الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
ففي هذه الأيام القلائل بدأ خوارج العصر من حدادية مارقة كعادتهم يحاولون النيل من علماء السنة والتوحيد ،والتنفير منهم بأساليب شتى، وذلك ليخلو لهم الجو فيبثوا أفكراهم وشبهاتهم، ومن أساليبهم الآثمة يخدعون غيرهم من الجهال في قالب تعظيمهم لآثار السلف الصالح وفي حقيقة أمرهم أنهم في واد والسلف الصالح في واد آخر وما بينهما واد بل وديان ، كما سنبين ذلك بمشيئة الله تعالى في ثنايا هذا المقال، وحالهم في ذلك كحال العقارب يدسون رؤوسهم في التراب فمتى تمكنوا لدغوا، وكلما خرج قرن قطع وهكذا حتى يخرج في أعراضهم الدجال ،فلهم مجالسهم سرية ، ومواقع خارجية كموقع الآفاق والأثري ومن كان على شاكلتهما، فيتلقّفون بذلك الشباب السذج الذين لم يشموا رائحة العلم بعد ، أو عرفوا شيئا وغابت عنهم أشياء وأشياء، فلبسوا عليهم بشبهات باطلة ،وقواعد فاسدة فاجرة ، فمن تلكم الشبهات مسألة " إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على عرشه الكريم"، فحاصوا وأرعبوا وأزبدوا فيمن أنكر ذلك من علماء الإسلام قديما وحديثا ، سلفا وخلفا ، بل وصل فجورهم إلى أن حكموا عليهم بالكفر والزندقة.، مع العلم أن هذه المسألة التي نحن في صدد ذكرها وبيانها ليس لها دليل لا من كتاب الله ، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا قول صاحب من الصحب الكرام عليهم العفو من الله والغفران، اللهم إلا قول تابعي ولم يثبت عنه البتة ،كما سنبين ذلك بشيء من التفصيل والإيضاح بمشيئة الله، ومستندهم في ذلك كتاب كتبه أحد خوارج العصر -وقد بينت ضلاله في بعض الحلقات- وكتاب هذا الجهول ينشره بعض إخوانه من الخوارج -وبالأخص في محافظة الطائف- فلذا أحببت أن أناقش بعض كلامه الذي جانب فيه الصواب لعل الله يكتب لنا المثوبة من عنده إنه جواد كريم:
قال الحدادي الجهول في "القول الجليّ" (ص: 33-40) :"قال الشيخ ربيع : ( لا يصحّ هذا من كلام مجاهد ، وهو لا يثبت ، وليس من كلام الرّسول الكريم - عليه الصّلاة والسّلام - .. لو أخبرنا رسول الله أنّه وصل إلى العرش ، وجلس على العرش ؛ ليس في الشّرع ولا في العقل ما يمنعه ؛ لكن لم يثبت لنا الحديث ؛ لأنّ الأمر لا نتديّن ولا نؤمن به إلا إذا ثبت بالدّليل الصّحيح إلى الرّسول الكريم - عليه الصّلاة والسّلام - ؛ أمّا قول مجاهد غفر الله له ؛ فممكن أن يكون أخذه من الإسرائيليات) [ شرح كتاب السنة للبربهاري 1/453 ] ...
الشيخ ربيع ينكر حديث مجاهد المتمثل في جلوس الرّسول - عليه السّلام - يوم القيامة على العرش ، حيث جاء الأثر من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدّثنا هارون بن معروف ؛ حدثنا ابن فضيل ؛ عن ليث ؛ عن مجاهد في قوله " عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا " ؛ قال : " يقعده على العرش"؛ فحدّث به أبي - رحمه الله- ؛ فقال : كان ابن فُضيل يُحدّث به ؛ فلم يُقدَّر لي أن أسمعه منه) [ العرش 2/ 224 ] .
هل وافق الشيخ ربيع السّلفَ في معتقدهم في هذه الجزئيّة أم لا ؟ .اهـ
1 ـ أقول : نعم وافق شيخنا ربيع حفظه الله أكثر السلف في هذه الجزئية ،ووافق السلف جميعا في منهجهم في ردّ الأحاديث والآثار الضعيفة لا سيّما إذا خالفت الأحاديث الصحيحة.
2 ـ لقد حذف هذا الرجل من كلام شيخنا ربيع حفظه الله ما يأتي:
قال الذهبي في "الميزان" (3/439) -بعد الثناء على مجاهد-: وقال أبو بكر بن عياش : قلت للأعمش : ما بال تفسير مجاهد مخالف - أو شيء نحوه ؟ قال : أخذها من أهل الكتاب .
ثم قال الذهبي : ومن أنكر ما جاء عن مجاهد في التفسير في قوله: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا - قال : يجلسه معه على العرش ."
و علقّ شيخنا ربيع حفظه الله في "الحاشية" ما يلي :" قال الذهبي في العلو (ص : 170) أما قضيّة قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص بل في الباب حديث واه ما فسّر به مجاهد الآية".
فكتم هذا المتلوّن الجهول هذين النصين من الإمام الذهبي وشيخنا وهذا البتر والكتمان صار طبيعة له.
3 ـ هذه الأقوال التي ساقها هذا المتلوّن كلها مدارها على الليث بن أبي سليم وواحد منها عن عبد الله بن السلام.
أما الليث بن أبي سليم : ضعيف جدا ،ولا يجوز قبول روايته عنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فضلا عن مجاهد وغيره.
و هاك بيان حاله وكلام الأئمة فيه :
ليث بن أبي سليم بن زنيم أبو بكر القرني قال أحمد مضطرب الحديث و هذا من رواية عبد الله بن أحمد عن ابنه
قال الشيخ يوسف بن عبد الهادي في "بحر الدم"(ص : 360): ليث بن أبي سليم بن زنيم، أبو يكر القرشي: قال أحمد: مضطرب الحديث، ولكن حدث عنه الناس.
وقال في رواية المروذي: ليس هو بذاك.
وقال في رواية الميموني: ضعيف الحديث عن طاوس ،وإذا جمع طاوسا وغيره زياد هو ضعيف.
و انظر "العلل" رواية عبد الله (4691)
و قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (8/466)
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : مضطرب الحديث ،وقال أيضا: ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا منه في ليث بن أبي سليم وابن إسحاق وهمام لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم ،وقال عثمان بن أبي شيبة :سألت جريرا عن ليث ويزيد بن أبي زياد وعطاء بن السائب، فقال: كان يزيد أحسنهم استقامة ،ثم عطاء ،وكان ليث أكثر تخليطا ،قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن هذا ،فقال: أقول كما قال ،وقال أحمد بن سنان عن بن مهدي ليث أحسنهم حالا عندي ،وقال بن أبي حاتم عن أبيه ،قال: ليث أحب إلي من يزيد كان أبرأ ساحة وكان ضعيف الحديث ،قال فذكرت له قول جرير فقال أقول كما قال ،قال :وقلت ليحيى بن معين ليث أضعف من
يزيد وعطاء ؟،قال نعم، وقال معاوية بن صالح عن بن معين ضعيف إلا أنه يكتب حديثه ،وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري عن يحيى بن معين كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه ،وكذا قال عمرو بن علي وابن المثنى وعلي بن المديني وزاد عن يحيى مجال أحب إلي من ليث وحجاج بن أرطاة ،وقال أبو المعتمر القطيعي :كان بن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم ،وقال الميموني عن بن معين :كان ليث ضعيف الحديث عن طاوس ،فإذا جمع إلى طاوس غيره فالزيادة هو ضعيف ،وقال علي بن محمد :سألت وكيعا عن حديث ،من حديث ليث، فقال : ليث كان سفيان لا يسمي ليثا ،وقال مؤمل بن الفضل قلنا لعيسى بن يونس لم تسمع من ليث ؟،قال: قد رأيته ،وكان قد اختلط ،وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن.
وقال بن أبي حاتم : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغل به هو مضطرب الحديث.اهـ
و هناك آخرون من العلماء تكلّموا في ليث بن أبي سليم.
فمن حاله عند أئمة النقد وأهل الشأن وعلى رأسهم الإمام أحمد ويحيى القطان وغيرهما تقبل روايته في باب العقيدة عن مجاهد رحمه الله تعالى الذي يروي الإسرائيليات ؟
فمن لا يقبل هذه الرواية التي هذا حالها يرمى بالتجهّم ؟
وشيخنا ربيع حفظه الله سائر على منهج أئمة الحديث في ردّ الروايات المنكرة ولو نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلا عن تابعي جليل.
فعلى منهج من قبل رواية ليث و طعن فيمن ردّها.
يلزمنا أن نقبل ونتديّن بالروايات المنكرة الإسرائيليات الباطلة ؟
غفر الله للإمام الخلال الذي قبل هذه الرواية ،ونقل طعون من قبلوها و طعنوا فيمن يردّونها ،ورماهم بأنهم جهيمة ،والجهيمة يعطّلون صفات الله و ينكرون استواء الله على عرشه و لهم عقائد أخرى كفرية.
فهل يجوز أن يجعل منهم من يسير على منهج السلف في عقائدهم و منهجهم وحربهم للبدع وأهلها ،وفي ردهم للروايات الضعيفة والمنكرة و الباطلة ؟
وسأضرب مثالين باطلين فيما نقله هذا الخارجي المارق عن الخلال رحمه الله قال في (ص :1: وقال محمد بن يونس البصريّ : ( من ردّ هذه الأحاديث ، فقد أزرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن على مجاهد ، وهو من عالية التابعي ، قد صحب جمعاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عنهم، وما سمعنا أحداً من شيوخنا المتقدمين من أهل السّنّة ذكر هذه الأحاديث إلا بالقبول لها، ويحتجّون بها على الجهميّة ، ويقمعونهم بها ويكفرونهم ، ولا يردّها إلا رجل معطل جهميّ ؛ فمن ردّ هذه الأحاديث ، أو طعن فيها فلا يكلم ، وإن مات لم يصل عليه..) [ السنة للخلال 268 ] .اهـ
قلت : أتدري من هو محمد بن يونس البصري ؟
إنه من الكذابين قال الذهبي في "الميزان" (4/74-75) محمد بن موسى القرشي السامي الكديمي البصري الحافظ أحد المتروكين.
وقال ابن حبان : لعلّه وضع أكثر من ألف حديث.
