذلك من دخولهم لكتابة الأعمال وقبض الأرواح اهـ (الحبائك)
والخلاصة: أن الملائكة الكتبة عليهم السلام ملازمون للإنسان يكتبون كل ما صدر عنه وقد أعدهم الله لذلك وأعطاهم من الوسائل والصفات ما يستطيعون به تنفيذ أمر الله لهم بدون أدنى عناء ومشقة.
3_ حفظ بني آدم , الحفظة والمعقبات ملائكة موكلون بالإنسان يحفظونه ويحوطونه مما يضره من الأعداء المشاهدين وغير المشاهدين فإذا قدر عليهم شيء أسلموه لقدر الله بأمر الله وهم غير الكتبة
قال تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ }
وهؤلاء الحفظة هم والله أعلم الذين يتعاقبون فينا في صلاة الفجر والعصر ويخلف بعضهم بعضا في حماية بني آدم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ )) متفق عليه.
4_ ومن أعمال الملائكة المتعلقة ببني آدم: ملازمته ودعوته للخير , فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير)) وفي رواية ((وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة )) رواه مسلم.
5_ تدبير أمر النطفة في الرحم, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا قَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الْأَجَلُ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ )) متفق عليه
6_ قبض أرواحهم عند الموت , قال تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ }
وقال تعالى: { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }
ويحضر مع ملك الموت ملائكة وهم إما أن يكونوا ملائكة رحمة نسأل الله ذلك أو العياذ بالله ملائكة عذاب.
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }
وقال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }
وقد ورد في بعض الآثار أن الميت يشعر بوجود ملك الموت وربما سأل الجالسين حوله عن وجود شخص غريب بينهم وهذا في الحقيقة أمر ممكن. [ قال حسين : ارجع للأصل ص: 246]
7_ سؤال الناس في قبورهم وما يترتب عليه من نعيم أو عذاب , عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ )) رواه البخاري ومسلم مختصرا
[ قال حسين: وذكر في الأصل حديث البراء المشهور في مسند الإمام أحمد فانظر إليه ]
8_ تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم سلام أمته عليه , عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام )) رواه الإمام أحمد في المسند.
9_ ومنهم الموكلون بالمساجد يوم الجمعة , وقد تقدم الدليل على ذلك.
10_ ومنهم الموكلون بمجالس العلم , وقد تقدم الدليل على ذلك , فينبغي على طالب العلم أن يستحضر هذه الأحاديث الدالة على حضور الملائكة معه وهو في مجلس العلم.
هذه أهم أعمال الملائكة المتعلقة ببني آدم ولو تتبعنا السنة لعلنا نجد غير هذه الأعمال وإن كان هناك أعمال أخرى كثيرة قامت بها ومنها على سبيل المثال:
غسل الملائكة لآدم عليه السلام لما توفي :
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : (( لما توفي آدم غسلته الملائكة بالماء وترا وألحدوا له وقالوا: هذه سنة آدم في ولده )) رواه الحاكم في المستدرك.
ومنها إهلاكهم قوم لوط:
قال تعالى: { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ }
ومنها حملهم التابوت لبني إسرائيل:
قال تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
ومنها شفاعتهم لأهل الإيمان يوم القيامة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( .... فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين)) رواه مسلم
المفاضلة بين الملائكة والبشر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكنت أحسب أن القول فيها محدث حتى رأيتها أثرية سلفية صحابية فانبعثت الهمة إلى تحقيق القول فيها فقلنا حينئذ بما قاله السلف –أي : القول بتفضيل صالحي البشر على الملائكة اهـ (مجموع الفتاوى)
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: ينسب إلى أهل السنة تفضيل صالحي البشر والأنبياء فقط على الملائكة وإلى المعتزلة تفضيل الملائكة وأتباع الأشعري على قولين: منهم من يفضل الأولياء والأنبياء ومنهم من يقف ولا يقطع في ذلك قولا , وحكي عن بعضهم ميلهم إلى تفضيل الملائكة وحكي ذلك عن غيرهم من أهل السنة وبعض الصوفية اهـ (شرح العقيدة الطحاوية)
[ قال حسين: قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: ومذهب أهل السنة أن صالحي البشر أفضل من الملائكة (الصواعق المرسلة:3/1002)
ورجح المؤلف في الأصل: إن صالحي البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية أما باعتبار البداية فإن الملائكة أفضل ]
حقوق الملائكة على بني آدم.
