بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فأضع بين أيديكم هذا المقال المهم في بابه وقد لخصت فيه بعض البحوث وزدت بعض الأمور ورتبته
حتى يسهل على طالب العلم الرجوع إليه في هذه المسألة ألا وهي إثبات صفة العَجب لله عز وجل سبحانه وتعالى
قال الفراء : قرأها الناس بنصب التاء ورفعها والرفع أحب إلي لأنها قراءة علي وعبد الله وابن عباس رضي الله عنهم اهـ (أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح (992)
قال إمام المفسرين الطبري رحمه الله:
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قرَّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ؛ فمصيب.
فإن قال قائل: وكيف يكون مصيباً القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟ ! قيل : إنهما وإن اختلف معنياهما؛ فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجِب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركونَ مما قالوه اهـ. (تفسيره:21/23)
2. وقولـه تعالى: { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [الرعد: 5]
نقل ابن جرير في (تفسير) هذه الآيــة بإسناده إلى قتادة قولـه: قولـه: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ: إن عجِبت يا محمد؛ فعجب قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ: عجِب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت اهـ وفي إسناده كلام
قال ابن زنجـلة في ((حجــة القراءات)) (ص 607) بعد ذكــر قراءة بالضم للآية الأولى:
قال أبو عبيد : والشاهد لها مع هذه الأخبار قولـه تعالى : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قولـهمْ) فأخبر جل جلاله أنه عجيب.
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الواسطية:
﴿إِن تَعْجَبْ﴾ أنت ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ يعني تعجب من عدم إيمانهم أو إنكارهم البعث إلى آخره مما قالوه ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ فالمتعجب هو الله جل وعلا
في هذه الآية أيضا إثبات صفة العَجَبْ لله جل وعلا اهـ.
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل] أخرجه البخاري:2788
2. وقال صلى الله عليه وسلم : [قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ] أخرجه الإمام مسلم: 3829 والبخاري بلفظ آخر
3. ومن حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله ليعجب إلى العبد إذا قال : لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي ، فاغفر
لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، قال : عبدي عرف أن له ربا يغفر و يعاقب] السلسلة الصحيحة: 1653
4. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: " إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع " السلسلة الصحيحة: 1652
5. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [عجب ربنا عز وجل من رجل غزا في سبيل الله فانهزم يعني أصحابه فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه فيقول الله تعالى لملائكته انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه ] سنن أبي داود:2536 حسنه الألباني
6. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ ) .رواه أحمد ( 28 / 600 ) وحسنَّه محققوه وضعفه بعضهم
قال شريح : إنَّ الله لا يعجب من شيء ، إنما يعجب من لا يعلم
قال الأعمش : فذكرت لإبراهيم ، فقال : إنَّ شريحاً كان يعجبه رأيه ، إنَّ عبد الله –اي ابن مسعود- كان أعلم من شريح ، وكان عبد الله يقرأها : { بَلْ عَجِبْتُ}.
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي. (في المستدرك: (430/2
2. قول الإمام سفيان ابن عيينه رحمه الله
قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثني أحمد بن نصر قال: سألت ابن عيينة وجعلت ألح عليه، فقال: دعني أتنفس.
فقلت: كيف حديث عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحمل السماوات على إصبع "
وحديث: " إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ".
وحديث: " إن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الاسواق ".
فقال سفيان: هي كما جاءت نقر بها ونحدث بها بلا كيف. (ذكره الذهبي في السير:8/467)
3. قال أبو يعلى الفراء في (إبطال التأويلات) بعد أن ذكر ثلاثة أحاديث في إثبات صفة العَجَب: اعلم أنَّ الكلام في هذا الحديث (يعني: الثالث) كالكلام في الذي قبله، وأنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه وحمله على ظاهره؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت عَجَبَاً هو تعظيم لأمر دَهَمَه استعظمه لم يكن عالماً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته .
4.وقال قوَّام السُّنَّة الأصبهاني: وقال قوم: لا يوصف الله بأنه يَعْجَبُ؛ لأن العَجَب ممَّن يعلم ما لم يكن يعلم، واحتج مثبت هذه الصفة بالحديث، وبقراءة أهل الكوفة: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ؛ على أنه إخبار من الله عَزَّ وجلَّ عن نفسه .