قال ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(7/279):قد اتهم الكريمي بالوضع و قال ابن جنان لعله وضع أكثر من ألف حديث و قال ابن عدي محمد بن يونس بن موسى أبو العباس الكديمي البصري اتهم بوضع الحديث وبسرقته وادعى رؤية قوم لم يرهم ورواية عن قوم لا يعرفون وترك عامة مشايخنا الرواية عنه ومن حدث عنه نسبه إلى جده موسى بأن لا يعرف سمعت محمد بن سعيد يقول سمعت موسى بن هارون الجمال يقول تقرب إلى الكديمي بالكذب قال لي كتبت عن أبيك في مجلس محمد بن سابق وسمعت أبي يقول ما كتبت عن محمد بن سابق شيئا ولا رأيته سمعت عبدان الأهوازي يقول كتبت عن الكديمي بالأهواز سنة خمس وثلاثين وكان عنده عن أبي سلمة ونحوه وما كان عنده من ذي الحديث الذي حدث ببغداد شيء قلت له أليس كان مستوى الأمر في ذلك الوقت قال نعم سمعت عمر بن محمد الفقيه يقول سمعت جعفر الطيالسي يقول دخلت البصرة ومفيدها الكديمي قال عمر بن محمد أبو حفص الوكيل لعله سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة ثنا حمدان بن مجاهد النسوي ثنا محمد بن يونس ثنا أبو نعيم سنة ثلاث ومائتين وسأله عنه أبو داود ثنا عبد الرحمن بن سعيد بن خليفة ثنا محمد بن موسى ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا قال إبليس قال الشيخ ولم يحدث عن أبي نعيم بهذا الإسناد غير الكديمي ثنا سهل بن يحيى بن سهل الصيرفي ثنا محمد بن يونس الكديمي ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أكذب الناس الصباغون والصواغون ثنا علي بن أحمد بن مروان ثنا أبو يوسف القلوسي قال ثنا بكر بن يحيى بن زبان ثنا الأحول وسألته عن اسمه فلم يحفظ اسمه وهو كوفي جاء إلى حيان ومندل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلح الكذب في جد ولا هزل وأكذب الناس الصناع وقيل وما الصناع قال العامل بيديه قال الشيخ وهذا عن أبي نعيم عن الأعمش كان يقال عن أبي صالح عن أبي سعيد فهو في هذا أعذر ثنا محمد بن منير ثنا محمد بن يونس ثنا خالد بن عبد الرحمن المخزومي ثنا سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه قال الشيخ وهذا لا أعلمه رواه غير الكديمي بهذا الإسناد والكديمي أظهر أمرا من أن يحتاج أن يتبين ضعفه وقد حدثت عن أزهر عن بن عون عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن قال الشيخ وهذا باطل ثنا عصمة البخاري ثنا محمد بن يونس ثنا روح بن عبادة ثنا شعبة عن بن عون عن نافع عن بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا قال الشيخ وانكار هذا الحديث من حديث شعبة عن بن عون وأما عن نافع عن بن عمر فقد رواه جماعة وروى عن أزهر عن بن عون عن نافع عن بن عمر غير حديث باطل وكان مع وضعه للحديث وادعائه مشايخ لم يكتب عنهم يخلق لنفسه شيوخا حتى كان يقول حدثنا شاصويه بن عبيد منصرفنا من عدن أبين فذكر عنه حديثا وكان بن صاعد وشيخنا عبد الملك بن محمد كانا لا يمنعان الرواية عن كل ضعيف كتبنا عنه الا عن الكديمي فكانا لا يرويان عنه لكثرة مناكيره وإن ذكرت كل ما أنكر عليه وادعاه ووضعه لطال ذاك.اهـ
و قال ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكون" (3/109) رقم (3257)
محمد بن يونس بن موسى أبو العباس الشامي الكديمي البصري يروي عن أبي نعيم وغيره قال الدراقطني ضعيف وقال ابن عدي أتهم الكديمي بوضع الحديث وسرقته وادعى برؤية قوم لم يرهم وامتنع عامة مشايخنا من الرواية عنه ومن حدث عنه ينسبه إلى جده لئلا يعرف قال هارون الحمال تقرب إلى الكديمي بالكذب وعرض على أبي حاتم الرازي شيء من حديثه فقال ليس هذا حديث أهل الصدق وقال ابن حبان كان يضع الحديث على الثقات لعله قد وضع أكثر من ألف حديث وقال الأزدي متروك الحديث.اهـ
فهذا هو الكديمي ،و لعله ممن يحارب أهل السنة ،و يرميهم بالتجهّم من أجل أنهم كذّبوه وتركوه وردوا أحاديثه التي يفتريها .
2 ـ قوله :" فقيل لأبي مسعود الجريري: إذا كان على كرسيّ الرّبّ فهو معه ؛ قال: نعم؛ مع الرّبّ ؛ ثمّ قال : هذا أشرف حديث سمعته قط ، وأنا منكر على من ردّ هذا الحديث ، وهو عندي رجل سوء متهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) [ السنة للخلال 280 ] .اهـ
قلت : انظر إلى هذا الغلو الشديد في أثر منكر هو يرى أنه أشرف حديث سمعه قط، فلعله سمع ألوف الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي.
كيف ينقل هذا المتلوّن الجهول مثل هذا الكلام الباطل الذي يخجل في نقله حتى بعض أهل الأهواءوالبدع.
3 ـ قال الحدادي التكفيري في (ص : 33):" من خلال ما ذُكِر نجد أنّ القدامى حكموا على من ردّ حديث مجاهد بأنّه جهميّ، ورجل سوء و كافر ، و مبتدع خبيث ، و ما يكذّب الحديث إلا الزنادقة ..فهل يرضى الشيخ ربيع أن يُرمى بهذه الأوصاف ؟ ".اهـ
قلت : هل سيحكم على بعض الذين يتمسح بهم لمحاربة المنهج السلفي وأهله بالتجهم والزندقة ؟
حيث وافق العلامة ابن باز وشيخنا صالح الفوزان وعبد الله بن غديان وعبد العزيز آل الشيخ وغيرهم الشيخ ربيع حفظه الله فيما ذهب إليه من إنكار صفة إقعاد الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على العرش
جاء عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء السؤال التالي رقمه (19346) :
هل تتفضلون بإيراد الحديث الدال على إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش ؟
الجواب :
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر شيء يجب اعتقاده فيما نعلم ، وأما الأثر المروي عن مجاهد رحمه الله تعالى فهو أثر منكر كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم بالحديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو/بكر أبوزيد
عضو/صالح الفوزان
عضو/عبد الله بن غديان
نائب الرئيس/عبد العزيز آل الشيخ
الرئيس/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
4 ـ قال الخارجي الجهول في (ص : 37 ـ 40):" و قال عبد الوهاب الوراق أيضا : ( الذي ندين الله - تعالى - به ، ونعتقده : ما قد رسمناه وبيّناه من معاني الأحاديث المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وما قاله عبدالله بن العباس ، ومن بعده من أهل العلم ، وأخذوا به كابراً عن كابر، وجيلاً عن جيل إلى وقت شيوخنا ؛ في تفسير قوله - تعالى - " عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا " ؛ أنّ المقام المحمود: هو قعوده - صلى الله عليه وسلم - مع ربّه على العرش، وكان من جحد ذلك ، وتكلم فيه بالمعارضة ؛ إنّما يريد بكلامه في ذلك ؛ كلام الجهمية ؛ يجانب ، ويباين ، ويحذر عنه .. وعلى ذلك من أدركت من شيوخنا أصحاب أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل ؛ فإنّهم منكرون على من ردّ هذه الفضيلة. ولقد بيّن الله ذلك على ألسنة أهل العلم على تقادم الأيام ؛ فتلقّاه الناس بالقبول؛ فلا أحد ينكر ذلك ، ولا ينازع فيه ) [ طبقات الحنابلة 2/9-11] .
قلت : هذا الكلام للنجاد لا الوراق.
فتأمل قول النجاد :" الذي ندين الله - تعالى - به ، ونعتقده ما قد رسمناه وبيّناه من معاني الأحاديث المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وما قاله عبدالله بن العباس ، ومن بعده من أهل العلم..."
على هذا الكلام مآخذ عدة منها :
1 ـ قوله :" الأحاديث المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
إن هذا الكلام ليوهم القارئ أن هناك أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنص على إجلاس الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ،وهذه دعوى عريضة تؤخذ على النجاد -إن كان قال هذا الكلام-.
2 ـ ماروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش ، أورده الذهبي في "كتاب العرش" (رقم 189)وهو ضعيف جدا في إسناده الضحاك بن مزاحم يرسل عن ابن عباس .
وقد سئل هل سمعت من ابن عباس ؟، فقال : لا .
قيل له : رأيته ؟
قال : لا .
وفي إسناده عباد بن أبى روق . قال يحيى بن معين : قد رأيته وليس بثقة .
وقال ابن عدى : له أحاديث ، ولأبيه أحاديث ، وما يرويانه لا يتابعان عليه.
وفي إسناده أحمد بن الفرج الطائي.
3 ـ انظر في قوله :" أنّ المقام المحمود: هو قعوده - صلى الله عليه وسلم - مع ربّه على العرش".
بصيغة الحصر ،فأين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة في الشفاعة ؟
4 ـ ونقل الذهبي رحمه الله في "العلو" (2/1090 رقم 426)عن أبي بكر أحمد بن سليمان النجاد المحدث قال فيما نقله عنه القاضي أبو يعلى الفراء لو أن حالفا حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا على العرش واستفتاني لقلت له صدقت وبررت".اهـ
فعلق الذهبي على هذا الأثر بقوله : "فأبصر حفظك الله من الهوى كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر واليوم فيردون الأحاديث الصريحة في العلو بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى :الرحمن على العرش استوى".اهـ
الذين يردون أثر مجاهد رحمه الله لا يجوز أن يطعن فيهم ،ولا أن يرموا بأنهم جهمية ،فإنهم ينطلقون من منهج صحيح منهج السلف الصالح في ردّ الأحاديث والآثار المنكرة في الوقت الذين يحاربون فيه الجهمية وضلالاتهم.
أقوال الإمام أحمد في الاعتماد على الأحاديث الصحاح :
قال ابن قدامة رحمه الله : "قال أبو بكر الخلال أخبرنا المروذي ،قال: سألت أبا عبد الله عن أخبار الصفات؟ فقال: نمرها كما جاءت .
قال : وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم ،قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ،وأن الله يرى وإن الله يضع قدمه وما أشبهه، فقال أبو عبد الله نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا ،ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ،إذا كانت بأسانيد صحاح ولا نرد على رسول الله قوله ولا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله بلا حد ولا غاية :{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }(الشورى: من الآية11) . ولا يبلغ الواصفون صفته وصفاته منه ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعث"("ذم التأويل"(ص : 2
قال اللالكائي :" قال حنبل بن إسحاق قال : سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله ينزل إلى السماء الدنيا
فقال أبو عبد الله : « نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد شيئا منها إذا كانت أسانيد صحاح ، ولا نرد على رسول الله قوله ونعلم أن ما جاء به الرسول حق
حتى قلت لأبي عبد الله : » ينزل الله إلى سماء الدنيا قال : قلت : نزوله بعلمه بماذا ؟ فقال لي : اسكت عن هذا ، مالك ولهذا ، أمض الحديث على ما روي بلا كيف ولا حد ، إنما جاءت به الأثار وبما جاء به الكتاب قال الله عز وجل : {فلا تضربوا لله الأمثال } [سورة النحل آية: 74]
ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته ، أحاط بكل شيء علما ، لا يبلغ قدره واصف ولا ينأى عنه هرب هارب."شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"(رقم 777).