1_ الإيمان بهم , وهو الركن الثاني من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بهم والإيمان بهم مجمل ومفصل وقد سبق بيان ذلك.
2_ محبتهم وتعظيمهم وذكر فضائلهم , الملائكة عباد مكرمون عند الله اختارهم واصطفاهم ووكل بهم أمورا عظاما يعملونها طاعة لله وتعبدا له سبحانه وتعالى فما دام هذا حالهم فإن محبتهم علينا واجبة بل إن محبتهم عليهم السلام من الإيمان بهم , فنحبهم:
لأنهم عبيد لله ، ونحبهم لأعمالهم العظيمة، ونحبهم لدعائهم لنا عند الله، ونحبهم لأنهم يشفعون لنا يوم القيامة، ونحبهم لأنهم يبشروننا بالجنة يوم القيامة، ونحبهم لأنهم يدعون بالسلام لنا على جنبتي الصراط، ونحبهم لأنهم أولياؤنا في الحياة الدنيا والآخرة.
3_ عدم سبهم أو تنقصهم أو الاستهزاء بهم , قال تعالى: { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ }
قال القرطبي رحمه الله: وهذا وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام وإعلان أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم اهـ (تفسير)
وقال تعالى في الحديث القدسي : (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )) رواه البخاري.
قال القاضي عياض : وحكم من سب سائر أنبياء الله تعالى وملائكته واستخف بهم أو كذبهم فيما أتوا به أو أنكرهم وجحدهم : القتل ردة .... قال وقال سحنون: من شتم ملكا من الملائكة فعليه القتل اهـ (الشفا)
[ قال حسين: يراجع الأصل لأهمية الكلام ص: 274-276) ]
4_ البعد عما يكرهه الملائكة عليهم السلام، من حق الملائكة على المسلم أن يبتعد عن كل ما يكرهونه من الأعمال والأقوال وأن ينبذ كل ما يكرهونه من الأشياء التي تبعدهم عنا فإن صحبتهم لنا فيها من المنافع ما الله به عليم
فقد جاء النهي صريحا عن دخول المساجد لمن أكل ما يؤذي الملائكة.
[ قال حسين : راجع الأصل لمعرفة بعض ما يؤذي الملائكة والمرء يبتعد عن المعاصي وما يغضب الله عز وجل , ص:277-282 ]
ثمرات الإيمان بالملائكة :
1_ تحقيق الإيمان , الإيمان مرتبة عظيمة من مراتب الدين يقوم على ستة أركان ومن هذه الأركان الإيمان بالملائكة فمن آمن بالملائكة فقد حقق ركنا واجبا من أركان الإيمان ويلزمه أن يأتي ببقية أركان الإيمان.
فالإيمان الواجب متوقف على الإيمان بالملائكة فالواجب بعد هذا على المسلم أن يعتني العناية القصوى بهذا الركن العظيم وهو الإيمان بالملائكة بتدبر نصوص الكتاب والسنة الصحيحة.
2_ تعظيم الله سبحانه وتعالى وإفراده بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات , وهذه الثمرة أعظم الثمرات وأكثرها فائدة وآكدها وأوجبها على الإنسان ومن أجلها خلق الله الجن والإنس
والقرآن مليء بالآيات الداعية إلى التفكر في آياته ومخلوقاته من أجل العلم بوحدانيته سبحانه وتعالى وعظمته وآلائه ونعمه قال تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
والآيات في هذا المعنى كثيرة والغاية من التفكر والنظر والتدبر الوصول إلى إفراد الله عز وجل بالعبادة المتضمن الإقرار بربوبية الله وأسمائه وصفاته.
