سائل يسأل: ما قول فضيلتكم في أشخاص طالما نفّروا بعض الشّباب من العلماء المعتبرين والدّعاة الرّبّانيّين وحذّروهم من الأخذ منهم بسبب أنّهم ينشرون محاسن الولّاة ويدعون لهم ويحثّون المسلمين على طاعتهم في غير معصية الله ويجتهدون في إيضاح الحقائق للنّاس ويدعونهم من الأخذ بأساليب الدّعوة المترفّقة؟
الجواب
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
الذّي أرى في هؤلاء الذّين ينتحلون ما ذكرته، أرى أن يتأنّوا وأن يتبصّروا في الأمر وأن يغلّبوا جانب الحكمة على جانب العاطفة، لأنّ العاطفة إذا لم تكبح بشرع وعقل صارت عاصفة وترتّب عليها مفاسد كثيرة.
فنحن نقول لا شكّ أنّ العلماء مهما بلغوا من القدر أنّهم عرضة للخطإ ولا شكّ أنّ ولّاة الأمور مهما حاولوا العدل أنّهم معرّضون للخطإ أيضا ولكن هل يجوز أن نتّخذ من خطإ هؤلاء وهؤلاء سبيلًا إلى القدح فيهم وإلى نشر المساوئ دون نشر المحاسن؟ إنّ ذلك لا يجوز لأنّ الله قال في كتابه العزيز{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ غ– وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىظ° أَلَّا تَعْدِلُوا غڑ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىظ° غ– وَاتَّقُوا اللَّهَ غڑ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (} [المائدة:8] .
فأرجو من إخواني الذّين ينتحلون هذه النِّحلة، أرجو منهم أن يُفكّروا في الأمر جيّدا وأن ينظروا ماذا يترتّب على ذلك من المفاسد العظيمة وذلك أنّ النّاس إذا قلّت ثقتهم بعلمائهم وانحطّ قدر العلماء في أعينهم كان ذلك وسيلة إلى عدم الثّقة بما يقولونه من أحكام الله –عزّ وجلّ- فهبطت قيمة الشّريعة عندهم، أعني الشّريعة التّي يقول بها هؤلاء العلماء، وصاروا لا يقبلون لهم قولًا حتّى في الأحكام الشّرعيّة المحضة. وإذا هبطت قيمة ولّاة الأمور عند النّاس حصلت الفوضى وحصل بذلك شرّ وفتن وقد قال الله –عزّ وجلّ- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا غڑ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:102-103] فالواجب علينا جميعا أن نعتصم بحبل الله وألّا نتفرّق في دين الله وأن يكون كلّ منّا ينزّل أخاه منزلته، كلّنا أخوّة في دين الله فكلّنا إخوة في دين الله، فالواجب أنّ كلّ واحد منّا ينزّل أخاه منزلته: العالم ينزّل منزلة العالم والجاهل ينزّل منزلة الجاهل ويُعلّم، والذّي أخطأ ينزّل منزلة المخطئ ويبيّن له الخطأ لكن بصورة تكون أقرب إلى حسن المقصود يعني مثلا لا نقول إنّ الخطأ لا يبيّن ولا نقول إنّ الخطأ لا يغيّر، لابدّ أن يُبيّن الخطأ ويغيّر لكن ليس بصورة يحصل فيها عكس المراد، بل بالصّورة التّي تكون أقرب إلى حسن المقصود والإنسان عليه أن يتّقي الله –عزّ وجلّ- وأن ينظر ماذا يترتّب على قوله وتوجيهه وفعله هل يترتّب شرّ أو يترتّب خير؟ وأن ينظر إلى البلاد المجاورة لبلادنا ماذا حصل من الشّرور الكثيرة وفات من الخيرات الكثيرة بسبب أنّ كلّ واحد من النّاس يركب رأسه ويحكّم عقله ولا ينظر إلى النّتائج. نعم.
مقتطف من تفريغ محاضرة تحت عنوان الحاجة الى العلم الشرعي من مصادره للشيخ بن عثيمين رحهمه الله
مقتطف من تفريغ محاضرة تحت عنوان الحاجة الى العلم الشرعي من مصادره للشيخ بن عثيمين رحهمه الله