قال أبو يعلى :" وقال –أي : الإمام أحمد-في رواية حنبل في الأحاديث التي تروى: " إن الله، تبارك وتعالى، ينزل إلى سماء الدنيا " والله يرى " وأنه يضع قدمه " وما أشبه بذلك، نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد شيئا منها، ونعلم أن ما قاله الرسول، صلى الله عليه وسلم، حق إذا كانت بأسانيد صحاح
وقال في رواية حنبل: يضحك الله، ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول وقال: المشبهة تقول: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، ومن قال ذلك فقد شبه الله بخلقه فقد نص أحمد على القول بظاهر الأخبار من غير تشبيه ولا تأويل."إبطال التأويلات"(ص : 45)
وروى اللالكائي :أن الإمام أحمد قال في أحاديث الرؤية:" نؤمن بها ونقر وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر.(1/322)
هذا و قد أورد شيخنا ربيع حفظه الله كلام الأئمة في تفسيره قول الله تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79] في كتابه " الذريعة إلى بيان مقاصد الشريعة" (4/275-292) قال حفظه الله :
ذكر المؤلف في هذا الباب في تفسير قول الله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
عددا من الأحاديث تدل على أن المقام المحمود هو الشفاعة :
1 ـ تفسير حذيفة رضي الله عنه وهو صحيح ،ومثله لا يقال من قبل الرأي ، فله حكم الرفع.
2 ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه ضعيف ،لكن له شواهد يتقوى بها.
3 ـ تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ضعيف ، لكن يتقوى بما في معناه من الأحاديث.
4 ـ ومن هذا الباب حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي رواه مسلم بإسناده إلى يزيد الفقير قال :
كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم، جالس إلى سارية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} [آل عمران: 192] و {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} [السجدة: 20]، فما هذا الذي تقولون؟ قال: فقال: «أتقرأ القرآن؟» قلت: نعم، قال: «فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام - يعني الذي يبعثه الله فيه -؟» قلت: نعم، قال: «فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج...الحديث.
وفيه المراد بقول الله تعالى : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79] شفاعته صلى الله عليه وسلم.
5 ـ وحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه البخاري في تفسير سورة الإسراء تحت باب: قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79] ،حديث (471،قال :" : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود".
قال البخاري عقبه : رواه حمزة بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإيراد البخاري لهذا الحديث في تفسير هذه الآية الكريمة : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79] ،يدل على أنه يعتقد أن المقام المحمود إنما هو شفاعته صلى الله عليه وسلم.
5 ـ وحديث حذيفة رضي الله عنه الذي رواه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (11230) قال : يجمع الناس في صعيد ولا تكلم نفس فأول مدعو محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك وابن عبدك وبك وإليك ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت فهذا قوله {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79].
7 ـ وحيث ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (11231) قال أنا العباس بن عبد الله بن العباس ، قال : حدثنا سعيد بن منصور المكي نا أبو الأحوص عن آدم بن علي ، قال : سمعت بن عمر يقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون أي فلان اشفع لنا حتى تنتهي الشفاعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذلك يوم يبعثه الله تبارك وتعالى المقام المحمود .
إسناد ابن عمر حسن إن شاء الله ،أدم بن علي الشيبانب ،قال الحافظ بن حجر:وقال الذهبي في "الكاشف":صدوق.
وفيه العباس بن عبد الله بن عباس السندي الأسدي ،أبو الحارث الأنطاكي ،قال الحافظ ابن حجر :صدوق،وقال الحافظ الذهبي في "الكاشف":صدوق.
8 ـ وحديث جابر رضي الله عنه الذي رواه البخاري (4719) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة.
فإيراد البخاري رحمه الله لهذا الحديث في تفسيرهذه الآية : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
يدل على أنه يعتقد أن المقام المحمود إنما هو شفاعته صلى الله عليه وسلم فتنبه وتبصّر.
وقال ابن جرير رحمه الله في "تفسيره" (15/143 /137) في تفسير قول الله تعالى : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
ثم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك المقام المحمود، فقال أكثر أهل العلم: ذلك هو المقام الذي هو يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
ذكر من قال ذلك :حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: يجمع الناس في صعيد واحد،
فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفاة عراة كما خلقوا، قياما لا تكلم نفس إلا بإذنه، ينادى: يا محمد، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، عبدك بين يديك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب هذا البيت "، فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله تعالى.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، فأول ما يدعو محمد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقوم محمد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: " لبيك "، ثم ذكر مثله.
حدثنا سليمان بن عمرو بن خالد الرقي، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن رشدين بن كريب، عن أبيه عن ابن عباس، قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79] قال: المقام المحمود: مقام الشفاعة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، قال: ثنا أبو الزعراء، عن عبد الله في قصة ذكرها، قال: ثم يؤمر بالصراط فيضرب على جسر جهنم، فيمر الناس بقدر أعمالهم، يمر أولهم كالرق، وكمر الريح، وكمر الطير، وكأسرع البهائم، ثم كذلك حتى يمر الرجل سعيا، ثم مشيا، حتى يجئ آخرهم يتلبط على بطنه، فيقول: رب لما أبطأت بي، فيقول: إني لم أبطأ بك، إنما أبطأ بك عملك، قال: ثم يأذن الله في الشفاعة، فيكون أول شافع يوم القيامة جبرئيل عليه السلام، روح القدس، ثم إبراهيم خليل الرحمن، ثم موسى، أو عيسى، قال أبو الزعراء: لا أدري أيهما قال، قال: ثم يقوم نبيكم عليه الصلاة والسلام رابعا، فلا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الذي ذكر الله {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن في قول الله تعالى :{ومن الليل فتهجد به نا فلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]قال: المقام المحمود: مقام الشفاعة يوم القيامة.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: (مقاما محمودا) قال: شفاعة محمد يوم القيامة.
حدثنا القاسم، قال: الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: الحسين، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم الاحول، عن أبي عثمان، عن سليمان، قال: هو الشفاعة، يشفعه الله في أمته، فهو المقام المحمود
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
، وقد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خير بين أن يكون نبيا عبدا، أو ملكا نبيا، فأومأ إليه جبرئيل عليه السلام: أن تواضع، فاختار نبي الله أن يكون عبدا نبيا، فأعطي به نبي الله ثنتين: إنه أول من تنشق عنه الارض، وأول شافع. وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله تبارك وتعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79] شفاعة يوم القيامة.
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (مقاما محمودا) قال: هي الشفاعة، يشفعه الله في أمته.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر والثوري، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، قال: سمعت حذيفة يقول في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
قال: يجمع الله الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي، فينفذهم البصر حفاة عراة، كما خلقوا سكوتا لا تكلم نفس إلا بإذنه، قال: فينادى محمد، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك، ولك وإليك، لا ملجأ ولا منجز منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت، قال: فذلك المقام المحمود الذي ذكر الله {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، قال حذيفة: يجمع الله الناس في صعيد واحد، حيث ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي حفاة عراة كما خلقوا أول مرة، ثم يقوم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: " لبيك وسعديك "، ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال: هو المقام
المحمود. وقال آخرون: بل ذلك المقام المحمود الذي وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إياه، هو أن يقاعده معه على عرشه.
ذكر من قال ذلك: حدثنا عباد بن يعقوب الاسدي، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
قال: يجلسه معه على عرشه، وأولى القولين في ذلك بالصواب ما صح به
الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وذلك ما حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن دواد بن يزيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
سئل عنها، قال: " هي الشفاعة " حدثنا على بن حرب، ثنا مكي بن إبراهيم، قال: ثنا داود بن يزيد الاودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
قال: " هو المقام الذي أشفع فيه لامتي "
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثني الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أنه قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الاذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لست صاحب ذلك، ثم بموسى عليه السلام، فيقول كذلك، ثم بمحمد فيشفع بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاما
محمودا)
حدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا سعيد بن زيد، عن علي بن الحكم، قال: ثني عثمان، عن إبراهيم، عن الاسود وعلقمة، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأقوم المقام المحمود، فقال رجل: يارسول الله، وما ذلك المقام المحمود ؟ قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام، فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما، ثم يقتعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي فألبسها، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه غيري يغبطني فيه الاولون والآخرون، ثم يفتح نهر من الكوثر إلى الحوض "
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة مد الله الارض مد الاديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه "، قال: النبي
صلى الله عليه وسلم: " فأكون أول من يدعى وجبرئيل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: أي رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي، فيقول الله عزوجل: صدق، ثم أشفع، قال: فهو المقام المحمود ".
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الوري، عن علي بن الحسين، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة "، فذكر نحوه، وزاد فيه: " ثم أشفع فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أطراف الارض، وهو المقام المحمود ".
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا إبراهيم بن طهمان، عن آدم، عن علي، قال: سمعت ابن عمر يقول: إن الناس يحشرون يوم القيامة، فيجئ مع كل نبي أمته، ثم يجئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الامم هو وأمته، فيرقى هو وأمته على كوم فوق الناس، فيقول: يا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، فما زال يردها بعضهم على بعض يرجع ذلك إليه، وهو المقام المحمود الذي وعده الله إياه
حدثنا محمد بن عوف، قال: ثنا حيوة وربيع، قالا: ثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل فيكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود "
وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر"
وساق ابن جرير رحمه الله الأحاديث والآثار التي تدل على أن المقام المحمود إنما هو الشفاعة.
منها : أثر :حذيفة السابق وتفسير ابن عباس .
ـ ثم قول ابن مسعود رضي الله عنه.
ـ ثم قول الحسن رحمه الله.
ـ ثم ساق روايتين عن مجاهد ، فيها أن المقام المحمود هو الشفاعة ، وهما أصح من رواية ليث بن أبي سليم.
ـ ثم ساق رواية سلمان رضي الله عنه.
ـ ثم رواية قتادة رحمه الله.
ـ ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق ذكره في أن المقام المحمود هو الشفاعة ، وقد بينا درجته.
ـ ثم ساق حديثا عن كعب بن مالك مرفوعا، يفيد أن المقام المحمود هو الشفاعة.
ـ ثم ساق رواية عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد أن الشفاعة هي المقام المحمود ، وهي رواية مرسلة تعضدها الأحاديث السابقة.
ـ ثم ساق حديث ابن عمر السابق ، وقد بينا درجته.
ثم قال في (ص :147):" وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله
{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]لما ذكرنا من الرواية عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من
أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع
صحته، لا من جهة خبر ولا نظر"
أقول :
1 ـ إن ماتضمنه القول المنسوب إلى مجاهد ليس مستحيلا ، لكنه لم يصح ، وقد عرف القارئ المنصف ضعفه.