5. وقــال ابن أبي عـاصم في (السـنة): باب: في تَعَجُّبِ ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه، ثم سرد جملة من الأحاديث التي تثبت هذه الصفة لله عَزَّ وجلَّ .
6. قول الإمام الكرجي
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْحَرَمَيْنِ : أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الكرجي فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْفُصُولُ فِي الْأُصُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ إلْزَامًا لِذَوِي الْبِدَعِ وَالْفُضُولِ "........ أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ : فَلْنَعْتَقِدْ أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءَ وَصَفَاتٍ قَدِيمَةً غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ وَأَخْبَرَ بِهَا الرَّسُولُ أَصْحَابَهُ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ وَصَحَّحَهُ النُّقَّادُ الأثبات وَدَلَّ الْقُرْآنُ الْمُبِينُ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَتِينُ عَلَى ثُبُوتِهَا . قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى " وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلٌ لَمْ يَزُلْ وَآخِرٌ لَا يُزَالُ أَحَدٌ قَدِيمٌ[1] وَصَمَدٌ كَرِيمٌ عَلِيمٌ حَلِيمٌ عَلِيٌّ عَظِيمٌ..... إلَى سَائِرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ النَّفْسِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَالْقَدَمِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالرِّضَى وَالْغَضَبِ وَالْمَحَبَّةِ وَالضَّحِكِ وَالْعَجَبِ اهـ (مجموع الفتاوى:4/175-181)
7. قال ابن عبد البر في التمهيد:
الذي عليه أهل السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها الإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها والتصديق بذلك وترك التحديد والكيفية في شيء منه
أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال حديث عبد الله "إن الله عز وجل يجعل السماء على أصبع" وحديث "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن" "وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق" وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث فقال هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف اهـ (7/148-149)
8. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " التَّعَجُّبُ اسْتِعْظَامٌ لِلْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ " . فَيُقَالُ : نَعَمْ . وَقَدْ يَكُونُ مَقْرُونًا بِجَهْلِ بِسَبَبِ التَّعَجُّبِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَا خَرَجَ عَنْ نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ سَبَبَ مَا تَعَجَّبَ مِنْهُ ؛ بَلْ يَتَعَجَّبُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يُعَظِّمُ مَا هُوَ عَظِيمٌ ؛ إمَّا لِعَظَمَةِ سَبَبِهِ أَوْ لِعَظَمَتِهِ . فَإِنَّهُ وَصَفَ بَعْضَ الْخَيْرِ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ . وَوَصَفَ بَعْضَ الشَّرِّ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ فَقَالَ تَعَالَى : { رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } وَقَالَ : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } وَقَالَ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } { وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا } وَقَالَ : { وَلَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } وَقَالَ : { إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } عَلَى قِرَاءَةِ الضَّمِّ فَهُنَا هُوَ عَجَبٌ مِنْ كُفْرِهِمْ مَعَ وُضُوحِ الْأَدِلَّةِ . اهـ (مجموع الفتاوى:123-124/6)
9.قول الإمام ابن قدامة رحمه الله
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في اجتماع الجيوش الإسلامية: قول شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي الذي اتفقت الطوائف على قبوله وتعظيمه وإمامته خلا جهمي أو معطل قال في كتاب إثبات صفة العلو أما بعد فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء....
