قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- :
" فصلٌ: الطريق الحادي والعشرون. الأخبار آحاداً. وهو أن يخبره عدلٌ يثقُ بخبره ويسكن إليه، بأمرٍ فيغلبُ على ظنِّهِ صدقه فيه، أو يقطع به لقرينة به، فيجعل ذلك مستنداً لحكمهِ. وهذا يصلح للتَّرجيح والاستظهار بلا ريبٍ.
ولكن هل يكفى وحده في الحكم؟
هذا موضع تفصيل:
فيقال: إمَّا أنْ يقترنَ بخبرهِ ما يفيد معه اليقين أم لا ؟ فإنْ اقترنَ بخبرهِ ما يفيد معه اليقين جازَ أنْ يحكمَ بهِ وينزَّلُ منزلةَ الشَّهادة، بل هو شهادةٌ محضةٌ في أصحِّ الأقوال. وهو قول الجمهور فإنَّه لا يشترط في صحَّةِ الشَّهادة ذِكْرُ لفظ (أشهد) بل متى قال الشاهد: رأيتُ كيتَ وكيت أو سمعت أو نحو ذلك: كانت شهادةً منْه. وليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع واحدٌ يدلُّ على اشتراط لفظ (الشهادة) ولا عن رجلٍ واحدٍ من الصَّحابةِ ولا قياسٍ ولا استنباط يقتضيه، بل الأدلة المتضافرة من الكتاب والسُّنَّة وأقوالِ الصَّحابةِ ولغةِ العرب تنفي ذلك.
وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، وظاهر كلام أحمد، وحكى ذلك عنه نصَّاً. قال تعالى {قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أنَّ الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم} ومعلومٌ قطعاً أنَّه ليس المراد التلفظ بلفظة (أشهد) في هذا بل مجرد الإخبار بتحريمه وقال تعالى {لكن الله يشهد بما أنزل إليك } ولا تتوقف صحة الشهادة على أنه يقول سبحانه (أشهد بكذا)…-إلى أن قال- ولا تفتقر صحة الإسلام إلى أنْ يقول الدَّاخلُ فيه (أشهد أن لا إله إلا الله) بل لو قال (لا إله إلا الله محمد رسول الله) كان مسلماً بالاتفاق. وقد قال صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله) فإذا تكلموا بقول: (لا إله إلا الله) حصلت لهم العصمة وإنْ لم يأتوا بلفظِ (أشهد)… فكل مَنْ أخبرَ بشيءٍ فقدْ شهدَ بهِ وإنْ لم يتلفظْ بلفظِ (أشهد)…قال شيخنا [يعني: ابن تيمية]: فاشتراط لفظ (الشهادة) لا أصلَ له في كتابِ الله ولا سُنَّة رسولهِ، ولا قول أحدٍ من الصَّحابة، ولا يتوقف إطلاق لفظ (الشهادة) لغة على ذلك. وبالله التوفيق وعلى هذا فليس الإخبار طريقا آخر غير طريق الشهادة "
--------------
(الطرق الحكمية)(ص202-204) [بواسطة الحلقة الثانية عشر من رد الشيخ عبد الله البخاري على أبي الحسن السليماني].
" فصلٌ: الطريق الحادي والعشرون. الأخبار آحاداً. وهو أن يخبره عدلٌ يثقُ بخبره ويسكن إليه، بأمرٍ فيغلبُ على ظنِّهِ صدقه فيه، أو يقطع به لقرينة به، فيجعل ذلك مستنداً لحكمهِ. وهذا يصلح للتَّرجيح والاستظهار بلا ريبٍ.
ولكن هل يكفى وحده في الحكم؟
هذا موضع تفصيل:
فيقال: إمَّا أنْ يقترنَ بخبرهِ ما يفيد معه اليقين أم لا ؟ فإنْ اقترنَ بخبرهِ ما يفيد معه اليقين جازَ أنْ يحكمَ بهِ وينزَّلُ منزلةَ الشَّهادة، بل هو شهادةٌ محضةٌ في أصحِّ الأقوال. وهو قول الجمهور فإنَّه لا يشترط في صحَّةِ الشَّهادة ذِكْرُ لفظ (أشهد) بل متى قال الشاهد: رأيتُ كيتَ وكيت أو سمعت أو نحو ذلك: كانت شهادةً منْه. وليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع واحدٌ يدلُّ على اشتراط لفظ (الشهادة) ولا عن رجلٍ واحدٍ من الصَّحابةِ ولا قياسٍ ولا استنباط يقتضيه، بل الأدلة المتضافرة من الكتاب والسُّنَّة وأقوالِ الصَّحابةِ ولغةِ العرب تنفي ذلك.
وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، وظاهر كلام أحمد، وحكى ذلك عنه نصَّاً. قال تعالى {قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أنَّ الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم} ومعلومٌ قطعاً أنَّه ليس المراد التلفظ بلفظة (أشهد) في هذا بل مجرد الإخبار بتحريمه وقال تعالى {لكن الله يشهد بما أنزل إليك } ولا تتوقف صحة الشهادة على أنه يقول سبحانه (أشهد بكذا)…-إلى أن قال- ولا تفتقر صحة الإسلام إلى أنْ يقول الدَّاخلُ فيه (أشهد أن لا إله إلا الله) بل لو قال (لا إله إلا الله محمد رسول الله) كان مسلماً بالاتفاق. وقد قال صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله) فإذا تكلموا بقول: (لا إله إلا الله) حصلت لهم العصمة وإنْ لم يأتوا بلفظِ (أشهد)… فكل مَنْ أخبرَ بشيءٍ فقدْ شهدَ بهِ وإنْ لم يتلفظْ بلفظِ (أشهد)…قال شيخنا [يعني: ابن تيمية]: فاشتراط لفظ (الشهادة) لا أصلَ له في كتابِ الله ولا سُنَّة رسولهِ، ولا قول أحدٍ من الصَّحابة، ولا يتوقف إطلاق لفظ (الشهادة) لغة على ذلك. وبالله التوفيق وعلى هذا فليس الإخبار طريقا آخر غير طريق الشهادة "
--------------
(الطرق الحكمية)(ص202-204) [بواسطة الحلقة الثانية عشر من رد الشيخ عبد الله البخاري على أبي الحسن السليماني].