2 ـ ونقول للإمام ابن جرير : أنت نقلت عنه روايتين تدل أنه يقول مثل غيره ، ومثل مادلت عليه الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشفاعة هي المقام المحمود .
3 ـ لقد صحح ابن جرير القول بأن المقام المحمود إنما هو الشفاعة.
فقال : بعد أن ساق الأدلة الكثيرة على هذا القول.
" وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله تعالى : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
لما ذكرنا من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين".اهـ
وإذن فما نسبه إلى مجاهد لم يثبت عنه ،وحاشاه أن يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ،فما بالك وقد روى عنه ما يوافق فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأكثر المفسرين.
قال الإمام البغوي في "تفسيره"(3/130)في تفسير هذه الآية: قوله عز وجل: { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا }
"عسى من الله تعالى واجب لأنه لا يدع أن يعطي عباده أو يفعل بهم ما أطمعهم فيه.
والمقام المحمود هو: مقام الشفاعة لأمته لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون".
ثم ساق عددا من أحاديث الشفاعة عن عدد من الصحابة تأكيدا لقوله.
وقال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد"(6/141 ـ 142): فإن قيل فقد روى سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد في قول الله عز وجل{ وجوه يومئذ ناضرة} قال حسنة {إلى ربها ناظرة} قال تنظر الثواب ذكره وكيع وغيره عن سفيان فالجواب أنا لم ندع الإجماع في هذه المسألة ولو كانت إجماعا ما احتجنا فيها إلى قول ولكن قول مجاهد هذا مردود بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصحابة وجمهور السلف وهو قول عند أهل السنة مهجور والذي عليه جماعتهم ما ثبت في ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وليس من العلماء أحد إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجاهد وإن كان أحد المقدمين في العلم بتأويل القرآن فإن له قولين في تأويل اثنين هما مهجوران عند العلماء مرغوب عنهما أحدهما هذا والآخر قوله في قول الله عز وجل {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء:79] حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا أبو أمية الطرسوسي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد {عسى أن يبعثك ربك مقاما} قال يوسع له على العرش فيجلسه معه وهذا قول مخالف للجماعة من الصحابة ومن بعدهم فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أن المقام المحمود الشفاعة والكلام في هذه المسألة من جهة النظر يطول وله موضع غير كتابنا هذا وبالله التوفيق.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: قوله عز وجل: { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا }
" وقوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } أي :افعل هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاما محمودا يحمدك فيه الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى. قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل ذلك هو المقام الذي يقومه محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم " ذكر من قال ذلك " حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: يجمع الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا قياما لا تكلم نفس إلا بإذنه ينادى يا محمد فيقول " لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك ومنك وإليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت " فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله عز وجل
ثم رواه عن بندار عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق به، وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر والثوري عن أبي إسحاق به وقال ابن عباس هذا المقام المحمود مقام الشفاعة، وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد وقاله الحسن البصري، وقال قتادة هو أول من تنشق عنه الارض يوم القيامة وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله تعالى " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد فهو أول من تنشق عنه الارض ويبعث راكبا إلى المحشر وله اللواء الذي آدم فمن دونه لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر واردا منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق وذلك بعد ما تسأل الناس آدم ثم نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى فكل يقول لست لها حتى يأتوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول " أنا لها، أنا لها " كما سنذكر ذلك مفصلا في هذا الموضع إن شاء الله تعالى، ومن ذلك أنه يشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار فير دون عنها وهو أول الانبياء يقضي بين أمته وأولهم إجازة على الصراط بأمته وهو أ ول شفيع في الجنة كما ثبت في صحيح مسلم. وفي حديث الصور أن المؤمنين كلهم لا يدخلون الجنة إلا بشفاعته وهو أول داخل إليها وأمته قبل الامم كلهم، ويشفع في رفع درجات أقوام لا تبلغها أعمالهم وهو صاحب الوسيلة التي هي أعلى منزلة في الجنة لا تليق إلا له، وإذا أذن الله تعالى في الشفاعة للعصاة شفع الملائكة والنبيون والمؤمنون فيشفع هو في خلائق لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى ولا يشفع أحد مثله ولا يساويه في ذلك، وقد بسطت ذلك مستقصى في آخر كتاب السيرة في باب الخصائص ولله الحمد والمنة،
ثم قال : لنذكر الآن الأحاديث الواردة في المقام المحمود وبالله المستعان.
قال البخاري حدثنا إسماعيل بن أبان حدثنا أبو الاحوص عن آدم بن علي سمعت ابن عمر يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا.
ورواه حمزة بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جرير حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا شعيب بن الليث ثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر أنه قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الاذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول لست بصاحب ذلك، ثم بموسى فيقول كذلك، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا " وهكذا رواه البخاري في الزكاة عن يحيى بن بكير وعلقمة عن عبد الله بن صالح كلاهما عن الليث بن سعد به. وزاد فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم.
قال البخاري: وحدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته. حلت له شفاعتي
يوم القيامة " انفرد به دون مسلم.
" حديث أبي بن كعب " قال الامام أحمد حدثنا أبو عامر الأزدي حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة كنت إمام الانبياء وخطيبهم
وصاحب شفاعتهم غير فخر "
وأخرجه الترمذي من حديث أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي وقال حسن صحيح. وابن ماجه من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل به، وقد قدمنا في حديث أبي بن كعب في قراءة القرآن على سبعة أحرف قال صلى الله عليه وسلم في آخره " فقلت اللهم اغفر لامتي اللهم اغفر لامتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام ".
وقال الحافظ الذهبي :" فأما قضية قعود نبيا على العرش فلم يثبت في ذلك نص ،بل في الباب حديث واه"(ص:183) للعلامة الألباني.
وقال الإمام العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في "الدرر السنية"(1/227):" وأما ما أعطى الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الخصائص إكراما له، وزيادة في فضله، فهي كثيرة، كما قال تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]، وهو مقام الشفاعة، كما عليه أكثر المفسرين. وأحاديث الشفاعة معروفة لا مطمع فيها لأهل الغلو، ولا أهل الإشراك ; بل هي مختصة بأهل الإخلاص من أمته صلى الله عليه وسلم، وهم في القرون المفضلة لا يحصيهم إلا الله، ومن كان على التوحيد والسنة ممن بعدهم.
جعلنا الله وإخواننا المسلمين، ممن تناله شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ووفقنا للإخلاص لله، وإنكار الشرك والغلو الذي نهى عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي عرفنا بالله، ودعانا إلى توحيده، وأن لا نتخذ معبودا سواه، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في "تفسيره"(ص:464): وقوله: { ومن الليل فتهجد به } أي: صل به في سائر أوقاته. { نافلة لك } أي: لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو القدر، ورفع الدرجات، بخلاف غيرك، فإنها تكون كفارة لسيئاته.
ويحتمل أن يكون المعنى: أن الصلوات الخمس فرض عليك وعلى المؤمنين، بخلاف صلاة الليل، فإنها فرض عليك بالخصوص، ولكرامتك على الله، أن جعل وظيفتك أكثر من غيرك، وليكثر ثوابك، وتنال بذلك المقام المحمود، وهو المقام الذي يحمده فيه الأولون والآخرون، مقام الشفاعة العظمى، حين يتشفع الخلائق بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، وكلهم يعتذر ويتأخر عنها، حتى يستشفعوا بسيد ولد آدم، ليرحمهم الله من هول الموقف وكربه، فيشفع عند ربه فيشفعه، ويقيمه مقاما يغبطه به الأولون والآخرون، وتكون له المنة على جميع الخلق.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "فتاوى نور على الدرب"(2/103 ـ 104) السؤال التالي : حدثونا عن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إذ أني سمعت عن هذا بعض الشيء، وأريد أن أستدرك كثيراً مما فاتني حول هذا الموضوع، جزاكم الله خيراً؟
فأجاب بقوله :
النبي صلى الله عليه وسلم له شفاعات: منها: شيء يختص به، ومنها: شيء يشترك معه الناس فيها، فأما الشفاعة التي تختص به فهي الشفاعة العظمى في أهل الموقف، يشفع بينهم، يسجد بين يدي ربه ويحمده بمحامد عظيمة، ثم يأذن الله له في الشفاعة فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم، وهذه من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وهذه هي المقام المحمود الذي ذكر الله في قوله جل وعلا في سورة بني إسرائيل: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]وهذا المقام هو مقام الشفاعة، يحمده فيه الأولون والآخرون عليه الصلاة والسلام، فإنه تتوجه إليه الخلائق في يوم القيامة، المؤمنون يتوجهون إليه بعدما يتوجهون إلى آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى فكلهم في حيرة، كلهم يعتذرون، يأتون آدم ويعتذر، ونوحاً ويعتذر وإبراهيم وموسى وعيسى كلهم يعتذرون، ثم يقول لهم عيسى : (اذهبوا إلى عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) يعني: محمد عليه الصلاة والسلام، فيتوجهون إليه فإذا طلبوا منه تقدم عليه الصلاة والسلام إلى ربه وسجد بين يدي العرش، وحمده سبحانه بمحامد عظيمة يفتحها الله عليه، ثم يقال له: (يا محمد! ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع) فيشفع عند ذلك بعد إذن الله سبحانه وتعالى؛ لأنه يقول جل وعلا: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، فلا أحد يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى ،وهناك شفاعة أخرى خاصة به عليه الصلاة والسلام، وهي الشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة؛ فإنهم لا يدخلون ولا تفتح لهم إلا بشفاعته عليه الصلاة والسلام، فهذه خاصة به أيضاً عليه الصلاة والسلام ،وهناك شفاعة ثالثة خاصة به وبـأبي طالب عمه، وهو أنه شفع له حتى صار في ضحضاح من النار، وهو مات على الكفر بالله، وصار في غمرات من نار، فشفع له صلى الله عليه وسلم أن يكون في ضحضاح من النار؛ بسبب نصره إياه؛ لأنه نصره وحماه لما تعدى عليه قومه، فشفع له صلى الله عليه وسلم أن يكون في ضحضاح من النار .اهـ
وبهذه الأحاديث الصحيحة وأقوال المفسرين يظهر جليا أن المقام المحمود لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو الشفاعة ، لا سيما والقول المنسوب إلى مجاهد لم يثبت ، ولو فرضنا ثبوته ، فلا يجوز أن يعارض بمثل هذه الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ،والتفسير الصحيح الذي ورد عن الصحابة والتابعين لهذه الآية الكريمة : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]، وقد سبق ذكر بعض أقوالهم.
و لا أستبعد أن هذا الخارجي الجهول ومن ينشر كلامه ملبسا ومدلسا على غيره، قد اطلّع على هذا البحث الشافي فتهرّب عنه ليشغّب على شيخنا ربيع والسلفيين السائرين على منهج السلف في اتباع عقائدهم ومنهجهم على نصوص الكتاب ونصوص السنة الصحيحة .