وقال في عقيدته ومن السنة قول النبي ينزل ربنا إلى سماء الدنيا وقوله لله أفرح بتوبة عبده وقوله يعجب ربك اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَتُبَيِّنُهُ ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُعَبِّرُ عَنْهُ ؛ وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي تَلَقَّاهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقَبُولِ وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهَا كَذَلِكَ . مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ } ؟ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.... وَقَوْلُهُ : { عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غَيْرِهِ يَنْظُرُ إلَيْكُمْ أزلين قنطين فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ } حَدِيثٌ حَسَنٌ اهـ (مجموع الفتاوى:3/139)
وقال رحمه الله: وكذلك في الأحاديث المستفيضة الصحيحة المتلقاة بالقبول كقوله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه [ ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ]..... وفي لفظ : [ إن ربك ليعجب من عبده إذا قال : رب اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري ] اهـ (درء التعارض:2/242-243)
وقال ابن عبد البر في التمهيد:
الذي عليه أهل السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها الإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها والتصديق بذلك وترك التحديد والكيفية في شيء منه أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال حديث عبد الله "إن الله عز وجل يجعل السماء على أصبع" وحديث "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن" "وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق" وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث فقال هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف اهـ (7/148-149)
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أجمع السلف على ثبوت العجب لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل اهـ (شرح اللمعة:45)
إحداهما: أن يكون صادرا عن خفاء الأسباب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه وهذا النوع مستحيل على الله لأن الله لا يخفى عليه شيء.
الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب وهذا هو الثابت لله تعالى. (شرح اللمعة:45) وقد سبق معنا تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الواسطية:
وإنما يكون التعجب لحال المتعجَّبِ منه يعني فعل فعلا غريبا بالنسبة إلى نظرائه أو عجيبا بالنسبة إلى نظرائه اهـ.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
والجواب عليهم:
أن العجب الذي يثبت لله تعالى ليس كعجب المخلوقين؛ لا في حقيقته، ولا في سببه؛ فإن عجب المخلوق يكون لخفاء السبب كما قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب، أما العجب من الله تعالى فإنه واقع مع كمال العلم، لكنه يقتضي أن الشيء الذي عجب الله منه قد تميز عن نظائره.
وتفسير العجب بالرضا لا يصح لعدة أمور:
1_ إن الله يعجب من بعض ما يحب ويعجب من بعض ما يبغض ويسخط كما سبق فهل يقال يرضى عن ما يبغض ويسخط ؟!!
2_ قولكم خلاف ظاهر النص والأصل إبقاء النص على ظاهره
3_ قولكم هذا على خلاف طريقة السلف وسبق تقرير هذا أن مذهب السلف في هذا الإمرار والإقرار
4_ تحريفكم هذا ليس عليه دليل صحيح
5_ لازم طريقتكم فتح الباب لتحريف جميع النصوص الواردة في الصفات وفتح الباب للفلاسفة وغيرهم في تحريف نصوص المعاد واليوم الآخر.
6_ نفيكم لصفة العجب وإثباتكم الرضى أو الإرادة دليل عليكم لأنكم أنكرتم الصفة بزعمكم أن هذه الصفة صفة نقص كالمخلوق فنقول كذلك إثبات الرضى والإرادة نقص كالمخلوق إن قلتم نحن نثبت صفة الرضى والإرادة بلا مماثلة للخلق نقول ونحن نثبت صفة العجب بغير تمثيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تعطيل
[1] _ قال العلامة الشيخ عبد الله ابا بطين رحمه الله:
أسماء الله تعالى عند أهل السنة توقيفية والتوقيفي هو الذي لا يثبت إلا بنص وهذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ليس في شيء منها تسمية الله بالقديم... إلى أن قال..
وبذلك لا يصح إطلاق القديم على الله باعتبار أنه من أسمائه وإن صح الإخبار به عنه كما قلنا: أن باب الأخبار أوسع من باب الإنشاء والله أعلم اهـ. (شرح العقيدة السفارينية للعلامة بن مانع: 7)
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فأضع بين أيديكم هذا المقال المهم في بابه وقد لخصت فيه بعض البحوث وزدت بعض الأمور ورتبته
حتى يسهل على طالب العلم الرجوع إليه في هذه المسألة ألا وهي إثبات صفة العَجب لله عز وجل سبحانه وتعالى
- الدليل من القرآن على إثبات صفة العجب
- قوله تعالى { بل عجبتُ ويسخرون } بالضم وهي قراءة صحيحة مشهورة، وهي قراءة حمزة، والكسائي ، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود رضي الله عنه وصح عنه في البخاري:4692 ، واختارها أبو عبيد، والفراء
قال الفراء : قرأها الناس بنصب التاء ورفعها والرفع أحب إلي لأنها قراءة علي وعبد الله وابن عباس رضي الله عنهم اهـ (أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح (992)
قال إمام المفسرين الطبري رحمه الله:
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قرَّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ؛ فمصيب.