والمقصود أن العلم بهذه المخلوقات العظيمة وهي ملائكة الرحمن عليهم السلام , والتدبر في صفاتهم التي أخبرنا الله بها في القرآن وثبتت في السنة يجعل القلب مضطرا إلى تعظيم الله وإفراده بالعبادة.
3_ ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: معرفة كثير من أسرار الكون والخلق مما يزيد الإيمان في قلب المؤمن
فمن الذي يسوق السحاب من بلد إلى بلد ومن الذي يدبر أمر النطفة ومن الذي يحفظ الإنسان من أعدائه الظاهرين والمستترين ونحو ذلك من الأمور التي تحير الإنسان ولكنه سرعان ما يتعرف على كثير من أسرار الكون إذا تدبر الآيات التي ذكر الله فيها الملائكة وما وكلها به من أعمال فينشرح صدره ويزداد إيمانه.
4_ الحصول على الأمن والطمأنينة، قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }
فالأمن في الدنيا والطمأنينة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة متوقفة على تحقيق الإيمان ومن ذلك الإيمان بالملائكة عليهم السلام.
وهناك أمن آخر وطمأنينة حسية في الدنيا تحصل لمن حقق الإيمان بالملائكة وذلك أن الإنسان إذا عرف أن الله قد وكل به ملائكة يحفظونه من أمر الله وبأمر الله ويحفظونه من أعدائه اطمأنت نفسه وسكن قلبه وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
5_ محبة الأعمال الصالحة والأماكن الشريفة، من ثمرات الإيمان بالملائكة محبة الأعمال الصالحة لأن الملائكة عليهم السلام يحبونها ويحبون أهلها ويدعون لهم ويصلون عليهم ويستغفرون لهم ولذلك رغب النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأعمال الصالحة وجعل ثمرة العمل الحصول على دعاء الملائكة.
كذلك تحرص على التواجد في الأماكن التي تحبها الملائكة كالمساجد وحلق العلم لأن فيها من الشرف العظيم الشيء الكثير.
6_ بغض المعاصي والأمور التي يكرهونها، لأنك على يقين بأن الملائكة يكتبون أقوالك وأفعالك فتحرص على ألا يكتب عليك إلا ما هو حسن ينفعك في آخرتك إذا أعطيت كتابك وقيل لك : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }
وإذا زاد إيمانك بهم حتى كأنك تراهم , لا شك أن هذا يؤثر عليك تأثيرا عظيما ويبعدك عن كل ما هو محرم.
7_ إصلاح الأعمال بالإقتداء بهم , وهذا الأثر العملي للإيمان بالملائكة قد نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟! )) قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال: (( يتمون الصفوف ويتراصون الصف )) رواه مسلم.
ومن ذلك إذا نظر الإنسان إلى تواضع الملائكة لله عز وجل مع كثرة عبادتها ومداومتها على العبادة أصلح نفسه وتواضع لله .
8_ الإكثار من ذكر الله وشكره على هذه النعمة العظيمة، إذا عرف الإنسان أن الله عز وجل قد يسر لبني آدم هذه المخلوقات العظيمة، وكلفها بالعمل على ما يصلح أمر بني آدم في الدنيا والآخرة فإذا عرف الإنسان هذا حمد الله سبحانه وشكره على هذه النعم وهذا اللطف والتيسير منه ويسأله الثبات على دينه ويقر بهذه النعمة بقلبه وبتفضل الله سبحانه وتعالى بها ويلهج بذكرها بلسانه...
فالحمد لله والشكر له على هذه النعمة العظيمة وهذه ولا شك ثمرة من ثمرات الإيمان بالملائكة وفائدة من فوائد التوسع بمعرفة أحوالهم وأعمالهم.
بهذا ننتهي من اختصار الكتاب , ومن وجد خطأ ينبهنا
( جل من لا يخطئ )
تعليق