هذا وصلى الله على نبينا الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
ففي هذه الأيام القلائل بدأ خوارج العصر من حدادية مارقة كعادتهم يحاولون النيل من علماء السنة والتوحيد ،والتنفير منهم بأساليب شتى، وذلك ليخلو لهم الجو فيبثوا أفكراهم وشبهاتهم، ومن أساليبهم الآثمة يخدعون غيرهم من الجهال في قالب تعظيمهم لآثار السلف الصالح وفي حقيقة أمرهم أنهم في واد والسلف الصالح في واد آخر وما بينهما واد بل وديان ، كما سنبين ذلك بمشيئة الله تعالى في ثنايا هذا المقال، وحالهم في ذلك كحال العقارب يدسون رؤوسهم في التراب فمتى تمكنوا لدغوا، وكلما خرج قرن قطع وهكذا حتى يخرج في أعراضهم الدجال ،فلهم مجالسهم سرية ، ومواقع خارجية كموقع الآفاق والأثري ومن كان على شاكلتهما، فيتلقّفون بذلك الشباب السذج الذين لم يشموا رائحة العلم بعد ، أو عرفوا شيئا وغابت عنهم أشياء وأشياء، فلبسوا عليهم بشبهات باطلة ،وقواعد فاسدة فاجرة ، فمن تلكم الشبهات مسألة " إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على عرشه الكريم"، فحاصوا وأرعبوا وأزبدوا فيمن أنكر ذلك من علماء الإسلام قديما وحديثا ، سلفا وخلفا ، بل وصل فجورهم إلى أن حكموا عليهم بالكفر والزندقة.، مع العلم أن هذه المسألة التي نحن في صدد ذكرها وبيانها ليس لها دليل لا من كتاب الله ، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا قول صاحب من الصحب الكرام عليهم العفو من الله والغفران، اللهم إلا قول تابعي ولم يثبت عنه البتة ،كما سنبين ذلك بشيء من التفصيل والإيضاح بمشيئة الله، ومستندهم في ذلك كتاب كتبه أحد خوارج العصر -وقد بينت ضلاله في بعض الحلقات- وكتاب هذا الجهول ينشره بعض إخوانه من الخوارج -وبالأخص في محافظة الطائف- فلذا أحببت أن أناقش بعض كلامه الذي جانب فيه الصواب لعل الله يكتب لنا المثوبة من عنده إنه جواد كريم:
قال الحدادي الجهول في "القول الجليّ" (ص: 33-40) :"قال الشيخ ربيع : ( لا يصحّ هذا من كلام مجاهد ، وهو لا يثبت ، وليس من كلام الرّسول الكريم - عليه الصّلاة والسّلام - .. لو أخبرنا رسول الله أنّه وصل إلى العرش ، وجلس على العرش ؛ ليس في الشّرع ولا في العقل ما يمنعه ؛ لكن لم يثبت لنا الحديث ؛ لأنّ الأمر لا نتديّن ولا نؤمن به إلا إذا ثبت بالدّليل الصّحيح إلى الرّسول الكريم - عليه الصّلاة والسّلام - ؛ أمّا قول مجاهد غفر الله له ؛ فممكن أن يكون أخذه من الإسرائيليات) [ شرح كتاب السنة للبربهاري 1/453 ] ...
الشيخ ربيع ينكر حديث مجاهد المتمثل في جلوس الرّسول - عليه السّلام - يوم القيامة على العرش ، حيث جاء الأثر من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدّثنا هارون بن معروف ؛ حدثنا ابن فضيل ؛ عن ليث ؛ عن مجاهد في قوله " عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا " ؛ قال : " يقعده على العرش"؛ فحدّث به أبي - رحمه الله- ؛ فقال : كان ابن فُضيل يُحدّث به ؛ فلم يُقدَّر لي أن أسمعه منه) [ العرش 2/ 224 ] .
هل وافق الشيخ ربيع السّلفَ في معتقدهم في هذه الجزئيّة أم لا ؟ .اهـ
1 ـ أقول : نعم وافق شيخنا ربيع حفظه الله أكثر السلف في هذه الجزئية ،ووافق السلف جميعا في منهجهم في ردّ الأحاديث والآثار الضعيفة لا سيّما إذا خالفت الأحاديث الصحيحة.
2 ـ لقد حذف هذا الرجل من كلام شيخنا ربيع حفظه الله ما يأتي:
قال الذهبي في "الميزان" (3/439) -بعد الثناء على مجاهد-: وقال أبو بكر بن عياش : قلت للأعمش : ما بال تفسير مجاهد مخالف - أو شيء نحوه ؟ قال : أخذها من أهل الكتاب .
ثم قال الذهبي : ومن أنكر ما جاء عن مجاهد في التفسير في قوله: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا - قال : يجلسه معه على العرش ."
و علقّ شيخنا ربيع حفظه الله في "الحاشية" ما يلي :" قال الذهبي في العلو (ص : 170) أما قضيّة قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص بل في الباب حديث واه ما فسّر به مجاهد الآية".
فكتم هذا المتلوّن الجهول هذين النصين من الإمام الذهبي وشيخنا وهذا البتر والكتمان صار طبيعة له.
3 ـ هذه الأقوال التي ساقها هذا المتلوّن كلها مدارها على الليث بن أبي سليم وواحد منها عن عبد الله بن السلام.
أما الليث بن أبي سليم : ضعيف جدا ،ولا يجوز قبول روايته عنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فضلا عن مجاهد وغيره.
و هاك بيان حاله وكلام الأئمة فيه :
ليث بن أبي سليم بن زنيم أبو بكر القرني قال أحمد مضطرب الحديث و هذا من رواية عبد الله بن أحمد عن ابنه
قال الشيخ يوسف بن عبد الهادي في "بحر الدم"(ص : 360): ليث بن أبي سليم بن زنيم، أبو يكر القرشي: قال أحمد: مضطرب الحديث، ولكن حدث عنه الناس.
وقال في رواية المروذي: ليس هو بذاك.
وقال في رواية الميموني: ضعيف الحديث عن طاوس ،وإذا جمع طاوسا وغيره زياد هو ضعيف.
و انظر "العلل" رواية عبد الله (4691)
و قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (8/466)
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : مضطرب الحديث ،وقال أيضا: ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا منه في ليث بن أبي سليم وابن إسحاق وهمام لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم ،وقال عثمان بن أبي شيبة :سألت جريرا عن ليث ويزيد بن أبي زياد وعطاء بن السائب، فقال: كان يزيد أحسنهم استقامة ،ثم عطاء ،وكان ليث أكثر تخليطا ،قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن هذا ،فقال: أقول كما قال ،وقال أحمد بن سنان عن بن مهدي ليث أحسنهم حالا عندي ،وقال بن أبي حاتم عن أبيه ،قال: ليث أحب إلي من يزيد كان أبرأ ساحة وكان ضعيف الحديث ،قال فذكرت له قول جرير فقال أقول كما قال ،قال :وقلت ليحيى بن معين ليث أضعف من
يزيد وعطاء ؟،قال نعم، وقال معاوية بن صالح عن بن معين ضعيف إلا أنه يكتب حديثه ،وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري عن يحيى بن معين كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه ،وكذا قال عمرو بن علي وابن المثنى وعلي بن المديني وزاد عن يحيى مجال أحب إلي من ليث وحجاج بن أرطاة ،وقال أبو المعتمر القطيعي :كان بن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم ،وقال الميموني عن بن معين :كان ليث ضعيف الحديث عن طاوس ،فإذا جمع إلى طاوس غيره فالزيادة هو ضعيف ،وقال علي بن محمد :سألت وكيعا عن حديث ،من حديث ليث، فقال : ليث كان سفيان لا يسمي ليثا ،وقال مؤمل بن الفضل قلنا لعيسى بن يونس لم تسمع من ليث ؟،قال: قد رأيته ،وكان قد اختلط ،وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن.
وقال بن أبي حاتم : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغل به هو مضطرب الحديث.اهـ
و هناك آخرون من العلماء تكلّموا في ليث بن أبي سليم.
فمن حاله عند أئمة النقد وأهل الشأن وعلى رأسهم الإمام أحمد ويحيى القطان وغيرهما تقبل روايته في باب العقيدة عن مجاهد رحمه الله تعالى الذي يروي الإسرائيليات ؟
فمن لا يقبل هذه الرواية التي هذا حالها يرمى بالتجهّم ؟
وشيخنا ربيع حفظه الله سائر على منهج أئمة الحديث في ردّ الروايات المنكرة ولو نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلا عن تابعي جليل.
فعلى منهج من قبل رواية ليث و طعن فيمن ردّها.
يلزمنا أن نقبل ونتديّن بالروايات المنكرة الإسرائيليات الباطلة ؟
غفر الله للإمام الخلال الذي قبل هذه الرواية ،ونقل طعون من قبلوها و طعنوا فيمن يردّونها ،ورماهم بأنهم جهيمة ،والجهيمة يعطّلون صفات الله و ينكرون استواء الله على عرشه و لهم عقائد أخرى كفرية.
فهل يجوز أن يجعل منهم من يسير على منهج السلف في عقائدهم و منهجهم وحربهم للبدع وأهلها ،وفي ردهم للروايات الضعيفة والمنكرة و الباطلة ؟
وسأضرب مثالين باطلين فيما نقله هذا الخارجي المارق عن الخلال رحمه الله قال في (ص :1: وقال محمد بن يونس البصريّ : ( من ردّ هذه الأحاديث ، فقد أزرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن على مجاهد ، وهو من عالية التابعي ، قد صحب جمعاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عنهم، وما سمعنا أحداً من شيوخنا المتقدمين من أهل السّنّة ذكر هذه الأحاديث إلا بالقبول لها، ويحتجّون بها على الجهميّة ، ويقمعونهم بها ويكفرونهم ، ولا يردّها إلا رجل معطل جهميّ ؛ فمن ردّ هذه الأحاديث ، أو طعن فيها فلا يكلم ، وإن مات لم يصل عليه..) [ السنة للخلال 268 ] .اهـ
قلت : أتدري من هو محمد بن يونس البصري ؟
إنه من الكذابين قال الذهبي في "الميزان" (4/74-75) محمد بن موسى القرشي السامي الكديمي البصري الحافظ أحد المتروكين.
وقال ابن حبان : لعلّه وضع أكثر من ألف حديث.