فإن قال قائل: وكيف يكون مصيباً القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟ ! قيل : إنهما وإن اختلف معنياهما؛ فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجِب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركونَ مما قالوه اهـ. (تفسيره:21/23)
2. وقولـه تعالى: { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [الرعد: 5]
نقل ابن جرير في (تفسير) هذه الآيــة بإسناده إلى قتادة قولـه: قولـه: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ: إن عجِبت يا محمد؛ فعجب قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ: عجِب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت اهـ وفي إسناده كلام
قال ابن زنجـلة في ((حجــة القراءات)) (ص 607) بعد ذكــر قراءة بالضم للآية الأولى:
قال أبو عبيد : والشاهد لها مع هذه الأخبار قولـه تعالى : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قولـهمْ) فأخبر جل جلاله أنه عجيب.
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الواسطية:
﴿إِن تَعْجَبْ﴾ أنت ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ يعني تعجب من عدم إيمانهم أو إنكارهم البعث إلى آخره مما قالوه ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ فالمتعجب هو الله جل وعلا
في هذه الآية أيضا إثبات صفة العَجَبْ لله جل وعلا اهـ.
- الأدلة من السنة:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل] أخرجه البخاري:2788
2. وقال صلى الله عليه وسلم : [قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ] أخرجه الإمام مسلم: 3829 والبخاري بلفظ آخر
3. ومن حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله ليعجب إلى العبد إذا قال : لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي ، فاغفر
لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، قال : عبدي عرف أن له ربا يغفر و يعاقب] السلسلة الصحيحة: 1653
4. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: " إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع " السلسلة الصحيحة: 1652
5. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [عجب ربنا عز وجل من رجل غزا في سبيل الله فانهزم يعني أصحابه فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه فيقول الله تعالى لملائكته انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه ] سنن أبي داود:2536 حسنه الألباني
6. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ ) .رواه أحمد ( 28 / 600 ) وحسنَّه محققوه وضعفه بعضهم
- أقوال العلماء:
- قول الإمام إبراهيم رحمه الله
قال شريح : إنَّ الله لا يعجب من شيء ، إنما يعجب من لا يعلم
قال الأعمش : فذكرت لإبراهيم ، فقال : إنَّ شريحاً كان يعجبه رأيه ، إنَّ عبد الله –اي ابن مسعود- كان أعلم من شريح ، وكان عبد الله يقرأها : { بَلْ عَجِبْتُ}.
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي. (في المستدرك: (430/2
2. قول الإمام سفيان ابن عيينه رحمه الله
قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثني أحمد بن نصر قال: سألت ابن عيينة وجعلت ألح عليه، فقال: دعني أتنفس.
فقلت: كيف حديث عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحمل السماوات على إصبع "
وحديث: " إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ".
وحديث: " إن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الاسواق ".
فقال سفيان: هي كما جاءت نقر بها ونحدث بها بلا كيف. (ذكره الذهبي في السير:8/467)
3. قال أبو يعلى الفراء في (إبطال التأويلات) بعد أن ذكر ثلاثة أحاديث في إثبات صفة العَجَب: اعلم أنَّ الكلام في هذا الحديث (يعني: الثالث) كالكلام في الذي قبله، وأنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه وحمله على ظاهره؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت عَجَبَاً هو تعظيم لأمر دَهَمَه استعظمه لم يكن عالماً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته .
4.وقال قوَّام السُّنَّة الأصبهاني: وقال قوم: لا يوصف الله بأنه يَعْجَبُ؛ لأن العَجَب ممَّن يعلم ما لم يكن يعلم، واحتج مثبت هذه الصفة بالحديث، وبقراءة أهل الكوفة: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ؛ على أنه إخبار من الله عَزَّ وجلَّ عن نفسه .
5. وقــال ابن أبي عـاصم في (السـنة): باب: في تَعَجُّبِ ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه، ثم سرد جملة من الأحاديث التي تثبت هذه الصفة لله عَزَّ وجلَّ .