قال ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(7/279):قد اتهم الكريمي بالوضع و قال ابن جنان لعله وضع أكثر من ألف حديث و قال ابن عدي محمد بن يونس بن موسى أبو العباس الكديمي البصري اتهم بوضع الحديث وبسرقته وادعى رؤية قوم لم يرهم ورواية عن قوم لا يعرفون وترك عامة مشايخنا الرواية عنه ومن حدث عنه نسبه إلى جده موسى بأن لا يعرف سمعت محمد بن سعيد يقول سمعت موسى بن هارون الجمال يقول تقرب إلى الكديمي بالكذب قال لي كتبت عن أبيك في مجلس محمد بن سابق وسمعت أبي يقول ما كتبت عن محمد بن سابق شيئا ولا رأيته سمعت عبدان الأهوازي يقول كتبت عن الكديمي بالأهواز سنة خمس وثلاثين وكان عنده عن أبي سلمة ونحوه وما كان عنده من ذي الحديث الذي حدث ببغداد شيء قلت له أليس كان مستوى الأمر في ذلك الوقت قال نعم سمعت عمر بن محمد الفقيه يقول سمعت جعفر الطيالسي يقول دخلت البصرة ومفيدها الكديمي قال عمر بن محمد أبو حفص الوكيل لعله سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة ثنا حمدان بن مجاهد النسوي ثنا محمد بن يونس ثنا أبو نعيم سنة ثلاث ومائتين وسأله عنه أبو داود ثنا عبد الرحمن بن سعيد بن خليفة ثنا محمد بن موسى ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا قال إبليس قال الشيخ ولم يحدث عن أبي نعيم بهذا الإسناد غير الكديمي ثنا سهل بن يحيى بن سهل الصيرفي ثنا محمد بن يونس الكديمي ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أكذب الناس الصباغون والصواغون ثنا علي بن أحمد بن مروان ثنا أبو يوسف القلوسي قال ثنا بكر بن يحيى بن زبان ثنا الأحول وسألته عن اسمه فلم يحفظ اسمه وهو كوفي جاء إلى حيان ومندل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلح الكذب في جد ولا هزل وأكذب الناس الصناع وقيل وما الصناع قال العامل بيديه قال الشيخ وهذا عن أبي نعيم عن الأعمش كان يقال عن أبي صالح عن أبي سعيد فهو في هذا أعذر ثنا محمد بن منير ثنا محمد بن يونس ثنا خالد بن عبد الرحمن المخزومي ثنا سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه قال الشيخ وهذا لا أعلمه رواه غير الكديمي بهذا الإسناد والكديمي أظهر أمرا من أن يحتاج أن يتبين ضعفه وقد حدثت عن أزهر عن بن عون عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن قال الشيخ وهذا باطل ثنا عصمة البخاري ثنا محمد بن يونس ثنا روح بن عبادة ثنا شعبة عن بن عون عن نافع عن بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا قال الشيخ وانكار هذا الحديث من حديث شعبة عن بن عون وأما عن نافع عن بن عمر فقد رواه جماعة وروى عن أزهر عن بن عون عن نافع عن بن عمر غير حديث باطل وكان مع وضعه للحديث وادعائه مشايخ لم يكتب عنهم يخلق لنفسه شيوخا حتى كان يقول حدثنا شاصويه بن عبيد منصرفنا من عدن أبين فذكر عنه حديثا وكان بن صاعد وشيخنا عبد الملك بن محمد كانا لا يمنعان الرواية عن كل ضعيف كتبنا عنه الا عن الكديمي فكانا لا يرويان عنه لكثرة مناكيره وإن ذكرت كل ما أنكر عليه وادعاه ووضعه لطال ذاك.اهـ
و قال ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكون" (3/109) رقم (3257)
محمد بن يونس بن موسى أبو العباس الشامي الكديمي البصري يروي عن أبي نعيم وغيره قال الدراقطني ضعيف وقال ابن عدي أتهم الكديمي بوضع الحديث وسرقته وادعى برؤية قوم لم يرهم وامتنع عامة مشايخنا من الرواية عنه ومن حدث عنه ينسبه إلى جده لئلا يعرف قال هارون الحمال تقرب إلى الكديمي بالكذب وعرض على أبي حاتم الرازي شيء من حديثه فقال ليس هذا حديث أهل الصدق وقال ابن حبان كان يضع الحديث على الثقات لعله قد وضع أكثر من ألف حديث وقال الأزدي متروك الحديث.اهـ
فهذا هو الكديمي ،و لعله ممن يحارب أهل السنة ،و يرميهم بالتجهّم من أجل أنهم كذّبوه وتركوه وردوا أحاديثه التي يفتريها .
2 ـ قوله :" فقيل لأبي مسعود الجريري: إذا كان على كرسيّ الرّبّ فهو معه ؛ قال: نعم؛ مع الرّبّ ؛ ثمّ قال : هذا أشرف حديث سمعته قط ، وأنا منكر على من ردّ هذا الحديث ، وهو عندي رجل سوء متهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) [ السنة للخلال 280 ] .اهـ
قلت : انظر إلى هذا الغلو الشديد في أثر منكر هو يرى أنه أشرف حديث سمعه قط، فلعله سمع ألوف الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي.
كيف ينقل هذا المتلوّن الجهول مثل هذا الكلام الباطل الذي يخجل في نقله حتى بعض أهل الأهواءوالبدع.
3 ـ قال الحدادي التكفيري في (ص : 33):" من خلال ما ذُكِر نجد أنّ القدامى حكموا على من ردّ حديث مجاهد بأنّه جهميّ، ورجل سوء و كافر ، و مبتدع خبيث ، و ما يكذّب الحديث إلا الزنادقة ..فهل يرضى الشيخ ربيع أن يُرمى بهذه الأوصاف ؟ ".اهـ
قلت : هل سيحكم على بعض الذين يتمسح بهم لمحاربة المنهج السلفي وأهله بالتجهم والزندقة ؟
حيث وافق العلامة ابن باز وشيخنا صالح الفوزان وعبد الله بن غديان وعبد العزيز آل الشيخ وغيرهم الشيخ ربيع حفظه الله فيما ذهب إليه من إنكار صفة إقعاد الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على العرش
جاء عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء السؤال التالي رقمه (19346) :
هل تتفضلون بإيراد الحديث الدال على إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش ؟
الجواب :
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر شيء يجب اعتقاده فيما نعلم ، وأما الأثر المروي عن مجاهد رحمه الله تعالى فهو أثر منكر كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم بالحديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو/بكر أبوزيد
عضو/صالح الفوزان
عضو/عبد الله بن غديان
نائب الرئيس/عبد العزيز آل الشيخ
الرئيس/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
4 ـ قال الخارجي الجهول في (ص : 37 ـ 40):" و قال عبد الوهاب الوراق أيضا : ( الذي ندين الله - تعالى - به ، ونعتقده : ما قد رسمناه وبيّناه من معاني الأحاديث المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وما قاله عبدالله بن العباس ، ومن بعده من أهل العلم ، وأخذوا به كابراً عن كابر، وجيلاً عن جيل إلى وقت شيوخنا ؛ في تفسير قوله - تعالى - " عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا " ؛ أنّ المقام المحمود: هو قعوده - صلى الله عليه وسلم - مع ربّه على العرش، وكان من جحد ذلك ، وتكلم فيه بالمعارضة ؛ إنّما يريد بكلامه في ذلك ؛ كلام الجهمية ؛ يجانب ، ويباين ، ويحذر عنه .. وعلى ذلك من أدركت من شيوخنا أصحاب أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل ؛ فإنّهم منكرون على من ردّ هذه الفضيلة. ولقد بيّن الله ذلك على ألسنة أهل العلم على تقادم الأيام ؛ فتلقّاه الناس بالقبول؛ فلا أحد ينكر ذلك ، ولا ينازع فيه ) [ طبقات الحنابلة 2/9-11] .
قلت : هذا الكلام للنجاد لا الوراق.
فتأمل قول النجاد :" الذي ندين الله - تعالى - به ، ونعتقده ما قد رسمناه وبيّناه من معاني الأحاديث المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وما قاله عبدالله بن العباس ، ومن بعده من أهل العلم..."
على هذا الكلام مآخذ عدة منها :
1 ـ قوله :" الأحاديث المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
إن هذا الكلام ليوهم القارئ أن هناك أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنص على إجلاس الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ،وهذه دعوى عريضة تؤخذ على النجاد -إن كان قال هذا الكلام-.
2 ـ ماروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش ، أورده الذهبي في "كتاب العرش" (رقم 189)وهو ضعيف جدا في إسناده الضحاك بن مزاحم يرسل عن ابن عباس .
وقد سئل هل سمعت من ابن عباس ؟، فقال : لا .
قيل له : رأيته ؟
قال : لا .
وفي إسناده عباد بن أبى روق . قال يحيى بن معين : قد رأيته وليس بثقة .
وقال ابن عدى : له أحاديث ، ولأبيه أحاديث ، وما يرويانه لا يتابعان عليه.
وفي إسناده أحمد بن الفرج الطائي.
3 ـ انظر في قوله :" أنّ المقام المحمود: هو قعوده - صلى الله عليه وسلم - مع ربّه على العرش".
بصيغة الحصر ،فأين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة في الشفاعة ؟
4 ـ ونقل الذهبي رحمه الله في "العلو" (2/1090 رقم 426)عن أبي بكر أحمد بن سليمان النجاد المحدث قال فيما نقله عنه القاضي أبو يعلى الفراء لو أن حالفا حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا على العرش واستفتاني لقلت له صدقت وبررت".اهـ
فعلق الذهبي على هذا الأثر بقوله : "فأبصر حفظك الله من الهوى كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر واليوم فيردون الأحاديث الصريحة في العلو بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى :الرحمن على العرش استوى".اهـ
الذين يردون أثر مجاهد رحمه الله لا يجوز أن يطعن فيهم ،ولا أن يرموا بأنهم جهمية ،فإنهم ينطلقون من منهج صحيح منهج السلف الصالح في ردّ الأحاديث والآثار المنكرة في الوقت الذين يحاربون فيه الجهمية وضلالاتهم.
أقوال الإمام أحمد في الاعتماد على الأحاديث الصحاح :
قال ابن قدامة رحمه الله : "قال أبو بكر الخلال أخبرنا المروذي ،قال: سألت أبا عبد الله عن أخبار الصفات؟ فقال: نمرها كما جاءت .
قال : وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم ،قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ،وأن الله يرى وإن الله يضع قدمه وما أشبهه، فقال أبو عبد الله نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا ،ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ،إذا كانت بأسانيد صحاح ولا نرد على رسول الله قوله ولا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله بلا حد ولا غاية :{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }(الشورى: من الآية11) . ولا يبلغ الواصفون صفته وصفاته منه ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعث"("ذم التأويل"(ص : 2
قال اللالكائي :" قال حنبل بن إسحاق قال : سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله ينزل إلى السماء الدنيا
فقال أبو عبد الله : « نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد شيئا منها إذا كانت أسانيد صحاح ، ولا نرد على رسول الله قوله ونعلم أن ما جاء به الرسول حق
حتى قلت لأبي عبد الله : » ينزل الله إلى سماء الدنيا قال : قلت : نزوله بعلمه بماذا ؟ فقال لي : اسكت عن هذا ، مالك ولهذا ، أمض الحديث على ما روي بلا كيف ولا حد ، إنما جاءت به الأثار وبما جاء به الكتاب قال الله عز وجل : {فلا تضربوا لله الأمثال } [سورة النحل آية: 74]
ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته ، أحاط بكل شيء علما ، لا يبلغ قدره واصف ولا ينأى عنه هرب هارب."شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"(رقم 777).
قال أبو يعلى :" وقال –أي : الإمام أحمد-في رواية حنبل في الأحاديث التي تروى: " إن الله، تبارك وتعالى، ينزل إلى سماء الدنيا " والله يرى " وأنه يضع قدمه " وما أشبه بذلك، نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد شيئا منها، ونعلم أن ما قاله الرسول، صلى الله عليه وسلم، حق إذا كانت بأسانيد صحاح
وقال في رواية حنبل: يضحك الله، ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول وقال: المشبهة تقول: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، ومن قال ذلك فقد شبه الله بخلقه فقد نص أحمد على القول بظاهر الأخبار من غير تشبيه ولا تأويل."إبطال التأويلات"(ص : 45)
وروى اللالكائي :أن الإمام أحمد قال في أحاديث الرؤية:" نؤمن بها ونقر وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر.(1/322)
هذا و قد أورد شيخنا ربيع حفظه الله كلام الأئمة في تفسيره قول الله تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79] في كتابه " الذريعة إلى بيان مقاصد الشريعة" (4/275-292) قال حفظه الله :
ذكر المؤلف في هذا الباب في تفسير قول الله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
عددا من الأحاديث تدل على أن المقام المحمود هو الشفاعة :
1 ـ تفسير حذيفة رضي الله عنه وهو صحيح ،ومثله لا يقال من قبل الرأي ، فله حكم الرفع.
2 ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه ضعيف ،لكن له شواهد يتقوى بها.
3 ـ تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ضعيف ، لكن يتقوى بما في معناه من الأحاديث.
4 ـ ومن هذا الباب حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي رواه مسلم بإسناده إلى يزيد الفقير قال :
كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم، جالس إلى سارية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} [آل عمران: 192] و {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} [السجدة: 20]، فما هذا الذي تقولون؟ قال: فقال: «أتقرأ القرآن؟» قلت: نعم، قال: «فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام - يعني الذي يبعثه الله فيه -؟» قلت: نعم، قال: «فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج...الحديث.
وفيه المراد بقول الله تعالى : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79] شفاعته صلى الله عليه وسلم.
5 ـ وحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه البخاري في تفسير سورة الإسراء تحت باب: قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79] ،حديث (471،قال :" : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود".
قال البخاري عقبه : رواه حمزة بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإيراد البخاري لهذا الحديث في تفسير هذه الآية الكريمة : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79] ،يدل على أنه يعتقد أن المقام المحمود إنما هو شفاعته صلى الله عليه وسلم.
5 ـ وحديث حذيفة رضي الله عنه الذي رواه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (11230) قال : يجمع الناس في صعيد ولا تكلم نفس فأول مدعو محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك وابن عبدك وبك وإليك ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت فهذا قوله {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79].
7 ـ وحيث ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (11231) قال أنا العباس بن عبد الله بن العباس ، قال : حدثنا سعيد بن منصور المكي نا أبو الأحوص عن آدم بن علي ، قال : سمعت بن عمر يقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون أي فلان اشفع لنا حتى تنتهي الشفاعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذلك يوم يبعثه الله تبارك وتعالى المقام المحمود .
إسناد ابن عمر حسن إن شاء الله ،أدم بن علي الشيبانب ،قال الحافظ بن حجر:وقال الذهبي في "الكاشف":صدوق.
وفيه العباس بن عبد الله بن عباس السندي الأسدي ،أبو الحارث الأنطاكي ،قال الحافظ ابن حجر :صدوق،وقال الحافظ الذهبي في "الكاشف":صدوق.
8 ـ وحديث جابر رضي الله عنه الذي رواه البخاري (4719) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة.
فإيراد البخاري رحمه الله لهذا الحديث في تفسيرهذه الآية : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
يدل على أنه يعتقد أن المقام المحمود إنما هو شفاعته صلى الله عليه وسلم فتنبه وتبصّر.
وقال ابن جرير رحمه الله في "تفسيره" (15/143 /137) في تفسير قول الله تعالى : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
ثم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك المقام المحمود، فقال أكثر أهل العلم: ذلك هو المقام الذي هو يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
ذكر من قال ذلك :حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: يجمع الناس في صعيد واحد،
فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفاة عراة كما خلقوا، قياما لا تكلم نفس إلا بإذنه، ينادى: يا محمد، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، عبدك بين يديك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب هذا البيت "، فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله تعالى.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، فأول ما يدعو محمد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقوم محمد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: " لبيك "، ثم ذكر مثله.
حدثنا سليمان بن عمرو بن خالد الرقي، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن رشدين بن كريب، عن أبيه عن ابن عباس، قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79] قال: المقام المحمود: مقام الشفاعة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، قال: ثنا أبو الزعراء، عن عبد الله في قصة ذكرها، قال: ثم يؤمر بالصراط فيضرب على جسر جهنم، فيمر الناس بقدر أعمالهم، يمر أولهم كالرق، وكمر الريح، وكمر الطير، وكأسرع البهائم، ثم كذلك حتى يمر الرجل سعيا، ثم مشيا، حتى يجئ آخرهم يتلبط على بطنه، فيقول: رب لما أبطأت بي، فيقول: إني لم أبطأ بك، إنما أبطأ بك عملك، قال: ثم يأذن الله في الشفاعة، فيكون أول شافع يوم القيامة جبرئيل عليه السلام، روح القدس، ثم إبراهيم خليل الرحمن، ثم موسى، أو عيسى، قال أبو الزعراء: لا أدري أيهما قال، قال: ثم يقوم نبيكم عليه الصلاة والسلام رابعا، فلا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الذي ذكر الله {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن في قول الله تعالى :{ومن الليل فتهجد به نا فلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]قال: المقام المحمود: مقام الشفاعة يوم القيامة.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: (مقاما محمودا) قال: شفاعة محمد يوم القيامة.
حدثنا القاسم، قال: الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: الحسين، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم الاحول، عن أبي عثمان، عن سليمان، قال: هو الشفاعة، يشفعه الله في أمته، فهو المقام المحمود
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
، وقد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خير بين أن يكون نبيا عبدا، أو ملكا نبيا، فأومأ إليه جبرئيل عليه السلام: أن تواضع، فاختار نبي الله أن يكون عبدا نبيا، فأعطي به نبي الله ثنتين: إنه أول من تنشق عنه الارض، وأول شافع. وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله تبارك وتعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79] شفاعة يوم القيامة.
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (مقاما محمودا) قال: هي الشفاعة، يشفعه الله في أمته.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر والثوري، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، قال: سمعت حذيفة يقول في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
قال: يجمع الله الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي، فينفذهم البصر حفاة عراة، كما خلقوا سكوتا لا تكلم نفس إلا بإذنه، قال: فينادى محمد، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك، ولك وإليك، لا ملجأ ولا منجز منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت، قال: فذلك المقام المحمود الذي ذكر الله {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، قال حذيفة: يجمع الله الناس في صعيد واحد، حيث ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي حفاة عراة كما خلقوا أول مرة، ثم يقوم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: " لبيك وسعديك "، ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال: هو المقام
المحمود. وقال آخرون: بل ذلك المقام المحمود الذي وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إياه، هو أن يقاعده معه على عرشه.
ذكر من قال ذلك: حدثنا عباد بن يعقوب الاسدي، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
قال: يجلسه معه على عرشه، وأولى القولين في ذلك بالصواب ما صح به
الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وذلك ما حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن دواد بن يزيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
سئل عنها، قال: " هي الشفاعة " حدثنا على بن حرب، ثنا مكي بن إبراهيم، قال: ثنا داود بن يزيد الاودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
قال: " هو المقام الذي أشفع فيه لامتي "
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثني الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أنه قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الاذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لست صاحب ذلك، ثم بموسى عليه السلام، فيقول كذلك، ثم بمحمد فيشفع بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاما
محمودا)
حدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا سعيد بن زيد، عن علي بن الحكم، قال: ثني عثمان، عن إبراهيم، عن الاسود وعلقمة، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأقوم المقام المحمود، فقال رجل: يارسول الله، وما ذلك المقام المحمود ؟ قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام، فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما، ثم يقتعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي فألبسها، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه غيري يغبطني فيه الاولون والآخرون، ثم يفتح نهر من الكوثر إلى الحوض "
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة مد الله الارض مد الاديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه "، قال: النبي
صلى الله عليه وسلم: " فأكون أول من يدعى وجبرئيل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: أي رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي، فيقول الله عزوجل: صدق، ثم أشفع، قال: فهو المقام المحمود ".
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الوري، عن علي بن الحسين، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة "، فذكر نحوه، وزاد فيه: " ثم أشفع فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أطراف الارض، وهو المقام المحمود ".
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا إبراهيم بن طهمان، عن آدم، عن علي، قال: سمعت ابن عمر يقول: إن الناس يحشرون يوم القيامة، فيجئ مع كل نبي أمته، ثم يجئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الامم هو وأمته، فيرقى هو وأمته على كوم فوق الناس، فيقول: يا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، فما زال يردها بعضهم على بعض يرجع ذلك إليه، وهو المقام المحمود الذي وعده الله إياه
حدثنا محمد بن عوف، قال: ثنا حيوة وربيع، قالا: ثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل فيكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود "
وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر"
وساق ابن جرير رحمه الله الأحاديث والآثار التي تدل على أن المقام المحمود إنما هو الشفاعة.
منها : أثر :حذيفة السابق وتفسير ابن عباس .
ـ ثم قول ابن مسعود رضي الله عنه.
ـ ثم قول الحسن رحمه الله.
ـ ثم ساق روايتين عن مجاهد ، فيها أن المقام المحمود هو الشفاعة ، وهما أصح من رواية ليث بن أبي سليم.
ـ ثم ساق رواية سلمان رضي الله عنه.
ـ ثم رواية قتادة رحمه الله.
ـ ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق ذكره في أن المقام المحمود هو الشفاعة ، وقد بينا درجته.
ـ ثم ساق حديثا عن كعب بن مالك مرفوعا، يفيد أن المقام المحمود هو الشفاعة.
ـ ثم ساق رواية عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد أن الشفاعة هي المقام المحمود ، وهي رواية مرسلة تعضدها الأحاديث السابقة.
ـ ثم ساق حديث ابن عمر السابق ، وقد بينا درجته.
ثم قال في (ص :147):" وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله
{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]لما ذكرنا من الرواية عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من
أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع
صحته، لا من جهة خبر ولا نظر"
أقول :
1 ـ إن ماتضمنه القول المنسوب إلى مجاهد ليس مستحيلا ، لكنه لم يصح ، وقد عرف القارئ المنصف ضعفه.
2 ـ ونقول للإمام ابن جرير : أنت نقلت عنه روايتين تدل أنه يقول مثل غيره ، ومثل مادلت عليه الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشفاعة هي المقام المحمود .