6. قول الإمام الكرجي
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْحَرَمَيْنِ : أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الكرجي فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْفُصُولُ فِي الْأُصُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ إلْزَامًا لِذَوِي الْبِدَعِ وَالْفُضُولِ "........ أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ : فَلْنَعْتَقِدْ أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءَ وَصَفَاتٍ قَدِيمَةً غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ وَأَخْبَرَ بِهَا الرَّسُولُ أَصْحَابَهُ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ وَصَحَّحَهُ النُّقَّادُ الأثبات وَدَلَّ الْقُرْآنُ الْمُبِينُ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَتِينُ عَلَى ثُبُوتِهَا . قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى " وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلٌ لَمْ يَزُلْ وَآخِرٌ لَا يُزَالُ أَحَدٌ قَدِيمٌ[1] وَصَمَدٌ كَرِيمٌ عَلِيمٌ حَلِيمٌ عَلِيٌّ عَظِيمٌ..... إلَى سَائِرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ النَّفْسِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَالْقَدَمِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالرِّضَى وَالْغَضَبِ وَالْمَحَبَّةِ وَالضَّحِكِ وَالْعَجَبِ اهـ (مجموع الفتاوى:4/175-181)
7. قال ابن عبد البر في التمهيد:
الذي عليه أهل السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها الإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها والتصديق بذلك وترك التحديد والكيفية في شيء منه
أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال حديث عبد الله "إن الله عز وجل يجعل السماء على أصبع" وحديث "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن" "وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق" وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث فقال هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف اهـ (7/148-149)
8. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " التَّعَجُّبُ اسْتِعْظَامٌ لِلْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ " . فَيُقَالُ : نَعَمْ . وَقَدْ يَكُونُ مَقْرُونًا بِجَهْلِ بِسَبَبِ التَّعَجُّبِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَا خَرَجَ عَنْ نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ سَبَبَ مَا تَعَجَّبَ مِنْهُ ؛ بَلْ يَتَعَجَّبُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يُعَظِّمُ مَا هُوَ عَظِيمٌ ؛ إمَّا لِعَظَمَةِ سَبَبِهِ أَوْ لِعَظَمَتِهِ . فَإِنَّهُ وَصَفَ بَعْضَ الْخَيْرِ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ . وَوَصَفَ بَعْضَ الشَّرِّ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ فَقَالَ تَعَالَى : { رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } وَقَالَ : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } وَقَالَ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } { وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا } وَقَالَ : { وَلَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } وَقَالَ : { إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } عَلَى قِرَاءَةِ الضَّمِّ فَهُنَا هُوَ عَجَبٌ مِنْ كُفْرِهِمْ مَعَ وُضُوحِ الْأَدِلَّةِ . اهـ (مجموع الفتاوى:123-124/6)
9.قول الإمام ابن قدامة رحمه الله
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في اجتماع الجيوش الإسلامية: قول شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي الذي اتفقت الطوائف على قبوله وتعظيمه وإمامته خلا جهمي أو معطل قال في كتاب إثبات صفة العلو أما بعد فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء....
وقال في عقيدته ومن السنة قول النبي ينزل ربنا إلى سماء الدنيا وقوله لله أفرح بتوبة عبده وقوله يعجب ربك اهـ.
- قبول أهل المعرفة لأحاديث الصفات منها العجب
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَتُبَيِّنُهُ ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُعَبِّرُ عَنْهُ ؛ وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي تَلَقَّاهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقَبُولِ وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهَا كَذَلِكَ . مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ } ؟ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.... وَقَوْلُهُ : { عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غَيْرِهِ يَنْظُرُ إلَيْكُمْ أزلين قنطين فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ } حَدِيثٌ حَسَنٌ اهـ (مجموع الفتاوى:3/139)
وقال رحمه الله: وكذلك في الأحاديث المستفيضة الصحيحة المتلقاة بالقبول كقوله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه [ ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ]..... وفي لفظ : [ إن ربك ليعجب من عبده إذا قال : رب اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري ] اهـ (درء التعارض:2/242-243)
وقال ابن عبد البر في التمهيد:
الذي عليه أهل السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها الإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها والتصديق بذلك وترك التحديد والكيفية في شيء منه أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال حديث عبد الله "إن الله عز وجل يجعل السماء على أصبع" وحديث "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن" "وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق" وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث فقال هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف اهـ (7/148-149)
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أجمع السلف على ثبوت العجب لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل اهـ (شرح اللمعة:45)
- والعَجَبُ نوعان:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إحداهما: أن يكون صادرا عن خفاء الأسباب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه وهذا النوع مستحيل على الله لأن الله لا يخفى عليه شيء.
الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب وهذا هو الثابت لله تعالى. (شرح اللمعة:45) وقد سبق معنا تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الواسطية:
وإنما يكون التعجب لحال المتعجَّبِ منه يعني فعل فعلا غريبا بالنسبة إلى نظرائه أو عجيبا بالنسبة إلى نظرائه اهـ.
- وهي من الصفات الفعلية التي يفعلها متى شاء سبحانه وتعالى.
- فائدة:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
- التعجب كما يدل على محبة الله لفعل نحو "عجب ربك من شاب ليست له صبوة" "ويعجب ربك من رجل ثار من فراشه ووطائه إلى الصلاة" ونحو ذلك
- وقد يدل على بغض الفعل نحو قوله: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} وقوله: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} وقوله: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} وقد يدل على امتناع الحكم وعدم حسنه نحو: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ} وقد يدل على حسن المنع منه وأنه لا يليق به فعله نحو: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ}. اهـ (بدائع الفوائد:4/
- وفسره أهل التعطيل بالرضا ...الخ لأن العجب يلزم منه الجهل والله منزه عن الجهل
والجواب عليهم:
أن العجب الذي يثبت لله تعالى ليس كعجب المخلوقين؛ لا في حقيقته، ولا في سببه؛ فإن عجب المخلوق يكون لخفاء السبب كما قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب، أما العجب من الله تعالى فإنه واقع مع كمال العلم، لكنه يقتضي أن الشيء الذي عجب الله منه قد تميز عن نظائره.
وتفسير العجب بالرضا لا يصح لعدة أمور:
1_ إن الله يعجب من بعض ما يحب ويعجب من بعض ما يبغض ويسخط كما سبق فهل يقال يرضى عن ما يبغض ويسخط ؟!!
2_ قولكم خلاف ظاهر النص والأصل إبقاء النص على ظاهره
3_ قولكم هذا على خلاف طريقة السلف وسبق تقرير هذا أن مذهب السلف في هذا الإمرار والإقرار
4_ تحريفكم هذا ليس عليه دليل صحيح
5_ لازم طريقتكم فتح الباب لتحريف جميع النصوص الواردة في الصفات وفتح الباب للفلاسفة وغيرهم في تحريف نصوص المعاد واليوم الآخر.
6_ نفيكم لصفة العجب وإثباتكم الرضى أو الإرادة دليل عليكم لأنكم أنكرتم الصفة بزعمكم أن هذه الصفة صفة نقص كالمخلوق فنقول كذلك إثبات الرضى والإرادة نقص كالمخلوق إن قلتم نحن نثبت صفة الرضى والإرادة بلا مماثلة للخلق نقول ونحن نثبت صفة العجب بغير تمثيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تعطيل
جمعه وكتبه:
أبو سهيلة حسين بن علي البلوشي عفا الله عنه
أبو سهيلة حسين بن علي البلوشي عفا الله عنه
[1] _ قال العلامة الشيخ عبد الله ابا بطين رحمه الله:
أسماء الله تعالى عند أهل السنة توقيفية والتوقيفي هو الذي لا يثبت إلا بنص وهذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ليس في شيء منها تسمية الله بالقديم... إلى أن قال..
وبذلك لا يصح إطلاق القديم على الله باعتبار أنه من أسمائه وإن صح الإخبار به عنه كما قلنا: أن باب الأخبار أوسع من باب الإنشاء والله أعلم اهـ. (شرح العقيدة السفارينية للعلامة بن مانع: 7)