3 ـ لقد صحح ابن جرير القول بأن المقام المحمود إنما هو الشفاعة.
فقال : بعد أن ساق الأدلة الكثيرة على هذا القول.
" وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله تعالى : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]
لما ذكرنا من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين".اهـ
وإذن فما نسبه إلى مجاهد لم يثبت عنه ،وحاشاه أن يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ،فما بالك وقد روى عنه ما يوافق فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأكثر المفسرين.
قال الإمام البغوي في "تفسيره"(3/130)في تفسير هذه الآية: قوله عز وجل: { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا }
"عسى من الله تعالى واجب لأنه لا يدع أن يعطي عباده أو يفعل بهم ما أطمعهم فيه.
والمقام المحمود هو: مقام الشفاعة لأمته لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون".
ثم ساق عددا من أحاديث الشفاعة عن عدد من الصحابة تأكيدا لقوله.
وقال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد"(6/141 ـ 142): فإن قيل فقد روى سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد في قول الله عز وجل{ وجوه يومئذ ناضرة} قال حسنة {إلى ربها ناظرة} قال تنظر الثواب ذكره وكيع وغيره عن سفيان فالجواب أنا لم ندع الإجماع في هذه المسألة ولو كانت إجماعا ما احتجنا فيها إلى قول ولكن قول مجاهد هذا مردود بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصحابة وجمهور السلف وهو قول عند أهل السنة مهجور والذي عليه جماعتهم ما ثبت في ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وليس من العلماء أحد إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجاهد وإن كان أحد المقدمين في العلم بتأويل القرآن فإن له قولين في تأويل اثنين هما مهجوران عند العلماء مرغوب عنهما أحدهما هذا والآخر قوله في قول الله عز وجل {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء:79] حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا أبو أمية الطرسوسي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد {عسى أن يبعثك ربك مقاما} قال يوسع له على العرش فيجلسه معه وهذا قول مخالف للجماعة من الصحابة ومن بعدهم فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أن المقام المحمود الشفاعة والكلام في هذه المسألة من جهة النظر يطول وله موضع غير كتابنا هذا وبالله التوفيق.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: قوله عز وجل: { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا }
" وقوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } أي :افعل هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاما محمودا يحمدك فيه الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى. قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل ذلك هو المقام الذي يقومه محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم " ذكر من قال ذلك " حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: يجمع الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا قياما لا تكلم نفس إلا بإذنه ينادى يا محمد فيقول " لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك ومنك وإليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت " فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله عز وجل
ثم رواه عن بندار عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق به، وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر والثوري عن أبي إسحاق به وقال ابن عباس هذا المقام المحمود مقام الشفاعة، وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد وقاله الحسن البصري، وقال قتادة هو أول من تنشق عنه الارض يوم القيامة وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله تعالى " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد فهو أول من تنشق عنه الارض ويبعث راكبا إلى المحشر وله اللواء الذي آدم فمن دونه لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر واردا منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق وذلك بعد ما تسأل الناس آدم ثم نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى فكل يقول لست لها حتى يأتوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول " أنا لها، أنا لها " كما سنذكر ذلك مفصلا في هذا الموضع إن شاء الله تعالى، ومن ذلك أنه يشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار فير دون عنها وهو أول الانبياء يقضي بين أمته وأولهم إجازة على الصراط بأمته وهو أ ول شفيع في الجنة كما ثبت في صحيح مسلم. وفي حديث الصور أن المؤمنين كلهم لا يدخلون الجنة إلا بشفاعته وهو أول داخل إليها وأمته قبل الامم كلهم، ويشفع في رفع درجات أقوام لا تبلغها أعمالهم وهو صاحب الوسيلة التي هي أعلى منزلة في الجنة لا تليق إلا له، وإذا أذن الله تعالى في الشفاعة للعصاة شفع الملائكة والنبيون والمؤمنون فيشفع هو في خلائق لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى ولا يشفع أحد مثله ولا يساويه في ذلك، وقد بسطت ذلك مستقصى في آخر كتاب السيرة في باب الخصائص ولله الحمد والمنة،
ثم قال : لنذكر الآن الأحاديث الواردة في المقام المحمود وبالله المستعان.
قال البخاري حدثنا إسماعيل بن أبان حدثنا أبو الاحوص عن آدم بن علي سمعت ابن عمر يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا.
ورواه حمزة بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جرير حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا شعيب بن الليث ثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر أنه قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الاذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول لست بصاحب ذلك، ثم بموسى فيقول كذلك، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا " وهكذا رواه البخاري في الزكاة عن يحيى بن بكير وعلقمة عن عبد الله بن صالح كلاهما عن الليث بن سعد به. وزاد فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم.
قال البخاري: وحدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته. حلت له شفاعتي
يوم القيامة " انفرد به دون مسلم.
" حديث أبي بن كعب " قال الامام أحمد حدثنا أبو عامر الأزدي حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة كنت إمام الانبياء وخطيبهم
وصاحب شفاعتهم غير فخر "
وأخرجه الترمذي من حديث أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي وقال حسن صحيح. وابن ماجه من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل به، وقد قدمنا في حديث أبي بن كعب في قراءة القرآن على سبعة أحرف قال صلى الله عليه وسلم في آخره " فقلت اللهم اغفر لامتي اللهم اغفر لامتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام ".
وقال الحافظ الذهبي :" فأما قضية قعود نبيا على العرش فلم يثبت في ذلك نص ،بل في الباب حديث واه"(ص:183) للعلامة الألباني.
وقال الإمام العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في "الدرر السنية"(1/227):" وأما ما أعطى الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الخصائص إكراما له، وزيادة في فضله، فهي كثيرة، كما قال تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]، وهو مقام الشفاعة، كما عليه أكثر المفسرين. وأحاديث الشفاعة معروفة لا مطمع فيها لأهل الغلو، ولا أهل الإشراك ; بل هي مختصة بأهل الإخلاص من أمته صلى الله عليه وسلم، وهم في القرون المفضلة لا يحصيهم إلا الله، ومن كان على التوحيد والسنة ممن بعدهم.
جعلنا الله وإخواننا المسلمين، ممن تناله شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ووفقنا للإخلاص لله، وإنكار الشرك والغلو الذي نهى عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي عرفنا بالله، ودعانا إلى توحيده، وأن لا نتخذ معبودا سواه، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في "تفسيره"(ص:464): وقوله: { ومن الليل فتهجد به } أي: صل به في سائر أوقاته. { نافلة لك } أي: لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو القدر، ورفع الدرجات، بخلاف غيرك، فإنها تكون كفارة لسيئاته.
ويحتمل أن يكون المعنى: أن الصلوات الخمس فرض عليك وعلى المؤمنين، بخلاف صلاة الليل، فإنها فرض عليك بالخصوص، ولكرامتك على الله، أن جعل وظيفتك أكثر من غيرك، وليكثر ثوابك، وتنال بذلك المقام المحمود، وهو المقام الذي يحمده فيه الأولون والآخرون، مقام الشفاعة العظمى، حين يتشفع الخلائق بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، وكلهم يعتذر ويتأخر عنها، حتى يستشفعوا بسيد ولد آدم، ليرحمهم الله من هول الموقف وكربه، فيشفع عند ربه فيشفعه، ويقيمه مقاما يغبطه به الأولون والآخرون، وتكون له المنة على جميع الخلق.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "فتاوى نور على الدرب"(2/103 ـ 104) السؤال التالي : حدثونا عن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إذ أني سمعت عن هذا بعض الشيء، وأريد أن أستدرك كثيراً مما فاتني حول هذا الموضوع، جزاكم الله خيراً؟
فأجاب بقوله :
النبي صلى الله عليه وسلم له شفاعات: منها: شيء يختص به، ومنها: شيء يشترك معه الناس فيها، فأما الشفاعة التي تختص به فهي الشفاعة العظمى في أهل الموقف، يشفع بينهم، يسجد بين يدي ربه ويحمده بمحامد عظيمة، ثم يأذن الله له في الشفاعة فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم، وهذه من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وهذه هي المقام المحمود الذي ذكر الله في قوله جل وعلا في سورة بني إسرائيل: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]وهذا المقام هو مقام الشفاعة، يحمده فيه الأولون والآخرون عليه الصلاة والسلام، فإنه تتوجه إليه الخلائق في يوم القيامة، المؤمنون يتوجهون إليه بعدما يتوجهون إلى آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى فكلهم في حيرة، كلهم يعتذرون، يأتون آدم ويعتذر، ونوحاً ويعتذر وإبراهيم وموسى وعيسى كلهم يعتذرون، ثم يقول لهم عيسى : (اذهبوا إلى عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) يعني: محمد عليه الصلاة والسلام، فيتوجهون إليه فإذا طلبوا منه تقدم عليه الصلاة والسلام إلى ربه وسجد بين يدي العرش، وحمده سبحانه بمحامد عظيمة يفتحها الله عليه، ثم يقال له: (يا محمد! ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع) فيشفع عند ذلك بعد إذن الله سبحانه وتعالى؛ لأنه يقول جل وعلا: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، فلا أحد يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى ،وهناك شفاعة أخرى خاصة به عليه الصلاة والسلام، وهي الشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة؛ فإنهم لا يدخلون ولا تفتح لهم إلا بشفاعته عليه الصلاة والسلام، فهذه خاصة به أيضاً عليه الصلاة والسلام ،وهناك شفاعة ثالثة خاصة به وبـأبي طالب عمه، وهو أنه شفع له حتى صار في ضحضاح من النار، وهو مات على الكفر بالله، وصار في غمرات من نار، فشفع له صلى الله عليه وسلم أن يكون في ضحضاح من النار؛ بسبب نصره إياه؛ لأنه نصره وحماه لما تعدى عليه قومه، فشفع له صلى الله عليه وسلم أن يكون في ضحضاح من النار .اهـ
وبهذه الأحاديث الصحيحة وأقوال المفسرين يظهر جليا أن المقام المحمود لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو الشفاعة ، لا سيما والقول المنسوب إلى مجاهد لم يثبت ، ولو فرضنا ثبوته ، فلا يجوز أن يعارض بمثل هذه الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ،والتفسير الصحيح الذي ورد عن الصحابة والتابعين لهذه الآية الكريمة : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [سورة الإسراء آية : 79]، وقد سبق ذكر بعض أقوالهم.
و لا أستبعد أن هذا الخارجي الجهول ومن ينشر كلامه ملبسا ومدلسا على غيره، قد اطلّع على هذا البحث الشافي فتهرّب عنه ليشغّب على شيخنا ربيع والسلفيين السائرين على منهج السلف في اتباع عقائدهم ومنهجهم على نصوص الكتاب ونصوص السنة الصحيحة .
هذا وصلى الله على نبينا الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.